توحيد المفضل

توحيد المفضل30%

توحيد المفضل مؤلف:
الناشر: مكتبة الداوري
تصنيف: التوحيد
الصفحات: 189

توحيد المفضل
  • البداية
  • السابق
  • 189 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 113215 / تحميل: 7367
الحجم الحجم الحجم
توحيد المفضل

توحيد المفضل

مؤلف:
الناشر: مكتبة الداوري
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

٦١

ورد في كتاب ( السلطان المفرج عن أهل الإيمان )(١) ثلاث حكايات وقعت ببركة صاحب المقام عجل الله تعالى فرجه الشريففي القرن الثامن الهجري ، لم تقتري الحكاية الأولى بتاريخ لكن الحكايتين التاليتين ورد فيهما تاريخ صريح ، فلنورد الحكاية الأولى ثم الثانية والثالثة تباعاً

وقبل أن ننقل الحكايات الثلاث ، تذكر ترجمة صاحب الكتاب ، وثناء العلماء عليه حتى يتبين لنا صدقه في النقل.

أقول : إن مؤلف كتاب ( السلطان المفرج عن أهل الإيمان ) ، هو السيد بهاء الدين علي ابن السيد غياث الدين عبد الكريم بن عبد الحميد بن عبد الله بن أحمد بن حسن بن علي بن محمد بن علي غياث الدين(٢) ابن السيد جلال الدين عبد الحميد(٣) بن عبد الله بن أسامة(٤) بن أحمد بن علي بن محمد بن عمر(٥) بن يحيى ( القائم

__________________

١ ـ نقلاً عن بحار الأنوار / للعلامة المجلسي ( أعلى الله مقامه ).

٢ ـ الذي خرج عليه جماعة من العرب بشط سوراء بالعراق وحملوا عليه وسلبوه فمانعهم عن سلب سراويله فضربه أحدهم فقتله وكان عالماً تقياً.

٣ ـ الذي يروي عنه محمد بن جعفر المشهدي في المزار الكبير وقال فيه : أخبرني السيد الأجل العالم عبد الحميد بن التقي عبد الله بن أسامة العلوي الحسيني رَضيَ اللهُ عَنه في ذي القعدة نم سنة ثمانين وخمسمائة قراءة عليه بحلة الجامعين.

٤ ـ متولّي النقابة بالعراق.

٥ ـ الوئيس الجليل الذي رد الله على يده الحجر الأسود لما نهبت القرامطة مكة في سنة

٦٢

٦٣

بالكوفة ) ابن الحسين ( النقيب الطاهر ابن أبي عاتقة أحمد الشاعر المحدث ) ابن أبي علي عمر بن أبي الحسين يحيى(١) ابن أبي عاتقة الزاهد العابد الحسين(٢) بن زيد الشهيد ابن علي زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب: النيلي(٣) النجفي النسابة.

وهو من مشايخ العلامة أبي العباس أحمد بن فهد المجاز منه في ٧٩١ هـ أدرك أواخر عهد فخر المحققين تـ ٧٧١ هـ والسيدين العلمين عميد الدين وضياء الدين والشهيد محمد بن مكي العاملي ويروي عنهم جميعاً ، كما يروي عن الشيخ المقريء والحافظ شمس الدين محمد بن قارون وغيرهم.

وأما كتابه هذا فقد نقل عنه الشيخ حسن ين سليمان الحلي ( من علماء القرن التاسع ) في كتابه ( مختصر بصائر الدرجات ) ص ١٧٦ ، والعلامة المجلسي; في ( بحار الأنوار ) ، والميرزا الافندي; في ( رياض العلماء ) والبهبهاني; في ( الدمعة الساكبة ).

__________________

ثلاث وعشرين وثلاثمائة وأخذوا الحجر وأتو به إلى الكوفة وعلقوه في السارية السابعة من المسجد التي كان ذكرها أمير المؤمنين7 فإنه قال ذات يوم بالكوفة : لا بد أن يسلب في هذه السارية وأومى إلى السارية السابعة والقصة طويلة وبنى قبة جده أمير المؤمنين7 من خالص ماله.

١ ـ من أصحاب الكاظم7 المقتول سنة خمسين ومثتين الذي حمل رأسه في قوصرة إلى المستعين.

٢ ـ الملقب بذي الدمعة الذي رباه الإمام الصادق7 وأورثه علماً جمّا.

٣ ـ النيل : بلدة تقع على نهر النيل ، وهو يتفرع من نهر الفرات العظمى احتفره الحجاج بن يوسف الثقفي سنة ٨٢ هـ وهي مركز الإمارة المزيدية قبل تأسيس الحلة.

٦٤

ويظهر من بعض حكايات الكتاب أن تاريخ كتابته سنة ٧٨٩ هـ(١) وللسيد هذا كتب أخرى لا أرى بايراد أسمائها هنا بأساً :

أ ـ كتاب الأنوار المضيّة في الحكم الشرعية.

ب ـ كتاب الغيبة.

جـ ـ كتاب الدر النضيد في تعازي الحسين الشهيد.

د ـ سرور أهل الإيمان.

هـ ـ كتاب الانحراف من كلام صاحب الكشاف.

و ـ كتاب الأنصاف في الرد على صاحب الكشاف.

ز ـ كتاب شرح المصباح للشيخ الطوسي.

ي ـ كتاب الرجال ( ينسب اليه ).

في الثناء عليه :

قال تلميذه ابن فهد الحلي; تـ ٨٤١ هـ : حدثني المولى السيد السعيد الإمام بهاء الدين

وقال تلميذه الشيخ حسن بن سليمان الحلي; : ومما رواه لي ورويته عنه السيد الجليل السعيد الموفق الموثق بهاء الدين

وقال العلامة المجلسي; : السيد النقيب الحسيب بهاء الدين

وقال الميرزا الافندي; : السيد المرتضى النقيب الحسيب

__________________

١ ـ وللاسف الشديد ان هذا الكتاب لم يطبع إلى الآن برغم وجود نسخه الخطية في المكتبات العامة فمن قلمنا هذا ندعو مؤسسات النشر والتأليف إلى اخراجه للطبع وطبع كتب هذا السيد الجليل وتحقيقها خدمة للمذهب الإمامي واحياءً لآثار هذا السيد الجليل.

٦٥

النسابة الكامل السعيد الفقيه الشاعر الماهر العالم الفاضل الكامل صاحب المقامات والكرامات العظيمة قدس الله روحه الشريفة كان من أفاضل عصره وقال الميرزا النوري; : السيد الأجل الأكمل الارشد المؤيد العلامة النحرير ،(١) كان حياً سنة ٨٠٠ هـ

الحكاية الأولى :

حكاية أبي راجح الحمامي الشيخ الذي أصبح شاباً

نقل العلامة المجلسي ( ١٠٣٧ ـ ١١١١ هـ ) في بحار الانوار عن كتاب ( السلطان المفرج عن أهل الايمان ) تأليف العامل الكامل السيد علي بن عبد الحميد النيلي النجفي ، انه قال : فمن ذلك ما اشتهر وذاع ، وملأ البقاع ، وشهد بالعيان أبناء الزمان ، وهو قصّة أبي راجح الحمامي بالحلة ، وقد حكى ذلك جماعة من الاعيان الاماثل ، وأهل الصدق الافاضل ، منهم الشيخ الزاهد العابد المحقق شمس الدين محمد بن قارون سلّمه الله تعالى قال :

كان الحاكم بالحلة شخصاً يدعى مرجان الصغير ، فرفع إليه أنّ أباراجح هذا يسبّ الصحابة ، فأحضره وأمر بضربه فضرب ضرباً شديداً مهلكاً على جميع بدنه ، حتى انه ضرب على وجهه فسقطت ثناياه ، وأخرج لسانه فجعل فيه مسلّة من الحديد ، وخرق النفه ، ووضع فيه شركة من الشعر وشدّ فيها حبلاً وسلمه الى جماعة من اصحابه ،

__________________

١ ـ انظر : رياض العلماء ج ٤ / ص ٨٨ و ١٢٤ ـ ١٣٠ ، خاتمة المستدرك ط ح ص ٤٣٥ ، سفينة البحار ج ٢ / ط. ح / ص ٢٤٨ الذريعة في أجزائها وطبقات أعلام الشيعة.

٦٦

وأمرهم أن يدوروا به أزقّة الحلة ، والضرب يأخذه من جميع جوانبه ، حتى سقط الى الارض وعاين الهلاك ، فأخبر الحاكم بذلك ، فأمر بقتله ، فقال الحاضرون انه شيخ كبير ، وقد حصل له ما يكفيه ، وهو ميّت لما به فاتر كه وهو يموت حتف أنفه ، ولا تتقلّد بدمه ، وبالغوا في ذلك حتى أمر بتخليته وقد انتفخ وجهه ولسانه ، فنقله أهله في البيت ولم يشكّ أحدّ أنه يموت من ليلته.

فلما كان من الغدغدا عليه الناس فاذا هو قائم يصلّي على أتم حالة ، وقد عادت ثناياه التي سقطت كما كانت ، واندملت جراحاته ، ولم يبق لها أثر ، والشجّة قد زالت من وجهه!

فعجب الناس من حاله وساءلوه عن أمره فقال : اني لما عاينت الموت ولم يبق لي لسان اسأل الله تعالى به فكنت اسأله بقلبي واستغثت الى سيدي ومولاي صاحب الزمان7 .

فلما جنّ عليّ الليل فاذا بالدار قد امتلأت نوراً وإذا بمولاي صاحب الزمان7 قد أمرّ يده الشريفة على وجهي وقال لي : ( اخرج وكدّ على عيالك ، فقد عافاك الله تعالى ) فأصبحت كما ترون.

وحكى الشيخ شمس الدين محمد بن قارون المذكور قال :

وأقسم بالله تعالى إن هذا ابو راجح كان ضعيفاً جداً ، ضعيف التركيب ، اصفر اللون ، شين الوجه ، مقرض اللحية ، وكنت دائماً أدخل في الحمام الذي هو فيه ، وكنت دائماً أراه على هذه الحالة وهذا الشكل.

فلما أصبحت كنت ممن دخل عليه ، فرأيته وقد اشتدّت قوته وانتصبت قامته ، وطالت لحيته ، واحمر وجهه ، وعاد كأنّه ابن عشرين سنة ولم يزل على ذلك حتى أدر كته الوفاة.

٦٧

ولما شاع هذا الحبر وذاع ، طلبه الحاكم وأحضره عنده وقد كان رآه بالأمس على تلك الحالة ، وهو الان على ضدّها كما وصفناه ، ولم يرَ لجراحاته أثراً ، وثناياه قد عادت ، فداخل الحاكم في ذلك رعب عظيم ، وكان يجلس في مقام الأمام7 في الحلة ويعطي ظهره القبلة الشريفة ، فصار بعد ذلك يجلس ويستقبلها ، وعاد يتلطّف بأهل الحلة ، ويتجاوز عن مسيئهم ، ويحسن الى محسنهم ، ولم ينفعه ذلك بل لم يلبث في ذلك الا قليلاً حتى مات.(١)

أقول : روحي وأرواح العالمين لك الفداء.

إيه أيتها الجوهرة المحفوفة بالاسرار كم جهلناك وكم بخسناك حقك؟!

كم أغفلنا ذكرك وانشغلنا بغيرك كم سرحنا أفكارنا بعيداً عنك؟

أترك تعطف علينا اليوم بنظرة من تلك التي مننت بها على ذاك الرجل صاحب الحمام ( العمومي ) ، فتمسح قلوبنا بذاك الاكسير؟! فنحن في هذا الحمى.

بحث حول الحكاية :

أقول : إن هذه الحكاية مشهورة ومتواترة النقل في عصر المؤلف السيد بهاء الدين وتناقلها علماء الحلة ، انظر إلى قول السيد في بداية الحكاية ( فمن ذلك ما اشتهر وذاع وملأ البقاع وشهد بالعيان أبناء الزمان وقد حكى ذلك جماعة من الأعيان الأماثل وأهل الصدق الأفاضل ).

__________________

١ ـ انظر : بحار الانوار ج ٥٢ / ص ٧١ ؛ النجم الثاقب ج ٢ / ص ٢١٩.

٦٨

في أحوال راوي الحكاية وعصرها :

أقول : إن راوي الحكاية هو شمس الدين محمد بن قارون الذي لم أجد له ترجمة في كتب الرجال ، فللفائدة والاستدراك على الكتب الرجالية نذكر ترجمته :

قال السيد بهاء الدين : انه من الأعيان وأهل الصدق الأفاضل ، وقال عنه أيضاً الشيخ الزاهد العابد المحقق شمس الدين محمد بن قارون ،(١) المحترم العامل الفاضل(٢) الشيخ العالم الكامل القدوة المقري الحافظ المحمود المعتمرشمس الحق والدين محمد بن قارون.(٣)

وكما قال عنه الشيخ شمس الدين محمد بن قارون السيبي ،(٤) وكما وصفه أيضاً الشيخ عز الدين حسن بن عبد الله بن حسن التغلبي بـ ( الشيخ الصالح محمد بن قارون ) ،(٥) كان حياً سنة ٧٥٩ هـ

فهو يعد من مشايخ السيد بهاء الدين ، يعني أن شمس الدين كان بالقطع مععاصراً للشهيد الأول ( ٧٣٤ ـ ٧٨٦ هـ ) فاذن وجود شمس الدين محمد بن قارون في بداية القرن الثامن الهجري حياً وروايته لهذه الحكاية ، يدل على أن الحكاية وقعت في النصف الأول من هذا

__________________

١ ـ انظر : بحار الأنوار / المجلسي; ، ج ٥٢ / ص ٧١.

٢ ـ انظر : المصدر السابق ص ٧٢.

٣ ـ انظر : جنة المأوى / النوري; ص ٢٠٢.

٤ ـ نسبة إلى ( السيب ) بكسر أوله وسكون ثانيه ، وهو نهر في ذنابة الفرات بقرب الحلة ، وعليه بلد يسمى باسمه.

٥ ـ كتاب الدر النضيد في تعازي الحسين الشهيد نقلا عن رياض العلماء ج ٢ / ص ١١.

٦٩

القرن السالف الذكر والدليل على ذلك الحكاية الثانية التالية والتي يرويها أيضا شمس الدين محمد بن قارون والحاصلة في سنة ٧٤٤ هـ

وهو غير الشيخ الفقيه الصالح شمس الدين محمد بن أحمد بن صالح السيبي القسيني ، تلميذ السيد فخار بن معد الموسوي المجاز منه سنة ٦٣٠ هـ ( وهي سنة وفاة السيد فخار ) وهو صغير لم يبلغ الحلم وأجازه الشيخ والده أحمد سنة ٦٣٥ هـ وأجازه الشيخ محمد بن أبي البركات اليماني الصنعاني سنة ٦٣٦ هـ والمجيز لنجم الدين طومان بن أحمد العاملي سنة ٧٢٨ هـ فإن هذا الشيخ متقدم على الشيخ شمس الدين محمد بن قارون السيبي.(١)

تنبيه لكل نبيه :

قال ابن بطوطة في رحلته ( سافرنا من البصرة فوصلنا إلى مشهد علي ابن ابي طالب رَضي اللهُ عَنه وزرنا ، ثم توجهنا إلى الكوفة فزرنا مسجدها المبارك ثم إلى الحلة حيث مشهد صاحب الزمان واتفق في بعض الأيام أن وليها بعض الامراء فمنع أهلها من التوجه على عادتهم الى مسجد صاحب الزمان وانتظاره هنالك ومنع عنهم الدابة التي كانوا يأخذونها كل ليلة من الأمير فأصابت ذلك الوالي علة مات منها سريعاً فزاد ذلك في فتنة الرافضة وقالوا انما أصابه ذلك لأجل منعه الابة فلم تمنع بعد ).(٢)

أقول : ان كلام ابن بطوطة المتقدم آنفاً هو في زيارته الثانية للحلة ، فابن بطوطة مرَّ في الحلة مرتين الأولى كانت سنة ٧٢٥ هـ في عهد الوالي ( حسن

__________________

١ ـ انظر : الذريعة إلى تصانيف الشيعة / الطهراني; ج ١ / ص ٢٢٩ و ٢٢٠.

٢ ـ انظر : رحلة ابن بطوطة ج ٢ / ص ١٧٤.

٧٠

الجلايري ) والثانية بعد عودته من بلاد الهند والصين والتتر وبينهما عدة سنين ، وأظن ان الوالي المذكور في حكاية أبي راجح الحمامي والمذكور في زيارة ابن بطوطة الثانية واحد باعتبار أن عصر الحكايتين واحد وان الوالي المذكور في الحكايتين كان يؤذي أهل الحلة ( فالأمر ليس أمر انتظار صاحب الزمان ولا أمر الدابة ) ، وقد مات بفعله هذا ، وهذا عن أهل الحلة ليس ببعيد ففيهم بقول أمير المؤمنين7 : ( يظهر بها قوم أخيار لو أقسم أحدهم على الله لأبرقسمه ).(١)

الحكاية الثانية :

حكاية ابن الخطيب وعثمان والمرأة العمياء التي أبصرت

ونقل من ذلك الكتاب عن الشيخ المحترم العامل الفاضل شمس الدين محمد بن قارون المذكور قال :

كان من أصحاب السلاطين المعمر بن شمس يسمى مذوّر ، يضمن القرية المعروفة ببرس ، ووقف العلويين ، وكان له نائب يقال له : ابن الخطيب وغلام يتولّى نفقاته يدعى عثمان ، وكان ابن الخطيب من أهل الصلاح والايمان بالضدّ من عثمان وكانا دائماً يتجادلان ، فاتفق انهما حضرا في مقام ابراهيم الخليل7 بمحضر جماعة من الرّعيّة والعوام فقال ابن الخطيب لعثمان : يا عثمان الان اتضح الحق واستبان ، أنا أكتب على يديّ من أتولاه ، وهم علي والحسي والحسين ، واكتب أنت من تتولاه ابوبكر وعمر وعثمان ، ثم تشدّ يديّ ويدك ، فأيّهما احترقت يده بالنار كان على الباطل ، ومن سلمت يده كان على الحق ، فنكل عثمان ، وأبى أن يفعل ، فأخذ الحاضرون من الرّعيّة

____________

١ ـ انظر : بحار الأنوار المجلسي; ج ٦ / ص ١٢٢.

٧١

والعوان بالعياط عليه ، هذا وكانت ام عثمان مشرفة عليهم تسمع كلامهم فلمّا رأت ذلك لعنت الحضور الذين كانوا يعيّطون على ولدها عثمان وشتمتهم وتهدّدت وبالغت في ذلك فعميت في الحال! فلما أحست بذلك نادت الى رفقائها فصعدن اليها فاذا هي صحيحة العينين! لكن لاترى شيئاً ، فقادوها وأنزلوها ، ومضوا بها الى الحلة وشاع خبرها بين الصحابها وقرائبها وترائبها ، فاحضروا لها الاطباء من بغداد والحلة ، فلم يقدروا لها على شيء ، فقال لها نسوة مؤمنات كنّ أخدانها : ان الذي أعماكِ هو القائم7 فأن تشيعتي وتولّيتي وتبرأتي ( كذا )(١) ضمنّا لك العافية على الله تعالى ، وبدون هذا لا يمكنك الخلاص ، فأذعنت لذلك ورضنبت به ، فلما كانت ليلة الجمعة حملنها حتى أدخلنها القبة الشريفة في مقام صاحب الزمان7 وبتن بأجمعهنّ في باب القبة ، فلما كان ربع الليل فاذا هي قد خرجت عليهنّ وقد ذهب العمى عنها! وهي تقعدهنّ واحدة بعد واحدة وتصف ثيابهنّ وحليَهنَ ، فسررن بذلك ، وحمدنَ الله تعالى على حسن العافية ، وقلن لها : كيف كان ذلك؟! فقالت : لما جعلتنني في القبة وخرجتنّ عني أحسست بيد قد وضعت على يديّ ، وقائل يقول : اخرجي قد عافاك الله تعالى. فانكشف العمى عني ورأيت القبة قد امتلات ونوراً ورأيت الرجل ، فقلت له : من أنت يا سيدي؟ فقال : محمد بن الحسن ، ثم غاب عني ، فقمنَ وخرجنَ الى بيوتهنّ وتشيّع ولدها عثمان وحسن اعتقاده واعتقاد أمه المذكورة ، واشتهرت القصة بين أولئك الأقوام ومن سمع هذا الكلام واعتقد وجود الأمام7 وكان ذلك في سنة أربع واربعين وسبعمائة.(٢)

__________________

١ ـ كذا ورد في المطبوع والاصح ( تشيعتِ وتوليتِ وتبرأتِ ).

٢ ـ انظر : بحار الانوار ج ٥٢ / ص ٧٢ ؛ النجم الثاقب ج ٢ / ص ٢٢٠.

٧٢

أقول : حدثت هذه الكرامة سنة ( ٧٤٤ هـ / ١٣٢٣ م ) وراويها محمد بن قارون المتقدم ذكره وترجمته في الحكاية الأولى من هذا الباب.

وبرس : بضم الباء وسكون الراء والسين المهملة ناحية من ارض بابل وهي بحضرة الصرح ( صرح نمرود بن كنعان ) وهي الآن قرية معروفة بقبل الكوفة وينسب إليها الحافظ رجب البرسي; .

ومقام ابراهيم الخليل7 : موجود الى زماننا هذا ويقع بالحلة في تلك القرية ( تشرفت بزيارته انا عدة مرات ).

لحكاية الثالثة :

حكاية شفاء الشيخ جمال الدين الزهدري

وذكر هناك أيضاً : أي ( في كتاب السلطان المفرج عن أهل الايمان ).

ومن ذلك بتأريخ صفر سنة سبعمائة وتسع وخمسين حكي لي المولى الاجل الامجد العالم الفاضل ، القدوة الكامل ، المحقّق المدقّق ، مجمع الفضائل ومرجع الافاضل ، افتخار العلماء في العالمين ، كمال الملة والدين ، عبد الرحمن ابن العمّاني ( كذا ) ، وكتب بخطه الكريم ، عندي ما صورته :

قال العبد الفقير الى رحمة الله تعالى عبد الرحمن بن ابراهيم القبائقي :(١) اني كنت أسمع في الحلة السيفية حماها الله تعالى ان المولى الكبير المعظم جمال الدين ابن الشيخ الاجل الاوحد الفقيه القاريء نجم الدين جعفر ابن الزاهدري كان به فالج ، فعالجته جدّته لأبيه بعد موت أبيه بكل علاج للفالج فلم يبرأ ، فأشار عليها بعض

__________________

١ ـ هكذا ورد في الاصل والصحيح العتالقي.

٧٣

الاطباء ببغداد فأحضرتهم فعالجوه زماناً طويلاً فلم يبرأ ، وقيل لها :ألا تبيّتينه تحت القبة الشريفة بالحلة المعروفة بمقام صاحب الزمان 7 لعل الله تعالى يعافيه ويبرأه ، ففعلت وبيّتته تحتها وان صاحب الزمان7 أقامه وأزال عنه الفالج.

ثم بعد ذلك حصل بيني وبينه صحبة حتى كّنا لم نكد نفترق ، وكان له دار المعشرة ، يجتمع فيها وجوه أهل الحلة وشبابهم وأولاد الاماثل منهم ، فاستحكيته عن هذه الحكاية ، فقال لي :

إني كنت مفلوجاً وعجز الاطباء عني ، وحكى لي ما كنت اسمعه مستفاضاً في الحلة من قضيته وان الحجة صاحب الزمان7 قال لي : ( وقد أباتتني جدّتي تحت القبة ) :قم.

فقلت : ياسيدي لا أقدر على القيام منذ سنتي ، فقال :قم باذن الله تعالى وأعانني على القيام ، فقمت وزال عني الفالج ( أي شلل الاعضاء ).

وانطبق عليّ الناس حتى كادوا يقتلونني ، وأخذوا ما كان عليّ من الثياب تقطيعاً وتنتيفاً يتبرّكون فيها ، وكساني الناس من ثيابهم ، ورحت الى البيت ، وليس بيّ أثر الفالج ، وبعثت الى الناس ثيابهم ، وكنت أسمعه يحكي ذلك للناس ولمن يستحكيه مراراً حتى مات; .(١)

بحث حول الحكاية :

تاريخ الحكاية : أقول ، إنَّ تاريخ نقل هذه الحكاية هو سنة ( ٧٥٩ هـ ـ ١٢٣٨ م ).

__________________

١ ـ انظر : بحار الانوار ج ٥٢ / ص ٧٣.

٧٤

راوي الحكاية : الشيخ العالم الفاضل المحقق المدقق الفقيه المتبحر كمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن ابراهيم ابن العتايقي(١) الحلي الامامي ، كان معاصرا للشهيد الاول; وبعض تلامذة العلامة الحلي; ، وقال البعض انه ادرك العلامة ، وتلمذ على يد نصير الدين علي بن محمد الكاشي تـ ٧٥٥ هـ ، وكان من مشايخ السيد بهاء الدين علي بن عبد الحميد النجفي ، وبروي عن جماعة منهم جمال الدين الزهدري ، توفى بعد سنة ٧٨٨ هـ التي الف فيها كتابه ( الارشاد في معرفة الابعاد ) وهو صاحب التصانيف الكثيرة والموجود بعضها في الخزانة الغروية ، ولا أرى بأماً بايراد اسمائها هنا فله كتاب ( شرح على نهج البلاغة ) وكتاب ( مختصر الجزء الثاني من كتاب الاوائل لأبي هلال العسكري ) وكتاب ( الاعمار ) وكتاب ( الاضداد في اللغة ) وكتاب ( الايضاح والتبيين في شرح منهاج اليقين ) وكتاب ( اختيار حقائق الخللفي دقائق الحيل ) وكتاب ( صفوة الصفوة ) وكتاب ( اختصار كتاب بطليموس ) وكتاب ( الشهدة في شرح معرف الزبدة ) وكتاب ( الايماقي ) وكتاب ( في التفسير وهو مختصر تفسير القمي ) وكتاب ( الارشاد ) و( الرسالة المفيدة لكل طالب مقدار ابعاد الافلاك والكواكب ) وله ( شرح على الجغميني ) وله ( شرح التلويح ) ، وغيرها من الكتب في شبى أنواع العلوم ، وللأسف الشديد ان كتبه لم تر النور.

_________________

١ ـ العتائقي نسبة الى العتائق قرية بقرب الحلة المزيدية ، وليس بالقبائقي كما في نسخ البحار المطبوعه فانه تصحيف ، كما اني لم ارَّ من الرجاليين من ذكرن بابن العماني بل المشهور انه ابن العتائقي ولعلها تصحيف ايضا او من خطأ النساخ.

٧٥

الى الآن مع كثرتها سوى كتابه ( الناسخ والمنسوخ ) فمن قلمنا هذا ندعو دور النشر والتأليف لأخراج كتبه خدمة للمذهب الامامي واحياء لآثار هذا الشيخ الجليل ، وصرح جمع من العلماء كالسيد محسن الأمين; والشيخ عباس القمي; والشيخ اغا بزرك الطهراني بمشاهدة كتبه في الخزانة الغروبة وكتب أخرى لغيره بخط يده ذكر فيها نسبه وتأريخه من ( ٧٣٨ ـ ٧٨٨ هـ ).(١)

صاحب الحكاية : الشيخ جمال الدين بن نجم الدين جعفر الزهدري ، لم أجد له ذكراً في كتب الرجال وانما وقفت على ترجمة والده الاجل الشيخ جعفر الزهدري صاحب كتاب ( ايضاح ترددات الشرائع )(٢) ويظهر من ثناء ابن العتائقي عليهما ، عظيم منزلتهما وجلالتهما.

وبهذه الحكاية انتهى ما أردنا نقله من حكايات كتاب ( السلطان المفرج عن اهل الايمان ).

الحكاية الرابعة :

حكاية ابن ابي الجواد النعماني

قال العالم الفاضل المتبحّر النقّاد الآميرزا عبد الله الاصفهاني الشهير بالافندي في المجلد الخامس من كتاب ( رياض العلماء

__________________

١ ـ انظر : رياض العلماء ج ٣ / ص ١٠٣ ، سفينة البحار ط ج / ج ٢ / ص ١٥٧ ، كذلك الذريعة في اجزائها.

٢ ـ وقد طبع الكتاب في زماننا هذا بجهود العلامة الحجة السيد محمود المرعشي في قم المقدسة وقد رأيت نسخته المطبوعة.

٧٦

وحياض الفضلاء ) في ترجمة الشيخ ابن ابي الجواد النِّعماني(١) انه ممن رأى القائم7 في زمن الغيبة الكبرى ، وروى عنه7 ، ورأيت في بعض المواضع نقلاً عن خط الشيخ زين الدين علي بن الحسن بن محمد الخازن الحائري تلميذ الشهيد انه قد رأى ابن ابي جواد النعماني مولانا المهدي7 فقال له :

يا مولاي لك مقام بالنعمانية ومقام بالحلة ، فأين تكون فيهما؟

فقال له :أكون بالنعمانية ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء ، ويوم الجمعة وليلة الجمعة أكون بالحلة ولكن أهل الحلة ما يتأدّبون في مقامي ، وما من رجل دخل مقامي بالأدب يتأدّب ويسلم عليّ وعلى الأئمة وصلّى عليّ وعليهم اثني عشر (٢) مرة ثم صلى ركعتين بسورتين ، وناجى الله بهما المناجاة إلاّ اعطاه تعالى ما يسأله احدها المغفرة.

فقلت : يا مولاي علمني ذلك.

فقال : قل« اللهم قد أخذ التأديب مني حتى مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ، وان كان ما اقترفته من الذنوب استحق به أضعاف أضعاف ما أدبتني به ، وأنت حليم ذو اناة تعفو عن كثير حتى يسبق عفوك ورحمتك عذابك » وكررها عليّ ثلاثاً حتى فهمتها(٣) .(٤)

__________________

١ ـ النعمانية : بليدة بناها النعمان بن المنذر وتقع بين واسط وبغداد في نصف الطريق على ضفة دجلة معدودة من اعمال الزاب الاعلى.

٢ ـ هكذا ورد في المطبوع والاصح اثنتي عشرة.

٣ ـ قال المؤلف; : يعني حفظتها.

٤ ـ انظر : النجم الثاقب / النوري; ج ٢ / ص ١٣٨.

٧٧

بحث حول الحكاية :

راوي الحكاية : زين الدين علي بن أبي محمد الحسن بن محمد الخازن الحائري ، تلميذ الشهيد الاول ( ٧٣٤ ـ ٧٨٦ هـ ) وقد أجازه الشهيد الاول سنة ٧٨٤ هـ وهو من مشايخ العلامة أبي العباس أحمد بن فهد الحلي ويروي عنه ، وأجازه في سنة ٧٩١ هـ ويعبر عنه بالشيخ علي الخازن الحائري ، وهو من علماء المائة الثامنة ، قال عنه الشهيد الاول; في إجازته له :

المولى الشيخ العالم التقي الورع المحصل العالم بأعباء العلوم الفائق أولي الفضائل والفهوم زين الدين أبو علي(١)

صاحب الحكاية : ابن أبي الجواد النعماني ، لم أجد له ترجمة في كتب الرجال ، سوى ما ترجمه ناقل الحكاية الافندي; في كتابه رياض العلماء الذي فقد معظم مجلداته ، ويظهر من راوي الحكاية الشيخ علي الخازن الذي هو من تلاميذ الشهيد الاول; أنَّ ابن ابي الجواد من طبقة الشهيد الاول ، أي من تلامذة العلامة الحلي; .

أقول : ولا يبعد اتحاده بالشيخ الفاضل العالم المتكلم عبد الواحد بن الصفي النعماني ، صاحب كتاب ( نهج السداد في شرح رسالة واجب الاعتقاد ) الذي نسبه اليه الكفعمي; في حواشي مصباحه ونؤيد ما قلناه آنفاً قول المتبحر الخيبر الافندي; في كتاب رياض العلماء ج ٣ ص ٢٧٩ قال : » وأظن أنه من تلامذة الشهيد أو تلامذة تلامذته « فلاحظ.

__________________

١ ـ انظر : رسائل الشهيد الاول ص ٣٠٤ وطبقات اعلام الشيعة للطهراني; .

٧٨

أقول : ومن خلال هذه الحكاية نستدل على شهرة المقام في ذلك القرن إذ الرجل من النعمانية ويسأله عن مقامه7 في الحلة ويستدل أيضاً على استحباب زيارة المقام الشريف في الحلة في ليلة الجمعة ويومها لوجود الإمام به ، وربما ينفي الزائر للمقام هذا الكلام ، فنقول له : إن الأمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ليس بغائب ولكن هو غائب عمّن هو غائب عن الله.

وعلى أهل الحلة وغيرهم أن يتأدّبوا بمقامه جلّ التأدب ( فلا لاختلاط الرجال بالنساء في المصلى ، ولا لتبرج النساء ، ولا ) مما يصل الى سوء الادب بمحضر نائب الملك العلام ، فان أهل الحلة أشاد بهم أمير المؤمنين7 وأيّ إشادة ، فليكونوا دئاماً مصداق حديث مولاهم ومولاي علي بن أبي طالب7 .

فقد ذكر الشيخ عباس القمي في كتابه وقائع ايام ص (٣٠٢) :

روى أصبغ بن نباتة قال : صحبت مولاي أمير المؤمنين7 عند وروده صفين ، وقد وقف على تل ثم أومأالى أجمة ما بين بابل والتل قال :مدينة وأي مدينة.

فقلت له : يامولاي أراك تذكر مدينة أكان هناك مدينة وانمحت آثارُها؟ فقال7 : لا ولكن ستكون مدينة يقال لها الحلة ( السيفية ) يمدتها رجل من بني أسد يظهر بها قوم أخيار لو أقسم أحدهم على الله لأبرّ قسمه. (١)

* * *

__________________

١ ـ انظر : بحار الانوار ، ٦ / ١٢٢ رواية ٥٥.

٧٩

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

عنه وحافظ له ينتقل على الحيطان والسطوح في ظلمة الليل لحراسة منزل صاحبه وذب الذعار عنه، ويبلغ من محبته لصاحبه أن يبذل نفسه للموت دونه ودون ماشيته وماله ويألفه غاية الإلف(١) حتى يصبر معه على الجوع والجفوة فلم طبع الكلب على هذه الألفة والمحبة إلا ليكون حارسا للإنسان له عين(٢) بأنياب(٣) ومخالب ونباح هائل ليذعر منه السارق ويتجنب المواضع التي يحميها ويخفرها(٤) .

( وجه الدابة وفمها وذنبها وشرح ذلك)

يا مفضل تأمل وجه الدابة كيف هو فإنك ترى العينين شاخصتين أمامها لتبصر ما بين يديها لئلا تصدم حائطا أو تتردى في حفرة وترى الفم مشقوقا شقا في أسفل الخطم(٥) ولو شق كمكان الفم من الإنسان في مقدم الذقن لما استطاع أن يتناول به شيئا من الأرض ألا ترى أن الإنسان لا يتناول الطعام بفيه ولكن بيده تكرمة له على

__________________

(١) الالف - بفتح فسكون - المحبة والانس.

(٢) العين - بالفتح - الغلظة في الجسم والخشونة.

(٣) الانياب جمع ناب وهو السن خلف الرباعية مؤنث.

(٤) يخفرها: يجيرها ويؤمنها.

(٥) خطم الدابّة: مقدم انفها وفمها.

١٠١

سائر الآكلات فلما لم يكن للدابة يد تتناول بها العلف جعل خرطومها(١) مشقوقا من أسفله لتقبض على العلف ثم تقضمه وأعينت بالجحفلة(٢) لتتناول بها ما قرب وما بعد اعتبر بذنبها والمنفعة لها فيه فإنه بمنزلة الطبق(٣) على الدبر والحياء جميعا يواريهما ويسترهما ومن منافعها فيه أن ما بين الدبر ومراقي البطن منها وضر(٤) يجتمع عليها الذباب والبعوض فجعل لها الذنب كالمذبة(٥) تذب بها عن تلك المواضع ومنها أن الدابة تستريح إلى تحريكه وتصريفه يمنة ويسرة فإنه لما كان قيامها على الأربع بأسرها وشغلت المقدمتان بحمل البدن عن التصرف والتقلب كان لها في تحريك الذنب راحة وفيه منافع أخرى يقصر عنها الوهم فيعرف موقعها في وقت الحاجة إليها فمن ذلك أن الدابة ترتطم في الوحل(٦) فلا يكون شيء أعون على نهوضها من الأخذ بذنبها وفي شعر الذنب منافع للناس كثيرة يستعملونها في مآربهم ثم جعل ظهرها مسطحا مبطوحا على قوائم أربع ليتمكن من ركوبها وجعل حياها بارزا من ورائها ليتمكن الفحل من ضربها ولو كان أسفل البطن كما كان الفرج من المرأة

__________________

(١) الخرطوم: الانف او مقدمه او ما ضممت عليه الحنكين.

(٢) الجحفلة هي لذات الحافر كالشفة للإنسان.

(٣) الطبق - بفتحتين - مصدر الغطاء جمعه اطباق.

(٤) الوضر - بفتحتين - مصدر الوسخ.

(٥) المذبة - بالكسر - ما يذب به الذباب.

(٦) الوحل - بفتحتين - الطين الرقيق جمعه وحول وأوحال.

١٠٢

لم يتمكن الفحل منها ألا ترى أنه لا يستطيع أن يأتيها كفاحا(١) كما يأتي الرجل المرأة.

( الفيل ومشفره)

تأمل مشفر(٢) الفيل وما فيه من لطيف التدبير فإنه يقوم مقام اليد في تناول العلف والماء وازدرادهما إلى جوفه ولو لا ذلك لما استطاع أن يتناول شيئا من الأرض لأنه ليست له رقبة يمدها كسائر الأنعام فلما عدم العنق أعين مكان ذلك بالخرطوم الطويل ليسدله فيتناول به حاجته فمن ذا الذي عوضه مكان العضو الذي عدم ما يقوم مقامه إلا الرءوف بخلقه؟ وكيف يكون هذا بالإهمال كما قالت الظلمة فإن قال قائل فما باله لم يخلق ذا عنق كسائر الأنعام قيل إن رأس الفيل وأذنيه أمر عظيم وثقل ثقيل فلو كان ذلك على عنق عظيم لهدها وأوهنها فجعل رأسه ملصقا بجسمه لكيلا يناله منه ما وصفناه وخلق له مكان العنق هذا المشفر ليتناول به غذاءه فصار مع عدم العنق مستوفيا ما فيه بلوغ حاجته

__________________

(١) الكفاح - بالكسر - الملاقاة وجها لوجه.

(٢) المشفر - بكسر فسكون ففتح - الشفة وتستعمل للبعير الا ان الإمام الصّادق عدل المعنى الى خرطوم الفيل إذ هو بمثابة الشفاه، بل هو شفاهه الحقيقية التي بها يتناول العلف والماء.

١٠٣

( حياء الأنثى من الفيلة)

انظر الآن كيف جعل حياء الأنثى من الفيلة في أسفل بطنها فإذا هاجت للضراب ارتفع وبرز حتى يتمكن الفحل من ضربها فاعتبر كيف جعل حياء الأنثى من الفيلة على خلاف ما عليه في غيرها من الأنعام ثم جعلت فيه هذه الخلة ليتهيأ للأمر الذي فيه قوام النسل ودوامه.

( الزرافة وخلقتها وكونها ليست من لقاح أصناف شتى)

فكر في خلق الزرافة واختلاف أعضائها وشبهها بأعضاء أصناف من الحيوان فرأسها رأس فرس وعنقها عنق جمل وأظلافها أظلاف بقرة وجلدها جلد نمر.

وزعم ناس من الجهال بالله عز وجل أن نتاجها من فحول شتى قالوا وسبب ذلك أن أصنافا من حيوان البر إذا وردت الماء تنزو على بعض السائمة وينتج مثل هذا الشخص الذي هو كالملتقط من أصناف شتى وهذا جهل من قائله وقلة معرفة بالبارئ جل قدسه وليس كل صنف من الحيوان يلقح كل صنف فلا الفرس يلقح الجمل ولا الجمل يلقح البقر وإنما يكون التلقيح من بعض الحيوان فيما يشاكله ويقرب من خلقه كما يلقح الفرس الحمار فيخرج بينهما البغل ويلقح الذئب الضبع فيخرج من بينهما السمع(١) على أنه ليس يكون في الذي يخرج من بينهما عضو كل واحد منهما كما في الزرافة عضو من الفرس

__________________

(١) السمع - بكسر فسكون - ولد الذئب من الضبع والأنثى سمعة.

١٠٤

وعضو من الجمل وأظلاف من البقرة بل يكون كالمتوسط بينهما الممتزج منهما كالذي تراه في البغل فإنك ترى رأسه وأذنيه وكفله(١) وذنبه وحوافره وسطا بين هذه الأعضاء من الفرس والحمار وشحيجه(٢) كالممتزج من صهيل الفرس ونهيق الحمار فهذا دليل على أنه ليست الزرافة من لقاح أصناف شتى من الحيوان كما زعم الجاهلون بل هي خلق عجيب من خلق الله للدلالة على قدرته التي لا يعجزها شيء وليعلم أنه خالق أصناف الحيوان كلها يجمع بين ما يشاء من أعضائها في أيها شاء ويفرق ما شاء منها في أيها شاء ويزيد في الخلقة ما شاء وينقص منها ما شاء دلالة على قدرته على الأشياء وأنه لا يعجزه شيء أراده جل وتعالى فأما طول عنقها والمنفعة لها في ذلك فإن منشأها ومرعاها في غياطل(٣) ذوات أشجار شاهقة ذاهبة طولا في الهواء فهي تحتاج إلى طول العنق لتتناول بفيها أطراف تلك الأشجار فتقوت من ثمارها.

( القرد وخلقته والفرق بينه وبين الإنسان)

تأمل خلقة القرد وشبهه بالإنسان في كثير من أعضائه أعني الرأس والوجه والمنكبين والصدر وكذلك أحشاؤه شبيهة أيضا بأحشاء الإنسان وخص مع ذلك بالذهن والفطنة التي بها يفهم عن سائسه ما يومئ إليه ويحكي

__________________

(١) الكفل - بفتحتين - من الدابّة: العجز او الردف والجمع اكفال

(٢) الشحيج من شحج البغل: صوّت وغلظ صوته.

(٣) الغياطل جمع غيطل وهو الشجر الكثير الملتف.

١٠٥

كثيرا مما يرى الإنسان يفعله حتى إنه يقرب من خلق الإنسان وشمائله في التدبير في خلقته على ما هي عليه أن يكون عبرة للإنسان في نفسه فيعلم أنه من طينة البهائم وسنخها(١) إذ كان يقرب من خلقها هذا القرب وأنه لو لا فضيلة فضله بها في الذهن والعقل والنطق كان كبعض البهائم على أن في جسم القرد فضولا أخرى تفرق بينه وبين الإنسان كالخطم(٢) والذنب المسدل والشعر المجلل للجسم كله وهذا لم يكن مانعا للقرد أن يلحق بالإنسان لو أعطي مثل ذهن الإنسان وعقله ونطقه والفصل الفاصل بينه وبين الإنسان في الحقيقة هو النقص في العقل والذهن والنطق.

( إكساء أجسام الحيوانات وخلقة أقدامها بعكس الإنسان)

( وأسباب ذلك)

انظر يا مفضل إلى لطف الله جل اسمه بالبهائم كيف كسيت أجسامها هذه الكسوة من الشعر والوبر والصوف لتقيها من البرد وكثرة الآفات ألبست الأظلاف والحافر والأخفاف لتقيها من الحفاء(٣) إذ كانت لا أيدي لها ولا أكف ولا أصابع مهيأة للغزل والنسج فكفوا بأن جعل كسوتهم في خلقهم باقية عليهم ما بقوا لا يحتاجون إلى تجديدها واستبدال بها

فأما الإنسان فإنه ذو حيلة وكف مهيأة للعمل فهو ينسج ويغزل.

__________________

(١) النسخ - بالكسر - الأصل والجمع اسناخ وسنوخ.

(٢) الخطم من الدابّة: مقدم انفها وفمها.

(٣) الحفاء هو المشي بلا خف ولا نعل.

١٠٦

ويتخذ لنفسه الكسوة ويستبدل بها حالا بعد حال وله في ذلك صلاح من جهات من ذلك أنه يشتغل بصنعة اللباس عن العبث وما تخرجه إليه الكفاية ومنها أنه يستريح إلى خلع كسوته إذا شاء ولبسها إذا شاء ومنها أن يتخذ لنفسه من الكسوة ضروبا لها جمال وروعة فيتلذذ بلبسها وتبديلها وكذلك يتخذ بالرفق من الصنعة ضروبا من الخفاف(١) والنعال يقي بها قدميه وفي ذلك معايش لمن يعمله من الناس ومكاسب يكون فيها معايشهم ومنها أقواتهم وأقوات عيالهم فصار الشعر والوبر والصوف يقوم للبهائم مقام الكسوة والأظلاف(٢) والحوافر والأخفاف مقام الحذاء.

( مواراة البهائم عند إحساسها بالموت)

فكر يا مفضل في خلقة عجيبة جعلت في البهائم فإنهم يوارون(٣) أنفسهم إذا ماتوا كما يواري الناس موتاهم وإلا فأين جيف هذه الوحوش والسباع وغيرها لا يرى منها شيء وليست قليلة فتخفى لقلتها بل لو قال قائل أنها أكثر من الناس لصدق.

فاعتبر في ذلك بما تراه في الصحاري والجبال من أسراب الظباء(٤)

__________________

(١) الخفاف جمع خف - بالضم - وهو ما يلبس بالرجل.

(٢) الاظلاف - بالكسر - وهو لما اجتر من الحيوانات كالبقرة والظبي بمنزلة الحافر للفرس.

(٣) يوارون انفسهم: يخفونها.

(٤) الظباء جمع ظبية وهي انثى الغزال.

١٠٧

والمها(١) والحمير الوحش والوعول(٢) والأيائل(٣) وغير ذلك من الوحوش وأصناف السباع من الأسد والضباع والذئاب والنمور وغيرها وضروب الهوام والحشرات ودواب الأرض وكذلك أسراب الطير من الغربان والقطاة والإوز والكراكي(٤) والحمام وسباع الطير جميعا وكلها لا يرى منها إذا ماتت إلا الواحد بعد الواحد يصيده قانص أو يفترسه سبع فإذا أحسوا بالموت كمنوا في مواضع خفية فيموتون فيها ولو لا ذلك لامتلأت الصحاري منها حتى تفسد رائحة الهواء وتحدث الأمراض والوباء

فانظر إلى هذا بالذي يخلص إليه الناس وعملوه بالتمثيل(٥) الأول الذي مثل لهم كيف جعل طبعا وإذكارا(٦) في البهائم وغيرها ليسلم

__________________

(١) المها: جمع مهاة وهي البقرة الوحشية.

(٢) الوعول جمع وعل وهو تيس الجبل له قرنان قويان منحنيان كسيفين أحدبين.

(٣) الايائل جمع أيل - بفتح فتشديد - حيوان من ذوات الظلف للذكور منه قرون منشعبة لا تجويف فيها، أما الاناث فلا قرون لها.

(٤) الكراكى جمع كركى - بضم فسكون فكسر - طائر كبير أغبر اللون طويل العنق والرجلين أبتر الذنب قليل اللحم.

(٥) المراد بالتمثيل ما ذكره الله تعالى في قصة قابيل.

(٦) في الأصل المطبوع ادكارا بالدال المهملة، ولكن الاذكار اوضح وهو من قولهم ذكر الشيء: حفظه في ذهنه.

١٠٨

الناس من معرة(١) ما يحدث عليهم من الأمراض والفساد.

( الفطن التي جعلت في البهائم: الأيل والثعلب والدلفين)

فكر يا مفضل في الفطن التي جعلت في البهائم لمصلحتها بالطبع والخلقة لطفا من الله عز وجل لهم لئلا يخلو من نعمه جل وعز أحد من خلقه لا بعقل وروية فإن الأيل يأكل الحيات فيعطش عطشا شديدا فيمتنع من شرب الماء خوفا من أن يدب السم في جسمه فيقتله ويقف على الغدير وهو مجهود عطشا فيعج عجيجا عاليا ولا يشرب منه ولو شرب لمات من ساعته.

فانظر إلى ما جعل من طباع هذه البهيمة من تحمل الظمإ الغالب الشديد خوفا من المضرة في الشرب وذلك مما لا يكاد الإنسان العاقل المميز يضبطه من نفسه.

و ( الثعلب ) إذا أعوزه الطعم تماوت ونفخ بطنه حتى يحسبه الطير ميتا فإذا وقعت عليه لتنهشه وثب عليها فأخذها فمن أعان الثعلب العديم النطق والروية بهذه الحيلة إلا من توكل بتوجيه الرزق له من هذا وشبهه فإنه لما كان الثعلب يضعف عن كثير مما تقوى عليه السباع من مساورة الصيد أعين بالدهاء والفطنة والاحتيال لمعاشه.

و ( الدلفين )(٢) يلتمس صيد الطير فيكون حيلته في ذلك أن

__________________

(١) المعرة: الأمر القبيح والمساءة والاثم والاذى.

(٢) الدلفين - بضم فسكون - دابة بحرية كبيرة والجمع دلافين، واللفظ دخيل ومرادفه في العربية الدخس - بضم ففتح -.

١٠٩

يأخذ السمك فيقتله ويسرحه(١) حتى يطفو على الماء ثم يكمن تحته ويثور الماء الذي عليه حتى لا يتبين شخصه فإذا وقع الطير على السمك الطافي وثب إليها فاصطادها.

فانظر إلى هذه الحيلة كيف جعلت طبعا في هذه البهيمة لبعض المصلحة

( التنين والسحاب)

قال المفضل فقلت: أخبرني يا مولاي عن التنين(٢) والسحاب فقالعليه‌السلام ، إن السحاب كالموكل به يختطفه حيثما ثقفه(٣) كما يختطف حجر المغناطيس الحديد فهو لا يطلع رأسه في الأرض خوفا من السحاب ولا يخرج إلا في القيظ(٤) مرة إذا صحت السماء فلم يكن فيها نكتة(٥) من غيمة قلت فلم وكل السحاب بالتنين يرصده ويختطفه إذا وجده قال ليدفع عن الناس مضرته(٦) .

__________________

(١) في الأصل المطبوع يشرحه بالشين، لكن كلمة يسرحه هنا اكثر أداء للمعنى المقصود.

(٢) التنين - بالكسر - الحية العظيمة والجمع تنانين.

(٣) ثقفه: أدركه وظفر به.

(٤) القيظ: حميم الصيف وشدة الحرّ والجمع أقياظ وقيوظ.

(٥) النكتة: النقطة السوداء في الأبيض او البيضاء في الأسود والجمع نكت ونكات.

(٦) الذي يظهر ان هذا الأمر الغريب كان معروفا عند العرب -

١١٠

( في الذرة والنمل وأسد الذباب والعنكبوت وطبائع كل منهما)

قال المفضل فقلت قد وصفت لي يا مولاي من أمر البهائم ما فيه معتبر لمن اعتبر فصف لي الذرة والنملة والطير فقالعليه‌السلام يا مفضل تأمل وجه الذرة الحقيرة الصغيرة هل تجد فيها نقصا عما فيه صلاحها فمن أين هذا التقدير والصواب في خلق الذرة إلا من التدبير القائم في صغير الخلق وكبيره.

انظر إلى النمل واحتشاده في جمع القوت وإعداده فإنك ترى الجماعة منها إذا نقلت الحب إلى زبيتها(١) بمنزلة جماعة من الناس ينقلون الطعام أو غيره بل للنمل في ذلك من الجد والتشمير ما ليس للناس مثله ..

__________________

- الأوائل، وقد ورد ذكره في الشعر القديم، كالذي جاء في قصيدة للشاعر العباسيّ إسماعيل بن محمّد المعروف بالسيّد الحميري المتوفّى سنة ١٧٣، فقال من تلك القصيدة التي يذكر فيها إحدى فضائل الإمام عليّعليه‌السلام : -

ألا يا قوم للعجب العجاب

لخف أبي الحسين وللحباب

عدو من عدات الجن عبد

بعيد في المرادة من صواب

كريه اللون اسود ذو بصيص

حديد الناب أزرق ذو لعاب

أتى خفا له فانساب فيه

لينهش رجله منها بناب

فقض من السماء له عقاب

من العقبان او شبه العقاب

فطار به فحلق ثمّ أهوى

به للأرض من دون السحاب

(١) الزبية - بضم فسكون -: الرابية لا يعلوها ماء جمعها زبى.

١١١

أما تراهم يتعاونون على النقل كما يتعاون الناس على العمل ثم يعمدون إلى الحب فيقطعونه قطعا لكيلا ينبت فيفسد عليهم فإن أصابه ندى أخرجوه فنشروه حتى يجف ثم لا يتخذ النمل الزبية إلا في نشز(١) من الأرض كيلا يفيض السيل فيغرقها وكل هذا منه بلا عقل ولا روية بل خلقة خلق عليها لمصلحة من الله جل وعز.

انظر إلى هذا الذي يقال له الليث(٢) وتسميه العامة أسد الذباب وما أعطي من الحيلة والرفق في معاشه فإنك تراه حين يحس بالذباب قد وقع قريبا منه تركه مليا حتى كأنه موات لا حراك به فإذا رأى الذباب قد اطمأن وغفل عنه دب دبيبا دقيقا حتى يكون منه بحيث تناله وثبته ثم يثب عليه فيأخذه فإذا أخذه اشتمل عليه بجسمه كله مخافة أن ينجو منه فلا يزال قابضا عليه حتى يحس بأنه قد ضعف واسترخى ثم يقبل عليه فيفترسه ويحيا بذلك منه.

فأما العنكبوت فإنه ينسج ذلك النسج فيتخذه شركا ومصيدة للذباب ثم يكمن(٣) في جوفه فإذا نشب فيه الذباب أحال(٤) عليه يلدغه ساعة بعد ساعة فيعيش بذلك منه.

__________________

(١) النشز - بفتحتين - المكان المرتفع جمعه نشاز وأنشاز.

(٢) الليث: ضرب من العناكب والجمع ليوث ومليثة.

(٣) في الأصل المطبوع يتمكن وهو خطأ.

(٤) أحال: أقبل ووثب.

١١٢

فذلك(١) يحكي صيد الكلاب والفهود وهذا(٢) يحكي صيد الأشراك والحبائل.

فانظر إلى هذه الدويبة الضعيفة كيف جعل في طبعها ما لا يبلغه الإنسان إلا بالحيلة واستعمال الآلات فيها فلا تزدري بالشيء إذا كانت العبرة فيه واضحة كالذرة والنملة وما أشبه ذلك فإن المعنى النفيس قد يمثل بالشيء الحقير فلا يضع منه ذلك(٣) كما لا يضع من الدينار وهو من ذهب أن يوزن بمثقال من حديد.

( جسم الطائر وخلقته)

تأمل يا مفضل جسم الطائر وخلقته فإنه حين قدر أن يكون طائرا في الجو خفف جسمه وأدمج(٤) خلقه واقتصر به من القوائم الأربع على اثنتين ومن الأصابع الخمس على أربع ومن منفذين للزبل والبول على واحد يجمعهما ثم خلق ذا جؤجؤ(٥) محدد ليسهل عليه أن يخرق الهواء كيف ما أخذ فيه كما جعلت السفينة بهذه الهيئة لتشق الماء وتنفذ فيه وجعل في جناحيه وذنبه ريشات طوال متان لينهض بها

__________________

(١) يعني به أسد الذباب.

(٢) يعني به العنكبوت وفي نسخة - هكذا -.

(٣) أي لا ينقص من قدر المعنى النفيس تمثيله بالشيء الحقير.

(٤) أدمج خلقه: لفه وأحسنه.

(٥) الجؤجؤ من الطائر والسفينة: الصدر والجمع جآجئ

١١٣

للطيران وكسا(١) ( كسي ) كله الريش ليتداخله الهواء فيقله(٢) ولما قدر أن يكون طعمه الحب واللحم يبلعه بلعا بلا مضغ نقص من خلقة الإنسان وخلق له منقار صلب جاسي يتناول به طعمه فلا ينسحج(٣) من لقط الحب ولا يتقصف(٤) من نهش اللحم ولما عدم الأسنان وصار يزدرد الحب صحيحا واللحم غريضا(٥) أعين بفضل حرارة في الجوف تطحن له الطعم طحنا يستغني به عن المضغ واعتبر ذلك بأن عجم العنب(٦) وغيره يخرج من أجواف الإنس صحيحا ويطحن في أجواف الطير لا يرى له أثر ثم جعل مما يبيض بيضا ولا يلد ولادة لكيلا يثقل عن الطيران فإنه لو كانت الفراخ في جوفه تمكث حتى تستحكم لأثقلته وعاقته عن النهوض والطيران فجعل كل شيء من خلقه مشاكلا للأمر الذي قدر أن يكون عليه ثم صار الطائر السائح في هذا الجو يقعد على بيضه فيحضنه أسبوعا وبعضها أسبوعين وبعضها ثلاثة أسابيع حتى يخرج الفرخ من البيضة ثم يقبل عليه فيزقه الريح لتتسح حوصلته للغذاء ثم يربيه ويغذيه بما يعيش به فمن كلفه أن يلقط الطعم والحب يستخرجه بعد

__________________

(١) في الأصل كتبت بالالف المقصورة وهي خطأ.

(٢) يقله: يحمله ويرفعه.

(٣) ينسحج: أي ينتشر.

(٤) يتقصف: أي يتكسر.

(٥) الغريض: كل ابيض طري.

(٦) عجم العنب: ما كان في جوف العنب من النوى الصغير.

١١٤

أن يستقر في حوصلته ويغذو به فراخه ولأي معنى يحتمل هذه المشقة وليس بذي روية ولا تفكر ولا يأمل في فراخه ما يؤمل الإنسان في ولده من العز والرفد(١) وبقاء الذكر فهذا من فعله يشهد أنه معطوف على فراخه لعله لا يعرفها ولا يفكر فيها وهي دوام النسل وبقاؤه لطفا من الله تعالى ذكره.

( الدجاجة وتهيجها لحضن البيض والتفريخ)

انظر إلى « الدجاجة » كيف تهيج لحضن البيض والتفريخ وليس لها بيض مجتمع ولا وكر موطأ بل تنبعث وتنتفخ وتقوى(٢) وتمتنع من الطعم حتى يجمع لها البيض فتحضنه وتفرخ فلم كان ذلك منها إلا لإقامة النسل ومن أخذها بإقامة النسل ولا روية لها ولا تفكير لو لا أنها مجبولة على ذلك؟ ..

( خلق البيضة والتدبير في ذلك)

اعتبر بخلق البيضة وما فيها من المح(٣) الأصفر الخاثر(٤) والماء

__________________

(١) الرفد - بالكسر - المعونة والعطاء والجمع ارفاد ورفود.

(٢) في الأصل كتبت الالف مشالة، وتقوى من القوى أي الجوع فكأن الدجاجة تبيت جائعة وفي نسخة تقوقى اي تصيح

(٣) المح - بالضم - صفرة البيض، وفي بعض النسخ بالخاء المعجمة أي مخ

(٤) خثر اللبن: نحن واشتد فهو خاثر.

١١٥

الأبيض الرقيق فبعضه ينشو منه الفرخ وبعضه ليغتذي به إلى أن تنقاب عنه البيضة وما في ذلك من التدبير فإنه لو كان نشوء(١) الفرخ في تلك القشرة المستحفظة(٢) التي لا مساغ لشيء إليها جعل معه في جوفها من الغذاء ما يكتفي به إلى وقت خروجه منها كمن يحبس في حبس حصين لا يوصل إلى من فيه فيجعل معه من القوت ما يكتفي به إلى وقت خروجه منه.

( حوصلة الطائر)

فكر يا مفضل في حوصلة الطائر وما قدر له فإن مسلك الطعم إلى القانصة(٣) ضيق لا ينفذ فيه الطعام إلا قليلا قليلا فلو كان الطائر لا يلقط حبة ثانية حتى تصل الأولى إلى القانصة لطال عليه ومتى كان يستوفي طعمه فإنما يختلسه اختلاسا لشدة الحذر فجعلت له الحوصلة كالمخلاة(٤) المعلقة أمامه ليوعي فيها ما أدرك من الطعم بسرعة ثم تنفذه إلى القانصة على مهل وفي الحوصلة أيضا خلة أخرى فإن من الطائر ما يحتاج إلى أن يزق فراخه فيكون رده للطعم من قرب أسهل عليه

__________________

(١) سقطت الهمزة من الأصل.

(٢) المستحفظة من استحفظه السر او المال: سأله ان يحفظه.

(٣) القانصة للطير كالمعدة للإنسان جمعها قوانص.

(٤) المخلاة: ما يجعل فيه العلف ويعلق في عنق الدابّة والجمع مخال

١١٦

( اختلاف ألوان الطير وعلة ذلك)

قال المفضل فقلت إن قوما من المعطلة يزعمون أن اختلاف الألوان والأشكال في الطير إنما يكون من قبل امتزاج الأخلاط واختلاف مقاديرها المرج(١) والإهمال.

قال يا مفضل هذا الوشي الذي تراه في الطواويس والدراج(٢) والتدارج على استواء ومقابلة كنحو ما يخط بالأقلام كيف يأتي به الامتزاج المهمل على شكل واحد لا يختلف ولو كان بالإهمال لعدم الاستواء ولكان مختلفاً.

( ريش الطائر ووصفه)

تأمل ريش الطير كيف هو فإنك تراه منسوجا كنسج الثوب من سلوك(٣) دقاق قد ألف بعضه إلى بعض كتأليف الخيط إلى الخيط والشعرة إلى الشعرة ثم ترى ذلك النسج إذا مددته ينفتح قليلا ولا ينشق لتداخله الريح فيقل الطائر إذا طار وترى في وسط الريشة عمودا غليظا متينا قد نسج عليه الذي هو مثل الشعر ليمسكه بصلابته وهو القصبة التي

__________________

(١) المرج - بالتحريك - الاضطراب واللبس والفساد والاختلاط وفي بعض النسخ بالزاء المعجمة والأول اظهر واجلى للمعنى المقصود

(٢) الدراج طائر تقدم ذكره.

(٣) السلوك جمع سلك وهو الخيط ينظم فيه الخرز ونحوه.

١١٧

في وسط الريشة وهو مع ذلك أجوف ليخف على الطائر ولا يعوقه عن الطيران.

( الطائر الطويل الساقين والتدبير في ذلك)

هل رأيت يا مفضل هذا الطائر الطويل الساقين(١) وعرفت ما له من المنفعة في طول ساقيه فإنه أكثر ذلك في ضحضاح(٢) من الماء فتراه بساقين طويلين كأنه ربيئة(٣) فوق مرقب(٤) وهو يتأمل ما يدب في الماء فإذا رأى شيئا مما يتقوت به خطا خطوات رقيقا حتى يتناوله ولو كان قصير الساقين وكان يخطو نحو الصيد ليأخذه يصيب بطنه الماء فيثور ويذعر منه فيفرق عنه فخلق له ذلك العمودان ليدرك بهما حاجته ولا يفسد عليه مطلبه.

تأمل ضروب التدبير في خلق الطائر فإنك تجد كل طائر طويل الساقين طويل العنق وذلك ليتمكن من تناول طعمه من الأرض ولو كان طويل الساقين قصير العنق لما استطاع أن يتناول شيئا من الأرض،

__________________

(١) ينطبق الوصف الذي ذكره الإمام الصّادق للطائر الطويل الساقين على بعض الطيور المائية كالنحام والانيس.

(٢) الضحضاح: الماء اليسير او القريب القعر.

(٣) الربيئة: العين التي ترقب، أو الطليعة الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم عدو، ولا يكون إلاّ على جبل.

(٤) المرقب: الموضع المرتفع يعلوه الرقيب جمعه مراقب.

١١٨

وربما أعين مع العنق بطول المناقير ليزداد الأمر عليه سهولة وإمكانا أفلا ترى أنك لا تفتش شيئا من الخلقة إلا وجدته على غاية الصواب والحكمة

( العصافير وطلبها للأكل)

انظر إلى العصافير كيف تطلب أكلها بالنهار فهي لا تفقده ولا تجده مجموعا معدا بل تناله بالحركة والطلب وكذلك الخلق كله فسبحان من قدر الرزق كيف فرقه فلم يجعل مما لا يقدر عليه إذ جعل بالخلق حاجة إليه ولم يجعل مبذولا ينال بالهوينا(١) إذ كان لا صلاح في ذلك فإنه لو كان يوجد مجموعا معدا كانت البهائم تنقلب عليه ولا تنقلع عنه حتى تبشم(٢) فتهلك وكان الناس أيضا يصيرون بالفراغ إلى غاية الأشر والبطر حتى يكثر الفساد وتظهر الفواحش.

( معاش البوم والهام والخفاش)

أعلمت ما طعم هذه الأصناف من الطير التي لا تخرج إلا بالليل كمثل البوم والهام(٣) والخفاش؟ ..

__________________

(١) الهوينا: التؤدة والرفق، وهي تصغير الهوني، والهونى تأنيث الأهون وقد كتبت الهوينا في الأصل هكذا: الهوينى.

(٢) تبشم أي تتخم من الطعام.

(٣) الهام جمع هامة: نوع من البوم الصغير تألف القبور والاماكن الخربة وتنظر من كل مكان أينما درت ادارت رأسها، وتسمى أيضا الصدى.

١١٩

قلت: لا يا مولاي.

قال إن معاشها من ضروب تنتشر في الجو من البعوض والفراش وأشباه الجراد واليعاسيب(١) وذلك أن هذه الضروب مبثوثة في الجو لا يخلو منها موضع واعتبر ذلك بأنك إذا وضعت سراجا بالليل في سطح أو عرصة دار اجتمع عليه من هذه الضروب شيء كثير فمن أين يأتي ذلك كله إلا من القرب فإن قال قائل: إنه يأتي من الصحاري والبراري قيل له: كيف يوافي تلك الساعة من موضع بعيد وكيف يبصر من ذلك البعد سراجا في دار محفوفة بالدور فيقصد إليه مع أن هذه عيانا تتهافت على السراج من قرب فيدل ذلك على أنها منتشرة في كل موضع من الجو فهذه الأصناف من الطير تلتمسها إذا خرجت فتتقوت بها.

فانظر كيف وجه الرزق لهذه الطيور التي لا تخرج إلا بالليل من هذه الضروب المنتشرة في الجو واعرف ذلك المعنى في خلق هذه الضروب المنتشرة التي عسى أن يظن ظان أنها فضل لا معنى له ..

( خلقة الخفاش)

خلق الخفاش خلقة عجيبة بين خلقة الطير وذوات الأربع هو إلى ذوات الأربع أقرب وذلك أنه ذو أذنين ناشزتين(٢) وأسنان ووبر

__________________

(١) اليعاسيب جمع يعسوب وهو ذكر النجل وأميرها.

(٢) الناشز: ما كان ناتئا مرتفعا عن مكانه وفي نسخة ناشر بالراء أي مبسوط.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189