توحيد المفضل

توحيد المفضل30%

توحيد المفضل مؤلف:
الناشر: مكتبة الداوري
تصنيف: التوحيد
الصفحات: 189

توحيد المفضل
  • البداية
  • السابق
  • 189 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 113163 / تحميل: 7367
الحجم الحجم الحجم
توحيد المفضل

توحيد المفضل

مؤلف:
الناشر: مكتبة الداوري
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

بين العرب(١) وهذا الآخر النضر بن الحارث وهو ابن خالة النبي سافر إلى البلاد الفارسية كأبيه، واجتمع مع الأفاضل والعلماء بمكة وغيرها، وعاشر الأحبار والكهنة، واشتغل وحصل من العلوم القديمة أشياء جليلة القدر، واطلع على علوم الفلسفة واجزاء الحكمة، وتعلم من أبيه أيضا ما كان يعلمه من الطب وغيره(٢)

وحتى بعد الإسلام بوقت غير طويل ظل العرب متصلين بالثقافة اليونانية فقد كان الحكيم الأمير خالد بن يزيد بن معاوية الأموي المتوفى عام ٨٥ ه‍ من أعلم قريش بفنون العلم، وله كلام في صنعة(٣) الكيمياء والطب وقد ترجمت له جمهرة كبيرة من الكتب الفلسفية والطبية والكيماوية وخالد هذا أول من عنى بعلوم الفلسفة عناية تامة، وكان قد أمر باحضار جماعة من فلاسفة اليونانيين ممن كان ينزل مصر ويتفصح بالعربية، وقد اخذ هؤلاء بدورهم من نقل الكتب في اللسان اليوناني

__________________

(١) اخبار الحكماء لابن القفطي ص ١١١ - ١١٢ ط السعادة، وطبقات الاطباء لابن أبي اصيبعة ج ١ ص ١١٠، ومجلة المرشد ص ٦ من المجلد الثاني، والاعلام للزركلي ج ١، وشعراء النصرانية للويس شيخو.

(٢) زهر الآداب للحصري ج ١ ص ٢٧ ط التجارية وطبقات الأطباء

(٣) غلب استعمال هذه الكلمة لما يطلق عليه الآن ( علم الكيمياء ) وقد أكثر من استعمالها العرب الأوائل. والمراد بها اليوم هي الكيمياء القديمة.

٢١

والقبطي إلى العربى(١) .

ويحكى ان ماسرجويه البصري(٢) كان عالما في الطب، وكان في أيامه كتابه في الطب هو كناش(٣) من أفضل الكنانيش، الفها اهرون ابن أعين(٤) في اللغة السريانية، فنقلها ماسرجويه إلى العربية، وهى تحتوي على ثلاثين مقالة، وزاد عليها ماسرجويه مقالتين(٥) .

__________________

(١) تجد ترجمة خالد وما كان من امر الترجمة والنقل في أيّامه في اخبار الحكماء ص ٢٨٩، وفهرست ابن النديم ص ٣٣٨ و٤٩٧، ومعجم الأدباء لياقوت ج ٤ ص ١٦٥، وشرح لامية العرب للصفدي ج ١ ص ١٢، ووفيات الأعيان ج ١ ص ١٦٨، وخطط الشام لمحمّد كرد علي ج ٤ ص ٢١، وتاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان ج ١ ص ٢٢٨، وعصر المأمون لرفاعي ج ١ ص ٤٧ وضحى الإسلام لاحمد امين ج ١ ص ٢٧٠.

(٢) هو من معاصر الخليفة الاموي مروان بن الحكم، وقد يكتب اسمه ما سرجيس.

(٣) الكناش: بضم فتشديد - مجموعة كالدفتر تدرج فيها الشوارد والفوائد. والوارد في اللغة تأنيث هذا الاسم.

(٤) قال ابن النديم في الفهرست ص ٤٣١ ط مصر: اهرون القص في صدر الدولة - اي الدولة الاموية - وعمل. كتابه بالسرياني، ونقله ما سرجيس إلخ

(٥) طبقات الاطباء ج ١ ص ١٠٩ قال ابن النديم في الفهرست -

٢٢

ولما تولى الخلافة عمر بن عبد العزيز، وجد هذه الكناش في خزائن الكتب بالشام، فحرضه ذلك على اخراجها إلى المسلمين للانتفاع بها، فاستخار الله في ذلك أربعين يوما ثم اخرجها إلى الناس، وبثها في أيديهم(١) .

وممن عرف بالفلسفة أيام الامويين يحيى النحوي وكان أسقفا في الكنائس بمصر، ويعتقد مذهب النصارى اليعاقبة(٢) ثم رجع عما يعتقده النصارى في التثليث(٣) وعاش إلى ان فتحت مصر على يد عمرو بن العاص فدخل إليه وأكرمه، ورأى له موضعا وعرف عنه انه فسر كتب أرسطو(٤) .

ومنهم اصطفن الحراني الراهب كان بالموصل في عمر(٥) يقال

__________________

- ص ٤١٣: ماسرجيس من الاطباء. وكان ناقلا من السرياني إلى العربي وله من الكتب: كتاب قوى الاطعمة ومنافعها ومضارها، كتاب قوى العقاقير ومنافعها ومضارها.

(١) فجر الإسلام ج ١ ص ١٩٢، وتاريخ التمدن الإسلامي لزيدان ج ٣ ص ١٣٥ ط الهلال نقلا عن تاريخ الحكماء المخطوط.

(٢) انظر عن اليعاقبة الفصل لابن حزم ج ١ ص ٤٩ ط الأولى.

(٣) التثليث هو القول بان الله ثالث ثلاثة هم: الأب، والابن والروح القدس.

(٤) فهرست ابن النديم ص ٣٥٦.

(٥) عمر: بضم فسكون - البيعة او الكنيسة.

٢٣

له ميخاييل، وقد نقل لخالد بن يزيد كتاب الصنعة، ذكره ابن بختيشوع في كتابه، وقال عنه انه كان طبيبا(١) .

ومنهم يعقوب الرهاوي السرياني، وقد ترجم كثيرا من كتب الالهيات اليونانية(٢) .

ومنهم أبو العلاء سالم كاتب هشام بن عبد الملك. وقد نقل من رسائل أرسطو الى الاسكندر(٣) .

وأول كتاب ترجم من اليونانية إلى العربية - بقطع النظر عن كتب الكيمياء - هو على المحتمل كتاب عرض مفتاح النجوم المنسوب إلى هرمس الحكيم(٤) وقد فرغ من ترجمته في ذي القعدة سنة ١٢٥ ه‍(٥) .

__________________

(١) اخبار الحكماء ص ٤٢، والفهرست ص ٥٠٥، وعصر المأمون ج ١ ص ٤٩، وطبقات الاطباء.

(٢) فجر الإسلام ج ١ ص ١٥٦، وعلم الفلك لكرلونلينو ص ٢٧٩ ط روما.

(٣) الوزراء والكتاب للجهشياري ص ٣٩ - ٤٠ ط الأولى، وفهرست ابن النديم ص ١٧١.

(٤) وجدت نسخة من هذا الكتاب في جملة من نيف والف وستمائة مجلد عربية خطّ يد، اقتنتها في شهر نوفمبر عام ١٩٠٩ م الامبرسيانيه في ميلانو من مدن ايطاليا.

(٥) علم الفلك لكرلونلينو ص ١٤٢ - ١٤٣.

٢٤

وهكذا تبين لنا ان الثقافة اليونانية انتشرت في العصر الاموي في كثير من الحواضر العربية، كالشام والاسكندرية والعراق، وامتزج العلماء السريانيون بالولاة الحاكمين من الامويين، فكان لذلك اثر كبير في تزاوج عقول المسلمين، وتفتحها على آفاق - تكاد تكون بعيدة - من المعرفة والعلم ومن يرجع إلى فهرست ابن النديم، وإلى الكتب التاريخية الأخرى، ويتصفح ما فيها من أسماء المؤلفات المترجمة من السريانية واليونانية، يجد ان لرجال الدولة الاموية قسطا وفيرا في امتداد العقل العربى، واتصاله بالعقول المثقفة الأخرى.

وما كان تمضي على سقوط الدولة الاموية في الشام ثمانون سنة، إلا وكان بين يدي العرب مترجمات من كثير مما كتب ارسطو، وتعليقات الذين اشتهروا من رجال « الافلاطونية الجديدة » وقسم من كتب أفلاطون، والجزء الأكبر من كتب جالينوس، وأجزاء أخر نقلت عن كتب الاطباء، وطائفة غيرها من كتب اليونانيين وكتب الهند وفارس(١) .

ويقسم المؤرخون أدوار الترجمة في العهد العباسي إلى ثلاثة أقسام، يهمنا هنا ذكر اولها، وهو يبتدأ من خلافة المنصور، وينتهى بعهد هارون الرشيد أي من عام ١٣٦ ه‍ إلى عام ١٩٣ ه‍.

وفي هذا الدور ترجم كتاب كليلة ودمنة(٢) من الفارسية،

__________________

(١) تاريخ الفكر العربي لإسماعيل مظهر ص ٢٧ - ٢٨.

(٢) ترجمه ابن المقفع، انظر الكلام عن الكتاب - ضحى الإسلام لأحمد أمين ج ١ ص ٢١٦ - ٢٢٢ ط الثانية.

٢٥

والسند هند(١) من الهندية، وترجمت باقة من كتب ارسطو في المنطق، وترجم أيضا كتاب المجسطي في الفلك(٢) .

وكان المنصور الدوانيقي اول من اهتم من خلفاء العباسيين بالنقل والترجمة، وكان جل اهتمامه بالنجوم والطب. وقد رغب نقلة العلم في ذلك

__________________

(١) في الكلام عن صيغة هذه اللفظة واصلها راجع كتاب علم الفلك للسنيور كرلونلينو ص ١٥٠ - ١٥١ وقد نقل الأب انستاس الكرملي في مقال له نشر في مجلة المعلم الجديد جزء ٣ سنة ٤ هامش ص ٢٥٧ جميع ما حققه السنيور نلينو، ولم يعزوه إلى مصدره، وهذا عمل يخالف ما تقتضيه الأمانة التأريخية، ويدعو إليه الضمير العلمي.

(٢) ضحى الإسلام ج ١ ص ٢٦٤ - وكتاب المجسطي لبطليموس هو الذي عرفنا بتطبيق البراهين على بيان الحركات السماوية، ووضح كيفية الارصاد، إلى غير هذا من البحوث التي جعلت الكتاب أشرف وأحسن ما صنف في علم الفلك حتّى ذلك الزمن والظاهر ان كتاب المجسطي قد ترجم إلى العربية في الزمن الأول ثلاث مرّات، فالاولى ترجمة ثابت بن قرة، والثانية ترجمة قسطا بن لوقا البعلبكي، والثالثة ترجمة حنين بن إسحاق العبادي ثم ترجم بعد ذلك عدة مرّات، حتى وقع في الترجمات شيء كثير من الاختلاف واللبس، فانبرى الى تنقيح الكتاب العلامة الخواجة نصير الدين الطوسيّ وطبع كتابه بعنوان - تحرير المجسطي - ثمّ جاء العالم الفاضل عبد العلي بن محمّد بن الحسين فشرح التحرير وشرحه مخطوط محفوظ في خزانة معالي السيّد صادق كمونة.

٢٦

بالبذل الكثير، وجعل لبعضهم رواتب وجواريا، وبالغ في إكرام النقلة ومحاسنتهم، وأكثرهم كان من السريان النساطرة، لانهم اقدر من غيرهم على الترجمة من اليونانية. وأكثرهم اطلاعا على كتب الفلسفة والعلم اليونانى اشهرهم آل بختيشوع سلالة جورجيس بن بختيشوع السريانى النسطورى طبيب المنصور، ومنهم من نقل من الفارسية إلى العربية، كابن المقفع وآل نوبخت(١) ، وترجم ابن المقفع كتب ارسطو المنطقية الثلاثة التي في صورة المنطق(٢) وقبل انتهاء القرن الثاني نقل من اليونانية كتاب الاسرار لمؤلف مجهول الاسم(٣) .

وتطرق الى ما في العصر العباسي الأول من العلوم المؤرخ المسعودي(٤) فانه قال: - ان ذلك العصر كان خصيبا في الترجمة والانتاج الادبى، فنقل فيه عدة مقالات عن ارسطو، وكتاب المجسطي لبطليموس في الفلك، وكتاب اقليدس في الهندسة، ومواد اخرى عن اليونانية -.

وبعد فان الدكتور مصطفى جواد يرد نفسه بنفسه، وذلك في كتاب - تاريخ العرب - الذي اشترك في تأليفه هو وجماعة من إخوانه الفضلاء فجاء في الكتاب المذكور ص ٢٦ ط العاني في الكلام عن سيرة العرب قبل الإسلام - وكان للعرب ثقافة تمثل نتيجة ما افادوه من

__________________

(١) تأريخ آداب اللغة العربية ج ٢ ص ٣٢.

(٢) طبقات الأمم لصاعد الاندلسى ص ٧٧ ط السعادة.

(٣) علم الفلك لكرلونلينو ص ٢١٩.

(٤) في كتابه مروج الذهب ج ٨ ص ١٩١ - ١٩٢ ط ليبزج.

٢٧

الأمم، فكانوا يعرفون اخبار الأمم، كما كانوا يعرفون شيئا من السير والتاريخ والقصص والاساطير. وكان منهم من يعرف اللغات الأجنبية الآرامية والفارسية والرومية، وعددهم قليل - ثم يتطرق الدكتور ناعته في ص ١٦٢ - ١٦٣ الى حديث الترجمة في العصر الأموى، انقل من الكتب الطبيعية والكيماوية.

وهكذا يظهر لما واضحا جليا ان حركة الترجمة والنقل كانت تسبق عهد الإمام الصادق، بل ان العرب كانوا على علم تام بالثقافة اليونانية في زمانه والامام عاصر تلك النهضة العلمية في عصر المنصور، وكان له في دفتها نصيب كبير، حتى قال عنه السيد امير علي(١) : - ولا يفوتنا ان نشير الى ان الذي تزعم تلك الحركة هو حفيد علي بن أبي طالب المسمى بالامام جعفر والملقب بالصادق، وهو رجل رحب افق التفكير بعيد اغوار العقل ملم، كل الالمام بعلوم عصره، ويعتبر في الواقع أنه أول من اسس المدارس المشهورة في الإسلام -.

يضاف الى ذلك انه ورد في اخبار الإمام الصادق ما يدل على اطلاعه الوافر على جملة من اللغات الأجنبية(٢) فلا نستبعد معرفته باللغة اليونانية، والعقل لا يمنع ذلك على مثل الصادق وما له من المنزلة الثقافية

__________________

(١) في كتابه - مختصر تاريخ العرب والتمدن الإسلامي - ص ١٧٩ لجنة التأليف والترجمة والنشر بمصر.

(٢) انظر في ذلك ما رواه عمّار الساباطي عن معرفة الصادق القبطية، وما رواه أبان بن تغلب عن الإمام الصادق باللسان الفارسيّ -

٢٨

الكبيرة، وعن طريق معرفته باللغة اليونانية اتصل بآدابها وعلومها، واثبت عددا من أسماء اليونانيين وكلماتهم في كتاب « توحيد المفضل » ولا يفوتنا أن نشير إلى ان للشيعة الإمامية رأيا خاصا في أئمتهم، ويذهبون في علمهم مذهبا لا يخضع لما يقرره الدكتور مصطفى جواد، من لزوم انتشار العلم بين الناس، حتى يتسنى للامام أن يحصله على يد أساتذة علماء، ثم يمليه على تلاميذه وطلابه(١) والامام يجب أن يكون - على رأي الإمامية - عالما بكل شيء، واعلم الناس في علم وفي لسان وفي لغة(٢) وان الامام مرجع العالم في كل شيء، ويجوز ان يسألوه عن كل شيء، فيجب أن يكون عنده علم كل شيء(٣) .

٧ - كتاب توحيد المفضل:

كان الباعث للإمام الصادق على وضع كتاب التوحيد: ان المفضل كان جالسا ذات يوم في روضة القبر النبوي فإذا هو بجماعة من الزنادقة

__________________

- والنبطي والحبشي والصقلبي ( البحار مج ١١ ص ٩٥ - ٩٦. وبصائر الدرجات ج ٧ الباب ١١ ).

(١) راجع مقال السيّد محمّد حسين الصافي المنشور في مجلة الغريّ العدد ٢ - ٣ السنة ١١.

(٢) كتاب الصادق للشيخ محمّد حسين المظفر ج ١ ص ٢١٢.

(٣) الشيعة والإمامة للمظفر ص ٢٠ ط الغري.

٢٩

فيهم عبد الكريم بن أبي العوجاء(١) فيدور الحديث بينهم في قضايا الحادية عنيفة، تثور لها ثائرة الايمان في قلب المفضل، ويتوجه - بعد نقاش حاد جرى بينه وبين ابن أبي العوجاء - الى دار الإمام الصادق ليخبره بجلية الأمر. فما عتم الصادق ان أملى عليه كتاب التوحيد الذي ينتظم من أربعة مجالس في أربعة أيام، من الغدوة إلى الزوال.

وهذا الذي بين ايدينا من كتاب التوحيد له تتمة او جزء ثان، لأن الامام وعد المفضل ان يملي عليه حديثا آخر عن علم ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله بينهما إلخ. وقد رأينا هذا الجزء الثاني من التوحيد مطبوعا بتمامه في « تباشير الحكمة » - فارسي طبع بايران سنة ١٣١٩ ه‍ - تأليف السيد ميرزا أبى القاسم الذهبي الشيرازي المتوفى سنة ١٢٨٦ ه‍. ولم يمكنا الوقت الضيق من درس هذا الجزء والوقوف على ابحاثه بشكل دقيق ولم يغفل العلماء والفضلاء عن مراجعة كتاب التوحيد، والارتشاف من منهل علم الامام، وقد تطرق إلى ذكره جماعة من اولئك العلماء والفضلاء نذكر منهم:

١ - أبو العباس أحمد بن علي النجاشي المتوفى عام ٤٥٠ ه‍ في رجاله ص ٢٩٦ ط بمبي.

__________________

(١) انظر احواله وآراءه في كتاب الاحتجاج للطبرسيّ ص ١٨٠ و١٨١ ط ايران وتاريخ الطبريّ ج ٣ ص ٣٧٥ وما بعدها ط ليدن وفهرست ابن النديم ص ٣٣٨، والفرق بين الفرق للبغدادي ص ٢٥٥ ط محمّد بدر، ودائرة المعارف الإسلامية مج ١ ص ٨١، وأمالي المرتضى ج ١.

٣٠

٢ - رضي الدين علي بن طاوس المتوفى عام ٦٦٤ ه‍ في كتابه الأمان من اخطار الاسفار والازمان ص ٧٨ ط الحيدرية في النجف وفي كتابه الآخر كشف الحجة ص ٩ ط الحيدرية في النجف.

٣ - محمد تقي المجلسي المتوفى عام ١٠٧٠ ه‍ في كتاب شرح المشيخة - مخطوط - وقد شرحه باللغة الفارسية.

٤ - محمد باقر المجلسي المتوفى عام ١١١٠ ه‍ في كتابه بحار الأنوار ج ٢ ص ١٧ - ١٨.

وطبع كتاب التوحيد نحو سبع مرات، منها طبعة مصر على الحجر وطبعة النفاسة باستنبول والجوائب المصرية وطهران والهند والآداب ببغداد، والحيدرية بالنجف، وكانت مظنته في الطبعة الأخيرة كتاب ( بحار الأنوار ) وقوبلت بنسخة خطية من كتاب التوحيد هي ملك الصديق الأستاذ الخطيب السيد عبد الامير الاعرجي كتبت في ١٤ جمادى الأولى عام ١٢٦٨ ه‍.

٨ - مقارنة بين توحيد المفضل وأسلوب الجاحظ:

ما كان الوهم ليختلج في ذهن الدكتور مصطفى جواد عن توحيد المفضل، لو لا ان محمد راغب الطباخ قد طبع التوحيد منسوبا إلى الجاحظ بالمطبعة العلمية بحلب في ٢٩ شعبان سنة ١٣٤٦ ه‍ - ١٩٢٨ م تحت عنوان ( الدلائل والاعتبار على الخلق والتدبير ) وما ان رأى الدكتور هذه

٣١

النسخة حتى راح يعتقد ان كتاب التوحيد من تأليف الجاحظ حقا وحقيقة مع انه سبق ان ذكرنا انه طبع في مختلف مطابع العالم الإسلامي وفي شتى أنحائه منذ نيف ومائة وخمسين عاما، ولو لم يكن مشهورا ومعروفا عند اهل النظر والعلم في الهند ومصر وتركيا وايران والعراق لما قاموا بطبعه وصححوا لسبته إلى الإمام الصادقعليه‌السلام .

ونحن إذا أجلنا الطرف بين صفحات كتاب التوحيد، واستقرينا جميع ما فيه من بحوث ومسائل، وقارناها بكتابات الجاحظ، وتمعنا في كل ذلك تمعنا بسيطا، لرأينا البون شاسعا بينهما، والفرق كبيرا ظاهرا لكل ذي بصيرة وللتثبت من ذلك والاستدلال عليه نحيل القارئ الى ما كتبه الجاحظ في صدد الكلام عن مشفر الفيل وخرطومه(١) وما كتبه الإمام الصادق في الموضوع نفسه(٢) وقارن أيضا بين ما قاله الجاحظ عن النحل(٣) وما خاطب به الصادق المفضل في البحث ذاته(٤) ، وقارن مرة ثالثة بين ما ذكره الجاحظ في وصف العنكبوت(٥) وما وصف به الصادق طبائع هذا الحيوان العجيب(٦) .

__________________

(١) كتاب الحيوان للجاحظ ج ٧ ص ٣٨ ط السعادة بمصر.

(٢) راجع توحيد المفضل ص ٤١.

(٣) كتاب الحيوان ج ٥ ص ١١٦.

(٤) توحيد المفضل ص ٥٢ - ٥٣.

(٥) كتاب الحيوان ج ٥ ص ١٢٤.

(٦) توحيد المفضل ص ٤٧.

٣٢

ان هذه المقارنة تعطينا نظرة اجمالية عما بين أسلوب الجاحظ والصادق من التنافر والبعد، فان الجاحظ في مثل هذه الموضوعات يبدو حريصا على تجميل الكلام وتنميق الأسلوب، وطالما نراه يستعمل الحذلقة والتظرف في المناقشة مع شيء غير قليل من التماجن والدعابة والسخرية.

أما الإمام الصادق فانه مسترسل في كلامه كل الترسل، سمح في عبارته كل السماحة.

ثم ان في كتاب التوحيد تناسق في البحوث، ووحدة موضوعية منعدمة في مؤلفات الجاحظ، لان الجاحظ يتبع طريقة الاستطراد ويبتعد كثيرا عن صلب الموضوع.

ولو كان كتاب التوحيد للجاحظ حقا، لأودع فيه شيئا من آرائه الخاصة في الاعتزال، او آراء بعض أئمة المعتزلة، وما لهم من عقائد في باب الحكمة والتدبير في الخلق، كما هو شأنه في بحوثه الكلامية وبعكس ذلك نرى روح التشيع متجلية ظاهرة في كتاب التوحيد، وان سهولة عبارته اقرب ما تكون ميلا إلى أسلوب الإمام الصادق والأفكار التي كان يمليها على المآت من تلاميذه وأصحابه.

والجاحظ كان يتناول الأفكار بروح يبدو انه خال من حرارة الايمان، وانه يأتي الفن بقصد العبث والتلاعب، واظهار المقدرة البيانية، وهي روح تقصيه عن مكان الكاتب ذي الرسالة السامية، والذي يقول ويعنى ما يقول، ثم يؤمن بما يقول، لذلك لا يحس قارئ الجاحظ إلا بالنشوة تخامره، وباللذة تساوره، وبالاعجاب بقدرة هذا

٣٣

الفنان، ان اخرج من الحق باطلا، ومن الباطل حقا. لكنه مع هذا يعجز ان يحمل القارئ على الايمان بما يرى، والتصديق لما يقول(١) والجاحظ إذا اخضع مختلف المواضيع لاسلوبه، لم يخضع بينها الفلسفة بحدودها ومصطلحاتها وتعاريفها وانما تناولها تناول أديب يتفلسف(٢)

وكتاب التوحيد وان لم يكن موضوعه فلسفيا، فهو من النتائج الفلسفية البعيدة الاغوار التي لا ينتهى إليها إلا من أوتي حظا عظيما من الفهم والدراية بشئون هذا الخلق، وأحوال هذا العالم، مما هو داخل في حظيرة علم المعقول والجاحظ ليس اهلا لخوض مثل موضوع كتاب التوحيد والوقوف عند أمثاله موقف العاجم لعوده، الغائص في اغواره الكاشف عن مبهماته، العارف باصوله وفروعه.

٩ - مقارنة أخرى بين توحيد المفضل وأخبار الصادق:

ولقد جاء في أخبار الإمام الصادق - المروية في الموسوعات الكبيرة والمثبتة في أمهات الكتب - الكثير مما يشابه المسائل العلمية التي تضمنها توحيد المفضل، ويقارب ما احتوى عليه من موضوعات في الطبيعة من ذلك ما أثبته المجلسي(٣) في حديث رواه سالم الضرير في ان نصرانيا سأل الصادق عن تفصيل الجسم، وجواب الامام له جوابا لا يعدو المراد

__________________

(١، ٢) أبو حيان التوحيدى لعبد الرزاق محي الدين ص ٣٥٠ ط السعادة.

(٣) راجع بحار الأنوار مج ١١ ص ١٢٨.

٣٤

منه ما حدث به المفضل في موضوع أعضاء البدن وفوائد كل منها(١) ومثل ذلك ما سأل به أبو حنيفة الإمام الصادق عن الشمس والقمر وحديث هشام الخفاف، وتوجيه الصادق إليه بعض الأسئلة في حركات النجوم، وعجزه عن الجواب، ثم تفصيله هو الجواب عما سأل به(٢) وهذا كله مشابه كل الشبه لما تكلم به الصادق مع المفضل في المجلس الثالث(٣) بل لا يعدو أن تكون المضامين متفقة اتفاقا يدل دلالة قوية على ان البحثين قد صدرا من فيض علم رجل واحد.

أما كتاب الاحتجاج للطبرسي ١٨٠ - ٢٠٦ ط النجف فتجد فيه كثيرا من أحاديث الإمام الصادق، واحتجاجاته الجمة مع كثير من زنادقة عصره، وأنت تستطيع ان ترى شدة المشابهة بين تلك الاحتجاجات وبين أكثر المواضيع التي طرقها الامام في كتاب التوحيد.

١٠ - الاسماعيلية وكتاب التوحيد:

كان الاسماعيليون في المرحلة الأولى من دعوتهم الثورية العقائدية قد تبنوا مكافحة الالحاد، والقيام بصد الموجة الطاغية التي اجتاحت الفكر الإسلامي من جماعة الشكاكين والملحدين الذين كانوا يذهبون إلى انكار القوة الخالقة وبعث الرسل، وأمثال ذلك من الأمور التي تتصل بالغيبيات والالهيات.

__________________

(١) توحيد المفضل ص ١١ ط الحيدريّة.

(٢) انظر البحار مج ١١ ص ١٢٧ وص ١٣٠.

(٣) توحيد المفضل ص ٥٥ وص ٥٦.

٣٥

وقد ابتدأت هذه الحركة من جانب الاسماعيليين منذ ان وضعت الرسائل الرمزية بالاسم الموهوم جابر بن حيان في أوائل القرن الرابع للهجرة، وامتدت إلى عهد داعي دعاتهم الأول ذي العقل الموسوعي ( الانسكلوبيدي ) مؤيد الدين الشيرازي(١) ومجالسه المؤيدية المعروفة صورة واضحة تمثل لنا الحرب العوان التي شنها الاسماعيليون على الإلحاد والملحدين والتشكيك والشكاكين.

والذي يظهر لدينا ان الاسماعيليين قد ظفروا بكتاب التوحيد، فوجدوا فيه ضالتهم المنشودة واملهم المرجو، فكتبوا منه عدة مئات من النسخ، وبثوه بين جماعاتهم وعمموه على انصارهم، للدرس عليه والأخذ منه

ويظهر لدينا مرة اخرى بان واحدا من اولئك الدعاة الاسماعيليين المثقفين قد قرأ كتاب التوحيد، وسحره كثيرا، حتى لقد بدا له ان يغشيه ثوبا اسماعيليا خاصا، فكتب له مقدمة قصيرة حشاها ببعض المصطلحات الاسماعيلية وأضاف له الآراء العامة التي

يعتقدها أصحاب هذه الفرقة فعل ذلك من اجل الدعوة إلى مذهبه، واشاعته في أكثر عدد ممكن من الناس.

__________________

(١) المؤيد في الدين هبة الله بن أبي عمران الشيرازي الاسماعيلي، داعي الدعاة في عصر الخليفة المستنصر بالله الفاطمي، ولد في شيراز وتنقل في أكثر المناطق الإسلامية، حتى سكن مصر وتوفي بها عام ٤٧٠ ه‍ اما مجالسه التي أشرنا إليها فقد عثر الدكتور حسين الهمداني على ثمانية مجلدات منها وهي تشتمل على ٨٠٠ مجلس وكل مجلس عبارة عن محاضرة كان يلقيها مؤيد الدين في دار العلم بالقاهرة.

٣٦

ونحن نستطيع ان نتعرف على هذه الزيادات التي اضافها الاسماعيليون على أصل كتاب التوحيد، كالذي جاء في مقدمة المجلس الرابع من كلمات مثل هذه ( صاحب السر المستور(١) والغيب المحظور ).

بل ان الشك ليساورنا في المجلس الرابع كله فالذي نخاله ان هذا المجلس كله من وضع الاسماعيليين، فهو لا ينسجم مع مجالس الكتاب الأولى من جهة، وما فيه من آراء لم تعرف عن الإمام الصادق من جهة أخرى، مع ملاحظة ان موضوعات هذا المجلس متأثرة بفلسفة فيثاغورس العددية التي كان ينهل من نميرها الاسماعيليون، بينما الشيعة الاثنى عشرية يواكبون المشائين والرواقيين والاشراقيين.

أما المقدمة التي أضافها أحد الاسماعيليين فتجد فيها مثل هذه الكلمات ( امام عصرنا المقيم دعوة الحق بالمطلقين الدعاة ) وكذلك هذه الكلمات:

( أيد الله داعي هذا الوقت بالمواد اللطيفة والبركات ) ومثل هذه المقدمة وتلك الكلمات تبدو لنا دخيلة على كتاب التوحيد، ولا صلة لها بصلب البحث الذي تدور حوله موضوعات الكتاب.

ولما رجعنا إلى النسخة الخطية من كتاب التوحيد التي يقتنيها الأخ الأستاذ الاعرجي، وجدناها خالية من المقدمة الاسماعيلية، وكذلك لم نجدها في كتاب بحار الأنوار، فاقتضى التنبيه على ذلك.

النجف الأشرف

١٠ / ٧ / ١٩٥٠

كاظم المظفر

__________________

(١) يقول مؤيد الدين الشيرازي عن نفسه كما في ديوانه المخطوط:

رضيت التستر لي مذهبا

وما أبتغي عنه من معدل

٣٧

بسم الله الرحمن الرحيم

قلنا فيما سبق ان هذه المقدمة ليست لها أية صلة بالكتاب، وانما وضعها أحد الاسماعيليين في عصر متأخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام .

الحمد الله الذي اوجد الموجودات، وجعل فيها دلائل ربوبيته واضحات شاهدات، وصلى الله تعالى على محمد رسوله إلى كافة الناس بالبينات الجالية القلوب الى الإقرار بالباري، وللجاحدين رادعات صادات، وعلى الأئمة من ذريته سادة الخلق ولهم إلى ذي الحق هداة، وعلى امام عصرنا المقيم دعوة الحق بالمطلقين الدعاة، وايد الله داعي هذا الوقت بالمواد اللطيفة والبركات.

( أما بعد ): فهذا كتاب يشتمل على حكمة الباري جل وعلا في خلق العالم ومواليده، الذي يسكن إليه المؤمنون. ويتحير فيه الملحدون لما فيه من صواب القول وسديده، الذي ذكره الصادقعليه‌السلام للمفضل وهو مقطوع اول ورقة منه والموجود ما يليه هذا وهو نصه وشرحه:

٣٨

كتاب توحيد المفضل

بسم الله الرحمن الرحيم

( كلام ابن أبي العوجاء مع صاحبه)

روى محمد بن سنان(١) قال حدثني المفضل بن عمر(٢) قال كنت ذات يوم بعد العصر جالسا في الروضة بين القبر والمنبر وأنا مفكر فيما خص الله تعالى به سيدنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله، من الشرف

__________________

(١) هو أبو جعفر الزاهري. ذكر الكشّيّ في شأنه ما يدلّ على مدح عظيم وعلى قدح ايضا، وذكر انه روي عنه جماعة من العدو والثقاة من أهل العلم والإنصاف، وجميع الروايات المجرحة له واهية ساقطة، فقد أشار الكثير إلى قوته والذب عنه، وتفنيد ما قيل فيه من الضعف. وان اجتماع الأعيان على الرواية عنه ادل شيء على كمال قوته عده الشيخ المفيد من خاصّة الإمام الكاظم وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته كما عده الشيخ في الغيبة من الوكلاء المرضيين الذين لم يغيروا ولم يبدلوا، بل مضوا على منهاج الأئمّة، وفي الخلاصة كان مكفوف البصر اعمى توفى عام ٢٢٠ ه‍.

(٢) مضت ترجمة المفضل بصورة مفصلة في المقدّمة.

٣٩

والفضائل وما منحه وأعطاه وشرفه وحباه مما لا يعرفه الجمهور من الأمة وما جهلوه من فضله وعظيم منزلته وخطير مرتبته فإني لكذلك إذ أقبل ابن أبي العوجاء فجلس بحيث أسمع كلامه فلما استقر به المجلس إذ رجل من أصحابه قد جاء فجلس إليه فتكلم ابن أبي العوجاء(١) فقال لقد بلغ صاحب هذا القبر العز بكماله وحاز الشرف بجميع خصاله ونال الحظوة في كل أحواله فقال له صاحبه إنه كان فيلسوفا ادعى المرتبة العظمى والمنزلة الكبرى وأتى على ذلك بمعجزات بهرت العقول وضلت فيها الأحلام وغاصت الألباب على طلب علمها

__________________

(١) هو عبد الكريم بن أبي العوجاء ربيب حماد بن سلمة على ما يقول ابن الجوزي ومن تلامذة الحسن البصري، وذكر البغداديّ انه كان ما نويا يؤمن بالتناسخ ويميل إلى مذهب الرافضة (!) ويقول بالقدر، ويتخذ من شرح سيرة مانى وسيلة للدعوة، وتشكيك الناس في عقائدهم، ويتحدث في التعديل والتجوير على ما يذكر البيرونى. ومن هنا يتبين ان ابن أبي العوجاء هذا كان زنديقا مشهورا بذلك وله مواقف حاسمة مع الإمام الصّادق، أفحمه الامام في كل مرة منها، سجنه والي الكوفة محمّد بن سليمان ثمّ قتله في أيّام المنصور عام ١٥٥ ه‍، وقيل عام ١٦٠ ه‍ في أيّام المهدى تجد ذكره في تاريخ الطبريّ ج ٣ ص ٣٧٥ ط ليدن، وفهرست ابن النديم ص ٣٣٨، والفرق بين الفرق ص ٢٥٥ ط محمّد بدر، ودائرة المعارف الإسلامية مج ١ ص ٨١، واحتجاج الطبرسيّ ص ١٨٢ و١٨٣ ط النجف، وما للهند من مقولة ص ١٢٣.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

بين يدي محاوراته مع عثمان

لقد قرأنا في الجزء الثاني من الحلقة الأولى من هذه الموسوعة كثيراً من أخبار ابن عباس في أيام عثمان ، ولمّا كان حال عثمان غير خفيّ في التاريخ ، بالرغم من موضوعات زادت في تشويهه بأكاذيب أموية ، لكنها لم تصنع شيئاً ، فبقيت حال عثمان كما هي معلومة نسباً وحسباً وصحبةً ومصاهرةً وحكومةً وممارسةً وضلوعاً وإنصياعاً لبني أمية ، ما سببّت نقمة الناس عليه ، لأمور صدرت منه ومنهم ما كان ينبغى لمثله في سنّه وشأنه أن تنسب إليه فيؤاخذ عليها حتى أودت بحياته ، فكان كما قال عنه الدكتور طه حسين في كتابه ( الفتنة الكبرى ) :

( فأمّا عثمان فمهما يكن إعتذار أهل السنة والمعتزلة عنه ، فإنّه قد أسرف وترك عمّاله يسرفون في العُنف بالرعية ، ضرباً ونفياً وحبساً ، وهو نفسه قد ضرب أو أمر بضرب رجلين من أعلام أصحاب النبيّ ، فضرب عمار بن ياسر حتى أصابه الفتق ، وأمر من أخرج عبد الله بن مسعود من مسجد النبيّ إخراجاً عنيفاً ، حتى كسر بعض أضلاعه ).

وقال أيضاً : ( فهذه السياسة العنيفة التي تسلط الخليفة وعماله على أبشار الناس وأشعارهم وعلى أمنهم وحريتهم ليست من سيرة النبيّ ولا من سيرة الشيخين في شيء ).

١٤١

وقال أيضاً : ( والسياسة المالية التي أصطنعها عثمان منذ نهض بالخلافة كلّها موضوع النقمة والإنكار من أكثر الذين عاصروا عثمان ، ومن أكثر الرواة والمؤرخين ).

وقال أيضاً : ( ولو سار عثمان في الأموال العامّة سيرة عمر فلم ينفق المال إلاّ بحقه ، لجنّب نفسه وجنّب المسلمين شراً عظيماً ، ولكان من الممكن أن ينشئ الإسلام للإنسانية نظاماً سياسياً وإجتماعياً صالحاً يجنبّها كثيراً من الإضطراب الذي اضطرت إليه ، والفساد الذي تورطت فيه )(1) .

أقول : وعلى نحو ما مرّ من أقوال طه حسين نجد أقوال آخرين من الباحثين المحدثين ، ولا بدع لو التقت أراؤهم في نقد أفعاله وأختلفت أقوالهم في توجيه سياسته والتي رأوها جميعاً سياسية أموية رعناء جلبت له وللأمة كثيراً من الشر ، وكثرّت عليه أسباب النقمة ، بداية من المسلمين الصحابة في المدينة ، وسرعان ما أستطار شررها إلى بقية الأمصار ، فكثرت وفود الساخطين من العراق ومصر وغيرهما والتقوا بالصحابة فتفاقم الخطب.

وكانت شدّة المحنة والمعاناة عندما فزع الثوار إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يشكون حالهم ، فيسارع هو إلى عثمان ناصحاً في محاولات إصلاح بين الطرفين ، لكن عثمان لم يستجب للنصح ، بل وزاد في تعقيد الأمور إتهامه الإمام عليه السلام ما دام كثير من الثوار اتخذوه لجأً ، يرجون إغاثتهم

____________________

(1) الفتنة الكبرى 1 / 190 ـ 198.

١٤٢

من سوء أفعال عثمان وبطانته ، وكلّما دافع الإمام عليه السلام عن عثمان بالحسنى إزداد تصلّب الساخطين ، فآثر الإعتزال ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ، غير أنّ عثمان وبتحريض من بني أمية كان يزداد غضباً وحنقاً عليه ، ممّا أضطر العباس بن عبد المطلب ومن بعده ابنه عبد الله حبر الأمة القيام بمحاولات إصلاحية أيضاً ولتهدئة الخواطر ، عسى أن تهدأ الفورة وتسكن الثورة ، ولم تنجح تلك المساعي ، لأنّ عثمان كان إذن شرّ يسمع لما يقوله له مروان وبني أمية.

ومع كثرة الشواهد على المساعي الإصلاحية التي بذلها الإمام عليه السلام وعمه العباس وابنه عبد الله ، كان عثمان يتهمهم في النصح ، مع أنّه لو أنصفهم لوجدهم أحرص الناس عليه وأرعى ذماماً له للقرابة النسبية منه ، وهذا ما سنقرأ بعضاً منه في مواقف العباس وابنه عبد الله بن عباس في إصلاح ذات البين ، لكن عثمان ـ كما قلناـ كان مغلوباً على أمره من قبل بني أمية ، وفي قلوبهم جميعاً من الحقد والشنآن على بني هاشم عموماً وعلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام خصوصاً ، ممّا طغى على لسان عثمان ، فأظهرته فلتات اللسان عن بعض ما يضمره الجنان من الحقد والشنآن ، فيقول للإمام عليه السلام مغاضباً وعاتباً : ( ما ذنبي إليك إذا لم تحبّك قريش وقد قتلت منهم سبعين ترد آنافهم الماء قبل شفاهم ) ، وفي لفظ آخر : ( كأن أعناقهم أباريق فضة ) ، ونحو هذا. ولقد همّ مرّة ـ وربما أكثر ـ بأن ينفي الإمام عليه السلام من المدينة كما صنع مع أبي ذر ، كما ستأتي الإشارة إليه في مواقف العباس الإصلاحية والإستصلاحية.

١٤٣

وإلآن إلى قراءة بعضها ، ولنبدأ بما رواه الطبري في تاريخه :

( بسند عن حمران بن أبان ، قال : أرسلني عثمان إلى العباس بعدما بويع فدعوته له ، فقال : مالك تعبدتني ـ ( تبعّدتني ظ )؟ قال : لم أكن قط أحوج إليك مني اليوم. قال ـ العباس ـ : الزم خمساً لا تنازعك الأمة خزائمها ما لزمتها. قال : وما هي؟ قال : الصبر عن القتل ، والتحبب ، والصفح ، والمدارات ، وكتمان السر )(1) .

ولكن عثمان لم يلتزم بنصيحة العباس ، بل استمر على حاله ، فاتسع الخرق على الراقع ، حتى عجز العباس من رأب الصدع ، مع ما كان فيه من حنكة رأي وجودة تدبير ، حتى قيل له داهية قريش ، ولمّا رأى تسافل الحال ونذر الشر بدت تلوح في الأفق ، فصار يدعو ربّه أن يسبق به أجله قبل وقوع الكارثة التي بدت بوادرها تنذر بشر مستطير فإستجاب له ربّه ، فما كانت إلاّ جمعة حتى لقي ربّه.

أمّا عن مواقفه في نصيحة عثمان في كفّ أذاه عن الإمام عليه السلام وعن الأمّة فهي متعددة ، أذكر بعضها :

فمنها ما ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج ، قال :

( روى الزبير بن بكار في كتابه الموفقيات ، عن عبد الله بن عباس ، قال : ما سمعت من أبي شيئاً قط في أمر عثمان يلومه فيه ولا يعذره ، ولا سألته عن شيء من ذلك مخافة أن أهجم منه على ما لا يوافقه ، فأنا عنده

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 400 ط دار المعارف بمصر.

١٤٤

ليلة ونحن نتعشى إذ قيل هذا أمير المؤمنين عثمان بالباب ، فقال : أئذنوا له ، فدخل فأوسع له على فراشه وأصاب من العشاء معه ، فلمّا رفع قام من كان هناك وثبتّ أنا.

فحمد الله عثمان وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد يا خال فإنّي قد جئتك أستعذرك من ابن أخيك عليّ سبّني ، وشهر أمري ، وقطع رحمي ، وطعن في ديني ، وإنّي أعوذ بالله منكم يا بني عبد المطلب ، إن كان لكم حقّ تزعمون أنّكم غُلبتم عليه فقد تركتموه في يدي مَن فعل ذلك بكم ، وأنا أقرب إليكم رحماً منه ، وما لمت منكم أحداً إلاّ عليّاً ، ولقد دعيت أن أبسط عليه فتركته لله والرحم وأنا أخاف أن لا يتركني فلا أتركه.

قال ابن عباس : فحمد أبي الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد يا بن أختي فإن كنت لا تحمد عليّاً لنفسك فإنّي لا أحمدك لعليّ ، وما عليّ وحده قال فيك ، بل غيره ، فلو أنّك اتهمت نفسك للناس أتهم الناس أنفسهم لك ، ولو أنّك نزلت ممّا رقيت وأرتقوا ممّا نزلوا فأخذت منهم وأخذوا منك ما كان بذلك بأس.

قال عثمان : فذلك إليك يا خال وأنت بيني وبينهم.

قال : أفأذكر لهم ذلك عنك؟

قال : نعم ، وأنصرف.

فما لبثنا أن قيل : هذا أمير المؤمنين قد رجع بالباب ، قال أبي : أئذنوا له ، فدخل فقام قائماً ولم يجلس وقال : لا تعجل يا خال حتى أوذنك. فنظرنا فإذا مروان بن الحكم كان جالساً بالباب ينتظره حتى خرج فهو

١٤٥

الذي ثناه عن رأيه الأوّل.

فأقبل عليَّ أبي وقال : يا بني ما إلى هذا من أمره شيء. ثمّ قال : يا بني أملك عليك لسانك حتى ترى ما لابدّ منه. ثمّ رفع يديه فقال : اللّهمّ اسبق بي ما لا خير لي في إدراكه ، فما مرّت جمعة حتى مات رحمه الله )(1) .

ومنها ما رواه البلاذري في ( أنساب الأشراف ) ، بإسناده عن صهيب مولى العباس ، قال :

( إنّ العباس قال لعثمان : أذكرّك الله في أمر ابن عمك وابن خالك وصهرك ، وصاحبك مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد بلغني أنّك تريد أن تقوم به وبأصحابه.

فقال : أوّل ما أجيبك به أنّي قد شفعتك ، إنّ عليّاً لو شاء لم يكن أحد عندي إلاّ دونه ، ولكن أبى إلاّ رأيه. ثم قال لعليّ مثل قوله لعثمان.

فقال عليّ : لو أمرني عثمان أن أخرج من داري لخرجت )(2) .

وهذا رواه ابن عساكر أيضاً في ( تاريخ مدينة دمشق ) ، بسنده عن صهيب مولى العباس ، وجاء في آخر قول الإمام عليه السلام : ( فأمّا أداهن أن لا

____________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 397.

وهذه الواقعة غير التي سبقتها وان عاصرتها زماناً ففي الاُولى كانت الشكوى في دار عثمان والعباس حاضر عنده. أمّا هذه فهي في دار العباس وعثمان حاضر عنده ، ولا مانع من تعدّدهما إذا عرفنا تخبّط السياسة يومئذ في معالجة مشاكل الناس وأستحواذ مروان على عثمان في تدبير أُموره.

(2) أنساب الأشراف 1 / 498 ـ 499.

١٤٦

يقام بكتاب الله فلم أكن لأفعل )(1) .

وجاء الخبر في ( التعديل والتجريح ) مسنداً عن سهيل مولى العباس يقول : ( أرسلني العباس إلى عثمان أدعوه ، فأتاه فقال : أفلح الوجه أبا الفضل ، قال : ووجهك يا أمير المؤمنين. قال : عليّ ابن عمك وابن عمتك وصهرك وأخوك في دينك وصاحبك مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبلغني أنّك تريد أن تقوم به وبأصحابه. فقال : لو شاء عليّ ما كان دونه أحد ، ثم أرسلني إلى عليّ ، فقال : إنّ عثمان ابن عمك وابن عمتك وأخوك في دينك وصاحبك مع رسول صلى الله عليه وآله وسلم وولي بيعتك ، فقال : لو أمرتني أن أخرج من داري لفعلت )(2) .

ومنها ما رواه البلاذري وغيره ، واللفظ له قال :

( حدثني عباس بن هشام ، عن أبيه ، عمّن حدثه ، عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عباس : إنّ عثمان شكا عليّاً إلى العباس فقال له : يا خال إنّ عليّاً قد قطع رحمي ، وألّب الناس عليَّ ، والله لئن كنتم يا بني عبد المطلب أقررتم هذا الأمر في أيدي بني تيمّ وعدي ، فبنو عبد مناف أحق أن لا تنازعوهم فيه ولا تحسدوهم عليه.

قال عبد الله بن العباس : فأطرق أبي طويلاً ، ثم قال : يا بن أخت لئن كنت لا تحمد عليّاً فما نحمدك له ، وأن حقك في القرابة والإمامة للحق الذي لا يُدفع ولا يجحد ، فلو رقيت فيما تطأطأ ، أو تطأطأت فيما رقي ،

____________________

(1) تاريخ مدينة دمشق 39 / 264 ط دار الفكر بيروت.

(2) التعديل والتجريح 3 / 1007.

١٤٧

تقاربتهما ، وكان ذلك أوصل وأجمل.

قال : قد صيّرت الأمر عن ذلك إليك ، فقرّب الأمر بيننا.

قال : فلمّا خرجنا من عنده دخل عليه مروان فأزاله عن رأيه ، فما لبثنا أن جاء أبي رسول عثمان بالرجوع إليه ، فلمّا رجع ، قال : يا خال أحبّ أن تؤخر النظر في الأمر الذي ألقيت إليك حتى أرى من رأي.

فخرج أبي من عنده ثم التفت إلى فقال : يا بني ليس إلى هذا الرجل من أمره شيء ، ثم قال : اللهم أسبق بي الفتن ، ولا تبقني إلى ما لا خير لي في البقاء إليه ، فما كانت جمعة حتى هلك )(1) .

ويبدو لي تعدّد الوقائع مع تقارب الزمان بينهما ، ففي الرواية الأولى كانت الشكاة في دار العباس وقد أتاه عثمان بنفسه ليلة وأصاب معه من عشائه ثم نفث شكاته ، وفي الرواية الثانية التي رواها البلاذري بسنده عن ابن عباس أنّ التشاكي كان في دار عثمان ، وفي خبر التعديل والتجريح أنّ العباس أرسل مولاه سهيل فاستدعى عثمان إلى بيته ونصحه باستعمال الرفق واللين مع عليّ عليه السلام ، وفي كلّ الروايات قرأنا طرحاً إستصلاحياً يكاد النجاح حليفه ، لكن صراحة استحواذ مروان على عثمان في تخبطه السياسي فلم يدع مجالاً للعباس ولا لغيره أن يصلح بينه وبين الناس لمعالجة المشاكل العالقة يومئذ.

ويبدو لي أنّ العباس يأس من إصلاح ما أفسده بنو أمية من أمر

____________________

(1) أنساب الأشراف 1 / ق4 / 498 ـ 499.

١٤٨

عثمان ، وتوقع المزيد من طوارق الحدثان تجتاح المجتمع الإسلامي في المدينة وغيرها ، ولذلك دعا أن يسبقها أجله ، فمرض فكان العوّاد يعودونه ، فكان آخر نصائحه لعثمان حين دخل عليه في مرضه الذي مات فيه :

( فقال ـ عثمان ـ : أوصني بما ينفعني ( الله ) به.

فقال : إلزم ثلاث خصال خواص تصيب بها ثلاث عوام ، فالخواص : ترك مصانعة الناس في الحق ، وسلامة القلب ، وحفظ اللسان ، تُصب بها سُرور الرعية ، وسلامة الدين ، ورضا الربّ )(1) .

ولشدّة اهتمامه بوحدة كلمة المسلمين وصلاح ذات البين كانت وصاياه لعثمان ، وكذلك كانت وصيته للإمام أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً ، وهي آخر وصية صدرت منه ، تكشف عن بُعد نظر في قراءة المستقبل المظلم الذي ستنتصر فيه قوى الشر على وحدة الخير ، ويكون عليّ عليه السلام ضحيتها ، لذلك كانت نظرة العباس تفيض بالألم على ما أصاب بني هاشم من تحديات وإحباطات سابقاً ، مضافاً إلى ما سيلاقونه لاحقاً من عقبات ومعادات من أعدائهم مع خذلان من أنصارهم ، إلاّ من رحم الله فحفظ فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقليلٌ ما هم.

كلّ هذا كان عند العباس بثاقب نظره رؤيا العين ، فهو إذ يوصي الإمام عليه السلام بتجنب المواجهة مع عثمان خشية عليه من أن يعصب به كلّ

____________________

(1) أخبار الدولة العباسية / 21.

١٤٩

الإضطغان القرشي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للدماء التي أُريقت في سبيل الإسلام ، من قريش وغيرهم ، والعباس كان يعرف كراهية قريش لبني هاشم منذ عهد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد مرّت بنا شواهد على ذلك.

والآن إلى قراءة وصيته لابن أخيه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام :

وصية العباس للإمام عليه السلام :

لقد سبق ذكر الوصية عند ذكر وفاة العباس ، إلاّ أنّ ثمة تفاوت وتعقيب وتذنيب اقتضى ذكرها ثانياً.

قال ابن أبي الحديد : ( قرأت في كتاب صنفه أبو حيان التوحيدي في تقريظ الجاحظ ، قال : نقلت من خط الصولي : قال الجاحظ : إنّ العباس بن عبد المطلب أوصى عليّ بن أبي طالب عليه السلام في علته التي مات فيها ، فقال : أي بُنيّ إنّي مشفٍ على الظعن عن الدنيا إلى الله الذي فاقتي إلى عفوه وتجاوزه أكثر من حاجتي إلى ما أنصحك فيه وأشير عليك به ، ولكن العِرق نبوض ، والرحم عروض ، وإذا قضيت حق العمومة فلا أبالي بعد ، إنّ هذا الرجل ـ يعني عثمان ـ قد جاءني مراراً بحديثك ، وناظرني ملايناً ومخاشناً في أمرك ، ولم أجد عليك إلاّ مثل ما أجد منك عليه ، ولا رأيت منه لك إلاّ مثل ما أجد منك له ، ولست تؤتى من قلّة علم ولكن من قلّة قبول ، ومع هذا كلّه فالرأي الذي أودّعك به أن تمسك عنه لسانك ويدك ، وهمزك وغمزك ، فإنّه لا يبدؤك ما لم تبدؤه ، ولا يجيبك عما لم يبلغه ،

١٥٠

وأنت المتجني وهو المتأني ، وأنت العائب وهو الصامت ، فإن قلت : كيف هذا وقد جلس مجلساً أنا به أحق ، فقد قاربت ولكن ذاك بما كسبت يداك ، ونكص عنه عقباك ، لأنّك بالأمس الأدنى هرولتَ إليهم ، تظن أنّهم يُحلّون جيدك ويُختمّون أصبعك ، ويطأون عقبك ، ويرون الرشد بك ، ويقولون لا بد لنا منك ، ولا معدل لنا عنك ، وكان هذا من هفواتك الكُبر ، وهناتك التي ليس لك منها عذر ، والآن بعد ما ثللت عرشك بيدك ، ونبذت رأي عمك في البيداء ، يتدهده(1) في السافياء(2) ، خذ بأحزم ممّا يتوضح به وجه الأمر ، لا تشارّ هذا الرجل ولا تماره ، ولا يبلغه عنك ما يحنقه عليك ، فإنّه إن كاشفك أصاب أنصاراً ، وإن كاشفته لم تر إلا ضِراراً ، ولم تستلج إلاّ عثاراً ، واعرف مَن هو بالشام له ، وَمَن ههنا حوله ، ومن يطيع أمره ويمتثل قوله ، ولا تغترر بناس يطيفون بك ، ويدّعون الحنوّ عليك والحبّ لك ، فإنّهم بين مولى جاهل ، وصاحب متمنّ ، وجليس يرعى العين ويبتدر المحضر ، ولو ظن الناس بك ما تظن بنفسك لكان الأمر لك والزمام في يدك ، ولكن هذا حديث يوم مرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فات ، ثم حرم الكلام فيه حين مات ، فعليك الآن بالعزوف عن شيء عرضك له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يتم ، وتصدّيت له مرّة بعد مرّة فلم يستقم ، ومن ساور الدهر غُلِب ، ومن حرص على ممنوع تعب ، فعلى ذلك فقد أوصيت عبد الله بطاعتك ، وبعثته على متابعتك ، وأوجرته محبتك ، ووجدت عنده من ذلك ظني به لك ، لا

____________________

(1) يتدهده : يتدحرج.

(2) السافياء : الريح التي تحمل التراب.

١٥١

توتر قوسك إلاّ بعد الثقة بها ، وإذا أعجبتك فأنظر إلى سيتها ، ثم لا تفوّق إلاّ بعد العلم ، ولا تغرق في النزع إلاّ لتصيب ، وأنظر لا تطرف يمينك عينَك ، ولا تجنِ شمالك شينك ، ودّعني بآيات من آخر سورة الكهف(1) ، وقم إذا بدا لك )(2) .

تعقيب ابن أبي الحديد على الوصية :

قال ابن أبي الحديد بعد ذكره الوصية المتقدمة : ( قلت : الناس يستحسنون رأي العباس لعليّ عليه السلام في أن لا يدخل في أصحاب الشورى ، وأمّا أنّا فانّي أستحسنه إن قصد به معنى ، ولا أستحسنه إن قصد به معنى آخر ، وذلك لأنّه إن أجري بهذا الرأي إلى ترفّعه عليهم وعلوّ قدره عن أن يكون مماثلاً لهم ، أو أجري به إلى زهده في الإمارة ورغبته عن الولاية ، فكلّ هذا رأي حسن وصوابه ، وإن كان منزعه في ذلك إلى أنّك إن تركت الدخول معهم وانفردت بنفسك في دارك أو خرجت عن المدينة إلى بعض أموالك فإنّهم يطلبونك ويضربون إليك آباط الإبل حتى يولّوك الخلافة ، وهذا هو الظاهر من كلامه ، فليس هذا الرأي عندي بمستحسن ،

____________________

(1) هي قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً _ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً _ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً _ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدا ً) الكهف / 107 ـ 110.

(2) شرح النهج لابن أبي الحديد 3 / 282 ط مصر الاُولى.

١٥٢

لأنّه لو فعل لولّوا عثمان أو واحداً منهم غيره ، ولم يكن عندهم من الرغبة إليه عليه السلام ما يبعثهم على طلبه ، بل كان تأخره عنهم قرّة أعينهم ، وواقعاً بإيثارهم ، فإنّ قريشاً كلّها كانت تبغضه أشد البغض ، ولو عمّر عمر نوح وتوصل إلى الخلافة بجميع أنواع التوصل كالزهد فيها تارة ، والمناشدة بفضائله تارة ، وبما فعله في ابتداء الأمر من إخراج زوجته وأطفاله ليلاً إلى بيوت الأنصار ، وبما اعتمده إذ ذاك من تخلّفه في بيته واظهار أنّه قد عكف على جمع القرآن ، وبسائر أنواع الحيل فيها لم تحصل له إلاّ بتجريد السيف كما فعله في آخر الأمر.

ولست ألوم العرب لا سيما قريشاً في بغضها له وانحرافها عنه ، فإنّه وترها وسفك دماءها ، وكشف القناع في منابذتها ، ونفوس العرب وأكبادها كما تعلم ، وليس الإسلام بمانع من بقاء الأحقاد في النفوس ، كما نشاهد اليوم عياناً ، والناس كالناس الأول ، والطبائع واحدة ، فأحسب أنّك كنت من سنتين أو ثلاث جاهلياً أو من بعض الروم وقد قتل واحد من المسلمين ابنك أو أخاك ثم أسلمت ، أكان اسلامك يُذهب عنك ما تجده من بغض ذلك القاتل وشنآنه ، كلا إنّ ذلك لغير ذاهب ، هذا إذا كان الإسلام صحيحاً والعقيدة محققة لا كإسلام كثير من العرب ، فبعضهم تقليداً ، وبعضهم للطمع والكسب ، وبعضهم خوفاً من السيف ، وبعضهم على طريق الحمية والإنتصار ، أو لعداوة قوم آخرين من أضداد الإسلام وأعدائه.

١٥٣

واعلم أنّ كلّ دم أراقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسيف عليّ عليه السلام وبسيف غيره ، فإنّ العرب بعد وفاته عليه السلام عصبت تلك الدماء بعليّ بن أبي طالب عليه السلام وحده ، لأنّه لم يكن في رهطه مَن يستحق في شرعهم وسنتهم وعادتهم أن يعصب به تلك الدماء إلاّ بعليّ وحده ، وهذه عادة العرب إذا قتل منها قتلى طالبت بتلك الدماء القاتل ، فإن مات أو تعذرت عليها مطالبته طالبت بها أمثل الناس من أهله. لمّا قتل قوم من بني تميم أخاً لعمرو بن هند ، قال بعض أعدائه يحرض عمراً عليهم :

من مبلغ عمراً بأن المرء لم يخلق صُباره

وحوادث الأيام لايبقى لها إلاّ لحجاره

ها إنّ عجزة أمه بالسفح أسفل من أواره

تسفي الرياح خلال كشيحه وقد سلبوا أزاره

فاقتل زرارة لا أرى في القوم أمثل من زرارة

أن يقتل زرارة بن عدس رئيس بني تميم ، ولم يكن قاتلاً أخا الملك ولا حاضراً قتله. ومن نظر في أيام العرب ووقائعها ومقاتلها عرف ما ذكرناه )(1) .

____________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 3 / 283 ط الأولى بمصر.

١٥٤

محاورات ابن عباس مع عثمان

بين يدي المحاورة الأولى :

نذكر ما روى الواقدي في كتاب ( الشورى ) عن ابن عباس رحمه الله قال :

( شهدت عتاب عثمان لعليّ عليه السلام يوماً فقال له في بعض ما قاله : نشدتك الله أن تفتح للفرقة باباً ، فلعهدي بك وأنت تطيع عتيقاً وابن الخطاب طاعتك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولستُ بدون واحد منهما ، وأنا أمسّ بك رحماً وأقرب إليك صهراً ، فإن كنت تزعم أنّ هذا الأمر جعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لك ، فقد رأيناك حين توفي نازعت ثمّ أقررت ، فإن كانا لم يركبا من الأمر جَداً فكيف أذعنت لهما بالبيعة وبخعت بالطاعة ، وإن كانا أحسنا فيما وليّا ولم أقصر عنهما في ديني وحسبي وقرابتي فكن لي كما كنت لهما.

فقال عليّ عليه السلام : أمّا الفرقة ، فمعاذ الله أن أفتح لها باباً وأسهّل إليها سبيلاً ، ولكني أنهاك عمّا ينهاك الله ورسوله عنه ، وأهديك إلى رشدك.

وأمّا عتيق وابن الخطاب ، فإن كانا أخذا ما جعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لي فأنت أعلم بذلك والمسلمون ، وما لي ولهذا الأمر وقد تركته منذ حين. فأمّا أن لا يكون حقي بل المسلمون فيه شرع ، فقد أصاب السهم الثغرة ،

١٥٥

وأمّا أن يكون حقي دونهم ، فقد تركته لهم طبت به نفساً ، ونفضت يدي عنه استصلاحاً.

وأمّا التسوية بينك وبينهما ، فلست كأحدهما ، إنّهما وليا هذا الأمر فطلقا أنفسهما وأهلهما عنه ، وعُمتَ فيه وقومك عوم السابح في اللجة ، فارجع إلى الله أبا عمرو وأنظر هل بقي من عمرك إلاّ كظمء الحمار ، فحتى متى وإلى متى؟ ألا تنهى سفهاء بني أمية عن أعراض المسلمين وأبشارهم وأموالهم؟ والله لو ظلم عامل من عمالك حيث تغرب الشمس لكان أثمه مشتركاً بينه وبينك.

قال ابن عباس : فقال عثمان : لك العتبى ، وافعل وأعزل من عمالي كلّ من تكرهه ويكرهه المسلمون.

ثمّ أفترقا ، فصدّه مروان بن الحكم عن ذلك ، وقال : يجتريء عليك الناس فلا تعزل أحداً منهم )(1) .

المحاورة الثانية :

روى الزبير بن بكار في كتاب ( الموفقيات ) بسنده عن ابن عباس S قال : ( صليت العصر يوماً ثمّ خرجت ، فإذا أنا بعثمان في أيام خلافته في بعض أزقة المدينة وحده ، فأتيته إجلالاً وتوقيراً لمكانه ، فقال لي : هل رأيت عليّاً؟

____________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 398 ط مصر الأولى.

١٥٦

قلت : خلّفته في المسجد ، فإن لم يكن الآن فيه فهو في منزله.

قال : أمّا منزله فليس فيه ، فابغه لنا في المسجد ، فتوجهنا إلى المسجد ، وإذا عليّ عليه السلام يخرج منه.

ـ قال ابن عباس : وقد كنت أمس ذلك اليوم عند عليّ فذكر عثمان وتجرّمه عليه ، وقال : أما والله يا بن عباس إنّ من دوائه لقطع كلامه وترك لقائه. فقلت له : يرحمك الله كيف لك بهذا ، فإن تركته ثمّ أرسل إليك فما أنت صانع؟ قال : أعتلّ وأعتلّ فمن يضرّني؟ قال : لا أحدـ

قال ابن عباس : فلمّا تراءينا له وهو خارج من المسجد ظهر منه من الالتفات والطلب للإنصراف ما أستبان لعثمان ، فنظر إليّ عثمان ، وقال : يا ابن عباس أما ترى ابن خالنا يكره لقاءنا؟

فقلت : ولِمَ وحقك ألزم وهو بالفضل أعلم.

فلمّا تقاربا رماه عثمان بالسلام فردّ عليه. فقال عثمان : إن تدخل فإياك أردنا ، وإن تمض فإياك طلبنا. فقال عليّ : أيّ ذلك أحببت. قال : تدخل ، فدخلا وأخذ عثمان بيده فأهوى به إلى القبلة فقصر عنها وجلس قبالتها ، فجلس عثمان إلى جانبه ، فنكصت عنهما ، فدعواني جميعاً فأتيتهما.

فحمد الله عثمان وأثنى عليه وصلّى على رسوله ، ثمّ قال : أمّا بعد يا ابنّي خاليّ وابنيّ عمّي فإذ جمعتكما في النداء فأستجمعكما في الشكاية على رضائي عن أحدكما ووجدي على الآخر ، إنّي أستعذركما من أنفسكما وأسألكما فياتكما وأستوهبكما رجعتكما ، فوالله لو غالبني الناس

١٥٧

ما أنتصرت إلاّ بكما ، ولو تهضّموني ما تعززت إلاّ بعزّكما ، ولقد طال هذا الأمر بيننا حتى تخوّفت أن يجوز قدره ويعظم الخطر فيه. ولقد هاجني العدو عليكما وأغراني بكما ، فمنعني الله والرحم ممّا أراد ، وقد خلونا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى جانب قبره ، وقد أحببت أن تظهرا لي رأيكما وما تنطويان لي عليه وتصدقا ، فإنّ الصدق أنجى وأسلم ، وأستغفر الله لي ولكما.

قال ابن عباس : فأطرق عليّ عليه السلام وأطرقت معه طويلاً. أمّا أنا فأجللته أن أتكلّم قبله ، وأمّا هو فأراد أن أجيب عنّي وعنه ؛ ثمّ قلت له : أتتكلم أم أتكلم أنا عنك؟ قال : بل تكلم عني وعنك.

فحمدت الله وأثنيت عليه ، وصلّيت على رسوله ، ثمّ قلت : أمّا بعد يا ابن عمنا وعمتنا ، فقد سمعنا كلامك لنا وخلطك في الشكاية بيننا على رضاك ـ زعمت ـ عن أحدنا ووجدك على الآخر ، وسنفعل في ذلك فنذمّك ونحمدك ، اقتداء منك بفعلك فينا ، فإنا نذمّ مثل تهمتك إيانا على ما اتهمتنا عليه بلا ثقة إلاّ ظنّاً ، ونحمد منك غير ذلك من مخالفتك عشيرتك ، ثمّ نستعذرك من نفسك استعذارك إيانا من أنفسنا ، ونستوهبك فياتك استيهابك إيانا فيأتنا ، ونسألك رجعتك مسألتك إيانا رجعتنا ، فإنّا معاً أيّما حمدت وذممت منّا كمثلك في أمر نفسك ، ليس بيننا فرق ولا إختلاف ، بل كلانا شريك صاحبه في رأيه وقوله ، فوالله ما تعلمنا غير معذّرين فيما بيننا وبينك ، ولا تعرفنا غير قانتين عليك ولا تجدنا غير راجعين إليك ،

١٥٨

فنحن نسألك من نفسك مثل ما سألتنا من أنفسنا.

وأمّا قولك : لو غالبني الناس ما أنتصرت إلاّ بكما ، أو تهضّموني ما تعزّزت إلاّ بعزّكما ، فأين بنا وبك عن ذلك ونحن وأنت كما قال أخو كنانة :

بدا بحتر ما رام نال وإن يرم

نخض دونه غمرا من الغر رائمه

لنا ولهم منا ومنهم على العدى

مراتب عزّ مصعدات سلالمه

وأمّا قولك في هيج العدو إياك وإغرائه لك بنا ، فوالله ما أتاك العدو من ذلك شيئاً إلاّ وقد أتانا بأعظم منه ، فمنعناه ما أراد ما منعك من مراقبة الله والرحم ، وما أبقيت أنت ونحن إلاّ على أدياننا وأعراضنا ومروآتنا ، ولقد لعمري طال بنا وبك هذا الأمر حتى تخوّفنا منه على أنفسنا وراقبنا منه ما راقبت.

وأمّا مساءلتك إيانا عن رأينا فيك وما ننطوي عليه لك ، فإنّا نخبرك أنّ ذلك إلى ما تحبّ لا يعلم واحد منّا من صاحبه إلاّ ذلك ، ولا يقبل منه غيره ، وكلانا ضامن على صاحبه ذلك وكفيل به ، وقد برّأت أحدنا وزكّيته وأنطقت الآخر وأسكته ، وليس السقيم منّا ممّا كرهت بأنطق من البري فيما ذكرت ، ولا البري منّا ممّا سخطت بأظهر من السقيم فيما وصفت ، فإمّا جمعتنا في الرضا وإمّا جمعتنا في السخط ، لنجازيك بمثل ما تفعل بنا في ذلك مكايلة الصاع بالصاع ، فقد أعلمناك رأينا وأظهرنا لك ذات أنفسنا

١٥٩

وصدقناك ، والصدق ـ كما ذكرت ـ أنجى وأسلم ، فأجب إلى ما دعوت إليه ، وأجلل عن النقص والغدر مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموضع قبره ، وأصدق تنج وتسلم ، ونستغفر الله لنا ولك.

قال ابن عباس : فنظر إليّ عليّ عليه السلام نظر هيبة ، وقال : دعه حتى يبلغ رضاه فيما هو فيه. فوالله لو ظهرت له قلوبنا وبدت له سرائرنا حتى رآها بعينه كما يسمع الخبر عنها بإذنه ما زال متجرّماً منتقماً ، والله ما أنا ملقى على وضمة ، وإنّي لمانع ما وراء ظهري ، وانّ هذا الكلام لمخالفة منه وسوء عشرة.

فقال عثمان : مهلاً أبا حسن فوالله إنّك لتعلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصفني بغير ذلك يوم يقول وأنت عنده : إنّ من أصحابي لقوماً سالمين لهم وانّ عثمان لمنهم ، إنّه لأحسنهم بهم ظنّاً ، وأنصحهم لهم حبّاً.

فقال عليّ عليه السلام : فصدّق قوله صلى الله عليه وآله وسلم بفعلك ، وخالف ما أنت الآن عليه ، فقد قيل لك ما سمعت وهو كاف إن قبلت.

قال عثمان : تثق يا أبا الحسن؟

قال : نعم أثق ولا أظنك فاعلاً.

قال عثمان : قد وثقت وأنت ممن لا يخفر صاحبه ولا يكذّب لقيله.

قال ابن عباس : فأخذت بأيديهما حتى تصافحا وتصالحا وتمازحا ، ونهضت عنهما فتشاورا وتآمرا وتذاكرا ، ثمّ افترقا ، فوالله ما مرّت ثالثة حتى

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189