توحيد المفضل

توحيد المفضل30%

توحيد المفضل مؤلف:
الناشر: مكتبة الداوري
تصنيف: التوحيد
الصفحات: 189

توحيد المفضل
  • البداية
  • السابق
  • 189 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 113088 / تحميل: 7366
الحجم الحجم الحجم
توحيد المفضل

توحيد المفضل

مؤلف:
الناشر: مكتبة الداوري
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وهو حي ..

فأما من عدم العقل فإنه يلحق بمنزلة البهائم بل يجهل كثيرا مما تهتدي إليه البهائم أفلا ترى كيف صارت الجوارح والعقل وسائر الخلال(١) التي بها صلاح الإنسان والتي لو فقد منها شيئا لعظم ما يناله في ذلك من الخلل يوافي(٢) خلقه على التمام حتى لا يفقد شيئا منها فلم كان كذلك إلا أنه خلق بعلم وتقدير.

قال المفضل فقلت: فلم صار بعض الناس يفقد شيئا من هذه الجوارح فيناله من ذلك مثل ما وصفته يا مولاي قالعليه‌السلام ذلك للتأديب والموعظة لمن يحل ذلك به ولغيره بسببه كما يؤدب الملوك الناس للتنكيل والموعظة فلا ينكر ذلك عليهم بل يحمد من رأيهم ويتصوب من تدبيرهم ثم إن للذين تنزل بهم هذه البلايا من الثواب بعد الموت إن شكروا وأنابوا ما يستصغرون معه ما ينالهم منها حتى إنهم لو خيروا بعد الموت لاختاروا أن يردوا إلى البلايا ليزدادوا من الثواب.

( الأعضاء المخلوقة أفرادا وأزواجا وكيفية ذلك)

فكر يا مفضل في الأعضاء التي خلقت أفرادا وأزواجا وما في ذلك من الحكمة والتقدير والصواب في التدبير.

فالرأس مما خلق فردا ولم يكن للإنسان صلاح في أن يكون له

__________________

(١) الخلال: جمع خلة وهي الخصلة.

(٢) يوافي خبر الى صارت المتقدمة قبل سطرين.

٦١

أكثر من واحد ألا ترى أنه لو أضيف إلى رأس الإنسان رأس آخر لكان ثقلا عليه من غير حاجة إليه لأن الحواس التي يحتاج إليها مجتمعة في رأس واحد ثم كان الإنسان ينقسم قسمين لو كان له رأسان فإن تكلم من أحدهما كان الآخر معطلا لا إرب فيه ولا حاجة إليه وإن تكلم منهما جميعا بكلام واحد كان أحدهما فضلا لا يحتاج إليه وإن تكلم بأحدهما بغير الذي تكلم به من الآخر لم يدر السامع بأي ذلك يأخذ وأشباه هذا من الأخلاط.

واليدان مما خلق أزواجا ولم يكن للإنسان خير في أن يكون له يد واحدة لأن ذلك كان يخل به(١) فيما يحتاج إلى معالجته من الأشياء ألا ترى أن النجار والبناء لو شلت إحدى يديه لا يستطيع أن يعالج صناعته وإن تكلف ذلك لم يحكمه ولم يبلغ منه ما يبلغه إذا كانت يداه تتعاونان على العمل ..

( الصوت والكلام وتهيئة آلاته في الإنسان وعمل كل منها)

أطل الفكر يا مفضل في الصوت والكلام وتهيئة آلاته في الإنسان فالحنجرة كالأنبوبة لخروج الصوت واللسان والشفتان والأسنان لصياغة الحروف والنغم ألا ترى أن من سقطت أسنانه لم يقم السين ومن سقطت شفته لم يصحح الفاء ومن ثقل لسانه لم يفصح الراء وأشبه(٢)

__________________

(١) يقال: اخل بالشيء إذا قصر فيه.

(٢) يظهر ان الجملة ناقصة وتكملتها: ( مخرج الصوت اشبه شيء )

٦٢

شيء بذلك المزمار(١) الأعظم فالحنجرة تشبه قصبة المزمار والرئة تشبه الزق(٢) الذي ينفخ فيه لتدخل الريح والعضلات التي تقبض على الرئة ليخرج الصوت كالأصابع التي تقبض على الزق حتى تجري الريح في المزامير والشفتان والأسنان التي تصوغ الصوت حروفا ونغما كالأصابع التي تختلف في فم المزمار فتصوغ صفيره ألحانا غير أنه وإن كان مخرج الصوت يشبه المزمار بالآلة والتعريف فإن المزمار في الحقيقة هو المشبه بمخرج الصوت

( ما في الأعضاء من المآرب الأخرى)

قد أنبأتك بما في الأعضاء من الغناء في صنعة الكلام وإقامة الحروف وفيها مع الذي ذكرت لك مآرب أخرى فالحنجرة ليسلك فيها هذا النسيم إلى الرئة فتروح على الفؤاد بالنفس الدائم المتتابع الذي لو حبس شيئا يسيرا لهلك الإنسان وباللسان تذاق الطعوم فيميز بينها ويعرف كل واحد منها حلوها من مرها وحامضها من مرها ومالحها من عذبها وطيبها من خبيثها وفيه مع ذلك معونة على إساغة الطعام والشراب والأسنان لمضغ الطعام حتى يلين وتسهل إساغته وهي مع ذلك كالسند للشفتين تمسكهما وتدعمهما من داخل الفم واعتبر ذلك فإنك ترى من سقطت أسنانه مسترخي الشفة ومضطربها وبالشفتين يترشف(٣) الشراب حتى

__________________

(١) المزمار: الآلة التي يزمر فيها - جمعها مزامير.

(٢) المراد بالزق هنا الجلد الذي يستعمل في المزمار.

(٣) ترشف الشراب اي بالغ في مصه.

٦٣

يكون الذي يصل إلى الجوف منه بقصد وقدر لا يثج(١) ثجا فيغص به الشارب أو ينكأ(٢) في الجوف ثم همى(٣) بعد ذلك كالباب المطبق على الفم يفتحها الإنسان إذا شاء ويطبقها إذا شاء وفيما وصفنا من هذا بيان.

أن كل واحد من هذه الأعضاء يتصرف وينقسم إلى وجوه من المنافع كما تتصرف الأداة الواحدة في أعمال شتى وذلك كالفأس تستعمل في النجارة والحفر وغيرهما من الأعمال.

( الدماغ وأغشيته والجمجمة وفائدتها)

ولو رأيت الدماغ إذا كشف عنه لرأيته قد لف بحجب بعضها فوق بعض لتصونه من الأعراض وتمسكه فلا يضطرب ولرأيت عليه الجمجمة بمنزلة البيضة كيما تقيه(٤) هد الصدمة والصكة التي ربما وقعت في الرأس ثم قد جللت الجمجمة بالشعر حتى صارت بمنزلة الفرو للرأس يستره من شدة الحر والبرد فمن حصن الدماغ هذا التحصين إلا الذي خلقه وجعله ينبوع الحس والمستحق للحيطة والصيانة بعلو منزلته من البدن وارتفاع درجته وخطير مرتبته.

__________________

(١) ثج يثج ثجا: اساله.

(٢) لعله أراد انه يقع في غير ما حاجة

(٣) همى الماء سال لا يثنيه شيء

(٤) في نسخة يفته بدلا عن تقيه، ويفته من الفت وهو الكسر

٦٤

( الجفن وأشفاره)

تأمل يا مفضل الجفن على العين كيف جعل كالغشاء والأشفار(١) كالأشراح(٢) وأولجها(٣) في هذا الغار وأظلها بالحجاب وما عليه من الشعر.

( الفؤاد ومدرعته)

يا مفضل من غيب الفؤاد في جوف الصدر وكساه المدرعة(٤) التي غشاؤه وحصنه بالجوانح وما عليها من اللحم والعصب لئلا يصل إليه ما ينكؤه(٥)

( الحلق والمريء)

من جعل في الحلق منفذين أحدهما لمخرج الصوت وهو الحلقوم

__________________

(١) الاشفار جمع شفر وهو أصل منبت الشعر في الجفن.

(٢) الاشراح: العرى.

(٣) أولجها: أدخلها.

(٤) كأن المراد بالمدرعة هنا ثوب الجديد فالمدرعة في الأصل جبة مشقوقة المقدم او كما عند اليهود ثوب من كتان كان يلبس عظيم اخبارهم ولكن الذي يريده الامام من حدّ قولهم درع إذا لبس درع الحديد

(٥) نكأه: جرحه وآذاه.

٦٥

المتصل بالرئة والآخر منفذا للغذاء وهو المريء(١) المتصل بالمعدة الموصل الغذاء إليها وجعل على الحلقوم طبقا يمنع الطعام أن يصل إلى الرئة فيقتل

( الرئة وعملها أشراج منافذ البول والغائط)

من جعل الرئة مروحة الفؤاد لا تفتر ولا تختل لكيلا تتحير(٢) الحرارة في الفؤاد فتؤدي إلى التلف من جعل لمنافذ البول والغائط أشراجا(٣) تضبطهما لئلا يجريا جريانا دائما فيفسد على الإنسان عيشه فكم عسى أن يحصي المحصي من هذا بل الذي لا يحصى منه ولا يعلمه الناس أكثر.

( المعدة عصبانية والكبد)

من جعل المعدة عصبانية شديدة وقدرها لهضم الطعام الغليظ ومن جعل الكبد رقيقة ناعمة لقبول الصفو(٤) اللطيف من الغذاء ولتهضم

__________________

(١) المري: هو العرق الذي يمتلئ ويدر باللبن جمعه مرايا، وقد أبان الامام وظيفة المرى وعمله بتعبير لطيف.

(٢) تحيرت الحرارة: ترددت كأنها لا تدري كيف تجري فتجمعت وفي نسخة تتحيز وليس لها معنى مستقيم.

(٣) الاشراج جمع شرج وهو في الأصل الشقاق في القوس، وقد استعار الامام منها معنى لمنافذ البول والغائط.

(٤) الصفو من كل شيء: خالصه وخياره.

٦٦

وتعمل ما هو ألطف من عمل المعدة إلا الله القادر أترى الإهمال يأتي بشيء من ذلك كلا بل هو تدبير مدبر حكيم قادر عليم بالأشياء قبل خلقه إياها لا يعجزه شيءوَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ .

( المخ والدم والأظفار والأذن ولحم الأليتين والفخذين)

فكر يا مفضل لم صار المخ الرقيق محصنا في أنابيب العظام هل ذلك إلا ليحفظه ويصونه لم صار الدم السائل محصورا في العروق بمنزلة الماء في الظروف(١) إلا لتضبطه فلا يفيض لم صارت الأظفار على أطراف الأصابع إلا وقاية لها ومعونة على العمل لم صار داخل الأذن ملتويا كهيئة اللولب(٢) إلا ليطرد فيه الصوت حتى ينتهي إلى السمع وليكسر حمة الريح فلا ينكأ في السمع لم حمل الإنسان على فخذيه وأليتيه هذا اللحم إلا ليقيه من الأرض فلا يتألم من الجلوس عليها كما يألم من نحل جسمه وقل لحمه إذا لم يكن بينه وبين الأرض حائل يقيه صلابتها

( الإنسان ذكر وأنثى وتناسله وآلات العمل وحاجته وحيلته وإلزامه بالحجة)

من جعل الإنسان ذكرا وأنثى إلا من خلقه متناسلا؟ ومن خلقه

__________________

(١) الظروف جمع ظرف وهو كل ما يستقر فيه غيره ويغلب استعماله للقربة والسقاء.

(٢) اللولب! آلة من خشب او حديد ذات محور ذي دوائر وهو الذكر او داخلة وهو الأنثى جمعه لوالب.

٦٧

متناسلا إلا من خلقه مؤملا ومن أعطاه آلات العمل إلا من خلقه عاملا ومن خلقه عاملا إلا من جعله محتاجا ومن جعله محتاجا إلا من ضربه بالحاجة(١) ومن ضربه بالحاجة إلا من توكل بتقويمه(٢) ومن خصه بالفهم إلا من أوجب الجزاء ومن وهب له الحيلة إلا من ملكه الحول(٣) ومن ملكه الحول إلا من ألزمه الحجة من يكفيه ما لا تبلغه حيلته إلا من لم يبلغ مدى شكره.

فكر وتدبر ما وصفته هل تجد الإهمال يأتي على مثل هذا النظام والترتيب تبارك الله تعالى عما يصفون.

( الفؤاد وثقبه المتصلة بالرئة)

أصف لك الآن يا مفضل الفؤاد اعلم أن فيه ثقبا موجهة نحو الثقب التي في الرئة تروح عن الفؤاد حتى لو اختلفت تلك الثقب وتزايل بعضها عن بعض لما وصل الروح إلى الفؤاد ولهلك الإنسان أفيستجيز ذو فكرة وروية أن يزعم أن مثل هذا يكون بالإهمال ولا يجد شاهدا من نفسه يزعه(٤) عن هذا القول لو رأيت فردا من مصراعين فيه

__________________

(١) أي سبب له أسباب الاحتياج او خلفه بحيث يحتاج.

(٢) أي تكفل يرفع حاجته وتقويم اوده.

(٣) الحول مصدر بمعنى القدرة والقوّة على التصرف وجودة النظر والحذق.

(٤) يزعه: يكفه ويمنعه.

٦٨

كلوب(١) أكنت تتوهم أنه جعل كذلك بلا معنى بل كنت تعلم ضرورة أنه مصنوع يلقى فردا آخر فيبرزه ليكون في اجتماعهما ضرب من المصلحة وهكذا تجد الذكر من الحيوان كأنه فرد من زوج مهيأ من فرد أنثى فيلتقيان لما فيه من دوام النسل وبقائه فتبا(٢) وخيبة وتعسا لمنتحلي الفلسفة كيف عميت قلوبهم عن هذه الخلقة العجيبة حتى أنكروا التدبير والعمد فيها؟.

( فرج الرجل والحكمة فيه)

لو كان فرج الرجل مسترخيا كيف كان يصل إلى قعر الرحم حتى يفرغ النطفة فيه ولو كان منعضاً(٣) أبدا كيف كان الرجل يتقلب في الفراش أو يمشي بين الناس وشيء شاخص أمامه ثم يكون في ذلك مع قبح المنظر تحريك الشهوة في كل وقت من الرجال والنساء جميعا فقدر الله جل اسمه أن يكون أكثر ذلك لا يبدو للبصر في كل وقت ولا يكون على الرجال منه مؤنة بل جعل فيه قوة الانتصاب وقت الحاجة إلى ذلك لما قدر أن يكون فيه من دوام النسل وبقائه.

__________________

(١) الكلوب - بفتح الأول وتشديد الثاني - المهماز او حديدة معطوفة الرأس يجربها الجمر او خشبة في رأسها عقافة منها او من حديد والجمع كلاليب.

(٢) تبا لفلان تنصبه على المصدر باضمار فعل اي الزمه الله هلاكا وخسرانا.

(٣) المنعض كأنّه مأخوذ من العض وهو القرن يريد أنّه صلب شديد

٦٩

( منفذ الغائط ووصفه)

اعتبر الآن يا مفضل بعظم النعمة على الإنسان في مطعمه ومشربه وتسهيل خروج الأذى أليس من حسن التقدير في بناء الدار أن يكون الخلاء في أستر موضع منها فكذا جعل الله سبحانه المنفذ المهيأ للخلاء من الإنسان في أستر موضع منه فلم يجعله بارزا من خلفه ولا ناشزاً من بين يديه بل هو مغيب في موضع غامض من البدن مستور محجوب يلتقي عليه الفخذان وتحجبه الأليتان بما عليهما من اللحم فتواريانه فإذا احتاج الإنسان إلى الخلاء وجلس تلك الجلسة ألفى(١) ذلك المنفذ منه منصبا مهيأ لانحدار الثفل(٢) فتبارك من تظاهرت آلاؤه ولا تحصى نعماؤه

( الطواحن من أسنان الإنسان)

فكر يا مفضل في هذه الطواحن(٣) التي جعلت للإنسان فبعضها حداد(٤) لقطع الطعام وقرضه وبعضها عراض(٥) لمضغه ورضه فلم ينقص واحد من الصفتين إذ كان محتاجا إليهما جميعاً.

__________________

(١) الفى. وجد

(٢) الثفل - بالضم - ما يستقر في أسفل الشيء من كدرة.

(٣) الطواحن جمع طاحن وهو الضرس.

(٤) حداد أي قاطعة.

(٥) عراض جمع عريض ضد طويل، وربما أريد به المعارضة وهي السن التي في عرض الفم او ما يبدو من الفم عند الضحك.

٧٠

( الشعر والأظفار وفائدة قصهما)

تأمل واعتبر بحسن التدبير في خلق الشعر والأظفار فإنهما لما كانا مما يطول ويكثر حتى يحتاج إلى تخفيفه أولا فأولا جعلا عديما الحس لئلا يؤلم الإنسان الأخذ منهما ولو كان قص الشعر وتقليم الأظفار مما يوجد له ألم وقع من ذلك بين مكروهين إما أن يدع كل واحد منهما حتى يطول فيثقل عليه وإما أن يخففه بوجع وألم يتألم منه.

قال المفضل فقلت فلم لم يجعل ذلك خلقة لا تزيد فيحتاج الإنسان إلى النقصان منه فقالعليه‌السلام إن لله تبارك اسمه في ذلك على العبد نعما لا يعرفها فيحمده عليها اعلم أن آلام البدن وأدواءه(١) تخرج بخروج الشعر في مسامه(٢) وبخروج الأظفار من أناملها ولذلك أمر الإنسان بالنورة وحلق الرأس وقص الأظفار في كل أسبوع ليسرع الشعر والأظفار في النبات فتخرج الآلام والأدواء بخروجهما(٣) وإذا طالا تحيراً، وقل خروجهما فاحتبست الآلام والأدواء في البدن

__________________

(١) الادواء جمع داء وهو المرض والعلة.

(٢) المسام من الجلد ثقبه ومنافذه كمنابت الشعر، ومنهم من يجعلها جمع سم اي الثقب مثل محاسن وحسن.

(٣) يؤيد هذا الرأي علم الطبّ الحديث، وان كانت نظرية التطور تقول بان الشعر والاظافر من الزوائد الحيوانية الأولى التي لم يعد لها نفع ولا فائدة.

٧١

فأحدثت عللا وأوجاعا ومنع مع ذلك الشعر من المواضع التي تضر بالإنسان وتحدث عليه الفساد والضر لو نبت الشعر في العين ألم يكن سيعمى البصر ولو نبت في الفم ألم يكن سينغص على الإنسان طعامه وشرابه ولو نبت في باطن الكف ألم يكن سيعوقه عن صحة اللمس وبعض الأعمال ولو نبت في فرج المرأة وعلى ذكر الرجل ألم يكن سيفسد عليهما لذة الجماع؟ فانظر كيف تنكب(١) الشعر عن هذه المواضع لما في ذلك من المصلحة ثم ليس هذا في الإنسان فقط بل تجده في البهائم والسباع وسائر المتناسلات فإنك ترى أجسامها مجللة بالشعر وترى هذه المواضع خالية منه لهذا السبب بعينه فتأمل الخلقة كيف تتحرز(٢) وجوه الخطإ والمضرة وتأتي بالصواب والمنفعة.

( شعر الركب والإبطين)

إن المنانية(٣) وأشباههم حين أجهدوا في عيب الخلقة والعمد(٤) عابوا الشعر النابت على الركب والإبطين ولم يعلموا أن ذلك من رطوبة تنصب إلى هذه المواضع فينبت فيها الشعر كما ينبت العشب في مستنفع المياه أفلا ترى إلى هذه المواضع أستر وأهيأ لقبول تلك الفضلة من غيرها؟ ..

__________________

(١) تنكب عنه: عدل عنه وتجنبه.

(٢) احترز منه وتحرز أي تحفظه وتوقاه كأنّه جعل نفسه في حرز منه

(٣) المنانية او المانوية سبق الكلام عنها في اوائل الكتاب.

(٤) يقال فعله عمدا وعن عمد أي قصدا لا عن طريق الصدفة.

٧٢

ثم إن هذه تعد مما يحمل الإنسان من مؤونة هذا البدن وتكاليفه لما له في ذلك من المصلحة فإن اهتمامه بتنظيف بدنه وأخذ ما يعلوه من الشعر مما يكسر به شرته(١) ويكف عاديته(٢) ويشغله عن بعض ما يخرجه إليه الفراغ من الأشر(٣) والبطالة.

( الريق وما فيه من المنفعة)

تأمل الريق وما فيه من المنفعة فإنه جعل يجري جريانا دائما إلى الفم ليبل الحلق واللهوات(٤) فلا يجف فإن هذه المواضع لو جعلت كذلك كان فيه هلاك الأسنان ثم كان لا يستطيع أن يسيغ(٥) طعاما إذا لم يكن في الفم بلة تنفذه تشهد بذلك المشاهدة واعلم أن الرطوبة مطية الغذاء وقد تجري من هذه البلة إلى مواضع أخر من المرة(٦) فيكون في ذلك صلاح تام للإنسان ولو يبست المرة لهلك الإنسان.

( محاذير كون بطن الإنسان كهيئة القباء)

ولقد قال قوم من جهلة المتكلمين وضعفة المتفلسفين بقلة التمييز

__________________

(١) الشرة - بكسر فتشديد - الحدة والنشاط او الشر.

(٢) العادية: الحدة والغضب او الشغل او الظلم والشر.

(٣) الاشر - بفتحتين - البطر وشدة الفرح والجمع أشرون واشارى

(٤) اللهوات جمع لهاة وهي اللحمة المشرفة على الحلق في اقصى سقف الفم.

(٥) اساغ الطعام يصيغه سيغا: سهل مطعمه.

(٦) المرة - بالكسر - خلط من اخلاط البدن وهو الصفراء او السوداء والجمع مرار

٧٣

وقصور العلم لو كان بطن الإنسان كهيئة القباء(١) يفتحه الطبيب إذا شاء فيعاين ما فيه ويدخل يده فيعالج ما أراد علاجه ألم يكن أصلح من أن يكون مصمتا(٢) محجوبا عن البصر واليد لا يعرف ما فيه إلا بدلالات غامضة كمثل النظر إلى البول وجس العرق وما أشبه ذلك مما يكثر فيه الغلط والشبهة حتى ربما كان ذلك سببا للموت فلو علم هؤلاء الجهلة أن هذا لو كان هكذا كان أول ما فيه أن كان يسقط عن الإنسان الوجل من الأمراض والموت وكان يستشعر البقاء ويغتر بالسلامة فيخرجه ذلك إلى العتو(٣) والأشر(٤) ثم كانت الرطوبات التي في البطن تترشح وتتحلب(٥) فيفسد على الإنسان مقعده ومرقده وثياب بدلته وزينته، بل كان يفسد عليه عيشه ثم إن المعدة والكبد والفؤاد إنما تفعل أفعالها بالحرارة الغريزية التي جعلها الله محتبسة في الجوف فلو كان في البطن فرج ينفتح حتى يصل البصر إلى رؤيته واليد إلى علاجه لوصل برد الهواء إلى الجوف فمازج الحرارة الغريزية وبطل عمل الأحشاء فكان في ذلك هلاك الإنسان أفلا ترى أن كلما تذهب إليه الأوهام سوى ما جاءت

__________________

(١) القباء - بالفتح - ثوب يلبس فوق الثياب جمعه أقبية.

(٢) مصمت اسم مفعول الذي لا جوف له.

(٣) العتو: الاستكبار وتجاوز الحد.

(٤) الأشر - بفتحتين - من أشر اي بطر ومرح فهو اشر وأشران وجمعه اشرون وأشارى.

(٥) ترشح وتحلب بمعنى واحد وهو السيلان.

٧٤

به الخلقة خطأ وخطل(١) .

( أفعال الإنسان في الطعم والنوم والجماع وشرح ذلك)

فكر يا مفضل في الأفعال التي جعلت في الإنسان من الطعم والنوم والجماع وما دبر فيها فإنه جعل لكل واحد منها في الطباع نفسه محرك يقتضيه ويستحث به فالجوع يقتضي الطعم الذي فيه راحة البدن وقوامه والكرى(٢) يقتضي النوم الذي فيه راحة البدن وإجمام(٣) قواه والشبق(٤) يقتضي الجماع الذي فيه دوام النسل وبقاؤه ولو كان الإنسان إنما يصير إلى أكل الطعام لمعرفته بحاجة بدنه إليه ولم يجد من طباعه شيئا يضطره إلى ذلك كان خليقا أن يتوانى(٥) عنه أحيانا بالثقل والكسل حتى ينحل بدنه فيهلك كما يحتاج الواحد إلى الدواء لشيء مما يصلح به بدنه فيدافع به حتى يؤديه ذلك إلى المرض والموت وكذلك لو كان إنما يصير إلى النوم بالفكر في حاجته إلى راحة البدن وإجمام قواه كان عسى أن يتثاقل عن ذلك فيدفعه حتى ينهك بدنه ولو كان إنما يتحرك للجماع بالرغبة في الولد كان غير بعيد أن يفتر عنه حتى يقل النسل أو ينقطع فإن من الناس من لا يرغب في الولد ولا يحفل به.

__________________

(١) الخطل: المنطق الفاسد المضطرب.

(٢) الكرى: النعاس.

(٣) الاجمام من الجمام وهو الراحة يقال: جم الفرس إذا ذهب اعياؤه.

(٥) يتوانى: يقصر.

(٤) الشبق بفتحتين شدة الشهوة.

٧٥

فانظر كيف جعل لكل واحد من هذه الأفعال التي بها قوام الإنسان وصلاحه محركا من نفس الطبع يحركه لذلك ويحدوه عليه

واعلم أن في الإنسان قوى أربعا قوة جاذبة تقبل الغذاء وتورده على المعدة وقوة ماسكة تحبس الطعام حتى تفعل فيه الطبيعة فعلها وقوة هاضمة وهي التي تطبخه وتستخرج صفوه وتبثه في البدن وقوة دافعة تدفعه وتحدر الثفل(١) الفاضل بعد أخذ الهاضمة حاجتها ففكر في تقدير هذه القوى الأربع التي في البدن وأفعالها وتقديرها للحاجة إليها والإرب فيها وما في ذلك من التدبير والحكمة فلو لا الجاذبة كيف كان يتحرك الإنسان لطلب الغذاء الذي به قوام البدن ولو لا الماسكة كيف كان يلبث الطعام في الجوف حتى تهضمه المعدة ولو لا الهاضمة كيف كان ينطبخ(٢) حتى يخلص منه الصفو الذي يغذو البدن ويسد خلله(٣) ولو لا الدافعة كيف كان الثفل الذي تخلفه الهاضمة يندفع ويخرج أولا فأولا أفلا ترى كيف وكل الله سبحانه بلطف صنعه وحسن تقديره هذه القوى بالبدن والقيام بما فيه صلاحه وسأمثل لك في ذلك مثالا: إن البدن بمنزلة دار الملك له فيها حشم(٤) وصبية

__________________

(١) الثفل هو ما يستقر في اسفل الشيء من كدرة.

(٢) انطبخ مطاوع طبخ تقول طبخ اللحم اي أنضجه.

(٣) الخلل جمع خلة - بالفتح - وهي الثقبة.

(٤) الحشم: الخدم والعيال او من يغضبون له او يغضب لهم من اهل وعبيد وجيرة.

٧٦

وقوام(١) موكلون بالدار فواحد لقضاء حوائج الحشم وإيرادها(٢) عليهم وآخر لقبض ما يرد وخزنه إلى أن يعالج ويهيأ وآخر لعلاج ذلك وتهيئته وتفريقه وآخر لتنظيف ما في الدار من الأقذار وإخراجه منها فالملك في هذا هو الخلاق الحكيم ملك العالمين والدار هي البدن والحشم هم(٣) الأعضاء والقوام هم(٤) هذه القوى الأربع. ولعلك ترى ذكرنا هذه القوى الأربع وأفعالها بعد الذي وصفت فضلا وتزدادا(٥) وليس ما ذكرته من هذه القوى على الجهة التي ذكرت في كتب الأطباء ولا قولنا فيه كقولهم لأنهم ذكروها على ما يحتاج إليه في صناعة الطب وتصحيح الأبدان وذكرناها على ما يحتاج في صلاح الدين وشفاء النفوس من الغي(٦) كالذي أوضحته بالوصف الشافي والمثل المضروب من التدبير والحكمة فيها

( قوى النفس وموقعها من الإنسان)

تأمل يا مفضل هذه القوى التي في النفس وموقعها من الإنسان،

__________________

(١) لعل القوام جمع قيم إذ القيم على الامر هو المتولى عليه.

(٢) أورده ايرادا اي احضره المورد ثمّ استعمل لمطلق الاحضار.

(٣ - ٤) في بعض النسخ هى.

(٥) لعل الأصل في الكلمة مزيدا من الزيادة أو تزيدا من قولك تزيد الرجل في حديثه اي زخرفه وزاد فيه على الحقيقة، وتزيد في الشيء أي تكلف الزيادة فيه.

(٦) الغي: الضلال والهلاك والخيبة.

٧٧

أعني الفكر والوهم والعقل والحفظ وغير ذلك أفرأيت لو نقص الإنسان من هذه الخلال(١) الحفظ وحده كيف كانت تكون حاله وكم من خلل كان يدخل عليه في أموره ومعاشه وتجاربه إذا لم يحفظ ما له وما عليه وما أخذه وما أعطى وما رأى وما سمع وما قال وما قيل له ولم يذكر من أحسن إليه ممن أساء به وما نفعه مما ضره ثم كان لا يهتدي لطريق لو سلكه ما لا يحصى ولا يحفظ علما ولو درسه عمره ولا يعتقد دينا ولا ينتفع بتجربة ولا يستطيع أن يعتبر شيئا على ما مضى بل كان حقيقا أن ينسلخ من الإنسانية.

( النعمة على الإنسان في الحفظ والنسيان)

فانظر إلى النعمة على الإنسان في هذه الخلال وكيف موقع الواحدة منها دون الجميع وأعظم من النعمة على الإنسان في الحفظ النعمة في النسيان فإنه لو لا النسيان لما سلا(٢) أحد عن مصيبة ولا انقضت له حسرة ولا مات له حقد ولا استمتع بشيء من متاع الدنيا مع تذكر الآفات ولا رجاء غفلة من سلطان ولا فترة من حاسد أفلا ترى كيف جعل في الإنسان الحفظ والنسيان وهما مختلفان متضادان وجعل له في كل منهما ضربا من المصلحة وما عسى أن يقول الذين قسموا الأشياء بين خالقين متضادين في هذه الأشياء المتضادة المتباينة وقد تراها تجتمع

__________________

(١) الخلال جمع خلة بالفتح - وهي الخصلة والصفة.

(٢) سلا الشيء وسلا عنه: نسيه وهجره وطابت نفسه عنه وذهل عن ذكره.

٧٨

على ما فيه الصلاح والمنفعة(١)

( اختصاص الإنسان بالحياء دون بقية الحيوانات)

انظر يا مفضل إلى ما خص به الإنسان دون جميع الحيوان من هذا الخلق الجليل قدره العظيم غناؤه أعني الحياء فلولاه لم يقر ضيف(٢) ولم يوف بالعدات ولم تقض الحوائج ولم يتحر الجميل ولم يتنكب(٣) القبيح في شيء من الأشياء حتى إن كثيرا من الأمور المفترضة أيضا إنما يفعل للحياء فإن من الناس من لو لا الحياء لم يرع حق والديه ولم يصل ذا رحم ولم يؤد أمانة ولم يعف عن فاحشة أفلا ترى كيف وفى الإنسان جميع الخلال التي فيها صلاحه وتمام أمره.

( اختصاص الإنسان بالمنطق والكتابة)

تأمل يا مفضل ما أنعم الله تقدست أسماؤه به على الإنسان من هذا المنطق الذي يعبر به عما في ضميره وما يخطر بقلبه وينتجه فكره

__________________

(١) يقول علم النفس الحديث ان النسيان عمل من أعمال الذهن كالتذكر تماما، وليس في مقدورنا ان نتذكر شيئا الا إذا نسينا اشياء حتى ليمكن القول بان الذاكرة هي أداة النسيان، ونحن نفكر بفضل ما نسينا، كما نفكر بفضل ما تذكرنا.

(٢) قرى الضيف: اضافه.

(٣) يتنكب: يتجنب.

٧٩

وبه يفهم عن غيره ما في نفسه ولو لا ذلك كان بمنزلة البهائم المهملة التي لا تخبر عن نفسها بشيء ولا تفهم عن مخبر شيئا وكذلك الكتابة التي بها تقيد أخبار الماضين للباقين وأخبار الباقين للآتين وبها تخلد الكتب في العلوم والآداب وغيرها وبها يحفظ الإنسان ذكر ما يجري بينه وبين غيره من المعاملات والحساب ولولاه لانقطع أخبار بعض الأزمنة عن بعض وأخبار الغائبين عن أوطانهم ودرست العلوم وضاعت الآداب وعظم ما يدخل على الناس من الخلل في أمورهم ومعاملاتهم وما يحتاجون إلى النظر فيه من أمر دينهم وما روي لهم مما لا يسعهم جهله ولعلك تظن أنها مما يخلص إليه بالحيلة والفطنة وليست مما أعطيه الإنسان من خلقه وطباعه.

وكذلك الكلام إنما هو شيء يصطلح عليه الناس فيجري بينهم ولهذا صار يختلف في الأمم المختلفة وكذلك لكتابة العربي والسرياني والعبراني والرومي وغيرها من سائر الكتابة التي هي متفرقة في الأمم إنما اصطلحوا عليها كما اصطلحوا على الكلام فيقال لمن ادعى ذلك أن الإنسان وإن كان له في الأمرين جميعا فعل أو حيلة فإن الشيء الذي يبلغ به ذلك الفعل والحيلة عطية وهبة من الله عز وجل له في خلقه فإنه لو لم يكن له لسان مهيأ للكلام وذهن يهتدي به للأمور لم يكن ليتكلم أبدا ولو لم تكن له كف مهيئة وأصابع للكتابة لم يكن ليكتب أبداً.

واعتبر ذلك من البهائم التي لا كلام لها ولا كتابة فأصل ذلك فطرة الباري جل وعز وما تفضل به على خلقه فمن شكر أثيب،

٨٠

[6]

قول رسول الله (ص):

(أول من يدخل الجنة: شهيد، وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده،

ورجل عفيف متعفف (1) ذو عبادة).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام في ذيل الحديث 8. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الباب 31، الحديث 20.

كما رواه الشيخ المفيد في أماليه: 99، المجلس 12، الحديث الاول، ووراه العلامة المجلسي في البحار 69: 393، عن صحيفة الرضا عليه السلام ومجالس المفيد وفي 71: 272 و 72: 126، ذيل الحديث السابق (5) عن العيون وفي 74: 144.

والعلامة النوري في مستدرك الوسائل 15: 489 الحديث 5، عن العيون.

ورواه العامة:

الزمخشري في ربيع الابرار 3: 9 بلفظ: (وعبد أحسن).

فقه الحديث:

الاوائل ممن يدخل الجنة - حسب ما ورد في هذا الحديث - ثلاثة فالشهيد - وهو من يقتل في سبيل الله - قد صرح القرآن بدخوله الجنة في آيات وعدد ما لهم من النعيم في بعضها، حيث قال:

( الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء ) (2) .

__________________

(1) في هامش النسخة: (أي متكلف على العفة).

(2) النساء 4 / 69.

٨١

( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبييل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) (1) .

والثاني: العبد المخلص في طاعة ربه، والذي يمحض سيده النصيحة ويعمل بما يرضاه.

والثالث: هو الفقير الذى لا يظهر فقره، وقد مدحه الله تعالى في كتابه العزيز بقوله: ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف لا يسألون الناس إلحافا ) (2) وليست العفة وحدها تسبب دخوله الجنة، بل لابد من أن يكون عابدا لله تعالى.

وملاحظة الحديث بصورة عامة تكشف عن أن المحور الاساسي في دخول الجنة هو عبادة الله سبحانه، أما الاخيران فقد صرح فيهما بلزوم العبادة، وأما الاول، فلان الشهيد لا يكون مفتخرا بوسام الشهادة إلا إذا كان في قتله في سبيل الله وطاعته، فتكون الطاعة والعبادة هي السبب في إدخاله الجنة فما هي العبادة؟

ورد في الحديث عن عيسى بن عبد الله قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك ما العبادة؟ قال: (حسن النية بالطاعة من الوجوه التي يطاع الله منها...) (3) .

وفي حديث المعراج: (يا أحمد هل تدري متى يكون العبد عابدا؟ قال لا يا رب، قال إذا اجتمع فيه سبع خصال، ورع يحجزه عن المحارم، وصمت يكفه عما لا يعنيه، وخوف يزداد كل يوم من بكائه، وحياء يستحي مني في الخلاء وأكل ما لابد منه، ويبغض الدنيا لبغضي لها، ويحب الاخيار لحبي إياهم) (4) .

__________________

(1) آل عمران 3 / 169، والبقرة 2 / 154.

(2) البقرة 2 / 273.

(3) الكافي 2: 83.

(4) البحار 77: 30.

٨٢

[7]

قول رسول الله (ص)

أول من يدخل النار: أمير مسلط (1) لم يعدل، وذو ثروة من المال لم يعط المال حقه (2)

وفقير فخور (3) .

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام في ذيل حديث 8 أيضا، ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الحديث 20، وعنه العلامة المجلسي في البحار 69: 393، الحديث 75، عن صحيفة الرضا عليه السلام و 73: 126، الحديث 8، ذيل الحديثين السابقين (5 و 6)، عن العيون، و 73: 290، الحديث 10 و 75: 341 و 96: 13، الحديث 22، عن العيون.

ورواه العلامة النوري في مستدرك الوسائل 7: 34، الحديث الاول عن كتاب دعائم الاسلام 1: 247.

ورواه من العامة:

الديلمي في الفردوس، الحديث 32 و 33، عن علي، وفيه: (أول من يدخل النار سلطان مسلط لم يعدل). (أول من يدخل النار سلطان جائر وذو إثرة).

فقه الحديث:

الامارة والسلطة على الناس هي من الامور التي لا يحسد عليها الامير

__________________

(1) في هامش صحيفة الرضا، عن بعض النسخ: (إمام متسلط). وفي البحار 69: 393 و 73: 290 و 75: 341: (إمام متسلط).

(2) في الصحيفة: (لم يقض حقه). وفي الهامش، عن بعض النسخ: (لم يعط من المال حقه).

(3) في المستدرك: (ومفتر فاجر). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ، (فقير فجور).

٨٣

فإنها مسؤولية كبيرة تلقى على عاتق الامير المسلط، من تطبيق العدل، ورفع الظلم والاحسان إلى الاخرين. وهذا مما لا يمكن لكل إنسان مسلط إجرائه بحذافيره إلا من عصم الله، خصوصا مع ما يتمتع به من أنانية وجهل وغرور وحرص.

فأي إمير لا يهتم بشؤون المجتمع الذي يحكمه، فإنه يكون أول من يرد النار حسب هذا الحديث الشريف، ومن يدخل النار مقترنا بورود هذا الامير ذو الثروة الذى لم يعط حق المال، من الزكاة والخمس والحقوق اللازمة للثروات.

وأما الفقير الفخور، فإن السر في دخوله النار هو الفخر لا الفقر، وقد ورد الذم في القرآن الكريم لمن كان مختالا فخورا فقال سبحانه، ( إن الله لا يحب كل مختال فخور ) (1) . وفي الحديث: لا حمق أعظم من الفخر، والافتخار من صغر الاقدار. وإن أول من هوى بالفخر هو إبليس. وفي البحار عن أمير المومنين علي عليه السلام: (ما لابن آدم والفخر، أوله نطفة، وآخره جيفة، لا يرزق نفسه، ولا يدفع حتفه) (2) . وإن كان ولابد من الافتخار فليكن الفخر بما ورد في الدعاء والمناجاة مع الله: (إلهي كفى بي عزا أن أكون لك عبدا، وكفى بي فخرا أن تكون لي ربا).

وفي غرر الحكم عن علي عليه السلام: (ينبغي إن يكون التفاخر بعلى الهمم، والوفاء بالذمم، والمبالغة في الكرم، لا ببوالي الرمم، ورذائل الشيم) (3) .

وفي كتاب الحسين بن سعيد، عن أبي جعفر عليه السلام: (قال: أصل المرء دينه، وحسبه خلقه، وكرمه تقواه، وإن الناس من آدم شرع سواء).

__________________

(1) لقمان: 31 / 18.

(2) البحار 73: 294 و 78.

(3) ميزان الحكمة 7: 419.

٨٤

[8]

قول رسول الله (ص):

(لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن (1) ما حافظ على الصلوات (2) الخمس (3)

فإذا ضيعهن (4) تجرأ (5) عليه (6) وأوقعه (7) [في] (8) العظائم).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام برقم 9. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الباب 31، الحديث 21، كما رواه في الامالي: 391، الباب 73، الحديث 9، وثواب الاعمال: 274، الحديث 3. ورواه الشيخ الكليني في الكافي 3: 269، الباب 168، الحديث 8. والشيخ الطوسي في التهذيب 2: 236، الحديث 933.

ورواه العلامة المجلسي في البحار 82: 227، الحديث 54، عن المعتبر، وفي 83: 11، الحديث 12، و 83: 13، الحديث 22، عن العيون وصحيفة

__________________

(1) في البحار 82: 227، عن المعتبر: (من أمر المؤمن). وفي هامش صحيفة الرضا عليه السلام عن بعض النسخ: (من المؤمنين ما حافظوا).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (الصلاة). وفي الوسائل: (مواقيت الصلوات).

(3) في الوسائل زيادة: (لوقتهن).

(4) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (ضيعوها).

(5) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (يجرأ). وعن بعضها: (يجرؤ)، وفي المعتبر: (اجترأ عليه). وهنا ينهى الحديث في المعتبر.

(6) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (عليهم).

(7) في الوسائل 3: 18 و 81: (فأدخله في).

(8) من البحار 83: 14، والوسائل 3: 18 و 281 وصحيفة الرضا عليه السلام.

٨٥

الرضا عليه السلام.

ورواه العلامة النوري في المستدرك 3: 30، الحديث 11، عن المحقق في المعتبر، مع اختلاف.

ورواه الحر العاملي في الوسائل 3: 18 الباب 7 من ابواب أعداد الفرائض الحديث 2. بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله (ص): (لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس لوقتهن، فإذا ضيعهن تجرأ عليه فأدخله في العظائم). كما رواه في 3: 81، بإسناده عن محمد بن ماجيلويه، عن عمه محمد بن علي السكوني، عن ابن فضال، عن سعيد بن غزوان، عن اسماعيل ابن ابي زياد، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله (ص): (لا يزال الشيطان هائبا لابن آدم، ذعرا منه، ما صلى الخمس لوقتهن، فإذا ضيعهن اجترأ عليه فأدخله في العظائم).

قال المحدث العاملي: ورواه البرقي في المحاسن، عن محمد بن علي عن ابن فضال، مثله (1) .

ورواه المحدث العاملي في الوسائل 4: 1016، كتاب الصلاة، الباب الاول من أبواب التعقيب، الحديث 14، عن صحيفة الرضا عليه السلام.

ورواه من العامة:

المتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 19061، عن أبي نعيم. ورواه أبو بكر محمد بن الحسين النجار، في أماليه. والرافعي، عن علي بن أبي طالب عليه السلام في التدوين. ورواه الديلمي في الفردوس، الحديث 7591، عن علي عليه السلام.

__________________

(1) انظر المحاسن 1: 82، الحديث 12.

٨٦

[9]

قول رسول الله (ص):

(من أدى (1) فريضة (2)

فله عند الله دعوة مستجابة).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام برقم 10، ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28 الباب 31، الحديث 22. ورواه الشيخ المفيد في أماليه: 118، الباب 14، الحديث الاول. والشيخ الطوسي في أماليه 2: 608، الباب 26.

ورد معناه في الكافي 3: 498، الباب 27، الحديث 8. والفقيه 2: 62 الباب 112، الحديث 1710.

ورواه العلامة المجلسي في البحار 82: 207، الحديث 13 عن العيون 2: 28 و 85: 321، الحديث 7: عن العيون 2: 28، الحديث 22 وصحيفة الرضا عليه السلام: 10 وأمالي الطوسي 2: 210 وأمالي المفيد 76 وفي البحار 93: 344، الحديث 8، عن أمالي المفيد: 76.

ورواه المحدث العاملي في الوسائل 4: 1016، كتاب الصلاة، الباب الاول من أبواب التعقيب، الحديث 11، عن جماعة، عن أبي المفضل، عن عبد الله ابن احمد بن عامر الطائي، عن أبيه، عن الرضا عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: (قال رسول الله (ص)...).

__________________

(1) في الوسائل: (من صلى).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (فريضته).

٨٧

وروى في الحديث 12، عن أبي عبد الله عليه السلام: (ما من مؤمن يؤدي فريضة من فرائض الله إلا كان له عند أدائها دعوة مستجابة).

كما رواه في الوسائل 4: 1016، الحديث 11، عن الامالي. وفي 4: 1015 الحديث 10، عن أمالي ابن الشيخ 1: 295، بإسناده عن الهادي، عن آبائه عليهم السلام وفي 4: 1116، الحديث 10، عن الامالي.

ورواه قطب الدين الراوندي في الدعوات: 27، الحديث 47 وعنه البحار 86: 218، الحديث 34 و 93: 347، الحديث 14، والمستدرك 1، 355 الحديث 8.

وروى نحوه البرقي في المحاسن 1: 50، الحديث 72. وعنه الوسائل 4: 1016، الحديث 12. والبحار 8: 322، الحديث 10.

وأورده الطبرسي في مشكاة الانوار: 112. وابن فهد الحلي في عدة الداعي: 58، وعنه الوسائل 4: 1015، الحديث 9.

والشيخ ورام بن أبي فراس في تنبيه الخواطر 2: 76 و 168.

ورواه من العامة:

المتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 19040، عن الديلمي، عن علي عليه السلام.

والشوكاني في الفوائد المجموعة للشوكاني: 28.

ورواه الديلمي في الفردوس عن سلمان الفارسي، الحديث 5921، وفيه زيادة: (في شهر رمضان).

وابن حجر في لسان الميزان 2: 417.

والطبراني في الكبير بلفظ: (من صلى فريضة فله دعوة مستجابة، ومن ختم القرآن فله دعوة مستجابة).

٨٨

[10]

قول رسول الله (ص):

(العلم خزائن، ومفتاحه (1) السؤال، فاسألوا يرحمكم الله، فإنه يؤجر فيه أربعة:

السائل، والمعلم، والمستمع (2) والمحب لهم (3) ).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام برقم 11. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الباب 31، الحديث 23. وفي الخصال: 245 الباب 4، الحديث 101، عن ابن المغيرة، بإسناده، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، مع اختلاف ذكرناه في الهامش.

ورواه الكراجكي في كنز الفوائد، 239. والعلامة المجلسي في البحار 1: 196 و 197، الحديث 3، عن صحيفة الرضا عليه السلام. وكنز الفوائد، باختلاف يسير ذكرناه في الهامش. وكذا في 10: 368، الحديث 12.

ورواه البحراني في العوالم 3: 217، الحديث الاول، عن الكنز. وفي الصفخة 219، الحديث 5، عن الخصال. وأورد صدره في منية المريد، 71، عن الصادق عليه السلام، عنه البحار 1: 198، الحديث 7، والعوالم 3: 219، الحديث 7.

__________________

(1) في صحيفة الرضا عليه السلام وكنز العمال: (ومفتاحها) وفي هامش الصحيفة عن (ن): (ومفاتيحه). وعن بعض النسخ: (ومفتاحه). وفي البحار: (ومفاتحه). وفي الخصال: (والمفاتيح).

(2) في كنز العمال: (والمستمع والسامع)

(3) في صحيفة الرضا عليه السلام: (والمحب له). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (والمجيب له).

٨٩

ورواه من العامة:

المتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 28662. عن علي عليه السلام. والزبيدي في إتحاف السادة المتقين 1: 99. والعراقي في المغني عن حمل الاسفار 1: 10. وأبو نعيم في حلية الاولياء 3: 192. والخطابي في إصلاح خطأ المحدثين 2: 85. والسيوطي في الدرر المنتثرة في الاحاديث المشتهرة: 115. والديلمي في الفردوس، الحديث 4192. والرافعي في التدوين 3: 3. وابن حجر في لسان الميزان 2: 417.

فقه الحديث:

من خصوصيات الدين الاسلامي والمذهب الشيعي هو الحث على العلم والتعليم، وهذا الحديث يبين طريقة الاستفادة من العلماء، وهو اقتراح فريد وهام لا يقف على أهميته إلا من واجه الامر بصورة جدية.

فالعالم - وهو الذى أتعب نفسه في تحصيل العلم مثل في الحديث بالكنز والخزينة المحتوية على أنواع التحفيات والذخائر، لا يمكن أن تثار محتوياته كلها - قد يتحير هو عند ما يطلب منه الافادة في نقطة الانطلاق، والموضوع الضروري الذي ينبغي طرحه في هذا المجلس الخاص، أو بالنسبة إلى هذا المستمع بالخصوص.

وقد يكون ما يطرحه من مواضيع لا تفيد السامعين فائدة تامة لبعدها عن واقع حياتهم وحاجتهم الفعلية.

أما لو كان المتعلم هو البادئ بالسؤال والمفترح لموضوع البحث، فإن الفائدة المتوخاة تكون قطعية.

وربما كانت هناك نقاط يستفيدها المسؤول من نفس السائل، فيطرح الجواب بصورة تكون أنفع بحال السائل مما لو كان طرحه ابتداء ومن دون سؤال مسبق.

٩٠

[11]

قول رسول الله (ص):

لا تزال امتي بخير ما تحابوا (1) ، وأدوا الامانة، وأجتنبوا الحرام (2) ، وقروا الضيف (3)

[وأقاموا الصلاة] (4) وآتوا (5) الزكاة، فإذا (6) لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط والسنين (7) .

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 12. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 9، الحديث 25. وثواب الاعمال: 300 الحديث الاول. ورواه الشيخ الطوسي في أماليه 2: 260. والسبزواري في جامع الاخبار، الحديث 1052.

ورواه العلامة المجلسي في البحار 69: 394، الحديث 76. و 405 الحديث 110. و 71: 206 الحديث 11. و 73: 352، الحديث 52. و 74: 392، الحديث 10. و 75: 115، الحديث 7. و 75: 460 الحديث 14. و 82: 207، الحديث 14. و 96: 14، الحديث 23، عن عيون أخبار الرضا عليه السلام،

__________________

(1) في العيون، والبحار: 71 و 73 و 74، والوسائل، زيادة: (وتهادوا).

(2) لم ترد عبارة: (وأدوا الامانة واجتنبوا الحرام) في البحار 69: 405.

(3) في صحيفة الرضا: (واقرؤوا). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (وقروا). وفي بعض النسخ: (ووقروا). وعن بعضها: (وقرؤوا) - من القرى -.

(4) الزيادة من صحيفة الرضا عليه السلام، الحديث 12، والبحار 69: 394 و 71: 206 و 73: 352 و 74: 392 و 75: 460. والمستدرك 16: 258. والوسائل.

(5) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (وأدوا).

(6) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (فإن).

(7) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (بالسنين والقحط). وفي البحار 69: 405: (بالسنين والجدب).

٩١

وصحيفة الرضا عليه السلام، وأمالي الطوسي، وجامع الاخبار، مع اختلاف في بعض الموارد. ورواه العلامة النوري في المستدرك 16: 258، عن صحيفة الرضا عليه السلام.

كما روى معناه المحدث العاملي في الوسائل 11: 202. و 16: 557.

ورواه من العامة:

ابن خزيمة في صحيحه: 339 وابن عبد البر في التمهيد 8: 91. والبخاري في التأريخ الكبير 7: 34.

فقه الحديث:

يؤكد النبي (ص) في هذا الحديث على ستة أشياء، هي اسس سعادة المجتمع وأولها المحبة، فالحب هو أساس الثقة والسبب في التعاون والتآلف بين أفراد المجتمع. وقد ذكر الرسول الاعظم بعض ما يورث المحبة في حديث أورده العلامة المجلسي في البحار (70: 15) فقال (ص): (إرغب فيما عند الله عز وجل يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس).

وروي: (البشر الحسن وطلاقة الوجه مكسبة للمحبة، وقربة من الله) (1) .

وعن الصادق عليه السلام، (ثلاثة تورث المحبة: الدين والتواضع والبذل) (2) .

وأما الخصال الاخرى من أداء الامانة، وإجتناب الحرام، وأضافة الضيوف، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، فأثارها الاجتماعية واضحة.

وكون ترك هذه الامور موجبة للقحط والجدب، يستفاد من قوله تعالى: ( ولو أن أهل القرى آمنوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) (الاعراف: 7 / 96).

__________________

(1) تحف العقول: 217.

(2) البحار 78: 229.

٩٢

[12]

قول رسول الله (ص):

(ليس منا من غش (1) مسلما (2) أو ضره (3) أو ما كره (4) ).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 13. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 29، الباب 21 (في ما جاء عن الرضا عليه السلام من الاخبار المجموعة) الحديث 26.

ورواه العلامة المجلسي قدس سره في البحار 10: 367، الحديث 4. وفي 75: 285، الحديث 5، عن العيون. ورواه العلامة الحر العاملي في الوسائل 12: 211، الحديث 12 عن العيون. ورواه العلامة النوري في مستدرك الوسائل 9: 82، الحديث 9. وفي 13: 201، الحديث 1، عن صحيفة الرضا عليه السلام.

ورواه الفقيه الايلاقي في جامع الاحاديث بالرقم 379.

هذا وروى معناه في الكافي 5: 160. ومن لا يحضره الفقيه 3: 273 وأمالي الصدوق: 223. وعيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 50. وثواب الاعمال 2: 320. وسلسلة الابريز: 84.

ورواه من العامة:

السيوطي في الجامع الصغير 2: الحديث 7688. وروى معناه الطبراني

__________________

(1) في هامش النسخة: (أي خان).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (مؤمنا).

(3) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (أو غره).

(4) المماكرة: من المكر وهو الخداع.

٩٣

في الكبير: 10234، والصغير 1: 161. وأبو نعيم في حلية الاولياء 4: 188 - 189. والترمذي: 1315. والحاكم في المستدرك 2: 9. وابن ماجه في سننه: 224 و 225. والهيثمي في مجمع الزوائد 4: 78 و 79 و 8: 16. والسنن الصغير للبيهقي 2: 1938. ومسلم في صحيحه: 101 و 102. وابن حبان: 556 و 1107. والخطيب في تأريخه 3: 178. والمتقي في كنز العمال 4: 9503، 9506 و 9975.

فقه الحديث:

النصيحة للمسلمين فريضة لازمة لحفظ العدالة الاجتماعية، وبسط الاعتماد بين أفراد المجتمع، وعند نقشي الغش والاضرار والمكر فإنه يوجب الحقد والعداء والتفرقة بين أفراد المجتمع، فإن الحقيقة لا تبقى خافية إلى الابد، وبمجرد أن تنكشف يتولد البغضاء والتصدي للمقابلة بالمثل والانتقام.. إلى غير ذلك.

وفي حديث: (الغش شيمة المردة، ومن أخلاق اللئام، ومن علامات الشقاء) (1) .

وأما الاضرار بالغير والمكر، فهي كالغش في إيجاد التفرقة والفساد. وقد ورد النهي عن الضرر والضرار في ضمن أحاديث كثيرة، وكتب فيها العلماء رسائل متعددة، وقيل في معنى الضر: أن ينقص الرجل أخاه شيئا من حقه، وفي المكر، إن أصله الخداع (2) .

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: ((لولا أني سمعت رسول الله (ص) يقول: إن المكر والخديعة في النار، لكنت أمكر العرب) (3) .

__________________

(1) ميزان الحكمة 7: 220.

(2) راجع النهاية: لابن الاثير، مادة: (ضرر) و (مكر).

(3) البحار 41: 109.

٩٤

[13]

قول رسول الله (ص):

(قال الله تعالى: يابن آدم، لا يغرنك (1) ذنب الناس عن ذنبك (2)

ولا نعمة الناس عن (3) نعمة الله تعالى عليك

ولا تقنط الناس (4) من رحمة الله (5) وأنت ترجوها لنفسك).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 15، ورواه الشيخ الصدوق رحمه الله في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 29، الحديث 27. وأورده العلامة المجلسي في البحار 70: 388، الحديث 55. و 71: 45، الحديث 50. و 73: 359، الحديث 81. وأورده الطبرسي في مشكاة الانوار: 72، عن الباقر، عن النبي (ص) والشيخ ورام في تنبيه الخواطر 2: 77، عن علي، عن النبي (ص).

ورواه من العامة:

الزمخشري في ربيع الابرار 4: 316. وابن عراق في تنزيه الشريعة 2: 344.

__________________

(1) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (لا يغرك).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (ذنب نفسك).

(3) في البحار 70: 388: (من).

(4) في هامش الصحيفة: (لم ترد (من نعمة الله عليك، ولا تقنط الناس) في بعض النسخ).

(5) في صحيفة الرضا عليه السلام زيادة: (تعالى عليهم). وفي البحار زيادة: (تعالى). وفي هامش الصحيفة: (لم ترد (عليهم) في العيون والبحار) وعن بعض النسخ: (عليك).

٩٥

[14]

قول رسول الله (ص):

(ثلاثة (1) أخافهن على امتي (2) :

الضلالة بعد المعرفة، ومضلات الفتن، وشهوة (3) البطن والفرج).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 17. وروى هذا الحديث الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 29: الباب 31، الحديث 28 والمواعظ: 104، الباب 9، الحديث 1. ومن لا يحضره الفقيه 4: 407، الباب 175، الحديث 5881. ورواه الشيخ المفيد في أماليه: 111، المجلس 13. الحديث الاول. والشيخ الكليني في الكافي 2: 79، الباب 38، الحديث 6. والشيخ الطوسي في أماليه 1: 158، الباب 6، الحديث 15. والعلامة المجلسي في البحار 10: 368، الحديث 15. و 22: 451، الحديث 7، عن العيون، وعن أمالي الشيخ: 97 و 98. وفي البحار 71: 273، الحديث 19، عن المحاسن 1: 295 الحديث 462. ورواه المحدث العاملي في الوسائل 11: 198، كتاب الجهاد الباب 22 من أبواب جهاد النفس، الحديث 5. والعلامة النوري في المستدرك 11: 276، الباب 22 من أبواب جهاد النفس، الحديث 11، عن أمالى المفيد.

ورواه من العامة:

التبريزي في مشكاة المصابيح، الحديث 3712. والمتقي الهندي في كنز العمال،

__________________

(1) في صحيفة الرضا عليه السلام، والبحار: (ثلاث).

(2) في صحيفة الرضا عليه السلام والبحار وكنز العمال زيادة: (من بعدي).

(3) في كنز العمال: (وشهوات).

٩٦

الحديث 43864، عن الديلمي، عن أنس.

فقه الحديث:

الحديث الشريف يبين أمورا هي أعظم الاخطار التي تهدد كيان الامة ويعرف المسلمين ذلك للاجتناب عنها والحذر منها. أولها: الضلالة بعد المعرفة، فإن الهداية الالهية بإرشاد الناس إلى الدين القويم والتمسك بشريعة سيد المرسلين مهدد بميل النفس إلى الضلال والغواية، والشيطان بالمرصاد لكل مؤمن متقي ليلقيه في أحضان الكفر والضلال. فلابد للانسان المسلم من الحذر عن الوقوع في الضلالة بالاستزادة من نور المعرفة، وارتياد مجالس العلم، وطلب الحكمة أينما كانت ليكون على أتم استعداد لمواجهة قوى الكفر والضلال.

وأما الفتن، وهي ثاني الامور التي تهدد كيان المسلم إذا لم يتأهب لها بالتسلح بالعلم والعقيدة الصحيحة. والفتنة لابد منها، فبها يمتاز الصادق في إيمانه عن المتظاهر، والمؤمن عن الكافر، والمستقيم على الهدى عن غيره، قال سبحانه: ( الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) (العنكبوت: 29 / 1).

فالفتنة بالنسبة إلى المؤمن المتقي الثابت تكون كالكير ينفي خبث الحديد وهو تمحيص، وأما بالنسبة إلى من لم يأخذ من الايمان بالحظ الا وفى فقد توجب له الانزلاق والتردي في الضلال والارتداد بعد الهدى، فلا بد قبل أوان الامتحان من الاستزادة بالعلم والمعرفة وتقوية جذور الايمان في القلب، حتى لا يكون الممتحن فيها من الفئة الاخيرة.

وأما شهوة البطن والفرج، فهما من أعظم الفتن التي ابتلي بها الانسان في الدنيا، وهما مصدر كل شر لو لم يتوقى الانسان من شرهما بتهيئة ما يغنيهما من الحلال.

٩٧

[15]

قول رسول الله (ص)

(أتاني ملك فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك (1) السلام، ويقول (2) :

إن شئت جعلت لك بطحاء مكة (3) ذهبا. قال: فرفعت رأسي إلى السماء وقلت (4) :

يا رب (5) أشبع يوما فأحمدك، وأجوع يوما فأسألك).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 76. وروى هذا الحديث الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 30، الباب 31، الحديث 36، كما رواه الشيخ المفيد في أماليه: 124، المجلس 15، الحديث الاول. والسبزواري في جامع الاخبار: 126. والحسين بن سعيد في كتاب الزهد: 52، الحديث 139. وعنه البحار 16: 283، الحديث 130. ومشكاة الانوار: 294. ورواه العلامة المجلسي في البحار 16: 220، الحديث 12، عن العيون، وصحيفة الرضا عليه السلام. وفي 72: 164، الحديث 13، عن العيون.

ورواه العلامة النوري في مستدرك الوسائل 12: 52 الباب 63 من

__________________

(1) في صحيفة الرضا عليه السلام وكنز العمال: (يقرأ عليك). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (يقرأك).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (ويقول لك).

(3) بطحاء مكة، ويقال لها الابطح أيضا، وهو البطح: مسيل واسع فيه رمل ودقاق الحصى.

(4) كذا في أمالي المفيد، وفي الاصل: (فأرفع رأسه إلى السماء فقال). وفي المصادر الاخرى: (فرفع رأسه إلى السماء فقال). وفي البحار (16: 220): (فرفع رأسه إلى السماء وقال). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (فرفعت رأسي إلى السماء فقلت).

(5) في كنز العمال: (لا يا رب).

٩٨

أبواب جهاد النفس، الحديث 3، عن كتاب عاصم بن حميد الحناط: 37. وفيه: (جاء إلى رسول الله ملك فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام، وهو يقول لك: إن شئت جعلت لك بطحاء مكة رضراض (1) ذهب. قال: فرفع رأسه... الحديث).

ورواه من العامة:

أحمد بن حنبل في المسند 4: 30. والمتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 18616، عن الحسن، عن أمير المؤمنين عليه السلام. والسيوطي في الدر المنثور 5: 338، ورواه الجزري في جامع الاصول 10: 137، ذيل الحديث 7614.

والترمذي في سننه برقم 2348، بلفظ، (عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا...).

فقه الحديث:

النبي (ص) اسوة كل مسلم في كل شئ، وقد اختار الله له أن يكون أعرف الناس بالحقائق، فمن هناك عزف عن المال والذهب وما يتعلق بالدنيا، وانتخب الزهد، ليكون دائم الاتصال بربه، إذا جاع سأله، وأذا شبع شكره.

وهذا تعليم لاتباعه على سلوك نفس الطريق وعدم التكالب على الدنيا، لانه موجب للاعراض عن الاخرة، والغفلة عن الرب تعالى. وقد قال الله تعالى: ( إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى ) (2) ، فالغني موجب للطغيان إلا من عصم الله.

__________________

(1) الرضراض: الحصى أو صغارها، والارض المرضوضة بالحجارة. والمراد دقاق الذهب، أي ما رض منه.

(2) العلق: 96 / 6.

٩٩

[16]

قول رسول الله (ص):

(عليكم بحسن الخلق، فإن حسن الخلق في الجنة [لا محالة] (1) ،

وإياكم وسوء الخلق فإن سوء الخلق (2) في النار لا محالة).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 86. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 31، الباب 31، الحديث 41، وعنهما البحار 71: 386، الحديث 31. ورواه الطبرسي في مجمع البيان 5: 333، وعنه البحار 71: 383. ورواه العلامة المجلسي في البحار 10: 369، الحديث 19. والمحدث العاملي في الوسائل 8: 506 الباب 104 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 17 و 11: 324، الباب 69 من أبواب جهاد النفس، الحديث 7.

وورد مرسلا في روضة الواعظين: 441، ومشكاة الانوار: 223.

ورواه من العامة:

الحاكم في المستدرك 1: 23. والديلمي في مسند الفردوس، الحديث 4033، عن علي عليه السلام.

فقه الحديث:

الخلق الحسن مفتاح السعادة والفلاح، ليس في الدنيا فقط، بل هو مفتاح الجنة أيضا.

فصاحب الخلق الحسن كثير الاصدقاء والاعوان والاحبة، وإن كان

__________________

(1) من صحيفة الرضا عليه السلام والمصادر الناقلة لهذا الحديث.

(2) في هامش النسخة: (أي صاحب سوء الخلق).

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189