الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب5%

الثاقب في المناقب مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 697

الثاقب في المناقب
  • البداية
  • السابق
  • 697 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 197564 / تحميل: 7612
الحجم الحجم الحجم
الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

رسول الله (ص)، فقرّب ورحّب، ثمّ قال: « إنّ لي في الدلالة دليلاً على ما تريدين، أفتريدين مني دلالة الإمامة؟ » فقلت: نعم.

فقال: « هاتي ما معك ». فناولته الحصاة، فطبع لي فيها.

قالت ثمّ أتيت عليّ بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام ، وقد بلغني(١) الكبر إلى أن عييت، وأنا أعدّ يومئذ مائة وثلاث عشرة سنة، فرأيته راكعاً وساجداً مشغولاً بالعبادة، فيئست من الدلالة فأومى إلي بالسبابة، وعاد إلي شبابي.

قالت: فقلت: يا سيّدي كم مضى من الدنيا وكم بقي؟

فقال: « أمّا ما مضى، فنعم، وأما ما بقي، فلا ».

ثم قال: « هاتي ما معك »، فأعطيته الحصاة، فطبع لي فيها.

ثمّ أتيت أبا جعفرعليه‌السلام ، فطبع لي فيها.

ثمّ أتيت أبا عبد الله جعفراً الصادقعليه‌السلام فطبع لي فيها.

ثمّ أتيت أبا الحسن موسىعليه‌السلام فطبع لي فيها.

ثمّ أتيت الرضاعليه‌السلام فطبع لي فيها.

وعاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهر على ما ذكر محمّد بن هشام.

ولخليل الله إبراهيمعليه‌السلام قصة أخرى في القرآن، وهى قوله تعالى:( وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) (٢) .

__________________

(١) في ص: بلغ بي.

(٢) سورة الأنعام / الآية: ٧٥.

١٤١

١٣٣ / ٥ - فروى عمران، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: « كشط له عن السموات حتّى نظر إلى العرش والكرسي والسموات والأرض ».

وقد أعطى الله تبارك وتعالى أمير المؤمنينعليه‌السلام ما يحاكي ذلك.

١٣٤ / ٦ - وهو ما روي عن الطاهرينعليهم‌السلام في تفسير قوله تعالى:( فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ) (١) أنّ رسول الله (ص) لمّا عرج به إلى السماء، رفع الله تعالى الحجاب بينه وبين عليّ، حتّى نظر إلى حيث وضع (ص) قدمه. وبيان ذلك.

١٣٥ / ٧ - ما حدّث المعلى بن هلال عن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه أنه، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: « أعطاني الله تعالى خمساً، وأعطى عليّاً خمساً.

أعطاني جوامع الكلم، وأعطى عليّاً جوامع العلم، وجعلني نبيّاً، وجعله وصيّاً، وأعطاني الكوثر وأعطاه(٢) السلسبيل، وأعطاني الوحي، وأعطاه الإلهام، وأسري بي إلى السماء، وفتح له أبواب السماوات والحجب حتّى نظر إلي ونظرت إليه ».

قال: ثمّ بكى رسول الله (ص)، فقلت له: ما يبكيك، فداك أبي

__________________

٥ - الاختصاص: ٣٢٢، بصائر الدرجات: ١٢٦ - باب ٢٠ - مفصلاً، تفسير البرهان ١: ٥٣٢ / ٨، تفسير التبيان ٤: ١٧٧، مجمع البيان ٢: ٣٢٢.

٦ - أخرجه في البحار ١٨ / ٣٧٠ / ٧٧ عن الأمالي للشيخ الطوسي نحوه

(١) سورة النجم / الآية: ٩.

٧ - فضائل شاذان بن جبرائيل ٥ / ١٦٨، بشارة المصطفى: ٤١، وروي صدر الحديث في الخصال: ٣٩٣ / ٥٧، أمالي الطوسي ١: ١٩١ و ١٩٢، روضة الواعظين: ١٠٩،

(٢) في ص: واعطى عليّاً.

١٤٢

وأمي؟ قال: « يا ابن عبّاس إنّ أوّل ما كلمني به ربّي، أن قال لي: يا محمّد انظر تحتك، فنظرت إلى الحجب قد انخرقت، وإلى أبواب السماء قد فتحت، ونظرت إلى عليّ وهو رافع رأسه إلى السماء، فكلمني وكلمته ».

فقلت: يا رسول الله، حدّثني بما كلمك به ربّك.

قال: قال لي: يا محمّد قد جعلت عليّاً وصيّك ووزيرك وخليفتك من بعدك، فاعلمه، فها هو يسمع كلامك. فأعلمته، وأنا بين يدي ربّي عزّ وجلّ، فقال لي: قد قبلت.

فأمر الله تعالى الملائكة أن يسلموا عليه ففعلت، فردّعليهم‌السلام ، فرأيت الملائكة يتباشرون، فما مررت بملأ من الملائكة إلاّ وهم يهنئوني، ويقولون: يا محمّد والذي بعثك بالحقّ نبيّا، لقد دخل السرور على جميع الملائكة.

ورأيت حملة العرش قد نكسوا رؤوسهم فقلت: يا جبرائيل، لم نكسوا رؤوسهم؟ فقال: يا محمّد ما من ملك من الملائكة إلاّ وقد نظر إلى عليّ ما خلا حملة العرش، فإنّهم استأذنوا الله عزّ وجلّ في هذه الساعة أن ينظروا إلى عليّ، فأذن لهم.

فلمّا هبط جعلت أعلمه بذلك، وهو يخبرني به، فعلمت أنّي لم أطأ موطئا إلاّ وقد كشف لعليّ عنه، حتّى نظر إليه، لمّا رأيت من علمه به ».

قال ابن عباس: قلت: يا رسول الله، أوصني قال: « عليك بحبّ عليّ بن أبي طالب ».

قال: قلت: يا رسول الله، أوصني. قال: « عليك بحبّ عليّ ».

ثم قلت: يا رسول الله، أوصني. قال: « يا ابن عبّاس، والّذي بعثني بالحقّ نبيّاً، لا يقبل الله من عبد حسنة حتّى يسأله عن حبّ عليّ

١٤٣

ابن أبي طالب، وهو أعلم بذلك، فإن كان من أهل ولايته قُبل عمله ويؤمر به إلى الجنّة، وإن لم يكن في أهل ولايته، لم يسأله عن شيء، ويؤمر به إلى النار، وإنّ النار لأشد غيظاً(١) على مبغض عليّ منها على من زعم أنّ لله ولد.(١)

يا ابن عباس لو أنّ الملائكة المقربين، والأنبياء والمرسلين، أجمعوا على بغضه لعذّبهم الله بالنار، وما كانوا ليفعلوا ذلك ».

قلت: يا رسول الله، وكيف يبغضونه؟ قال: « يا ابن عبّاس، قوم يذكرون أنّهم من أمّتي، ولم يجعل الله لهم في الإسلام نصيباً، يفضّلون عليه غيره، والذي بعثني بالحقّ، ما بعث الله نبيّاً أكرم عليه منّي، ولا وصيّا أكرم عليه من عليّ وصيّي ».

قال ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه : فلم أزل له كما أمرني رسول الله (ص)، وإنّه لأكبر عملي.

فلمّا حضر رسول الله (ص) الوفاة قلت له: فداك أبي وأمّي يا رسول الله ما تأمرني به قال: « يا ابن عبّاس، خالف من خالف عليّاً، ولا تكونن لهم ظهيراً ولا ولياً ».

قلت: يا رسول الله، فلم لا تأمر الناس بترك مخالفته؟

قال: فبكى حتّى أغمي عليه، ثمّ أفاق.

فقال: « يا ابن عبّاس سبق فيهم علم ربّي ولا يخرج الله أحداً من الدنيا ممّن خالفه، وأنكر حقّه، حتّى يغيّر خلقته.

يا ابن عبّاس إذا أردت أن تلقى الله وهو عنك راضٍ، فاسلك طريقه، ومل حيث مال، وارض به إماماً، وعاد من عاداه، ووال من والاه، ولا يدخلنك فيه شك، فإن اليسير من الشك كفر بالله تعالى ».

__________________

(١) في م، هامشي ك وص: غضباً.

١٤٤

٤ - فصل:

في بيان آيات إسماعيل ممّا ذكره الله تعالى في القرآن

وفيه: حديثان

إنّ الله سبحانه وتعالى ذكر لإسماعيلعليه‌السلام في القرآن آية واحدة، وفضيلة رائقة في حال كونه طفلاً فالآية.

١٣٦ / ١ - ما ذكر المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال: « لمّا وضعه إبراهيم بأرض مكّة، ومعه أمّه هاجر، ونفد ماؤهما، وخرجت هاجر، فصعدت على الصفا، ثمّ أقبلت راجعة إلى إسماعيلعليه‌السلام ، فإذا عقبه يفحص في الماء، فجمعته، ولو تركته لساح ».

وفي الحديث طول، وقد جعل الله ما يوافق ذلك للرضا عليّ بن موسىعليهما‌السلام .

١٣٧ / ٢ - وهو ما حدّث به أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي الفقيه، قال: لمّا خرج عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام من نيسابور يريد المأمون، فبلغ قرب القرية الحمراء قيل له: يا ابن رسول

__________________

١ - قصص الأنبياء للراوندي: ١١٠ / ١٠٧، تفسير علي بن إبراهيم القمي ١: ١٦ نحوه.

٢ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ١٣٦ / ١.

١٤٥

الله قد زالت الشمس أو لا تصلي؟ فنزل وقال: « إئتوني بماء » فقيل له: ما معنا ماء.

فبحثعليه‌السلام الأرض بيده فنبع من الأرض الماء فأخذ ما توضَّأ به هو ومن معه.

والماء باق إلى يومنا هذا، ويقال للمنبع « عين الرضا »، وإنّ إنسانا حفر المنبع ليجري الماء، ويتخذ عليه مزرعة، فذهب الماء وانقطع مدَّة، ثمّ أهيل التراب فيه، فعاد الماء، والموضع مشهور.

وأما فضيلة إسماعيلعليه‌السلام ، فهو ما نبّه عليه الله تعالى من قوة يقينه، وتسليمه لأمر الله تعالى، والانقياد لحكمه، والصبر على ما ابتلاه به من الذبح، وعظيم المحنة، وشديد البلوى، كما قال الله تعالى:( إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) (١) .

وقد وقع لعليّعليه‌السلام مثل ذلك، حين أمر الله تبارك وتعالى نبيّه (ص) بالخروج من مسقط رأسه، مهاجراً إلى المدينة، إذ لم يبق بها ناصر، وقد تألب المشركون عليه واجتمعوا، وصارت كلمتهم واحدة على ذلك، وأمره الله تعالى أن يلتمس من ينام مكانه، ويقوم مقامه، ويعرض للأعداء نحره، وللبلاء صدره، ليدفع به عن نفسه مضرّة البوار، ومعرّة(٢) الكفار، فذكر (ص) ذلك لعليّعليه‌السلام ، فهشّ إليه، وما تلكأ، وأسرع إلى الامتثال، وتلقى بالقبول والإقبال عليه، ونام على الفراش غير مكترث، وتعرض للأعداء والقتل غير محتفل، وقد أنزل الله تبارك وتعالى في شأنه:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ ) (٣) .

__________________

(١) سورة الصافات / الآية: ١٠٢.

(٢) في ع: معركة.

(٣) سورة البقرة / الآية: ٢٠٧.

١٤٦

٥ - فصل:

في ذكر آيات يوسف

وفيه: حديثان

إنّ الله سبحانه وتعالى قد ذكر للصديق يوسفعليه‌السلام في القرآن آية واحدة، وهي قوله تعالى:( قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ. وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) (١) .

وسبب ذلك أنّ العزيز لمّا دخل داره، وقد راودت امرأته يوسفعليه‌السلام عن نفسه، ولم يجبها إلى ما التمست، وقد تعلّقت به:( قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (٢)

وقال يوسف:( هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ) (٣) .

وكان هناك مهد فيه طفل رضيع، فسأله يوسفعليه‌السلام ، فشهد له بما ذكره الله تعالى في كتابه.

وقد أعطى الله تعالى عليّ بن الحسينعليه‌السلام ما يزيد على ذلك:

__________________

(١) سورة يوسف / الآيتان: ٢٦ - ٢٧.

(٢) سورة يوسف / الآية: ٢٥.

(٣) سورة يوسف / الآية: ٢٦.

١٤٧

١٣٨ / ١ - وهو ما روى عمّار الساباطي، قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام أنّه قال: « لمّا قتل الحسين بن عليّعليهما‌السلام ، وأقبل محمّد بن الحنفية إلى عليّ بن الحسين بن عليّعليهم‌السلام وقال: له ما الذي فضّلك عليّ، وأنا أكثر رواية، وأسن منك.

قال: كفى بالله شهيداً يا عمّ، قال له محمّد بن الحنفية: أحلت على غائب.

قال: وكان في دار عليّ بن الحسينعليهما‌السلام شاة حلوب فقال: « اللهم انطقها، اللهمّ انطقها ».

فقالت الشاة: يا عليّ بن الحسين إنّ الله استودعك علمه ووحيه(١) ، فأمر سودة الخادمة تتخذ لي العلف.

قال: فصفق محمّد بن الحنفية على وجهه، ثمّ قال: أدركني أدركني يا ابن أخي، ثمّ ضرب بيده على كتفه فقال: اهتد هداك الله ».

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى ليوسفعليه‌السلام آية أخرى في كتابه بقوله:( فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) (٢) فلمّا ألقوه في غيابت الجبّ، وقّاه الله تعالى سوء صنيعهم، وحفظه من الردى، وجنبه الأذى، بحيث لم ينله ألم، ولم تزل به قدم، ولم يصبه نصب، ولم ينبه(٣) وصب(٤) وقد أكرم الله تعالى الباقرعليه‌السلام بما يوازي ذلك ويضاهيه:

__________________

١ - مدينة المعاجز: ٣٢٢ / ١٠٥ عنه.

(١) في ص، ع: ورحمته.

(٢) سورة يوسف / الآية: ١٥.

(٣) يَنبِهُ: أي يصبه، انظر: « الصحاح ١: ٢٢٩ ». وفي ع: يثنيه.

(٤) الوصب: أي المرض. « القاموس المحيط - وصب - ١: ١٤٢ ».

١٤٨

١٣٩ / ٢ - على ما رواه الموليني في تصنيفه في ( سير الأئمة ) بإسناده أنّ الباقرعليه‌السلام كان صبيّاً، فجاء إلى رأس بئر في داره، فوقع فيها، فأحسّت به أمّه، فصاحت، وأخبرت أباه زين العابدينعليه‌السلام وهو يصلّي، فلم يقطع الصلاة، ولم يخففها، ولم يضطرب في صلاته، فرجعت عنه إلى رأس البئر، وطفقت تبكي وتنظر في البئر، وتتردد ذاهبة إلى أبيه وجائية إلى البئر، إلى أن تمكّن منها الحزن، وغلب عليها الضعف، فقالت: ما أغلظ أكبادكم يا معشر بني هاشم، فلمّا سمع ذلك زين العابدينعليه‌السلام ، أتمّ صلاته، وجاء إلى رأس البئر، وأدخل يده فيها، وتناوله وأخرجه، وقال: « خذيه يا ضعيفة اليقين »، فلمّا نظرت إليه استبشرت، وضحكت سروراً به، ثمّ بكت من قولهعليه‌السلام : « يا ضعيفة اليقين ».

وفي ذلك آية أخرى لزين العابدينعليه‌السلام ، إذ أخرجه من البئر العميقة من غير حبل ورشاء.

__________________

٢ - مناقب ابن شهرآشوب ٤: ١٣٥، العدد القوية: ٦٣ / ٨٢، باختلاف يسير

١٤٩

٦ - فصل:

في ذكر آيات أيوب

إنّ الله سبحانه وتعالى لمّا ابتلى أيوبعليه‌السلام بما ابتلاه في نفسه وأهله وماله وولده، فصبر عليه، وسلّم لأمر ربّه تعالى، وأثابه على ذلك، وعوّضه من جميع ذلك، وردّ عليه أهله وماله ومثلهم معهم، فلمّا استكمل أيّام محنته، صابراً على بليته( نادى رَبَّهُ ) وقال:( أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ ) (١) فقال تعالى:( ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ ) (٢) وركض برجله الأرض، وظهرت له منها عين ماء فاغتسل منها، وشرب وذهب عنه ما كان يجده من الوجع، ورجع إليه شبابه، واتاه أهله، ومثلهم معهم، رحمة من ربّه عزّ وجلّ.

وإنّ أئمتناعليهم‌السلام قد صبروا على أذيّة كلّ جبّار عنيد، وشيطان مريد، وعلى كلّ محنة قد طار شررها، وشديدة قد استطار ضررها، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا وما استكانوا، وجعل الله لهم ما هو أزيد من ذلك وأوكد رحمة منه.

وإنّ الحسينعليه‌السلام لمّا قتل في سبيل الله وصبر عليه، ولم

__________________

(١) سورة ص / الآية: ٤١.

(٢) سورة ص / الآية: ٤٢.

١٥٠

يبق منه غير زين العابدين عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، فبارك الله عليه، وأخرج(١) من صلبه الأئمة الهداة، وجعلهم حججاً على بريّته وقادة الحق إلى جنّته، وجعلهم نجوماً زاهرة يهتدى بهم في ظلمات الشبهات، إلى محجة الدين، وجادة اليقين، كلّما غاب منهم نجم طلع آخر مكانه وزيّن به زمانه، لا ينقطع ضياؤه ولا يخمد بهاؤه، ما بقي من الدنيا أثر، ثمّ قد طبّق الأرض من ولده بكلّ سيّد شريف، وحلاحل(٢) غطريف،(٣) ، قد بلغ السماء قدراً، وحاز من مجلس الشرف صدراً.

وأمّا رجوع الشباب إليه فقد أعطي زين العابدينعليه‌السلام ما هو أفضل من ذلك، وهو ما أوردناه في هذا الكتاب، من نظره إلى حبابة الوالبية بعد ما كبرت وشاخت، فرجع إليها الشباب في الحال، وعاشت مدة مديدة.

وأمّا ما نبع من العين وفار منها من الماء، ورجوع صحته إليه. فقد أوردنا في هذا الكتاب ما يزيد على ذلك من آياتهمعليهم‌السلام ، من خروج الماء من الحجر، ومن إشارتهم إلى المريض حتّى ذهب عنه المرض ورجع إليه الصحّة، على ما سنفصّل ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في ع: وجعل.

(٢) الحلاحل: السيد الشجاع أو الضخم الكثير المروءة. « القاموس المحيط ٣: ٣٧١ ».

(٣) الغطريف: السيّد السخي. « مجمع البحرين - غطرف - ٥: ١٠٦ ».

١٥١

٧ - فصل:

في بيان آيات كليم الله موسى

وفيه: ثلاثة عشر حديثاً

أوّل آية قد أظهرها الله لموسىعليه‌السلام ، أنّه خلق في بطن أمّه بحيث لم يعرف أحد بأنّها حامل، وستر عن جميع الخلق، حفظاً لهعليه‌السلام ، لأنّ فرعون كان يطلبه، ويشق في طلبه بطون الحبالى، لمّا قيل له أنّ زوال ملكه يكون على يد مولود يكون من شأنه كذا وكذا، فصنع الله تعالى لهعليه‌السلام بذلك ما خفي على الناس أمره.

وقد فعل الله تبارك وتعالى ما يضاهي ذلك لمولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه، حين طلب بنو العبّاس أثره، وراقبوا أمر أبيه، لمّا سمعوا أن زوال ملكهم يكون على يد ولد الحسين بن عليّعليه‌السلام ، فأخفى الله تعالى أمره، حتّى لم يعرف أهله بأن أمّه حامل، حتّى أن حكيمةعليها‌السلام قالت حين قال لها أبو محمّدعليه‌السلام : « الليلة يولد حجّة الله من نرجس » قالت: وما نرى بها أثر حبل؟! فقال: « سيظهر لك وقت الصبح ».

ثمّ لمّا وضع صنع الله تعالى له ما يبهت العقول، حتّى خفي على الناس أمره.

وأمّا موسىعليه‌السلام فقد أعطاه الله تبارك وتعالى آيات كثيرة

١٥٢

من اليد البيضاء من غير سوء، وانقلاب العصا حيّة، وفلق البحر، ونتق الجبل فوق أمّته، وإنزال المنّ والسلوى عليه وعلى أمّته في التيه، وانفجار الحجر بالماء، وابتلاع الأرض لقارون بأمره، وإظلال الغمام على رأسه ورأس أمّته.

وقد أعطى الله سبحانه وتعالى أئمتناعليهم‌السلام ما يقارب جميع ذلك ويماثله ويدانيه ويشاكله.

فأما موسىعليه‌السلام فإنّه أخرج يده بيضاء من غير سوء، كما قال الله تعالى في غير موضع في كتابه منها:( وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) (١) .

وقال:( أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) (٢) .

وقد أعطى الله تعالى الرضاعليه‌السلام ما يزيد على ذلك.

١٤٠ / ١ - وهو ما روى الحسن بن منصور(٣) ، عن أخيه، قال: دخلت على الرضاعليه‌السلام في بيت داخل جوف بيت، فرفع يديه(٤) وكان ليلا فكأنّ يده بها ضياء عشرة مصابيح، فاستأذن عليه رجل، فخلى يده ثمّ أذن له.

وأمّا انقلاب العصا حيّة، فقد أعطى الله تبارك وتعالى أئمتناعليهم‌السلام ما هو أجلّ من ذلك وأفضل، وهو ما قد أوردناه في هذا

__________________

(١) سورة طه / الآية: ٢٢.

(٢) سورة النمل / الآية: ١٢.

١ - الكافي ١: ٤٠٧، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٣٤٨.

(٣) في ك، م، والمناقب: الحسين بن منصور، وفي: ش، ع: الحسين بن منقرة، وما أثبتناه من الكافي، وهو الصواب، راجع « معجم رجال الحديث ٥: ١٤٠ » ويؤيده ما في صفحة: ٢٢٠ من نسخة ش حيث ورد السند: الحسن بن منصور عن أخيه ...

(٤) في ع: يده.

١٥٣

الكتاب، في باب معجزة موسىعليه‌السلام من قلب الصورة على الستر أسداً، حتّى ابتلع الساحر بقوة الله تعالى، بين يدي هارون.

ومن قلب الصورتين أسدين على المسند حتّى ابتلعا حميد بن مهران حاجب المأمون بين يديه، بأمر الرضاعليه‌السلام (١) .

ومن قلب الصورة على المسورة أسداً بإذن الله تعالى، وذلك بأمر أبي الحسن الثالثعليه‌السلام بين يدي المتوكل، حتّى ابتلع المشعبذ الهندي، وقد ذكرنا جميع ذلك في الكتاب(٢) .

١٤١ / ٢ - وروى أبو الصامت، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أعطني شيئاً أزداد به يقيناً، وأنفي الشك من قلبي، قال لي: « هات ما معك » وكان في كمي مفتاح، فناولته، فإذا المفتاح أسد، ففزعت منه، ثمّ قال: « أنح وجهك عني » ففعلت، فعاد مفتاحاً.

١٤٢ / ٣ - وروى سلمانرضي‌الله‌عنه قال: كان بين رجل من شيعة عليّ وبين رجل آخر من شيعة غيره خلاف، فاختصما إلى ذلك الغير، فمال مع شيعته على شيعة عليّ، فشكا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام صاحبه، فذهبعليه‌السلام وقال: « ألم أنهك(٣) أن يكون بينك وبين شيعتي عمل ».

قال سلمان: قال لي ذلك الغير: يا سلمان، فلمّا سمعت ذلك منه خفت من هيبته وشجاعته، وفي يده قوس عربية فما شبّهته إلاّ بموسى ابن عمرانعليه‌السلام ، وقوسه بعصاه، وفتح فاه ليبتلعني، حتّى قلت له: يا عليّ بحقّ أخيك رسول الله (ص) إلاّ عفوت عني، فرده.

__________________

(١) سوف تأتي تخريجات الرواية في معاجز الإمام الرضا عليه‌السلام .

(٢) سوف تأتي تخريجات الرواية في معاجز الإمام الهادي عليه‌السلام .

٢ - الخرائج والجرائح ١: ٣٠٦، مدينة المعاجز: ٤١٦ / ٢٣٧

٣ - مدينة المعاجز: ٧٩ / ١٩٨.

(٣) في ر: أمنعك

١٥٤

وأمّا انفلاق البحر لموسىعليه‌السلام فكما قال الله سبحانه وتعالى:( أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ) (١) وقد خرج موسىعليه‌السلام من مصر فاتّبعه فرعون بجنوده، فلمّا قارب البحر قال أصحاب موسى:( إِنَّا لَمُدْرَكُونَ. قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ ) (٢) فأمره تعالى أن يضرب بعصاه البحر، فضربه فظهر اثنا عشر طريقاً في البحر، فسلك كلّ سبط من بني إسرائيل طريقاً.

وقد أظهر الله سبحانه وتعالى لأمير المؤمنينعليه‌السلام ما يداني ذلك.

١٤٣ / ٤ - وهو: ما حدّث به أبو بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « مدّ الفرات عندكم على عهد أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فأقبل إليه الناس فقالوا: يا أمير المؤمنين، نحن نخاف الغرق، لأنّ الفرات قد جاء بشيء من الماء لم نر مثله قط، وقد امتلأت جنبتاه(٣) فالله الله.

فركب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، والناس حوله يميناً وشمالاً، حتّى انتهى إلى الفرات وهو يزجر(٤) بأمواجه، فوقف الناس ينظرون فتكلّم بكلام خفي عبراني ليس بعربي، ثمّ إنّه قرع الفرات قرعة واحدة، فنقص الفرات ذراعاً، وأقبل الناس - وفي رواية أخرى فقال

__________________

(١) سورة الشعراء / الآية: ٦٣.

(٢) سورة الشعراء / الآيتان: ٦١ - ٦٢.

٤ - خصائص أمير المؤمنين: ٢٦، اليقين: ١٥٤، اثبات الهداة ٢: ٤١٥.

(٣) في ك: اخبيتنا، وفي م: جنباه.

(٤) في م: يزجي، ومعناه يسوق أو يدفع: « مجمع البحرين - زجا - ١: ٢٠٢ ». والزجر: لعلّه كناية عن شدة دفع الفرات أمواجه، ولعل الكلمة ( يزخر ) لأنّ معناه: مدّ وكَثُرَ ماؤه وارتفعت أمواجه. « مجمع البحرين - زخر - ٣: ٣١٦ ».

١٥٥

لهم -: « هل يكفيكم ذلك؟ ». فقالوا: زدنا يا أمير المؤمنين. فقرع قرعة أخرى، فنقص ذراعاً آخر، فقالوا: يكفينا، فقالعليه‌السلام : لو أردت لقرعته حتّى لا يبقى فيه شيء من الماء ».

وأمّا نتق الجبل، فإنّ قوم موسىعليه‌السلام لمّا استثقلوا أحكام التوراة ولم يعملوا بها، قلع الله سبحانه وتعالى جبلاً من أصله، فرفعه في الهواء فوق رؤوسهم، وقال لهم موسىعليه‌السلام : لئن لم تؤمنوا بالتوراة، وتعملوا بها، لسقط عليكم. كما قال الله تعالى:( وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (١) .

وقد أعطى الله تعالى لبعض أئمتناعليهم‌السلام ما يقارب ذلك ويدانيه.

١٤٤ / ٥ - وهو ما حدّث به عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: كنت مع أبي عبد اللهعليه‌السلام بين مكّة والمدينة، وهو على بغلة، وأنا على حمار، وليس معنا أحد، فقلت: يا سيّدي، ما يجب من عظّم حقّ الإمام؟ فقال: « يا عبد الرحمن، لو قال لهذا الجبل سر لسار » فنظرت والله إلى الجبل يسير، فنظر والله إليه فقال: « والله، إنّي لم أعنك » فوقف.

وأمّا إنزال المنّ والسلوى عليه وعلى أمّته في التيه، وهو أنّه لمّا بقي هو وأمّته في التيه أربعين سنة، واحتاجوا إلى القوت، أنزل الله تعالى كلّ غدوة عليهم المن والسلوى، كما قال الله تعالى:( وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ ) (٢) .

__________________

(١) سورة الأعراف / الآية: ١٧١.

٥ - الخرائج والجرائح ٦٢١.

(٢) سورة الأعراف / الآية: ١٦٠.

١٥٦

فقد أعطى الله تبارك وتعالى الأئمةعليهم‌السلام ما يزيد عليه، ولم ينقص عنه، ممّا يشاكله ويدانيه.

١٤٥ / ٦ - وهو ما حدّث به الثقات، أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لمّا امتد مقامه بصفّين، شكوا إليه نفاد الزاد والعلف، بحيث لم يجد أحد من أصحابه شيئاً يؤكل، فقالعليه‌السلام لهم: « غداً يصل إليكم ما يكفيكم » فلما أصبحوا تقاضوه(١) صعدعليه‌السلام على تل كان هناك ودعا بدعاء وسأل الله تعالى أن يطعمهم ويعلف دوابهم، ثمّ نزل فرجع إلى مكانه، فما استقر قراره، إلاّ وقد أقبلت العير بعد العير، وعليها اللحمان والتمور والدقيق، حتّى(٢) امتلأت به البراري، وفرّغ أصحاب الجمال جميع الأحمال من الأطعمة، وما كان معهم من علف الدواب، وغيرها من الثياب، وجلال الدواب، وجميع ما يحتاجون إليه، ثمّ انصرفوا، ولم يدر من أي البقاع وردوا، أو من الإنس كانوا أم من الجنّ، وتعجب الناس من ذلك.

١٤٦ / ٧ - وروى بعض أصحابنا، وقال: حملت مالاً لأبي عبد اللهعليه‌السلام ، فاستكثرته في نفسي، فلمّا أدخلته عليه، دعا الغلام، فإذا طشت في آخر الدار، فأمر أن يأتيه به، ثمّ تكلم بكلام أومى بها إلى الطشت، فانحدرت الدنانير من الطشت حتّى ( حالت بيني )(٣) وبين الغلام، قال: فالتفت إليّ وقال: « أترانا نحتاج إلى ما في أيديكم؟! إنما آخذ منكم ما آخذ، لأطهّركم ».

__________________

٦ - الخرائج والجرائح ٢: ٥٤٣ / ٤، اثبات الهداة ٢: ٤٥٨ / ١٩٧.

(١) تقاضوه: طلبوه، يقال: تقاضاه الدين: طلبه منه. « مجمع البحرين - قضا - ١: ٣٤٤ ».

(٢) في ع: بحيث.

٧ - الخرائج والجرائح ٢: ٦١٤ / ١٢، اثبات الهداة ٣: ١١٧ / ١٤١، مدينة المعاجز: ٤٠٥ / ١٧٧.

(٣) في جميع النسخ: حال بينه، وما أثبتناه من الخرائج.

١٥٧

وأمّا انفجار الماء من الحجر، فهو أن موسىعليه‌السلام كان معه حجر يحمله معه حيث يذهب، فلمّا احتاج هو وقومه إلى الماء، ضرب الحجر بعصاه؛( فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ ) (١) .

وقد أخرج الله تعالى الماء للصادقعليه‌السلام من خشبة رحله:

١٤٧ / ٨ - وهو ما حدّث به الشيخ أبو جعفر محمّد بن معروف الهلالي الخرّاز، وقد أتى له مائة وثمان وعشرون سنة قال: أتيت(٢) إلى أبي عبد الله جعفرعليه‌السلام إلى الحيرة فأقمت بها ثلاثة أيّام، فما قدرت عليه من كثرة الناس، فلمّا كان اليوم الرابع مضى إلى قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فمضيت معه، فلمّا صار(٣) إلى بطن الطريق، غلبه البول، فاعتزل عن الجادّة فبال، ثمّ نبش الرحل فخرج له الماء، فتطهّر للصلاة فقام وصلّى ركعتين، ودعا ربّه فقال في دعائه:

« اللّهم لا تجعلني ممّن تقدم فمرق، ولا ممّن تأخر فرهق، واجعلني من النمط الأوسط ».

وقال لي: « يا غلام، لا تتحدث بما رأيت ».

وقد أوردت له في معجزاته.

__________________

(١) سورة البقرة / الآية: ٦٠.

٨ - دلائل الإمامة: ١١٥، مناقب ابن شهرآشوب: ٤: ٢٣٨، وفيه: عن محمد بن ميمون الهلالي، وما في المتن والدلائل هو الصواب، راجع « معجم رجال الحديث ١٧: ٢٦٧ / ١١٨١٠ و ١١: ٣٤٣ / ٨٠١٢، ورجال الشيخ: ٤٨١ / ٢٩ فيمن لم يرو عنهمعليهم‌السلام في ترجمة علي بن الحسن القشيري ».

(٢) في ر: مضيت.

(٣) في ع: صرنا.

١٥٨

١٤٨ / ٩ - ما رواه داود الرّقيّ من إظهار الماء في السبخة في طريق الحجّ عينا فوّارة، وما رواه يحيى بن هرثمة.

وقد ذكرناه في آيات أبي جعفر الثانيعليه‌السلام من ظهور عين الماء له حين خرج من المدينة معه إلى المتوكل، وأمثال ذلك كثيرة لا تحصى.

وأمّا ابتلاع الأرض لقارون، وهو أنّ قارون قال لامرأة كانت بغياً ذات جمال وهيئة: أعطيك مائة ألف درهم إن جئت غداً إلى موسىعليه‌السلام وهو جالس في بني إسرائيل يتلو عليهم التوراة، وقلت: يا معشر بني إسرائيل، إنّ موسى دعاني إلى نفسه فأنعمت له.

ثم قالت في نفسها: قد فعلت ما فعلت فأذهب إلى بني إسرائيل وأرميه بالفاحشة؟! لا والله لا أفعل.

فلمّا كان في الغد جلس موسىعليه‌السلام في بني إسرائيل، وجاءه قارون في زينته، وعليه ثياب حمر، وجاءت المرأة، فقامت على رؤوسهم ثم قالت لموسىعليه‌السلام : إنّ قارون أعطاني مائة ألف درهم على أن أقوم على بني إسرائيل اليوم، وأقول لهم: إنّ موسى دعاني إلى نفسه، بحضرتك ومعاذ الله أن يكون ذلك، لقد أكرمك الله تعالى. فغضب موسىعليه‌السلام فقال للأرض: خذيه. فأخذته إلى ساقه، فقال: يا موسى، الله الله، ارحمني.

فقالعليه‌السلام : خذيه. فأخذته إلى حقويه، فقال: يا موسى، الله الله، ارحمني،

فقالعليه‌السلام : خذيه. فابتلعته الأرض حتّى غاب(١) .

وقد ظهر على يد ولي الله جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام ما يوازي ذلك شرفاً.

__________________

٩ - مدينة المعاجز: ٤١٧.

(١) روى ابن كثير في قصص الأنبياء ٢: ١٦٥ مثله.

١٥٩

١٤٩ / ١٠ - وهو ما حدّث به صالح بن الأشعث البزّاز الكوفيّ، قال: كنت بين يدي المفضّل إذ وردت عليه رقعة من مولانا الصادقعليه‌السلام ، فنظر فيها، فنهض قائماً واتكأ عليَّ، ثمّ تسايرنا(١) إلى باب حجرة الصادقعليه‌السلام ، فخرج إليه عبد الله بن وشاح، فقال: أسرع يا مفضّل في خطواتك، أنت وصاحبك هذا.

فدخلنا فإذا بالمولى الصادقعليه‌السلام قد قعد على كرسي، وبين يديه امرأة، فقال: يا مفضّل، خذ هذه الامرأة وأخرجها إلى البرية في ظاهر البلد فانظر ما يكون من أمرها وعد إليّ سريعا.

فقال المفضل: فامتثلت ما أمرني به مولايعليه‌السلام وسرت بها إلى برية البلد، فلمّا توسطتها سمعت مناديا ينادي: احذر يا مفضل. فتنحيت عن المرأة، فطلعت غمامة سوداء ثمّ أمطرت عليها حجارة حتّى لم يكن(٢) للمرأة حساً ولا أثراً فهالني ما رأيته! ورجعت مسرعا إلى مولايعليه‌السلام ، وهممت أن أحدثه بما رأيت، فسبق إلي الحديث، فقالعليه‌السلام : « يا مفضل، أتعرف المرأة؟ » فقلت: لا يا مولاي. فقال: « هذه امرأة الفضال بن عامر، وقد كنت سيّرته إلى فارس ليفقّه أصحابي بها، فلمّا كان عند خروجه من منزله قال لامرأته: هذا مولاي جعفر شاهد عليك، لا تخونيني في نفسك. فقالت: نعم، إن خنتك في نفسي أمطر الله عليّ من السماء عذاباً واقعاً. فخانته في نفسها من ليلتها، فأمطر الله عليها ما طلبت، يا مفضل، إذا هتكت امرأة سترها، وكانت عارفة بالله، هتكت حجاب الله، وقصمت ظهرها، والعقوبة إلى العارفين والعارفات أسرع ».

وأمّا تظليل الغمام عليهم فهو أنّ موسىعليه‌السلام لمّا مكث

__________________

١٠ - مناقب ابن شهرآشوب ٢: ٢٣٩.

(١) في ع: تياسرنا.

(٢) في ص، ع: أر.

١٦٠

بقومه في التيه أربعين سنة أثّر فيهم حرّ الشمس، فظلل الله الغمام عليهم، وقاية لهم من حرّ الشمس، كما قال الله تعالى:( وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى ) (١) فقد أعطى الله تعالى أمير المؤمنينعليه‌السلام ما يشابه ذلك ويدانيه ويحاكيه وهو.

١٥٠ / ١١ - ما رواه جابر بن عبد الله الأنصاري -رحمه‌الله - عن رسول الله (ص) أنّه قال: « ما بعثته قط في سرية إلاّ ورأيت جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، وملك الموت أمامه في سحابة تظلله، حتّى يعطي الله حبيبي النصر والظفر ».

وأمّا إحياء الموتى، وهو ما قال الله تعالى:( فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى ) (٢) وشرح ذلك أنّه وجد على طريق سبط من الأسباط قتيل، فتدارؤا(٣) به والتجأوا إلى موسىعليه‌السلام ، فأمرهم الله تعالى بذبح بقرة على ما شرح في كتابه العزيز، فلمّا فعلوا ذلك وضربوا ببعض لحمها القتيل(٤) ، أحياه الله تعالى حتّى قال: قتلني فلان بن فلان.

وقد أعطى الله تبارك وتعالى أمير المؤمنينعليه‌السلام ما يشابه ذلك وهو:

١٥١ / ١٢ - ما حدّث به الباقرعليه‌السلام ، قال: « إنّ عليّاًعليه‌السلام مرّ يوماً في أزقة الكوفة فانتهى إلى رجل قد حمل جريثا(٥)

__________________

(١) سورة الأعراف / الآية: ١٦٠.

١١ - الخرائج والجرائح ١: ١٧٤ / ٦، مدينة المعاجز: ٤٠ / ٦٧.

(٢) سورة البقرة / الآية: ٧٣.

(٣) تدارؤا: تدافعوا واختلفوا في القتل. « مجمع البحرين - درأ - ١: ١٣٦ ».

(٤) في ع: وضربوه ببعض اللحم للقتيل.

١٢ - الخرائج والجرائح ٢: ٦٢٩ / ٢٩.

(٥) الجريث: ضرب من السمك يشبه الحيّات، ويقال له بالفارسية: مارماهي. « مجمع البحرين - جرث - ٢: ٢٤٣ ».

١٦١

فقال: انظروا إلى هذا قد حمل إسرائيلياً. فأنكر الرجل، وقال: متى كان الاسرائيلي جريثاً؟!.

فقالعليه‌السلام : أما إنّه إذا كان اليوم الخامس ارتفع لهذا الرجل من صدغه دخان فيموت مكانه.

فأصابوه في اليوم الخامس كذلك، فمات فحمل إلى قبره، فلمّا دفن جاء أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى قبره، فدعا الله، ثمّ رفسه برجله، فإذا الرجل قام قائماً بين يديه، وهو يقول: الراد على عليّ كالراد على الله وعلى رسوله.

قالعليه‌السلام : عد في قبرك. فعاد فيه، فانطبق القبر عليه ».

١٥٢ / ١٣ - وحدّث داود الرقيّ، قال: كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام إذ دخل عليه شاب يبكي فقال: إني نذرت أن أحجّ بأهلي، فلمّا دخلت المدينة ماتت. قال: « اذهب، فإنّها لم تمت » قال: ماتت وسجيتها! قال: « اذهب، فإنّها لم تمت فخرج ورجع ضاحكاً وقال: دخلت عليها وهي جالسة. قال: « يا داود، أو لم تؤمن »؟ قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبي.

فلمّا كان يوم التروية قال لي: « يا داود قد اشتقت إلى بيت ربّي » فقلت: يا سيّدي، هذا عرفات! قال: « إذا صلّيت العشاء الآخرة فارحل لي ناقتي، وشدّ زمامها » ففعلت، فخرج، وقرأ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) و( يس ) ثمّ استوى على ظهر ناقته، وأردفني خلفه، فسرنا هدءاً من(١) الليل، وقعد في موضع ما كان ينبغي.

فلمّا طلع الفجر، قام فأذَّن، وأقام، وأنا عن يمينه، فقرأ في أوّل

__________________

١٣ - ...

(١) الهدء: الهزيع من الليل وهو الطائفة منه أو نحو ثلثه أو ربعه وقيل ساعة منه « لسان العرب - هدأ - ١: ١٨٠ ».

١٦٢

ركعة:( الْحَمْدُ ) و( الضُّحى ) وفي الثانية( الْحَمْدُ ) و( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) وقنت، ثمّ سلّم وجلس، فلمّا طلعت الشمس مرَّ الشاب ومعه المرأة فقالت لزوجها: هذا الذي شفع إلى الله في إحيائي.

١٦٣

٨ - فصل:

في بيان آيات داود ممّا ذكره الله تعالى في القرآن

وفيه: أربعة أحاديث

قال الله تعالى:( يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ. أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ) (١) والتأويب: سير النهار، وقيل: هو التسبيح، ومعناه على القول الأوّل: يا جبال سيري معه.

وقد جعل الله تبارك وتعالى مثل ذلك لمولانا أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وقد ذكرنا سير الجبال معه فيما ذكر في قوله:( وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ ) (٢) .

١٥٣ / ١ - وروى أبو بصير قال: جاء رجل إلى أبى عبد اللهعليه‌السلام فسأله عن حقّ الإمام(٣) ، قال له: « تأتي ناحية أحد ». فخرج فإذا أبو عبد اللهعليه‌السلام يصلّي، ودابّته قائمة، وإذا ذئب قد أقبل، فسارّ أبا عبد اللهعليه‌السلام كما يسارّ الرجل، ثمّ قال له: « قد فعلت » فقلت: جئت أسألك عن شيء، فرأيت ما هو أعظم من مسألتي! فقال: « إنّ الذئب أخبرني أن زوجته بين الجبل قد عسر عليها الولادة

__________________

(١) سورة سبأ / الآيتان: ١٠، ١١.

(٢) سورة الأعراف / الآية: ١٧١.

١ - مدينة المعاجز: ٣٩٣.

(٣) في ص، م، ع: المؤمن.

١٦٤

فادع الله تعالى لها أن يخلصها مما هي فيه، فقلت قد فعلت، على أن لا يُسلط أحداً من نسلكم(١) على أحد من شيعتنا أبداً ». فقلت: ما حق المؤمن على الله تعالى؟ قال: لو قال للجبال « أوبي لأوَّبت » فأقبل الجبل يتداكّ بعضه إلى بعض، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « ضربت له مثلاً، ليس إيّاك عنيت » فرجع إلى مكانه.

ومعناه على القول الثاني: سبحي معه.

وقد أعطى الله تبارك وتعالى لمولانا زين العابدينعليه‌السلام ما يماثل ذلك ويشاكله وهو:

١٥٤ / ٢ - ما حدّث به سعيد بن المسيب - في رواية الزهريّ - قال: كان القوم لا يخرجون من مكّة حتّى يخرج زين العابدين عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، فخرج، وخرجت معه، فنزل في بعض المنازل، وصلّى ركعتين، وسبّح في سجوده، فلم يبق شجر ولا مدر إلاّ سبّح معه، ففزعنا فرفع رأسه، وقال: « يا سعيد أفزعت؟ » قلت: نعم، يا ابن رسول الله. فقال: « هذا التسبيح الأعظم ».

وأمّا تسبيح الطير فقد ذكرنا في هذا الكتاب، في آيات أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقرعليهما‌السلام في آخر حديث وهو:

ما أجاب به عبد الملك بن مروان عامله، حين أمره بإخراج الباقر إليه، فقال: وإنّه ليقرأ في محرابه فتجتمع الطير والسباع تعجباً من صوته، فإنّ قراءته تشبه مزامير آل داود.

وأمّا قوله تعالى:( وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ) (٢) فإنّه ألان له الحديد ليتخذ له الدروع منه كأنّه الشمعة في يده.

وقد أعطى الله تعالى لأمير المؤمنينعليه‌السلام مثل ذلك وهو:

__________________

(١) في ص: نسلها، وفي ك: نسلك.

٢ - رواه ابن شهرآشوب في مناقبه ٤: ١٣٦.

(٢) سورة سبأ / الآية: ١٠.

١٦٥

١٥٥ / ٣ - ما روى بعض مواليه أنّه دخل عليه، ورأى بين يديه حديداً، وهو يأخذ بيده منه، ويدققه، ويجعله حلقاً ويسرده(١) كأنّه الشمعة في يده قال: فسألته عنه، فقال: « أصنع الدرع ».

وممّا يصحح ذلك، ويشهد بصحته، حديث خالد بن الوليد، وهو حديث طويل قد اقتصرنا على الموضع المقصود لشهرته.

١٥٦ / ٤ - وحدث به عبد الرحمن بن العبّاس وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قالا: كنا جلوساً عند أبي بكر وقد أضحى النهار، فإذا بخالد بن الوليد قد وافى في جيش قام غباره، وكثرت صواهل خيله، فإذا بقطب رحى ملوي في عنقه، وقد فتل فتلاً، فنزل عن فرسه، ووقف بإزاء أبي بكر، فرمقه الناس بأعينهم وراعهم(٢) منظره، فابتدأ وقال: اعدل يا بن أبي قحافة حيث جُعلت في الموضع الذي لست له بأهل، وما ارتفعت إلى هذا المكان إلاّ كما يرتفع الطافي من السمك على الماء. - في كلام طويل أعرضنا عن ذكره -

ثمّ قال: إنّي رجعت مُنكفئاً من الطائف إلى هذه(٣) في طلب المرتدين، فرأيت ابن أبي طالبعليه‌السلام ومعه رهط عصاة عتاة من الذين شزرت حماليق(٤) أعينهم من حسدك، وبدرت حقداً عليك،

__________________

٣ - روى ابن شهرآشوب في مناقبه ٢: ٣٢٥، وعنه في مدينة المعاجز: ٨٩.

(١) السرد: اسم جامع للدروع وسائر الحلق وما أشبهها، وسمي سرداً لأنه يسرد ويثقب طرفا كل حلقه بالمسمار. « لسان العرب - سرد - ٣: ٢١١ ».

٤ - مناقب ابن شهرآشوب ٢: ٢٩٠، باختصار، ارشاد القلوب: ٣٧٨، باختلاف، الخرائج والجرائح ٢: ٧٥٧، باختصار، إثبات الهداة ٢: ٥٠٩.

(٢) في ع: ورابهم.

(٣) في ارشاد القلوب: جدة.

(٤) حماليق جمع حملاق: باطن أجفان العين. « مجمع البحرين - حملق - ٥: ١٥٢ ».

١٦٦

وقرحت أفئدتهم لمكانك، منهم عمّار بن ياسر ابن سميّة السوداء، والمقداد، وأخا غفار، وابن العوام، وغلامين أعرف أحدهما بوجهه، وغلام اسمر حبشي قد بقل وجهه(١) فتبين لي المنكر من قلوبهم، والحسد في احمرار أعينهم، وقد توشّح بدرع رسول الله (ص) ولبس رداءه، وقد أسرج له دابته، وقد نزل على عين ماء، فلمّا رآني اشمأز وبربر(٢) ، وأطرق موحشاً فقبض على لحيته، فبادرته بالسلام استكفي شره واتقي وحشته(٣) ، فنزلت، ونزل من معي بحيث نزلوا اتقاءً من مراوغته، فبدأ بي ابن ياسر بقبيح لفظه، ومحض عداوته، يقرعني بما كنت ( تقدمت به إليَّ(٤) )، فالتفت إليّ الأصلع الرأس، وقد ازدحم الكلام في حلقه كهمهمة الأسد، وكقعقة الرعد.

فقال لي بغضب منه: « أو كنت فاعلاً يا أبا سليمان؟ » فقلت: وايم الله، لو أقام على رأيه لضربت الذي في عيناك؛ فأغضبه قولي إذ صدقته، وأخرجه إلى طبعه الذي أعرفه له عند الغضب، وبدرت عيناه عليّ، فعلمت أنّه قد عزب عنه عقله، فقال لي: « يا ابن اللخناء، مثلك يقدر(٥) على مثلي، ويجسر(٦) أن يدير اسمي في لهواته التي لا عهد لها بكلمة حكمة، ويلك إنّي لست من قتلاك وقتلى صاحبك(٧) ، وإنّي لأعرف بمنيتي ومقتلي منك بنفسك » ثمّ ضرب بيده إلى ترقوتي فنكسني عن فرسي، وجعل يسوقني إلى رحى الحارث بن كلدة فعمد إلى القطب الغليظ فمدّ عنقي بكلتا يديه ولواه في عنقي، ينفتل له

__________________

(١) بقل وجهه: أول ما نبتت لحيته. « لسان العرب - بقل - ١١: ٦١ ».

(٢) البربرة: الصوت وكلام من غضب. « لسان العرب - برر - ٤: ٥٦ ».

(٣) في م: أستكفي أسرته واتقي حاشيته.

(٤) في هامش ر، ك، ص: قد تكلمات وتقدمت به إليه.

(٥) في م: يقدم.

(٦) في ش، ع، ك: ويجتري.

(٧) في م، ك: أصحابك.

١٦٧

كالعلك المسخّن، وأصحابي هؤلاء وقوف ما أغنوا عنّي سطوته، ولا كفوني شره، فلا جزاهم الله عنّي خيراً، فإنّهم لمّا نظروا إلى بريق عينيه سجدوا(١) فرقاً، وسالت جباههم عرقاً، وخمدت أرواحهم كأنما(٢) نظروا إلى ملك موتهم، فو الذي رفع السماء بغير أعمادها(٣) ، لقد اجتمع على فكّ هذا القطب مائة رجل - أو يزيدون - من أشداء العرب، فما قدروا على فكّه، فدلّني عجز الناس عن فتحه أنّه سحر منه، أو قوة ملك قد ركّبت فيه، ففكّ هذا الآن عنّي إن كنت فاكه، وخذ لي منه بحقي إن كنت آخذه، وإلاّ لحقت بدار عزتي ومستقر كرامتي، فقد ألبسني ابن أبي طالب من العار ما صرت به ضحكة لأهل الديار.

فالتفت أبو بكر إلى عمر، وقال: أما ترى إلى ما يخرج من هذا الرجل - في كلام طويل - إلى أن دعوا قيس بن سعد بن عبادة، وقال لهم ما هو مشهور، فصبروا إلى أن وافوا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقاموا بأجمعهم إليه واستأذنوا عليه، فدخلوا ومعهم خالد فلمّا بصر إلى خالد قال: « نعمت صباحاً يا أبا سليمان، نعم القلادة قلادتك » - في كلام طويل شرحه -

وتشفّع أبو بكر فلم يجب إلى ذلك، إلى أن قام بريدة الأسلميّ، وطارق بن شهاب، والأشجع بن حمدان العجليّ(٤) فقالوا: يا أبا الحسن، والله ما لخالد وعنقه إلاّ من حمل باب خيبر بقوة يده، ودحا به وراء ظهره، وحمله حتّى عبر الناس عليه.

__________________

(١) في ر، ك، ص: استحدوا: نظروا إليه بحدة وغضب وتفرقوا. « المعجم الوسيط - حدد - ١: ١٦١ ».

(٢) في ع، ك، ص: كأنهم.

(٣) في ر، م، ك: بأعمادها.

(٤) في إرشاد القلوب: عامر بن الأشجم، ولعله تصحيف الأشج العبدي، انظر أسد الغابة ١: ٩٦.

١٦٨

وقام عمّار بن ياسررضي‌الله‌عنه وخاطبه أيضاً في جملة من سأله، فلم يجب أحداً، إلى أن قال أبو بكر: سألتك بحق أخيك محمّد رسول الله (ص) إلاّ ما رحمت خالداً، وفككت عن عنقه هذا الحديد.

فلمّا سأله بحق أخيه رسول الله (ص) استحيا، وكان كثير الحياء، فجذب خالداً إليه، فأدناه، وقبض على رأس الحديد وجعل يفتل منه شيئاً فشيئاً، فرمى به، كفتل أحدكم العلك المحمّى بالنار، حتّى أتى على آخره، فكبّر الناس، وعجب من حضر من فعله، فقال لهم: « إنّ الله بكرمه وفضله سيشتت شملكم ويأخذ بحقي منكم، فبئس القوم أنتم ».

فتمثل عمّار بن ياسر ببيتي شعر، وهما هذان:

يزاول(١) سرحان(٢) مساواة ضيغم(٣)

فضعضعه إذ رام ذاك فهشما

وأهوى له إذ رام ما لا يناله

إلى رأسه بالكفّ منه فحطما

__________________

(١) يزاول: من المزاولة وهي المحاولة والمعالجة. « لسان العرب - زول - ١١: ٣١٦ ».

(٢) السرحان: الذئب. « لسان العرب - سرح - ٢: ٤٨١ ».

(٣) الضيغم: الأسد. « لسان العرب - ضيغم - ١٢: ٣٥٧ ».

١٦٩

٩ - فصل:

في بيان معجزات نبيّ الله سليمان في القرآن

وفيه: أربعة عشر حديثاً

إنّ الله سبحانه وتعالى أعطى سليمانعليه‌السلام آيات باهرة(١) ، وقد ذكر في كتابه العزيز منها أنّه أعطاه الحكمة صبياً، وسخّر له الريح، وعلّمه منطق الطير، وسخّر له الجنّ والسباع والطير، وأسأل له عين القطر.

فأمّا ما أعطى الله تعالى سليمان إياه الحكمة صبياً، فقد أورده في كتابه العزيز بقوله:( فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ ) (٢) وقصته أنّ غنما نفشت(٣) في زرع قوم، فحكم سليمانعليه‌السلام بأنّ صاحب الغنم يعطيها لصاحب الأرض لينتفع بها حتّى يزرع صاحب الغنم أرضه، فإذا بلغ الزرع الحدّ الذي نفشت فيه غنمه، ردّ الغنم عليه، وأخذ الأرض مزروعة.

وقد أعطى الله تعالى أئمتناعليهم‌السلام مثل ذلك، وزيادة

__________________

(١) في ع: باهرات.

(٢) سورة الأنبياء الآية: ٧٩.

(٣) نفشت: تفرقت ليلاً من غير علم راعيها. « لسان العرب - نفش - ٦: ٣٥٧ ».

١٧٠

عليه، منها ما اشتهر عند الخاص والعام من حديث:

١٥٧ / ١ - أبي حنيفة حين دخل دار الصادقعليه‌السلام ، فرأى موسىعليه‌السلام في دهليز داره، وهو صبي، فقال في نفسه: إنّ هؤلاء يزعمون أنّهم يعطون العلم صبية، وأنا أسبر(١) ذلك؛ فقال: يا غلام، إذا دخل الغريب بلدة فأين يحدث؟ فنظر إليه نظر مغضب، وقال: « يا شيخ، أسأت الأدب، فأين السلام؟ ».

قال: فخجلت، ورجعت حتّى خرجت من الدار، وقد نبل في عيني، ثمّ رجعت إليه، وسلّمت عليه، وقلت: يا ابن رسول الله، الغريب إذا دخل بلدة(٢) أين يحدث؟

فقالعليه‌السلام : « يتجنب(٣) شطوط الأنهار(٤) ، ومشارع الماء، وفيء النزّال، ومساقط الثمار، وأفنية الدور، وجوادّ الطرق، ومجاري المياه، ورواكدها، ثمّ يحدث أين شاء ».

قال: فقلت: يا ابن رسول الله، ممّن المعصية؟ فنظر إليَّ وقال: « إمّا أن تكون من الله، أو من العبد، أو منهما معاً، فإن كانت من الله، فهو أكرم من أن يأخذ العبد(٥) بما لم يجنه(٦) ؛ وإن كانت منهما، فهو أعدل من أن يأخذ العبد بما هو شريك فيه؛ فلم يبق إلاّ أن تكون من العبد، فإن عفا فبفضله، وإن عاقب فبعدله ».

قال أبو حنيفة: فغرورقت عيناي، وقرأت( ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ

__________________

١ - اعلام الورى: ٢٩٧، وعنه في حلية الأبرار ٢: ٢٣٠.

(١) أسبر: أختبر « لسان العرب - سبر - ٤: ٣٤٠ ».

(٢) في م: قرية.

(٣) في ع: يتوقى.

(٤) في ص: البلد.

(٥) في ع، ص: من أن يؤاخذه.

(٦) في ص: يكتسبه.

١٧١

بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (١) .

١٥٨ / ٢ - وحديث أبي جعفر الثانيعليه‌السلام مع يحيى بن أكثم قاضي القضاة ببغداد(٢) بين يدي المأمون مشهور، حين سأله عن محرم وطئ بيض صيد، وهو ابن تسع سنين؟ فأجابه قال: « الصيد من طير الحل، أو من طير الحرم؟ وباض في الحل، أم باض في الحرم؟ والمحرم حراً كان، أو عبداً؟ والعبد أحرم بإذن مولاه، أم بغير إذنه؟ والحر وطأه عمداً، أو سهواً؟ معيداً كان، أو مبتدئاً؟ والطير من صغار الطير أم من كبارها؟ » إلى غير ذلك من الانقسامات، فبهت يحيى.

وسأله أبو جعفرعليه‌السلام عن مسألة المرأة فلم يحر جواباً، فتبيّن للناس عجزه، وهوعليه‌السلام قد شرح المسائل على ما هو مشروح في موضعه.

١٥٩ / ٣ - وحديث بريهة النصرانيّ مع هشام بن الحكم معروف، حين وردا المدينة واستأذنا على الصادقعليه‌السلام ، فرأيا موسىعليه‌السلام في الدهليز، فسلّم هشام عليه، وسلّم بريهة، ثمّ أخبرهما بما جاءا له، فطفق يقرأ الإنجيل، فلمّا سمع بريهة ذلك قال: المسيح لقد كان يقرأ كذلك، إيّاك أطلب منذ خمسين عاماً، من هذا؟ فقال هشام: هذا ابن الصادقعليه‌السلام . وكانعليه‌السلام صبياً، فأسلم بريهة على يده قبل الوصول إلى الصادقعليه‌السلام .

وأمثال ذلك كثيرة لا تحصى كثرة.

وأمّا تسخير الريح لسليمانعليه‌السلام ، وهو ما قال الله سبحانه

__________________

(١) سورة آل عمران الآية: ٣٤.

٢ - الاحتجاج: ٤٤٤، ٤٤٥.

(٢) في ع: القاضي بدل ( قاضي القضاة ببغداد ).

٣ - التوحيد: ٢٧٠ / ذيل حديث ١، الامامة والتبصرة: ١٣٩ / ١٥٩.

١٧٢

وتعالى:( وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ ) (١) وإنّ سليمانعليه‌السلام لمّا أراد أن يركب الريح، أمر بفرش البساط ففرش بساطه، ووضع عليه سريره، ووضع الكراسي حول السرير، وجلس وزراؤه وقواده على الكراسي حول السرير، وجلس هو فوق البساط، وأمر الريح بأن تحمل البساط، وتحمل ما فوقه وتسير غدوة مسيرة شهر، وترجع رواحاً مثله.

وإنّ الله تعالى أعطى أئمتناعليهم‌السلام مثل ذلك وما يشابهه وهو ما حدّث به:

١٦٠ / ٤ - معمّر، عن الزهريّ، عن قتادة، عن أنس، قال: كنّا جلوساً في المسجد عند النبيّ (ص)، وقد كان أهدي إليه بساط فقال لي: « ادعُ عليّ بن أبي طالب »عليه‌السلام ، فدعوته، ثمّ أمرني أن أدعو أبا بكر وعمر وجميع أصحابه، فدعوتهم كما أمرني نبيّ الله (ص)، وأمرني أن أبسط البساط فبسطته، ثمّ أقبل على عليّعليه‌السلام فأمره بالجلوس على البساط، وأمر أبا بكر وعمر وعثمان بالجلوس(٢) مع أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فجلست مع من جلس، فلمّا استقرّ بنا المجالس أقبل (ص) على عليّعليه‌السلام وقال: « يا أبا الحسن، قل: يا ريح الصبا، احمليني(٣) ، والله خليفتي عليك وهو حسبي ونعم الوكيل ».

قال أنس: فنادى أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام كما أمره

__________________

(١) سورة سبأ / الآية: ١٢.

٤ - الطرائف: ٨٣ / ١١٦، الخرائج والجرائح ١: ٢١٠، باختصار، سعد السعود: ١١٣، مناقب ابن المغازلي: ٢٣٢ / ٢٨٠، العمدة لابن بطريق: ٣٧٢ / ٧٣٢، احقاق الحق ٤: ١٢٥، عيون المعجزات: ١٤، اثبات الهداة ٢: ٤١٩ / ٥٩ باختصار.

(٢) في ر، ك زيادة: على البساط.

(٣) في م: ارفعينا.

١٧٣

النبيّ (ص)، فو الذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً، ما كان إلاّ هنيهة حتّى صرنا في الهواء، ثمّ نادى: « يا ريح الصبا، ضعيني » فإذا نحن في الأرض، فأقبل عليّ علينا وقال: « يا معشر الناس، أتدرون أين أنتم؟ وبمن قد حللتم؟ » فقلنا: لا.

فقال أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام : « أنتم عند أصحاب الكهف والرقيم، الذين( كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ) (١) فمن أحبّ أن يسلّم على القوم فليقم ». فأوّل من قام أبو بكر، فسلّم على القوم، فلم يردّوا عليه جواباً، ثمّ قام عمر، وسلّم عليهم، فلم يردّوا عليه جواباً، فلم يزالوا يقومون واحداً بعد واحد، ويسلّمون ولم يردّوا عليهم جوابا، إلى أن قام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فنادى: « السلام عليكم أيّتها الفتية، فتية أصحاب(٢) الكهف والرقيم، الذين( كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ) (٣) » فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، أيّها الإمام وابن عم سيّد(٤) الأنام محمد (ص).

فلمّا سمع القوم كلامهم لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، قالوا: يا أبا الحسن، بحقّ ابن عمّك محمّد - (ص) - سل القوم ما بالهم سلّمنا عليهم فلم يردّوا علينا الجواب.

فقالعليه‌السلام : « أيّتها الفتية، ما بالكم لم تردّوا السلام على أصحاب رسول الله (ص)؟ » فقالوا: يا أبا الحسن، قد أُمرنا أن لا نُسلّم إلاّ على نبيّ أو وصي نبيّ، وأنت خير الوصيين، وابن عم خير النبيّين، وأنت أبو الأئمة المهديين، وزوج فاطمة سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، وقائد الغر(٥) المحجلين إلى جنات النعيم.

__________________

(١) تضمين من سورة الكهف / الآية: ٩.

(٢) في ع، ص: أهل.

(٣) تضمين من سورة الكهف / الآية: ٩.

(٤) في هامش ر، هامش ك: أخا.

(٥) الغر: جمع أغر من الغرة وهي بياض في الوجه، ويريد بياض =

١٧٤

فلمّا استتم القوم كلامهم أمرنا بالجلوس على البساط، ثمّ نادى: « يا ريح الصبا، احمليني » فإذا نحن في الهواء. ثمّ نادى: « يا ريح الصبا، ضعيني » فإذا نحن في الأرض.

قال: فوكز الأرض برجله، فإذا نحن بعين ماء، فقال: « يا معاشر الناس، توضوأ للصلاة، فإنّكم تدركون صلاة الفجر(١) ، مع النبيّ » (ص).

قال فتوضأنا، ثمّ أمرنا بالجلوس على البساط فجلسنا ثمّ قال(٢) : « يا ريح الصبا، احمليني، » فإذا نحن في الهواء، ثمّ نادى: « يا ريح الصبا، ضعيني » فإذا نحن في الأرض في مسجد رسول الله (ص)، وقد صلّى ركعة واحدة، فصلّينا معه ما بقي من الصلاة، وما فات بعده، وسلّمنا على النبيّ (ص)، فأقبل بوجهه الكريم علينا، وقال: « يا أنس، أتحدّثني أم أحدّثك؟ » فقلت: الحديث منك أحسن. فحدّثني، حتّى كأنّه كان معنا.

وفي الحديث طول، وقد نظم هذا المعنى بعض الشعراء:

من هو(٣) فوق البساط تحمله الر

يح إلى الكهف والرقيمين

فعاين الفتية الكرام بها

وكلبهم باسط الذراعين

فقال قوما فسلّما سترى

منّي ومن أمرهم عجيبين

فسلّما فلم يجبهما أحد

ولم يكونا هما رشيدين

فسلّم المرتضى فقيل له

لبيك لبيك دون هذين

وأمّا علمه بمنطق الطير، فقد أعطى الله تعالى أئمتناعليهم‌السلام معرفة منطق الطير، ومنطق كلّ شيء، ويدل على ذلك ما رواه:

__________________

= وجوههم. « مجمع البحرين - غرر - ٣: ٤٢٤ ».

(١) في م: الظهر.

(٢) في ص، ك، م: نادى.

(٣) في م: ومر.

١٧٥

١٦١ / ٥ - عبد الله بن سوقة، قال: مرّ بنا الرضاعليه‌السلام ، فاختصمنا في إمامته، فلمّا خرج خرجت أنا وتميم بن يعقوب السرّاج - من أهل الرقّة - ونحن مخالفون له، نرى رأي الزيدية، فلمّا صرنا في الصحراء فإذا نحن بظباء فأومأ أبو الحسنعليه‌السلام إلى خشف منها، فإذا هو قد جاء حتى وقف بين يديه، فأخذه أبو الحسنعليه‌السلام ، فمسح رأسه ودفعه إلى غلامه، وجعل الخشف يضطرب لكي يرجع إلى مرعاه، فكلّمه الرضاعليه‌السلام بكلام لم نفهمه، فسكن، ثمّ قال لي: « يا عبد الله، أو لم تؤمن؟ » قلت: بلى، يا سيّدي، أنت حجّة الله على خلقه، وأنا تائب إلى الله.

ثمّ قال للظبي: « اذهب » فجاء الظبي وعيناه تدمعان، فتمسّح بأبي الحسنعليه‌السلام ورغا(١) ، فقال أبو الحسن: « أتدري ما يقول؟ » قلت: الله ورسوله وابن رسوله أعلم.

قال: يقول: دعوتني فرجوت أن تأكل من لحمي، فأجبتك، وحزنت(٢) حين أمرتني بالذهاب.

١٦٢ / ٦ - وممّا رواه صفوان، عن جابر قال: كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فبرزنا، فإذا نحن برجل قد أضجع جدياً ليذبحه، فصاح الجدي، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « كم ثمن هذا الجدي؟ » فقال: أربعة دراهم، فحلّها من كمّه، ودفعها إليه، فقال: « خلّ سبيله ».

__________________

٥ - الخرائج والجرائح ١: ٣٦٤، اثبات الهداة ٣: ٣٠١، ومدينة المعاجز ٥٠٨ ح ١٢٦.

(١) رغا: صوّت وضج. « لسان العرب - رغا - ١٤: ٣٢٩ ».

(٢) في ر، ع، ص: وحرمتني.

٦ - الخرائج والجرائح ٢: ٦١٦ / ١٥، مدينة المعاجز: ٤٠٥ / ١٧٨، الصراط المستقيم ٢: ١٨٧ / ١٥ مرسلاً وباختصار.

١٧٦

قال: فسرنا، فإذا نحن بصقر قد انقضّ على دراجة، فصاحت الدراجة، فأومأ أبو عبد اللهعليه‌السلام إلى الصقر بمكّة، فرجع عن الدراجة، فقلت: لقد رأيت عجباً من أمرك(١) !

فقال: « نعم، الجدي لمّا أضجعه الرجل ليذبحه وبصر بي قال: أستجير بالله وبكم أهل البيت ( ممّا يراد بي )(٢) وكذلك الدراجة؛ ولو أنّ شيعتنا استقاموا لأسمعتهم منطق الطير ».

١٦٣ / ٧ - وقد حدّث سليمان الجعفريّ، قال: كنت مع الرضاعليه‌السلام في حائط، وأنا أحدّثه إذ جاءه عصفور، فوقع بين يديه، وأخذ يصيح، ويكثر الصياح، ويضطرب، فقال لي: « أتدري ما يقول هذا العصفور؟ » فقلت: الله ورسوله وابن رسوله أعلم قال: « يقول: إنّ حية تريد أن تأكل فراخي في البيت؛ فقم، وخذ تلك السكين والنسعة(٣) ، وادخل البيت واقتل الحيّة.

قال: فقمت، وأخذت النسعة(٤) ، ودخلت البيت، فإذا حيّة تجول في البيت، فقتلتها.

وقد أوردنا في هذا الكتاب حديث الورشان مع الصادق عليه

__________________

(١) في ص: منك ومن أمرك عجباً.

(٢) في جميع النسخ: فلم يراجعني، وما أثبتناه من الخرائج.

٧ - بصائر الدرجات: ٣٥٤ / ١٩، دلائل الامامة: ١٧٢، الخرائج والجرائح ١: ٣٥٩ / ١٢، مناقب ابن شهرآشوب ٣: ٤٤٧، كشف الغمة ٢: ٣٠٥، الصراط المستقيم ٢: ١٩٧، الوسائل ٨: ٣٩١ / ٩، مستدرك الوسائل ١٦: ٢٤ / ١.

(٣، ٤) ورد في بعض النسخ: النشقة، وفي بعضها الآخر: الشمعة وكلاهما تصحيف، وما اثبتناه من الخرائج. والنسعة: هو سير مضفور يجعل زماماً للبعير وغيره. « لسان العرب - نسع - ٨: ٣٥٢ ».

وفي البصائر: النبعة: وهي العصا « لسان العرب - نبع - ٨: ٣٤٥ » ..

١٧٧

السلام(١) ، وحديث الشاة معه(٢) ؛ وحديث الطير وغيرها مع زين العابدينعليه‌السلام ؛(٣) وغير ذلك، فلا نطيل الكتاب بتعدادها.

وأمّا تسخير الجن والشياطين، وهو كما قال الله تعالى في كتابه العزيز في غير موضع:( فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ. وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ. وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ ) (٤) .

وقال تعالى:( وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ. يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ ) (٥) .

وقد سخر الله تعالى له الجنّ والشياطين حتّى انقادوا له، وأطاعوه، وعملوا بإذنه، وبأمره، واستسلموا لحكمه مذعنين.

وقد تهيّأ لأئمتناعليهم‌السلام ما يشاكل(٦) ذلك ويحاكيه، وهو ما حدّث به:

١٦٤ / ٨ - عيسى بن مهران(٧) ، قال: كان رجل من أهل خراسان ممّا وراء النهر، وكان موسراً، محبّا لأهل البيتعليهم‌السلام ، وكان يحجّ كلّ سنة، وقد وظّف على نفسه لأبي عبد الله الصادقعليه‌السلام في كلّ سنة ألف دينار من ماله، وكانت تحته ابنة عم له، تساويه في

__________________

(١) يأتي في المنقبة: ٣٢٠: ٣٩٠.

(٢) يأتي في المنقبة: ٣٦٠: ٤٢٥.

(٣) يأتي في المنقبة: ٣٢٠: ٣٩٠.

(٤) سورة ص / الآيات: ٣٦، ٣٧، ٣٨.

(٥) سورة سبأ الآية: ١٢، ١٣.

(٦) في ص: ما يشابه.

٨ - الخرائج والجرائح ٢: ٦٢٧، وعنه في إثبات الهداة ٣: ١١٨ / ١٤٨، مدينة المعاجز: ٣٨٦ / ٩١.

(٧) في ر، ك، م: عيسى بن هارون، وما أثبتناه هو الصحيح، راجع « رجال النجاشي: ٢٩٧ / ٨٠٧ »

١٧٨

اليسار والديانة، فقالت في بعض السنين: يا ابن عم، حجّ بي في هذه السنة. فأجابها إلى ذلك، فتجهزوا(١) للحجّ، وحملت لعيال أبي عبد اللهعليه‌السلام وبناته من فواخر ثياب خراسان، ومن الجواهر والبز(٢) أشياء كثيرة خطيرة، وصيّر زوجها ألف دينار التي أعدها في كيس لأبي عبد اللهعليه‌السلام ، وصيّر الكيس في ربعة(٣) فيها حلي وطيب.

فلمّا ورد المدينة صار إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فسلّم عليه، وأعلمه أنّه حجّ بأهله، وسأله الإذن لها في المصير إلى منزله، للتسليم على أهله وبناته، فأذن لها أبو عبد اللهعليه‌السلام ، فصارت إليهم، وقرّبت ما حملت إليهن، فأقامت يوماً عندهنّ وانصرفت.

فلمّا كان من الغد قال لها زوجها: أخرجي تلك الربعة لنسلّم الألف إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام . فقالت: هي في موضع كذا. فأخرجها، وفتح القفل، فلم يجد الدنانير، وكان فيها حليها(٤) وثيابها، فاستقرض ألف دينار من أهل بلده ورهن الحلي بها، وصار إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فقال له: « قد وصلت الألف إلينا ».

قال: وكيف ذلك؟ وما علم غيري بمكانها، وغير ابنة عمي!

قال: « مسّتنا ضيقة، فوجّهنا من أتى بها، من شيعتي من الجنّ، فإنّي كلّما أريد أمرا بعجلة أبعث أحدا منهم ».

فزاد ذلك في بصيرة الرجل وسرّ به واسترجع الحلي ممّن رهنه ثمّ انصرف إلى منزله، فوجد امرأته تجود بنفسها، فسأل عن خبرها،

__________________

(١) في ع، ص: فتجهزت.

(٢) البز: ضرب من الثياب « لسان العرب - بزز - ٥: ٣١٠ ».

(٣) الربعة: سُليلة مستديرة مغشاة بالجلد، يحفظ العطار فيها الطيب، ويقال لها الجونة، انظر « لسان العرب - ربع - ٨: ١٠٧ ».

(٤) في ك، م: طيبها.

١٧٩

فقالت جويرتها: أصابها وجع في فؤادها في(١) هذه الحالة. فغمّضها وسجّاها، وشدّ حنكها وتقدم في إصلاح ما تحتاج إليه من الكفن والكافور وحفر قبرها، وصار إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام وأخبره، وسأله أن يتفضّل بالصلاة عليها.

فصلّى أبو عبد اللهعليه‌السلام ركعتين ودعا ثمّ قال للرجل: « انصرف إلى رحلك، فإنّ أهلك(٢) لم تمت، وستجدها في رحلك، تأمر وتنهى، وهي في حال سلامة ».

فرجع الرجل، فأصابها كما وصف أبو عبد اللهعليه‌السلام ، وخرج يريد مكّة، وخرج أبو عبد اللهعليه‌السلام يريد الحجّ فبينما المرأة تطوف إذ رأت أبا عبد الله يطوف بالبيت، والناس قد حفّوا به، فقالت لزوجها: من هذا الذي حفّ به الناس؟ قال: هو أبو عبد اللهعليه‌السلام .

قالت: والله، هذا الرجل الذي رأيته يشفع إلى الله تعالى حتّى ردّ روحي في جسدي.

١٦٥ / ٩ - عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن سدير البصريّ(٣) الصيرفيّ، قال: أوصاني أبو جعفرعليه‌السلام بحوائج له بالمدينة. قال: فبينا أنا في الروحاء(٤) على راحلتي إذا إنسان يلوي ثوبي(٥) ،

__________________

(١) في الخرائج: فهي على.

(٢) في ع، ص: امرأتك.

٩ - بصائر الدرجات: ١١٦ / ٢، الخرائج والجرائح ٢: ٨٥٣ / ٦٨، عيون المعجزات: ٨٤ باختلاف فيه.

(٣) في النسخ كلها: سدير البصري الصيرفي. والمذكور في ترجمته أنه كوفي، انظر « معجم رجال الحديث ٨: ٣٤ ».

(٤) الروحاء: موضع على نحو أربعين ميلاً من المدينة « معجم البلدان ٣: ٧٦، مراض الاطلاع ٢: ٦٣٧ ».

(٥) في الخرائج: يلوّح بثوبه.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697