الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب0%

الثاقب في المناقب مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 697

الثاقب في المناقب

مؤلف: ابن حمزة الطوسي
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف:

الصفحات: 697
المشاهدات: 188698
تحميل: 6904

توضيحات:

الثاقب في المناقب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 697 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 188698 / تحميل: 6904
الحجم الحجم الحجم
الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
العربية

فقلت: « الله ورسوله أعلم ».

فقال (ص): « أمّا الهاتف فحبيبي جبرئيلعليه‌السلام ، وأمّا الإبريق فمن الجنّة، وأمّا الماء فثلث من المشرق، وثلث من المغرب، وثلث من الجنّة ». فهبط جبرئيلعليه‌السلام فقال: يا رسول الله، الله يقرئك السلام ويقول لك: أقرئ عليّاً السلام مني، وقل: إنّ فضة كانت حائضا.

فقال النبيّ (ص): « منه السلام، وإليه يردّ السلام، وإليه يعود طيب الكلام »(١) . ثمّ التفت إلى عليّعليه‌السلام فقال: « حبيبي عليّ، هذا جبرئيل أتانا من عند ربّ العالمين، وهو يقرئك السلام ويقول: إنّ فضة كانت حائضا. فقال عليّعليه‌السلام : « اللهمّ بارك لنا في فضّتنا ».

وآياتهعليه‌السلام أكثر من أن تحصى، أو يحصرها كتاب، أو يتضمنها خطاب، وقد اقتصرنا على القليل مخافة التطويل.

__________________

(١) في م: السلام.

٢٨١

٢٨٢

الباب الرابع

في آيات سيدة النساء فاطمة الزهراءعليها‌السلام

وفيه ستة فصول

٢٨٣

٢٨٤

١ - فصل:

في ذكر آياتها وهي في بطن أمّها

وفيه: حديثان

٢٤٤ / ١ - عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: لمّا تزوجت خديجة بنت خويلد، رسول الله (ص) هجرها نسوان مكّة، وكنّ لا يكلمنها، ولا يدخلن عليها، فلمّا حملت(١) بالزهراء فاطمةعليها‌السلام كانت إذا خرج رسول الله (ص) من منزلها تكلمها فاطمة الزهراء في بطنها من ظلمة الأحشاء، وتحدّثها وتؤانسها، فدخل رسول الله (ص) فقال لها: « يا خديجة من تكلمين؟ » قالت: يا رسول الله، إنّ الجنين الذي أنا حامل به إذا أنا خلوت به في منزلي كلّمني، وحدّثني من ظلمة الأحشاء.

فتبسّم رسول الله (ص) ثمّ قال: « يا خديجة، هذا أخي جبرئيلعليه‌السلام يخبرني أنّها ابنتي، وأنّها النسمة الطاهرة المطهّرة، وأنّ الله تعالى أمرني أن أسمّيها ( فاطمة ) وسيجعل الله تعالى من ذرّيتها أئمة يهتدي بهم المؤمنون ».

__________________

١ - أمالي الصدوق: ٤٧٥، المناقب لابن شهرآشوب ٣: ٣٤٠، روضة الواعظين: ١٤٣، كلها مع اختلاف فيه، الخرائج والجرائح ٢: ٥٢٤ / ١، دلائل الإمامة: ٨، ينابيع المودة: ١٩٨، ملحقات احقاق الحق ١٩: ٤، معالم الزلفى: ٣٩٠ نحوه.

(١) في م: حبلت.

٢٨٥

ففرحت خديجة بذلك، فلمّا أن حضر وقت ولادتها أرسلت إلى نسوان مكّة أن: يتفضلن ويحضرن ولادتي ليلين منّي ما تلي النساء من النساء، فأرسلن إليها: يا خديجة، أنت عصيتنا ولم تقبلي منّا قولنا، وتزوجت فقيراً لا مال له، فلسنا نجيء إليك، ولا نلي منك ما تلي النساء من النساء.

فاغتمّت خديجة رضي الله عنها غمّاً شديداً، فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة كأنّهن من نسوة قريش، فقالت إحداهن: يا خديجة، لا تحزني فأنا آسية بنت مزاحم، وهذه صفيّة(١) بنت شعيب.

وفي رواية أخرى: كلثم بنت عمران أخت موسىعليه‌السلام - وهذه سارة زوجة إبراهيمعليه‌السلام .

وهذه مريم بنت عمرانعليه‌السلام ؛ وقد بعثنا الله تعالى إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء. وجلسن حولها، ووضعت الزهراء فاطمةعليها‌السلام طاهرة ومطهرة.

٢٤٥ / ٢ - قال ابن عبّاس: لمّا سقطت فاطمة الزهراء إلى الأرض أزهرت الأرض، وأشرقت الفلوات، وأنارت الجبال والربوات، وهبطت الملائكة إلى الأرض ونشرت أجنحتها في المشرق والمغرب، وضربت عليها سرادقات وحجب البهاء، وكنفتها بأظلة السماء، وغشي أهل مكّة ما غشيهم من النور، ودخل رسول الله (ص) إلى خديجة وقال: « يا خديجة، لا تحزني، إن كان قد هجرك نسوان مكّة ولن يدخلن عليك، فلينزلن عندك اليوم نسوان بهجات عطرات غنجات، ينقدح في أعلاهن

__________________

(١) في ك: صفوراً.

٢ - أمالي الصدوق: ٤٧٥ / ١، روضة الواعظين: ١٤٤. دلائل الامامة: ٨، مناقب ابن شهرآشوب ٣: ٣٤٠ ( نحوه وفيه عن الصادقعليه‌السلام ). العدد القوية: ٢٢٢ / ١٥، غاية المرام: ١٧٧ / ٥٣، معالم الزلفى: ٣٩١، ملحقات احقاق الحق ١٩: ٤، ينابيع المودة: ١٩٨.

٢٨٦

نور يستقبل استقبالاً ويلتهب التهاباً، وتفوح منهن رائحة تسرّ أهل مكّة جميعاً » فسلمت الجواري فأحسن وحيين فأبلغن - في حديث طويل - حتّى وليت كلّ واحدة من حملها وغسلها - في الطشت الذي كان معهن - وتفشها بالمنديل وتخليقها وتقميطها(١) ، فلمّا فرغن عرجن إلى السماء مثنيات عليها.

وفي رواية أخرى أنّ المرأة التي بين يدي خديجة غسّلتها بماء الكوثر، وأخرجت خرقتين بيضاوين أشدّ بياضاً من اللبن، وأطيب رائحة من المسك والعنبر، فلفّتها بواحدة، وقنعتها بالثانية(٢) ، ثمّ استنطقتها فنطقتعليها‌السلام بالشهادة، فقالت: « أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ أبي محمّداً رسول الله، وأنّ علياً سيّد الأوصياء، وولدي سادة الأسباط » ثمّ سلّمت عليهن وسمّت كلّ واحدة منهن باسمها، وأقبلن فضحكن إليها.

وتباشرت الحور العين، وبشّر أهل السماوات بعضهم بعضاً بولادة فاطمةعليها‌السلام ، وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك، وقالت النسوة: خذيها يا خديجة طاهرة، مطهرة، زكية ميمونة، بورك لك فيها، وفي نسلها.

فتناولتها فرحة مستبشرة وألقمتها ثديها فدرّ عليها، وكانتعليها‌السلام تنمو في اليوم كما ينمو الصبي في الشهر، وتنمو في الشهر كما ينمو الصبي في السنة.

__________________

(١) في ك، م: وتقميصها.

(٢) في ر: بأخرى.

٢٨٧

٢ - فصل:

في بيان آياتها بإنزال الملك من السماء بتزويجها

وفيه: حديث واحد

٢٤٦ / ١ - عن الأعمش، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله (ص): « كنت يوماً جالساً في المسجد إذ هبط عليَّ ملك له عشرون رأساً، فوثبت لأقبّل رأسه، فقال: مه يا أحمد، أنت أكرم على الله تعالى من أهل السماوات وأهل الأرض أجمعين. وقبّل الملك رأسي ويدي، فظننته جبرئيلعليه‌السلام ، فقلت: حبيبي جبرئيل، ما هذه الصورة التي لم تهبط عليَّ بمثلها؟ قال: ما أنا بجبرئيل، ولكني ملك، يقال لي ( محمود ) وبين كتفي مكتوب: لا إله إلا الله، محمّد رسول الله.

وفي رواية: عليّ وليّه ووصيّه.

بعثني أن أزوج النور من النور. قلت: مَن النور؟ قال: فاطمة من عليّ، وهذا جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وإسماعيل صاحب سماء الدنيا، وسبعون ألفاً من الملائكة قد حضروا ».

__________________

١ - أمالي الصدوق: ٤٧٤ / ١٩، مناقب ابن المغازلي: ٣٤٤ / ٣٩٦، دلائل الإمامة: ١٩ قطعة منه، روضة الواعظين: ١٤٦ قطعة منه، مناقب الخوارزمي: ٢٤٥، مائة منقبة لابن شاذان: ٦١ منقبة ١٥ عنه معالم الزلفى: ٤١١، مدينة المعاجز: ١٥٨ / ٤٣٦، كشف الغمة ١: ٣٥٢.

٢٨٨

فقال النبيّ (ص) لعليّعليه‌السلام : « قد زوجتك على ما زوجك الله من فوق سبع سماوات، فخذها إليك ».

ثمّ التفت النبيّ (ص) إلى محمود وقال: « منذ كم كتب هذا بين كتفيك؟ » قال: من قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام.

قال: فناوله جبرئيل قدحاً فيه خلوق من خلوق الجنّة، وقال: حبيبي يا محمّد، مر فاطمة أن تلطخ رأسها وبدنها من هذا الخلوق.

فكانت فاطمةعليها‌السلام إذا حكّت رأسها أو بدنها شمّ أهل المدينة رائحة الخلوق.

٢٨٩

٣ - فصل:

في بيان(*) آياتها مع الرحى

وفيه: ثلاثة أحاديث

٢٤٧ / ١ - عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: « بعث رسول الله (ص) إلى فاطمةعليها‌السلام بمكيال فيه تمر مع أبي ذررحمه‌الله تعالى.

قال أبو ذر: فأتيت الباب، وقلت: السلام عليكم. فلم يجبني أحد، فظننت أن فاطمةعليها‌السلام بحال الرحى فلم تسمع، ففتحت الباب وإذا فاطمةعليها‌السلام نائمة والحسين يرتضع، والرحى تدور.

قال أبو ذر: فأتيت رسول الله (ص)، فقلت: يا رسول الله، أتوب إلى الله ممّا صنعت إني أتيت أمراً عظيماً.

فقال رسول الله (ص): « وما أتيت يا أبا ذر؟ » فقصّ عليه ما كان، فقال رسول الله (ص): « ضعفت فاطمة فأعانها الله على دهرها ».

٢٤٨ / ٢ - عن أبي جعفر الثانيعليه‌السلام ، قال: « بعث رسول

__________________

(*) في ع، ك: ظهور.

١ - مناقب ابن شهرآشوب ٣: ٣٣٧ نحوه، الخرائج والجرائح ٢: ٥٢٧ قطعة منه، ملحقات احقاق الحق ١٠: ٣١٦ نحوه.

٢ - مناقب ابن شهرآشوب ٣: ٣٧٣، دلائل الإمامة: ٤٨،

٢٩٠

الله (ص) سلمانرضي‌الله‌عنه إلى فاطمةعليها‌السلام لحاجة.

قال سلمان: وقفت بالباب وقفة حتّى سلّمت فسمعت فاطمة تقرأ القرآن خفاء، والرحى تدور من بر، ما عندها أنيس.

قال: فعدت إلى رسول الله (ص) وقلت: يا رسول الله، رأيت أمراً عظيماً. فقال: « وما هو يا سلمان؟ تكلم بما رأيت ».

قلت: وقفت بباب ابنتك يا رسول الله، فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من خفاء، والرحى تدور من بر، وما عندها أنيس! فتبسّم (ص) وقال: « يا سلمان إن ابنتي فاطمةعليها‌السلام ملأ الله قلبها وجوارحها إيماناً ويقيناً إلى ما شاء، ففزعت لطاعة ربّها، فبعث الله ملكاً اسمه روفائيل(١) - وفي موضع آخر: رحمة - فأدار لها الرحى، فكفاها الله مؤونة الدنيا والآخرة ».

٢٤٩ / ٣ - عن أسامة بن زيد، قال: افتقد رسول الله (ص) ذات يوم عليّاً، فقال: « اطلبوا إليّ أخي في الدنيا والآخرة، اطلبوا إليّ فاصل الخطوب، اطلبوا إليّ المحكّم في الجنّة في اليوم المشهود اطلبوا إليّ حامل لوائي في المقام(٢) المحمود ».

قال أسامة: فلما سمعت من رسول الله (ص) ذلك بادرت إلى باب عليّ، فناداني رسول الله (ص) من خلفي: « يا أسامة، عجّل عليَّ بخبره » وذلك بين الظهر والعصر، فدخلت فوجدت عليّاً كالثوب(٣) الملقى لاطياً بالأرض، ساجداً يناجي الله تعالى، وهو يقول: « سبحان الله الدائم، فكّاك المغارم، رزّاق البهائم، ليس له في ديمومته ابتداء، ولا زوال ولا انقضاء » فكرهت أن أقطع عليه ما هو فيه حتّى يرفع

__________________

(١) في ع: روقايل.

٣ - عنه في معالم الزلفى: ٤١٥.

(٢) في م: اليوم.

(٣) في ص: كالتراب.

٢٩١

رأسه، وسمعت أزيز الرحى فقصدت نحوها لأسلّم على فاطمة وأخبرها بقول رسول الله (ص) في بعلها، فوجدتها راقدة على شقّها الأيمن، مخمرة وجهها بجلبابها - وكان من وبر الإبل - وإذا الرحى تدور بدقيعها، وإذا كفّ يطحن عليها برفق، وكفّ أخرى تلهي الرحا، لها نور، لا أقدر أن أملي عيني منها، ولا أرى إلاّ اليدين(١) بغير أبدان، فامتلأت فرحا بما رأيت من كرامة الله لفاطمةعليها‌السلام .

فرجعت إلى رسول الله (ص) وتباشير الفرح في وجهي بادية، وهو في نفر(٢) من أصحابه، قلت: يا رسول الله، انطلقت أدعو عليّاً، فوجدته كذا وكذا، وانطلقت نحو فاطمةعليها‌السلام فوجدتها راقدة على شقّها الأيمن، ورأيت كذا وكذا!

فقال: « يا أسامة، أتدري من الطاحن، ومن الملهي لفاطمة؟ إنّ الله قد غفر لبعلها بسجدته سبعين مغفرة، واحدة منها لذنوبه ما تقدّم منها وما تأخر، وتسعة وستين مذخورة لمحبّيه، يغفر الله بها ذنوبهم يوم القيامة، وإنّ الله تعالى رحم ضعف فاطمة لطول قنوتها بالليل، ومكابدتها للرحى والخدمة في النهار، فأمر الله تعالى وليدين من الولدان المخالدين أن يهبطا في أسرع من الطرف، وإنّ أحدهما ليطحن، والآخر ليلهي رحاها.

وإنّما أرسلتك لترى وتخبر بنعمة الله علينا، فحدِّث، يا أسامة لو تبديا لك لذهب عقلك من حسنهما، وإنّما سألتني خادماً فمنعتها(٣) ، فأخدمها الله بذلك سبعين ألف ألف وليدة في الجنّة، الذين رأيت منهن، وإنا من أهل بيت اختار الله لنا الآخرة الباقية على الدنيا الفانية ».

__________________

(١) في ع: الأيدي.

(٢) في ص، ع: جماعة.

(٣) في ش: فرفضتها.

٢٩٢

٤ - فصل:

في بيان ظهور آياتها مع القدر والنار

وفيه: حديث واحد

٢٥٠ / ١ - عن حمّاد بن سلمة، عن حميد الطويل، عن أنس، قال: سألني الحجّاج بن يوسف عن حديث عائشة، وحديث القدر التي رأت فاطمة بنت رسول الله (ص) وهي تحركها بيدها، قلت: نعم، أصلح الله الأمير، دخلت عائشة على فاطمةعليها‌السلام وهي تعمل للحسن والحسينعليهما‌السلام حريرة بدقيق ولبن وشحم، في قدر، والقدر على النار يغلي ( وفاطمة صلوات الله عليها )(١) تحرك ما في القدر بإصبعها، والقدر على النار يبقبق(٢) ، فخرجت عائشة فزعة مذعورة، حتّى دخلت على أبيها، فقالت: يا أبه، إنّي رأيت من فاطمة الزهراء أمرا عجيبا، رأيتها وهي تعمل في القدر، والقدر على النار يغلي، وهي تحرك ما في القدر بيدها! فقال لها: يا بنية، اكتمي، فإنّ هذا أمر عظيم.

فبلغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فصعد المنبر، وحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: « إنّ الناس يستعظمون ويستكثرون ما رأوا من القدر والنار، والذي بعثني بالرسالة واصطفاني بالنبوة، لقد حرّم الله تعالى النار على لحم

__________________

(١) في راء وهي.

(٢) البقبقة: حكاية صوت القدر في غليانه « تاج العروس - بق - ٦: ٢٩٧ ».

٢٩٣

فاطمة ودمها وشعرها وعصبها، وفطم من النار ذرّيتها وشيعتها، إنّ من نسل فاطمة من تطيعه النار والشمس والقمر والنجوم والجبال، وتضرب الجنّ بين يديه بالسيف، وتوافي إليه الأنبياء بعهودها، وتسلّم إليه الأرض كنوزها، وتنزّل عليه من السماء بركات ما فيها، الويل لمن شك في فضل فاطمة، لعن الله من يبغض بعلها ولم يرض بإمامة ولدها، إنّ لفاطمة يوم القيامة موقفا، ولشيعتها موقفا، وإنّ فاطمة تدعى فتلبي(١) ، وتشفع فتشفّع على رغم كلّ راغم ».

__________________

(١) في ش، ص، ع: وتكسى.

٢٩٤

٥ - فصل:

في بيان آياتها فيما أنزل عليها من السماء

وفيه: ثلاثة أحاديث

٢٥١ / ١ - عن زينب بنت عليّعليهما‌السلام ، قالت: صلّى رسول الله (ص) صلاة الفجر، ثمّ أقبل بوجهه الكريم على عليّعليه‌السلام ، فقال: « هل عندكم طعام؟ » فقال: « لم آكل منذ ثلاثة أيّام طعاما، وما تركت في منزلي طعاماً ».

قال: « امض بنا إلى فاطمة » فدخلا عليها وهي تتلوى من الجوع، وابناها معها، فقال: « يا فاطمة، فداك أبوك، هل عندك طعام؟ » فاستحيت فقالت: « نعم » فقامت وصلّت؛ ثمّ سمعت حسّا فالتفتت فإذا بصحفة ملأى ثريداً ولحماً، فاحتملتها فجاءت بها ووضعتها بين يدي رسول الله (ص)، فجمع عليّاً وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وجعل عليّ يطيل النظر إلى فاطمة، ويتعجّب، ويقول: « خرجت من عندها وليس عندها طعام، فمن أين هذا؟ »

ثمّ أقبل عليها فقال: « يا بنت رسول الله،( أَنَّى (١) لَكِ هذا؟ ) »

__________________

١ - مناقب ابن شهرآشوب ٣: ٣٣٩، باختصار، عنه معالم الزلفى: ٤٠٦، عنه مدينة المعاجز: ٥٤ / ١٠٩.

(١) في ع: من أين.

٢٩٥

قالت:( هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) (١) .

فضحك النبي (ص) وقال: « الحمد لله الذي جعل في أهلي نظير زكريا ومريم إذ قال لها:( أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) (٢) ».

فبينما هم يأكلون إذ جاء سائل بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل البيت، أطعموني ممّا تأكلون. فقال (ص): « اخسأ اخسأ » ففعل ذلك ثلاثا، وقال عليّعليه‌السلام : « أمرتنا أن لا نرد سائلاً، من هذا الذي أنت تخسأه؟ » فقال: « يا عليّ، إنّ هذا إبليس، علم أنّ هذا طعام الجنّة، فتشبّه بسائل لنطعمه منه ».

فأكل النبيّ (ص) وعليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام حتّى شبعوا، ثمّ رفعت الصفحة، فأكلوا من طعام الجنّة في الدنيا.

٢٥٢ / ٢ - عن جابر بن عبد الله الأنصاريّرضي‌الله‌عنه ، قال: إنّ رسول الله (ص) أقام أيّاما لم يطعم فيها طعاما حتّى شقّ عليه ذلك، فطاف(٣) في ديار أزواجه فلم يصب عند إحداهن شيئاً، فأتى فاطمةعليها‌السلام ، فقال: « يا بنية، هل عندك شيء آكله، فإنّي جائع؟ » قالت: « لا والله ».

فلمّا خرج بعثت جارية لها برغيفين وبضعة لحم، فأخذته ووضعته في جفنة وغطّت عليها وقالت: « والله لأوثرن بها رسول الله (ص) على نفسي، وعلى غيري ». وكانوا محتاجين إلى شبعة طعام، فبعثت حسناً وحسيناً إلى رسول الله (ص).

فرجع إليها، فقالت: « قد أتاني الله بشيء فخبّأته لك » فقال:

__________________

(١) سورة آل عمران / الآية: ٣٧.

(٢) سورة آل عمران / الآية: ٣٧.

٢ - الخرائج والجرائح ٢: ٥٢٨، مناقب ابن شهرآشوب ٢: ٣٣٩، قطعة منه، مقتل الخوارزمي: ٥٨، فرائد السمطين ٢: ٥١، نحوه.

(٣) في ر: فصار يدور.

٢٩٦

« هلمي يا بنية » فكشف الجفنة، فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً، فلمّا نظرت إليها بهتت، وعرفت أنّه من عند الله تعالى، فحمدت الله تعالى، وصلّت على أبيها، وقدّمته إليه، فلمّا رآه حمد الله وقال:( أَنَّى لَكِ هذا؟ ) » قالت:( هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) (١) .

فبعث رسول الله (ص) إلى عليّ، ثمّ أكل رسول الله (ص) وعليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وجميع أزواج النبيّ (ص) حتّى شبعوا.

قالت فاطمةعليها‌السلام : « وبقيت الجفنة كما هي، فأوسعت منها على الجيران، وجعل الله فيها بركة وخيراً كثيراً ».

٢٥٣ / ٣ - عن عاصم بن الأحول، عن زر بن حبيش، عن سلمان الفارسيّرضي‌الله‌عنه ، قال: خرجت من منزلي يوما بعد وفاة رسول الله (ص) فلقيني(٢) عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال لي: « يا سلمان، جفوتنا بعد وفاة رسول الله (ص)؟ ».

فقلت: حبيبي يا أمير المؤمنين، مثلك لا يخفى عليه، غير أنّ حزني على رسول الله (ص) هو الذي منعني من زيارتكم. فقال لي: « يا سلمان، ائت منزل فاطمة فإنّها إليك مشتاقة، وتريد أن تتحفك بتحفة قد أتحفت بها من الجنّة.

قال سلمان: قلت: يا أمير المؤمنين أتحفت(٣) بتحفة من الجنّة بعد وفاة رسول الله (ص)؟! » قال: « نعم يا سلمان ».

قال: فهرولت هرولة إلى منزل فاطمةعليها‌السلام ، وقرعت

__________________

(١) سورة آل عمران / الآية: ٣٧.

٣ - الخرائج والجرائح ٢: ٥٣٣، مهج الدعوات: ٦، معالم الزلفى: ٤٠٦.

(٢) في ش، ص، ع: فرأيت.

(٣) في ر: أتتحفي.

٢٩٧

الباب، فخرجت إليَّ فضّة فأذنت لي، فدخلت وإذا فاطمة جالسة، وعليها عباءة قد اعتجرت(١) بها واستترت، فلمّا رأتني قالت: « يا سلمان، اجلس واعقل واعلم أنّي كنت جالسة بالأمس مفكّرة في وفاة رسول الله (ص)، والحزن يتردد في صدري، وقد كنت رددت باب حجرتي بيدي، فانفتح من غير أن يفتحه أحد، وإذا أنا بأربع(٢) جواري، فدخلن عليَّ، لم ير الراؤن بحسنهن ونظارة وجوههن، فلمّا دخلن قمت إليهن مستنكرة لهن، فقلت: أنتن من أهل المدينة أم من أهل مكّة؟ فقلن: لا من أهل المدينة، ولا من أهل مكّة، ولا من أهل الأرض، نحن من الحور العين، أرسلنا إليك ربّ العالمين يا ابنة رسول الله لنعزّيك بوفاة رسول الله (ص) ».

قالت فاطمةعليها‌السلام : « فقلت لإحداهن: ما اسمك؟ قالت: ذرّة. قلت: حبيبتي لِمَ سمّيت ذرّة؟ قالت: سمّيت ذرة لأبي ذر الغفاريّ، صاحب أبيك رسول الله (ص).

فقلت للأخرى: وأنت ما اسمك؟ قالت: أنا سلمى. فقلت: لِمَ سمّيت سلمى؟ قالت: لأني لسلمان الفارسيّ، صاحب رسول الله (ص).

وقلت للأخرى: ما اسمك؟ قالت: مقدودة. فقلت: حبيبتي، ولِمَ سمّيت مقدودة؟ قالت: لأنّي للمقداد بن الأسود الكنديّ، صاحب رسول الله (ص).

فقلت للأخرى: ما اسمك؟ قالت: عمّارة. قلت: ولِمَ سمّيت عمّارة؟ قالت: لأنّي لعمّار بن ياسر، صاحب رسول الله (ص).

فأهدين إليّ هدية، أخبأت لك منها » ثمّ أخرجت لي طبقاً

__________________

(١) اعتجرت: لفت رأسها. « النهاية ٣: ١٨٥ ».

(٢) في ك، م: بثلاث.

٢٩٨

أبيض، فيه رطب أكبر من الخشكنانج(١) ، أبيض من الثلج، وأذكى من المسك، وأعطتني منها عشر(٢) رطبات، عجزت عن حملها، فقالت: « كلهن عند إفطارك، وعد إليَّ بعجمهن ».

قال سلمان: فخرجت من عندها أريد منزلي، فما مررت بأحد ولا بجمع من أصحاب رسول الله (ص) إلاّ قالوا: يا سلمان، رائحة المسك الأذفر معك.

قال سلمان: كتمت أنّ معي شيئاً حتّى أتيت منزلي، فلمّا كان وقت الإفطار أفطرت عليهن، فلم أجد لهن عجماً، فغدوت(٣) إلى فاطمة، وقرعت الباب عليها، فأذنت لي بالدخول، فدخلت وقلت: يا بنت رسول الله؛ أمرتني أن آتيك بعجمته، وأنا لم أجد لها عجماً! فتبسّمت، ولم تكن ضحكتعليها‌السلام .

ثمّ قالت: « يا سلمان، هي من نخيل غرسها الله تعالى لي في دار السلام بدعاء علمنيه أبي رسول الله (ص) كنت أقوله غدوة(٤) وعشيّة » قلت: علميني الكلام سيدتي.

قالت: « إن سرّك أن تلقى الله تعالى وهو عنك راض غير غضبان، ولا تضرّك وسوسة الشيطان ما دمت حيّاً، فواظب عليه ».

وفي رواية أخرى: « إن سرّك أن لا تمسّك الحمّى ما عشت في دار الدنيا، فواظب عليه، » فقال سلمان: فقلت: علميني. قالتعليها‌السلام :

« بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله النور، بسم الله نور النور،

__________________

(١) الخشكنانج: خبزة تصنع من خالص دقيق الحنطة وتملأ بالسكر واللوز أو الفستق وتقلى، فارسية. « المعجم الوسيط ١: ٢٣٦ ».

(٢) في ك، م: خمس.

(٣) في ص: فعدت.

(٤) في م: بكرة.

٢٩٩

بسم الله نور على نور، بسم الله الذي هو مدبر الأمور، بسم الله الذي خلق النور من النور، الحمد لله الذي خلق النور من النور، وأنزل النور على الطور، في كتاب مسطور، في رق منشور، والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور بقدر مقدور على نبيّ محبور، الحمد لله(١) الذي هو بالعز مذكور، وبالخير مشهور، وعلى السرّاء والضرّاء مشكور »(٢) .

قال سلمان: فتعلمته، وقد لقّنت أكثر من ألف نفس من أهل المدينة ومكّة ممّن بهم علل الحمّى، وكلّهم برئوا بإذن الله تعالى.

وفي رواية أخرى: في شكوى ووسوسة الشيطان، وقد نزلعليها‌السلام الرزق من السّماء، وكثيراً ما تدور الرحى في بيتها وهي نائمة أو مشتغلة بأمر آخر، والرّواية فيها متظافرة.

__________________

(١) في ش، ص، ع، م: بسم الله.

(٢) إلى هنا وقد انتهت مقابلتي مع نسخه (ع) والباقي ساقط.

٣٠٠