الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب0%

الثاقب في المناقب مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 697

الثاقب في المناقب

مؤلف: ابن حمزة الطوسي
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف:

الصفحات: 697
المشاهدات: 188676
تحميل: 6904

توضيحات:

الثاقب في المناقب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 697 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 188676 / تحميل: 6904
الحجم الحجم الحجم
الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
العربية

٢ - فصل:

في بيان ظهور آياته فيما أخبر به من حديث النفس

وفيه: ثمانية أحاديث

٣٢٦ / ١ - عن حمران بن أعين، قال: كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام وأبو هارون المكفوف جالس بحذائه، إذ اختصم إليه رجلان، فنظر أبو عبد اللهعليه‌السلام إلى أبي هارون وقال: « كذبت، إنّ كلامهما بين يدي ربّ العزة » قال: فمن أين علمت جعلت فداك؟! قال: « من الجاري الذي يجري منك مجرى الدم واللحم ».

٣٢٧ / ٢ - معمّر الزيّات، قال: كنت أطوف بالبيت وأبو عبد اللهعليه‌السلام في الطواف، فنظرت إليه وقلت في نفسي: هل طاعته مفروضة على الناس، والله ما هو بأطول الناس، ولا بأجمل(١) الناس فما لبث أن مرّ بي ووضع يده بين كتفي ثمّ قال: «( أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ ) (٢) فجازني ثمّ أتاني أصحابنا فقالوا: ما الذي قال لك؟ قلت: نعم، كذا وكذا، وما هو إلاّ كما قلت في نفسي.

__________________

١ - عنه في مدينة المعاجز: ٤٠٩ / ٩٧.

٢ - بصائر الدرجات: ٢٦٠ / ٢١، دلائل الإمامة: ١٣٩، الخرائج والجرائح ٢: ٧٣٤ / ٤٤، مدينة المعاجز: ٤٠٩ / ١٩٧ عن كتابنا هذا.

(١) في م: بأجل.

(٢) سورة القمر الآية: ٢٤.

٤٠١

٣٢٨ / ٣ - عن هشام بن الأحمر، قال: دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام وهو في ضيعته في يوم شديد الحر والعرق يسيل على وجهه(١) ، وأنا أريد أن أسأله عن المفضّل بن عمر الجعفيّ فابتدأني، وقال: « نعم، الرجل والله المفضل بن عمر الجعفيّ » حتّى أحصيت بضعاً وثلاثين مرة.

٣٢٩ / ٤ - عن خالد بن نجيح، قال: دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام وعنده خلق، فقنعت رأسي وجلست في ناحية وقلت في نفسي: ويحكم ما أغفلكم، عند من تتكلمون؟ عند ربّ العالمين.

قال: فناداني: « ويحك يا خالد، أنا والله عبد مخلوق ولي ربّ أعبده، وإن لم أعبده عذّبني والله بالنار » فقلت: لا والله لا أقول فيك أبداً إلاّ قولك في نفسك.

٣٣٠ / ٥ - عن إسماعيل بن عبد العزيز، قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : « ضع لي في المتوضأ ماء » فقمت فوضعت الماء، فدخل، فقلت في نفسي: أنا أقول فيه كذا وكذا ويدخل المتوضأ ويتوضأ؟! فلم يلبث أن خرج وقال: « يا إسماعيل بن عبد العزيز، لا ترفعوا البناء فوق طاقته، فينهدم، اجعلونا عبيداً مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم ».

قال إسماعيل: وكنت أقول فيه ما أقول فيه.

٣٣١ / ٦ - عن شهاب بن عبد ربّه، قال: أتيت أبا عبد الله أسأله

__________________

٣ - بصائر الدرجات: ٢٥٧ / ٨، اثبات الهداة ٣: ٩٥ / ٦٢.

(١) في ر، م: صدره.

٤ - بصائر الدرجات: ٢٦١ / ٢٥.

٥ - بصائر الدرجات: ٢٦١ / ٢٢، الخرائج والجرائح ٢: ٧٣٥، كشف الغمة ٢: ١٩١، اثبات الهداة ٣: ١٠١، مدينة المعاجز: ٣٨٠ / ٧١.

٦ - بصائر الدرجات: ٢٥٨ / ١٣، دلائل الإمامة: ١٣٣، الخرائج والجرائح ٢: ٦١٣، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٢١٩.

٤٠٢

عن مسألة، فقال: « إن شئت فاسأل، وإن شئت أخبرتك(١) فيما جئت له » فقلت له: أخبرني.

قال لي: « جئت لتسألني عن الجنب يغرف الماء من الحب بالكوز فتصيب يده الماء » فقلت: نعم. فقال: « ليس به بأس ».

٣٣٢ / ٧ - عن عمر بن يزيد، قال: كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام وهو مضطجع، ووجهه إلى الحائط، فقال لي: « يا عمر، اغمز رجلي » فقعدت أغمز رجله، فقلت في نفسي: اسأله عن عبد الله وموسى أيّهما الإمام؟ قال: فحوّل وجهه إليَّ وقال: « إذن والله لا أجيبك ».

٣٣٣ / ٨ - عن زياد بن أبي الحلال(٢) ، قال: اختلف الناس في جابر بن يزيد الجعفيّ وأحاديثه وأعاجيبه، فدخلت على أبي عبد الله وأنا أريد أن أسأله فابتدأني من غير أن أسأله.

قال لي « رحم الله جابر بن يزيد الجعفيّ، فإنّه كان يصدّق علينا، ولعن الله المغيرة بن سعيد فإنّه كان يكذب علينا ».

__________________

(١) في ش، ص: أحدّثك.

٧ - بصائر الدرجات: ٢٥٥ / ٢، دلائل الإمامة: ١٣٣، الخرائج والجرائح ٢: ٧٣٣.

٨ - بصائر الدرجات: ٢٥٨ / ١٢، الخرائج والجرائح ٢: ٧٣٣ / ٤٢، اثبات الهداة ٣: ١٠٠، دلائل الإمامة: ١٣٣

(٢) في النسخ: زياد بن خلاّد، وما أثبتناه من المصادر، راجع « معجم رجال الحديث ٧: ٣٠٠، تنقيح المقال ١: ٤٥٣ ».

٤٠٣

٣ - فصل:

في بيان آياته من الاخبار بالغائبات

وفيه: سبعة عشر حديثاً

٣٣٤ / ١ - عن بكير بن أعين قال: حبس عبد الله بن عباس بالكوفة، فحمّلني رسالة إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام يسأله الدعاء بتخليته، فلمّا أن كان في يوم عرفة على الموقف قلت له: اذكر أمر مولاك عبد الله بن عباس، فرفع يده وحرّك شفتيه، ثمّ قال: « أطلق عنه ».

قال بكير: فرجعت إلى الكوفة فسألت عن اليوم الذي خلّي عن عبد الله بن عباس، فوجدت تخليته في الوقت الذي دعا له أبو عبد اللهعليه‌السلام بالتخلية.

٣٣٥ / ٢ - عن داود بن كثير، قال: دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقلت: يا ابن رسول الله، أسألك عن شيء يختلج في صدري. فقال: « يا داود، كأنّي بك قد كتفت بخدعة، فتدخل في صندوق، ولا يطلق عنك إلاّ بألف درهم ».

قال داود: فأضلّني الشّيطان عمّا أردت سؤاله، فخرجت متفكّراً

__________________

١ -

٢ - عنه في مدينة المعاجز: ٤١٥ / ٢٣٢.

٤٠٤

متحيّراً ممّا قال، فمررت ببعض سكك الكوفة فإذا جارية مليحة، فتعلقت بي وقالت: يا صاحب الحق، هل لك في الإلمام بنا فتفيدنا ببعض ما خصصت به دوننا؟ فقلت: ما أكره ذلك. فقالت لي: ادخل فدخلت. فإذا أنا بزوجها قد أقبل إليها، فقالت لي: ادخل الصندوق، فإنّي لا آمنه عليك إن رأى اجتماعنا. فدخلت الصندوق، فأقفلت عليَّ، ثمّ قالت: قد وقعت موقع سوء، فإن افتديت نفسك بألف درهم وإلاّ غمزت(١) بك إلى السلطان. فأعطيتها ألف درهم وخلّت عنّي، فرجعت إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فلمّا بصر بي قال: « نجوت الآن فاحمد الله تعالى ».

٣٣٦ / ٣ - عن يزيد بن خلف، قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام و [ قد ] ذكر عنده زيد، وهو يومئذ يتردد في المدينة، يقول: « كأنّي به قد خرج إلى العراق ويمكث يومين ويقتل في اليوم الثالث، ثمّ يدار برأسه في البلدان، ويؤتى به، وينصب هاهنا على قصبة » وأشار بيده.

قال: فسمعت أذني من أبي عبد اللهعليه‌السلام ، ورأت عيني أن أتي برأسه حتّى أقيم على قصبة في الموضع الذي أشار إليهعليه‌السلام .

٣٣٧ / ٤ - وروي أنَّ محمد بن عبد الله بن الحسن خاصم أبا عبد اللهعليه‌السلام فقال: أنا والله أسخى يداً منك، وأعلم وأشجع. فقالعليه‌السلام : « أمّا قولك: أنا أسخى يداً منك، فو الله ما أمسيت قط ولله عليَّ حق في مالي، ولا أصبحت ولله في مالي حق، وأمّا قولك: أنا أعلم منك، فإنّ أبي وأباك أمير المؤمنينعليه‌السلام أعتق

__________________

(١) غمزت: أي أشرت ووشيت، انظر « لسان العرب - غمز - ٥: ٣٨٨ ».

٣ - وعنه في مدينة المعاجز: ٤١٥ / ٢٣٣.

٤ - مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٢٢٨، اعلام الورى: ٢٧٣، مع اختلاف فيه.

٤٠٥

ألف نسمة من كد(١) يده، فسمّهم لي وإلاّ أسميتهم لك بأسمائهم وأسماء آبائهم إلى آدم؛ وأمّا قولك: أنا أشجع منك فكأنّي أنظر إليك تقتل بالمدينة، ويقطع رأسك، وتوضع على جحر الزنابير فيسيل منه الدم إلى موضع كذا ».

قال: فقام محمّد واكماً واجماً، وحكى ما جرى بينهما أباه، فقال له أبوه: ما علمت يا بني أنّك صاحب جحر الزنابير إلى الآن.

٣٣٨ / ٥ - في حديث آخر عن صفوان بن يحيى قال: حكى محمّد بن جعفر بن محمّد بن الأشعث قال: أتدري ما سبب دخولنا في هذا الأمر ومعرفتنا به، وما كان عندنا منه ذكر، ولا معرفة بشيء ممّا عند الناس؟ قال: قلت: وما ذاك؟

قال: إنَّ أبا جعفر الدوانيقي قال لمحمد بن الأشعث: يا محمّد، ادع(٢) لي رجلاً له عقل جيّد يؤدي عنّي. فقال: إنّي أصبت لك، هذا خالي فلان بن مهاجر. قال: فأتني به. قال: فأتيته، فقال له أبو جعفر: يا ابن مهاجر خذ هذا المال وائت المدينة، وائت عبد الله بن الحسن بن الحسن وعدَّة من أهل بيته، منهم جعفر بن محمّد، وقل لهم: إنّي رجل غريب من أهل خراسان، وبها شيعة من شيعتكم، وجّهوا إليكم بهذا المال. فادفع إلى كلِّ واحد منهم على شرط كذا وكذا، فإذا قبضوا المال فقل: إنّي رسول، أحب أن يكون معي خطوطكم بقبضكم ما قبضتم.

فأخذ المال وأتى إلى المدينة - على ساكنها أفضل الصلاة

__________________

(١) في م: كسب.

٥ - بصائر الدرجات: ٢٦٥ / ٧، الكافي ١: ٣٩٥ / ٦، دلائل الإمامة: ١٢٣، الخرائج والجرائح ٢: ٧٢٠ / ٢٥، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٢٢٠، اثبات الهداة ٣: ٨٠، مدينة المعاجز: ٣٦٥ / ٣٠.

(٢) في ش، ص: ابغ.

٤٠٦

والسلام - ورجع إلى أبي جعفر الدوانيقي(١) ، فقال أبو جعفر ما وراءك؟

قال: أتيت القوم، وهذه خطوطهم بقبضهم، ما خلا أبو عبد الله جعفر بن محمّد، فإنّي أتيته وهو في مسجد الرسول (ص) يصلّي، وجلست خلفه، فقلت: ينصرف وأذكر ما ذكرت لأصحابه فعجل وانصرف، ثمّ التفت إليَّ وقال: « يا هذا، اتق الله ولا تغر أهل بيت محمّد (ص) فإنّهم قريبو العهد بدولة بني مروان، فكلهم محتاج ».

قال: فقلت: وما ذاك أصلحك الله؟ قال: « فادن رأسك منّي » فدنوت، فأخبرني بجميع ما جرى بيني وبينك، حتّى كأنّه كان ثالثنا، قال: فقال له: يا ابن مهاجر، اعلم أنّه ليس من أهل بيت النبوة إلاّ وفيهم محدّث، وإنّ جعفر بن محمّد محدّثنا اليوم.

فكانت هذه المقالة سبب مقالتنا بهذا الأمر.

٣٣٩ / ٦ - عن موسى بن عبد الله بن الحسن، قال: إنّ أبي لمّا أخذ في أمر محمّد بن عبد الله: « دعا إلى أمره أبا عبد اللهعليه‌السلام ، فدفعه عن ذلك ونصح له، فلم يرض منه بذلك - في كلام طويل - حتى قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « إنّك لتعلم أنّه الأحول الأكشف الأخضر، المقتول بسدّة أشجع عند بطن مسيلها » فقال: أبي ليس هو كذلك، وليقومن بثأر أبي طالب. فقال له: أبو عبد اللهعليه‌السلام : « يغفر الله لك ما أخوفني أن يكون هذا البيت يلحق بصاحبنا:

منتك نفسك في الخلافة ضلالا

والله لا يملك أكثر من حيطان المدينة ولا [ من ] الأمر بد، وإني

__________________

(١) زاد في ر: ومحمد بن الأشعث عنده.

٦ - الكافي ١: ٢٩٣ / ١٧، إثبات الهداة ٣: ٧٦ / ٣. ذكره الكليني مفصلا، وقد تقدمت قطعة منه في ص ٢٤٤ ( في معاجز الإمام الباقر ).

٤٠٧

لأراه أشأم سخلة أخرجتها أصلاب الرجال إلى أرحام النساء، والله إنه لمقتول بسدَّة أشجع بين دورها، والله لكأنّي به صريعا مسلوباً ثوبه، بين رجليه لبنة، ولا ينفع(١) هذا الغلام ما يسمع منّي ».

قال موسى: يعنيني.

« فتخرجن معه فيهزم، ثمّ يقتل صاحبه،! ثمّ يمضي فخرج معه راية أخرى، فيقتل كبشها ويسرق حليتها، فإن أطاعني فليطلب عند ذلك الأمان من بني العباس ».

فقام أبي مغضباً يجرّ ثوبه، فلحقه أبو عبد اللهعليه‌السلام فقال له: « أخبرك أنّي سمعت عمّك - وهو خالك - يذكر أنّك وبني أبيك ستقتلون فيه، ولوددت أنّي فديتك بولدي وبأحبّهم إليّ ». فما قبل أبي(٢) ، وخرج مغضباً أسفاً، فما أقمنا بعد ذلك إلاّ عشرين ليلة حتّى قدمت رسل أبي جعفر، فأخذوا أبي وعمومتي وصفّدوا في الحديد، ثمّ حملوا في محامل عراة لا وطاء عليها، فقتل أكثرهم، ثمّ أتى محمّد بن عبد الله بن الحسن فأخبر أنّ أباه وعمومته قتلوا، فظهر ودعا الناس إلى نفسه، وكنت ثالث ثلاثة بايعوا، واستوثق الناس بيعته، وأتى بأبي عبد اللهعليه‌السلام حتّى وقف بين يديه، فقال له عيسى بن زيد: أسلم تسلم. وطالت المحاورة بينهم، حتّى قال له: والذي أكرم محمّداً (ص) بالنبوة لأسجننك.

فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « أراني سأقول وأصدَّق » فقال عيسى بن زيد: لو تكلمات لكسرت فكك.

فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « أما والله لو يبرق بالسيف لكأنّي بك تطلب لنفسك جحراً تدخل فيه، وما أنت من المذكورين عند

__________________

(١) في ش، ص: يمنع.

(٢) في م: مني.

٤٠٨

اللقاء، وإنّي أظنك إذا صفّق خلفك طرت مثل الهيق(١) النافر » فقال محمد بانتهار: احبسه وشدّد عليه واغلظ عليه.

فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام : « أما والله، لكأنّي بك خارجاً من سدّة أشجع إلى بطن الوادي وقد حمل عليك فارس معلّم في يده طراد(٢) نصفها أبيض ونصفها أسود، على فرس كميت(٣) أقرح(٤) ، فيطعنك ولا يصنع فيك شيئاً، وضربت خيشوم فرسه فطرحته، وحمل آخر خارجا من زقاق أبي عمّار(٥) عليه غديرتان مضفورتان قد خرجتا من تحت بيضته(٦) ، كثير شعر الشاربين، فهو والله صاحبك، فلا رحم الله رمته »(٧) في كلام طويل.

فخرج عيسى بن موسى إلى المدينة وتحاربا، فمضى محمّد يوم القتال إلى أشجع فخرج إليه الفارس الذي قال أبو عبد اللهعليه‌السلام من خلفه من سكّة هذيل، فطعنه فلم يصنع شيئاً، فضرب خيشوم فرسه بالسيف، وخرج عليه حميد بن قحطبة من زقاق العماريين فطعنه طعنة نفذ السنان(٨) فيه، وانكسر الرمح(٩) ، فصرعه، ثمّ نزل إليه فضربه حتّى أثخنه وقتله، وأخذ برأسه.

__________________

(١) الهيق: ذكر النعام « حياة الحيوان ٢: ٤٠٨ ».

(٢) في ش، ص: طراده، والطراد: الرمح القصير لأن صاحبه يطارد به « لسان العرب - طرد: ٣: ٢٦٨ ».

(٣) الكميت: ما كان لونه بين الأسود والأحمر « لسان العرب - كمت - ٢: ٨١ ».

(٤) القرحة: البياض في جبهة الفرس دون الغرة، راجع « لسان العرب - قرح - ٢: ٥٦٠ ».

(٥) في ش، ص: آل أبي.

(٦) البيضة: الخوذة « لسان العرب - بيض - ٧: ١٢٥ ».

(٧) الرمة: العظام البالية « لسان العرب - رمم - ١٢: ٢٥٢ ».

(٨) في ش، ص: السيف.

(٩) في ر، م زيادة: وحمل على حمير فطعنه حمير بالرمح.

٤٠٩

٣٤٠ / ٧ - عن الأزدي، قال: خرجنا نريد منزل أبي عبد الله جعفر بن محمّدعليه‌السلام فلحقنا أبو بصير، فدخلنا على أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فرفع رأسه إلى أبي بصير وقال: « يا أبا محمّد، ألا تعلم أنّه لا ينبغي للجنب أن يدخل بيوت الأنبياء؟! ». فرجع أبو بصير ودخلنا.

٣٤١ / ٨ - أخبرنا مهزّم قال: خرجت ممسياً من عند أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فأتيت منزلي بالمدينة، فكانت أمّي عندي، فوقع بيني وبينها كلام، فأغلظت عليها بالكلام، فلمّا أن كان من الغد صلّيت الغداة، وأتيت منزل أبي عبد اللهعليه‌السلام فدخلت عليه، فقال لي مبتدئاً: « مالك ولوالدتك أغلظت في كلامها البارحة؟! أما علمت: أنّ بطنها كان منزلا قد سكنته، وأنّ حجرها مهد قد عمرته، وأنّ ثديها سقاءٌ قد شربته؟! » قلت: بلى قال: « فلا تغلظ لها ».

٣٤٢ / ٩ - عن الحارث بن حصيرة الأزدي، قال: مرّ رجل من أهل الكوفة إلى خراسان فدعا الناس إلى ولاية جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، ففرقة أجابت وأطاعت، وفرقة أنكرت وجحدت، وفرقة وقفت وتورعت.

قال: فخرج من كلّ فرقة رجل فدخلوا على أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وكان المتكلم منهم الذي ذكرت أنّه تورع ووقف، وكان مع بعض القوم جارية، فخلا بها الرجل، فوقع عليها، فلمّا دخلوا على

__________________

٧ - دلائل الإمامة: ١٣٧، اعلام الورى: ٢٦٩، مضمونه، اثبات الهداة ٣: ١٠١ / ٨٢.

٨ - بصائر الدرجات: ٢٦٣ / ٣، دلائل الإمامة: ١١٦، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٢٢١، اثبات الهداة ٣: ١٠٢ / ٨٨.

٩ - بصائر الدرجات: ٢٦٤ / ٥، دلائل الإمامة: ١٣٠، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٢٢١، اثبات الهداة ٣: ١٠٣ / ٨٩.

٤١٠

أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّه قدم علينا رجل من أهل الكوفة، فدعا الناس إلى ولايتك وطاعتك، فأجاب قوم، وأنكر قوم، وتورع منهم قوم، وتوقفوا، فقال: « ومِن أي الثلاثة أنت؟ » قال: أنا من الفرقة التي توقفت وتورعت. فقال: « وأين كان تورعك يوم كذا وكذا مع الجارية؟! » قال: فارتاب الرجل وسكت.

٣٤٣ / ١٠ - عن عمّار السجستاني، قال: كان عبد الله بن النجاشي منقطعاً إلى الحسن بن الحسن، ويقول بمقالة الزيدية، فقضى أن خرجت أنا إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام فلقيني بعد ذلك، فقال لي: استأذن لي على صاحبك. فقلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّه سألني الإذن عليك، فقال: « ائذن له » ما دعاك إلى ما صنعت يوم كذا؟! فدخل عليه، فقالعليه‌السلام : « أتذكر يوم مررت على باب دار فسال ميزاب الدار، فقلت: إنّه قذر؛ فطرحت نفسك في النهر بثيابك وعليك منشفة، فاجتمع عليك الصبيان يضحكون منك، ويصيحون عليك؟ ».

قال عمّار: فالتفت إليّ وقال: ما دعاك إلى أن تخبر به أبا عبد الله؟ فقلت: لا والله، ما أخبرته، وها هو ذا قدّامي يسمع كلامي.

قال: فلمّا خرجت قال لي: يا عمّار هذا صاحبي دون غيره.

٣٤٤ / ١١ - عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « يا أبا محمّد، ما فعل أبو حمزة؟ » فقلت: خلّفته طائحاً(١) . فقال: « إذا

__________________

١٠ - بصائر الدرجات: ٢٦٥ / ٦، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٢٢٠، اثبات الهداة ٣: ١٠٢ / ٩٠، قطعة منه.

١١ - بصائر الدرجات: ٢٨٣ / ٦، دلائل الإمامة: ١١٦، اثبات الهداة ٣: ١٠٦ / ١٠٣، مدينة المعاجز: ٣٩٢ / ١١٣.

(١) الطائح: المشرف على الهلاك « لسان العرب - طوح - ٢: ٥٣٥ ». وفي ر، ش، ص، ع، ك: صالحا.

٤١١

رجعت إليه فاقرأه منّي السلام، واعلمه أنّه يموت يوم كذا وكذا ». فقلت له: جعلت فداك، أليس من شيعتكم؟ قال: نعم، إنّ الرجل من شيعتنا إذا خاف الله فراقبه وتوقّى الذنوب، فإذا فعل ذلك كان معنا في درجاتنا ».

قال أبو بصير: فرجعت، فما لبث أبو حمزة أن مات في تلك الساعة، في ذلك اليوم.

٣٤٥ / ١٢ - حنان بن سدير، قال: رأيت في المنام كأنّي دخلت على رسول الله (ص) وبين يديه طبق، عليه منديل، قد غطّي به، فكشف المنديل عن الطبق، فإذا فيه رطب، فجعل يأكل منه، فقلت: أطعمني يا رسول الله. فناولني رطبة فأكلتها، حتّى ناولني ثمانية، فقلت: زدني يا رسول الله. فقال: حسبك.

فلمّا كان من الغد دخلت على مولاي الصادقعليه‌السلام ، وبين يديه طبق قد غطّي بمنديل كأنّه الذي رأيته في المنام، فكشف المنديل عنه، فإذا فيه رطب، فجعل يأكل منه، فقلت: يا ابن رسول الله، أطعمني فناولني رطبة، فأكلتها، حتّى ناولني ثماني، فقلت: زدني يا ابن رسول الله. فقال: « لو زادك جدّي لزدتك، ولكن حسبك ».

٣٤٦ / ١٣ - عن شعيب العقرقوفي قال: بعث معي رجل بألف درهم، وقال: إنّي أحبُّ أن أعرف فضل أبي عبد اللهعليه‌السلام على أهل بيته.

قال: فخذ خمسة دراهم ستوقة(١) ، فاجعلها في الدراهم، وخذ

__________________

١٢ - روضة الواعظين: ٢٠٨، بشارة المصطفى: ٢٤٩، اثبات الهداة ٣: ٩٧.

١٣ - بصائر الدرجات: ٢٦٧ / ٩، دلائل الإمامة: ١٢٤، الخرائج والجرائح ٢: ٦٣٠ / ٣١، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٢٢٨.

(١) الستوق: المزيف « لسان العرب - ستق - ١٠ / ١٥٢ ».

٤١٢

من الدراهم خمسة فصيّرها في لبنة(١) قميصك، فإنّك ستعرف ذلك.

قال: فأتيت بها أبا عبد اللهعليه‌السلام ، فنشرتها بين يديه، فأخذ الخمسة، وقال: « هاك خمستك، وهات خمستنا ».

٣٤٧ / ١٤ - عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال حدّثني رجل من أهل جسر بابل قال(٢) : كان في القرية رجل يؤذيني، ويقول: يا رافضي. ويشتمني، وكان يلقب بقرد القرية، فحججت سنة من ذلك، فقال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام ابتداءً: « قوما [ قد ] مات ». فقلت: جعلت فداك، متى؟! قال: « الساعة » فكتبت اليوم والساعة.

فلمّا قدمت الكوفة تلقّاني أخي، فسألته عمن مات، وعمّن بقي، فقال: قوما قد مات فقلت - هو بالنبطية: قرد القرية - متى مات؟ فقال: يوم كذا، ووقت كذا. وكان في الوقت الذي أخبرني به أبو عبد اللهعليه‌السلام .

٣٤٨ / ١٥ - عن إبراهيم ابن أبي البلاد، قال: كنّا نزولاً بالمدينة، وكانت جارية لصاحب المنزل تعجبني، وإنّي أتيت الباب فاستفتحت، ففتحت الجارية، فغمزت ثديها، فلمّا أن كان من الغد دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال لي: « يا إبراهيم، أين أقصى أثرك اليوم؟ » فقلت: ما برحت من المسجد. فقال: « أما تعلم أنّ أمرنا هذا لا يُنال إلا بالورع؟! ».

__________________

(١) اللبنة: رقعة تعمل موضع جيب القميص والجبة « لسان العرب - لبن - ١٣: ٣٧٦ ».

١٤ - بصائر الدرجات: ٣٥٤ / ٧.

(٢) في نسخة من ك: أهل المدينة، وفي ر: أهل بانك.

١٥ - بصائر الدرجات: ٢٦٣ / ٢، دلائل الإمامة: ١١٦، أعلام الورى، ٢٦٨، اثبات الهداة ٣: ١٠٢ / ٨٧.

٤١٣

٣٤٩ / ١٦ - عن عمر بن يزيد، قال: كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وهو وجع، فولاّني ظهره ووجهه إلى الحائط، فقلت في نفسي: ما ندري ما يصيبه في مرضه، فلو سألته عن الإمام بعده؛ وأنا أفكر إذ حوّل وجهه وقال: « إنّ الأمر ليس كما تظن، ليس عليَّ من وجعي هذا بأس بحمد الله ».

٣٥٠ / ١٧ - عن أبي كهمش، قال: كنت بالمدينة نازلا في دار فيها وصيفة كانت تعجبني، فانصرفت ليلاً ممسياً، فاستفتحت الباب، ففتحت لي، فمددت يدي، فقبضت على ثديها، فلمّا كان من الغد دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال: « يا أبا كهمش، تب إلى الله ممّا صنعت البارحة ».

__________________

١٦ - بصائر الدرجات: ٢٥٩ / ١٤، دلائل الإمامة: ١٣٣، نحوه، اثبات الهداة ٣: ١٠٠ / ٧٧.

١٧ - بصائر الدرجات: ٢٦٢ / ١، دلائل الإمامة: ١١٥.

٤١٤

٤ - فصل:

في بيان آياته ومعجزاته في معان شتّى

وفيه: اثنا عشر حديثاً

٣٥١ / ١ - أخبرنا سعد الاسكاف، عن سعد بن طريف قال: كنا عند أبي عبد اللهعليه‌السلام إذ دخل عليه رجل من أهل الجبل بهدايا وألطاف، وكان فيما أهدي إليه جراب فيه قديد وخبز، فنشره أبو عبد اللهعليه‌السلام قدّامه، ثمّ قال: « خذ هذا القديد واطعمه الكلب » فقال الرجل: ولِمَ.

فقال: « إنّ هذا القديد ليس مذكّى » فقال الرجل لقد اشتريته من رجل مسلم وذكر أنّه ذكي.

قال: فردّه أبو عبد اللهعليه‌السلام في الجراب كما كان، ثمّ قال للرجل: « قم وادخل البيت، وضعه في زاوية » ففعل الرجل، وقد تكلم أبو عبد اللهعليه‌السلام بكلام لا أعرفه، ولا أدري ما هو، فسمع الرجل القديد وهو يقول: « يا عبد الله، ليس مثلى يأكله أولاد

__________________

١ - الهداية الكبرى: ٢٥٠، دلائل الإمامة: ١٣٠، الخرائج والجرائح ٢: ٦٠٦ / ١، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٢٢٢، الصراط المستقيم ٢: ١٨٧، مدينة المعاجز: ٣٩٥ / ١٣٢،

٤١٥

الأنبياء(١) ، إنّي لست بذكي » فحمل(٢) الرجل الجراب وخرج إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وأخبره بما سمع منه، فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام : « أما علمت يا هارون أنّا نعلم ما لا يعلمه الناس؟! » قال: بلى، جعلت فداك. وخرج الرجل، وخرجت أتبعه حتّى لقينا كلب، فألقاه إليه فأكله حتّى لم يبق منه شيء.

٣٥٢ / ٢ - عن الحسن بن علي بن فضّال، قال: قال موسى بن عطية النيسابوري: اجتمع وفد خراسان من أقطارها، كبارها وعلماؤها، وقصدوا داري، واجتمع علماء الشيعة واختاروا أبا لبابة وطهمان وجماعة شتى، وقالوا بأجمعهم: رضينا بكم أن تردوا المدينة، فتسألوا عن المستخلف فيها، لنقلّده أمرنا(٣) ، فقد ذكر أنّ باقر العلم قد مضى، ولا ندري من نصبه الله بعده من آل الرسول من ولد علي وفاطمةعليهما‌السلام . ودفعوا إلينا مائة ألف درهم ذهباً وفضّة [ وقالوا ]: لتأتونا بالخبر وتعرّفونا الإمام، فتطالبوه بسيف ذي الفقار والقضيب والخاتم والبردة واللوح الذي فيه تثبت الأئمة من ولد علي وفاطمة، فإنّ ذلك لا يكون إلاّ عند الإمام، فمن وجدتم ذلك عنده فسلّموا إليه المال.

فحملناه وتجهّزناه إلى المدينة وحللنا بمسجد الرسول (ص)، فصلّينا ركعتين، وسألنا: من القائم بأمور الناس، والمستخلف فيها؟ فقالوا لنا: زيد بن علي، وابن أخيه جعفر بن محمّد، فقصدنا زيداً في مسجده، وسلّمنا عليه، فردّ علينا السلام وقال: من أين أقبلتم؟ قلنا:

__________________

(١) في م: نبي ولا ولي.

(٢) في ش، ص: فرفع.

٢ - عنه في مدينة المعاجز: ٤١١ / ٢١٢.

(٣) في ر: أمورنا.

٤١٦

أقبلنا من أرض خراسان لنعرف إمامنا، ومن نقلده أمورنا. فقال: قوموا. ومشى بين أيدينا حتّى دخل داره، فأخرج إلينا طعاما، فأكلنا، ثمّ قال: ما تريدون؟

فقلنا له: نريد أن ترينا ذا الفقار والقضيب والخاتم والبرد واللوح الذي فيه تثبت الأئمةعليهم‌السلام ، فإنّ ذلك لا يكون إلاّ عند الإمام.

قال: فدعا بجارية له، فأخرجت إليه سفطاً، فاستخرج منه سيفاً في أديم أحمر، عليه سجف أخضر، فقال: هذا ذو الفقار. وأخرج إلينا قضيبا، ودعا بدرع من فضّة، واستخرج منه خاتماً وبرداً، ولم يخرج اللوح الذي فيه تثبيت الأئمةعليهم‌السلام ، فقال أبو لبابة من عنده: قوموا بنا حتّى نرجع إلى مولانا غداً فنستوفي ما نحتاج إليه، ونوفّيه ما عندنا ومعنا.

فمضينا نريد جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، فقيل لنا: إنّه مضى إلى حائط(١) له، فما لبثنا إلاّ ساعة حتّى أقبل وقال: « يا موسى بن عطية النيسابوري ويا أبا لبابة، ويا طهمان، ويا أيّها الوافدون من أرض خراسان، إليّ فأقبلوا ».

ثمّ قال: « يا موسى، ما أسوأ ظنّك بربّك وبإمامك، لمَ جعلت في الفضّة التي معك فضة غيرها، وفي الذهب ذهباً غيره؟ أردت أن تمتحن إمامك، وتعلم ما عنده في ذلك، وجملة المال مائة ألف درهم ».

ثمّ قال: « يا موسى بن عطية، إنّ الأرض ومَن عليها لله ولرسوله وللإمام من بعد رسوله، أتيت عمّي زيداً فأخرج إليكم من السفط ما رأيتم، وقمتم من عنده قاصدين إليَّ ».

__________________

(١) في ش، ص: حاجة.

٤١٧

ثمّ قال: « يا موسى بن عطية، يا أيّها الوافدون من خراسان، أرسلكم أهل بلدكم لتعرفوا الإمام وتطالبوه بسيف الله ذي الفقار الذي فضّل به رسول الله (ص) ونصر به أمير المؤمنين وأيّده، فأخرج إليكم زيد ما رأيتموه ».

قال: « ثمّ أومى بيده إلى فص خاتم له، فقلعه، ثمّ قال: « سبحان الله، الذي أودع الذخائر وليه والنائب عنه في خليقته، ليريهم قدرته، ويكون الحجّة عليهم حتى إذا عرضوا على النار بعد المخالفة لأمره، فقال: أليس هذا بالحق؟( قالُوا بَلى وَرَبِّنا. قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) (١) .

قال: ثمّ أخرج لنا من وسط الخاتم البردة والقضيب واللوح الذي فيه تثبيت الأئمةعليهم‌السلام ، ثمّ قال: « سبحان الذي سخّر للإمام كلّ شيء وجعل له مقاليد السماوات والأرض لينوب عن الله في خلقه ويقيم فيهم حدوده كما تقدم إليه ليثبت حجّة الله على خلقه، فإن الإمام حجّة الله تعالى في خلقه ». ثمّ قال: « ادخل الدار أنت ومن معك بإخلاص وإيقان وإيمان ».

قال: فدخلت أنا ومن معي فقال: « يا موسى، ترى النور الذي في زاوية البيت(٢) ؟ » فقلت: نعم. قال: « ائتني به » فأتيته ووضعته بين يديه وجئت بمروحة(٣) ونقر بها على النور، وتكلّم بكلام خفي.

قال: فلم تزل الدنانير تخرج منه حتّى حالت بيني وبينه، ثمّ قال: « يا موسى بن عطية، اقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم لقد كفر( الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ ) (٤) لم نرد مالكم لأنّا فقراء، وما

__________________

(١) سورة الأحقاف الآية: ٣٤.

(٢) في م: الدار.

(٣) المروحة: آلة يتروح بها في الحر « لسان العرب - روح - ٢: ٤٥٦ ».

(٤) سورة آل عمران الآية: ١٨١.

٤١٨

أردناه إلاّ لنفرّقه على أوليائنا من الفقراء، وننتزع حق الله من الأغنياء، فإنّها عقدة فرضها الله عليكم، قال الله عز وجل:( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) (١) . وقال عز وجل:( الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) (٢) .

قال: ثمّ رمق الدنانير بعينه فتبادرت إلى كو(٣) كان في المجالس.

ثمّ قال: « أحسنوا إلى إخوانكم المؤمنين، وصلوهم ولا تقطعوهم، فإنّكم إن وصلتموهم كنتم منّا ومعنا ولنا لا علينا، وإن قطعتموهم انقطعت العصمة بيننا وبينكم لا موصلين ولا مفصلين » فردّ المال إلى أصحابه وأخذ الفضّة التي وضعت في الفضَّة، والذهب الذي وضع في الذهب، وأمرهم أن يصلوا بذلك « أولياءنا وشيعتنا الفقراء، فإنّه الواصل إلينا ونحن المكافئون عليه ».

قال: ثمّ قال: « يا موسى بن عطية، أراك أصلع، أدن منّي » فدنوت منه، فأمرّ يده على رأسي، فرجع الشعر قططاً(٤) ، فقال: « يكون معك ذا حجّة ».

فقال: « أدن منّي يا أبا لبابة » وكان في عينه كوكب(٥) ، فتفل في

__________________

(١) سورة التوبة الآية: ١١١.

(٢) سورة البقرة الآية: ١٥٦، ١٥٧.

(٣) الكو والكوة: الخرق في الحائط والثقب في البيت ونحوه، وجمعها: كوى، « لسان العرب - كوى - ١٥: ٢٣٦ ».

(٤) القطط: الشعر الشديد الجعودة، أو الحسن الجعودة « لسان العرب - قطط - ٧: ٣٨٠ ».

(٥) الكوكب: البياض في سواد العين « لسان العرب - كوكب - ١: ٧٢١ ».

٤١٩

عينه، فسقط ذلك الكوكب، وقال: « هاتان حجتان إذا سألكما سائل فقولا: إمامنا فعل ذلك بنا » وودَّعنا وودّعناه، وهو إمامنا إلى يوم البعث، ورجعنا إلى بلدنا بالذهب والفضَّة.

٣٥٣ / ٣ - عن داود الرقي، قال: كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام جالسا إذ دخل ابنه موسىعليه‌السلام وهو ينتفض(١) ، فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام : « جعلت فداك، كيف أصبحت؟ » قال: « أصبحت في كنف الله، متقلباً في نعم الله، أشتهي عنقود عنب جرشي، ورمّانة خضراء »، فقلت: يا سبحان الله في الشتاء!! فقال: « يا داود، [ إن ] الله قادر على كلّ شيء(٢) ، أدخل البستان فأخرج إليه عنقود عنب جرشي ورمّانة خضراء ».

قال داود: فلمّا أن دخلت البستان نظرت إلى شجرتين خضراوتين، فإذا رمّانة خضراء وعنقود عنب جرشي فاجتنيتهما وقلت: آمنت بالله وبسرّكم وعلانيتكم، فأخرجته إلى موسىعليه‌السلام فقال: « يا داود، ادفعه إليه فإنّه والله لأفضل من رزق مريم، وقد اختص به موسى من الأفق الأعلى ».

٣٥٤ / ٤ - عن داود الرقيّ قال: خرجت مع أبي عبد اللهعليه‌السلام حاجّاً إلى مكّة، ونحن نتساير ذات يوم في أرض سبخة إذ دخل علينا وقت الصلاة فقال: « هلم(٣) بنا إلى هذا الجانب لنتطهّر ونصلّي »

__________________

٣ - الخرائج والجرائح ٢: ٦١٧ / ١٦، اثبات الهداة ٣: ١١٧ / ١٤٢، قطعة منه، مدينة المعاجز: ٤٠٦ / ١٨٢.

(١) ينتفض: أي يرتعد كأنه مصاب بالنافض، وهي حمى الرعدة. « لسان العرب - نفض - ٧: ٢٤٠ ».

(٢) في ر: على ما يشاء.

٤ - مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٢٤١.

(٣) في ش، ص، مل. وفي ر: هلمو.

٤٢٠