الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب0%

الثاقب في المناقب مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 697

الثاقب في المناقب

مؤلف: ابن حمزة الطوسي
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف:

الصفحات: 697
المشاهدات: 188691
تحميل: 6904

توضيحات:

الثاقب في المناقب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 697 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 188691 / تحميل: 6904
الحجم الحجم الحجم
الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
العربية

الصادق فيما ادّعاه، المحق فيما ابتناه، المقتدى بفعاله، المهتدى بمقاله.

فإن ظهر لا عقيب(١) دعواه كان ذلك تنبيها للحاضر، وتعريفا للناظر، وتذكيرا للمتأمل الذاكر، سواء كان ابتداء من القديم تعالى، أو بسبب أمر يقتضي ذلك، سواء ظهر على يده، أو على يد غيره من إجابة الدعاء، أو دفع البلاء، أو كبت عدوّ، أو عون وليّ، أو نفاذ أمر، أو إنهاء عذر، أو تقديم نذر، أو إحياء سنّة، أو تضعيف(٢) منّة، أو ترغيب في الإسلام، أو ترهيب عن الآثام.

ونحن نذكر - بعون الله - من ذلك مقدار مائة آية له (ص)، ليسهل حفظه، ولا يبعد حظه، ومن الله استمد(٣) التوفيق على العمل، والعصمة من الزلل، لأنّه وليّ ذلك والقادر عليه.

__________________

(١) في ر: بعقب.

(٢) أضعف الشيء وضعفه وضاعفه: زاد على أصل الشيء وجعله مثليه.

أو أكثر، وهو التضعيف والاضعاف. « لسان العرب - ضعف - ٩: ٢٠٤ ».

(٣) في ش، ص، ع، ك: استمداد.

٤١

٢ - فصل:

في بيان ظهور آياته التي ظهرت على يديه في المياه

وفيه: أحد عشر حديثاً

١ / ١ - عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: « إنّ رسول الله (ص) كان في بعض غزواته فنفد الماء، فقال: يا عليّ قم إلى هذه الصخرة، وقل: أنا رسول رسول الله إليك، انفجري ماءً، فو الذي أكرمه بالنبوّة، لقد بلّغتها الرسالة، فطلع منها مثل ثدي البعير، فسال منها من كلّ ثدي ماء، فلمّا رأيت ذلك أسرعت إلى النبيّ (ص) وأخبرته، فقال: انطلق يا عليّ فخذ من الماء. وجاء القوم حتّى ملأوا قربهم وإداواتهم، وسقوا دوابهم، وشربوا، وتوضأوا ».

٢ / ٢ - وعنهعليه‌السلام أنّه قال: « أمرني (ص) في بعض غزواته، وقد نفد الماء، فقال: يا عليّ آتني بتور. فأتيته به، فوضع يده اليمنى ويدي معها في التور، فقال: انبع فنبع الماء من بين أصابعنا »(١) .

والتور: شبه ركوة يغسل منها اليد والوجه.

__________________

١ - إثبات الهداة ٢: / ٤١٧ / ٥٠ باختلاف.

٢ - مناقب ابن شهر اشوب ١: ١٠٥، دلائل النبوة للبيهقي ٤: ١٢٩ نحوه.

(١) في ر، ك، م: أصابعه.

٤٢

٣ / ٣ - عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أن قال: « لمّا نزل رسول الله (ص) الحديبية، شكوا إليه العطش وقلّة الماء، فقال (ص): اطلبوا لي ماءً. فأتي بماء، فشرب (ص)، وغسل منه وجهه، وصبّه في القليب، فجاشت حتَّى اغترف الناس بالقصاع منه ».

٤ / ٤ - عن عليّعليه‌السلام ، قال: « بعثني رسول الله (ص) في بعض غزواته إلى ركيّ، فأتيت الركيّ، فإذا ليس فيه ماء؛ فرجعت إليه فأخبرته، فقال: فيه طين؟ فقلت: نعم، فقال: آتني بشيء منه، فأتيته بطين منه، فتكلّم فيه، فقال: اذهب والقه بالركيّ، فألقيته فيه، فإذا الماء قد ارتفع حتّى امتلأ الركيّ وفاض من جانبيه، فجئت مسرعاً، فأخبرته بالذي رأيت، فقال: أما تعجب يا عليّ أنّ الله أنبعه بقدرته ».

٥ / ٥ - عن أبي هدبة إبراهيم بن هدبة، عن أنس، قال: كان رسول الله (ص) في بعض غزواته، فغلبهم العطش، فإذا بجارية سوداء حبشية، معها راوية، فقال له أصحابه: يا رسول الله هذه راوية ماء.

قال: فأخذ بخطام البعير، والجارية تقول: يا عبد الله ما تريد

__________________

٣ - الخصائص الكبرى طبعة بيروت ١ / ٣٩٨ و ١: ٣٤٥، والواقدي في المغازي ٢ / ٥٩٠، وابن شهر اشوب في مناقبه ١: ١٠٤ نحوه. ورواه البخاري ٥: ٣٦ / ٨٣، ٨٤ في المناقب نحوه. وانظر ج ٧ ص ٢٠٧ ح ٦٣.

٤ - الخصال ٢: ٥٧٧ / ١، إثبات الهداة ١: ٢٩٠ / ١٨٠.

٥ - صحيح مسلم ١: ٤٧٤ / ٣١٢، صحيح البخاري ١: ١٥٢ / ١٠، مصابيح السنة ٤؛ ٩٢ / ٤٥٩٨، التاج الجامع للأصول ٣: ٣٧٨، باختلاف.

٤٣

منّي؟! قال: « لا بأس عليك » ثمّ نادى أصحابه: « هاتوا أوعيتكم ». فجاؤوا بها، فحلّ الراوية، فلم يبق فيها شيء من الماء، وملأ القوم أوعيتهم، ثمّ قال: « زوّدوها من تمركم ». فزوّدوها كسراً وتمرات، ثمّ قال للجارية: « أدني منّي ». فمسح يده (ص) على وجهها فابيضّ وجهها، ثمّ مسح يده على الراوية، وقال: « بسم الله »، فإذا الراوية كأنّها لم ينقص منها شيء.

قال: فذهبت الجارية إلى أهلها، فقال مولاها: أمّا البعير فبعيري، والراوية راويتي، والجارية ليست بجاريتي، فقالت: أو لست بجاريتك؟!

قال: فما بال وجهك أبيض؟! قالت: استقبلني رجل يسمّى محمّد رسول الله (ص) وقصّت عليه القصّة.

قال: فأتى مولاها رسول الله (ص)، وقال: يا رسول الله إنّ لنا بئراً مغورة، وإنّ ماءنا من مكان بعيد.

قال: « فأرنيها ». فأراه، فتفل فيها بريقه الشريف(١) وقال: « بسم الله » ولو لا أنّه قال ذلك لغرّقهم الماء، لكن صار ثلثيها، وشربوا منها ماءً عذباً.

وفي ذلك عدّة آيات.

٦ / ٦ - عن عليّعليه‌السلام قال: « كان رسول الله (ص) في غزوةٍ، فشكونا إليه الظمأ، فدعا بركوة يمانية، ثمّ نصب يده المباركة فيها، فتفجَّرت من بين أصابعه عيون الماء، فصدرنا وصدرت الخيل رواء، وملأنا كلّ مزادة(٢) وسقاء وقربة ».

__________________

(١) « بريقه الشريف » ليس في ك، ص، ع.

٦ - كشف الغمة ١: ٢٣، الخرائج والجرائح ١: ٢٨ / ١٧، اثبات الهداة: ١: ٣٣٩ / ٣٤١ باختلاف.

(٢) ليس في ص، والمزادة: هي الراوية. « الصحاح - زيد - ٢: ٤٨٢ ».

٤٤

٧ / ٧ - وعنهعليه‌السلام ، قال: « كنّا معه (ص) بالحديبية، وإذا ثمّ قليب جافّة، فأخرج (ص) سهماً من كنانته وناوله البراء بن عازب، وقال له: اذهب بهذا السهم إلى هذه القليب فاغرزه فيها(١) . ففعل ذلك، فتفجّرت اثنتا عشرة عينا من تحت السهم ».

٨ / ٨ - وعنهعليه‌السلام ، قال: « ويوم الميضاة عبرة وعلامة، دعا بالميضاة فنصب يده فيها، ففاض الماء، وارتفع حتّى توضّأ منها ثمانية آلاف رجل، وشربوا حاجتهم، وسقوا دوابهم، وحملوا ما أرادوا ».

٩ / ٩ - عن عرو بن الزبير، قال: مرّ النبيّ (ص) في بعض غزواته على ماء يقال له: بيسان(٢) ، فسأل عنه، فقيل: يا رسول الله اسمه بيسان، وهو ماء مالح، فقال (ص): « بل هو نعمان، وهو طيّب » فغيّر الاسم، فغير الله الماء وعذب(٣) .

١٠ / ١٠ - عن عمرو بن سعيد(٤) ، قال: قال لي أبو طالب: كنت

__________________

٧ - الاحتجاج: ٢١٩، ونحوه في كنز الفوائد: ٧٤، دلائل البيهقي ٤: ١١١، اثبات الهداة ١: ٣٣٩ / ٣٤١.

(١) في ص، ع: بها.

٨ - الاحتجاج: ٢١٩، ومثله في كنز الفوائد: ٧٣، واثبات الهداة: ١: ٣٣٩.

٩ - معجم البلدان، ١: ٥٢٧، معجم ما استعجم ١: ٢٩٢.

(٢) في ص: نيسان.

وبيسان: هو موضع في جهة خيبر من المدينة. وروى الحموي في معجم البلدان ١: ٥٢٧، والبكري في معجم ما استعجم ١: ٢٩٢ هذا الحديث عن الزبير وفيهما أنّ الغزوة هي: غزوة ذي قرد.

(٣) في ر، ك، ص، ع: وعذبه.

١٠ - صفة الصفوة ١: ٧٥.

(٤) في الأصل: عمر بن إسحاق، وفي ر: عمير بن إسحاق والصحيح ما أثبتناه، راجع الاصابة ٢: ٥٣٩ / ٥٨٤٦.

٤٥

مع ابن أخي بسوق ذي المجاز(١) ، فاشتدّ الحرّ فعطشت، فشكوت إليه، وقد علمت أنّه ليس عنده شيء، فقال: « يا عمّ عطشت؟ » فقلت: نعم، فثنى وركه، فنزل، فألقم عقبه(٢) الأرض، ثمّ رفع وقال: « اشرب يا عمّ » فشربت حتّى رويت.

١١ / ١١ - عن عليّعليه‌السلام ، قال: « خرج رسول الله (ص) إلى حنين(٣) ، فإذا هو بواد يشخب، فقدّرناه فإذا هو قدر أربع عشرة قامة، فقالوا: يا رسول الله، العدوّ من وراثنا، والوادي أمامنا؛ كما قال أصحاب موسىعليه‌السلام :( إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ) (٤) ، فنزل رسول الله (ص) فقال: اللهم إنّك جعلت لكلّ نبيّ مرسل دلالة، فأرني قدرتك.

فركب (ص)، وعبرت الخيل لا تندى حوافرها، والإبل لا تندى أخفافها، ورجعنا، فكان فتحنا ».

__________________

(١) ذو المجاز: كان سوقاً من أسواق العرب، وهو عن يمين الموقف بعرفة. « معجم ما استعجم ٤: ١١٨٥ ».

(٢) في هامش ص: كعبه.

١١ - الاحتجاج: ٢١٨، الخرائج والجرائح ١: ٥٤ / ٨٤، ومثله في مناقب ابن شهر اشوب ١: ٣٢، اثبات الهداة ١: ٣٣٩.

(٣) في الخرائج، والمناقب: خيبر.

(٤) سورة الشعراء / الآية: ٦١.

٤٦

٣ - فصل:

في بيان آياته الواردة في الأطعمة والأشربة

وفيه: تسعة أحاديث

١٢ / ١ - أخبرنا أبو صالح عن ابن عبّاس، قال: كان سبب تزويج النبيّ (ص) بخديجةعليها‌السلام ، أنّه أقبل ميسرة - عبد(١) خديجة - وكان النبيّ (ص) قد نزل تحت شجرة، فرآه الراهب، فقال: مَن هذا الذي معك؟ فقال: من أهل مكة، قال: فإنّه نبيّ، والله ما جلس في هذا المجالس بعد عيسىعليه‌السلام أحد غيره.

قال: فأقبل إلى خديجة فقال لها: إنّي كنت آكل معه حتّى أشبع، ويبقى الطعام، فدعت خديجة بقناع عليه رطب، ودعت أختها هالة، وهي امرأة أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد الشمس، ودعت النبيّ (ص)، فأكلوا حتى شبعوا ولم ينقص منه شيء.

١٣ / ٢ - عن عليّعليه‌السلام ، قال: « لمّا نزلت:( وَأَنْذِرْ

__________________

١ - مناقب ابن المغازلي: ٣٣٠ / ٣٧٧، سيرة ابن هشام: ١: ١٩٩، وابن في سيرته ١: ٢٦١ مثله.

(١) في م، ك: غلام.

٢ - أمالي الطوسي ٢: ١٩٤، اثبات الوصية: ٩٩.

٤٧

عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (١) دعا رسول الله (ص) ثلاثين(٢) من أهل بيته، وكان الرجل منهم ليأكل جذعة ويشرب زقاً(٣) ، فقرّب إليهم رجلاً فأكلوا حتّى شبعوا ».

وفي الحديث طول.

١٤ / ٣ - عن أبان بن عثمان، يرفعه بإسناده، قال: إنّ أبا أمامة أسعد بن الأرت(٤) [ كان ] يبعث إلى رسول الله (ص) كلّ يوم غداءً وعشاءً في قصعة، ثريداً عليه عُراق، وكان يأكل معه من حوله حتّى يشبعوا، ثمّ ترد القصعة كما هي.

١٥ / ٤ - عن عمر بن ذر(٥) قال: حدّثنا مجاهد أنَّ أبا هريرة كان يقول: والله الذي لا إله إلاّ هو، إنّي كنت لأعتمد بيدي على الأرض من الجوع، وإنّي كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه(٦) ، فمرّ بي أبو بكر

__________________

(١) سورة الشعراء / الآية: ٢١٤.

(٢) في ع ( خ ل )، ك: الأربعين.

(٣) في ر، ك: قربا.

٣ - ...

(٤) كذا في النسخ، وهو أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد الأنصاري الخزرجي، كنيته أبو أمامة، توفي بالذبحة في حياة الرسول (ص) قبل بدر، راجع « أسد الغابة ١: ٧١ و ٥: ١٣٨، والاصابة ١: ٣٢، وسير أعلام النبلاء ١: ٢٩٩، ورجال الطوسي: ٥ / ٣٣، ومعجم رجال الحديث ٣: ٨٤ ».

٤ - مسند أحمد بن حنبل ٢٠: ٥١٥، صحيح البخاري ٨: ١١٩ باختلاف يسير.

(٥) هو عمر بن ذر بن عبد الله بن زرارة الهمداني الكوفى، روى عن مجاهد، وروى عنه أبو حنيفة وخلق كثير، راجع « الجرح والتعديل ٦: ١٠٧، حلية الأولياء ٥: ١٠٨، تهذيب التهذيب ٧: ٤٤٤، سير أعلام النبلاء ٦: ٣٨٥ » وفي نسخه ر: عمر بن زر.

(٦) في ر، ك، م، ع: فيه.

٤٨

فسألته عن آية من كتاب الله، وما سألته إلاّ ليشبعني، فمرّ بي ولم يفعل.

ثمّ مرّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله، وما سألته إلاّ ليشبعني ولم يفعل.

ثمّ مرّ بي أبو القاسم (ص)، فتبسّم حين رآني، وعرف ما في نفسي، وما في وجهي، فقال: « يا أبا هريرة ». فقلت: لبيك يا رسول الله، [ قال ]: « التحق ».

ومضى، واتبعته ودخل، واستأذنت، فأذن لي، ودخلت، فوجدت لبناً في قدح فقال: « من أين هذا اللبن؟ » قالوا: أهداه لك فلان - أو فلانة -.

قال: « يا أبا هريرة » قلت: لبّيك يا رسول الله. قال: « الحق أهل الصّفّة وادعهم ».

قال: وأهل الصُّفّة أضياف أهل الإسلام لا يأوون(١) إلى أهل ومال، وإذا أتته (ص) صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول شيئاً، وإذا أتته هديّة أصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: ما هذا اللبن في أهل الصّفة؟! كنت أرجو أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوّى بها، وأنا الرسول؟! فإذا جاؤوا فأمرني فكنت أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن؟! ولم يكن بد من طاعة الله عزّ وجل، ومن طاعة رسوله، فأتيتهم فدعوتهم، فأقبلوا حتّى استأذنوا، فأذن لهم، فأخذوا مجالسهم من البيت.

فقال: « يا أبا هريرة »، فقلت: لبيك يا رسول الله، قال: « خذ وأعطهم » فأخذت القدح، وجعلت أعطيه الرجل، فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ القدح حتّى انتهيت إلى رسول الله (ص)، وقد روي القوم

__________________

(١) في ع: لا يؤولون.

٤٩

كلّهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، ونظر إلي فتبسّم وقال: « يا أبا هريرة ». فقلت: لبيك. قال: « بقيت أنا وأنت » قلت: صدقت يا رسول الله، قال: « اقعد واشرب ».

فشربت حتّى رويت، فما زال (ص) يقول: « اشرب، اشرب » حتّى رويت وقلت: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً، ما أجد له مسلكاً.

قال: « فاعطني » قال: فأعطيته، فحمد الله عزّ وجل، وأثنى عليه، وسمّى، وشرب الفضلة.

١٦ / ٥ - عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: إنّ رسول الله (ص)، لم يكن شيء أحبّ إليه في الشاة من الكتف، فدخل على قوم من الأنصار، فذبح شاة فأمر بها فسلخت ثمّ قطعت، ثمّ انضجت، فقال رسول الله (ص): « هات الكتف » فجاءه به، ثمّ قال: « هات الكتف » فجاءه به، ثمّ قال: « هات الكتف » فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إنّي ذبحت شاة واحدة، وقد أتيتك بثلاث أكتاف، قال: « أما إنّك لو سكتّ لجئت بما دعوتُ به ».

١٧ / ٦ - عن الصادقعليه‌السلام ، قال: « إنّ سلمانرضي‌الله‌عنه أشار على النبيّ (ص) بحفر الخندق، فأمر أصحابه أن يحفروا ».

قال: « فأرسلوا إلى النبيّ (ص) جابر بن عبد الله الأنصاري، وكان أصغر القوم، فقال: يا رسول الله إنّا لنضرب بالمعاول فما نقدر على

__________________

٥ - الخصائص الكبرى ٢: ٥٥، الخرائج والجرائح ١: ١٥٤، عن جابر مثله.

٦ - قرب الاسناد: ١٣٨، تفسير القمي ٢: ١٧٨، مناقب ابن شهر اشوب ١: ١٠٣، الفصول المهمة: ٥٩، الخرائج والجرائح ١: ١٥٢ / ٢٤١.

والواقدي في مغازيه ٢: ٤٥٢، سيرة ابن هشام ٣: ٢٢٩، ودحلان في سيرته ٢: ٢١٦، صحيح البخاري ٥: ١٣٩، صحيح مسلم ٣: ١٦١٠، سيرة ابن كثير ٣: ١٨٩، دلائل النبوة ٣: ٤٢٢، اثبات الهداة ١: ٣٥٣.

٥٠

شيء من الأرض. قال: خذ بيدي، فذهب النبيّ (ص) ليستقل(١) به، فما استطاع، فعلم جابر أنّ ذلك الضعف إنّما هو من الجوع، وكان لا يرجع أحد حتّى يستأذن النبي (ص).

قال: فأتيته فقلت: يا رسول الله، إنّي أحبّ أن تأذن لي. قال: « انصرف » فانصرفت، وطحنت صاعاً، وذبحت جذعة(٢) ، فأتى النبيّ (ص) حين ظن أنّهم قد فرغوا، فقال: إنّي أحبّ أن تجيئني أنت ورجل أو رجلان ممّن أحببت.

فقال: أيّها الناس أجيبوا جابر بن عبد الله. وقد عدّوا بالأمس ألف رجل، قال: فدنا من النبيّ (ص)، وقال: إنّه ليس عندي إلاّ جذعة وصاع طحنته. فقال: أيّها الناس، أجيبوا جابرا.

قال: فانطلق حتّى دخل على زوجته، وقال: قد افتضحنا، قالت: ولم؟ فأخبرها، قالت: فأنهيت ما كان عندك إلى النبيّ (ص)؟

قال: نعم، قالت: أسكت، فإنّ رسول الله (ص) لم يكن ليفضحك.

فدخل النبيّ (ص)، ودعا بعشر صحاف، وحلّقهم عشرة عشرة، ثمّ قال لها: سمّي واغرفي وأبقي، وسمّي واثردي وأبقي.

قال: وسمّى النبيّ (ص) فدعا مائة فما رئي منهم إلاّ أثر أصابعهم، فقاموا، ثمّ دعا مائة أخرى، فجلسوا(٣) ، وسمّى النبيّ (ص) فما رئي منهم إلاّ أثر أصابعهم(٤) ، فما زال يجيء مائة، مائة، حتّى فرغ القوم، وكلّ ذلك يسمّي، قال: فبقي الطعام كما هو حتّى استطعموه العيال، والجيران، والصبيان ».

__________________

(١) أقلّ الشيء واستقله: حمله ورفعه. « لسان العرب - قلل - ١١: ٥٦٥ ».

(٢) الجذع من الدواب والأنعام: صغيرها، والأنثى: جذعة. « لسان العرب - جذع - ٨: ٤٤ ».

(٣) « فجلسوا » ليس في ر، م، ك، وفي ع: فتحلقوا.

(٤) في م، ش زيادة: ثمّ دعا مائة أخرى.

٥١

١٨ / ٧ - عن سيف، عن أبان، عن أنس بن مالك، قال: كنّا مع النبيّ (ص) في غزوة فانتقص زاد القوم(١) ، فقال: « هل فيكم أحد معه شيء؟ » فجاءه رجل بكفّ برّ، بقية برّ، فبسط له ثوبا ثمّ رمى به عليه، ثمّ غطاه، فدعا الله تعالى، ثم كشف عنه، فأخذ الناس منه، ولقد رأيت أحدب وهو يشدّ كمّه رباطاً حتّى يملأه، فأخذ العسكر منه على هذا النحو، ما بقي أحد إلاّ أخذ حاجته، فأقلع وهو كما هو.

١٩ / ٨ - مثله: شكوا إليه في غزوة تبوك نفاد الزاد، فدعا بفضلة زاد لهم، فلم يجد إلاّ بضع عشرة تمرة، فطرحت بين يديه، فمسّها بيده المباركة، ودعا ربّه ثمّ صاح في الناس فانحلقوا، وقال: « كلوا بسم الله » فأكل القوم فصاروا كأشبع ما كانوا، وملأوا مزاودهم وأوعيتهم، والتمرات كلّها كهيئتها، يرونها عيانا.

٢٠ / ٩ - عن جابر بن عبد الله، قال: توفي - أو استشهد - عبد الله بن عمرو بن حزام، فاستغثت برسول الله (ص) على غرمائه أن يضعوا من دينهم شيئاً، فأبوا، فقال (ص): « اذهب فصنّف تمرك أصنافاً » ففعلت، ثمّ أعلمته فجاء، فقعد على أعلاه - أو في وسطه - ثمّ قال: « كل للقوم ». فكِلتُ لهم حتّى وفيتهم، وبقي تمري، كأنّه لم ينقص منه شيء.

__________________

٧ - الخرائج والجرائح ١: ٢٧ / ١٤، نحوه.

(١) في ر، ك، م: فانفض القوم.

٨ - كنز الفوائد ١: ١٧٠، الخرائج والجرائح ١: ٢٨ / ١٥، اعلام الورى: ٣٦، اثبات الهداة ٢: ٨٩ / ٤٣٩.

٩ - مناقب ابن شهرآشوب ١: ١٠٤.

٥٢

٤ - فصل:

في ظهور آياته فيما أُنزل(*) عليه من السماء

وفيه: ثلاثة عشر حديثا

٢١ / ١ - عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « أمطرت المدينة ليلة مطراً شديداً، فلمّا أصبحوا خرج رسول الله (ص) بعلي فمرّ برجل من أصحابه، فخرجوا من المدينة إلى جبل ريّان - وهو جبل مسجد الخيف - فجلسوا عليه، فرفع رسول الله (ص) رأسه، فإذا رمّانة مدلاة من رمّان الجنّة، فتناولها رسول الله (ص) ففلقها، وأكل منها وأطعم عليّاعليه‌السلام ، وقال: يا فلان هذه الرمّانة من رمّان الجنّة، لا يأكلها في الدنيا إلاّ نبيّ، أو وصيّ نبيّ ».

٢٢ / ٢ - عن عليّ بن الحسين، عن أبيهعليهما‌السلام ، قال: « اشتكى الحسن بن عليّ بن أبي طالبعليهما‌السلام وبرئ، ودخل بعقبة مسجد النبيّ (ص)، فسقط في صدره، فضمّه النبيّ (ص)، وقال: فداك جدّك تشتهي شيئاً؟ قال: نعم، أشتهي خربزاً(١) ، فأدخل

__________________

(*) في م: نزل.

١ - مدينة المعاجز: ٥٦، نحوه.

٢ - مدينة المعاجز: ٥٥، عن مصدرنا هذا.

(١) الخربز: كلمة فارسية بمعنى: البطيخ.

٥٣

النبيّ (ص) يده تحت جناحه ثمّ هزّه إلى السقف. قال حذيفة: فأتبعته بصري، فلم ألحقه، وإنّي لأراعي السقف ليعود منه، فإذا هو قد دخل من الباب وثوبه من طرف حجره معطوف، ففتحه بين يدي النبيّ (ص)، وكان فيه بطيختان، ورمّانتان، وسفرجلتان، وتفاحتان، فتبسّم النبيّ (ص) وقال:

« الحمد لله الذي جعلكم مثل خيار بني إسرائيل، ينزل إليكم رزقكم(١) من جنّات النعيم، امض فداك جدّك وكل أنت وأخوك وأبوك وأمّك، وخبأ لجدّك نصيباً فمضى الحسنعليه‌السلام ، وكان أهل البيتعليهم‌السلام يأكلون من سائر الأعداد ويعود، حتّى قبض رسول الله (ص)، فتغير البطيخ، فأكلوه فلم يعد، ولم يزالوا كذلك حتّى قبضت فاطمةعليها‌السلام ، فتغيّر الرّمان، فأكلوه فلم يعد، ولم يزالوا كذلك حتّى قبض أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فتغيّر السفرجل، فأكلوه فلم يعد، وبقيت التفاحتان معي ومع أخي، فلمّا كان يوم آخر عهدي بالحسن، وجدتها عند رأسه وقد تغيّرت، فأكلتها، وبقيت الأخرى معي ».

٢٣ / ٣ - وروي عن أبي محيص أنّه قال(٢) : كنت بكربلاء مع عمر بن سعد لعنه الله فلمّا ركب(٣) الحسينعليه‌السلام العطش، استخرجها(٤) من ردائه واشتمها، وردّها، فلمّا صرععليه‌السلام فتشته فلم أجدها، وسمعت صوتاً من رجال رأيتهم، ولم يمكني الوصول إليهم، أنّ الملائكة تتلذّذ بروائحها عند قبره، عند طلوع الفجر، وقيام النهار.

__________________

(١) في م: ربكم وفي ر: عليكم، بدل: إليكم.

٣ - مدينة المعاجز: ٢٥٥ / ٩٧.

(٢) في م زيادة: كنت عارفاً بها وكنت.

(٣) في ع: كرب.

(٤) في ع: أخرجها.

٥٤

وفي الحديث طول، أخذت موضع الحاجة.

٢٤ / ٤ - وروى أبو موسى في مصنّفه ( فضائل البتولعليها‌السلام ) أنّ جبرئيل جاء بالرّمانتين، والسفرجلتين، والتفاحتين، وأعطى الحسن والحسينعليهما‌السلام ، وأهل البيت يأكلون منها، فلمّا توفّيت فاطمةعليها‌السلام تغيّر الرّمان والسفرجل، والتفاحتان بقيتا معهما، فمن زار الحسينعليه‌السلام من مخلصي شيعته بالأسحار وجد رائحتها.

ولست أدري أن الأمرين واحد أم اثنان؟ وقد وقع هذا الاختلاف في الرواية، والله أعلم.

٢٥ / ٥ - عن عليّعليه‌السلام ، قال: « بينما رسول الله (ص) يتضوّر جوعاً، إذ أتاه جبرئيلعليه‌السلام بجام من الجنّة فيه تحفة من تحف الجنّة، فهلّل الجام، وهلَّلت التحفة في يده، وسبّحاً وكبّراً وحمّداً، فتناولهما أهل بيته، ففعلوا(١) مثل ذلك.

فهمّ أن يتناولها بعض أصحابه، فتناوله جبرئيلعليه‌السلام ، وقال له: كلُها، فإنّها تحفة من الجنّة، أتحفك الله بها، وإنّها ليست تصلح إلاّ لنبيّ، أو وصي نبيّ، فأكل (ص) وأكلنا، وإنّي لأجد حلاوتها إلى ساعتي هذه ».

٢٦ / ٦ - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، مرسلاً، قال: دخل رسول الله (ص) على فاطمةعليها‌السلام ، وذكر فضل نفسها، وفضل زوجها وابنيها - في حديث طويل - فقالتعليها‌السلام : « يا رسول الله،

__________________

٤ - مدينة المعاجز: ٥٥ / ١١٣.

٥ - الاحتجاج: ٢١١، اثبات الهداة: ١: ٣٣٧.

(١) في م: ففعلا.

٦ - معالم الزلفى: ٤٠٥.

٥٥

والله لقد بات ابناي جائعين » فقال: « يا فاطمة، قومي فهاتي العفاص من المسجد ».

قالت: « يا رسول الله ما لنا من عفاص » قال: « يا فاطمة قومي، فإنّه من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله ».

قال: فقامت فاطمة إلى المسجد، فإذا هي بعفاص مغطَّى.

قال: فوضعته قُدّام النبيّ (ص) فإذا هو طبق مغطّى بمنديل شامي، فقال: « عليَّ بعليّ(١) وأيقظي الحسن والحسين ».

ثمّ كشف عن الطبق، فإذا فيه كعك أبيض يشبه كعك الشام، وزبيب يشبه زبيب الطائف، وتمر يشبه العجوة(٢) يسمّى الرائع - وفي رواية غيره. وصيحاني مثل صيحاني المدينة - فقال لهم النبيّ (ص): « كلوا ».

٢٧ / ٧ - عن سليمان الديلميّ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « مطروا بالمدينة مطراً جوداً، فلمّا أن انقشعت السحابة، خرج رسول الله (ص)، ومعه عدّة من أصحابه المهاجرين والأنصار، وعليّعليه‌السلام ليس في القوم، فلمّا خرجوا من باب المدينة، جلس النبيّ (ص) ينتظر عليّاً، وأصحابه حوله.

فبينما هو كذلك، إذ أقبل عليٌّ من المدينة، فقال له جبرئيلعليه‌السلام : يا محمد، هذا عليّ قد أتاك، نقيّ الكفّين، نقيّ القلب، يمشي كمالاً، ويقول صواباً، تزول الجبال ولا يزول. فلمّا دنا من النبيّ (ص)، أقبل يمسح وجهه بكفّه، ويمسح به وجه(٣) عليّ،

__________________

(١) في ش: أدعي عليّاً.

(٢) العجوة: ضرب من التمر، وهو من أجود التمر بالمدينة. « لسان العرب - عجا - ١٥: ٣١ ».

٧ - مدينة المعاجز: ٢٠٨ / ٤٢.

(٣) في ك: وجهه.

٥٦

ويمسح به وجه نفسه(١) وهو يقول: أنا المنذر وأنت الهادي من بعدي. فأنزل الله على نبيّه كلمح البصر:( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) (٢) .

قال: فقام النبيّ (ص)، ثمّ ارتفع جبرئيلعليه‌السلام ، ثمّ رفع رأسه، فإذا هو بكفّ أشدّ بياضاً من الثلج، قد أدلت رمّانة، أشدّ خضرة من الزمرّد، فأقبلت الرّمانة تهوي إلى النبيّ (ص) بضجيج، فلمّا صارت في يده، عضّ منها عضّات، ثمّ دفعها إلى عليّعليه‌السلام ، وقال له: كل، وأفضل لابنتي وابنيّ - يعني الحسن والحسينعليهما‌السلام - ثمّ التفت إلى الناس، وقال: أيّها الناس، هذه هديّة من عند الله إليّ، وإلى وصيّي، وإلى ابنتي، وإلى سبطيّ، فلو أذن الله لي أن آتيكم منها لفعلت، فاعذروني عافاكم الله.

قال سلمان: جعلت(٣) فداك، فما كان ذلك الضجيج؟ فقال: إنّ الرمانة لمّا اجتنيت، ضجّت الشجرة(٤) بالتسبيح.

قال: جعلت فداك، ما تسبيح الشجرة؟ قال: سبحان من سبّحت له الشجر الناظرة، سبحان ربّي الجليل، سبحان من قدح من قضبانها النار المضيئة، سبحان ربّي الكريم ».

ويقال: إنّه من تسبيح مريمعليها‌السلام .

٢٨ / ٨ - عن عليّعليه‌السلام ، قال: « أتاني رسول الله (ص) في منزلي، ولم يكن طعمنا منذ ثلاثة أيّام، فقال لي: يا عليّ هل عندك من شيء؟ فقلت: والذي أكرمك بالكرامة ما طعمت أنا وزوجتي وابناي

__________________

(١) « عليّ ويمسح به وجه نفسه » ليس في ك، ع.

(٢) سورة الرعد / الآية: ٧.

(٣) في ع: جعلني الله.

(٤) في م: اضطرب الشجر.

٨ - مدينة المعاجز: ٥٤ / ١٠٨.

٥٧

منذ ثلاثة أيّام.

فقال النبيّ (ص): يا فاطمة ادخلي البيت، وانظري هل تجدين شيئاً؟ فقالت: خرجت الساعة، فقلت: يا رسول الله، أدخلها أنا؟ فقال: ادخل بسم الله، فدخلت فإذا بطبق عليه رطب، وجفنة من ثريد، فحملتها إلى النبيّ (ص)، فقال: أرأيت(١) الرسول الذي حمل هذا الطعام؟ فقلت: نعم.

فقال: كيف هو؟ قلت: من بين أحمر وأخضر وأصفر، فقال: كلّ خطّ من جناح جبرئيلعليه‌السلام ، مكلّل بالدرّ والياقوت، فأكلنا من الثريد حتّى شبعنا، فما رؤي الأخذ من أصابعنا وأيدينا ».

٢٩ / ٩ - عن عبد الرزاق، عن معمّر، عن الزهريّ عن سعيد بن المسيب، قال: إن السماء طشت على عهد رسول الله (ص) ليلاً، فلمّا أصبح (ص) قال لعليّعليه‌السلام : « انهض بنا إلى العقيق ننظر إلى حسن الماء في حفر الأرض ».

قال عليّعليه‌السلام : « فاعتمد رسول الله (ص) على يدي فمضينا، فلمّا وصلنا إلى العقيق نظرنا إلى صفاء الماء في حفر الأرض ».

قال عليّعليه‌السلام : « يا رسول الله، لو أعلمتني من الليل لاتخذت لك سفرة من الطعام ». فقال: يا عليّ، إنّ الذي أخرجنا إليه لا يضيّعنا فبينا نحن وقوف، إذ نحن بغمامة قد أظلّتنا ببرق(٢) ورعد حتّى قربت منّا، فألقت بين يدي رسول الله (ص) سفرة عليها رمّان، لم تر العيون مثلها، على كلّ رمّانة ثلاثة أقشار: قشر من اللؤلؤ، وقشر

__________________

(١) في ر، ك، ص: أفرأيت.

٩ - معالم الزلفى: ٤٠٣.

(٢) في ش، ع، م: ببريق.

٥٨

من الفضّة، وقشر من الذهب.

فقال (ص) لي: قل: بسم الله وكل يا عليّ، هذا أطيب من سفرتك. وكشفنا(١) عن الرمّان، فإذا فيه ثلاثة ألوان من الحبّ: حبّ كالياقوت الأحمر، وحبّ كاللؤلؤ الأبيض، وحبّ كالزمرّد الأخضر، فيه طعم كلّ شيء من اللذّة، فلمّا أكلت ذكرت فاطمة والحسن والحسين، فضربت بيدي إلى ثلاث رمّانات، ووضعتهن في كمّي، ثمّ رفعت السفرة.

ثمّ انقلبنا نريد(٢) منازلنا، فلقينا رجلان من أصحاب رسول الله (ص). فقال أحدهما: من أين أقبلت يا رسول الله؟ قال: من العقيق، قال: لو أعلمتنا لاتّخذنا لك سفرة تصيب منها، فقال: إنّ الذي أخرجنا لم يضيعنا. وقال الآخر: يا أبا الحسن، إنّي أجد منكما رائحة طيبة، فهل كان عندكم ثمّ طعام؟ فضربت يدي إلى كمّي لأعطيهما رمّانة فلم أر في كمّي شيئاً، فاغتممت من ذلك

فلمّا افترقنا ومضى النبيّ (ص) إلى منزله وقربت من باب فاطمةعليها‌السلام ، وجدت في كمّي خشخشة، فنظرت فإذا الرمّان في كمّي، فدخلت وألقيت رمّانة إلى فاطمة، والأخريين إلى الحسن والحسين، ثمّ خرجت إلى النبيّ (ص)، فلمّا رآني قال: يا أبا الحسن، تحدّثني أم أحدّثك؟ فقلت: حدّثني يا رسول الله، فإنّه أشفى للغليل؛ فأخبر بما كان، فقلت: يا رسول الله، كأنّك كنت معي ».

وفي حديث آخر فيه طول؛ وفي ذلك عدّة آيات.

٣٠ / ١٠ - عن أبان، عن أنس بن مالك، قال: خرج رسول

__________________

(١) في ص، ع، وهامش ك: فكسرنا، وفي هامش ص: فقشرنا.

(٢) في م: إلى.

١٠ - ...

٥٩

الله (ص) نحو البقيع، فقال لي: يا أنس « انطلق وادع لي عليّ بن أبي طالب » فانطلقت، فلقيني(١) عليّعليه‌السلام ، فقال: « أين رسول الله؟ » فقلت: إنّ رسول الله أتى نحو البقيع وهو يدعوك.

فانطلق، فأتاه، فجعلا يمشيان وأنا خلفهما، وإذا غمامة قد أظلّتهما نحو البقيع، ليس على المدينة منها شيء، فتناول النبيّ (ص) شيئاً من الغمامة، وأخذ منها شيئاً يشبه الأترج(٢) ، فأكله وأطعم عليّاً، ثمّ قال: « هكذا يفعل كلّ نبيّ بوصيّه ».

٣١ / ١١ - عن ثمامة بن عبد الله، عن أنس، قال: بعث إليّ الحجاج - لعنه الله - يوماً فقال: ما تقول في أبي تراب؟ فقلت في نفسي: والله لأسوأنك.

قال: خرجت أريد النبيّ (ص)، وأنا غلام، وقد صلّى(٣) الفجر، وهو راكب على حماره، وعليّ يمشي، وهو معتنقه بيمينه، فقال: « يا أنس، اتبعنا » فاتبعتهما حتّى أتينا أكمة بالمدينة فنزل رسول الله (ص) عن الحمار، ثمّ جلس هو وعليّ على الأكمة، وقال: « يا أنس، كن هاهنا إلى أن آتيك ».

فجلسا يتحدّثان ويضحكان إلى أن طلعت(٤) الشمس، فقلت: الآن ينزلان، فجاءت سحابة فأظلّتهما عن الشمس، فرأيت رسول الله (ص) يتناول منها شيئاً، فيأكله ويطعم عليّاً، وأنا أنظر، إلى أن انجلت الغمامة، فنزلا ويد رسول الله (ص) في يد عليّ، فقلت: بأبي

__________________

(١) في ر، ص، ك، م: فتلقاني.

(٢) الأترج: هي من أفضل ما يوجد من الثمار في سائر البلدان. « مجمع البحرين - ترج - ٢: ٢٨٠ ».

١١ - أمالي الطوسي ١: ٣٢٠.

(٣) في ش، ك، ص زيادة: النبيّ (ص).

(٤) في ك، م، ص: ويضحكان إذ طلعت.

٦٠