الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب0%

الثاقب في المناقب مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 697

الثاقب في المناقب

مؤلف: ابن حمزة الطوسي
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف:

الصفحات: 697
المشاهدات: 188711
تحميل: 6904

توضيحات:

الثاقب في المناقب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 697 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 188711 / تحميل: 6904
الحجم الحجم الحجم
الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
العربية

إلى أين أمضي؟! فقال له أبو حمزة: إلى من أوصى؟ قال: إلى ثلاثة، أولهم أبو جعفر المنصور، وإلى ابنه عبد الله، وإلى ابنه موسى.

فضحك أبو حمزة، والتفت إليَّ وقال: لا تغتم فقد عرفت الإمام. فقلت: وكيف أيّها الشيخ؟!

فقال: أمّا وصيته إلى أبي جعفر المنصور فستر على الإمام، وأمّا وصيته إلى ابنه الأكبر والأصغر فقد بيّن عن عوار الأكبر، ونص على الأصغر. فقلت: وما فقه ذلك؟ فقال: قول النبي (ص): « الإمامة في أكبر ولدك يا علي، ما لم يكن ذا عاهة » فلمّا رأيناه قد أوصى إلى الأكبر والأصغر، علمنا أنّه قد بيّن عن عوار كبيره، ونصّ على صغيره، فسر إلى موسى، فإنّه صاحب الأمر.

قال أبو جعفر: فودّعت أمير المؤمنين، وودّعت أبا حمزة، وسرت إلى المدينة، وجعلت رحلي في بعض الخانات، وقصدت مسجد رسول الله (ص) وزرته، وصلّيت، ثمّ خرجت وسألت أهل المدينة: إلى من أوصى جعفر بن محمّد؟ فقالوا: إلى ابنه الأفطح عبد الله فقلت: هل يفتي؟ قالوا: نعم.

فقصدته وجئت إلى باب داره، فوجدت عليها من الغلمان ما لم يوجد على باب دار أمير البلد، فأنكرت، ثمّ قلت: الإمام لا يقال له لم وكيف؛ فاستأذنت، فدخل الغلام، وخرج وقال: من أين أنت؟ فأنكرت وقلت: والله ما هذا بصاحبي. ثمّ قلت: لعله من التقية، فقلت: قل: فلان الخراساني، فدخل وأذن لي، فدخلت، فإذا به جالس في الدست على منصة عظيمة، وبين يديه غلمان قيام، فقلت في نفسي: ذا أعظم، الإمام يقعد في الدست؟! ثمّ قلت: هذا أيضاً من الفضول الذي لا يحتاج إليه، يفعل الإمام ما يشاء، فسلّمت عليه، فأدناني وصافحني، وأجلسني بالقرب منه، وسألني فاحفى(١) ، ثمّ قال:

__________________

(١) فاحفى: من الحفاوة وهي المبالغة في السؤال عن الرجل والعناية في =

٤٤١

في أي شيء جئت؟ قلت: في مسائل أسأل عنها، وأُريد الحج. فقال لي: اسأل عمّا تريد.

فقلت: كم في المائتين من الزكاة؟ قال: خمسة دراهم.

قلت: كم في المائة؟ قال: درهمان ونصف.

فقلت: حسنٌ يا مولاي، أُعيذك بالله، ما تقول في رجل قال لامرأته: أنت طالق عدد نجوم السماء؟

قال: يكفيه من رأس الجوزاء، ثلاثة. فقلت: الرجل لا يُحسن شيئاً. فقمت وقلت: أنا أعود إلى سيدنا غداً. فقال: إن كان لك حاجة فإنّا لا نقصّر.

فانصرفت من عنده، وجئت إلى ضريح النبي (ص) فانكببت(١) على قبره، وشكوت خيبة سفري، وقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي، إلى مَن أمضي في هذه المسائل التي معي؟ إلى اليهود، أم إلى النصارى، أم إلى المجوس، أم إلى فقهاء النواصب؟ إلى أين يا رسول الله؟ فما زلت أبكي وأستغيث به، فإذا أنا بإنسان يحركني، فرفعت رأسي من فوق القبر، فرأيت عبداً أسود عليه قميص خلق، وعلى رأسه عمامة خلق فقال لي: يا أبا جعفر النيسابوري، يقول لك مولاك موسى بن جعفرعليهما‌السلام : « لا إلى اليهود، ولا إلى النصارى، ولا إلى المجوس، ولا إلى أعدائنا من النواصب، إليَّ، فأنا حجّة الله، قد أجبتك عمّا في الجزو وبجميع ما تحتاج إليه منذ أمس، فجئني به، وبدرهم شطيطة الذي فيه درهم ودانقان، الذي في كيس أربعمائة درهم اللؤلوي، وشقتها التي في رزمة الأخوين البلخيين ».

__________________

أمره « لسان العرب - حفا - ١٤: ١٨٨ ».

(١) في هامش ص: فبكيت.

٤٤٢

قال: فطار عقلي، وجئت إلى رحلي، ففتحت وأخذت الجزو والكيس والرزمة، فجئت إليه فوجدته في دار خراب، وبابه مهجور ما عليه أحد، وإذا بذلك الغلام قائم على الباب، فلمّا رآني دخل بين يدي، ودخلت معه، فإذا بسيدناعليه‌السلام جالس على الحصير، وتحته شاذكونه(١) يمانية، فلما رآني ضحك وقال: « لا تقنط، ولم تَفزع؟ لا إلى اليهود، ولا إلى النصارى والمجوس، أنا حجّة الله ووليه، ألم يعرفك أبو حمزة على باب مسجد الكوفة جري أمري؟! ».

قال: فأزاد ذلك في بصيرتي، وتحققت أمره. ثمّ قال لي: « هات الكيس » فدفعته إليه، فحلّه وأدخل يده فيه، وأخرج منه درهم شطيطة، وقال لي: هذا درهمها؟ » فقلت: نعم. فأخذ الرزمة وحلّها وأخرج منها شقة قطن مقصورة، طولها خمسة وعشرون ذراعاً، وقال لي: « اقرأعليها‌السلام كثيراً، وقل لها: قد جعلت شقتك في أكفاني، وبعثت إليك بهذه من أكفاننا، من قطن قريتنا صريا، قرية فاطمةعليها‌السلام ، وبذر قطن، كانت تزرعه بيدها الشريفة لأكفان ولدها، وغزل أختي حكيمة بنت أبي عبد اللهعليه‌السلام وقصارة(٢) يده لكفنه، فاجعليها في كفنك ».

ثمّ قال: « يا معتب جئني بكيس نفقة مؤناتنا » فجاء به، فطرح درهماً فيه، وأخرج منه أربعين درهماً، وقال: « اقرأها منّي السلام، وقل لها: « ستعيشين تسع عشرة ليلة من دخول أبي جعفر، ووصول هذا الكفن، وهذه الدراهم، فانفقي منها ستة عشر درهماً، واجعلي أربعة وعشرين صدقة عنك، وما يلزم عليك، وأنا أتولى الصلاة عليك؛ فإذا رأيتني فاكتم، فإنّ ذلك أبقى لنفسك؛ وافكك هذه الخواتيم وانظر هل أجبناك أم لا؟ قبل أن تجيء بدراهمهم كما أوصوك، فإنّك رسول ».

__________________

(١) الشاذكونة: معرب شادكونه أي عباءة أو جبة، فراش أو متكأ.

(٢) القصارة: فضل الشيء، انظر « لسان العرب - قصر - ٥: ١٠١ ».

٤٤٣

فتأملت الخواتيم فوجدتها صحاحاً، ففككت من وسطها واحداً فوجدت تحتها: ما يقول العالمعليه‌السلام في رجل قال: نذرت لله عزّ وجل لأعتقن كلّ مملوك كان في ملكي قديماً. وكان له جماعة من المماليك؟

تحته الجواب من موسى بن جعفرعليهما‌السلام : « من كان في ملكه قبل ستة أشهر، والدليل على صحة ذلك قوله تعالى:( حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) (١) ( وكان بين العرجون القديم والعرجون الجديد في النخلة )(٢) ستة أشهر ».

وفككت الآخر، فوجدت فيه: ما يقول العالمعليه‌السلام في رجل قال: [ والله ] أتصدّق بمال كثير، بما يتصدّق.

تحته الجواب بخطهعليه‌السلام : « إن كان الذي حلف بهذا اليمين من أرباب الدنانير تصدّق بأربعة وثمانين ديناراً، وإن كان من أرباب الدراهم تصدّق بأربعة وثمانين درهما، وإن كان من أرباب الغنم فيتصدّق بأربعة وثمانين غنما، وإن كان من أرباب البعير فباربعة وثمانين بعيرا؛ والدليل على ذلك قوله تعالى:( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ) (٣) فعددت مواطن رسول الله (ص) قبل نزول الآية فكانت أربعة وثمانين موطنا ».

وكسرت الأخرى فوجدت تحته: ما يقول العالمعليه‌السلام في رجل نبش قبراً وقطع رأس الميت وأخذ كفنه؟

الجواب تحته بخطهعليه‌السلام : « تقطع يده لأخذ الكفن من وراء الحرز، ويؤخذ منه مائة دينار لقطع رأس الميت، لأنّا جعلناه

__________________

(١) سورة يس الآية: ٣٩.

(٢) في ع، ش، ص: والعرجون الجديد للنخلة.

(٣) سورة التوبة الآية: ٢٥.

٤٤٤

بمنزلة الجنين في بطن أمّه من قبل نفخ الروح فيه، فجعلنا في النطفة عشرين ديناراً، وفي العلقة عشرين ديناراً، وفي المضغة عشرين ديناراً، وفي اللحم عشرين ديناراً، وفي تمام الخلق عشرين ديناراً، فلو نفخ فيه الروح لألزمناه ألف دينار، على أن لا يأخذ ورثة الميت منها شيئاً، بل يتصدق بها عنه، أو يحجّ، أو يغزى بها، لأنّها أصابته في جسمه بعد الموت ».

قال أبو جعفر فمضيت من فوري إلى الخان وحملت المال والمتاع إليه، وأقمت معه وحج فى تلك السنة فخرجت في جملته(١) معادلاً(٢) له في عماريّته(٣) في ذهابي يوماً وفي عماريّة أبيه يوما، ورجعت إلى خراسان فاستقبلني الناس، وشطيطة من جملتهم، فسلّموا عليّ، فأقبلت عليها من بينهم وأخبرتها بحضرتهم بما جرى، ودفعت إليها الشقة والدراهم، وكادت تنشق مرارتها من الفرح، ولم يدخل إلى المدينة من الشيعة إلاّ حاسد أو متأسف على منزلتها ودفعت الجزء إليهم، ففتحوا الخواتيم، فوجدوا الجوابات تحت مسائلهم.

وأقامت شطيطة تسعة عشر يوماً، وماتت رحمها الله، فتزاحمت الشيعة على الصلاة عليها، فرأيت أبا الحسنعليه‌السلام على نجيب، فنزل عنه وأخذ بخطامه، ووقف يصلّي عليها مع القوم، وحضر نزولها إلى قبرها ونثر(٤) في قبرها من تراب قبر أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، فلما فرغ من أمرها ركب البعير وألوى برأسه نحو البرية، وقال: « عرّف أصحابك واقرأهم عنّي السلام، وقل لهم: إنّني ومن جرى مجراي من أهل البيت لا بد لنا من حضور جنائزكم في أي بلد

__________________

(١) الجملة: الجماعة « لسان العرب - جمل - ١١: ١٢٨ ».

(٢) معادلا له: أى راكبا معه « لسان العرب - عدل - ١١: ٤٣٢ ».

(٣) العماريّة: هودج يجلس فيه.

« راجع محيط المحيط - عمر - ٦٣٢ ».

(٤) في ص: طرح.

٤٤٥

كنتم، فاتقوا الله في أنفسكم وأحسنوا الأعمال لتعينونا على خلاصكم، وفك رقابكم من النار ».

قال أبو جعفر: فلما ولّىعليه‌السلام عرّفت الجماعة، فرأوه وقد بَعُدَ والنجيب يجري به، فكادت أنفسهم تسيل حزنا إذ لم يتمكنوا من النظر إليه.

وفي ذلك عدة آيات، وكفى بها حجّة للمتأمل الذاكر.

٤٤٦

٥ - فصل:

في ظهور آياته في الإخبار بالمغيبات

وفيه: ستة أحاديث

٣٧٧ / ١ - عن الأصبغ بن موسى، قال: بعث معي رجل من أصحابنا إلى أبي الحسن موسىعليه‌السلام بمائة دينار، وكان معي بضاعة لنفسي، فلمّا دخلت المدينة صببت عليَّ ماءً، وغسلت بضاعتي وبضاعة الرجل، وذررت عليها مسكاً، ثمّ إني عددت بضاعة الرجل(١) ، فوجدتها تسعة وتسعين دينارا، فأخذت دينارا من دنانير لي أخرى فغسلته وذررت عليه مسكا، وأعدتها في الصرّة كما كانت، ثمّ دخلت عليه في الليل، فقلت له: جعلت فداك، إنّ معي شيئا أتقرّب به إلى الله. فقال: « هات ».

فلمّا ناولته الصرّة قال: « فضها » ففضضتها، ثمّ قلت: إنّ فلاناً مولاك بعث إليك معي بشيء. فلمّا أن ناولته ونثرتها بين يديه أخرج ديناري من بينها، ثمّ قال: « إنّما بعث إلينا وزناً لا عدداً ».

٣٧٨ / ٢ - ولقد وجدت في بعض كتب أصحابنا رضي الله عنهم

__________________

١ - الخرائج والجرائح ١: ٣٢٨ / ٢١، باختصار، كشف الغمة ٢: ٢٤٤، مدينة المعاجز: ٤٦٧، عن كتابنا هذا.

(١) زاد في ر: وذررت عليها مسكاً.

٢ - وعنه في مدينة المعاجز: ٤٦٧.

٤٤٧

أنّه كان للرشيد باز أبيض، يحبه حباً شديداً، فطار في بعض متصيداته حتّى غاب عن أعينهم، فأمر الرشيد أن يضرب له قبّة(١) ، ونزل تحتها، وحلف أنّه لا يبرح من موضعه أو يجيئوا إليه بالباز، وأقام بالموضع، وأنفذ وجوه العسكر، وسرح الأمراء والأقواد في طلبه على مسيرة يوم أو يومين وثلاثة.

فلمّا كان في اليوم الثاني آخر النهار نزل البازي عليه في يده حيوان يتحرك، ويلمع كما يلمع السيف في الشمس، فأخذه من يده بالرفق، ورجع إلى داره فطرحه في طست ذهب، ودعا بالأشراف والأطباء والحكماء والفقهاء والقضاة والحكّام، فقال: هل فيكم من رأى مثل هذه الصورة قط؟ فقالوا: ما رأينا مثلها قط، ولا ندري ما هي.

قال: كيف لنا بعلمها؟ فقال له ابن أكثم القاضي وأبو يوسف يعقوب القاضي: مالك غير إمام الروافض موسى بن جعفر تبعث وتُحضر جماعة من الروافض، وتسأله عنها، فإن علم كانت معرفتها لنا فائدة، وإن لم يعلم افتضح عند أصحابه الذين عندهم أنّه يعلم الغيب، وينظر في السماء إلى الملائكة.

فقال: هذا وتربة المهدي نعم الرأي وارسلوا خلف أبي الحسنعليه‌السلام وسألوه أن يحضر المجالس الساعة ومن عنده من أصحابه. وبعثوا خلف فلان وفلان من أصحاب الروافض.

فحضر أبو الحسنعليه‌السلام وجماعة من الشيعة معه، فقال: يا أبا الحسن، إنّما أحضرتك شوقاً إليك. فقال: « دعني من شوقك، ألا إنّ الله تبارك خلق بين السماء والأرض بحراً مكفوفاً عذباً زلالاً، كفَّ الموج بعضه على بعض من حواشيه لئلا يطغى خزنته فينزل منه مكيال فيهلك ما تحته، وطوله أربعة فراسخ في أربعة فراسخ من

__________________

(١) في ك، م: قبة تركية.

٤٤٨

فراسخ الملائكة، الفرسخ مسيرة مائتي عام للراكب المجد يحفّ به الصافون المسبّحون من الملائكة الذين قال الله تعالى:( وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ. وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ) (١) .

وخلق له سكاناً أشخاصاً على عمل السمك صغاراً وكباراً، فأكبر ما فيه من هذه الصورة شبر، وله رأس كرأس الآدمي، وله أنف وأذنان وعينان، والذكور منها له سواد في وجهه مثل اللحى، والإناث لها شعور على رأسها مثل النساء، ولها أجساد(٢) مثل أجساد السمك، وفلوس مثل ( فلوس السمك )(٣) وبطون مثل بطونها، ومواضع الأجنحة منها مثل أكف وأرجل مثل أيدي الناس، وأرجلهم، تلمع لمعاناً عظيماً لأنّها متبرّجة بالأنوار، تغشي الناظر إليها حتى يرد طرفه حسيراً.

غداؤها التقديس والتكبير والتهليل، فإذا قصَّر أحدهما في التسبيح سلّط الله عليها البزاة البيض، فأكلتها وجعلت رزقها، وما يحل لك أن تأخذ من هذا البازي رزقه الذي بعثه الله إليه ليأكله ».

فقال الرشيد: أخرجوا الطست، فأخرجوه، فنظر إليها فما أخطأ ممّا قال أبو الحسن موسىعليه‌السلام شيئاً، ثمّ انصرف، فطرحها الرشيد للبازي فقطعها وأكلها، فما نقط لها دم، ولا سقط منها شيء. فقال الرشيد لجماعة الهاشميين ومن حضر: أترانا لو حدّثنا بهذا كنا نصدّق؟!

٣٧٩ / ٣ - عن عبد الله بن سنان، قال: حمل الرشيد في بعض

__________________

(١) سورة الصافات الآيتان: ١٦٥، ١٦٦.

(٢) في م: بأجساد.

(٣) في م: فلوسها.

٣ - إرشاد المفيد: ٢٩٣، دلائل الإمامة: ١٥٨، الخرائج والجرائح ١: ٣٣٤ / ٢٥، قطعة منه و ٢: ٦٥٦ / ٩ بلفظ آخر، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٢٨٩، قطعة منه، إعلام الورى: ٣٠٢، كشف الغمة ٢: ٢٢٤، عيون =

٤٤٩

الأيام إلى علي بن يقطين ثياباً أكرمه بها، وكان من جملتها درّاعة خزّ سوداء من لباس الملوك، مثقّلة بالذّهب، فأنفذ علي بن يقطين جلّ(١) تلك الثياب إلى موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، وأنفذ من جملتها تلك الدرّاعة، وأضاف إليها مالاً كان أعدَّه على رسم له فيما يحمله من خمس ماله.

فلمّا وصل ذلك إلى أبي الحسنعليه‌السلام قَبِلَ المال والثياب وردّ الدرّاعة على يد الرسول إلى عليّ بن يقطين، وكتب إليه: « احتفظ بها، ولا تخرجها من يدك فسيكون لك بها شأن تحتاج معه إليها ». فارتاب عليّ بن يقطين بردّها إليه، ولم يدر ما سبب ذلك، واحتفظ بالدرّاعة، فلمّا كان بعد أيام تغير علي بن يقطين على غلام له كان يختصّ به، فصرفه عن خدمته، وكان الغلام يعرف ميل علي بن يقطين إلى أبي الحسنعليه‌السلام ، ويقف على ما يحمله إليه في كلّ وقت من الأوقات من مال وثياب وألطاف وغير ذلك، فسعى به إلى الرشيد وقال: إنّه يقول بإمامة موسى بن جعفرعليهما‌السلام ويحمل إليه خمس ماله في كلّ سنة، وقد حمل إليه الدرّاعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين في وقت كذا وكذا. فاستشاط الرشيد لذلك، وغضب غضباً شديداً، وقال: لأكشفن عن هذا الحال، فإن كان الأمر كما تقول أزهقت نفسه ( وأمر في الحال )(٢) بإحضار علي بن يقطين.

فلمّا مثل بين يديه قال: ما فعلت بالدرّاعة التي كسوتك إيّاها، قال: هي عندي يا أمير المؤمنين في سفط مختوم، فيه طيب، قد احتفظت بها، وكلّما أصبحت فتحت السفط ونظرت إليها تبركاً بها،

__________________

= المعجزات: ٩٩، روضة الواعظين: ٢٥٥، اثبات الهداة ٣: ١٩٣ / ٧٣، مدينة المعاجز: ٤٢٨، عن كتابنا هذا.

(١) في ر: أجمل.

(٢) في م: وانفذ في الوقت.

٤٥٠

وقبّلتها ورددتها إلى موضعها، وكلّما أمسيت صنعت مثل ذلك. فقال: أحضرها الساعة؟ فقال: نعم يا أمير المؤمنين.

واستدعى بعض خدمه وقال له: امض إلى البيت في داري، وخذ مفتاحه من جاريتي(١) ، وافتحه، ثمّ افتح الصندوق الفلاني وجئني بالسفط الذي فيه بختمه. فلم يلبث الغلام أن جاء بالسفط مختوماً، ووضع بين يدي الرَّشيد، وأمر بكسر ختمه وفتحه.

فلمّا فتح نظر إلى الدرّاعة فيه بحالها مطوية مدفونة في الطيب، فسكن الرشيد من غضبه(٢) ، ثمّ قال لعلي بن يقطين: أرددها إلى مكانها وانصرف راشداً، فلن أصدّق عليك بعدها ساعياً. وأمر أن يتبع بجائزة سنية، وتقدم بضرب الساعي به ألف سوط، فضرب نحو خمسمائة سوط، فمات في ذلك.

٣٨٠ / ٤ - عن محمّد بن إسماعيل، عن محمد بن المفضل، قال: اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح الرّجلين في الوضوء، أهو من الأصابع إلى الكعبين، أم من الكعبين إلى الأصابع؟ فكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام : جعلت فداك، إنّ أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرّجلين، فإن رأيت أن تكتب لي بخطّك ما يكون عملي عليه فعلت إن شاء الله تعالى.

فكتب إليه أبو الحسنعليه‌السلام : « فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء، والذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلاثاً، وتستنشق ثلاثاً، وتغسل وجهك ثلاثا، وتخلّل شعر لحيتك، وتغسل

__________________

(١) في م: خزانتي.

(٢) في ر: غيظه.

٤ - ارشاد المفيد: ٢٩٤، الخرائج والجرائح ١: ٣٣٥ / ٢٦، باختصار، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٢٨٨، كشف الغمة ٢: ٢٢٦، اعلام الورى: ٢٩٣. اثبات الهداة ٣: ١٩٤ / ٧٤، مدينة المعاجز: ٤٥١.

٤٥١

يديك ثلاثاً، وتمسح رأسك كلّه، وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما، وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثاً. ولا تخالف ذلك إلى غيره ».

فلمّا وصل الكتاب إلى علي بن يقطين تعجّب ممّا رسم له فيه ممّا ( أجمعت العصابة )(١) على خلافه، ثمّ قال: مولاي أعلم بما قال، وأنا ممتثل أمره. فكان يعمل في وضوئه على هذا الحد، ويخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لأمر أبي الحسنعليه‌السلام .

وسعي بعليّ بن يقطين إلى الرشيد وقيل له: إنه رافضيّ مخالف لك. فقال الرَّشيد لبعض خاصته: قد كثر عندي القول في علي بن يقطين والقذف له بخلافنا، وميله إلى الرفض، ولست أرى في خدمته لي تقصيراً، وقد امتحنته مراراً فما ظهرت منه على شيء يقذف به، وأحب أن أستبرئ أمره من حيث لا يشعر بذلك، فيتحرز منّي. فقال له: يا أمير المؤمنين، إنّ الرافضة تخالف الجماعة في الوضوء فتحققه ولا ترى غسل الرجلين، فامتحنه من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه. فقال: أجل، إنّ هذا الوضوء يظهر به أمره.

ثمّ تركه مدة وناطه بشيء من الشغل في الدار حتّى دخل وقت الصلاة، وكان علي بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه وصلاته، فلمّا دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو، فدعا بالماء فتمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه وخلل شعر لحيته، وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً، ومسح رأسه وأذنيه، وغسل رجليه، والرشيد ينظر إليه، فلمّا رآه قد فعل ذلك لم يملك نفسه حتّى أشرف عليه بحيث يراه، ثمّ ناداه: كذب يا علي بن يقطين من زعم أنّك من الرافضة. وصلحت حاله عنده.

__________________

(١) في ر، ك، م: أجمع أصحابه.

٤٥٢

ثمّ ورد عليه كتاب أبي الحسنعليه‌السلام : « ابتداء يا علي بن يقطين من الآن توضأ كما أمرك الله، اغسل وجهك مرة فريضة، والأخرى إسباغاً، واغسل يديك من المرفقين كذلك، وامسح بمقدّم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كنا نخاف عليك منه ».

٣٨١ / ٥ - عن مرازم، قال: حضرت باب الرشيد أنا وعبد الحميد الطائي ومحمّد بن حكيم وأدخل عبد الحميد فما لبثنا أن طرح برأسه وحده، فتغيرت ألواننا وقلنا: قد وقع الأمر.

فلمّا دخلت عليه وجدته(١) مغضباً، والسياف قائم بين يديه، وبيده سيف مصلت، ورأيت خلفه علويا، فعلمت أنّه قد فعل بنا ذلك، فقلت: اتق الله يا أمير المؤمنين في دمي، فإنّه لا يحل لك إلاّ بحجّة، ولا تسمع فينا قول هذا الفاسق.

فقال العلوي: أتفسقني وقد كنت بالمدينة تلقمني الفالوذج بيدك محبّة لي؟ فقال الرشيد بحيث لم يسمع هو: إذاً عرفت حقّه. فقلت: يا أمير المؤمنين، أنشدك الله إلاّ قلت لهذا: ألست كنت أبيع داراً بالمدينة لي فطلب منّي أن أبيعها منه، ثمّ إنه استشفع في ذلك بموسى بن جعفرعليه‌السلام فما قبلت ولا شفّعته فيه، وبعته من غيره؟ فسأله: أكذلك؟ قال: نعم. فقال: قم، قبحك الله، تقول إنّه يقول بربوبية موسى بن جعفرعليهما‌السلام ثمّ تقول إنّه لم يقبل شفاعته في بيع دار منّي؟!

ثمّ أقبل عليَّ وقال: ارجع راشداً. فخرجت وأخذت بيد صاحبي وقلت: امض، فقد خلَّصنا الله تعالى، ورحم الله عبد الحميد،

__________________

٥ - وعنه في مدينة المعاجز: ٤٦٧، اثبات الهداة ٣: ١٧٥ / ١٣.

(١) في ر، ك، م: رأيته.

٤٥٣

وحكيت له ما جرى فقال لي: وما منعك من قبول شفاعة أبي الحسنعليه‌السلام ؟ فقلت له: هو أمرني بذلك، وقال لي: « إن استشفع بي إليك فلا تقبل شفاعتي ».

٣٨٢ / ٦ - عن أبي خالد الزُّبالي(١) قال: ورد علينا أبو الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام وقد حمله المهدي، فلمّا خرج ودعته وبكيت فقال: « ما يبكيك يا أبا خالد؟ » فقلت: جعلت فداك، قد حملك هؤلاء وما أدري ما يحدث. فقال: « أمّا في هذه المرّة فلا خوف عليّ منهم، وأنا عندك في يوم كذا، في شهر كذا، في ساعة كذا، فانتظرني عند أول الميل »(٢) ومضى.

قال: فلمّا كان من اليوم الذي وصفه لي خرجت إلى الميل، وجلست أنتظره حتّى اصفرت الشمس، وخفت أن يكون قد تأخر به عن الوقت، فقمت لأنصرف فإذا أنا بسواد قد أقبل، ومنادٍ يا ينادي من خلفي، فأتيته فإذا هو أبو الحسن موسىعليه‌السلام على بغلته فقال ابتداء: يا أبا خالد، إنّ لي عودة إليهم، ولا أتخلّص من أيديهم.

__________________

٦ - الكافي ١: ٤٧٧، بلفظ آخر، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٢٨٧، إعلام الورى: ٢٩٥، مدينة المعاجز: ٤٣٥.

(١) الزبالي: نسبة إلى زبالة منزل بطريق مكة من الكوفة « معجم البلدان ٣: ١٢٩ ».

(٢) الميل: أول وقت زوال الشمس وغيابها، انظر « المعجم الوسيط - ميل - ٢: ٨٩٤ ».

٤٥٤

٦ - فصل:

في بيان ظهور آياته في معان شتى

وفيه: أحد عشر حديثا

٣٨٣ / ١ - عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد الرافعي، قال: كان لي ابن عم يقال له ( الحسين بن عبد الله ) وكان زاهداً ومن أعبد أهل زمانه، وكان يعظ السلطان، وربما استقبله بكلام صعب فيما يعظه به، ويأمره بالمعروف، وكان السلطان يحتمله لصلاحه، ولم تزل هذه حالته حتّى كان ذات يوم فدخل أبو الحسنعليه‌السلام المسجد فرآه فأومى إليه وقال له: « يا أبا علي ما أحب إليَّ ما أنت فيه وأسرني بك فيه، إلاّ أنّه ليس لك معرفة، فاطلب المعرفة ».

فقال: جعلت فداك يا ابن رسول الله، فما المعرفة؟ قال: « اذهب وتفقه واطلب الحديث ».

قال: فممّن؟ قال: « من مالك بن أنس، ومن فقهاء المدينة ». ثم أعرض علي الحديث فذهب وكتب حديثاً كثيراً، ثمّ جاءه وقرأه عليه، فأسقطه كلّه، ثمّ قال: « اذهب في طلب المعرفة » وكان الرجل معنياً

__________________

١ - بصائر الدرجات: ٢٧٤ / ٦، الكافي ١: ٣٥٢ / ٨، ارشاد المفيد: ٢٩٢، الخرائج والجرائح ٢: ٦٥ / ٢، باختلاف فيه، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٢٨٨، باختصار.

٤٥٥

بدينه، فلم يزل يترصد أبا الحسنعليه‌السلام حتّى إذا خرج إلى ضيعة له تبعه فبلغه في الطريق وقال: جعلت فداك يا ابن رسول الله، إنّي احتجّ عليك بين يدي الله تعالى، دلني على المعرفة.

فأخبره بأمر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأخبره بأمر غيره فقبل ذلك منه، ثمّ سأل عمّن كان بعد أمير المؤمنين قال: « الحسن والحسين » حتّى عدَّ إلى نفسه، ثمّ سكت.

قال: فمن في هذا اليوم؟ فقال: « إن أخبرتك تقبل؟ » قال: بلى.

قال: « أنا هو » قال: فشيء استدل به. قال: « اذهب إلى تلك الشجرة - وأشار إلى بعض أشجار أمّ غيلان(١) - فقل لها: يقول لك موسى بن جعفر: أقبلي ».

قال: فأتيتها وقلت لها ذلك، فرأيتها تخدُّ الأرض خدّاً حتّى وقفت بين يديه، ثمّ أشار إليها فرجعت، فأقر به، ثمّ لزم الصمت والعبادة، وكان لا يراه أحد بعد ذلك يتكلم، وكان قبل ذلك يرى الرؤيا الحسنة، ويُرى له، ثمّ انقطعت عنه، فرأى أبا الحسنعليه‌السلام فيما يرى النائم، فشكا إليه انقطاع الرؤيا، فقال: « لا تغتم، إنّ المؤمن إذا رسخ في الإيمان رفعت عنه الرؤيا ».

٣٨٤ / ٢ - عن علي بن أبي حمزة البطائني، قال: خرج أبو الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام في بعض الأيّام من المدينة، إلى ضيعة له خارجة عنها، فصحبته، وكانعليه‌السلام راكباً بغلة، وأنا على حمار لي، فلمّا صرنا في بعض الطريق اعترضنا أسد، فأحجمت

__________________

(١) اشجار أم غيلان: الطلح « الجامع لابن بيطار ١: ١٥٧ ».

٢ - ارشاد المفيد: ٢٩٥، الخرائج والجرائح ٢: ٦٤٩، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٢٩٨، كشف الغمة ٢: ٢٢٧، روضة الواعظين: ٢١٤، مدينة المعاجز: ٤٤٦.

٤٥٦

خوفاً، وأقدم أبو الحسنعليه‌السلام غير مكترث له، فرأيت الأسد يتذلل له ويهمهم، فوقف له أبو الحسنعليه‌السلام كالمصغي إلى همهمته، ووضع الأسد يده على كفل بغلته، فدهمني من ذلك [ فزع ] وخفت خوفاً عظيماً، ثمّ تنحى الأسد إلى جانب الطريق، وحوّل أبو الحسنعليه‌السلام وجهه إلى القبلة وجعل يدعو ويحرك شفتيه بما لم أفهمه، ثمّ أومى إلى الأسد باليد أن امض، فهمهم الأسد همهمة طويلة، وأبو الحسنعليه‌السلام يقول: « آمين، آمين »، حتّى غاب عن أعيننا، ومضى أبو الحسنعليه‌السلام لوجهه واتبعته.

فلمّا بعدنا عن الموضع لحقته، وقلت: جعلت فداك، ما شأن هذا الأسد؟! فلقد خفته والله عليك، وعجبت من شأنه معك! فقالعليه‌السلام : « إنّه خرج إليَّ يشكو عسر الولادة على لبوته، وسألني أن أسأل الله تعالى أن يفرج عنها، ففعلت ذلك، وألقي في روعي أنّها تلد ذكراً فخبّرته بذلك، فقال لي: امض في حفظ الله فلا سلّط الله عليك ولا على أحد من ذريتك وشيعتك شيئاً من السباع؛ فقلت: آمين، آمين ».

٣٨٥ / ٣ - عن إسماعيل بن سلام وأبي حميد قالا: بعث إلينا علي بن يقطين وقال: اشتريا راحلتين، وتجنبا الطريق، ودفع إلينا مالاً وكتباً حتّى توصلا ما معكما من المال والكتاب إلى أبي الحسنعليه‌السلام ، ولا يعلم بكما أحد.

قالا: فأتينا الكوفة واشترينا راحلتين، وتزودنا زاداً، وخرجنا نتجنب الطريق، حتّى إذا صرنا ببطن البرية شددنا راحلتينا، ووضعنا العلف لهما، وقعدنا نأكل، فبينما نحن كذلك إذ رأينا راكباً قد أقبل

__________________

٣ - اختيار معرفة الرجال: ٤٣٦ / ٨٢١، باختلاف فيه، الخرائج والجرائح ١: ٣٢٧ / ٢٠، كشف الغمة ٢: ٢٤٩، مدينة المعاجز: ٤٦٨،

٤٥٧

ومعه شاكري(١) ، فلمّا قرب فإذا هو أبو الحسنعليه‌السلام فقمنا إليه وسلّمنا عليه، ودفعنا إليه الكتاب، وما كان معنا، فأخرج من كمّه كتباً فناولها إيّانا وقال: « هذه جوابات كتبكم » فقلنا: زادنا قد فني، فلو أذنت لنا فدخلنا المدينة وزرنا رسول الله (ص) وتزودنا زاداً. فقال: « هاتوا ما معكما من الزاد » فأخرجنا الزاد إليه فقلّبه بيده الشريفة وقال: « هذا يبلغكما الكوفة، وأمّا زيارة رسول الله (ص) فقد زرتماه، إنّي صلّيت معهم الفجر، وأنا أريد أن أصلي معهم الظهر، انصرفا في حفظ الله ».

٣٨٦ / ٤ - ووجدت في بعض كتب أصحابنا رضي الله عنهم أنّ إبراهيم الجمّال كان من الموحدين العارفين، فاستأذن على أبي الحسن علي بن يقطين الوزير، وكان ممّن يوالي أهل البيتعليهم‌السلام ، فحجب عليه، فحجّ في تلك السنة علي بن يقطين فاستأذن بالمدينة على أبي إبراهيم موسى بن جعفرعليهما‌السلام فحجبه، فرآه ثاني يوم فقال: يا مولاي ما ذنبي؟ فقالعليه‌السلام : « حجبتك لأنّك حجبت أخاك إبراهيم الجمال مولاي » فقال: من لي بإبراهيم الجمّال وهذا الوقت؟ فقالعليه‌السلام : « إذا كان ليلاً فامض إلى البقيع وحدك من غير أن يراك أحد من أصحابك، فاركب نجيباً هناك مسرجاً ».

فوافى البقيع، وركب النجيب، ولم يلبث حتّى أناخه على باب إبراهيم الجمّال، فقرع الباب وقال: أنا علي بن يقطين فقال من داخل الدار: وما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي؟ فقال علي بن يقطين: يا هذا، إن أمري عظيم. فأبى أن يفتح عليه الباب، ثمّ أذن له.

فلمّا دخل عليه قال: إنّ المولىعليه‌السلام أبى أن يقبلني دون أن تغفر لي يا إبراهيم. فقال: يغفر الله لك. وعلي بن يقطين يقول:

__________________

(١) الشاكري: الأجير والمستخدم. فارسية.

٤ - عنه في مدينة المعاجز: ٤٥١.

٤٥٨

اللهم اشهد لي. ثمّ انصرف وركب النجيب وأناخه من ليلته بباب المولىعليه‌السلام بالمدينة، فأذن له، ودخل عليه فقبله.

٣٨٧ / ٥ - عن إسحاق بن أبي عبد الله، قال: كنت مع أبي الحسن موسىعليه‌السلام حين قدم من البصرة، فبينما نحن نسير في البطائح في هول أرياح إذ سايرنا قوم في السفينة، فسمعنا لهم جلبة(١) ، فقالعليه‌السلام : « ما هذا؟ » فقيل: عروس تهدى إلى زوجها.

قال: ثمّ مكثنا ما شاء الله تعالى، فسمعنا صراخاً وصيحة فقالعليه‌السلام : « ما هذا؟ » فقيل: العروس أرادت تغرف ماءً فوقع سوارها في الماء. فقال: ( أحبسوا وقولوا لملاحهم يحبس فحبسنا وحبس )(٢) ملاحهم فجلس ووضع أبو الحسنعليه‌السلام صدره على السفينة وتكلم بكلام خفي، وقال للملاح: « انزل » فنزل الملاح بفوطة(٣) ، فلم يزل في الماء نصف ساعة وبعض ساعة فإذا هو بسوارها، فجاء به.

فلمّا أخرج الملاّح السوار قال له إسحاق أخوه: جعلت فداك، الدعاء الذي قلت أخبرنا به. فقال له: « أستره إلاّ ممّن تثق به » ثم قال: « يا سابق كل فوت، ويا سامع كل صوت، ويا بارئ النفوس بعد الموت، يا كاسي العظام لحما بعد الموت، يا من لا تغشاه الظلمات الحندسية، ولا تتشابه عليه الأصوات المختلفة، ويا من لا يشغله شأن عن شأن، يا من له عند كل شيء من خلقه سمع حاضر، وبصر نافذ،

__________________

٥ - كشف الغمة ٢: ٢٣٩، اثبات الهداة ٣: ٢٠٣، مع اختلاف فيه، مدينة المعاجز: ٤٦٨، عن كتابنا هذا.

(١) في م: غلبة، والجلبة: الصوت « لسان العرب - جلب - ١: ٢٦٩ ».

(٢) في النسخ: فقال: من ملاحنا يحبس وملاحهم. وما أثبتناه من المصادر.

(٣) الفوطة: ثوب قصير غليظ يكون مئزراً « لسان العرب - فوط - ٧: ٣٧٣ ».

٤٥٩

لا يغلطه كثرة المسائل، ولا يبرمه إلحاح الملحين، يا حي حين لا حي في ديمومة ملكه وبقائه، يا من سكن العلى واحتجب عن خلقه بنوره، يا من أشرق بنوره دياجي الظلم(١) أسألك باسمك الواحد الأحد الفرد الوتر الصمد أن تصلّي على محمّد وآل محمّد الطيبين الطاهرين ».

٣٨٨ / ٦ - عن بشّار مولى السندي بن شاهك، قال: كنت من أشدّ الناس بغضا لآل محمّد فدعاني السندي يوماً فقال: يا بشّار، إنّي أريد أن أئمتك على ما ائتمنني هارون. قلت: إذاً لا أبقي فيه غاية. قال: هذا موسى بن جعفر قد دفعه إليَّ، وقد دفعته ووكلتك بحفظه، فجعلته في دار في جوف دور، وكنت أقفل عليه عدّة أقفال، فإذا مضيت في حاجة وكّلت امرأتي بالباب، لا تفارقه حتّى أرجع.

قال بشار: فحول الله ما كان في قلبي من البغض حبّاً.

قال: فدعانيعليه‌السلام يوماً فقال: « يا بشّار، احضر في سجن القنطرة وادع لي هند بن الحجاج، وقل له: أبو الحسن يأمرك بالمصير إليه، فإنّه ينتهرك ويصيح عليك، فإذا فعل ذلك فقل: أنا قد قلت وأبلغت رسالته، فإن شئت فافعل، وإن شئت لا تفعل، واتركه وانصرف ».

قال: ففعلت ما أمرني، وأقفلت الأبواب كما كنت أقفل، وأقعدت امرأتي على الباب، وقلت: لا تبرحي حتّى آتيك، وقصدت إلى سجن القنطرة، ودخلت على هند بن الحجاج وقلت له: أبو الحسنعليه‌السلام يأمرك بالمصير إليه، فصاح عليّ وانتهرني، فقلت له: قد أبلغتك فإن شئت فافعل، وإن شئت لا تفعل، وانصرفت وتركته.

__________________

(١) في ر، ك: الظلام.

٦ - اختيار معرفة الرجال: ٤٣٨ / ٨٢٧، مدينة المعاجز: ٤٦٨، عن كتابنا هذا هذا.

٤٦٠