الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب0%

الثاقب في المناقب مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 697

الثاقب في المناقب

مؤلف: ابن حمزة الطوسي
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف:

الصفحات: 697
المشاهدات: 188600
تحميل: 6904

توضيحات:

الثاقب في المناقب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 697 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 188600 / تحميل: 6904
الحجم الحجم الحجم
الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
العربية

سلّم أبو محمّدعليه‌السلام إلى فخر بن أيم(١) فكان يضيق عليه ويؤذيه قال: فقالت له امرأته: ويلك ) اتق الله ألا تدري من في منزلك؟! وعرّفته صلاحه، وقالت: إنّي أخاف عليك منه. فقال: لأرمينه بين السباع. ثمّ فعل ذلك فرآه قائماً يُصلّي وحوله السباع.

٥٣١ / ٤ - عن أحمد بن إسحاق، قال: دخلت على أبي محمّدعليه‌السلام وقلت: إنّي مغتم بشيء يصيبني في نفسي، وإنّي أردت أن أسأل أباك فلم يتفق(٢) لي. قال: « وما هو يا أحمد؟ » فقلت: يا سيدي، روي عن آبائك أنّ نوم الأنبياء على أقفيتهم، ونوم المؤمنين على أيمانهم، ونوم المنافقين على شمائلهم، ونوم الشياطين على وجوههم. فقالعليه‌السلام : « كذلك هو ». فقلت: يا سيدي، فإنّي أجاهد أن أنام على يميني ولا يأخذني النوم عليها. فسكت ساعة ثمّ قال: « ادنُ منّي يا أحمد » فدنوت منه فقال: « ادخل يدك تحت ثيابك » فادخلتها، فأخرج يده من تحت ثيابه وأدخلها تحت ثيابي ومسح بيده اليمنى على جانبي الأيسر وبيده على جانبي الأيمن ثلاث مرات.

قال أحمد: فما قدرت أن أنام على يساري منذ فعل ذلك بي، وما أخذني عليها نوم أصلا.

__________________

(١) في هامش ص: نحرير الخادم، وفي ش، ص: يحيى بن أيم.

٤ - الكافي ١: ٤٣٠ / قطعة من حديث ٢٧،

(٢) في ص، م، ك: يقض.

٥٨١

٥٨٢

الباب الخامس عشر

في ذكر آيات صاحب الزمان الخلف الصالح

المنتظر المهدي عجل الله فرجه الشريف

وفيه خمسة فصول

٥٨٣

١ - فصل:

في بيان ظهور آياتهعليه‌السلام

في حال ولادته وبعدها

وفيه: حديثان

٥٣٢ / ١ - عن السياري قال: حدّثتني نسيم ومارية، قالتا: لمّا خرج صاحب الزمانعليه‌السلام من بطن أمّه سقط جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبابته نحو السماء، ثمّ عطس فقال: « الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله، عبداً ذاكراً لله، غير مستنكف ولا مستكبر ».

ثمّ قال: « زعمت الظلمة أنّ حجة الله داحضة، ولو أذن لنا في الكلام لزال الشك ».

٥٣٣ / ٢ - عن أبي علي الحسن الآبي قال: حدّثتني الجارية التي أهديتها لأبي محمّدعليه‌السلام قالت: لمّا ولد السيّدعليه‌السلام رأيت نوراً ساطعاً قد ظهر منه وبلغ أفق السماء، ورأيت طيوراً بيضاء تهبط من السماء وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده ثمّ تطير، فأخبرنا أبا محمدعليه‌السلام بذلك فضحك ثمّ قال: « تلك ملائكة السماء نزلت لتتبارك بهذا المولود، وهي أنصاره إذا خرج بأمر الله عزّ وجل ».

__________________

١ - كمال الدين: ٤٣٠ / ٥، اثبات الوصية: ٢٢١، غيبة الطوسي: ١٤٧، الخرائج والجرائح ١: ٤٥٧ / ٢، إعلام الورى: ٣٩٥، حلية الأبرار ٢: ٥٤٤، مدينة المعاجز: ٥٨٦ / ٢.

٢ - روضة الواعظين: ٢٦٠.

٥٨٤

٢ - فصل:

في بيان ظهور آياتهعليه‌السلام

في حال طفولته

وفيه: حديث واحد

٥٣٤ / ١ - عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف، قال في حديث طويل أنا أقتصر على الموضع المقصود منه، قال: مضيت إلى سر من رأى مع أحمد بن إسحاق لأزور أبا محمّدعليه‌السلام وأسأله عن مسائل أشكلت عليَّ، فلمّا وصلنا إليها ووردنا باب أبي محمدعليه‌السلام استأذنا فخرج الإذن بالدخول، وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب غطاه بكساء طبري، فيه مائة وستون صرّة من الدنانير والدراهم، على كلّ صرّة منها ختم لصاحبه.

قال سعد: فما شبّهت أبا محمّد حين غشينا نور وجهه إلاّ ببدر قد استوت لياليه أربعاً بعد عشرة، وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر، على رأسه فرق بين وفرة كأنّه ألف بين واوين، وبين يديه رمّانة ذهبية تلمع ببدائع نقوشها، ووسطها غرائب الفصوص المركّبة عليها، قد كان أهداها له بعض رؤساء أهل البصرة، وبيده قلم إذا أراد أن يسطّر به على البياض قبض الغلام على أصابعه، فكان مولاناعليه‌السلام يدحرج الرمّانة بين يديه ويشغله بردّها كي لا

__________________

١ - كمال الدين: ٤٥٤ / ٢١، الخرائج والجرائح ١: ٤٨١ / ٢٢، وفيه مثله، الاحتجاج: ٢٦٨، ينابيع المودة: ٤٥٩، حلية الأبرار ٢: ٥٥٧.

٥٨٥

يصدّه عن كتبه ما أراده، فسلّمنا عليه فألطف بالجواب وأومأ إلينا بالجلوس.

فلمّا فرغ من كتبه البياض الذي كان بيده أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه، فوضعه بين يديه، فنظر المولى أبو محمّدعليه‌السلام إلى الغلام، وقال: « يا بني، فضّ الختم عن هدايا شيعتك التي بعثوها إليك ».

فقال: « يا مولاي، يجوز لي أن أمدَّ يدي الطاهرة إلى هدايا نجسة وأموال وحشة قد خلط حلّها بحرامها؟ ».

فقالعليه‌السلام : « يا ابن إسحاق، استخرج ما في الجراب، ليميّز بين الحلال والحرام منها ».

فأول صرة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام: هذا لفلان بن فلان من غلّة كذا، تشتمل على اثنين وستين ديناراً، منها من ثمن حجرة باعها، وكانت إرثاً له من أبيه، خمسة وأربعين دينارا، ومن أثمان تسعة أثواب(١) أربعة عشر دينارا، وفيها من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير ».

فقال مولاناعليه‌السلام : « يا بني، دل الرجل على الحرام منها ».

فقال: « فتّش عن دينار منها رازي السكة، تاريخه سنة كذا، قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه وقراضته(٢) أصلية وزنها ربع دينار.

والعلّة في تحريمها أنّ صاحب هذه الحلّة وزن في شهر كذا من

__________________

(١) في م: أبواب.

(٢) القراضة: ما سقط بالقرض، ومنه قراضة الذهب، لسان العرب - قرض ٧: ٢١٦.

٥٨٦

سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منّا وربع، فأتت على ذلك مدة قبض انتهاها لذلك الغزل سارقا، فأخبر به الحائك صاحبه فكذّبه واستردّ منه بدل ذلك منّا ونصفا من غزل أول ممّا كان دفعه إليه، فاتخذ من ذلك ثوبا كان هذا الديا نار مع القراضة ثمنه ».

فلمّا فتح رأس الصرّة صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه وبمقدارها على حسب ما قال، واستخرج الديا نار والقراضة بتلك العلامة.

ثمّ أخرج صرّة أخرى فقال الغلامعليه‌السلام : « هذا لفلان بن فلان، من محلّة كذا، وهو يشتمل على خمسين دينارا، لا يحلّ لنا شيء منها ».

قال: « وكيف ذلك؟ » قال: « لأنّها من ثمن حنطة قد حاف صاحبها على أكاريه في المقاسمة، وذلك أنّه قبض حصته منها بكيل واف، وكان ما خصّ الأكارين منها بكيل بخس ».

فقالعليه‌السلام : « صدقت يا بني ».

ثمّ قال: « يا ابن إسحاق، احملها جميعا لتردّها، أو توصي بردّها على أربابها، ولا حاجة لنا في شيء منها، وأتنا بثوب العجوز ».

قال أحمد: وكان ذلك الثوب في حق لي فنسيته، فلمّا انصرف أحمد بن اسحاق ليأتيه بالثوب نظر إليّ مولاناعليه‌السلام فقال: « ما جاء بك يا سعد؟ » فقلت: شوّقني أحمد بن إسحاق الخصيب إلى لقاء مولانا.

قال: « فالمسائل التي أردت أن تسأل عنها؟ » قلت: على حالها.

قال: « اسأل قرّة عيني عنها - وأومأ إلى الغلام - فاسأله عمّا بدا لك ». فسألته عنها، فأجاب، وإنّي تركت ذكرها كراهية التطويل.

٥٨٧

فلمّا أجاب قام أبو محمّدعليه‌السلام مع الغلام وانصرفت عنهما، وطلبت أثر أحمد بن اسحاق فاستقبلني باكياً، فقلت: ما أبكاك وأبطأك؟ فقال: قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره. فقلت: لا عليك، فأخبره، وانصرف من عنده متبسماً، وهو يصلّي على محمّد وآل محمّد، فقلت: ما الخبر؟ قال: وجدت الثوب مبسوطاً تحت قدمي مولاي يصلّي عليه.

قال سعد: فحمد الله تعالى وأثنى عليه على ذلك، وجعلنا نختلف بعد ذلك إلى منزلهعليه‌السلام أيّاماً، ولا نرى الغلام بين يديه.

فلمّا كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا، فانتصب أحمد بن إسحاق قائماً بين يديه، وقال: يا ابن رسول الله، قد دنت الرحلة واشتدَّت المحنة، ونحن نسأل الله تعالى أن يصلّي على جدّك المصطفى، وعلى المرتضى أبيك، وعلى سيدة النساء أمّك، وعلى سيدي شباب أهل الجنّة عمك وأبيك، وعلى الأئمة الطاهرين من بعدهما آبائك، وأن يصلّي عليك وعلى ولدك، ونرغب إليه أن يعلي كعبك، ويكبت عدوك، ولا جعله الله هذا آخر عهدنا من لقائك.

فلمّا قال هذه الكلمة استعبرعليه‌السلام حتّى انهملت دموعه وتقاطرت عبراته، ثمّ قال: « يا ابن إسحاق، لا تكلف في دعائك شططاً، فإنّك ملاق الله تعالى، في صدرك هذا ».

فخرّ أحمد مغشياً عليه، فلمّا أفاق قال: سألتك بالله، وبحرمة جدّك رسول الله (ص)، إلاّ ما شرّفتني بخرقة أجعلها كفناً. فأدخلعليه‌السلام يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهماً وقال: « خذها، ولا تنفق على نفسك غيرها، فإنّك لا تعدم ما سألت، وإنّ الله تعالى لا يضيّع أجر من أحسن عملاً ».

٥٨٨

قال سعد: فلمّا صرنا بعد منصرفنا من حلوان على ثلاثة فراسخ حمّ أحمد بن إسحاق وصارت به علة صعبة أتى بلدة كان قاطناً بها، ثمّ قال: تفرقوا عنّي هذه الليلة واتركوني وحدي، فانصرفنا عنه ورجع كلّ واحد منّا إلى مرقده.

قال سعد: فلمّا حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة(١) ، ففتحت عيني، فإذا أنا بكافور الخادم - خادم مولانا أبي محمدعليه‌السلام - وهو يقول: أحسن الله بالخير عزاءكم، وجبر بالمحبوب رزيتكم، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه، فقوموا لدفنه، فإنّه من أكرمكم محلاً عند سيدكم، ثمّ غاب عن أعيننا.

__________________

(١) في ص، ك: وكزة.

٥٨٩

٣ - فصل:

في بيان ظهور آياتهعليه‌السلام

من الاخبار بآجال الناس

وفيه: حديثان

٥٣٥ / ١ - عن أبي عقيل عيسى بن نصر، قال: إنّ علي بن زياد الصيمري كتب إليه يلتمس كفناً، فكتب إليه: « إنّك تحتاج إليه في سنة ثمانين » فمات في سنة ثمانين، وبعث إليه بالكفن قبل موته.

٥٣٦ / ٢ - عن أبي عبد الله الصفواني، قال: رأيت القاسم بن العلاء وقد بلغ عمره مائة وست عشرة سنة، منها ثمانون سنة صحيح العينين، ثمّ لقي العسكريين وحجب بعد الثمانين، وردَّت عليه عينه قبل وفاته بتسعة أيّام، وذلك أنّي كنت بمدينة كذا من أرض آذربايجان، وكان لا تنقطع توقيعات صاحب الزمانعليه‌السلام على يد أبي جعفر العمري، وبعده على يد أبي القاسم بن روح، فانقطعت عنه المكاتبة نحواً من شهرين فقلق من ذلك.

فبينما نحن عنده نأكل إذ دخل البواب مستبشراً، فقال: فيج(١)

__________________

١ - الخرائج والجرائح ١: ٤٦٣ / ٨، إعلام الورى: ٤٢١.

٢ - غيبة الطوسي: ١٨٨، الخرائج والجرائح ١: ٤٦٧ / ١٤، فرج المهموم: ٢٤٩، مدينة المعاجز: ٦١٢ / ٨٩.

(١) الفيج هو المسرع في مشيه، الذي يحمل الأخبار من بلد إلى بلد، وقيل: هو الذي يسعى بالكتب « لسان العرب - فيج - ٢: ٣٥٠ ».

٥٩٠

العراق ورد، ولا يسمّي بغيره، فسجد القاسم، ودخل كهل قصير يُرى أثر الفيوج عليه، وعليه جبّة مصرية، وفي رجله نعل محاملي، وعلى كتفيه مخلاة، فقام إليه القاسم فعانقه، ووضع المخلاة، ودعا بطشت وماء، وغسل يديه وأجلسه إلى جانبه، فأكلنا وغسلنا أيدينا، فقام الرجل وأخرج كتاباً أفضل من نصف الدرج، فناوله القاسم، فقبّله ودفعه إلى كاتب له يقال له: ابن أبي سلمة أبو عبد الله، فأخذه وقرأه [ وبكى ] حتّى أحسَّ القاسم ببكائه، فقال: يا أبا عبد الله، خبر، خرج فيَّ فيما تركته؟ قال: لا، قال: فما هو؟

قال: نعى الشيخ إلى نفسه بعد ورود هذا الكتاب إليَّ بأربعين يوما، وأنّه يمرض يوم السابع بعد وصول هذا الكتاب، وأنّ الله يردّ عليه عينيه بعد ذلك، وقد حمل إليه بسبعة أثواب.

فقال القاسم: على سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك. فضحك وقال: ما أؤمل من بعد هذا العمر؟

فقام الرجل الوارد فأخرج من مخلاته ثلاثة أزر، وحبرة يمانية حمراء، وعمامة، وثوبين، ومنديلا، فأخذه القاسم، وعنده قميص خلعة خلعها عليه علي النقيعليه‌السلام .

وكان للقاسم صديق في مهم الدنيا، شديد النصب يقال له: عبد الرحمن بن محمد السري فوافى(١) في قوم إلى الدار، فقال القاسم: اقرؤوا الكتاب عليه فإنّي أحبّ هدايته. قالوا هذا لا يحتمله خلق من الشيعة، فكيف عبد الرحمن؟!

فأخرج القاسم إليه الكتاب، وقال: اقرأه، فقرأوه إلى موضع النعي، فقال عبد الرحمن: يا أبا محمّد اتق الله فإنّك رجل واصل في دينك، والله تعالى يقول:( وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما

__________________

(١) في ش، ص، م: فورد.

٥٩١

تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ) (١) وقال جلّ ذكره:( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ) (٢) .

قال القاسم فأتم الآية:( إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ) (٣) فمولاي هو المرتضى من الرسول.

ثمّ قال: اعلم أنّك تقول هذا، ولكن أرّخ اليوم فإن أنا عشت بعد هذا اليوم أو مت قبله فاعلم أنّي لست على شيء، وإن أنا مت في ذلك اليوم فانظر لنفسك.

فأرّخ عبد الرحمن اليوم وافترقوا، وحمّ القاسم يوم السابع واشتدَّت العلّة إلى مدّة، ونحن مجتمعون عنده يوماً إذ مسح بكمّه عينيه فخرج من عينيه شبه ماء اللحم، ثمّ مدّ يده إلى ابنه فقال: يا حسن، إلي، ويا فلان إليّ، فنظرنا إلى الحدقتين صحيحتين.

وشاع الخبر في الناس، وأتته العامة من الناس ينظرون إليه، وركب القاضي إليه، وهو أبو السائب عتبة بن عبيد الله المسعودي(٤) وهو قاضي القضاة ببغداد فدخل عليه، وقال: يا أبا محمّد، ما هذا الذي ترى وأراه؟ فقال: خاتماً فصّه فيروزج، فقرّبه منه فقال: ثلاثة أسطر لا يمكنني قراءتها.

وقد قال لمّا رأى الحسن ابنه في وسط الدار: اللهمّ ألهم الحسن

__________________

(١) سورة لقمان الآية: ٣٤.

(٢) سورة الجن الآية: ٢٦.

(٣) سورة الجن الآية: ٢٧.

(٤) أبو السائب هو عتبة بن عبيد الله بن موسى الهمذاني الشافعي، تولى القضاء في مراغة وأذربيجان وهمذان، ثم قدم بغداد فكان أول شافعي ولي قضاء بغداد، عاش ستاً وثمانين سنة، وتوفي في ربيع الآخر سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة، راجع « سير أعلام النبلاء ١٦: ٤٧، تاريخ بغداد ١٢: ٣٢٠، البداية والنهاية ١١: ٢٣٩ ».

٥٩٢

طاعتك، وجنّبه معصيتك. ثلاثاً.

ثم كتب وصيته بيده، وكانت الضياع التي في يده لصاحب الأمر، كان أبوه وقفها عليه.

وكان فيما وصّى ابنه: إن أهلت للوكالة فيكون قوتك من نصف ضيعتي المعروفة بفرخندة وسائرها ملك لمولانا.

فلمّا كان يوم الأربعين وقد طلع الفجر مات القاسمرحمه‌الله فوافاه عبد الرحمن يعدو في الأسواق حافياً حاسراً وهو يصيح: يا سيداه. فاستعظم الناس ذلك منه فقال لهم: اسكتوا، فقد رأيت ما لم تروا. وتشيّع ورجع عمّا كان.

فلمّا كان بعد مدّة يسيرة ورد الكتاب على الحسن ولده من صاحب الزمانعليه‌السلام : « ألهمك الله طاعته وجنّبك معصيته ». وهو الدعاء الذي دعا به أبوه.

وفي ذلك عدَّة آيات.

٥٩٣

٤ - فصل:

في بيان ظهور آياتهعليه‌السلام

من الاخبار بالغائبات

وفيه: ستة عشر حديثاً

٥٣٧ / ١ - عن أحمد بن أبي روح، قال: وجَّهت إليَّ امرأة(١) من أهل دينور فأتيتها فقالت: يا ابن أبي روح، أنت أوثق من في ناحيتنا، ورعاً، وإنّي أريد أن أودعك أمانة وأجعلها في رقبتك تؤدّيها وتقوم بها، فقلت: أفعل إن شاء الله. فقالت: هذه دراهم في هذا الكيس المختوم، لا تحلّه ولا تنظر ما فيه حتّى تؤديه إلى من يخبرك بما فيه. وهذا قرطي يساوي عشرة دنانير، وفيه ثلاث لؤلؤات تساوي عشرة دنانير، ولي إلى صاحب الزمانعليه‌السلام حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها.

فقلت: وما الحاجة؟ قالت: عشرة دنانير استقرضتها أمّي في عرسي، ولا أدري ممّن استقرضتها، ولا أدري إلى من أدفعها، فإن أخبرك بها فادفعها إلى من يأمرك به.

قال: وكنت أقول بجعفر بن علي فقلت: هذه المحنة بيني وبين جعفر.

فحملت المال وخرجت حتّى دخلت بغداد، فأتيت حاجز بن يزيد

__________________

١ - الخرائج والجرائح ٢: ٦٩٩ / ١٧، مدينة المعاجز: ٦١٦ / ١٠٥.

(١) في ش، ص، وهامش ر: فاطمية.

٥٩٤

الوشّاء، فسلّمت عليه وجلست فقال: ألك حاجة؟ فقلت: هذا مال دفع إليَّ لأدفعه إليك، أخبرني كم هو؟ ومن دفعه إلي؟ فإن أخبرتني دفعته إليك.

قال: لم أؤمر بأخذه، وهذه رقعة جاءتني بأمرك. فإذا فيها: « لا تقبل من أحمد بن أبي روح، وتوجّه به إلينا إلى سر من رأى » فقلت: لا إله إلاّ الله، هذا أجل شيء أردته.

فخرجت به ووافيت سر من رأى، فقلت: أبدأ بجعفر، ثمّ تفكّرت وقلت: أبدأ بهم، فإن كانت المحنة من عندهم وإلاّ مضيت إلى جعفر.

فدنوت من باب دار أبي محمّدعليه‌السلام ، فخرج إليَّ خادم فقال: أنت أحمد بن أبي روح؟ قلت: نعم، قال: هذه الرقعة اقرأها فقرأتها، فإذا فيها: « بسم الله الرحمن الرحيم، يا ابن أبي روح أودعتك حايل بنت الديراني كيساً فيه ألف درهم بزعمك، وهو خلاف ما تظن، وقد أدّيت فيه الأمانة، ولم تفتح الكيس ولم تدر ما فيه، وإنّما فيه ألف درهم، وخمسون ديناراً صحاحاً، ومعك قرطان زعمت المرأة أنّها تساوي عشرة دنانير صدقت مع الفصين اللذين فيهما، وفيهما ثلاث حبّات لؤلؤ شراؤهما بعشرة دنانير، وهي تساوي أكثر، فادفعهما إلى جاريتنا فلانة، فإنّا قد وهبناهما لها، وصر إلى بغداد وادفع المال إلى حاجز وخذ منه ما يعطيك لنفقتك إلى منزلك.

فأمّا العشرة دنانير التي زعمت أنّ أمّها استقرضتها في عرسها، وهي لا تدري من صاحبها ولا تعلم لمن هي، هي لكلثوم بنت أحمد، وهي ناصبية، فتحرّجت أن تعطيها فإن أحبّت أن تقسمها في أخواتها فاستأذنتنا في ذلك، فلتفرقها على ضعفاء أخواتها. ولا تعودن يا ابن أبي روح إلى القول بجعفر والمحنة له، وارجع إلى منزلك فإنّ عدوك قد مات، وقد أورثك الله أهله وماله ».

٥٩٥

فرجعت إلى بغداد، وناولت الكيس حاجزاً، فوزنه فإذا فيه ألف درهم صحاح وخمسون ديناراً، فناولني ثلاثين دينارا وقال: أمرنا بدفعها إليك لتنفقها.

فأخذتها، وانصرفت إلى الموضع الذي نزلت فيه، فإذا أنا بفيج قد جاءني من المنزل يخبرني بأنّ حموي قد مات، وأنّ أهلي أمروني بالانصراف إليهم، فرجعت فإذا هو قد مات، وورثت منه ثلاثة آلاف دينار ومائة ألف درهم.

وفي ذلك أيضاً عدّة آيات.

٥٣٨ / ٢ - عن ابن أبي سورة، عن أبيه، وأبوه من مشايخ الزيدية بالكوفة قال: كنت خرجت إلى قبر الحسينعليه‌السلام اعرّف عنده، فلمّا كان وقت العشاء الآخرة صلّيت وقمت، فابتدأت أقرأ( الْحَمْدُ ) فإذا شاب حسن الوجه، عليه جبّة سنية ابتدأ أيضاً قبلي، وختم قبلي، فلمّا كان الغداة خرجنا جميعاً إلى شاطئ الفرات، قال لي الشاب(١) : أنت تريد الكوفة فامض، فمضيت في طريق الفرات، وأخذ الشاب طريق البر، قال أبو سورة: ثمّ أسفت على فراقه، فاتّبعته، فقال لي: « تعال » فجئنا جميعاً إلى حصن المسناة فنمنا جميعاً، وانتهينا فإذا نحن على الغري على جبل الخندق، فقال لي: « أنت مضيق ولك عيال، فامض إلى أبي طاهر الرازي فسيخرج إليك من داره، وعلى يده دم الأضحية فقل له: شاب من صفته كذا وكذا، يقول لك: اعط هذا الرجل صرّة الدنانير التي عند رجل السرير مدفونة ».

قال: فلمّا دخلت الكوفة خرجت إليه وقلت له ما ذكر لي الشاب، فقال: بالسمع والطاعة. وعلى يده دم الأضحية.

__________________

٢ - غيبة الطوسي: ١٨١، الخرائج والجرائح ١: ٤٧٠ / ١٥، مدينة المعاجز: ٦١٣ / ٩٠، ٩١.

(١) في جميع النسخ: الشاه، وما أثبتناه من المصدر

٥٩٦

٥٣٩ / ٣ - وعن أبي أحمد بن أبي سورة، وهو محمّد بن الحسين بن عبد الله التميمي، عن الرازي [ قال ] مشينا ليلتنا فإذا نحن على مقابر السهلة، فقال: هو ذا منزلي قال لي: أين الرازي علي بن يحيى فقل له يعطيك المال بعلامة أنه كذا وفي موضع كذا ومغطى بكذا، فقلت: من أنت؟ قال: أنا محمد بن الحسن. ثم مشينا حتى انتهينا إلى البوابين في السحر فجلس فحفر بيده فإذا الماء قد خرج وتوضأ وصلى عشر ركعات.

فمضيت إلى الرازي فدفعت الباب فقال: من أنت؟ فقلت: أبو سورة، فسمعته يقول: مالي ولأبي سورة. فلما خرج وقصصت عليه صافحني وقبّل وجهي وأخذ بيدي ومسح بها على وجهه ثم أدخلني الدار وأخرج الصرة من عند رجل السرير ودفعها إليَّ، فاستبصر أبو سورة وكان زيديا، وفي ذلك عدة آيات.

٥٤٠ / ٤ - عن إسحاق بن يعقوب، قال: سمعت الشيخ العمري يقول: صحبت رجلاً من أهل السواد ومعه مال للغريمعليه‌السلام ، فأنفذه فردَّ عليه وقيل له: « أخرج حق ولد عمّك منه، وهو أربعمائة درهم » فبقي باهتاً متعجباً، فنظر في حساب المال وكانت [ في يده ] ضيعة لابن عمه قد كان ردّ عليهم بعضها وزوى عنهم بعضها، فإذا الذي بقي لهم من ذلك المال أربعمائة درهم كما قالعليه‌السلام ، فأخرجها منه وأنفذ الباقي.

فقيل لجماعة من أصحابنا قالوا: إنّه بعث إلى أبي عبد الله بن الجنيد وهو بواسط غلاما وأمر ببيعه فباعه، وقبض ثمنه، فلمّا عير الدنانير نقصت في التعيير ثمانية عشر قيراطا وحبّة.

__________________

٣ - ...

٤ - كمال الدين: ٤٨٦ / ٦، الإمامة والتبصرة: ١٤ / ١٦٢، دلائل الإمامة: ٢٨٦.

٥٩٧

٥٤١ / ٥ - عن محمّد بن هارون، قال: كانت للغريم عليَّ خمسمائة دينار، وأنا ليلة ببغداد، وبها ريح وظلمة، وقد فزعت فزعاً شديداً، وفكرت فيما عليَّ، وقلت في نفسي: لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة دينار.

قال: فجاءني من يتسلّم منّي الحوانيت، وقد كتب لي في ذلك من قبل أن ينطق به لساني وما أخبرت به أحداً.

٥٤٢ / ٦ - عن جعفر بن أحمد بن متيل قال: دعاني أبو جعفر محمّد بن عثمان فأخرج لي ثوبين معلمة وصرّة فيها دراهم، فقال لي: تحتاج أن تصير بنفسك إلى واسط في هذا الوقت، وتدفع ما دفعته إليك إلى أول رجل يلقاك عند صعودك من المركب إلى الشط بواسط.

قال: فتداخلني من ذلك غم شديد، وقلت: مثلي يرسل في هذا الأمر ويحمل هذا الشيء الوتح(١) !

قال: فخرجت إلى واسط، وصعدت المركب، فأول رجل لقيته سألته عن الحسن بن قطاة الصيدلاني وكيل الوقف بواسط فقال: أنا هو، من أنت؟ فقلت: أبو جعفر العمري يقرأ عليك السلام ودفع إليَّ هذين الثوبين وهذه الصرّة لأسلمهما إليك فقال: الحمد لله، فإن محمّد بن عبد الله الحائري(٢) قد مات وخرجت لإصلاح كفنه، فحل الثياب فإذا فيها ما يحتاج إليه من حبرة وثياب وكافور، وفي الصرة كرى الحمّالين والحفّار.

__________________

٥ - كمال الدين: ٤٨٦ / ٧، الإمامة والتبصرة: ١٤١ / ١٦٣.

٦ - كمال الدين: ٤٩٢ / ١٧، الخرائج والجرائح ٣: ١١١٩ / ٣٥، مدينة المعاجز: ٦١٧ / ١٠٨.

(١) الوتح: القليل من كل شيء، التافه « لسان العرب - وتح - ٢: ٦٢٨ ».

(٢) في ر، م، ك: الحيراني، وما أثبتناه هو الصحيح راجع « معجم رجال الحديث ١٦: ٢٥٢ ».

٥٩٨

قال: فشيعنا جنازته وانصرفت.

٥٤٣ / ٧ - عن نصر بن الصباح، قال: أنفذ رجل من أهل بلخ خمسة دنانير إلى حاجز، وكتب رقعة غيّر فيها اسمه، فخرج إليه الوصول باسمه ونسبه، والدعاء له.

٥٤٤ / ٨ - عن محمّد بن شاذان بن نعيم، قال: بعث رجل من أهل بلخ بمال ورقعة ليس فيها كتابة، وقد خطَّ فيها بأصابعه كما تدور من غير كتابة، وقال للرسول: احمل هذا المال، فمن أخبرك بقصته وأجاب عن الرقعة فأوصل إليه المال.

فصار الرَّجل إلى العسكر وقصد جعفراً وأخبره الخبر فقال جعفر: تقرّ بالبداء؟ قال الرّجل: نعم.

قال: فإنّ صاحبك قد بدا له، وقد أمرك أن تعطيني المال. فقال الرسول: لا يقنعني هذا الجواب.

فخرج الرجل من عنده وجعل يدور على أصحابنا، فخرجت إليه رقعة: « هذا مال عن ربه كان فوق صندوق، فدخل اللُّصوص البيت وأخذوا ما في الصندوق وسلم المال » وردت عليه الرقعة كما يدور الدعاء « فعل الله بك وفعل ».

٥٤٥ / ٩ - عن محمد بن شاذان بن نعيم قال: أهديت(١) مالا ولم أفسر لمن هو، فورد الجواب: « وصل كذا، وكذا منه لفلان بن فلان، ولفلان كذا ».

__________________

٧ - كمال الدين: ٤٨٨ / ١٠، الإمامة والتبصرة: ١٤١ / ١٦٤، دلائل الإمامة: ٢٨٧.

٨ - كمال الدين: ٤٨٨ / ١١، الإمامة والتبصرة: ١٤١ / ١٦٥، دلائل الإمامة: ٢٨٧، الخرائج والجرائح ٣: ١١٢٩ / ٤٧، مدينة المعاجز: ٦٠٥ / ٦١.

٩ - كمال الدين: ٥٠٩.

(١) في م: انفذت.

٥٩٩

٥٤٦ / ١٠ - عن أبي العبّاس الكوفي، قال: حمل رجل مالاً ليوصله، وأحب أن يقف على الدلالة، فوقععليه‌السلام : « إن استرشدت أرشدت(١) ، وإن طلبت وجدت، يقول لك مولاك: احمل ما معك ».

قال الرجل: فأخرجت مما معي ستة دنانير بلا وزن وحملت الباقي، فخرج التوقيع: « يا فلان رد الستة دنانير التي أخرجتها بلا وزن، ووزنها ستة مثاقيل وخمسة دوانق وحبة ونصف ».

قال الرجل: فوزنت الدنانير، فإذا هي كما قالعليه‌السلام .

٥٤٧ / ١١ - عن إسحاق بن حامد الكاتب، قال: كان بقم رجل بزاز مؤمن، وله شريك مرجئ، فوقع بينهما ثوب نفيس فقال المؤمن: يصلح هذا الثوب لمولاي. فقال شريك؟ لست أعرف مولاك، لكن افعل ما تحب بالثوب.

فلما وصل الثوب شقّهعليه‌السلام نصفين طولاً فأخذ نصفه وردّ النصف وقال: « لا حاجة لنا في مال المرجئ ».

٥٤٨ / ١٢ - عن محمّد بن الحسن الصوفي، قال: أردت الخروج إلى الحج، وكان معي مال بعضه ذهب وبعضه فضة، فجعلت ما كان معي من ذهب سبائك، وما كان معي من الفضة نقراً. وكان قد دفع ذلك المال إليه ليسلمه إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روحرضي‌الله‌عنه .

قال: فلمّا نزلت بسرخس ضربت خيمتي على موضع فيه رمل،

__________________

١٠ - كمال الدين: ٥٠٩.

(١) في م: أرشدتك.

١١ - كمال الدين: ٥١٠ / ٤٠، بحار الأنوار ٥١: ٣٤٠، عن كمال الدين.

١٢ - كمال الدين: ٥١٦، بحار الأنوار ٥١: ٣٤٠، عن كمال الدين، الخرائج والجرائح ٣: ١١٢٦ / ٤٤.

٦٠٠