ومن أين أخذت نسختها ، ومن هو الّذي صححها وقابلها ، وبعد الاغماض عن كل ذلك فما ظنك بكتب تتداولها أيدي الكتاب المحترفين وتتعاورها المطابع بشِّر من ذلك.
والباحث فيها مهما أراد فهم جملة أو كلمة أو سطر وقع في الوحل ، فيقرؤها مرة ويعود ويضحّي بنفسه ويجود ، ينظر تارة في المتن واُخرى في الحاشية ، ثمَّ رفع رأسه فيتنفَّس ويقول : يا ليتها كانت القاضيه هلك عنّي سلطانيه. فإذا به قد أضاع عمراً وبذل مجهوداً ضحيّة لعب من ناشر امّي أو كاتب عاميّ.
نعم : في غمار هذا اللّجيِّ ودياجير هذا الدّامس تضيء قلّة من الكتب صحّحها أعلام من العلماء وجماعة من الفضلاء آجرهم الله عن الاسلام وهي الّتي يعتمد عليها من المطبوعات فحسب.
وأمّا الكتبيّون فهم جماعة أكثرهم اُميّون لا يعلمون الكتاب إلّا أمانيّ ، يجترحون جرائم يسمّونها كتباً ، ينشرونها في الأسواق ، تتناولها أيدي النّاس باعظام وإكبار ، يحسبونها صحيحا ويثقون بها ويطمئنّون إليها ويخضعون لها ، وما فيها صحيح إلّا قليلاً.
وأيُّ كتب تبتلى هذا البلاء كتب العلم ، كتب الحديث ، كتب التفسير ، كتب الفقه ، كتب الكلام. وجلُّ ما يطبع بأيدي هؤلاء سبيلها كسبيل الوجادة في عدم الاعتبار ولا يعتمد عليها إلّا المغفّلون.
ومجال الكلام فيها فسيح ولا يمكنني أن أبسط القول فيها في هذه العجالة وليس المقام مقام التفصيل فلنضرب عنها صفحاً ، وقصارى الكلام أنَّ الكتب المذهبية أمرها خطير فادح عبؤه ، تحتاج إلى جهد وافر واستعداد واسع النطاق ولا يوفّي بهذا. الغرض إلّا الماهرون بطرق المعارف الدِّينيّة ، فيجب أن تقوم بمهمّتها رجال العلم ، رجال الدِّين ، العارفون باللّغة ، الخبراء بفنِّ التصحيح ، الّذين لهم عناية تامّة بصحّة الكتب ومقابلتها وعرضها على اُصولها. وهذا هو المعمول في العالم في جميع الملل والنحل ، حيث لا يفوِّضون أمر الكتب المذهبية إلى الكتبيّين حتى يجعلونها مطيّة أهوائهم يتّجرون بطبعها ويكتنزون كنوزاً بنشرها ، والناشرون المعتنون بصحّة