كامل الزيارات

كامل الزيارات16%

كامل الزيارات مؤلف:
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مكتبة الصدوق
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 357

كامل الزيارات المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 146741 / تحميل: 9207
الحجم الحجم الحجم
كامل الزيارات

كامل الزيارات

مؤلف:
الناشر: مكتبة الصدوق
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

الباب السّادس والثّلاثون

( في أنّ الحسين عليه السلام قتيل العَبرة لا يذكره مؤمن إلاّ بكى )

١ - حدَّثني أبي؛ وعليُّ بن الحسين؛ ومحمّد بن الحسنرحمهم‌الله جميعاً، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن سعيد بن جَناح(١) ، عن أبي يحيى الحَذّاء - عن بعض أصحابنا - عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: نظر أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الحسين فقال: يا عَبْرَةَ كلِّ مؤمن، فقال: أنا يا أبتاه؟ قال: نَعَم يا بُنيَّ ».

٢ - حدَّثني جماعة مشايخي، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن الحسين بن عبدالله، عن الحسن بن عليِّ بن أبي عثمان، عن الحسن بن عليِّ بن عبدالله بن المغيرة، عن أبي عُمارة المُنشِد « قال: ما ذُكِرَ الحسينعليه‌السلام عند أبي عبداللهعليه‌السلام في يوم قطّ فَرُئيّ أبو عبدالله مُتَبَسِّماً في ذلك اليوم إلى اللّيل وكان يقول: الحسينعليه‌السلام عَبرة كلِّ مؤمن ».

٣ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن الحسن بن موسى الحشاب، عن إسماعيل بن مِهرانَ، عن عليِّ بن أبي حمزةَ، عن أبي بصير « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : قال الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام : أنا قتيل العَبرة(٢) ، لا يذكرني مؤمنٌ إلاّ اسْتَعبَرَ ».

٤ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن الحسن بن موسى،

____________

١ - بفتح الجيم؛ الأزديّ، مولاهم كوفيّ، نشأ ببغداد ومات بها، وكان ثقة.

٢ - العَبْرَة: الدُّمعة قبل أن تفيض، وقيل: تردّد البُكاء في الصَّدر، وقيل: الحزن بلا بُكاء. ( أقرب الموارد ) وقوله عليه السلام: « أنا قتيل العَبْرَة » أي قتيل منسوب إلى العَبْرَة والبُكاء، وسببُ لها، أو اُقتل مع العبرة والحزن وشدّة الحال، والأوّل أظهر. ( البحار )

١٢١

عن محمّد بن سِنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قال الحسينعليه‌السلام : أنا قَتيل العَبْرَة ».

٥ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن الحسن بن موسى، عن محمّد بن سِنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قال الحسينعليه‌السلام : أنا قتيل العَبْرَة ».

٦ - حدّثني محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد البرقيِّ، عن أبان الأحمر، عن محمّد بن الحسين الخزَّاز، عن هارون بن خارجة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: كنّا عنده فذكرنا الحسينعليه‌السلام [وعلى قاتله لعنة الله] فبكى أبو عبداللهعليه‌السلام وبكينا، قال: ثمَّ رفع رأسَه فقال: قال الحسينعليه‌السلام : أنا قتيل العَبرَة، لا يذكرني مؤمن إلاّ بكى - وذكر الحديث - ».

٧ - حدَّثني عليُّ بن الحسين [عن عليِّ بن الحسين] السّعد آبادي قال: حدَّثني أحمدُ بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن ابن مُسْكانَ، عن هارونَ بن خارجَة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قال الحسينعليه‌السلام : أنا قتيل العَبرَة، قُتِلتُ مكروباً، وحقيقٌ على [الله] أن لا يأتيني مَكروبٌ قطّ إلاّ رَدّه الله وقلبه إلى أهله مَسروراً ».

حدَّثني حكيم بن داودَ، عن سَلَمة بن الخطّاب، عن محمّد بن عَمرو، عن هارون بن خارجَة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام مثله.

الباب السّابع والثّلاثون

( ما روي أنّ الحسين عليه السلام سيّد الشّهداء)

١ - حدّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن حَنان « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : زوروا الحسينعليه‌السلام ولا تجفوه، فإنّه سَيِّدُ شَباب أهل الجنّة من الخلق وسَيِّدُ الشَّهداء ».

١٢٢

٢ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن العبّاس بن معروف، عن حمّاد بن عيسى، عن رِبْعيِّ بن عبدالله(١) « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام بالمدينة: أين قبور الشُّهداء؟ فقال: أليس أفضل الشُّهداء عِندَكم، والَّذي نفسي بيدِه أنَّ حَولَه أربعة آلاف مَلَك شُعْثاً غُبراً يبكونه إلى يوم القيامة ».

٣ - حدّثني أبو العبّاس الرَّزَّاز، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن أبي داودَ المُسْتَرِق، عن اُمّ سعيد الأحْمَسِيّة(٢) « قال: كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام وقد بعثت مَن يَكتري لي حِماراً إلى قبور الشُّهداء، فقال: ما يمنعكِ من زيارة سيّد الشُّهداء؟ قالت: قلت: ومَن هو؟ قال: الحسينعليه‌السلام ، قالَتْ: قلت: وما لِمَن زارَه؟ قال: حَجّةٌ وعُمْرَةٌ مَبرورَة، ومِن الخير كذا وكذا وكذا - ثلاث مرَّات - بيده ».

٤ - وعنه، عن محمّد بن الحسين، عن الحكم بن مسكين، عن اُمّ سعيد الاُحْمَسيّة « قالت: جئت إلى أبي عبداللهعليه‌السلام فدخلت عليه، فجاءَت الجارية فقالت: قد جئتكِ بالدَّابّة، فقال لي: يا اُمَّ سعيد أيُّ شيءٍ هذه الدَّابّة؛ أين تبغين تَذْهبين؟ قالت: قلت: أزور قبورَ الشّهداء، قال: أخِّري ذلك اليوم، ما أعجبكم يا أهل العِراق؛ تأتون الشُّهداء مِن سَفر بَعيد وتتركون سيِّد الشّهداء لا تأتونَه؟! قالت: قلت له: مَن سَيّد الشُّهداء؟ فقال: الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام ، قالت: قلت: إنّي امرءَة، فقال: لا بأس لمن كان مثلك ان يَذهب إليه ويَزوره، قالت: أيُّ شيءٍ لنا في زيارته؟ قال: تعدل حجّة وعُمرة واعتكاف شَهرين في المسجد

__________________

١ - هو العبديّ البصري أبو نعيم، ثقة، روى عن الصّادق والكاظمعليهما‌السلام .

٢ - بفتح الألف وسكون الحاء المهملة وفتح الميم وفي آخرها السّين المهملة، هذه النّسبة إلى أحمس، وهي طائفة من بجيلة نزلوا الكوفة. ( الأنساب، اللّباب، الإكمال ) وقال العلاّمة الاُميني رحمه الله: بطن من انمار بن إراش، غلب عليهم اسم أبيهم حمس فقيل لهم: أحمس، فما في كثير من المعاجم بالخاء المعجمة تصحيف واضح.

١٢٣

الحرام وصيامها، وخيرها كذا وكذا، قالت: بَسَط يَدَه وضَمّها ضَمّاً - ثلاث مرَّات - ».

٥ - حدَّثني أبي؛ وعليُّ بن الحسين؛ ومحمّد بن الحسنرحمهم‌الله عن سعد بن عبدالله، عن الحسن بن عليِّ بن عبدالله بن المغيرة، عن العبّاس بن عامِر، عن أحمدَ بن رِزق الغَمْشانيّ(١) ، عن اُم سعيد الأحْمَسيّة « قالت: دخلت المدينة فاكتريتُ حِماراً على أن أطوف على قبور الشُّهداء(٢) ، فقلت: لابدَّ أبدَء بابن رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأدخل عليه، فأبطأتُ على المكاري قليلاً، فهتف بي، فقال لي أبو عبداللهعليه‌السلام : ما هذا يا اُمَّ سعيد؟ قلت له: جعلت فِداك تَكارَيتُ حِماراً لأزور عَلى قُبور الشُّهداء، قال: أفلا اُخبرُك بسَيِّدِ الشُّهداء؟! قلت: بلى، قال: الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام ، قلت: وإنّه لسيِّد الشّهداء؟! قال: نَعَم، قلت: فما لمن زاره؟ قال: حَجّة وعُمْرَة، ومن الخير - هكذا وهكذا - ».

٦ - حدَّثني أبي؛ ومحمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريّ جميعاً، عن عبدالله بن جعفر الحِميريّ، عن أحمدَ بن أبي عبدالله البَرقيِّ، عن أبيه، عن عبدالله بن القاسم الحارثي، عن عبدالله بن سِنان، عن اُمّ سعيد الأحمسيّة « قالت: دخلت المدينة فأكتريت البَغل لاُزور عليه قبورَ الشُّهداءِ، قالت: قلت: ما أحدٌ أحقُّ أن أبدء به مِن جعفر بن محمّد، قالت: فدخلت عليه فأبطأتُ فصاح بي المكاري: حبستِينا عافاكِ الله!، فقال لي أبو عبدالله: كأنّ إنساناً يستعجلك يا اُمّ سعيد؟ قلت: نَعَم جُعِلتُ فداك، إنّي اكتريت بَغلاً لأزور عليه قبور الشّهداء فقلت: ما آتي أحداً أحقّ مِن جعفر بن محمّد، قالت: يا اُمّ سعيد فما يمنعك مِن أن تأتي قبر سيِّد الشّهداء؟! قالت: فطمعت(٣) أن يَدُلَّني على قبر عليِّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقلت: بأبي أنت واُمّي ومَن سيّد الشّهداء؟ قال: الحسين ابن -

__________________

١ - قال النّجاشيّ - مثل ما في المتن -: « الغمشانيّ »، وفي الخلاصة: الغُشانيّ - بالغين المعجمة المضمومة والشّين المعجمة والنّون بعد الألف - بجليّ ثقة.

٢ - مرادها شهداء اُحد.

٣ - ذلك لخفاء قبره عليه السلام حينذاك.

١٢٤

فاطمةعليهما‌السلام ، يا اُمَّ سعيد مَن أتاه ببصيرة ورَغبةٍ فيه كان له حَجّة وعُمرَة مَبرورة (١) وكان له مِن الفضل هكذا وهكذا ».

٧ - حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز، عن خاله محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن إسماعيل - عمّن حدَّثه - عن عليِّ بن أبي حمزة، عن الحسين بن أبي العَلاء؛ وأبي المَغرا؛ وعاصم بن حُمَيد الحنّاط جماعتهم، عن أبي بصير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: ما مِن شَهيدٍ إلاّ ويحبّ أن يكون(٢) مع الحسينعليه‌السلام حتّى يدخلون الجنّة معه ».

الباب الثّامن والثّلاثون

( زيارة الأنبياء الحسين بنَ عليِّ عليهما السلام)

١ - حدَّثني الحسن بن عبدالله(٣) ، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن إسحاق بن عمّار « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: ليس نبيّ في السَّماوات [والأرض] إلاّ يسألون الله تعالى أن يأذن لهم في زيارة الحسينعليه‌السلام ، ففوج ينزل وفوج يصعد(٤) ».

٢ - وعنه، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن الحسين ابن بنت أبي حمزة الثُّمالي « قال: خرجت في آخر زَمان بني مَروان إلى زيارة قبر الحسينعليه‌السلام مُستخفياً من أهل الشّام(٥) ، حتّى انتهيت إلى كربلاء فاختفيت في ناحية القَرية حتّى إذا ذهب مِن اللَّيل نصفه أقبلتُ نحو القبر، فلمّا دَنَوتُ منه أقبل نحوي رَجُلٌ

__________________

١ - في بعض النّسخ: « حجّة مبرورة وعمرة متقبّلة ».

٢ - في بعض النّسخ: « إلاّ وهو يحبّ لو أنّ الحسين بن علي حيّ حتّى يكون - إلخ ».

٣ - هو ابن أخي أبي جعفر الأشعريّ.

٤ - في نسخة: « يعرج ».

٥ - لئلاّ يعرفوني بولاية أهل البيت عليهم السلام ويزجروني بذلك؛ ظاهراً، لا لزيارة القبر، لأنّ المنع مِن زيارة قبره كان في زمن بني العبّاس.

١٢٥

فقال لي: انصرف مأجوراً؛ فإنَّك لا تصل إليه، فرجعت فَزِعاً حتّى إذا كاد يطلع الفجر أقبلت نحوه حتّى إذا دَنَوتُ منه خرج إليَّ الرَّجلُ فقال لي: يا هذا إنّك لا تصل إليه، فقلت له: عافاك الله ولم لا أصلُ إليه؟ وقد أقبلتُ مِن الكوفة اُريد زيارته فلا تَحل بيني وبينه - عافاك اللهُ - وأنا أخاف أن أصبح فيقتلونني أهل الشّام إنْ ادركوني ههنا، قال: فقال لي: اصبر قليلاً فإنّ موسى بن عِمرانَعليه‌السلام سأل اللهَ أن يأذن له في زيارة قبر الحسين فأذن له، فهبط مِن السَّماء في سَبعين ألف مَلَك فهم بحضرته مِن أوَّل اللَّيل ينتظرون طلوع الفجر ثمَّ يعرجون إلى السَّماء، قال: قلت له: فمن أنتَ عافاك الله؟ قال: أنا من الملائكة الّذين اُمروا بحرس قبر الحسينعليه‌السلام والاستغفار لزوَّاره، فانصرفت وقد كادَ أن يطير عقلي لما سمعت منه، قال: فأقبلت لمّا طلع الفجر نحوه فلم يَحُلْ بيني وبينه أحدٌ فدَنَوت مِن القبر وسَلّمت عليه ودَعوتُ اللهَ على قَتَلَتِه، وصَلّيت الصُّبح وأقبلتُ مُسرعاً مخافة أهل الشّام »(١) .

٣ - حدَّثني محمّد بن عبدالله الحِميريّ، عن أبيه، عن هارونَ بن مسلم، عن عبدالرَّحمن بن [عمرو بن] الأشعث، عن عبدالله بن حمّاد الانصاريّ، عن ابن سِنان، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعتُه يقول: قبر الحسين بن عليٍّ صلوات الله عليهما عِشرون ذراعاً في عشرين ذِراعاً مُكسّراً(٢) روضةٌ مِن رياض الجنّة، ومنه معراج الملائكة(٣) إلى السَّماء، وليس مِن ملكٍ مقرَّبٍ ولا نبيٍّ مرسل إلاّ وهو يسأل الله أن يَزوره، ففوج يهبط وفوج يصعد ».

٤ - حدّثني أبي؛ وأخي؛ وجماعة مشايخيرحمهم‌الله عن محمّد بن يحيى؛ وأحمدَ بن إدريسَ، عن حَمدانَ بن سليمان النّيسابوريّ، عن عبدالله بن محمّد اليمانيِّ، عن مَنيع بن حَجّاج، عن يونسَ، عن صَفوانَ الجمّال « قال: قال

__________________

١ - المراد بهم المأمورون.

٢ - يعني مضروباً، أي عشرين في عشرين.

٣ - في بعض النّسخ: « وفيه معراج الملائكة ».

١٢٦

لي أبو عبداللهعليه‌السلام : لمّا أتى الحِيرةَ هل لك في قبر الحسين؟ قلت: وتَزورُه جُعِلتُ فِداك؟ قال: وكيف لا أزورُه واللهُ يَزورُه (١) في كلِّ ليلة جُمُعة يهبط مع الملائكة إليه والأنبياء والأوصياء ومحمّد أفضل الأنبياء، ونحن أفضل الأوصياء، فقال صَفوانُ: جعلت فِداك فنَزوره في كلِّ جمعة حتّى نُدركَ زيارة الرّبِّ؟ قال: نَعَم، يا صَفوانُ ألزم ذلك تكتب لك زيارةُ قبر الحسينعليه‌السلام ، وذلك تفضيل وذلك تفضيل »(٢) .

وحدَّثني القاسم بن محمّد بن عليِّ بن إبراهيم الهَمْدانيِّ، عن أبيه، عن جدِّه، عن عبدالله بن حمّاد الأنصاري، عن الحسين بن أبي حمزة قال: خرجت في آخر زَمان بني اُميّة ( كذا ) - وذكر مثل الحديث المتقدَّم في الباب(٣) .

وحدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن أحمدَ بن إدريس، عن العَمركي بن عليِّ البوفكيِّ، عن عِدَّة من أصحابنا، عن الحسن بن محبوب، عن الحسين ابن ابنة أبي حمزة الثّماليِّ قال: خرجت في آخر زمان بني مَروان - وذكر مثل حديث الَّذي مرَّ في أوَّل الباب سواءً.

الباب التّاسع والثّلاثون

( زيارة الملائكة الحسين بن عليٍّ عليهما السلام)

١ - حدَّثني الحسن بن عبدالله بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن الحسن

__________________

١ - قال العلاّمة المجلسيّرحمه‌الله : زيارته تعالى كناية عنع إنزال رحماته الخاصّة - صلواته عليه وعلى زائريه -. وقال العلاّمة الاُمينيرحمه‌الله : زيارة الرَّبّ سبحانه في هذا الحديث وما في ص ٣٥ إمّا توجيه عنايته الخاصّة بإسبال فيضه المتواصل عليه، أو إبداء شيءٍ مِن مظاهر جلاله العظيم الّذي تجلّى للجبل فجعله دَكَاً وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً، والإمامعليه‌السلام كان يزوره ليدرك هاتيك العناية الخاصّة، أو يشاهد تلك المظاهر اللَّطيفة الّتي كانت لتشريفهم، ولذلك كانوا يتحمّلون مشاهدته، ولأنّ مقامهم أرفع مِن مقام موسى الّذي لم يتحمّله.

٢ - أي زيارة الرّبّ، والمراد بالرّبّ عناياته - كما مرّ - وفرقٌ بين معنى الرّبّ ومعنى الله.

٣ - أي الخبر الثّاني من الباب.

١٢٧

ابن محبوب، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعته يقول: ليس من ملكٍ في السَّماوات إلاّ وهم يسألون الله عزَّوجلَّ أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسينعليه‌السلام ، ففوج يَنزل وفوج يَعرُج ».

٢ - وعنه: عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن داودَ الرَّقّي « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: ما خلق الله خلقاً أكثر مِن الملائكة، وأنّه ينزل من السَّماء كلَّ مَساءٍ سبعون ألف ملك يطوفون بالبيت الحرام ليلتهم حتّى إذا طلع الفجر انصرفوا إلى قبر النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيسلّمون عليه، ثمَّ يأتون قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام فيسلّمون، ثم يأتون قبر الحسينعليه‌السلام فيسلّمون عليه، ثمَّ يعرجون إلى السّماء قبل أن تطلع الشَّمس، ثمَّ تنزل ملائكة النّهار سبعون ألف ملك، فيطوفون بالبيت الحرام نهارَهم حتّى إذا غربتِ الشَّمس انصرفوا إلى قبر رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيسلّمون عليه، ثمَّ يأتون قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام فيسلّمون عليه، ثمّ يأتون قبر الحسينعليه‌السلام فيسلّمون عليه، ثمَّ يعرجون إلى السّماء قبل أن تغيب الشَّمس »(١) .

٣ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن الحسين بن عبدالله، عن الحسن بن عليِّ بن أبي عثمان، عن محمّد بن الفضيل، عن إسحاقَ بن عمّار، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: ما بين قبر الحسينعليه‌السلام إلى السّماء مُختَلفُ الملائكة ».

٤ - حدَّثني القاسم بن محمّد بن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن جَدِّه، عن عبدالله بن حمّاد الأنصاريِّ، عن عبدالله بن سِنان « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام

__________________

١ - قال العلاّمة الأمينيرحمه‌الله : هذا الحديث رواه بحّاثة العامّة محمّد بن مسلم بن أبي الفوارس مِن أئمّة القرن السّادس في أربعينه الموجود عندنا بغير هذا الطريق عن وَهب عن الصّادقعليه‌السلام ، وجعله حديث الثّاني عشر مِن كتابه وزاد في آخره: « والّذي نفسي بيده أنّ حول قبره أربعة آلاف ملك شُعْثاً غُبراً يبكون عليه إلى يوم القيامة »، وفي رواية أخرى: « قد وكّل الله بالحسين سبعين ألف ملك شُعْثاً غُبراً يصلّون عليه كلَّ يوم ويدعون لمن زارَه، ورئيسهم ملك يقال له: منصور » - إلى آخر الحديث الأوَّل مِن الباب الحادي والأربعين من الكتاب.

١٢٨

يقول: قبر الحسينعليه‌السلام - عشرون ذِراعاً في عِشرين ذراعاً مُكسّراً - روضة من رِياض الجنّة، منه معراج إلى السّماء، فليس من ملك مقرَّب ولا نبيٍّ مرسل إلا وهو يسأل الله تعالى أن يزور الحسينعليه‌السلام ، ففوجٌ يهبط وفوجٌ يصعد ».

٥ - وعنه(١) ، عن أبيه، عن جَدِّه، عن عبدالله بن حمّاد، عن إسحاقَ بن عمّار « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : جُعلتُ فِداكَ يا ابن رسول الله كنت في الحيرة ليلة عرفة فرأيت نحواً مِن ثلاثة آلاف وأربعة آلاف رَجل، جميلة وجوههم، طيّبة ريحهم، شديد بياض ثِيابهم، يصلّون اللَّيل أجمع، فلقد كنت اُريد أن آتي قبر الحسينعليه‌السلام واُقبّله وأدعو بدعوات، فما كنت أصل إليه من كثرة الخلق، فلمّا طلع الفجر سجدتُ سِجدةً، فرفعت رأسي فلم أرَ منهم أحداً، فقال لي أبو عبداللهعليه‌السلام : أتدري مَن هؤلاء؟ قلت: لا جُعِلتُ فِداك، فقال: أخبرني أبي، عن أبيه قال: مَرَّ بالحسينعليه‌السلام أربعة آلاف ملكٍ - وهو يقتل - فعرجوا إلى السّماء فأوحى الله تعالى إليهم: يا معشر الملائكة مَرَرتُم بابن حبيبي وصَفيّي محمَّدٍ وهو يُقتل ويضطهد مظلوماً فلم تنصروه؟! فانْزِلو إلى الأرض إلى قبر فابْكوه شُعْثاً غُبراً إلى يوم القيامة، فهم عنده إلى أن تقوم السّاعة »(٢) .

٦ - حدَّثني أبي - رحمه الله تعالى - عن سعد بن عبدالله - عن بعض أصحابه - عن أحمد بن قتيبة الهَمداني، عن إسحاق بن عمّار « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : إني كنت بالحائر ليلة عرفة وكنت اُصلّي وثَمَّ نحوٌ مِن خمسين ألفاً مِن النّاس، جميلة وجوههم، طيّبة روائحهم، وأقبلوا يصلّون اللّيلة(٣) أجمع، فلمّا طلع الفجر سَجَدتُ ثمَّ رفعتُ رأسي فلم أرَ منهم أحداً، فقال لي أبو عبداللهعليه‌السلام : أنّه مَرَّ بالحسينعليه‌السلام خمسون ألف مَلَك، وهو يقتل فعرجوا إلى السَّماء فأوحى الله تعالى إليهم: مَرَرتم بابن حبيبي وهو يقتل فلم تنصروه؟! فاهبُطوا إلى الأرض فاسْكنوا عند قبره شُعْثاً غُبراً إلى يوم تقوم السّاعة ».

__________________

١ - الضّمير راجع إلى القاسم بن محمّد بن عليّ بن إبراهيم.

٢ - في بعض النّسخ: « إلى أن تقوم القيامة ».

٣ - في نسخة: « يصلّون اللّيل ».

١٢٩

الباب الأربعون

( دعاء رسول الله وعليٍّ وفاطمة والأئمّة عليهم السلام لزُوّار الحسين عليه السلام)

١ - حدَّثني أبي؛ ومحمّد بن عبدالله؛ وعليُّ بن الحسين؛ ومحمّد بن الحسنرحمهم‌الله جميعاً، عن عبدالله بن جعفر الحِميريّ، عن موسى بن عُمَرَ، عن حَسّان البَصريّ(١) ، عن مُعاوية بن وَهْب، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قال لي: يا معاويةُ لا تَدَع زيارةَ قبر الحسينعليه‌السلام لخوف، فإنَّ مَن ترك زيارَته رأى من الحَسْرَة ما يتمنّى أنَّ قبره كان عِنده(٢) ، أما تُحِبُّ أن يرى اللهُ شخصَك وسوادَك فيمن يدعو له رَسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليُّ وفاطمَةُ والأئمّةعليهم‌السلام ».

٢ - وبهذا الإسناد، عن موسى بن عُمَرَ، عن حَسّان البصريّ، عن معاويةَ بن وَهْب « قال: استأذنت على أبي عبداللهعليه‌السلام فقيل لي: اُدخل، فدخلت فوجدته في مصلاّه في بيته فجلست حتّى قضى صلاته فسمعته يناجي رَبَّه وهو يقول: «اللّهُمَّ يا مَنْ خَصَّنا بالْكَرامَةِ؛ وَوَعَدَنا بالشَّفاعَةِ؛ وَخَصَّنا بالوَصيَّةِ؛ وأعْطانا عِلمَ ما مَضى وعِلْمَ ما بَقيَ؛ وَجَعَلَ أفْئدَةً مِنَ النّاسً تَهْوِي إلَيْنا، اغْفِرْ لي ولإخْواني وَزُوَّارِ قَبر أبي الحسين، الَّذين أنْفَقُوا أمْوالَهُمْ وَأشخَصُوا أبْدانَهم رَغْبَةً في بِرِّنا، وَرَجاءً لِما عِنْدَكَ في صِلَتِنا، وسُروراً أَدْخَلُوهُ عَلى نَبِيِّكَ، وَإجابَةً مِنهُمْ لأمْرِنا، وَغَيظاً

____________

١ - قال العلاّمة الأمينيرحمه‌الله : كذا في نسخ الكتاب؛ وفيما نقل عنه، لكن الصّحيح كما في الكافي [وفي التّهذيب أيضاً]: « غسّان البصريّ » بقرينة موسى بن عمر ومعاوية بن وهب، فما في النّسخ تصحيف كما لا يخفى. وسيأتي أيضاً كراراً.

٢ - أي يتمنّى التّاركُ أن يكون قبره عند قبر الحسين عليهما السلام، وقال الفيض ( ره ): قولوه: « إنّ قبره كان عنده » البارز في « قبره » راجعٌ إلى الحسين عليه السلام؛ وفي: « عنده » إلى مَن تركه، وإنّما يتمنّى ذلك يكون متمكّناً مِن كَثرة زيارته، ويحتمل العكس، يعني يتمنّى أن يكثر زيارته بحيث يموت هناك. ( الوافي ) أو يتمنّى أن يكون قتل لزيارته عليه السلام فصار قبره عنده. ويأتي الخبر في الصّفحة الآتية تحت رقم ٣.

١٣٠

أدْخَلُوهُ عَلى عَدُوِّنا، أرادُوا بذلِكَ رِضاكَ، فَكافِئْهُمْ عَنّا بالرِّضْوانِ، واكْلأهُم (١) باللَّيلِ وَالنَّهارِ، واخْلُفْ عَلىُ أهالِيهم وأولادِهِمُ الَّذين خُلِّفوا بأحْسَنِ الخَلَفِ وأصحبهم، وَأكْفِهِمْ شَرَّ كلِّ جَبّارٍ عَنيدٍ؛ وَكُلّ ضَعيفٍ مِنْ خَلْقِكَ وَشَديدٍ، وَشَرَّ شَياطِينِ الإنْسِ وَالجِنِّ، وَأعْطِهِم أفْضَلَ ما أمَّلُوا مِنْكَ في غُرْبَتِهم عَنْ أوْطانِهِم، وَما آثَرُونا (٢) بِهِ عَلى أبْنائهم وأهاليهم وقَراباتِهم ،

اللّهُمَّ إنَّ أعْداءَنا عابُوا عَلَيهم بخُروجهم، فَلم يَنْهِهم ذلِكَ عَنِ الشُّخوصِ إلينا خِلافاً مِنْهم (٣) عَلى مَنْ خالَفَنا، فارْحَم تِلْكَ الْوُجُوهَ الَّتي غَيَّرتها الشَّمْسُ، وَارْحَم تِلكَ الخدُودَ الَّتي تَتَقَلّبُ على حُفْرَةِ أبي عَبدِاللهِ الحسينِ ٧، وَارْحَم تِلكَ الأعْيُنَ الَّتي جَرَتْ دُمُوعُها رَحمةً لَنا، وارْحَم تِلْكَ الْقُلُوبَ الَّتي جَزَعَتْ واحْتَرقَتْ لَنا، وارْحَم تِلكَ الصَّرْخَةَ الَّتي كانَتْ لَنا، اللّهمَّ إني اسْتَودِعُكَ تِلْكَ الأبْدانَ وَتِلكَ الأنفُسَ حتّى تَرْويهمْ عَلى الحَوضِ يَومَ العَطَشِ [الأكبر] »:

فما زال يدعوعليه‌السلام وهو ساجدٌ بهذا الدُّعاء، فلمّا انصرف قلت: جُعِلتُ فِداك لو أنَّ هذا الَّذي سَمعتُ منك كان لِمن لا يَعرفُ اللهَ عزَّوجَلَّ لَظننتُ أنَّ النّار لا تطعم منه شَيئاً أبداً!! والله لقد تمنَّيتُ أنّي كنتُ زُرْتُه ولم أحُجَّ، فقال لي: ما أقربك منه؛ فما الَّذي يمنعك مِن زيارته؟ ثمَّ قال: يا معاويةُ لَم تدع ذلك، قلت: جُعلتُ فِداك لَم أرَ(٤) أنَّ الأمر يبلغ هذا كلّه؟ فقال: يا معاوية [و] مَن يدعو لزُوَّاره في السَّماء أكثر ممّن يدعو لهم في الأرض ».

وحدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريّ، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد بن سالم، عن عبدالله بن حمّاد البصريّ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الاُصمّ، عن معاوية بن وَهْب قال: استأذنت على أبي عبداللهعليه‌السلام ، وذكر مثله.

__________________

١ - أي احفظهم. وفي اللّغة: « كلاه الله: حفظه وحرسه، يقال: اذهب في كلاءة الله ».

٢ - آثره إيثاراً: اختاره واكرمه، وفضّله، وكذا بكذا: أتبعه.

٣ - في بعض النّسخ: « خلافاً عليهم، فارحم تلك الوجوه ».

٤ - في بعض النّسخ: « لم أدر ».

١٣١

٣ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن موسى بن عُمَرَ، عن حَسّان البَصريِّ(١) ، عن معاوية بن وَهْب، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قال لي: يا معاويةُ لا تَدَع زيارةَ الحسينعليه‌السلام لخوفٍ فإنَّ مَن تركه رأى مِن الحسرة ما يتمنّى إنَّ قبرَه كان عِنده(٢) ، أما تحبُّ أن يَرَى الله شخصَك وسوادَك فيمن يدعو له رَسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليٌّ وفاطمةُ والأئمّةعليهم‌السلام ؟! أما تحبُّ أن تكون ممّن ينقلب بالمغفرة لما مضى ويغفر لك ذنوب سَبعين سَنة؟! أما تحبّ أن تكون ممّن يخرج مِن الدُّنيا وليس عليه ذنبٌ تتبع به؟! أما تحبُّ أن تكون غداً ممّن يصافِحُه رَسولُ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

حدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن سعد، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن عبدالله بن حمّاد، عن عبدالله الأصمّ، عن معاويةَ بن وَهْب قال: استأذنت على أبي عبداللهعليه‌السلام - وذكر الحديث والدُّعاء لزوَّار الحسينعليه‌السلام -.

وحدَّثني محمّد بن الحسين بن متّ الجوهريّ، عن محمّد بن أحمدَ بن يحيى، عن موسى بن عُمَرَ، عن غَسّان البَصريّ، عن معاويةَ بن وَهْب. وحدَّثني محمّد ابن يعقوبَ؛ عن عليُّ بن الحسين، عن عليِّ بن إبراهيم بن هاشم - عن بعض أصحابنا - عن ابراهيم بن عُقْبَةَ، عن معاوية بن وَهْب قال: استأذنت على أبي عبداللهعليه‌السلام - وذكر مثل حديث الدُّعاء الّذي في زوّار الحسينعليه‌السلام -.

حدَّثني أبيرحمه‌الله وعليُّ بن الحسين؛ وجماعَة مشايخنا، عن أحمدَ بن إدريسَ؛ ومحمّد بن يحيى جميعاً، عن العَمْركي بن عليٍّ البوفكيِّ، عن يحيى خادم أبي جعفر الثّانيعليه‌السلام -، عن ابن أبي عُمَير، عن معاوية بن وَهْب قال: استأذنت على أبي عبداللهعليه‌السلام - وذكر الحديث -.

٤ - حدَّثني حكيم بن داود، عن سَلَمَة بن الخطّاب، عن الحسن بن عليٍّ

__________________

١ - كذا، والصّواب: « غسّان البصريّ » كما تقدم.

٢ - في بعض النّسخ: « كان بيده »، وفي بعضها: « كان نبذه »، والصّواب ما في المتن، وتقدّم الخبر في ص ١٢٥ تحت رقم ١ إلى قوله: « والأئمة عليهم السلام » مع بيانه.

١٣٢

الوَشّاء - عمّن ذكره - عن داودَ بن كثير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إنَّ فاطمةعليها‌السلام بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله تحضر لزوَّار قبر ابنها الحسينعليه‌السلام فتستغفر لهم ذنوبهم ».

الباب الحادي والأربعون

( دعاء الملائكة لزُوَّار الحسين عليه السلام)

١ - حدّثني محمّد بن جعفر الرَّزّاز الكوفي، عن خاله محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن موسى بن سَعدانَ، عن عبدالله بن القاسم، عن عُمَرَ بن أبان الكَلبيِّ، عن أبان بن تَغلِب « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : أربعة آلاف ملك عند قبر الحسينعليه‌السلام شُعْثٌ غُبْرٌ يبكونه إلى يوم القيامة، رئيسهم مَلَكٌ يقال له: منصور، ولا يَزوُرُه زائِر إلاّ استقبلوه، ولا يودّعه مُوَدّع إلاّ شَيّعوه، ولا يمرض إلاّ عادوه، ولا يموت إلاّ صلّوا عليه [و] على جنازته، واستغفروا له بعد مَوته »(١) .

٢ - وحدَّثني أبيرحمه‌الله ومحمّد بن الحسن؛ وعليُّ بن الحسين؛ عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن عليِّ بن الحكم، عن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: وكّل الله تبارك وتعالى بالحسينعليه‌السلام سبعين ألف ملك يصلّون عليه كلّ يوم شُعثاً غُبراً، ويدعون لمن زارَه ويقولون: يا ربِّ هؤلاء زُوَّار الحسينعليه‌السلام ؛ افعل بهم، وافعل بهم - كذا وكذا - ».

٣ - حدّثني حكيم بن داود، عن سَلَمةَ، عن موسى بن عُمَرَ، عن حَسّان البصري(٢) ، عن معاوية بن وَهْب، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: لا تدع زيارة الحسينعليه‌السلام ، أما تحبّ أن تكون فيمن تدعو له الملائكة ».

__________________

١ - هذا الحديث رواه ابن أبي الفوارس في أربعينه كما أوعز إليه العلاّمة الأميني ( ره ) سابقاً.

٢ - تقدّم الكلام فيه، راجع ص ١٢٥ ذيل الخبر ١.

١٣٣

٤ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن أحمدَ بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن عليِّ بن الحكم، عن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: وكّل اللهُ تعالى بقبر الحسينعليه‌السلام سبعين ألف ملك يصلّون عليه كلَّ يوم شُعثاً غُبراً مِن يوم قُتل لى ما شاء الله - يعني بذلك قيام القامعليه‌السلام -، ويدعون لمن زارَه ويقولون: يارَبِّ هؤلاء زُوَّار الحسينعليه‌السلام افعل بهم وافعل بهم ».

٥ - حدَّثني الحسين بن محمّد بن عامِر، عن أحمدَ بن إسحاقَ بن سعد، عن سَعدانَ بن مسلم، عن عُمَرَ بن أبان، عن أبان بن تَغلِب، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: كأنّي بالقائم [عليه‌السلام ] على نجف الكوفة وقد لبس دِرْع رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فينتفض هو بها فتستدير عليه، فيغشيها بِحِداجة مِن اسْتبرق، ويركب فَرَساً أدهم بين عينيه شِمراخ فينتفض به انتفاضة(١) لا يبقى أهل بلد إلاّ وهم يرون أنّه معهم في بلادهم، فينتشر راية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، عَمودها مِن عمود العرش، وسائرها من نصر الله، لا يهوي بها إلى شيءٍ أبداً إلاّ أهْلَكه الله، فإذا هزَّها(٢) لم يبق مؤمن إلّا صارَ قلبه كَزبر الحديد، ويعطى المؤمن قوَّة أربعين رَجلاً، ولا يبقى مؤمن ميّتٌ إلاّ دَخلتْ عليه تلك الفَرْحة في قبره، وذلك حين يتزاوَرُون في قبورهم(٣) ، ويتباشرون بقيام القائم، فينحطّ عليه ثلاث عشر آلاف مَلَك وثلاثمائة وثلاث عشر مَلَكاً، قلت: كلُّ هؤلاء الملائكة؟ قال: نَعَم؛ الّذين كانوا مع نوح في السّفينة، والّذين كانوا مع ابراهيم حين اُلقي في النّار، والَّذين كانوا مع موسى حين فلَقَ البحر لبني إسرائيل، والَّذين كانوا مع عيسى حين رَفَعه الله إليه، وأربعة آلاف مَلَك مع النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله مُسَوِّمين، وألف مُردفين(٤) ،

__________________

١ - انتفض الثّوب: حرّكه ليزول عن الغبار، والحداجة - بالكسر -: ما تركب فيه النِّساء على البعير كالهودج، والشِّمْراخ: غُرّة الفرس إذا دقّت وسالت وجلّلت الخَيْشوم ولم تبلغ الجَحفَلَة.

٢ - أي حرّكها.

٣ - تزاور القومُ: زار بعضهم بعضاً.

٤ - قوله: « مُسَوِّمينَ » أي معلمين مِن التّسويم الّذي هو إظهار سيماء الشّيء، و « مُرْدِفين ».

١٣٤

وثلاثمائة وثلاثة عشر ملائكةً بَدْرِيّين، وأربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القِتال مع الحسينعليه‌السلام ، فلم يؤذن لهم في القِتال فهم عند قبره شُعثٌ غُبرٌ يبكونه إلى يوم القيامة، ورئيسهم ملكٌ يقال له: منصور، فلا يزوره زائرٌ إلاّ استقبلوه، ولا يودّعه مودّع إلاّ شَيّعوه، ولا يمرض مريض إلاّ عادوه، ولا يموت ميّت إلاّ صلّوا على جنازته، واستغفروا له بعدَ مَوته، وكلُّ هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائمعليه‌السلام إلى وقت خروجه صلوات الله عليه ».

الباب الثّاني والأربعون

( فضل صلاة الملائكة لزُوّار الحسين عليه السلام)

١ - حدّثني الحسن بن عبدالله بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن أبي المَغرا، عن عَنْبَسَة، عن أبي عبدا‏عليه‌السلام « قال: سمعته يقول: وكّل الله بقبر الحسين بن عليِّعليهما‌السلام سبعين ألف ملك يعبدُون الله عنده، الصّلاة الواحِدَة من صلاة أحدهم تعدل ألف صلاة من صلاة الآدميّين، يكون ثواب صلاتهم لزوّار قبر الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام وعلى قاتله لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين أبد الآبدين ».

٢ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن سيف بن عَمِيرَة، عن بكر بن محمّد الأزديِّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: وكّل الله تعالى بقبر الحسينعليه‌السلام سبعين ألف ملكٍ شُعثاً غُبراً يبكونه إلى يوم القيامة، يصلّون عنده، الصّلاة الواحدة من صلاة أحدهم تَعدِل ألف صلاة من صلاة الآدميّين، يكون ثوابُ صلاتهم وأجرُ ذلك لمن زارَ قبرَهعليه‌السلام »(١) .

* * * * *

__________________

أي متبعين المؤمنين، أو بعضهم بعضاً، من أردفتُه أنا إذا جئت بعده، أو متبعين بعضهم بعضاً المؤمنين. ( البيضاوي ).

١ - تقدّم الخبر في ص ٩٠ تحت رقم ١٤.

١٣٥

الباب الثّالث والأربعون

( إنّ زيارة الحسين عليه السلام فرض وعهد لازم له)

( ولجميع الأئمّة عليهم السلام على كلّ مؤمن ومؤمنة)

١ - حدَّثني أبيرحمه‌الله ومحمّد بن الحسن، عن الحسن بن مَتِّيل. وقال محمّد بن الحسن: وحدَّثني محمّد بن الحسن الصّفّار جميعاً، عن أحمدَ بن أبي عبدالله البرقيّ قال: حدَّثنا الحسن بن عليِّ بن فضّال قال: حدَّثني أبو أيّوب إبراهيم بن عثمان الخَزَّاز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: مُروا شيعتَنا بزيارة قبر الحسينعليه‌السلام ، فإن إتيانه مفترض على كلِّ مؤمن يُقرُّ للحسينعليه‌السلام بالإمامة مِن الله عزَّوجلَّ »(١) .

٢ - حدَّثني أبي؛ وأخي؛ وعليُّ بن الحسين؛ ومحمّدُ بنُ الحسنرحمهم‌الله جميعاً، عن أحمدَ بن إدريسَ، عن عبيدالله بن موسى، عن الوَشّاء « قال: سمعت الرِّضاعليه‌السلام يقول: إنَّ لِكلِّ إمام عَهدا في عنق أوليائه وشيعته، وإنَّ مِن تمام الوَفاء بالعهد وحُسن الأداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رَغبةً في زيارتهم وتَصديقاً لما رَغّبوا فيه كان أئمّتُهم شُفعاءَهم يوم القيامة ».

حدَّثني محمّد بن يعقوبَ الكلينيُّ، عن أحمدَ بن إدريس بإسناده مثله سواء(٢) .

٣ - حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز قال: حدَّثني محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن أبي داود المسترقّ، عن اُمّ سعيد الاُحْمَسِيّة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قالت: قال لي: يا اُمّ سعيد تزورين قبر الحسين؟ قالت: قلت: نَعَم، فقال لي:

__________________

١ - الخبر بهذا السّند مذكور في التّهذيب ( ج ٦ ص ٤٨ تحت رقم ١ ) بزيادة وهي: « فإنّ إتيانه يزيد في الرّزق، ويمدّ في العمر، ويدفع مدافع السّوء وإتيانه مفترضٌ - إلخ ». وسيأتي الخبر بتمامه في الباب ٦١ تحت رقم ١.

٢ - راجع الكافي المجلّد الرّابع ص ٥٦٧ تحت رقم ٢.

١٣٦

زوريه؛ فإنَّ زيارة قبر الحسين واجبة على الرّجال والنّساء ».

٤ - حدَّثني أبي؛ ومحمّد بن الحسن - رحمهما الله - جميعاً، عن الحسن بن مَتِّيل، عن الحسن بن عليِّ الكوفيّ، عن عليّ بن حسّان الهاشميّ، عن عبدالرَّحمن بن كثير مولى أبي جعفر(١) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: لو أنَّ أحدكم حجّ دَهْره، ثمّ لم يَزُرِ الحسين بن عليِّعليهما‌السلام لكان تاركاً حقّاً مِن حقوق الله وحقوق رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لاُنَّ حقَّ الحسين فَرِيضةٌ مِن اللهِ، واجبةٌ على كلِّ مسلم ».

الباب الرِّابع والأربعون

( ثواب مَن زار الحسين عليه السلام بنفسه أو جهّز إليه غيره)

١ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريّ، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد بن سالم، عن محمّد بن خالد، عن عبدالله بن حمّاد البَصريّ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ، عن محمّد البَصريّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعت أبي يقول لرجل من مواليه - وسأله عن الزّيارة - فقال له: مَن تزور ومَن تريد به؟ قال: الله تبارك وتعالى، فقال: مَن صَلّى خَلفَه صلاةً واحدة(٢) يريد بها الله(٣) لقي الله يوم يلقاه وعليه مِن النّور ما يغشى له كلَّ شيءٍ يَراه، والله يكرم زُوَّاره ويمنع النّار أن تنال منهم شيئاً، وإنَّ الزَّائر له لا يتناهى له دون الحوض وأمير المؤمنينعليه‌السلام قائمٌ على الحوض يصافحه ويروّيه من الماء، وما يسبقه أحدٌ إلى وروده الحوض حتّى يروى، ثمَّ ينصرف إلى منزله من الجنّة ومعه ملك من قبل أمير المؤمنينعليه‌السلام قائم على الحوض يصافحه ويروّيه من الماء، وما يسبقه أحدٌ إلى وروده الحوض حتّى يروي، ثمَّ ينصرف إلى منزله من الجنّة ومعه ملك من قبل أمير المؤمنين يأمر الصّراط أن يذلَّ له، ويأمر النّار أن لا تصيبه من لَفْحها(٤) شيء حتّى يجوزها، ومعه رسوله الّذي بعثه أمير المؤمنينعليه‌السلام ».

__________________

١ - يعني المنصور العبّاسيّ.

٢ - في بعض النّسخ: « صلاة واجبة » وفي البحار كما في المتن.

٣ - أي التّقرّب إلى الله تعالى.

٤ - أي حرّها واحتراقها.

١٣٧

٢ - وبإسناده عن الأصمّ(١) قال: حدَّثنا هشام بن سالم، عن أبي عبداللهعليه‌السلام - في حديث طويل - « قال: أتاه رَجل فقال له: ياابن رسول الله هل يُزار والدُك؟ قال: فقال: نَعَم ويصلّى عنده، وقال: يصلّى خلفَه ولا يتقدَّم عليه، قال: فما لمن أتاه؟ قال: الجنّة إن كان يأتمُّ به، قال: فما لمن تركه رَغبةً عنه؟ قال: الحَسرة يوم الحسرة، قال: فما لمن أقام عنده؟ قال: كلُّ يوم بألف شهر، قال: فما للمُنفق في خروجه إليه والمنُفق عندَه؟ قال: درهم بألف درهم؛

قال: فما لِمَن مات في سَفره إليه؟ قال: تُشيّعه الملائكة، وتأتيه بالحنوط والكسوة مِن الجنّة، وتصلّي عليه إذ كفّن وتكفّنه فوق أكفانه، وتفرش له الرّيحان تحته، وتدفع الأرض حتّى تصوّر من بين يديه(٢) مسيرة ثلاثة أميال، ومِن خَلفِه مثل ذلك، وعند رَأسه مثل ذلك، وعند رِجليه مثل ذلك، ويفتح له باب من الجنّة إلى قبره، ويدخل عليه رَوحها ورَيحانها حتّى تقوم السّاعة؛

قلتُ: فما لِمَن صلّى عنده؟ قال: مَن صلّى عنده رَكعتين لم يسألِ الله تعالى شيئاً إلاّ أعطاه إيّاه، قلت: فما لِمَن اغتسل مِن ماءِ الفُرات، ثمّ أتاه؟ قال: إذا اغتسل مِن ماءِ الفرات وهو يريده تساقَطَتْ عنه خطاياه كيوم ولَدَتْه اُمّه، قال: قلت: فما لِمَن يجهز إليه ولم يخرج لعلّه تُصيبه؟ قال: يعطيه الله بكلِّ دِرْهم أنفقه مثل اُحُد مِن الحَسَنات، ويخلف عليه أضعاف ما أنفقـ[ـه]، ويصرف عنه من البلاء ممّا قد نزل ليصيبها، ويدفع عنه، ويحفظ في ماله؛

قال: قلت: فما لِمَن قُتل عنده، جار عليه سلطانٌ فقتَله؟ قال: أوَّل قطرة مِن دَمِه يُغفَر له بها كلُّ خطيئة، وتَغسلُ طِينتَه الّتي خُلق منها الملائكةُ حتّى تخلص كما خلصتِ الأنبياء المخلصين، ويذهب عنها ما كان خالطها مِن أجناس طين أهل الكفر، ويغسل قلبه ويشرح صدره ويملأ إيماناً فيلقى الله وهو مخلَصٌ مِن كلِّ ما تخالطه الأبدان والقلوب، ويكتب له شفاعة في أهل بيته

__________________

١ - يعنى عبدالله بن عبدالرّحمن المسمعيّ.

٢ - على بناء التّفعّل بحذف إحدى التّاءين أي تسقط وتنهدم.

١٣٨

وألف مِن إخوانه، وتولّى الصّلاة عليه الملائكة مع جَبرئيل وملك الموت، ويؤتى بكفنه وحنوطه مِن الجَنّة، ويوسّع قبره عليه ويوضع له مصابيح في قبره ويفتح له بابٌ من الجَنَّة، وتأتيه الملائكة بالطُّرَف مِن الجَنّة، ويرفع بعد ثمانية عشر يوماً إلى حَظيرة القُدْس، فلا يزال فيها مع أولياء الله حتّى تصيبه النّفخة الّتي لا تبقى شيئاً؛

فإذا كانت النّفخة الثّانية وخرج من قبره كان أوَّل مَن يصافحه رَسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين والأوصياءعليهم‌السلام ويُبشّرونه ويقولون له: ألزمنا، ويقيمونه على الحوض فيشرب منه ويسقي مَن أحبّ.

قلت: فما لمن حُبس في إتيانه؟ قال: له بكلِّ يوم يحبس ويغتمّ فَرْحَةٌ إلى يوم القيامة، فإن ضُرِب بعدَ الحَبْس في إتيانه كان له بكلِّ ضربةٍ حَوراء وبكلِّ وَجَع يدخل على بَدَنه ألفُ ألف حَسَنةٍ، ويُمحا بها عنه ألفُ ألف سيئةٍ، ويرفع له بها ألفُ ألف دَرَجةٍ، ويكون مِن محدّثي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى يفرغ مِن الحساب، فيصافحه حملة العرشِ ويقال له: سَلْ ما أحببتَ؛

ويؤتى ضاربه للحساب فلا يسأل عن شيء ولا يحتسب بشيء ويؤخذ بضَبْعَيه حتّى ينتهي به إلى ملك يَحبوه ويتحفه(١) بشربةٍ مِن الحميم، وشربةٍ مِن الغِسلين، ويوضع على مقال في النّار، فيقال له: ذُقْ ما قَدَّمَتْ يداك فيما أتيتَ إلى هذا الَّذي ضربته، وهو وَفدُ الله ووَفدُ رسوله ويأتي بالمضروب إلى باب جهنّم فيقال له: انظر إلى ضاربك وإلى ما قد لقي فهل شَفيت صَدرك، وقَدِ اقتُصَّ لك منه؟ فيقول: الحمد ‏لله الَّذي انتصر لي ولِولد رَسوله منه ».

٣ - وبهذا الإسناد عن الاُصَمّ، عن عبدالله بن بُكَير - في حديث طويل - « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : يا ابن بُكير إنَّ الله اختار مِن بقاع الأرض سِتّةً: البيت الحرام، والحَرَم، ومقابر الأنبياء، ومقابر الأوصياء، ومقاتل الشُّهداء(٢) ،

__________________

١ - « يحبوه » من الحبوة بمعنى العطيّة، وذلك على سبيل التّهكّم، وفي بعض النّسخ: « فيحيّزه ».

٢ - في بعض النّسخ: « ومقابر الشّهداء ».

١٣٩

والمساجد الَّتي يذكر فيها اسم الله، ياابن بُكير هل تَدري ما لِمَن زارَ قبرَ أبي عبدالله الحسينعليه‌السلام إن جهله الجاهلون، ما مِن صباح إلاّ وعلى قبره هاتفٌ من الملائكة يُنادي: يا طالب الخير (١) أقبل إلى خالِصة الله تَرحل بالكرامة وتأمن النَّدامة، يسمعُ أهل المَشرِق وأهلُ المغرب إلاّ الثّقَلَين، ولا يبقى في الأرض مَلكٌ مِن الحفظة إلاّ عطف عليه عند رُقاد (٢) العبد حتّى يسبّح اللهَ عنده، ويسألُ اللهَ الرّضا عنه، ولا يبقى ملكٌ في الهوا يسمع الصّوت إلاّ أجاب بالتّقديس لله تعالى، فتشتد أصوات الملائكة، فيجيبهم أهل السّماء الدُّنيا، فتشتدُّ أصوات الملائكة وأهل السَّماء الدُّنيا حتّى تبلغ أهل السّماء السّابعة فيَسْمَعُ أصواتَهم النَّبيّون (٣) فيترحَّمون ويُصَلّون على الحسينعليه‌السلام ويدعون لمن زارَه »(٤) .

الباب الخامس والأربعون

( ثواب مَن زار الحسين عليه السلام وعليه خوفٌ)

١ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد بن سالم، عن محمّد بن خالد، عن عبدالله بن حمّاد البصريّ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ، عن حمّاد ذي النّاب، عن رُوميّ(٥) ، عن زُرارةَ « قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : ما تقولُ فيمن زارَ أباك على خوف؟ قال: يؤمنه الله يوم الفَزَع الأكبر، وتلقّاه الملائكة بالبِشارة، ويقال له: لا تَخَفْ ولا تَحزَنْ هذا يومك الَّذي فيه فَوزُك ».

٢ - وبإسناده، عن الأصمّ، عن ابن بُكَير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قلت له: إنّي أنزل الأرَّجان(٦) وقلبي ينازِعُني إلى قبرِ أبيك، فإذا خرجت فقلبي

__________________

١ - في بعض النّسخ: « يا باغي الخير ».

٢ - رَقَدَ الرّجل رَقْداً ورُقاداً: نام.

٣ - في بعض النّسخ: « فيُسمع الله أصواتهم النَّبيِّين ».

٤ - في بعض النّسخ « لمن أتاه ».

٥ - هو ابن زرارة بن أعين الشّيبانيّ، وراويه حمّاد بن عثمان، وهما ثقتان.

٦ - تقدّم الكلام فيه، راجع ص ١١٠ ذيل الخبر ٧.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

وفي تفسير العيّاشيّ(١) : عن عبد الله بن محمّد الجعفيّ قال: سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول: وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: الاستغفار حصن حصين(٢) لكم من العذاب. فمضى اكبر الحصنين، وبقي الاستغفار. فأكثروا منه، فإنّه ممحاة(٣) للذّنوب. وان شئتم فاقرؤوا:( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ) (الآية).

وفي كتاب علل الشرائع(٤) ، بإسناده إلى عمرو بن شمر: عن جابر بن يزيد الجعفي قال: قلت لأبي جعفر محمد بن عليّ الباقر ـ عليهما السّلام ـ: لأيّ شيء يحتاج إلى النبيّ والإمام؟

فقال: لبقاء العالم على صلاحه. وذلك أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يرفع العذاب عن أهل الأرض، إذا كان فيها نبيّ أو إمام. قال الله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) . وقال النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ: النجوم أمان لأهل السّماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض. فإذا ذهبت النجوم، أتى أهل السّماء ما يكرهون. وإذا ذهب أهل بيتي، أتى أهل الأرض ما يكرهون، يعني بأهل بيته: الأئمّة الّذين قرن الله ـ عزّ وجلّ ـ طاعتهم بطاعته.

وفي أمالي شيخ الطائفة(٥) ، بإسناده إلى سدير: عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وهو في نفر من أصحابه: إنّ مقامي بين أظهركم خير لكم، وإنّ مفارقتي إيّاكم خير لكم.

فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاريّ، وقال: يا رسول الله، أمّا مقامك بين أظهرنا فهو خير لنا. فكيف يكون مفارقتك إيانا خيرا لنا؟

فقال: أمّا مقامي بين أظهركم خير لكم، لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ [وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) ، يعني: يعذّبهم](٦) بالسّيف. فأمّا مفارقتي إيّاكم فهو خير لكم، لأنّ أعمالكم تعرض عليّ كلّ اثنين وخميس. فما كان من حسن، حمدت الله عليه. وما كان من سيء، استغفرت لكم.

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٥٤٠، ح ٤٤.

(٢) المصدر: وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ والاستغفار حصنين .

(٣) المصدر: منجاة.

(٤) العلل / ١٢٣ ـ ١٢٤، ح ١.

(٥) أمالي الطوسي ٢ / ٢٢ ـ ٢٣.

(٦) من المصدر.

٣٢١

وبإسناده(١) إلى جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: أربع للمرء، لا عليه. إلى قوله: والاستغفار فإنّه قال:( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ، وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) .

( وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ ) : وما لهم ممّا يمنع تعذيبهم متى زال ذلك، وكيف لا يعذّبون؟

( وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) : وحالهم ذلك. ومن صدّهم عنه إلجاء رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ والمؤمنين إلى الهجرة، وإحصارهم عام الحديبيّة.

( وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ ) : مستحقين ولاية أمره مع شركهم. وهو ردّ لما كانوا يقولون: نحن ولاة البيت والحرم، فنصدّ من نشاء وندخل من نشاء.

( إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ ) : من الشّرك. الّذين لا يعبدون فيه غيره.

وقيل(٢) : الضّميران لله.

وفي مجمع البيان(٣) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ: معناه: وما أولياء المسجد الحرام إلّا المتّقون.

وفي تفسير العيّاشيّ(٤) : عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله:( وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ ) ، يعني: أولياء البيت، يعني: المشركين.( إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ ) حيث ما كانوا، هم أولى به من المشركين.

( وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) (٣٤): أنّ لا ولاية لهم عليه، كأنّه نبّه بالأكثر على أنّ منهم من يعلم ويعاند. أو أراد به الكلّ، كما يراد بالقلّة العدم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : أنّها نزلت لـمـّـا قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لقريش: إنّ الله بعثني أن أقتل جميع ملوك الدّنيا وأجري الملك إليكم. فأجيبوني إلى ما أدعوكم إليه، تملكوا بها العرب وتدين لكم بها العجم وتكونوا ملكوا في الجنّة.

فقال أبو جهل:( اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا ) الذي يقول محمّد

__________________

(١) أمالي الطوسي ٢ / ١٠٨.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٣.

(٣) مجمع البيان ٢ / ٥٣٩ و ٥٤٠.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ٥٥، ح ٤٦.

(٥) تفسير القمي ١ / ٢٧٦ ـ ٢٧٧.

٣٢٢

( هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) . حسدا لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

ثمّ قال: كنّا وبنو هاشم، كفرسي رهان. نحمل، إذ احملوا. ونطعن، إذ طعنوا. ونوقد، إذا أوقدوا. فلما استوى بنا وبهم الرّكب، قال قائل منهم: منّا نبيّ. لا نرضى بذلك أن يكون في بني هاشم، ولا يكون في بني مخزوم.

ثمّ قال: غفرانك، أللّهمّ.

فأنزل الله في ذلك( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) حين قال: غفرانك، أللّهمّ.

فلمّا همّوا بقتل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأخرجوه من مكّة، قال الله:( وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ ) ، يعني: قريشا ما كانوا أولياء مكّة.( إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ ) أنت وأصحابك، يا محمّد. فعذّبهم الله بالسّيف يوم بدر، فقتلوا.

وفي روضة الكافي(١) : عن أبي بصير قال: بينا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ [ذات يوم](٢) جالس، إذ أقبل أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.

فقال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: إنّ فيك شبها من عيسى بن مريم.

ولولا أن يقول فيك طوائف من أمّتي ما قالت النّصارى في عيسى بن مريم، لقلت فيك قولا لا تمرّ بملإ من النّاس إلّا أخذوا التّراب من تحت قدميك، يلتمسون بذلك البركة.

قال: فغضب الأعرابيّان والمغيرة بن شعبة وعدة من قريش معهم، فقالوا: ما رضي أن يضرب لابن عمّه مثلا إلّا عيسى بن مريم.

فأنزل الله على نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال:( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ، وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ، إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ، وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ ) ، يعني: من بني هاشم( مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ ) (٣) . قال: فغضب الحارث بن عمرو الفهريّ، فقال:( اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) [إنّ بني هاشم يتوارثون](٤) هرقلا بعد هرقل

__________________

(١) الكافي ٨ / ٥٧ ـ ٥٨، ح ١٨.

(٢) من المصدر.

(٣) الزخرف / ٥٧ ـ ٦٠.

(٤) ليس في المصدر.

٣٢٣

فأرسل علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فأنزل الله عليه مقالة الحارث. ونزلت هذه الآية( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) .

ثمّ قال له: يا ابن عمرو، إمّا تبت وإما رحلت.

[فقال: يا محمّد، بل تجعل لسائر قريش شيئا ممّا في يديك. فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب والعجم.

فقال له النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ: ليس ذلك إليّ. ذلك إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ.

فقال: يا محمّد، قلبي ما يتابعني على التوبة، ولكن أرحل عنك](١) .

فدعا براحلته، فركبها. فلمّا صار بظهر المدينة، أتته جندلة فرضّت(٢) هامته.

[ثمّ أتى الوحي إلى النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال: «سأل سائل بعذاب واقع للكافرين بولاية عليّ ليس له دافع من الله ذي المعارج»(٣) .

قال: قلت: جعلت فداك، إنّا لا نقرؤها هكذا.

فقال: هكذا ـ والله ـ نزل بها جبرئيل على محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وهكذا هو ـ والله ـ مثبت في مصحف فاطمة ـ عليها السّلام ـ](٤) .

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمن حوله من المنافقين: انطلقوا إلى صاحبكم، فقد أتاه ما استفتح به. قال الله:( وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) (٥) .

( وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ ) ، أي: دعاؤهم. أو ما يسمّونه صلاة. أو ما يضعون موضعها.

( إِلَّا مُكاءً ) : صفيرا. فعال، من مكا يمكو: إذا صفر.

وقرئ(٦) ، بالقصر، كالبكا.

( وَتَصْدِيَةً ) : تصفيقا. تفعلة، من الصداء، أو من الصّدّ. على إبدال أحد حرفي التّضعيف بالياء.

__________________

(١ و ٤) ـ من المصدر.

(٢) المصدر: فرضخت.

(٣) المعارج / ١ ـ ٣.

(٥) إبراهيم / ١٥.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٣.

٣٢٤

وقرئ(١) : «صلاتهم» بالنّصب، على أنّه الخبر المقدّم. ومساق الكلام، لتقرير استحقاقهم العذاب. أو عدم ولايتهم للمسجد، فإنّها لا تليق لمن هذه صلاته.

وفي تفسير العياشي(٢) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: التصفير والتصفيق.

وفي عيون الأخبار(٣) : قال الرّضا ـ عليه السّلام ـ: وسميت مكّة: مكّة، لأنّ الناس كانوا يمكون فيها. وكان يقال لمن قصدها: قد مكأ. ذلك قول الله ـ تعالى ـ:( وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً ) . «فالمكاء» التصفير. و «التّصدية» صفق اليدين.

وفي مجمع البيان(٤) : روي أنّ النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذا صلى في المسجد الحرام، قام رجلان من بني عبد الدار عن يمينه فيصفران، ورجلان عن يساره يصفّقان بأيديهما فيخلطان عليه صلاته. فقتلهم الله جميعا ببدر.

قيل(٥) : إنّهم كانوا يطوفون عراة، الرّجال والنّساء، مشبّكين بين أصابعهم يصفرون فيها ويصفّقون.

( فَذُوقُوا الْعَذابَ ) يعني: القتل والأسر يوم البدر.

وقيل(٦) : عذاب الآخرة.

و «اللّام» يحتمل أن تكون للعهد والمعهود «ائتنا بعذاب أليم».

( بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) (٣٥): اعتقادا وعملا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٧) : هذه الآية معطوفة على قوله:( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ، كما نقلنا عنه هناك.

( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) قيل(٨) : نزلت في المطعمين يوم بدر. وكان اثني عشر رجلا من قريش، يطعم كلّ

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٣.

(٢) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٥٥، ح ٤٦.

(٣) عيون الأخبار ٢ / ٩٠ ـ ٩١.

(٤) مجمع البيان ٢ / ٥٤٠.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٣.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٣.

(٧) تفسير القمي ١ / ٢٧٥.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٣.

٣٢٥

واحد منهم كلّ يوم عشر [جزر أو](١) في أبي سفيان، استأجر ليوم أحد ألفين من العرب سوى من استجاش من العرب، وأنفق عليهم أربعين أوقيّة.

وسيأتي عن عليّ بن إبراهيم، أنه في أصحاب العير. فإنّه لـمـّـا أصيب قريش ببدر، قيل لهم: أعينوا بهذا المال على حرب محمّد لعلّنا ندرك منه ثأرنا. ففعلوا.

والمراد بسبيل الله: دينه، واتباع رسوله.

( فَسَيُنْفِقُونَها ) : بتمامها.

قيل(٢) : لعلّ الأوّل إخبار عن إنفاقهم في تلك الحال، وهو إنفاق بدر. والثاني إخبار عن إنفاقهم فيما يستقبل، وهو إنفاق احد. ويحتمل أن يراد بهما واحد، على أنّ مساق الأول لبيان غرض الإنفاق. ومساق الثاني لبيان عاقبته، وإنّه لم يقع بعد.

( ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ) : ندما وغمّا، لفواتها من غير مقصود. جعل ذاتها تصير حسرة، وهي عاقبة إنفاقها مبالغة.

( ثُمَّ يُغْلَبُونَ ) : آخر الأمر. وإن كان الحرب بينهم سجالا قبل ذلك.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) : نزلت في قريش، لـمـّـا وافاهم ضمضم وأخبرهم بخبر(٤) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في طلب العير. فأخرجوا أموالهم وحملوا وأنفقوا وخرجوا إلى محاربة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ببدر، فقتلوا وصاروا إلى النّار. وكان ما أنفقوا حسرة عليهم.

( وَالَّذِينَ كَفَرُوا ) ، أي: الّذين ثبتوا على الكفر منهم، إذا أسلم بعضهم.

( إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) (٣٦): يساقون.

( لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) : الكافر من المؤمن، أو الفساد من الصّلاح.

و «اللّام» متعلّقة «بيحشرون»، أو «يغلبون».

أو ما أنفقه المشركون في عداوة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ممّا أنفقه المسلمون في نصرته. و «اللام» متعلّقة بقوله:( ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ) .

وقرأ(٥) حمزة والكسائي ويعقوب: «ليميّز» من التّمييز. وهو أبلغ من الميز.

__________________

(١) كذا في المصدر، وفي النسخ: جزورا و.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٣.

(٣) تفسير القمي ١ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨.

(٤) المصدر: بخروج.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٤.

٣٢٦

( وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً ) : فيجمعه ويضمّ بعضه إلى بعض، حتّى يتراكبوا لفرط ازدحامهم. أو يضمّ إلى الكافر ما أنفقه ليزيد به عذابه، كما للكانزين.

( فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ ) : إشارة إلى الخبيث، لأنّه مقدر بالفريق الخبيث. أو إلى المنفقين.

( هُمُ الْخاسِرُونَ ) (٣٧): الكاملون في الخسران، لأنّهم خسروا أنفسهم وأموالهم.

وفي علل الشّرائع(١) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ في حديث: إنّ الله ـ سبحانه ـ مزج طينة المؤمن حين أراد خلقه بطينة الكافر، فما يفعل المؤمن من سيئة فإنّما هو من أجل ذلك المزاج. وكذلك مزج طينة الكافر حين أراد خلقه بطينة المؤمن، فما يفعل الكافر من حسنة فإنّما هو من أجل ذلك المزاج.

أو لفظ هذا معناه قال: فإذا كان يوم القيامة، ينزع الله ـ تعالى ـ من العدوّ النّاصب سنخ المؤمن ومزاجه وطينته وجوهره وعنصره مع جميع أعماله الصّالحة ويرده على المؤمن. وينزع الله ـ تعالى ـ من المؤمن سنخ النّاصب ومزاجه وطينته وجوهره وعنصره مع جميع أعماله السّيّئة الرّديئة، ويردّه إلى الناصب عدلا منه ـ جلّ جلاله ـ وتقدّست أسماؤه. ويقول للنّاصب: لا ظلم عليك بهذه الأعمال الخبيثة من طينك ومزاجك، وأنت أولى بها. وهذه الأعمال الصّالحة من طينة المؤمن ومزاجه وهو أولى بها. لا ظلم اليوم، إنّ الله سريع الحساب.

ثم قال: أزيدك في هذا المعنى من القرآن، أليس الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ، وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ، أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) (٢) . وقال ـ عزّ وجلّ ـ:( وَالَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ. لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ، أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ) .

__________________

(١) عنه تفسير الصافي ٢ / ٣٠٢، وشرحه في الوافي المجلد ١ الجزء ٣ / ١١ ـ ١٣. والحديث موجود في علل الشرايع / ٦٠٦، ح ٨١. ولكن لم يرد فيه ذكر للآيتين الواردتين في ذيل الحديث.

(٢) النّور / ٢٦.

٣٢٧

( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ) : يعني: أبا سفيان وأصحابه.

والمعنى: قل لأجلهم.

( إِنْ يَنْتَهُوا ) : عن معاداة الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالدّخول في الإسلام.

( يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ ) : من ذنوبهم.

وقرئ(١) : بالتّاء والكاف، على أنّه خطابهم. و «يغفر» على البناء للفاعل. وهو الله ـ تعالى ـ.

وفي تفسير العيّاشيّ(٢) : عن عليّ بن درّاج الأسديّ قال: دخلت على أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ.

فقلت له: إنّي كنت عاملا لبني أميّة. فأصبت مالا كثيرا، فظننت أنّ ذلك لا يحلّ لي.

قال: فسألت عن ذلك غيري؟

قال: قلت: قد سألت. فقيل لي: إنّ أهلك ومالك وكلّ شيء لك حرام.

قال: ليس كما قالوا لك.

قلت: جعلت فداك، فلي توبة؟

قال: نعم، توبتك في كتاب الله( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ ) .

( وَإِنْ يَعُودُوا ) : إلى قتاله.

( فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ ) (٣٨): الّذين تحزّبوا على الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ بالتّدبير، كما جرى على أهل بدر، فليتوقّعوا مثل ذلك.

( وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ) : لا يوجد فيهم شرك.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) : أي: كفر.

قال: وهي ناسخة لقوله:( كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ) . ولقوله:( دَعْ أَذاهُمْ ) .

( وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ) : وتضمحلّ عنهم الأديان الباطلة.

وفي روضة الكافي(٤) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٤.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٥٥، ح ٤٧.

(٣) تفسير القمي ١ / ٢٧٨.

(٤) الكافي ٨ / ٢٠١، ح ٤٣.

٣٢٨

أذينة، عن محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ: في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ) (الآية).

فقال: لم يجئ تأويل هذه الآية بعد. إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ رخّص [لخاصة] أصحابه(١) . فلو قد جاء تأويلها، لم يقبل منهم. ولكنّهم يقتلون حتّى يوحّد الله ـ عزّ وجلّ ـ حتّى لا يكون شرك.

وفي تفسير مجمع البيان(٢) :( وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ ) (الآية) وروى زرارة وغيره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: لم يجئ تأويل هذه الآية. ولو قد قام قائمنا بعد، سيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية. وليبلغنّ دين محمد ـ صلّى الله عليه وآله ـ ما بلغ اللّيل حتّى لا يكون شرك على ظهر الأرض، كما قال الله ـ تعالى ـ( يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ) (٣) .

( فَإِنِ انْتَهَوْا ) : عن الكفر.

( فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) (٣٩): فيجازيهم على انتهائهم عنه وإسلامهم.

وعن يعقوب(٤) ، بالتّاء. على معنى: «فإن الله بما تعملون» من الجهاد والدّعوة إلى الإسلام، والإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإسلام والإيمان «بصير» يجازيكم.

ويكون تعليقه بانتهائهم دلالة على أنّه، كما يستدعي إثابتهم المباشرة، يستدعي إثابة مقاتليهم للتّسبّب.

( وَإِنْ تَوَلَّوْا ) : ولم ينتهوا.

( فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ ) : ناصركم. فثقوا به، ولا تبالوا بمعاداتهم.

( نِعْمَ الْمَوْلى ) : لا يضيّع من تولّاه.

( وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) (٤٠): لا يغلب من نصره.

( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ) ، أي: الّذي أخذتموه من الكفّار قهرا.

( مِنْ شَيْءٍ ) : ممّا يقع عليه اسم الشّيء، حتّى الخيط.

وفي أصول الكافي(٥) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ: الخاصة.

(٢) مجمع البيان ٢ / ٥٤٣.

(٣) النّور / ٥٥.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٤.

(٥) الكافي ١ / ٥٤٤، ح ١٠.

٣٢٩

عبد الصّمد بن بشير، عن حكيم مؤذّن ابن عيسى قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ) .

فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ بمرفقيه على ركبتيه. ثمّ أشار بيده. ثمّ قال: هي، والله، الإفادة يوما بيوم. إلّا أنّ أبي جعل شيعته في حل ليزكوا(١) .

( فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ) : مبتدأ خبره محذوف، أي: فثابت أنّ لله خمسه.

وقرئ(٢) : «فإنّ» بالكسر.

والجمهور من العامّة: على أنّ ذكر الله ـ تعالى ـ للتّعظيم، كما في قوله:( وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ) . وأنّ المراد قسم الخمس على الخمسة المعطوفين.

( وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) .

في تهذيب الأحكام(٣) : عليّ بن الحسين بن فضّال، عن محمّد بن إسماعيل الزّعفرانيّ، عن حمّاد بن عيسى، عن عمر بن أذينة، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس الهلاليّ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال: سمعته يقول كلاما كثيرا.

ثمّ قال: وأعظم(٤) من ذلك كلّه سهم ذي القربى، الّذين قال الله ـ تعالى ـ:( إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ ) . نحن، والله، عنى بذي القربى. و [هم](٥) الّذين قرنهم الله بنفسه ونبيّه، فقال:( فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) منّا خاصّة. ولم يجعل لنا في سهم الصدّقة نصيبا، أكرم الله نبيّه وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ أيدي النّاس.

وفي أصول الكافي(٦) : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن أورمة ومحمّد بن عبد الله، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ في قول الله ـ تعالى ـ:( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ) (الآية).

قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ والأئمّة ـ عليهم السّلام ـ.

__________________

(١) كذا في المصدر، وفي النسخ: ليذكوا.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٤.

(٣) تهذيب الأحكام ٤ / ١٢٦، ح ٣٦٢.

(٤) المصدر: أعطهم.

(٥) من المصدر.

(٦) الكافي ١ / ٤١٤، ح ١٢.

٣٣٠

الحسين بن محمّد(١) ، عن معلّى [بن محمّد](٢) ، عن الوشّاء، عن أبان، عن محمد(٣) ابن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى ) .

قال: وهم قرابة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. والخمس [لله و](٤) للرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ [ولنا](٥) .

أحمد(٦) ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال: سئل عن قول الله:( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ) . فقيل له: فما كان لله، فلمن هو؟

فقال: لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وما كان لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فهو للإمام.

فقيل له: أرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر وصنف أقلّ، ما يصنع به؟

قال: ذاك إلى الإمام. أرأيت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كيف يصنع، أليس إنّما كان يعطي على ما يرى؟ وكذلك الإمام.

وفي روضة الكافي(٧) ، خطبة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ. يقول فيها: قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ [متعمّدين لخلافه، ناقضين لعهده، مغيّرين لسنّته](٨) ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لتفرّق عنّي جندي حتّى أبقى وحدي، أو قليل من شيعتي الّذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله وسنة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

إلى أن قال: إذا لتفرقوا عني. ثمّ قال ـ عليه السّلام ـ والله، لقد أمرت النّاس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلّا في فريضة.

إلى أن قال: وأعطيت من ذلك سهم ذي القربى، الّذي قال الله ـ عزّ وجلّ ـ :

__________________

(١) الكافي ١ / ٥٣٩، ح ٢.

(٢) من المصدر.

(٣) كذا في المصدر، وفي النسخ: جعفر.

(١ و ٥) ـ من المصدر.

(٦) الكافي ١ / ٥٤٤، ح ٧.

(٧) الكافي ٨ / ٥٩ و ٦٢ ـ ٦٣، ح ٢١.

(٨) من المصدر.

٣٣١

( إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ ) . فنحن، والله، عنى بذي(١) القربى. الّذي قرننا الله بنفسه وبرسوله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال:( فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) فينا خاصّة.

عليّ بن محمّد(٢) ، عن عليّ بن عبّاس، عن الحسن بن عبد الرّحمن، عن عاصم بن حميد، [عن أبي حمزة](٣) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: قلت له: إنّ بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم.

فقال لي: الكف عنهم أجمل.

ثمّ قال: والله، يا أبا حمزة، إنّ الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا.

قلت: فكيف لي بالمخرج من هذا؟

فقال لي: يا أبا حمزة، كتاب الله المنزل يدلّ عليه. إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفيء. ثم قال ـ عزّ وجلّ ـ:( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ) (الآية). فنحن أصحاب الخمس والفيء، وقد حرّمناه على جميع النّاس ما خلا شيعتنا.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب الاحتجاج للطبرسيّ(٤) : عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه لبعض الشّاميّين: فهل قرأت هذه الآية:( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ) ؟

فقال له الشّامي: بلى.

فقال له ـ عليه السّلام ـ: فنحن ذو القربى.

وفي تهذيب الأحكام(٥) : سعد بن عبد الله، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان قال: حدّثنا زكريا بن مالك الجعفيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ إنّه سئل عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ) (الآية).

فقال: أما خمس الله ـ عزّ وجلّ ـ فللرّسول، يضعه في سبيل الله. وأمّا خمس الرسول فلأقاربه، وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه، واليتامى يتامى أهل بيته. فجعل هذه

__________________

(١) كذا في المصدر، وفي النسخ: بذلك.

(٢) الكافي ٨ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦، ح ٤٣١.

(٣) من المصدر.

(٤) الاحتجاج ٢ / ٣٣ ـ ٣٤.

(٥) تهذيب الأحكام ٤ / ١٢٥، ح ٣٦٠.

٣٣٢

الأربعة أسهم فيهم. وأما المساكين وابن السّبيل، فقد عرفت أنّا لا نأكل الصّدقة ولا تحلّ لنا، فهي للمساكين وابن السّبيل.

وعنه(١) ، عن أحمد بن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبيه، عن عبد الله بن بكير، عن بعض أصحابه، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ) (الآية).

قال: خمس الله ـ عزّ وجلّ ـ للإمام، وخمس الرّسول للإمام وخمس ذي القربى لقرابة الرّسول والإمام. واليتامى [يتامى](٢) آل الرّسول، والمساكين منهم، وأبناء السّبيل منهم. فلا يخرج منهم إلى غيرهم.

وفي عوالي اللّئالي(٣) : ونقل عن عليّ ـ عليه السّلام ـ أنّه قيل له: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول:( وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ ) .

فقال: أيتامنا ومساكيننا.

وفي تفسير الثعلبي(٤) : عن المنهال بن عمر قال: سألت زين العابدين ـ عليه السّلام ـ عن الخمس.

قال: هو لنا.

فقلت: إنّ الله ـ تعالى ـ يقول:( وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ ) .

قال: أيتامنا ومساكيننا.

وفي كتاب الخصال(٥) : عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليهم السّلام ـ، عن النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال في وصيّة له: يا عليّ، إن عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام.

إلى قوله: ووجد كنزا، فأخرج منه الخمس وتصدّق به. فأنزل الله ـ تعالى ـ:( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ) (الآية).

وفي عيون الأخبار(٦) ، في باب مجلس الرّضا ـ عليه السّلام ـ مع المأمون في الفرق بين العترة والأمّة حديث طويل. وفيه: قالت العلماء له: فأخبرنا هل فسّر الله ـ تعالى ـ

__________________

(١) نفس المصدر والموضع، ح ٣٦١.

(٢) من المصدر.

(٣) عوالي اللّئالي ٢ / ٧٥ ـ ٧٦، ح ٢٠١.

(٤) تفسير الثعلبي.

(٥) الخصال / ٣١٢ ـ ٣١٣، ح ٩٠.

(٦) عيون الأخبار ١ / ٢٣١ و ٢٣٧ ـ ٢٣٩.

٣٣٣

الاصطفاء في الكتاب؟

فقال الرّضا ـ عليه السّلام ـ: فسّر الاصطفاء في الظاهر دون الباطن في اثني عشر موطنا وموضعا. فأوّل ذلك قوله ـ عزّ وجلّ ـ.

إلى أن قال: وأمّا الآية الثّامنة فقوله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ) . فقرن سهم ذي القربى مع سهمه وسهم رسوله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فهذا فصل(١) بين الآل والأمة. لأنّ الله ـ تعالى ـ جعلهم في حيّز وجعل النّاس في حيز دون ذلك، ورضي لهم ورضي لنفسه واصطفاهم فيه. فبدأ بنفسه، ثمّ ثنّى برسوله، ثمّ بذي القربى بكلّ ما كان من الفيء والغنيمة وغير ذلك ممّا رضيه ـ جلّ وعزّ ـ لنفسه ورضيه لهم. فقال ـ وقوله الحقّ ـ:( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ) . فهذا تأكيد مؤكّد وأثر قائم لهم إلى يوم القيامة في كتاب الله الناطق( لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (٢) . وأمّا قوله:( وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ ) ، فإنّ اليتيم إذا انقطع يتمه خرج من الغنائم ولم يكن له فيها نصيب. وكذلك المسكين إذا انقطع مسكنته، لم يكن له نصيب من المغنم ولا يحلّ له أخذه. وسهم ذي القربى إلى يوم القيامة قائم فيهم للغنيّ والفقير منهم. لأنّه لا أحد أغنى من الله ـ عزّ وجلّ ـ ولا من رسوله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فجعل لنفسه منها سهما، ولرسوله منها سهما. فما رضيه لنفسه ولرسوله، رضيه لهم. وكذلك الفيء، ما رضيه منه لنفسه ولنبيه، رضيه لذي القربى، كما أجراهم في الغنيمة، فبدأ بنفسه ـ جلّ جلاله ـ ثمّ برسوله ثمّ بهم، وقرن سهمهم بسهم [الله وسهم](٣) رسوله.

وكذلك في الطاعة قال:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٤) . فبدأ بنفسه، ثمّ برسوله، ثمّ بأهل بيته.

وكذلك آية الولاية:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) . فجعل طاعتهم وولايتهم مع طاعة الرّسول مقرونة بطاعته، كما جعل سهمهم مع سهم الرّسول مقرونا بسهمه في الغنيمة والفيء. فتبارك الله وتعالى، ما أعظم نعمته على أهل هذا البيت! فلمّا جاءت قصّة الصّدقة، نزّه نفسه ورسوله ونزّه أهل بيته فقال :

__________________

(١) المصدر: فضل.

(٢) فصلت / ٤٢.

(٣) من المصدر.

(٤) النساء / ٥٩.

٣٣٤

( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ ) (١) . فهل تجد في شيء من ذلك أنّه ـ عزّ وجلّ ـ سمّى لنفسه أو لرسوله أو لذي القربى؟ لأنّه لـمـّـا نزّه نفسه عن الصّدقة ونزّه رسوله، نزّه أهل بيته. لا بل حرّم عليهم، لأنّ الصدقة محرمة على محمّد وآله. وهي أوساخ أيدي النّاس لا تحلّ(٢) لهم، لأنّهم طهّروا من كلّ دنس ووسخ. فلما طهرهم واصطفاهم، رضي لهم ما رضي لنفسه، وكره لهم ما كره لنفسه. فهذه الثامنة.

وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن محمد بن مسلم، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال: سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ) .

قال: هم قرابة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فسألته: منهم اليتامى والمساكين وابن السبيل؟

قال: نعم.

عن عبد الله بن سنان(٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سمعته يقول: أنّ نجدة الحروريّ كتب إلى ابن عبّاس يسأله عن موضع الخمس: لمن هو؟

فكتب إليه: أمّا الخمس، فإنّا نزعم أنه لنا. ويزعم قومنا أنّه ليس لنا، فصبرنا.

عن زرارة(٥) ومحمّد بن مسلم وأبي بصير أنّهم قالوا له: ما حقّ الإمام في أموال النّاس؟

قال: الفيء والأنفال والخمس. فكلّ ما دخل منه أو فيء أو أنفال أو خمس أو غنيمة، فإنّ له(٦) خمسه. فإنّ الله ـ تعالى ـ يقول:( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ ) . وكل شيء في الدّنيا، فإنّ لهم فيه نصيبا. فمن وصلهم بشيء فما يدعون له، أكبر ممّا يأخذون منه.

__________________

(١) التوبة / ٦٠.

(٢) المصدر: لا يحلّ.

(٣) تفسير العيّاشي ٢ / ٦١، ح ٥٠.

(٤) نفس المصدر والموضع، ح ٥٢.

(٥) نفس المصدر والموضع، ح ٥٣.

(٦) المصدر: لهم.

٣٣٥

عن محمّد بن الفضيل(١) ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ) .

قال: الخمس لله وللرّسول. وهو لنا.

عن الحلبي(٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ: في الرّجل من أصحابنا في لوائهم، فيكون معهم فيصيب غنيمة.

قال: يؤدي خمسنا، ويطيب له.

( إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ ) : متعلّق بمحذوف دلّ عليه «واعلموا»، أي: كنتم آمنتم بالله، فاعلموا أنه جعل الخمس لهؤلاء. فسلّموه إليهم، واقتسموا بالأخماس الأربعة الباقية. فإنّ العلم العمليّ إذا أمر به لم يرد منه العلم المجرّد، لأنّه مقصود بالعرض، والمقصود بالذّات هو العمل.

( وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا ) : محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ من الآيات والملائكة والنّصر.

وقرئ: «عبدنا» بضمتين، أي: الرّسول والمؤمنين.

( يَوْمَ الْفُرْقانِ ) : يوم بدر. فإنّه فرق فيه بين الحقّ والباطل.

( يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ ) : المسلمون والكفّار.

وفي كتاب الخصال(٣) : عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: الغسل في سبعة عشر موطنا، ليلة سبع عشرة(٤) من شهر رمضان. وهي ليلة التقى الجمعان ليلة بدر.

وفي تفسير العيّاشيّ(٥) : عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: في تسعة عشر من شهر رمضان يلتقي الجمعان.

قلت: ما معنى قوله: يلتقي الجمعان؟

قال: يجمع فيهما ما يريد من تقديمه وتأخيره وإرادته وقضائه.

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٦٢، ح ٥٦.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٦٤، ح ٦٦.

(٣) الخصال / ٥٠٨، ح ١.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ: سبعة وعشرين.

(٥) تفسير العيّاشي ٢ / ٦٤، ح ٦٧.

٣٣٦

( وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٤١): فيقدر على نصر القليل على الكثير، والإمداد بالملائكة.

( إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا ) : بدل من «يوم الفرقان».

و «العداوة» بالحركات الثّلاث: شطّ الوادي، وقد قرئ بها. والمشهور الضمّ والكسر، وهو قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب.

( وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى ) : البعدى من المدينة. تأنيث الأقصى. وكان قياسه قلب الواو، كالدّنيا والعليا، تفرقة بين الاسم والصّفة. فجاء على الأصل، كالقود. وهو أكثر استعمالا من القصيا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : وقوله ـ عزّ وجلّ ـ:( إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا ) (الآية)، يعني: قريشا حين نزلوا بالعدوة اليمانيّة، ورسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حين نزل بالعدوة الشّاميّة.

( وَالرَّكْبُ ) ، أي: العير، أو قوّادها.

وفي تفسير العيّاشيّ(٢) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله:( وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ) .

قال: أبا سفيان وأصحابه.

وموافق لما ذكره عليّ بن إبراهيم(٣) ، أنّ أبا سفيان كان مع العير.

( أَسْفَلَ مِنْكُمْ ) : في مكان أسفل من مكانكم، يعني: السّاحل.

وهو منصوب على الظرف، واقع موقع الخبر. والجملة حال من الظرف قبله.

وفائدتها الدّلالة على قوة العدوّ، واستظهارهم بالرّكب، وحرصهم على المقاتلة، وتوطين نفوسهم على أن لا يخلوا مراكزهم ويبذلوا منتهى جهدهم، وضعف شأن المسلمين والتياث أمرهم واستبعاد غلبتهم عادة. وكذا ذكر مراكز الفريقين، فإنّ العدوة الدّنيا كانت رخوة تسوخ فيها الأرجل ولا يمشى فيها إلّا بتعب ولم يكن بها ماء، بخلاف العدوة القصوى.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : وقوله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ) وهو

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٢٧٨.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٦٥، ح ٦٩.

(٣) تفسير القمي ١ / ٢٥٦.

(٤) تفسير القمي ١ / ٢٧٨.

٣٣٧

العير الّتى أفلتت.

( وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ ) : أي: لو تواعدتم أنتم وهم للقتال ثمّ علمتم حالكم وحالهم، لاختلفتم في الميعاد هيبة منهم ويأسا من الظّفر عليهم. ليتحقّقوا أنّ ما اتّفق لهم من الفتح ليس إلّا صنعا من الله خارقا للعادة، فيزدادوا إيمانا وشكرا.

( وَلكِنْ ) : جميع بينكم على هذه الحال من غير ميعاد.

( لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً ) : حقيقا بأن يفعل. وهو نصر أوليائه، وقهر أعدائه.

وفي كتاب مقتل الحسين ـ عليه السّلام ـ لأبي مخنف: أنّ الحسين ـ عليه السّلام ـ بعد أن بلغه قتل مسلم وهانى ونزوله بالعقبة قال له بعض من حضر: ناشدتك الله، إلا ما رجعت. فو الله، ما تقدم إلّا على أطراف الأسنّة وحرارات السّيوف. وأنّ هؤلاء القوم الذين بعثوا إليك لو كان فيهم صلاح، لكفوك مؤنة الحرب والقتال، وطيّبوا لك الطريق، ولكان الوصول إليهم رأيا سديدا. فالرأي عندنا، أن ترجع عنهم ولا تقدم عليهم.

فقال له الحسين ـ عليه السّلام ـ: صدقت، يا عبد الله، فيما تقول( وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً ) .

( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) : بدل منه. أو متعلّق بقوله: «مفعولا».

قيل(١) : والمعنى: ليموت من يموت عن بينة عاينها، ويعيش من يعيش عن حجّة شاهدها لئلا يكون له حجة ومعذرة. فإنّ وقعة بدر من الآيات الواضحة. أو ليصدر كفر من كفر، وإيمان من آمن عن وضوح بيّنة. على استعارة الهلاك والحياة، للكفر والإسلام.

والمراد ب «من هلك» و «من حيّ»: المشارف للهلاك والحياة. أو من هذا حاله في علم الله وقضائه.

وقرئ(٢) : «ليهلك» بالفتح.

وقرأ(٣) ابن كثير، برواية البزيّ، ونافع وأبو بكر ويعقوب: «من حيي» بفكّ

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٦.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٦.

(٣) نفس المصدر، والموضع.

٣٣٨

الأدغام، للحمل على المستقبل.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : قال: يعلم من بقي أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ نصره.

( وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٤٢): بكفر من كفر وعقابه، وإيمان من آمن وثوابه.

ولعلّ الجمع بين الوصفين، لاشتمال الأمرين على القول والاعتقاد.

وفي مصباح شيخ الطائفة(٢) ـ قدس سرّه ـ خطبة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ خطب بها في يوم الغدير. وفيها: ولم يدع الخلق في بهم صما ولا عميا(٣) ، بل جعل لهم عقولا مازجت شواهدهم وتفرقت في هياكلهم وحققها في نفوسهم واستعبد لها حواسّهم. فقدر(٤) بها على أسماع ونواظر أفكار وخواطر، ألزمهم بها حجته وأراهم بها محجته وأنطقهم عمّا شهدته بألسن ذريّة بما قام فيها من قدرته وحكمته وبيّن عندهم بها( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) . بصير شاهد خبير.

( إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً ) : مقدر «بأذكر». أو بدل ثان من «يوم الفرقان». أو متعلق ب «عليم»، أي: يعلم المصالح.

فقر(٥) : إذ يقلّلهم في عينك في رؤياك. وهو أن تخبر به أصحابك، فيكون تثبيتا لهم وتشجيعا على عدوّهم.

والضّمير المخاطب مفعول أول. والضّمير الغائب مفعول ثان. و «قليلا» ثالث.

و «في منامك» متعلّق بالفعل بعد التّجريد.

( وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ ) ، أي: في أمر القتال، وتفرّقت آراؤكم بين الثّبات والفرار.

( وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ ) : أنعم بالسّلامة من الفشل والتنازع.

( إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ) (٤٣): يعلم ما سيكون فيها، وما يغيّر أحوالها من الجرأة والجبن.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) : فالمخاطبة لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ، والمعنى لأصحابه. أراهم الله قريشا في منامهم أنهم قليل، ولو أراهم كثيرا لفزعوا.

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٢٧٨.

(٢) مصباح المتهجد / ٦٩٨.

(٣) المصدر: ولا في عمى عمياء بكما.

(٤) المصدر: فقرّ.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٦.

(٦) تفسير القمي ١ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

٣٣٩

وفي روضة الكافي(١) ، بإسناده إلى زرارة: عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: كان إبليس يوم بدر يقلل المسلمين في أعين الكفار، ويكثر الكفّار في أعين المسلمين(٢) الناس.

فشد عليه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ بالسّيف، فهرب منه. وهو يقول: يا جبرائيل، [إني مؤجّل](٣) . حتى وقع في البحر.

قال: فقلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ: لأي شيء كان يخاف، وهو مؤجّل؟

قال: يقطع بعض أطرافه.

( وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً ) الضّميران مفعولا «يرى».

و «قليلا» حال من الثاني.

قيل(٤) : وانّما قللهم في أعين المسلمين، تصديقا لرؤيا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وتثبيتا لهم.

وفي الجوامع(٥) : عن ابن مسعود: لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي: أتراهم سبعين؟

قال: أراهم مائة.

فأسرنا رجلا منهم، فقلنا: كم كنتم؟

قال: ألفا.

( وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ ) : حتّى قال قائل منهم: إنّ محمّدا وأصحابه أكلة جزور.

وقال أبو جهل: ما هم إلّا أكلة رأس. لو بعثنا إليهم عبيدنا، لأخذوهم باليد، كما مرّ ذكره في القصّة.

وإنّما قلّلهم في أعينهم قبل التحام القتال، ليجترءوا عليهم ولا يستعدّوا لهم. ثمّ كثّرهم حتّى يرونهم مثليهم، لتفاجئهم الكثرة فتبهتهم وتكسر قلوبهم. وهذا من عظائم آيات تلك الواقعة. فإنّ البصر، وإن كان يرى الكثير قليلا والقليل كثيرا، لكن لا على هذا الوجه ولا إلى هذا الحدّ. وإنّما يتصور ذلك بصد الله الأبصار عن إبصار بعض دون

__________________

(١) الكافي ٨ / ٢٧٧، ح ٤١٩.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ: الناس.

(٣) من المصدر.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٦ بتصرّف.

(٥) جوامع الجامع / ١٧٠.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357