كامل الزيارات

كامل الزيارات16%

كامل الزيارات مؤلف:
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مكتبة الصدوق
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 357

كامل الزيارات المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 146772 / تحميل: 9209
الحجم الحجم الحجم
كامل الزيارات

كامل الزيارات

مؤلف:
الناشر: مكتبة الصدوق
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

[ المقام الأسنى في تفسير الأسماء الحسنى]

الأسماء الحسنى

وسنوردها هنا بثلاث عبارات :

الاُولى : ما ذكرها الشيخ جمال الدين أحمد بن فهد(1) رحمه‌الله في عدّته ، أنّ الرضاعليه‌السلام روى عن أبيه عن آبائه عن علي(2) عليه‌السلام : أنّ لله تسعة وتسعين اسماً من دعا بها استجيب له ومن أحصاها(3) دخل الجنّة ، وهي هذه :

الله ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، الأول ، الآخر ، السميع ، البصير ، القدير ، القاهر ، العليّ ، الأعلى ، الباقي ، البديع ، الباري ، الأكرم ، الظاهر ، الباطن ، الحيّ ، الحكيم ، العليم ، الحليم ، الحفيظ ، الحقّ ، الحسيب ، الحميد ، الحفيّ ، الربّ ، الرحمن ، الرحيم ، الذاري ، الرازق ، الرقيب ، الرؤوف ، الرائي ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، السيّد ، السبّوح ، الشهيد ، الصادق ، الصانع ، الطاهر ،

__________________

(1) أبو العباس أحمد بن فهد الحلي ، يروي عن الشيخ أبي الحسن علي بن الخازن تلميذ الشهيد وغيره ، له عدة مصنفات ، منها : عدّة الداعي ونجاح الساعي ، في آداب الدعاء ، مشهور نافع مفيد في تهذيب النفس ، مرتّب على مقدّمة في تعريف الدعاء وستّة أبواب ، توفي سنة ( 841 ه‍ ).

الكنى والألقاب 1: 368 ، أعيان الشيعة 3: 147 ، الذريعة 15 : 228 ، معجم رجال الحديث 2 : 189.

(2) في العدة : « عن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام عن آبائه عن عليعليهم‌السلام ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ لله عزّ وجلّ تسعة وتسعين اسماً من دعا الله بها استجاب له ومن أحصاها دخل الجنة ».

(3) في هامش (ر) : « قال الصدوقرحمه‌الله : معنى إحصائها هو الإحاطة بها والوقوف على معانيها ، وليس معنى الإحصاء عدّها ، قاله الشيخ جمال الدين في عدته.

ووجدتُ بخط الشيخ الزاهدرحمه‌الله : أن هذه الأسماء حجاب من كل سوء ، وهي للطاعة والمحبة وعقد الألسن ولإبطال السحر ولجلب الرزق نافع إن شاء الله تعالى. منهرحمه‌الله ».

اُنظر : التوحيد : 195 ، عدّة الداعي : 298.

٢١

العدل ، العفوّ ، الغفور ، الغنيّ ، الغياث ، الفاطر ، الفرد ، الفتّاح ، الفالق ، القديم ، الملك ، القدّوس ، القويّ ، القريب ، القيّوم ، القابض ، الباسط ، القاضي(4) ، المجيد ، الولي ، المنّان ، المحيط ، المبين ، المقيت ، المصوّر ، الكريم ، الكبير ، الكافي ، كاشف الضرّ ، الوتر ، النور ، والوّهاب ، الناصر ، الواسع ، الودود ، الهادي ، الوفيّ ، الوكيل ، الوارث ، البرّ ، الباعث ، التوّاب ، الجليل ، الجواد ، الخبير ، الخالق ، خير الناصرين ، الديّان ، الشكور ، العظيم ، اللطيف ، الشافي(5) .

الثانية : ما ذكرها الشهيد(6) رحمه‌الله في قواعده ، وهي : الله ، الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدّوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، الباري ، الخالق ، المصوّر ، الغفّار ، الوّهاب ، الرزّاق ، الخافض ، الرافع ، المعزّ ، المذلّ ، السميع ، البصير ، الحليم ، العظيم ، العليّ ، الكبير ، الحفيظ ، الجليل ، الرقيب ، المجيب ، الحكيم ، المجيد ، الباعث ، الحميد ، المبدي ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحيّ ، القيّوم ، الماجد ، التوّاب ، المنتقم ، الشديد العقاب ، العفّو ، الرؤوف ، الوالي ، الغني ، المغني ، الفتّاح ، القابض ، الباسط ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الغفور ، الشكور ، المقيت ، الحسيب ، الواسع ، الودود ، الشهيد ، الحقّ ، الوكيل ، القويّ ، المتين ، الوليّ ، المحصي ، الواجد ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدّم ، المؤخّر ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، البرّ ، ذو الجلال والإكرام ، المُقِسط ، الجامع ، المانع ، الضارّ ، النافع ، النور ، البديع ، الوارث ، الرشيد ، الصبور ، الهادي ، الباقي(7) .

__________________

(4) في هامش (ر) : « قاضي الحاجات / خ ل ».

(5) عدّة الداعي : 298 ـ 299.

(6) أبو عبدالله محمد بن مكي العاملي الجزيني ، الشهيد الأول ، روى عن الشيخ فخر الدين محمد بن العلاّمة وغيره ، يروي عنه جماعة كثيرة منهم أولاده وبنته وزوجته ، له عدّة مصنّفات ، منها : القواعد والفوائد ، كتاب مختصر مشتمل على ضوابط كلية اُصولية وفرعية يستنبط منها الأحكام الشرعية ، استشهد مظلوماً سنة ( 786 ه‍ ).

رياض العلماء 5 : 185 ، الكنى والألقاب 2 : 342 ، تنقيح المقال 3 : 191 ، الذريعة 17 : 193.

(7) القواعد والفوائد 2: 166 ـ 174.

٢٢

قالرحمه‌الله : ورد في الكتاب العزيز من(8) الأسماء الحسنى : الربّ ، والمولى ، والنصير ، والمحيط ، والفاطر ، والعلاّم ، والكافي ، وذو الطّول ، وذو المعارج(9) .

الثالثة : ما ذكرها فخر الدين محمد بن محاسن(10) رحمه‌الله في جواهره ، وهي :

الله ، الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدّوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، الخالق ، الباري ، المصوّر ، الغفّار ، القهّار ، الوهّاب ، الرزّاق ، الفتّاح ، العليم ، القابض ، الباسط ، الخافض ، الرافع ، المعزّ ، المذلّ ، السميع ، البصير ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الحليم ، العظيم ، الغفور ، الشكور ، العليّ ، الكبير ، الحفيظ ، المقيت ، الحسيب ، الجليل ، الكريم ، الرقيب ، المجيب ، الواسع ، الحكيم ، الودود ، المجيد ، الماجد ، الباعث ، الشهيد ، الحقّ ، الوكيل ، القويّ ، المتين ، الوليّ ، الحميد ، المحصي ، المبدي ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحيّ ، القيوم ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدّم ، المؤخّر ، الأوّل ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الوالي ، المتعالي ، البرّ ، التوّاب ، المنتقم ، العفوّ ، الرؤوف ، مالك الملك ، ذو الجلال والإكرام ، المُقسِط ، الجامع ، الغنيّ ، المُغني ، المانع ، الضارّ ، النافع ، النور ، الهادي ، البديع ، الباقي ، الوارث ، الرشيد ، الصبور. فهذه تسعة وتسعون اسماً رواها محمد بن إسحاق(11) في المأثور.

__________________

(8) في ( القواعد ) و (ر) و (م) : « في » وما أثبتناه من (ب) وهو الأنسب.

(9) القواعد والفوائد 2 : 174 ـ 175.

(10) لم أجد من تعرّض لترجمته ، حتّى أن الشيخ العلاّمة الطهراني في الذريعة 5 : 257 حينما ذكر الجواهر ، قال : للشيخ فخر الدين محمد بن محاسن ينقل عنه الكفعمي في آخر البلد الأمين ، فالظاهر أنّه لم يجد له ترجمة أيضاً ، بل إنّما عرف كتابه واسمه من نقل الكفعمي عنه ، ومحمد بن محاسن نفسه الذي يأتي بعنوان البادرائي.

(11) يحتمل أن يكون هو : محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف بن علي القونوي الرومي ، من كبار تلاميذ الشيخ محيي الدين ابن العربي ، بينه وبين نصير الدين الطوسي مكاتبات في بعض المسائل الحكمية ، له عدّة مصنّفات ، منها : شرح الأسماء الحسنى ، مات سنة ( 673 ه‍ ).

كشف الظنون 2: 1956 ، أعلام الزركلي 6 : 30.

٢٣

ولمّا كانت كلّ واحدة من هذه العبارات الثلاث تزيد على صاحبتيها بأسماء وتنقص عنهما بأسماء ، أحببت أن أضع عبارة رابعة مشتملة على أسماء العبارات الثلاث ، مع الإشارة إلى شرح كلّ اسم منها ، من غير إيجاز مخلّ ولا إسهاب مملّ.

وسمّيت ذلك بالمقام الأسنى في تفسير الأسماء الحسنى.

فنقول وبالله التوفيق :

الله :

اسم ، علم ، مفرد ، موضوع على ذات واجب الوجود.

وقال الغزّالي(12) : الله اسم للموجود الحق ، الجامع لصفات الإلهية ، المنعوت بنعوت الربوبية ، المتفرّد بالوجود الحقيقي ، فإن كلّ موجود سواه غير مستحقّ للوجود بذاته ، وإنّما استفاد الوجود منه(13) .

وقيل : الله اسم لمن هو الخالق لهذا العالم والمدبر له.

وقال الشهيد في قواعده : الله اسم للذات لجريان النعوت عليه ، وقيل : هو اسم للذات مع جملة الصفات الإلهية ، فإذا قلنا : الله ، فمعناه الذات الموصوفة بالصفات الخاصة ، وهي صفات الكمال ونعوت الجلال.

قالرحمه‌الله : وهذا المفهوم هو الذي يعبد ويوحد وينزه عن الشريك والنظير والمثل والند والضد(14) .

وقد اختلف في اشتقاق هذا الاسم المقدّس على وجوه عشرة ، ذكرناها

__________________

(12) أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزّالي ، الملقّب بحجّة الإسلام الطوسي ، تفقّه على أبي المعالي الجويني ، له عدّة مصنّفات ، منها : إحياء علوم الدين ، والمقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وغيرهما ، مات سنة ( 502 ه‍ ).

المنتظم 9 : 168 ، وفيات الأعيان 4 : 216 ، الكنى والألقاب 2 : 450.

(13) المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى : 14.

(14) القواعد والفوائد 2: 166.

٢٤

على حاشية الصحيفة في دعاء زين العابدينعليه‌السلام إذا أحزنه أمر(15) .

واعلم أنّ هذا الاسم الشريف قد امتاز عن غيره من أسمائه ـ تعالى ـ الحسنى بوجوه عشرة :

أ : أنّه أشهر أسماء الله تعالى.

ب : أنّه أعلاها محلاًّ في القرآن.

ج : أنّه أعلاها محلاًّ في الدعاء.

د : أنّه جعل أمام سائر الأسماء.

ه‍ : أنّه خصّت به كلمة الإخلاص.

و : أنّه وقعت به الشهادة.

ز : أنّه علم على الذات المقدّسة ، وهو مختصّ بالمعبود الحقّ تعالى ، فلا

__________________

(15) وهي كما في حاشية المصباح : 315 نقلاً عن الفوائد الشريفة في شرح الصحيفة :

« الأول : أنّه مشتقّ من لاه الشيء إذا خفي ، قال شعر :

لاهت فما عرفت يوماً بخارجةٍ

يا ليتها خرجت حتى عرفناها

الثاني : أنّه مشتقّ من التحيّر ، لتحيّر العقول في كنه عظمته ، قال :

ببيداء تيه تأله العير وسطها

مخفقـة بالآل جرد وأملق

الثالث : أنّه مشتقّ من الغيبوبة ، لأنّه سبحانه لا تدركه الأبصار ، قال الشاعر :

لاه ربّي عن الخلائق طراً

خالق الخلق لا يُرى ويرانا

الرابع : أنّه مشتقّ من التعبّد ، قال الشاعر :

لله درّ الغانيــات المُـدَّهِ

آلهن واسترجعن من تألّهي

الخامس : أنّه مشتق من أله بالمكان إذا أقام به ، قال شعر :

ألهنا بدارٍ لا يدوم رسومها

كأن بقاها وشامٌ على اليدِ

السادس : أنّه مشتقّ من لاه يلوه بمعنى ارتفع.

السابع : أنّه مشتقّ من وَلَهَ الفصيلُ باُمّه إذا ولع بها ، كما أنّ العباد مولهون ، أي : مولعون بالتضرّع إليه تعالى.

الثامن : أنّه مشتقّ من الرجوع ، يقال : ألهت إلى فلان ، أي : فزعت إليه ورجعت ، والخلق يفزعون إليه تعالى في حوائجهم ويرجعون إليه ، وقيل للمألوه [ إليه ] إله ، كما قيل للمؤتمّ به إمام.

التاسع : أنّه مشتقّ من السكون ، وألهت إلى فلان أي : سكنت ، والمعنى أنّ الخلق يسكنون إلى ذكره.

العاشر : أنّه مشتقّ من الإلهيّة. وهي القدرة على الاختراع ».

٢٥

يطلق على غيره حقيقةً ولا مجازاً ، قال تعالى :( هل تَعلَمُ لهُ سَميّاً ) (16) أي : هل تعلم أحداً يسمّى الله ؟ وقيل : سميّاً أي : مثلاً وشبيهاً.

ح : أنّ هذا الاسم الشريف دالّ على الذات المقدّسة الموصوفة بجميع الكمالات ، حتى لا يشذّ به شيء ، وباقي أسمائه تعالى لا تدلّ آحادها إلاّ على آحاد المعاني ، كالقادر على القدرة والعالم على العلم. أو فعل منسوب إلى الذات ، مثل قولنا : الرحمن ، فإنّه اسم للذات مع اعتبار الرحمة ، وكذا الرحيم والعليم. والخالق : اسم للذات مع اعتبار وصف وجودي خارجي. والقدّوس : اسم للذات مع وصف سلبي ، أعني التقديس الذي هو التطهير عن النقائص. والباقي : اسم اللذات مع نسبة وإضافة ، أعني البقاء ، وهو نسبة بين الوجود والأزمنة ، إذ هو استمرار الوجود في الأزمنة. والأبديّ : هو المستمرّ في جميع الأزمنة ، فالباقي أعمّ منه. والأزلي : هو الذي قارن وجوده جميع الأزمنة الماضية المحقّقة والمقدّرة. فهذه الاعتبارات تكاد تأتي على الأسماء الحسنى بحسب الضبط(17) .

ط : أنّه اسم غير صفة ، بخلاف سائر أسمائه تعالى ، فإنها تقع صفات ، أمّا أنّه اسم غير صفة ، فلأنّك تصف ولا تصف به ، فتقول : إله واحد ، ولا تقول : شيء إله ، وأمّا وقوع ما عداه من أسمائه الحسنى صفات ، فلأنّه يقال : شيء قادر وعالم وحيّ إلى غير ذلك.

ي : أن جميع أسمائه الحسنى يتسمّى بهذا الاسم ولا يتسمّى هو بشيء منها ، فلا يقال : الله اسم من أسماء الصبور أو الرحيم أو الشكور ، ولكن يقال : الصبور اسم من أسماء الله تعالى.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه قد قيل : إنّ هذا الاسم المقدّس هو الاسم الأعظم. قال ابن فهد في عدّته : وهذا القول قريب جداً ، لأنّ الوارد في هذا المعنى

__________________

(16) مريم 19 : 65.

(17) القواعد والفوائد 2: 166.

٢٦

كثيراً(18) .

ورأيت في كتاب الدرّ المنتظم في السرّ الأعظم ، للشيخ محمد بن طلحة بن محمد ابن الحسين(19) : أنّ هذا الاسم المقدّس يدلّ على الأسماء الحسنى كلّها التي هي تسعة وتسعون اسماً ، لأنك إذا قسمت الاسم المقدّس في علم الحروف على قسمين كان كلّ قسم ثلاثة وثلاثين ، فتضرب الثلاثة والثلاثين في حروف الاسم المقدّس بعد إسقاط المكرر وهي ثلاثة تكون عدد الأسماء الحسنى ، وذكر أمثلة اُخر في هذا المعنى تركناها اختصاراً(20) .

ورأيت في كتاب مشارق الأنوار وحقائق الأسرار ، للشيخ رجب بن محمد بن رجب الحافظ(21) : أن هذا الاسم المقدس أربعة أحرف ـ الله ـ فإذا وقفت على الأشياء عرفت أنها منه وبه وإليه وعنه ، فإذ أُخذ منه الألف بقي لله ، ولله كلّ شيء ، فإن اُخذ اللام وترك الألف بقي إله ، وهو إله كلّ شيء ، وإن اُخذ

__________________

(18) عدّة الداعي : 50.

(19) أبو سالم محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي الشافعي ، له عدّة مصنفات ، منها : الدرّ المنظم في السرّ الأعظم أو الدرّ المنظم في اسم الله الأعظم ، مات سنة ( 652 ه‍ ).

شذرات الذهب 5 : 259 ، أعلام الزركلي 6 : 175.

علماً بأنّ في (ر) و (ب) و (م) ذكر : الدرّ المنتظم وفي مصادر الترجمة : الدر المنظم ، وكذا ذكر في (ر) و (ب) : محمد بن طلحة بن محمد بن الحسين ، وفي المصادر : ابن الحسن ، فتأمّل.

(20) في حاشية (ر) : « منها : أنك إذا جمعت من الاسم المقدّس طرفيه ، وقسّمت عددهما على حروفه الأربعة ، وضربت ما يخرج القسمة فيما له من العدد في علم الحروف ، يكون عدد الأسماء الحسنى. وبيانه : أن تأخذ الألف والهاء وهما بستة ، وتقسِّمها على حروف الأربعة ، يقوم لكل حرف واحد ونصف ، فتضربة به فيما للإسم المقدّس من العدد وهو ستة وستين ، تبلغ تسعة وتسعين عدد الأسماء الحسنى. منهرحمه‌الله ».

(21) رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلي المعروف بالحافظ ، من متأخّري علماء الإمامية ، كان ماهراً في أكثر العلوم ، له يد طولى في علم أسرار الحروف والأعداد ونحوها ، وقد أبدع في كتبه حيث استخرج أسامي النبي والأئمةعليهم‌السلام من الآيات ونحو ذلك من غرائب الفوائد وأسرار الحروف ، له أشعار لم يرعين الزمان مثلها في مدح أهل البيتعليهم‌السلام ، من مصنافته : مشارق أنوار اليقين في كشف حقائق أسرار أمير المؤمنين ، توفي في حدود سنة ( 813 ه‍ ).

رياض العلماء 2 : 304 ، الكُنى والألقاب 2 : 148 ، أعيان الشيعة 6 : 46.

٢٧

الألف من إله بقي له ، وله كلّ شيء ، فإن اُخذ من له اللام بقي هو ، وهو هو وحده لا شريك له ، وهو لفظ يوصل إلى ينبوع العزة ، ولفظ هو مركب من حرفين ، والهاء أصل الواو ، فهو حرف واحد يدل على الواحد الحق ، والهاء أول المخارج والواو أخرها ، فهو الأول والآخر والظاهر والباطن(22) .

ولمّا كان الاسم المقدّس الأقدس أرفع أسماء الله تعالى شأناً وأعلاها مكاناً ، وكان لكمالها جمالاً ولجمالها كمالاً ، خرجنا فيه بالإسهاب عن مناسبة الكتاب ، والله الموفّق للصواب.

الرحمن الرحيم :

قال الشهيدرحمه‌الله : هما اسمان للمبالغة من رحم ، كغضبان من غضب وعليم من علم ، والرحمة لغة : رقّة القلب وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان ، ومنه : الرحم ، لانعطافها على ما فيها ، وأسماء الله تعالى إنّما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي هي انفعال(23) (24) .

وقال صاحب العدّة : الرحمن الرحيم مشتقّان من الرحمة وهي النعمة ،

__________________

(22) مشارق الأنوار : 32 ـ 33 ، وفيه : « والقرآن له ظاهر وباطن ، ومعانيه منحصرة في أربع أقسام ، وهي أربع أحرف وعنها ظهر باقي الكلام ، وهي ( أل‍ ل‍ ه ) ، والألف واللام منه آلة التعريف ، فإذا وضعت على الأشياء عرفتها أنّها منه وله ، وإذا اُخذ منه الألف بقي لله ، ولله كل شيء ، وإذا اُخذ منه ( ل‍ ) بقي إله ، وهو إله كلّ شيء ، وإذا اُخذ منه الألف واللام بقي له ، وله كلّ شيء ، وإذا اُخذ الألف واللامان بقي هو ، وهو هو وحده لا شريك له. والعارفون يشهدون من الألف ويهيمنون من اللام ويصلون من الهاء. والألف من هذا الاسم إشارة إلى الهويّة التي لا شيء قبلها ولا بعدها وله الروح ، واللام وسطاً وهو إشارة إلى أنّ الخلق منه وبه وإليه وعنه ، وله العقل وهو الأول والآخر ، وذلك لأنّ الألف صورة واحدة في الخطّ وفي الهجاء ».

(23) القواعد والفوائد 2 : 166 ـ 167.

(24) في هامش (ر) : « وقال السيد المرتضى : ليست الرحمة عبارة عن رقّة القلب والشفقة ، وإنّما هي عبارة عن الفضل والإنعام وضروب الإحسان ، فعلى هذا يكون إطلاق لفظ الرحمة عليه تعالى حقيقة وعلى الأول مجاز. منهرحمه‌الله تعالى ».

٢٨

ومنه :( وما أرسلناك إلاّ رحمّة للعالمينّ ) (25) أي : نعمة ، ويقال للقرآن رحمة وللغيث رحمة ، أي : نعمة ، وقد يتسمّى بالرحيم غيره تعالى ولا يتسمّى بالرحمن سواه ، لأن الرحمن هو الذي يقدر على كشف الضر والبلوى ، ويقال لرقيق القلب من الخلق : رحيم ، لكثرة وجود الرحمة منه بسبب الرقة ، وأقلها الدعاء للمرحوم والتوجع له ، وليست في حقّه تعالى كذلك ، بل معناها إيجاد النعمة للمرحوم وكشف البلوى عنه ، فالحدّ الشامل أن تقول : هي التخلص من أقسام الآفات ، وإيصال الخيرات إلى أرباب الحاجات(26) .

وفي كتاب الرسالة الواضحة(27) : أنّ الرحمن الرحيم من أبنية المبالغة ، إلاّ أنّ فعلان أبلغ من فعيل ، ثم هذه المبالغة قد توجد تارة باعتبار الكمّية ، واُخرى باعتبار الكيفية :

فعلى الأول قيل : يا رحمن الدنيا ـ لأنّه يعمّ المؤمن والكافر ـ ورحيم الآخرة لأنه يخص الرحمة بالمؤمنين ، لقوله تعالى :( وكان بالمؤمنين رحيماً ) (28) .

وعلى الثاني قيل : يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا ، لأنّ النعم الاُخروية كلّها جسام ، وأمّا النعم الدنيوية فجليلة وحقيرة.

وعن الصادقعليه‌السلام : الرحمن اسم خاصّ بصفة عامة ، والرحيم اسم عامّ بصفة خاصة(29) .

وعن أبي عبيدة(30) : الرحمن ذو الرحمة ، والرحيم الراحم ، وكرر لضرب

__________________

(25) الأنبياء 21 : 107.

(26) عدّة الداعي : 303 ـ 304 ، باختلاف.

(27) الرسالة الواضحة في تفسير سورة الفاتحة ، للمصنف الشيخ علي بن إبراهيم الكفعمي : مخطوطة.

(28) الأحزاب 33 : 43.

(29) مجمع البيان 1 : 21.

(30) أبو عبيدة معمّر بن المثنى البصري النحوي اللغوي ، أول من صنّف غريب الحديث ، وكان أبو نؤاس الشاعر يتعلّم منه ويصفه ويذمّ الأصمعي ، له عدّة مصنفات ، منها : مجاز القرآن الكريم وغريب القرآن ومعاني القرآن ، مات سنة ( 209 ه‍ ) وقيل غير ذلك.

وفيات الأعيان 5 : 235 ، الكنى والألقاب 1 : 116.

٢٩

من التأكيد(31) .

وعن السيد المرتضى(32) رحمه‌الله : أن الرحمن مشترك فيه اللغة العربية والعبرانية والسريانية ، والرحيم مختصّ بالعربية.

قال الطبرسي(33) : وإنّما قدّم الرحمن على الرحيم ، لأن الرحمن بمنزلة الاسم العلم ، من حيث أنه لا يوصف به إلاّ الله تعالى ، ولهذا جمع بينهما تعالى في قوله :( قلِ ادعوا اللهَ أو ادعوا الرحمنَ ) (34) فوجب لذلك تقديمه على الرحيم ، لأنه يطلق عليه وعلى غيره(35) .

الملك :

التامّ الملك ، الجامع لأصناف المملوكات ، قاله البادرائي في جواهره.

__________________

(31) اُنظر : مجمع البيان 1 : 20.

(32) أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام ، المشهور بالسيد المرتضى ، جمع من العلوم ما لم يجمعه أحد وحاز من الفضائل ما تفرّد به وتوحّد وأجمع على فضله المخالف والمؤالف ، كيف لا وقد أخذ من المجد طرفيه واكتسى بثوبيه وتردّى ببرديه ، روى عن جماعة عديدة من العامة والخاصة منهم الشيخ المفيد والحسين بن علي بن بابويه أخي الصدوق والتلعكبري ، روى عنه جماعة كثيرة من العامة والخاصة منهم : أبو يعلى سلار وأبو الصلاح الحلبي وأبو يعلى الكراجكي ومن العامة : الخطيب البغدادي والقاضي بن قدامة ، له عدّة مصنفات مشهورة ، منها الشافي في الإمامة لم يصنّف مثله والذخيرة ، توفي سنة ( 433 ه‍ ) وقيل ( 436 ه‍ ).

وفيات الأعيان 3 : 313 ، رياض العلماء 4 : 14، الكنى والألقاب 2 : 439.

(33) أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي المشهدي ، من أكابر مجتهدي علمائنا ، يروي عن الشيخ أبي علي بن الشيخ الطوسي وغيره ، يروي عنه ولده الحسن وابن شهرآشوب والشيخ منتجب الدين وغيرهم ، له عدة مصنفات ، منها : مجمع البيان لعلوم القرآن ، وهو تفسير لم يعمل مثله عيّن كل سورة أنّها مكّية أو مدنية ثم يذكر مواضع الاختلاف في القراءة ثم يذكر اللغة والعربية ثم يذكر الإعراب ثم الأسباب والنزول ثم المعنى والتأويل والأحكام والقصص ثم يذكر انتظام الآيات ، توفي سنة ( 548 ه‍ ) في سبزوار وحمل نعشه إلى المشهد الرضوي ودفن في مغتسل الرضاعليه‌السلام وقبره مزار.

رياض العلماء 4 : 340 ، الكنى والألقاب 2 : 403 ، الذريعة 20 : 24.

(34) الإسراء 17 : 110.

(35) مجمع البيان 1 : 21 ، باختلاف.

٣٠

وقال الشهيد : الملك المتصرف بالأمر والنهي في المأمورين ، أو الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود ، ويحتاج إليه كلّ موجود في ذاته وصفاته(36) .

والملكوت : ملك الله ، زيدت فيه التاء كما زيدت في رهبوت ورحموت ، من الرهبة والرحمة.

القدوس :

فعول من القدس وهو الطهارة ، فالقدّوس : الطاهر من العيوب المنزّه عن الأضداد والأنداد ، والتقديس : التطهير ، وقوله تعالى حكاية عن الملائكة :( ونحنُ نسبّحُ بحمدكَ ونقدّسُ لكَ ) (37) أي : ننسبك إلى الطهارة.

وسمّي بيت المقدس بذلك ، لأنه المكان الذي يتطهر فيه من الذنوب. وقيل للجنة : حظيرة القدس ، لأنها موضع الطهارة من الأدناس والآفات التي تكون في الدنيا.

السلام :

معناه ذو السلامة ، أي : سلم في ذاته عن كل عيب ، وفي صفاته عن كل نقص وآفة تلحق المخلوقين ، والسلام مصدر وصف به تعالى للمبالغة. وقيل : معناه المسلم ، لأن السلامة تنال من قبله.

وقوله :( لهم دارُ السلام ) (38) يجوز أن تكون مضافة إليه تعالى ، ويجوز أن يكون تعالى قد سمّى الجنة سلاماً ، لأن الصائر إليها يسلم من كلّ آفة.

* * *

__________________

(36) القواعد والفوائد 2 : 167.

(37) البقرة 2 : 30.

(38) الأنعام 6 : 127.

٣١

المؤمن :

المصدّق ، لأن الإيمان في اللغة التصديق ، ويحتمل ذلك وجهان :

أ : أنّه يصدق عبادّه وعده ، ويفي لهم بما ضمنه لهم.

ب : أنّه يصدق ظنون عباده المؤمنين ولا يخيّب آمالهم ، قاله البادرائي.

وعن الصادقعليه‌السلام : سمّي تعالى مؤمناً ، لأنه يؤمن عذابه من أطاعه(39) .

وفي الصحاح(40) : الله تعالى مؤمن ، وهو : الذي آمن عباده ظلمه(41) .

المهيمن :

قال العزيزي(42) في غريبه والشهيد في قواعده : هو القائم على خلقه بأعمالهم وآجالهم وأرزاقهم(43) .

وقال صاحب العدّة : المهيمن : الشاهد ، ومنه قوله تعالى :( ومهيمناً عليه ) (44) أي : شاهداً ، فهو تعالى الشاهد على خلقه بما يكون منهم من قول أو فعل ، وقيل : هو الرقيب على الشيء والحافظ له ، وقيل : هو الأمين(45) .

__________________

(39) التوحيد : 205.

(40) كتاب الصحاح لأبي نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري الفارابي ، ابن اُخت أبي إسحاق الفارابي صاحب ديوان الأدب ، له عدّة مصنّفات ، منها : هذا الكتاب ـ الصحاح ـ وهو أحسن من الجمهرة وأوقع من التهذيب وأقرب متناولاً من مجمل اللغة ، مات سنة ( 393 ه‍ ).

يتيمة الدهر 4 : 468 ، معجم الاُدباء 5 : 151، النجوم الزاهرة 4 : 207.

(41) الصحاح 5 : 2071 ، أمن.

(42) أبو بكر محمد بن عزيز السجستاني العزيزي. اشتهر بكتابه غريب القرآن ، وهو على حروف المعجم صنّفه في (15) سنة ، مات سنة ( 330 ه‍ ).

أعلام الزركلي 6 : 268.

(43) غريب القرآن ـ نزهة القلوب ـ : 209 ، القواعد والفوائد 2 : 167.

(44) المائدة 5 : 48.

(45) عدّة الداعي : 304 ـ 305 ، باختلاف.

٣٢

وإلى القول الأوسط ذهب الجوهري ، فقال : المهيمن الشاهد ، وهو من آمن غيره من الخوف(46) .

قلت : إنّما كان المهيمن من آمن ، لأن أصل مهيمن مؤيمن ، فقلبت الهمزة هاء لقرب مخرجهما ، كما في هرقت الماء وأرقته ، وإيهاب وهيهات ، وإبرية وهبرية للخزاز الذي في الرأس ، وقرأ أبو السرائر الغنوي(47) : هياك نعبد وهياك نستعين(48) .

قال الشاعر :

وهياك والأمر الذي إن توسعت

موارده ضاقت عليك مصادره

العزيز :

الغالب القاهر ، أو ما يمتنع الوصول إليه ، قاله الشهيد في قواعده(49) .

وقال الشيخ علي بن يوسف بن عبد الجليل(50) في كتابه منتهى السّؤول في شرح الفصول : العزيز هو الحظير الذي يقلّ وجود مثله ، وتشتدّ الحاجة إليه ، ويصعب الوصول إليه ، فليس العزيز المطلق إلاّ هو تعالى.

وقال صاحب العدّة : العزيز المنيع الذي لا يُغلب ، ويقال : من عزّ بزّ ،

__________________

(46) الصحاح 6 : 2217 ، همن.

(47) كذا ، ولم أجد هذا الاسم في كتب التراجم.

(48) قال الزمخشري في الكشّاف 1 : 62 : « وقرئ إياك بتخفيف الياء واياك بفتح الهمزة والتشديد وهياك بقلب الهمزة هاء ».

قال طفيل الغنوي :

فهياك والأمر الذي ان تراحبت موارده ضاقت عليك مصادره.

(49) القواعد والفوائد 2 : 167.

(50) ظهير الدين علي بن يوسف بن عبد الجليل النيلي ، عالم فاضل كامل ، من أجلة متكلمي الإمامية وفقهائهم ، يروي عن الشيخ فخر الدين ولد العلاّمة ، يروى عنه ابن فهد الحلي ، له عدة مصنفات ، منها : منتهى السّؤول في شرح الفصول ، وهو شرح على فصول خواجه نصير الدين الطوسي في اُصول الدين ، وهو شرحُ بالقول يعني قوله قوله.

رياض العلماء 4 : 293 ، الذريعة 23 : 10.

٣٣

أي : من غلب سلب ، ومنه قوله تعالى :( وعزّني في الخطابِ ) (51) أي : غلبني في محاورة الكلام ، وقد يقال العزيز للملك ، ومنه قوله تعالى :( يا أيها العزيزُ ) (52) أي : يا أيها الملك(53) .

والعزيز أيضاً : الذي لا يعادله شيء ، والذي لا مثل له ولا نظير.

الجبار :

القهار ، أو المتكبر ، أو المتسلّط ، أو الذي جبر مفاقر الخلق وكفاهم أسباب المعاش والرزق ، أو الذي تنفذ مشيته على سبيل الإجبار في كل أحد ولا تنفذ فيه مشية أحد. ويقال : الجبّار العالي فوق خلقه ، ويقال للنخل الذي طال وفات اليد : جبّار.

المتكبّر :

ذو الكبرياء ، وهو : الملك ، أو ما يرى الملك حقيراً بالنسبة إلى عظمته ، قاله الشهيد(54) .

وقال صاحب العدّة : المتكبّر المتعالي عن صفات الخلق ، ويقال : المتكبّر على عتاة خلقه ، وهو مأخوذ من الكبرياء ، وهم اسم التكبّر والتعظّم(55) .

الخالق :

هو المبدئ للخلق والمخترع لهم على غير مثال سبق ، قاله البادرائي في جواهره.

__________________

(51) ص 38 : 23.

(52) يوسف 12 : 78 ، 88.

(53) عدّة الداعي : 305.

(54) القواعد والفوائد 2 : 167.

(55) عدّة الداعي : 305 ، باختلاف.

٣٤

وقال الشهيد : الخالق ، المقدّر(56) .

قلت : وهو حسن ، إذ قد يراد بالخلق التقدير ، ومنه قوله تعالى :( إنّي أخلقُ لكم منَ الطينِ كهيئةِ الطيرِ ) (57) أي : اُقدّر.

البارئ :

الخالق ، والبرية : الخلق ، وبارئ البرايا أي : خالق الخلائق.

المصوّر :

الذي أنشأ خلقه على صور مختلفه ليتعارفوا بها ، قال تعالى :( وصوّركم فأحسنَ صوَركُم ) (58) .

وقال الغزّالي في تفسير أسماء الله تعالى الحسنى : قد يظنّ أنّ الخالق والبارئ والمصور ألفاظ مترادفة ، وأن الكلّ يرجع إلى الخلق والاختراع ، وليست كذلك ، بل كل ما يخرج من العدم إلى الوجود مفتقر إلى تقديره أولاً ، وإلى إيجاده على وفق التقدير ثانياً ، وإلى التصوير بعد الإيجاد ثالثاً ، والله تعالى خالق من حيث أنّه مقدر ، وبارئ من حيث أنه مخترع موجد ، ومصوّر من حيث أنه مرتب صور المخترعات أحسن ترتيب. وهذا كالبناء مثلاً ، فإنه يحتاج إلى مقدّر يقدّر ما لابدّ منه : من الخشب ، واللبن ، ومساحة الأرض ، وعدد الأبنية وطولها وعرضها ، وهذا يتولاّه المهندس فيرسمه ويصوّره ، ثم يحتاج إلى بنّاء يتولّى الأعمال التي عندها تحدث اُصول الأبنية ، ثم يحتاج إلى مزيّن ينقش ظاهره ويزيّن صورته ، فيتولاه غير البناء. هذه هي العادة في التقدير في البناء والتصوير ، وليس كذلك في أفعاله تعالى ، بل هو المقدّر والموجد والصانع ، فهو الخالق والبارئ والمصور(59) .

__________________

(56) القواعد والفوائد 2 : 167.

(57) آل عمران 3 : 49.

(58) غافر 40 : 64 ، التغابن 64 : 3.

(59) المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى : 18.

٣٥

الغفّار :

هو الذي أظهر الجميل وستر القبيح ، قاله الشهيد(60) .

وقال البادرائي : هو الذي يغفر ذنوب عباده ، وكلّما تكررت التوبة من المذنب تكررت منه تعالى المغفرة ، لقوله :( وإني لغفّارٌ لِمن تابَ ) (61) الآية. والغفر في اللغة : الستر والتغطية ، فالغفّار : الستّار لذنوب عباده.

القهّار القاهر :

بمعنى ، وهو : الذي قهر الجبابرة وقهر العباد بالموت ، غير أنّ قهّار وغفّار وجبّار ووهّاب ورزّاق وفتاح ونحو ذلك من أبنية المبالغة ، لأنّ العرب قد بنت مثال من كرر الفعل على فعّال ، ولهذا يقولون لكثير السؤال : سأّال وسأّالة.

قال :

سَأّالةٌ للفتى ما ليس في يده

ذهّابة بعقول القوم والمالي

وكذا ما بني على فعلان وفعيل كرحمن ورحيم ، إلاّ أن فعلان أبلغ من فعيل. وبنت مثال من بالغ في الأمر وكان قوياً عليه على فعول ، كصبور وشكور. وبنت مثال من فعل الشيء مرّة على فاعل ، نحو سائل وقاتل. وبنت مثال من اعتاد الفعل على مِفعال ، مثل امرأة مذكار إذا كان من عادتها أن تلد الذكور ، ومئناث إذا كان من عادتها أن تلد الإناث ، ومعقاب إذا كان من عادتها أن تلد نوبة ذكراً ونوبة اُنثى ، ورجل منعال ومفضال إذا كان ذلك من عادته.

الوهّاب :

هو من أبنية المبالغة كما مرّ آنفاً ، وهو الذي يجود بالعطايا التي لا تفنى ، وكّل من وهب شيئاً من أعراض الدنيا فهو واهب ولا يسمّى وهّاباً ، بل الوهّاب

__________________

(60) القواعد والفوائد 2 : 168.

(61) طه 20 : 82.

٣٦

من تصرّفت مواهبه في أنواع العطايا ودامت ، والمخلوقون إنّما يملكون أن يهبوا مالاً أو نوالاً في حال دون حال ، ولا يملكون أن يهبوا شفاء لسقيم ولا ولداً لعقيم ، قاله البادرائي.

وقال صاحب العدّة : الوّهاب الكثير الهبة ، والمفضال في العطية(62) .

وقال الشهيد : الوهّاب المعطي كل ما يحتاج إليه لكلّ من يحتاج إليه(63) .

الرزّاق الرازق :

بمعنى ، وهو : خالق الأرزقة والمرتزقة والمتكفّل بإيصالها لكلّ نفس ، من مؤمن وكافر ، غير أنّ في الرزّاق المبالغة.

الفتاح :

الحاكم بين عباده ، وفتح الحاكم بين الخصمين : إذا قضى بينهما ، ومنه :( ربّنا افتح بيننا وبينَ قومنا بالحقِ ) (64) أي : احكم.

وهو أيضاً الذي يفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده ، وهو الذي بعنايته ينفتح كل مغلق.

العليم :

العالم بالسرائر والخفيات وتفاصيل المعلومات قبل حدوثها وبعد وجودها(65) .

__________________

(62) عدّة الداعي : 311.

(63) القواعد والفوائد 2 : 68.

(64) الأعراف 7 : 89.

(65) في هامش (ر) : « والعليم مبالغة في العالم ، لأنّ قولنا : عالم ، يفيد أنّ له معلوماً ، كما أنّ قولنا : سامع ، يفيد أنّ له مسموعاً ، وإذا وصفناه بأنّه عليم أفاد أنّه متى صحّ معلوم فهو عالم به ، كما أنّ سميعاً يفيد

٣٧

القابض الباسط :

هوالذي يوسع الرزق ويقدره بحسب الحكمة.

ويحسن القران بين هذين الاسمين ونظائرهما ـ كالخافض والرافع ، والمعزّ والمذلّ ، والضارّ والنافع ، والمبدئ والمعيد ، والمحيي والمميت ، والمقدّم والمؤخّر ، والأول ، والآخر ، والظاهر والباطن ـ لأنّه أنبأ عن القدرة ، وأدلّ على الحكمة ، قال الله تعالى :( واللهُ يقبضُ ويبسطُ ) (66) فإذا ذكرت القابض مفرداً عن الباسط كنت كأنك قد قصرت الصفة على المنع والحرمان ، وإذا وصلت أحدهما بالآخر فقد جمعت بين الصفتين. فالأولى لمن وقف بحسن الأدب بين يدي الله تعالى أن لا يفرد كلّ اسم عن مقابله ، لما فيه من الإعراب عن وجه الحكمة.

الخافض الرافع :

هو الذي يخفض الكفار بالإشقاء ويرفع المؤمنين بالاسعاد. وقوله :( خافضةُ رافعةٌ ) (67) أي : تخفض أقواماً إلى النار وترفع أقواماً إلى الجنة ، يعني : القيامة.

المعزّ المذلّ :

الذي يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممّن يشاء ، أو الذي أعزّ بالطاعة أولياءه ، فأظهرهم على أعدائه في الدنيا وأحلّهم دار الكرامة في العقبى ، وأذل أهل

__________________

أنّه متى وجد مسموع فلابدّ أن يكون سامعاً له ، والعلوم كلّها من جهته تعالى ، لأنّها لا تخلو من أن تكون ضرورية فهو الذي فعلها ، أو استدلالية فهو الذي أقام الأدلة عليها ، فلا علم لأحد إلاّ الله تعالى. منهرحمه‌الله ».

(66) البقرة 2 : 245.

(67) الواقعة 56 : 3.

٣٨

الكفر في الدنيا ، بأن ضربهم بالرق والجزية والصغار ، وفي الآخرة بالخلود في النار(68) .

السميع :

بمعنى السامع ، يسمع السّر والنجوى ، سواء عنده الجهر والخفوت والنطق والسكوت. وقد يكون السميع بمعنى القبول والإجابة ، ومنه قول المصلّي : سمع الله لمن حمده ، معناه : قبل الله حمد من حمده واستجاب له. وقيل : السميع العليم بالمسوعات ، وهي : الأصوات والحروف.

البصير :

العالم بالخفيّات ، وقيل : العالم بالمبصرات.

وفي عبارة الشهيد ،السميع : الذي لا يعزب عن إداركه مسموع خفيّ أو ظاهر ، والبصير : الذي لا يعزب عنه ما تحت الثرى ، ومرجعهما إلى العلم ، لتعاليه سبحانه عن الحاسّة والمعاني القديمة(69) .

الحَكَم :

هو الحاكم الذي سلّم له الحكم ، وسمّي الحاكم حاكماً لمنعه الناس من التظالم(70) .

__________________

(68) في هامش (ر) : « وقيل يعزّ المؤمن بتعظيمه والثناء عليه ، ويذلّ الكافر بالجزية والسبي ، وهو سبحانه وإن أفقر أولياءه وابتلاهم في الدنيا ، فإنّ ذلك ليس على سبيل الإذلال ، بل ليكرمهم بذلك في الآخرة ، ويحلّهم غاية الإغزاز والإجلال ، ذكر ذلك الكفعمي في كتابه جُنّة الأمان الواقية. منهرحمه‌الله ».

انظر : جُنّة الأمان الواقية ـ المصباح ـ : 322.

(69) القواعد والفوائد 2 : 168.

(70) في هامش (ر) : « قلت : ومن ذلك اُخذ معنى الحكمة ، لأنّها تمنع من الجهل. وحكمة الدابة ما أحاط بالحنك ، سمّيت بذلك لمنعها من الجماح ، وحكمت السفيه وأحكمته إذا أخذت على يده

٣٩

العدل :

أي : ذو العدل ، وهو مصدر اُقيم مقام الأصل ، وحفّ به تعالى للمبالغة لكثرة عدله. والعدل : هو الذي يجوز في الحكم ، ورجل عدل وقوم عدل وامرأة عدل ، يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث.

اللطيف :

العالم بغوامض الأشياء ، ثم يوصلها إلى المستصلح برفق دون العنف ، أو البرّ بعباده الذي يوصل إليهم ما ينتفعون به في الدارين ويهيّئ لهم أسباب مصالحهم من حيث لا يحتسبون ، قاله الشهيد في قواعده(71) .

وقيل : اللطيف فاعل اللطف ، وهو ما يقرب معه العبد من الطاعة ويبعد من المعصية ، واللطف من الله التوفيق.

وفي كتاب التوحيد(72) عن الصادقعليه‌السلام : أنّ معنى اللطيف هو :

__________________

ومنعته مما أراد ، وحكمته أيضاً إذا فوّضت إليه الحكم ، وفي حديث النخعي : حكّم اليتيم كما تحكّم ولدك ، أي : امنعه من الفساد ، وقيل : أي حكّمه في ماله إذا صلح لذلك ، وفي الحديث : إنّ في الشعر لحكمة ، أي : من الشعر كلاماً نافعاً يمنع عن الجهل والسفه وينهى عنهما ، والحكم : الحكمة ، ومنه :( وآتيناه الحكم صبيّاً [ 19 : 12 ]) أي : الحكمة ، وقوله تعالى :( فوهب لي ربيّ حكماً [ 26 : 21 ]) أي : حكمة ، والصمت : حكم وقوله تعالى عن داودعليه‌السلام :( وآتيناه الحكمة [ 38 : 20 ]) قيل : هي الزبور ، وقيل : هي كلّ كلام وافق الحق ، والمحاكمة : المخاصمة إلى الحاكم ، من مغرب المطرزي ، وغريبي الهروي وصحاح الجوهري. منهرحمه‌الله ».

اُنظر : المغرب 1 : 133 حكم ، الصحاح 5 : 1901 حكم.

(71) القواعد والفوائد 2 : 170.

(72) كتاب التوحيد لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، شيخ الحفظة ووجه الطائفة المستحفظة ، ولد بدعاء مولانا صاحب الأمر روحي له الفداء ، وصفه الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في التوقيع الخارج من الناحية المقدّسة بأنّه : فقيه خيِّر مبارك ينفع الله به ، فعّمت بركته ببركة الإمام وانتفع به الخاصّ والعامّ ، له عدّة مصنفات ، منها : هذا الكتاب ـ التوحيد ـ توفي سنة ( 381 ه‍ ) بالري ، وقبره قرب قبر عبد العظيم الحسني معروف.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

الباب السّادس والثّلاثون

( في أنّ الحسين عليه السلام قتيل العَبرة لا يذكره مؤمن إلاّ بكى )

١ - حدَّثني أبي؛ وعليُّ بن الحسين؛ ومحمّد بن الحسنرحمهم‌الله جميعاً، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن سعيد بن جَناح(١) ، عن أبي يحيى الحَذّاء - عن بعض أصحابنا - عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: نظر أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الحسين فقال: يا عَبْرَةَ كلِّ مؤمن، فقال: أنا يا أبتاه؟ قال: نَعَم يا بُنيَّ ».

٢ - حدَّثني جماعة مشايخي، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن الحسين بن عبدالله، عن الحسن بن عليِّ بن أبي عثمان، عن الحسن بن عليِّ بن عبدالله بن المغيرة، عن أبي عُمارة المُنشِد « قال: ما ذُكِرَ الحسينعليه‌السلام عند أبي عبداللهعليه‌السلام في يوم قطّ فَرُئيّ أبو عبدالله مُتَبَسِّماً في ذلك اليوم إلى اللّيل وكان يقول: الحسينعليه‌السلام عَبرة كلِّ مؤمن ».

٣ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن الحسن بن موسى الحشاب، عن إسماعيل بن مِهرانَ، عن عليِّ بن أبي حمزةَ، عن أبي بصير « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : قال الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام : أنا قتيل العَبرة(٢) ، لا يذكرني مؤمنٌ إلاّ اسْتَعبَرَ ».

٤ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن الحسن بن موسى،

____________

١ - بفتح الجيم؛ الأزديّ، مولاهم كوفيّ، نشأ ببغداد ومات بها، وكان ثقة.

٢ - العَبْرَة: الدُّمعة قبل أن تفيض، وقيل: تردّد البُكاء في الصَّدر، وقيل: الحزن بلا بُكاء. ( أقرب الموارد ) وقوله عليه السلام: « أنا قتيل العَبْرَة » أي قتيل منسوب إلى العَبْرَة والبُكاء، وسببُ لها، أو اُقتل مع العبرة والحزن وشدّة الحال، والأوّل أظهر. ( البحار )

١٢١

عن محمّد بن سِنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قال الحسينعليه‌السلام : أنا قَتيل العَبْرَة ».

٥ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن الحسن بن موسى، عن محمّد بن سِنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قال الحسينعليه‌السلام : أنا قتيل العَبْرَة ».

٦ - حدّثني محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد البرقيِّ، عن أبان الأحمر، عن محمّد بن الحسين الخزَّاز، عن هارون بن خارجة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: كنّا عنده فذكرنا الحسينعليه‌السلام [وعلى قاتله لعنة الله] فبكى أبو عبداللهعليه‌السلام وبكينا، قال: ثمَّ رفع رأسَه فقال: قال الحسينعليه‌السلام : أنا قتيل العَبرَة، لا يذكرني مؤمن إلاّ بكى - وذكر الحديث - ».

٧ - حدَّثني عليُّ بن الحسين [عن عليِّ بن الحسين] السّعد آبادي قال: حدَّثني أحمدُ بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن ابن مُسْكانَ، عن هارونَ بن خارجَة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قال الحسينعليه‌السلام : أنا قتيل العَبرَة، قُتِلتُ مكروباً، وحقيقٌ على [الله] أن لا يأتيني مَكروبٌ قطّ إلاّ رَدّه الله وقلبه إلى أهله مَسروراً ».

حدَّثني حكيم بن داودَ، عن سَلَمة بن الخطّاب، عن محمّد بن عَمرو، عن هارون بن خارجَة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام مثله.

الباب السّابع والثّلاثون

( ما روي أنّ الحسين عليه السلام سيّد الشّهداء)

١ - حدّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن حَنان « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : زوروا الحسينعليه‌السلام ولا تجفوه، فإنّه سَيِّدُ شَباب أهل الجنّة من الخلق وسَيِّدُ الشَّهداء ».

١٢٢

٢ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن العبّاس بن معروف، عن حمّاد بن عيسى، عن رِبْعيِّ بن عبدالله(١) « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام بالمدينة: أين قبور الشُّهداء؟ فقال: أليس أفضل الشُّهداء عِندَكم، والَّذي نفسي بيدِه أنَّ حَولَه أربعة آلاف مَلَك شُعْثاً غُبراً يبكونه إلى يوم القيامة ».

٣ - حدّثني أبو العبّاس الرَّزَّاز، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن أبي داودَ المُسْتَرِق، عن اُمّ سعيد الأحْمَسِيّة(٢) « قال: كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام وقد بعثت مَن يَكتري لي حِماراً إلى قبور الشُّهداء، فقال: ما يمنعكِ من زيارة سيّد الشُّهداء؟ قالت: قلت: ومَن هو؟ قال: الحسينعليه‌السلام ، قالَتْ: قلت: وما لِمَن زارَه؟ قال: حَجّةٌ وعُمْرَةٌ مَبرورَة، ومِن الخير كذا وكذا وكذا - ثلاث مرَّات - بيده ».

٤ - وعنه، عن محمّد بن الحسين، عن الحكم بن مسكين، عن اُمّ سعيد الاُحْمَسيّة « قالت: جئت إلى أبي عبداللهعليه‌السلام فدخلت عليه، فجاءَت الجارية فقالت: قد جئتكِ بالدَّابّة، فقال لي: يا اُمَّ سعيد أيُّ شيءٍ هذه الدَّابّة؛ أين تبغين تَذْهبين؟ قالت: قلت: أزور قبورَ الشّهداء، قال: أخِّري ذلك اليوم، ما أعجبكم يا أهل العِراق؛ تأتون الشُّهداء مِن سَفر بَعيد وتتركون سيِّد الشّهداء لا تأتونَه؟! قالت: قلت له: مَن سَيّد الشُّهداء؟ فقال: الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام ، قالت: قلت: إنّي امرءَة، فقال: لا بأس لمن كان مثلك ان يَذهب إليه ويَزوره، قالت: أيُّ شيءٍ لنا في زيارته؟ قال: تعدل حجّة وعُمرة واعتكاف شَهرين في المسجد

__________________

١ - هو العبديّ البصري أبو نعيم، ثقة، روى عن الصّادق والكاظمعليهما‌السلام .

٢ - بفتح الألف وسكون الحاء المهملة وفتح الميم وفي آخرها السّين المهملة، هذه النّسبة إلى أحمس، وهي طائفة من بجيلة نزلوا الكوفة. ( الأنساب، اللّباب، الإكمال ) وقال العلاّمة الاُميني رحمه الله: بطن من انمار بن إراش، غلب عليهم اسم أبيهم حمس فقيل لهم: أحمس، فما في كثير من المعاجم بالخاء المعجمة تصحيف واضح.

١٢٣

الحرام وصيامها، وخيرها كذا وكذا، قالت: بَسَط يَدَه وضَمّها ضَمّاً - ثلاث مرَّات - ».

٥ - حدَّثني أبي؛ وعليُّ بن الحسين؛ ومحمّد بن الحسنرحمهم‌الله عن سعد بن عبدالله، عن الحسن بن عليِّ بن عبدالله بن المغيرة، عن العبّاس بن عامِر، عن أحمدَ بن رِزق الغَمْشانيّ(١) ، عن اُم سعيد الأحْمَسيّة « قالت: دخلت المدينة فاكتريتُ حِماراً على أن أطوف على قبور الشُّهداء(٢) ، فقلت: لابدَّ أبدَء بابن رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأدخل عليه، فأبطأتُ على المكاري قليلاً، فهتف بي، فقال لي أبو عبداللهعليه‌السلام : ما هذا يا اُمَّ سعيد؟ قلت له: جعلت فِداك تَكارَيتُ حِماراً لأزور عَلى قُبور الشُّهداء، قال: أفلا اُخبرُك بسَيِّدِ الشُّهداء؟! قلت: بلى، قال: الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام ، قلت: وإنّه لسيِّد الشّهداء؟! قال: نَعَم، قلت: فما لمن زاره؟ قال: حَجّة وعُمْرَة، ومن الخير - هكذا وهكذا - ».

٦ - حدَّثني أبي؛ ومحمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريّ جميعاً، عن عبدالله بن جعفر الحِميريّ، عن أحمدَ بن أبي عبدالله البَرقيِّ، عن أبيه، عن عبدالله بن القاسم الحارثي، عن عبدالله بن سِنان، عن اُمّ سعيد الأحمسيّة « قالت: دخلت المدينة فأكتريت البَغل لاُزور عليه قبورَ الشُّهداءِ، قالت: قلت: ما أحدٌ أحقُّ أن أبدء به مِن جعفر بن محمّد، قالت: فدخلت عليه فأبطأتُ فصاح بي المكاري: حبستِينا عافاكِ الله!، فقال لي أبو عبدالله: كأنّ إنساناً يستعجلك يا اُمّ سعيد؟ قلت: نَعَم جُعِلتُ فداك، إنّي اكتريت بَغلاً لأزور عليه قبور الشّهداء فقلت: ما آتي أحداً أحقّ مِن جعفر بن محمّد، قالت: يا اُمّ سعيد فما يمنعك مِن أن تأتي قبر سيِّد الشّهداء؟! قالت: فطمعت(٣) أن يَدُلَّني على قبر عليِّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقلت: بأبي أنت واُمّي ومَن سيّد الشّهداء؟ قال: الحسين ابن -

__________________

١ - قال النّجاشيّ - مثل ما في المتن -: « الغمشانيّ »، وفي الخلاصة: الغُشانيّ - بالغين المعجمة المضمومة والشّين المعجمة والنّون بعد الألف - بجليّ ثقة.

٢ - مرادها شهداء اُحد.

٣ - ذلك لخفاء قبره عليه السلام حينذاك.

١٢٤

فاطمةعليهما‌السلام ، يا اُمَّ سعيد مَن أتاه ببصيرة ورَغبةٍ فيه كان له حَجّة وعُمرَة مَبرورة (١) وكان له مِن الفضل هكذا وهكذا ».

٧ - حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز، عن خاله محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن إسماعيل - عمّن حدَّثه - عن عليِّ بن أبي حمزة، عن الحسين بن أبي العَلاء؛ وأبي المَغرا؛ وعاصم بن حُمَيد الحنّاط جماعتهم، عن أبي بصير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: ما مِن شَهيدٍ إلاّ ويحبّ أن يكون(٢) مع الحسينعليه‌السلام حتّى يدخلون الجنّة معه ».

الباب الثّامن والثّلاثون

( زيارة الأنبياء الحسين بنَ عليِّ عليهما السلام)

١ - حدَّثني الحسن بن عبدالله(٣) ، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن إسحاق بن عمّار « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: ليس نبيّ في السَّماوات [والأرض] إلاّ يسألون الله تعالى أن يأذن لهم في زيارة الحسينعليه‌السلام ، ففوج ينزل وفوج يصعد(٤) ».

٢ - وعنه، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن الحسين ابن بنت أبي حمزة الثُّمالي « قال: خرجت في آخر زَمان بني مَروان إلى زيارة قبر الحسينعليه‌السلام مُستخفياً من أهل الشّام(٥) ، حتّى انتهيت إلى كربلاء فاختفيت في ناحية القَرية حتّى إذا ذهب مِن اللَّيل نصفه أقبلتُ نحو القبر، فلمّا دَنَوتُ منه أقبل نحوي رَجُلٌ

__________________

١ - في بعض النّسخ: « حجّة مبرورة وعمرة متقبّلة ».

٢ - في بعض النّسخ: « إلاّ وهو يحبّ لو أنّ الحسين بن علي حيّ حتّى يكون - إلخ ».

٣ - هو ابن أخي أبي جعفر الأشعريّ.

٤ - في نسخة: « يعرج ».

٥ - لئلاّ يعرفوني بولاية أهل البيت عليهم السلام ويزجروني بذلك؛ ظاهراً، لا لزيارة القبر، لأنّ المنع مِن زيارة قبره كان في زمن بني العبّاس.

١٢٥

فقال لي: انصرف مأجوراً؛ فإنَّك لا تصل إليه، فرجعت فَزِعاً حتّى إذا كاد يطلع الفجر أقبلت نحوه حتّى إذا دَنَوتُ منه خرج إليَّ الرَّجلُ فقال لي: يا هذا إنّك لا تصل إليه، فقلت له: عافاك الله ولم لا أصلُ إليه؟ وقد أقبلتُ مِن الكوفة اُريد زيارته فلا تَحل بيني وبينه - عافاك اللهُ - وأنا أخاف أن أصبح فيقتلونني أهل الشّام إنْ ادركوني ههنا، قال: فقال لي: اصبر قليلاً فإنّ موسى بن عِمرانَعليه‌السلام سأل اللهَ أن يأذن له في زيارة قبر الحسين فأذن له، فهبط مِن السَّماء في سَبعين ألف مَلَك فهم بحضرته مِن أوَّل اللَّيل ينتظرون طلوع الفجر ثمَّ يعرجون إلى السَّماء، قال: قلت له: فمن أنتَ عافاك الله؟ قال: أنا من الملائكة الّذين اُمروا بحرس قبر الحسينعليه‌السلام والاستغفار لزوَّاره، فانصرفت وقد كادَ أن يطير عقلي لما سمعت منه، قال: فأقبلت لمّا طلع الفجر نحوه فلم يَحُلْ بيني وبينه أحدٌ فدَنَوت مِن القبر وسَلّمت عليه ودَعوتُ اللهَ على قَتَلَتِه، وصَلّيت الصُّبح وأقبلتُ مُسرعاً مخافة أهل الشّام »(١) .

٣ - حدَّثني محمّد بن عبدالله الحِميريّ، عن أبيه، عن هارونَ بن مسلم، عن عبدالرَّحمن بن [عمرو بن] الأشعث، عن عبدالله بن حمّاد الانصاريّ، عن ابن سِنان، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعتُه يقول: قبر الحسين بن عليٍّ صلوات الله عليهما عِشرون ذراعاً في عشرين ذِراعاً مُكسّراً(٢) روضةٌ مِن رياض الجنّة، ومنه معراج الملائكة(٣) إلى السَّماء، وليس مِن ملكٍ مقرَّبٍ ولا نبيٍّ مرسل إلاّ وهو يسأل الله أن يَزوره، ففوج يهبط وفوج يصعد ».

٤ - حدّثني أبي؛ وأخي؛ وجماعة مشايخيرحمهم‌الله عن محمّد بن يحيى؛ وأحمدَ بن إدريسَ، عن حَمدانَ بن سليمان النّيسابوريّ، عن عبدالله بن محمّد اليمانيِّ، عن مَنيع بن حَجّاج، عن يونسَ، عن صَفوانَ الجمّال « قال: قال

__________________

١ - المراد بهم المأمورون.

٢ - يعني مضروباً، أي عشرين في عشرين.

٣ - في بعض النّسخ: « وفيه معراج الملائكة ».

١٢٦

لي أبو عبداللهعليه‌السلام : لمّا أتى الحِيرةَ هل لك في قبر الحسين؟ قلت: وتَزورُه جُعِلتُ فِداك؟ قال: وكيف لا أزورُه واللهُ يَزورُه (١) في كلِّ ليلة جُمُعة يهبط مع الملائكة إليه والأنبياء والأوصياء ومحمّد أفضل الأنبياء، ونحن أفضل الأوصياء، فقال صَفوانُ: جعلت فِداك فنَزوره في كلِّ جمعة حتّى نُدركَ زيارة الرّبِّ؟ قال: نَعَم، يا صَفوانُ ألزم ذلك تكتب لك زيارةُ قبر الحسينعليه‌السلام ، وذلك تفضيل وذلك تفضيل »(٢) .

وحدَّثني القاسم بن محمّد بن عليِّ بن إبراهيم الهَمْدانيِّ، عن أبيه، عن جدِّه، عن عبدالله بن حمّاد الأنصاري، عن الحسين بن أبي حمزة قال: خرجت في آخر زَمان بني اُميّة ( كذا ) - وذكر مثل الحديث المتقدَّم في الباب(٣) .

وحدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن أحمدَ بن إدريس، عن العَمركي بن عليِّ البوفكيِّ، عن عِدَّة من أصحابنا، عن الحسن بن محبوب، عن الحسين ابن ابنة أبي حمزة الثّماليِّ قال: خرجت في آخر زمان بني مَروان - وذكر مثل حديث الَّذي مرَّ في أوَّل الباب سواءً.

الباب التّاسع والثّلاثون

( زيارة الملائكة الحسين بن عليٍّ عليهما السلام)

١ - حدَّثني الحسن بن عبدالله بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن الحسن

__________________

١ - قال العلاّمة المجلسيّرحمه‌الله : زيارته تعالى كناية عنع إنزال رحماته الخاصّة - صلواته عليه وعلى زائريه -. وقال العلاّمة الاُمينيرحمه‌الله : زيارة الرَّبّ سبحانه في هذا الحديث وما في ص ٣٥ إمّا توجيه عنايته الخاصّة بإسبال فيضه المتواصل عليه، أو إبداء شيءٍ مِن مظاهر جلاله العظيم الّذي تجلّى للجبل فجعله دَكَاً وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً، والإمامعليه‌السلام كان يزوره ليدرك هاتيك العناية الخاصّة، أو يشاهد تلك المظاهر اللَّطيفة الّتي كانت لتشريفهم، ولذلك كانوا يتحمّلون مشاهدته، ولأنّ مقامهم أرفع مِن مقام موسى الّذي لم يتحمّله.

٢ - أي زيارة الرّبّ، والمراد بالرّبّ عناياته - كما مرّ - وفرقٌ بين معنى الرّبّ ومعنى الله.

٣ - أي الخبر الثّاني من الباب.

١٢٧

ابن محبوب، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعته يقول: ليس من ملكٍ في السَّماوات إلاّ وهم يسألون الله عزَّوجلَّ أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسينعليه‌السلام ، ففوج يَنزل وفوج يَعرُج ».

٢ - وعنه: عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن داودَ الرَّقّي « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: ما خلق الله خلقاً أكثر مِن الملائكة، وأنّه ينزل من السَّماء كلَّ مَساءٍ سبعون ألف ملك يطوفون بالبيت الحرام ليلتهم حتّى إذا طلع الفجر انصرفوا إلى قبر النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيسلّمون عليه، ثمَّ يأتون قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام فيسلّمون، ثم يأتون قبر الحسينعليه‌السلام فيسلّمون عليه، ثمَّ يعرجون إلى السّماء قبل أن تطلع الشَّمس، ثمَّ تنزل ملائكة النّهار سبعون ألف ملك، فيطوفون بالبيت الحرام نهارَهم حتّى إذا غربتِ الشَّمس انصرفوا إلى قبر رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيسلّمون عليه، ثمَّ يأتون قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام فيسلّمون عليه، ثمّ يأتون قبر الحسينعليه‌السلام فيسلّمون عليه، ثمَّ يعرجون إلى السّماء قبل أن تغيب الشَّمس »(١) .

٣ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن الحسين بن عبدالله، عن الحسن بن عليِّ بن أبي عثمان، عن محمّد بن الفضيل، عن إسحاقَ بن عمّار، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: ما بين قبر الحسينعليه‌السلام إلى السّماء مُختَلفُ الملائكة ».

٤ - حدَّثني القاسم بن محمّد بن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن جَدِّه، عن عبدالله بن حمّاد الأنصاريِّ، عن عبدالله بن سِنان « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام

__________________

١ - قال العلاّمة الأمينيرحمه‌الله : هذا الحديث رواه بحّاثة العامّة محمّد بن مسلم بن أبي الفوارس مِن أئمّة القرن السّادس في أربعينه الموجود عندنا بغير هذا الطريق عن وَهب عن الصّادقعليه‌السلام ، وجعله حديث الثّاني عشر مِن كتابه وزاد في آخره: « والّذي نفسي بيده أنّ حول قبره أربعة آلاف ملك شُعْثاً غُبراً يبكون عليه إلى يوم القيامة »، وفي رواية أخرى: « قد وكّل الله بالحسين سبعين ألف ملك شُعْثاً غُبراً يصلّون عليه كلَّ يوم ويدعون لمن زارَه، ورئيسهم ملك يقال له: منصور » - إلى آخر الحديث الأوَّل مِن الباب الحادي والأربعين من الكتاب.

١٢٨

يقول: قبر الحسينعليه‌السلام - عشرون ذِراعاً في عِشرين ذراعاً مُكسّراً - روضة من رِياض الجنّة، منه معراج إلى السّماء، فليس من ملك مقرَّب ولا نبيٍّ مرسل إلا وهو يسأل الله تعالى أن يزور الحسينعليه‌السلام ، ففوجٌ يهبط وفوجٌ يصعد ».

٥ - وعنه(١) ، عن أبيه، عن جَدِّه، عن عبدالله بن حمّاد، عن إسحاقَ بن عمّار « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : جُعلتُ فِداكَ يا ابن رسول الله كنت في الحيرة ليلة عرفة فرأيت نحواً مِن ثلاثة آلاف وأربعة آلاف رَجل، جميلة وجوههم، طيّبة ريحهم، شديد بياض ثِيابهم، يصلّون اللَّيل أجمع، فلقد كنت اُريد أن آتي قبر الحسينعليه‌السلام واُقبّله وأدعو بدعوات، فما كنت أصل إليه من كثرة الخلق، فلمّا طلع الفجر سجدتُ سِجدةً، فرفعت رأسي فلم أرَ منهم أحداً، فقال لي أبو عبداللهعليه‌السلام : أتدري مَن هؤلاء؟ قلت: لا جُعِلتُ فِداك، فقال: أخبرني أبي، عن أبيه قال: مَرَّ بالحسينعليه‌السلام أربعة آلاف ملكٍ - وهو يقتل - فعرجوا إلى السّماء فأوحى الله تعالى إليهم: يا معشر الملائكة مَرَرتُم بابن حبيبي وصَفيّي محمَّدٍ وهو يُقتل ويضطهد مظلوماً فلم تنصروه؟! فانْزِلو إلى الأرض إلى قبر فابْكوه شُعْثاً غُبراً إلى يوم القيامة، فهم عنده إلى أن تقوم السّاعة »(٢) .

٦ - حدَّثني أبي - رحمه الله تعالى - عن سعد بن عبدالله - عن بعض أصحابه - عن أحمد بن قتيبة الهَمداني، عن إسحاق بن عمّار « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : إني كنت بالحائر ليلة عرفة وكنت اُصلّي وثَمَّ نحوٌ مِن خمسين ألفاً مِن النّاس، جميلة وجوههم، طيّبة روائحهم، وأقبلوا يصلّون اللّيلة(٣) أجمع، فلمّا طلع الفجر سَجَدتُ ثمَّ رفعتُ رأسي فلم أرَ منهم أحداً، فقال لي أبو عبداللهعليه‌السلام : أنّه مَرَّ بالحسينعليه‌السلام خمسون ألف مَلَك، وهو يقتل فعرجوا إلى السَّماء فأوحى الله تعالى إليهم: مَرَرتم بابن حبيبي وهو يقتل فلم تنصروه؟! فاهبُطوا إلى الأرض فاسْكنوا عند قبره شُعْثاً غُبراً إلى يوم تقوم السّاعة ».

__________________

١ - الضّمير راجع إلى القاسم بن محمّد بن عليّ بن إبراهيم.

٢ - في بعض النّسخ: « إلى أن تقوم القيامة ».

٣ - في نسخة: « يصلّون اللّيل ».

١٢٩

الباب الأربعون

( دعاء رسول الله وعليٍّ وفاطمة والأئمّة عليهم السلام لزُوّار الحسين عليه السلام)

١ - حدَّثني أبي؛ ومحمّد بن عبدالله؛ وعليُّ بن الحسين؛ ومحمّد بن الحسنرحمهم‌الله جميعاً، عن عبدالله بن جعفر الحِميريّ، عن موسى بن عُمَرَ، عن حَسّان البَصريّ(١) ، عن مُعاوية بن وَهْب، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قال لي: يا معاويةُ لا تَدَع زيارةَ قبر الحسينعليه‌السلام لخوف، فإنَّ مَن ترك زيارَته رأى من الحَسْرَة ما يتمنّى أنَّ قبره كان عِنده(٢) ، أما تُحِبُّ أن يرى اللهُ شخصَك وسوادَك فيمن يدعو له رَسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليُّ وفاطمَةُ والأئمّةعليهم‌السلام ».

٢ - وبهذا الإسناد، عن موسى بن عُمَرَ، عن حَسّان البصريّ، عن معاويةَ بن وَهْب « قال: استأذنت على أبي عبداللهعليه‌السلام فقيل لي: اُدخل، فدخلت فوجدته في مصلاّه في بيته فجلست حتّى قضى صلاته فسمعته يناجي رَبَّه وهو يقول: «اللّهُمَّ يا مَنْ خَصَّنا بالْكَرامَةِ؛ وَوَعَدَنا بالشَّفاعَةِ؛ وَخَصَّنا بالوَصيَّةِ؛ وأعْطانا عِلمَ ما مَضى وعِلْمَ ما بَقيَ؛ وَجَعَلَ أفْئدَةً مِنَ النّاسً تَهْوِي إلَيْنا، اغْفِرْ لي ولإخْواني وَزُوَّارِ قَبر أبي الحسين، الَّذين أنْفَقُوا أمْوالَهُمْ وَأشخَصُوا أبْدانَهم رَغْبَةً في بِرِّنا، وَرَجاءً لِما عِنْدَكَ في صِلَتِنا، وسُروراً أَدْخَلُوهُ عَلى نَبِيِّكَ، وَإجابَةً مِنهُمْ لأمْرِنا، وَغَيظاً

____________

١ - قال العلاّمة الأمينيرحمه‌الله : كذا في نسخ الكتاب؛ وفيما نقل عنه، لكن الصّحيح كما في الكافي [وفي التّهذيب أيضاً]: « غسّان البصريّ » بقرينة موسى بن عمر ومعاوية بن وهب، فما في النّسخ تصحيف كما لا يخفى. وسيأتي أيضاً كراراً.

٢ - أي يتمنّى التّاركُ أن يكون قبره عند قبر الحسين عليهما السلام، وقال الفيض ( ره ): قولوه: « إنّ قبره كان عنده » البارز في « قبره » راجعٌ إلى الحسين عليه السلام؛ وفي: « عنده » إلى مَن تركه، وإنّما يتمنّى ذلك يكون متمكّناً مِن كَثرة زيارته، ويحتمل العكس، يعني يتمنّى أن يكثر زيارته بحيث يموت هناك. ( الوافي ) أو يتمنّى أن يكون قتل لزيارته عليه السلام فصار قبره عنده. ويأتي الخبر في الصّفحة الآتية تحت رقم ٣.

١٣٠

أدْخَلُوهُ عَلى عَدُوِّنا، أرادُوا بذلِكَ رِضاكَ، فَكافِئْهُمْ عَنّا بالرِّضْوانِ، واكْلأهُم (١) باللَّيلِ وَالنَّهارِ، واخْلُفْ عَلىُ أهالِيهم وأولادِهِمُ الَّذين خُلِّفوا بأحْسَنِ الخَلَفِ وأصحبهم، وَأكْفِهِمْ شَرَّ كلِّ جَبّارٍ عَنيدٍ؛ وَكُلّ ضَعيفٍ مِنْ خَلْقِكَ وَشَديدٍ، وَشَرَّ شَياطِينِ الإنْسِ وَالجِنِّ، وَأعْطِهِم أفْضَلَ ما أمَّلُوا مِنْكَ في غُرْبَتِهم عَنْ أوْطانِهِم، وَما آثَرُونا (٢) بِهِ عَلى أبْنائهم وأهاليهم وقَراباتِهم ،

اللّهُمَّ إنَّ أعْداءَنا عابُوا عَلَيهم بخُروجهم، فَلم يَنْهِهم ذلِكَ عَنِ الشُّخوصِ إلينا خِلافاً مِنْهم (٣) عَلى مَنْ خالَفَنا، فارْحَم تِلْكَ الْوُجُوهَ الَّتي غَيَّرتها الشَّمْسُ، وَارْحَم تِلكَ الخدُودَ الَّتي تَتَقَلّبُ على حُفْرَةِ أبي عَبدِاللهِ الحسينِ ٧، وَارْحَم تِلكَ الأعْيُنَ الَّتي جَرَتْ دُمُوعُها رَحمةً لَنا، وارْحَم تِلْكَ الْقُلُوبَ الَّتي جَزَعَتْ واحْتَرقَتْ لَنا، وارْحَم تِلكَ الصَّرْخَةَ الَّتي كانَتْ لَنا، اللّهمَّ إني اسْتَودِعُكَ تِلْكَ الأبْدانَ وَتِلكَ الأنفُسَ حتّى تَرْويهمْ عَلى الحَوضِ يَومَ العَطَشِ [الأكبر] »:

فما زال يدعوعليه‌السلام وهو ساجدٌ بهذا الدُّعاء، فلمّا انصرف قلت: جُعِلتُ فِداك لو أنَّ هذا الَّذي سَمعتُ منك كان لِمن لا يَعرفُ اللهَ عزَّوجَلَّ لَظننتُ أنَّ النّار لا تطعم منه شَيئاً أبداً!! والله لقد تمنَّيتُ أنّي كنتُ زُرْتُه ولم أحُجَّ، فقال لي: ما أقربك منه؛ فما الَّذي يمنعك مِن زيارته؟ ثمَّ قال: يا معاويةُ لَم تدع ذلك، قلت: جُعلتُ فِداك لَم أرَ(٤) أنَّ الأمر يبلغ هذا كلّه؟ فقال: يا معاوية [و] مَن يدعو لزُوَّاره في السَّماء أكثر ممّن يدعو لهم في الأرض ».

وحدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريّ، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد بن سالم، عن عبدالله بن حمّاد البصريّ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الاُصمّ، عن معاوية بن وَهْب قال: استأذنت على أبي عبداللهعليه‌السلام ، وذكر مثله.

__________________

١ - أي احفظهم. وفي اللّغة: « كلاه الله: حفظه وحرسه، يقال: اذهب في كلاءة الله ».

٢ - آثره إيثاراً: اختاره واكرمه، وفضّله، وكذا بكذا: أتبعه.

٣ - في بعض النّسخ: « خلافاً عليهم، فارحم تلك الوجوه ».

٤ - في بعض النّسخ: « لم أدر ».

١٣١

٣ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن موسى بن عُمَرَ، عن حَسّان البَصريِّ(١) ، عن معاوية بن وَهْب، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قال لي: يا معاويةُ لا تَدَع زيارةَ الحسينعليه‌السلام لخوفٍ فإنَّ مَن تركه رأى مِن الحسرة ما يتمنّى إنَّ قبرَه كان عِنده(٢) ، أما تحبُّ أن يَرَى الله شخصَك وسوادَك فيمن يدعو له رَسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليٌّ وفاطمةُ والأئمّةعليهم‌السلام ؟! أما تحبُّ أن تكون ممّن ينقلب بالمغفرة لما مضى ويغفر لك ذنوب سَبعين سَنة؟! أما تحبّ أن تكون ممّن يخرج مِن الدُّنيا وليس عليه ذنبٌ تتبع به؟! أما تحبُّ أن تكون غداً ممّن يصافِحُه رَسولُ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

حدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن سعد، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن عبدالله بن حمّاد، عن عبدالله الأصمّ، عن معاويةَ بن وَهْب قال: استأذنت على أبي عبداللهعليه‌السلام - وذكر الحديث والدُّعاء لزوَّار الحسينعليه‌السلام -.

وحدَّثني محمّد بن الحسين بن متّ الجوهريّ، عن محمّد بن أحمدَ بن يحيى، عن موسى بن عُمَرَ، عن غَسّان البَصريّ، عن معاويةَ بن وَهْب. وحدَّثني محمّد ابن يعقوبَ؛ عن عليُّ بن الحسين، عن عليِّ بن إبراهيم بن هاشم - عن بعض أصحابنا - عن ابراهيم بن عُقْبَةَ، عن معاوية بن وَهْب قال: استأذنت على أبي عبداللهعليه‌السلام - وذكر مثل حديث الدُّعاء الّذي في زوّار الحسينعليه‌السلام -.

حدَّثني أبيرحمه‌الله وعليُّ بن الحسين؛ وجماعَة مشايخنا، عن أحمدَ بن إدريسَ؛ ومحمّد بن يحيى جميعاً، عن العَمْركي بن عليٍّ البوفكيِّ، عن يحيى خادم أبي جعفر الثّانيعليه‌السلام -، عن ابن أبي عُمَير، عن معاوية بن وَهْب قال: استأذنت على أبي عبداللهعليه‌السلام - وذكر الحديث -.

٤ - حدَّثني حكيم بن داود، عن سَلَمَة بن الخطّاب، عن الحسن بن عليٍّ

__________________

١ - كذا، والصّواب: « غسّان البصريّ » كما تقدم.

٢ - في بعض النّسخ: « كان بيده »، وفي بعضها: « كان نبذه »، والصّواب ما في المتن، وتقدّم الخبر في ص ١٢٥ تحت رقم ١ إلى قوله: « والأئمة عليهم السلام » مع بيانه.

١٣٢

الوَشّاء - عمّن ذكره - عن داودَ بن كثير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إنَّ فاطمةعليها‌السلام بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله تحضر لزوَّار قبر ابنها الحسينعليه‌السلام فتستغفر لهم ذنوبهم ».

الباب الحادي والأربعون

( دعاء الملائكة لزُوَّار الحسين عليه السلام)

١ - حدّثني محمّد بن جعفر الرَّزّاز الكوفي، عن خاله محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن موسى بن سَعدانَ، عن عبدالله بن القاسم، عن عُمَرَ بن أبان الكَلبيِّ، عن أبان بن تَغلِب « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : أربعة آلاف ملك عند قبر الحسينعليه‌السلام شُعْثٌ غُبْرٌ يبكونه إلى يوم القيامة، رئيسهم مَلَكٌ يقال له: منصور، ولا يَزوُرُه زائِر إلاّ استقبلوه، ولا يودّعه مُوَدّع إلاّ شَيّعوه، ولا يمرض إلاّ عادوه، ولا يموت إلاّ صلّوا عليه [و] على جنازته، واستغفروا له بعد مَوته »(١) .

٢ - وحدَّثني أبيرحمه‌الله ومحمّد بن الحسن؛ وعليُّ بن الحسين؛ عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن عليِّ بن الحكم، عن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: وكّل الله تبارك وتعالى بالحسينعليه‌السلام سبعين ألف ملك يصلّون عليه كلّ يوم شُعثاً غُبراً، ويدعون لمن زارَه ويقولون: يا ربِّ هؤلاء زُوَّار الحسينعليه‌السلام ؛ افعل بهم، وافعل بهم - كذا وكذا - ».

٣ - حدّثني حكيم بن داود، عن سَلَمةَ، عن موسى بن عُمَرَ، عن حَسّان البصري(٢) ، عن معاوية بن وَهْب، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: لا تدع زيارة الحسينعليه‌السلام ، أما تحبّ أن تكون فيمن تدعو له الملائكة ».

__________________

١ - هذا الحديث رواه ابن أبي الفوارس في أربعينه كما أوعز إليه العلاّمة الأميني ( ره ) سابقاً.

٢ - تقدّم الكلام فيه، راجع ص ١٢٥ ذيل الخبر ١.

١٣٣

٤ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن أحمدَ بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن عليِّ بن الحكم، عن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: وكّل اللهُ تعالى بقبر الحسينعليه‌السلام سبعين ألف ملك يصلّون عليه كلَّ يوم شُعثاً غُبراً مِن يوم قُتل لى ما شاء الله - يعني بذلك قيام القامعليه‌السلام -، ويدعون لمن زارَه ويقولون: يارَبِّ هؤلاء زُوَّار الحسينعليه‌السلام افعل بهم وافعل بهم ».

٥ - حدَّثني الحسين بن محمّد بن عامِر، عن أحمدَ بن إسحاقَ بن سعد، عن سَعدانَ بن مسلم، عن عُمَرَ بن أبان، عن أبان بن تَغلِب، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: كأنّي بالقائم [عليه‌السلام ] على نجف الكوفة وقد لبس دِرْع رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فينتفض هو بها فتستدير عليه، فيغشيها بِحِداجة مِن اسْتبرق، ويركب فَرَساً أدهم بين عينيه شِمراخ فينتفض به انتفاضة(١) لا يبقى أهل بلد إلاّ وهم يرون أنّه معهم في بلادهم، فينتشر راية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، عَمودها مِن عمود العرش، وسائرها من نصر الله، لا يهوي بها إلى شيءٍ أبداً إلاّ أهْلَكه الله، فإذا هزَّها(٢) لم يبق مؤمن إلّا صارَ قلبه كَزبر الحديد، ويعطى المؤمن قوَّة أربعين رَجلاً، ولا يبقى مؤمن ميّتٌ إلاّ دَخلتْ عليه تلك الفَرْحة في قبره، وذلك حين يتزاوَرُون في قبورهم(٣) ، ويتباشرون بقيام القائم، فينحطّ عليه ثلاث عشر آلاف مَلَك وثلاثمائة وثلاث عشر مَلَكاً، قلت: كلُّ هؤلاء الملائكة؟ قال: نَعَم؛ الّذين كانوا مع نوح في السّفينة، والّذين كانوا مع ابراهيم حين اُلقي في النّار، والَّذين كانوا مع موسى حين فلَقَ البحر لبني إسرائيل، والَّذين كانوا مع عيسى حين رَفَعه الله إليه، وأربعة آلاف مَلَك مع النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله مُسَوِّمين، وألف مُردفين(٤) ،

__________________

١ - انتفض الثّوب: حرّكه ليزول عن الغبار، والحداجة - بالكسر -: ما تركب فيه النِّساء على البعير كالهودج، والشِّمْراخ: غُرّة الفرس إذا دقّت وسالت وجلّلت الخَيْشوم ولم تبلغ الجَحفَلَة.

٢ - أي حرّكها.

٣ - تزاور القومُ: زار بعضهم بعضاً.

٤ - قوله: « مُسَوِّمينَ » أي معلمين مِن التّسويم الّذي هو إظهار سيماء الشّيء، و « مُرْدِفين ».

١٣٤

وثلاثمائة وثلاثة عشر ملائكةً بَدْرِيّين، وأربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القِتال مع الحسينعليه‌السلام ، فلم يؤذن لهم في القِتال فهم عند قبره شُعثٌ غُبرٌ يبكونه إلى يوم القيامة، ورئيسهم ملكٌ يقال له: منصور، فلا يزوره زائرٌ إلاّ استقبلوه، ولا يودّعه مودّع إلاّ شَيّعوه، ولا يمرض مريض إلاّ عادوه، ولا يموت ميّت إلاّ صلّوا على جنازته، واستغفروا له بعدَ مَوته، وكلُّ هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائمعليه‌السلام إلى وقت خروجه صلوات الله عليه ».

الباب الثّاني والأربعون

( فضل صلاة الملائكة لزُوّار الحسين عليه السلام)

١ - حدّثني الحسن بن عبدالله بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن أبي المَغرا، عن عَنْبَسَة، عن أبي عبدا‏عليه‌السلام « قال: سمعته يقول: وكّل الله بقبر الحسين بن عليِّعليهما‌السلام سبعين ألف ملك يعبدُون الله عنده، الصّلاة الواحِدَة من صلاة أحدهم تعدل ألف صلاة من صلاة الآدميّين، يكون ثواب صلاتهم لزوّار قبر الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام وعلى قاتله لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين أبد الآبدين ».

٢ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن سيف بن عَمِيرَة، عن بكر بن محمّد الأزديِّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: وكّل الله تعالى بقبر الحسينعليه‌السلام سبعين ألف ملكٍ شُعثاً غُبراً يبكونه إلى يوم القيامة، يصلّون عنده، الصّلاة الواحدة من صلاة أحدهم تَعدِل ألف صلاة من صلاة الآدميّين، يكون ثوابُ صلاتهم وأجرُ ذلك لمن زارَ قبرَهعليه‌السلام »(١) .

* * * * *

__________________

أي متبعين المؤمنين، أو بعضهم بعضاً، من أردفتُه أنا إذا جئت بعده، أو متبعين بعضهم بعضاً المؤمنين. ( البيضاوي ).

١ - تقدّم الخبر في ص ٩٠ تحت رقم ١٤.

١٣٥

الباب الثّالث والأربعون

( إنّ زيارة الحسين عليه السلام فرض وعهد لازم له)

( ولجميع الأئمّة عليهم السلام على كلّ مؤمن ومؤمنة)

١ - حدَّثني أبيرحمه‌الله ومحمّد بن الحسن، عن الحسن بن مَتِّيل. وقال محمّد بن الحسن: وحدَّثني محمّد بن الحسن الصّفّار جميعاً، عن أحمدَ بن أبي عبدالله البرقيّ قال: حدَّثنا الحسن بن عليِّ بن فضّال قال: حدَّثني أبو أيّوب إبراهيم بن عثمان الخَزَّاز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: مُروا شيعتَنا بزيارة قبر الحسينعليه‌السلام ، فإن إتيانه مفترض على كلِّ مؤمن يُقرُّ للحسينعليه‌السلام بالإمامة مِن الله عزَّوجلَّ »(١) .

٢ - حدَّثني أبي؛ وأخي؛ وعليُّ بن الحسين؛ ومحمّدُ بنُ الحسنرحمهم‌الله جميعاً، عن أحمدَ بن إدريسَ، عن عبيدالله بن موسى، عن الوَشّاء « قال: سمعت الرِّضاعليه‌السلام يقول: إنَّ لِكلِّ إمام عَهدا في عنق أوليائه وشيعته، وإنَّ مِن تمام الوَفاء بالعهد وحُسن الأداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رَغبةً في زيارتهم وتَصديقاً لما رَغّبوا فيه كان أئمّتُهم شُفعاءَهم يوم القيامة ».

حدَّثني محمّد بن يعقوبَ الكلينيُّ، عن أحمدَ بن إدريس بإسناده مثله سواء(٢) .

٣ - حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز قال: حدَّثني محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن أبي داود المسترقّ، عن اُمّ سعيد الاُحْمَسِيّة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قالت: قال لي: يا اُمّ سعيد تزورين قبر الحسين؟ قالت: قلت: نَعَم، فقال لي:

__________________

١ - الخبر بهذا السّند مذكور في التّهذيب ( ج ٦ ص ٤٨ تحت رقم ١ ) بزيادة وهي: « فإنّ إتيانه يزيد في الرّزق، ويمدّ في العمر، ويدفع مدافع السّوء وإتيانه مفترضٌ - إلخ ». وسيأتي الخبر بتمامه في الباب ٦١ تحت رقم ١.

٢ - راجع الكافي المجلّد الرّابع ص ٥٦٧ تحت رقم ٢.

١٣٦

زوريه؛ فإنَّ زيارة قبر الحسين واجبة على الرّجال والنّساء ».

٤ - حدَّثني أبي؛ ومحمّد بن الحسن - رحمهما الله - جميعاً، عن الحسن بن مَتِّيل، عن الحسن بن عليِّ الكوفيّ، عن عليّ بن حسّان الهاشميّ، عن عبدالرَّحمن بن كثير مولى أبي جعفر(١) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: لو أنَّ أحدكم حجّ دَهْره، ثمّ لم يَزُرِ الحسين بن عليِّعليهما‌السلام لكان تاركاً حقّاً مِن حقوق الله وحقوق رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لاُنَّ حقَّ الحسين فَرِيضةٌ مِن اللهِ، واجبةٌ على كلِّ مسلم ».

الباب الرِّابع والأربعون

( ثواب مَن زار الحسين عليه السلام بنفسه أو جهّز إليه غيره)

١ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريّ، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد بن سالم، عن محمّد بن خالد، عن عبدالله بن حمّاد البَصريّ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ، عن محمّد البَصريّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعت أبي يقول لرجل من مواليه - وسأله عن الزّيارة - فقال له: مَن تزور ومَن تريد به؟ قال: الله تبارك وتعالى، فقال: مَن صَلّى خَلفَه صلاةً واحدة(٢) يريد بها الله(٣) لقي الله يوم يلقاه وعليه مِن النّور ما يغشى له كلَّ شيءٍ يَراه، والله يكرم زُوَّاره ويمنع النّار أن تنال منهم شيئاً، وإنَّ الزَّائر له لا يتناهى له دون الحوض وأمير المؤمنينعليه‌السلام قائمٌ على الحوض يصافحه ويروّيه من الماء، وما يسبقه أحدٌ إلى وروده الحوض حتّى يروى، ثمَّ ينصرف إلى منزله من الجنّة ومعه ملك من قبل أمير المؤمنينعليه‌السلام قائم على الحوض يصافحه ويروّيه من الماء، وما يسبقه أحدٌ إلى وروده الحوض حتّى يروي، ثمَّ ينصرف إلى منزله من الجنّة ومعه ملك من قبل أمير المؤمنين يأمر الصّراط أن يذلَّ له، ويأمر النّار أن لا تصيبه من لَفْحها(٤) شيء حتّى يجوزها، ومعه رسوله الّذي بعثه أمير المؤمنينعليه‌السلام ».

__________________

١ - يعني المنصور العبّاسيّ.

٢ - في بعض النّسخ: « صلاة واجبة » وفي البحار كما في المتن.

٣ - أي التّقرّب إلى الله تعالى.

٤ - أي حرّها واحتراقها.

١٣٧

٢ - وبإسناده عن الأصمّ(١) قال: حدَّثنا هشام بن سالم، عن أبي عبداللهعليه‌السلام - في حديث طويل - « قال: أتاه رَجل فقال له: ياابن رسول الله هل يُزار والدُك؟ قال: فقال: نَعَم ويصلّى عنده، وقال: يصلّى خلفَه ولا يتقدَّم عليه، قال: فما لمن أتاه؟ قال: الجنّة إن كان يأتمُّ به، قال: فما لمن تركه رَغبةً عنه؟ قال: الحَسرة يوم الحسرة، قال: فما لمن أقام عنده؟ قال: كلُّ يوم بألف شهر، قال: فما للمُنفق في خروجه إليه والمنُفق عندَه؟ قال: درهم بألف درهم؛

قال: فما لِمَن مات في سَفره إليه؟ قال: تُشيّعه الملائكة، وتأتيه بالحنوط والكسوة مِن الجنّة، وتصلّي عليه إذ كفّن وتكفّنه فوق أكفانه، وتفرش له الرّيحان تحته، وتدفع الأرض حتّى تصوّر من بين يديه(٢) مسيرة ثلاثة أميال، ومِن خَلفِه مثل ذلك، وعند رَأسه مثل ذلك، وعند رِجليه مثل ذلك، ويفتح له باب من الجنّة إلى قبره، ويدخل عليه رَوحها ورَيحانها حتّى تقوم السّاعة؛

قلتُ: فما لِمَن صلّى عنده؟ قال: مَن صلّى عنده رَكعتين لم يسألِ الله تعالى شيئاً إلاّ أعطاه إيّاه، قلت: فما لِمَن اغتسل مِن ماءِ الفُرات، ثمّ أتاه؟ قال: إذا اغتسل مِن ماءِ الفرات وهو يريده تساقَطَتْ عنه خطاياه كيوم ولَدَتْه اُمّه، قال: قلت: فما لِمَن يجهز إليه ولم يخرج لعلّه تُصيبه؟ قال: يعطيه الله بكلِّ دِرْهم أنفقه مثل اُحُد مِن الحَسَنات، ويخلف عليه أضعاف ما أنفقـ[ـه]، ويصرف عنه من البلاء ممّا قد نزل ليصيبها، ويدفع عنه، ويحفظ في ماله؛

قال: قلت: فما لِمَن قُتل عنده، جار عليه سلطانٌ فقتَله؟ قال: أوَّل قطرة مِن دَمِه يُغفَر له بها كلُّ خطيئة، وتَغسلُ طِينتَه الّتي خُلق منها الملائكةُ حتّى تخلص كما خلصتِ الأنبياء المخلصين، ويذهب عنها ما كان خالطها مِن أجناس طين أهل الكفر، ويغسل قلبه ويشرح صدره ويملأ إيماناً فيلقى الله وهو مخلَصٌ مِن كلِّ ما تخالطه الأبدان والقلوب، ويكتب له شفاعة في أهل بيته

__________________

١ - يعنى عبدالله بن عبدالرّحمن المسمعيّ.

٢ - على بناء التّفعّل بحذف إحدى التّاءين أي تسقط وتنهدم.

١٣٨

وألف مِن إخوانه، وتولّى الصّلاة عليه الملائكة مع جَبرئيل وملك الموت، ويؤتى بكفنه وحنوطه مِن الجَنّة، ويوسّع قبره عليه ويوضع له مصابيح في قبره ويفتح له بابٌ من الجَنَّة، وتأتيه الملائكة بالطُّرَف مِن الجَنّة، ويرفع بعد ثمانية عشر يوماً إلى حَظيرة القُدْس، فلا يزال فيها مع أولياء الله حتّى تصيبه النّفخة الّتي لا تبقى شيئاً؛

فإذا كانت النّفخة الثّانية وخرج من قبره كان أوَّل مَن يصافحه رَسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين والأوصياءعليهم‌السلام ويُبشّرونه ويقولون له: ألزمنا، ويقيمونه على الحوض فيشرب منه ويسقي مَن أحبّ.

قلت: فما لمن حُبس في إتيانه؟ قال: له بكلِّ يوم يحبس ويغتمّ فَرْحَةٌ إلى يوم القيامة، فإن ضُرِب بعدَ الحَبْس في إتيانه كان له بكلِّ ضربةٍ حَوراء وبكلِّ وَجَع يدخل على بَدَنه ألفُ ألف حَسَنةٍ، ويُمحا بها عنه ألفُ ألف سيئةٍ، ويرفع له بها ألفُ ألف دَرَجةٍ، ويكون مِن محدّثي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى يفرغ مِن الحساب، فيصافحه حملة العرشِ ويقال له: سَلْ ما أحببتَ؛

ويؤتى ضاربه للحساب فلا يسأل عن شيء ولا يحتسب بشيء ويؤخذ بضَبْعَيه حتّى ينتهي به إلى ملك يَحبوه ويتحفه(١) بشربةٍ مِن الحميم، وشربةٍ مِن الغِسلين، ويوضع على مقال في النّار، فيقال له: ذُقْ ما قَدَّمَتْ يداك فيما أتيتَ إلى هذا الَّذي ضربته، وهو وَفدُ الله ووَفدُ رسوله ويأتي بالمضروب إلى باب جهنّم فيقال له: انظر إلى ضاربك وإلى ما قد لقي فهل شَفيت صَدرك، وقَدِ اقتُصَّ لك منه؟ فيقول: الحمد ‏لله الَّذي انتصر لي ولِولد رَسوله منه ».

٣ - وبهذا الإسناد عن الاُصَمّ، عن عبدالله بن بُكَير - في حديث طويل - « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : يا ابن بُكير إنَّ الله اختار مِن بقاع الأرض سِتّةً: البيت الحرام، والحَرَم، ومقابر الأنبياء، ومقابر الأوصياء، ومقاتل الشُّهداء(٢) ،

__________________

١ - « يحبوه » من الحبوة بمعنى العطيّة، وذلك على سبيل التّهكّم، وفي بعض النّسخ: « فيحيّزه ».

٢ - في بعض النّسخ: « ومقابر الشّهداء ».

١٣٩

والمساجد الَّتي يذكر فيها اسم الله، ياابن بُكير هل تَدري ما لِمَن زارَ قبرَ أبي عبدالله الحسينعليه‌السلام إن جهله الجاهلون، ما مِن صباح إلاّ وعلى قبره هاتفٌ من الملائكة يُنادي: يا طالب الخير (١) أقبل إلى خالِصة الله تَرحل بالكرامة وتأمن النَّدامة، يسمعُ أهل المَشرِق وأهلُ المغرب إلاّ الثّقَلَين، ولا يبقى في الأرض مَلكٌ مِن الحفظة إلاّ عطف عليه عند رُقاد (٢) العبد حتّى يسبّح اللهَ عنده، ويسألُ اللهَ الرّضا عنه، ولا يبقى ملكٌ في الهوا يسمع الصّوت إلاّ أجاب بالتّقديس لله تعالى، فتشتد أصوات الملائكة، فيجيبهم أهل السّماء الدُّنيا، فتشتدُّ أصوات الملائكة وأهل السَّماء الدُّنيا حتّى تبلغ أهل السّماء السّابعة فيَسْمَعُ أصواتَهم النَّبيّون (٣) فيترحَّمون ويُصَلّون على الحسينعليه‌السلام ويدعون لمن زارَه »(٤) .

الباب الخامس والأربعون

( ثواب مَن زار الحسين عليه السلام وعليه خوفٌ)

١ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد بن سالم، عن محمّد بن خالد، عن عبدالله بن حمّاد البصريّ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ، عن حمّاد ذي النّاب، عن رُوميّ(٥) ، عن زُرارةَ « قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : ما تقولُ فيمن زارَ أباك على خوف؟ قال: يؤمنه الله يوم الفَزَع الأكبر، وتلقّاه الملائكة بالبِشارة، ويقال له: لا تَخَفْ ولا تَحزَنْ هذا يومك الَّذي فيه فَوزُك ».

٢ - وبإسناده، عن الأصمّ، عن ابن بُكَير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قلت له: إنّي أنزل الأرَّجان(٦) وقلبي ينازِعُني إلى قبرِ أبيك، فإذا خرجت فقلبي

__________________

١ - في بعض النّسخ: « يا باغي الخير ».

٢ - رَقَدَ الرّجل رَقْداً ورُقاداً: نام.

٣ - في بعض النّسخ: « فيُسمع الله أصواتهم النَّبيِّين ».

٤ - في بعض النّسخ « لمن أتاه ».

٥ - هو ابن زرارة بن أعين الشّيبانيّ، وراويه حمّاد بن عثمان، وهما ثقتان.

٦ - تقدّم الكلام فيه، راجع ص ١١٠ ذيل الخبر ٧.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357