كامل الزيارات

كامل الزيارات16%

كامل الزيارات مؤلف:
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مكتبة الصدوق
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 357

كامل الزيارات المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 146765 / تحميل: 9209
الحجم الحجم الحجم
كامل الزيارات

كامل الزيارات

مؤلف:
الناشر: مكتبة الصدوق
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ممّا لم يكن يظنّ بالسابقين الأوّلين أن يبتلوا به على أنّ بعضهم ابتلي ببعضها بعد.

الثالث: أنّ الآية بما لها من السياق المؤيّد بإشعار المقام إنّما تنهى عن الركون إلى الّذين ظلموا فيما هم فيه ظالمون أي بناء المسلمين دينهم الحقّ أو حياتهم الدينيّة على شي‏ء من ظلمهم و هو أن يراعوا في قولهم الحقّ و عملهم الحقّ جانب ظلمهم و باطلهم حتّى يكون في ذلك إحياء للحقّ بسبب إحياء الباطل، و مآله إلى إحياء حقّ بإماتة حقّ آخر كما تقدّمت الإشارة إليه.

و أمّا الميل إلى شي‏ء من ظلمهم و إدخاله في الدين أو إجراؤه في المجتمع الإسلاميّ أو في ظرف الحياة الشخصيّة فليس من الركون إلى الظالمين بل هو دخول في زمرة الظالمين.

و قد اختلط هذا الأمر على كثير من المفسّرين فأوردوا في المقام أبحاثاً لا تمسّ الآية أدنى مسّ، و قد أغمضنا عن إيرادها و البحث في صحّتها و سقمها إيثاراً للاختصار و من أراد الوقوف عليها فليراجع تفاسيرهم.

قوله تعالى: ( وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) إلخ، طرفا النهار هو الصباح و المساء و الزلف جمع زلفى كقرب جمع قربى لفظا و معنى على ما قيل، و هو وصف سادّ مسدّ موصوفه كالساعات و نحوها، و التقدير و ساعات من اللّيل أقرب من النهار.

و المعنى أقم الصلاة في الصباح و المساء و في ساعات من الليل هي أقرب من النهار، و ينطبق من الصلوات الخمس اليوميّة على صلاة الصبح و العصر و هي صلاة المساء و المغرب و العشاء الآخرة، وقتهما زلف من الليل كما قاله بعضهم، أو على الصبح و المغرب و وقتهما طرفا النهار و العشاء الآخرة و وقتها زلف من الليل كما قاله آخرون، و قيل غير ذلك.

لكنّ البحث لمّا كان فقهيّا كان المتّبع فيه ما ورد عن النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) و أئمّة أهل بيته (عليه السلام) من البيان، و سيجي‏ء في البحث الروائيّ الآتي إن شاء الله تعالى.

و قوله:( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) تعليل لقوله:( وَ أَقِمِ الصَّلاةَ ) و

٦١

بيان أنّ الصلوات حسنات واردة على نفوس المؤمنين تذهب بآثار المعاصي و هي ما تعتريها من السيّئات، و قد تقدّم كلام في هذا الباب في مسألة الحبط في الجزء الثاني من هذا الكتاب.

و قوله:( ذلِكَ ذِكْرى‏ لِلذَّاكِرِينَ ) أي هذا الّذي ذكر و هو أنّ الحسنات يذهبن السيّئات على رفعة قدرة تذكار للمتلبّسين بذكر الله تعالى من عباده.

قوله تعالى: ( وَ اصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) ثمّ أمره (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) بالصبر بعد ما أمره بالصلاة كما جمع بينهما في قوله:( وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ ) البقرة: ٤٥ و ذلك أنّ كلّا منهما في بابه من أعظم الأركان أعني الصلاة في العبادات، و الصبر في الأخلاق و قد قال تعالى في الصلاة:( وَ لَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ) العنكبوت: ٤٥ و قال في الصبر:( إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) الشورى: ٤٣.

و اجتماعهما أحسن وسيلة يستعان بها على النوائب و المكاره فالصبر يحفظ النفس عن القلق و الجزع و الانهزام، و الصلاة توجّهها إلى ناحية الربّ تعالى فتنسى ما تلقاه من المكاره، و قد تقدّم بيان في ذلك في تفسير الآية ٤٥ من سورة البقرة في الجزء الأوّل من الكتاب.

و إطلاق الأمر بالصبر يعطي أنّ المراد به الأعمّ من الصبر على العبادة و الصبر عن المعصية و الصبر عند النائبة، و على هذا يكون أمرا بالصبر على جميع ما تقدّم من الأوامر و النواهي أعني قوله:( فَاسْتَقِمْ ) ( وَ لا تَطْغَوْا ) ( وَ لا تَرْكَنُوا ) ( وَ أَقِمِ الصَّلاةَ ) .

لكن إفراد الأمر و تخصيصه بالنبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) يفيد أنّه صبر في أمر يختصّ به و إلّا قيل: و( اصبروا ) جرياً على السياق، و هذا يؤيّد قول من قال: إنّ المراد اصبر على أذى قومك في طريق دعوتك إلى الله سبحانه و ظلم الظالمين منهم، و أمّا قوله:( وَ أَقِمِ الصَّلاةَ ) فإنّه ليس أمراً بما يخصّه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) من الصلاة بل أمر بإقامته الصلاة بمن تبعه من المؤمنين جماعة فهو أمر لهم جميعا بالصلاة فافهم ذلك.

و قوله:( فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) تعليل للأمر بالصبر.

٦٢

قوله تعالى: ( فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ ) إلخ لو لا بمعنى هلّا و إلّا يفيد التعجيب و التوبيخ، و المعنى هلّا كان من القرون الّتي كانت من قبلكم و قد أفنيناها بالعذاب و الهلاك اُولوا بقيّة أي قوم باقون ينهون عن الفساد في الأرض ليصلحوا بذلك فيها و يحفظوا اُمّتهم من الاستئصال.

و قوله:( إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ ) استثناء من معنى النفي في الجملة السابقة فإنّ المعنى: من العجب أنّه لم يكن من القرون الماضية مع ما رأوا من آيات الله و شاهدوا من عذابه بقايا ينهون عن الفساد في الأرض إلّا قليلاً ممّن أنجينا من العذاب و الهلاك منهم فإنّهم كانوا ينهون عن الفساد.

و قوله:( وَ اتَّبَعَ الّذينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَ كانُوا مُجْرِمِينَ ) بيان حال الباقي منهم بعد الاستثناء و هم أكثرهم و عرّفهم بأنّهم الّذين ظلموا و بيّن أنّهم اتّبعوا لذائذ الدنيا الّتي اُترفوا فيها و كانوا مجرمين.

و قد تحصّل بهذا الاستثناء و هذا الباقي الّذي ذكر حالهم تقسيم الناس إلى صنفين مختلفين: الناجون بإنجاء الله و المجرمون و لذلك عقّبه بقوله:( وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) .

قوله تعالى: ( وَ ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى‏ بِظُلْمٍ وَ أَهْلُها مُصْلِحُونَ ) أي لم يكن من سنّته تعالى إهلاك القرى الّتي أهلها مصلحون لأنّ ذلك ظلم و لا يظلم ربّك أحداً فقوله:( بِظُلْمٍ ) قيد توضيحيّ لا احترازيّ، و يفيد أنّ سنّته تعالى عدم إهلاك القرى المصلحة لكونه من الظلم( وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) .

قوله تعالى: ( وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ - إلى قوله -أَجْمَعِينَ ) الخلف خلاف القدّام و هو الأصل فيما اشتقّ من هذه المادّة من المشتقّات يقال: خلف أباه أي سدّ مسدّه لوقوعه بعده، و أخلف وعده أي لم يف به كأنّه جعله خلفه، و مات و خلف ابنا أي تركه خلفه، و استخلف فلانا أي طلب منه أن ينوب عنه بعد غيبته أو موته أو بنوع من العناية كاستخلاف الله

٦٣

تعالى آدم و ذرّيّته في الأرض، و خالف فلان فلانا و تخالفا إذا تفرّقا في رأي أو عمل كأنّ كلّا منهما يجعل الآخر خلفه، و تخلّف عن أمره إذا أدبر و لم يأتمر به، و اختلف القوم في كذا إذا خالف بعضهم بعضا فيه فجعله خلفه، و اختلف القوم إلى فلان إذا دخلوا عليه واحداً بعد واحد، و اختلف فلان إلى فلان إذا دخل عليه مرّات كلّ واحدة بعد اُخرى.

ثمّ الاختلاف و يقابله الاتّفاق من الاُمور الّتي لا يرتضيها الطبع السليم لما فيه من تشتيت القوى و تضعيفها و آثار اُخرى غير محمودة من نزاع و مشاجرة و جدال و قتال و شقاق كلّ ذلك يذهب بالأمن و السلام غير أنّ نوعاً منه لا مناص منه في العالم الإنسانيّ و هو الاختلاف من حيث الطبائع المنتهية إلى اختلاف البنى فإنّ التركيبات البدنيّة مختلفة في الأفراد و هو يؤدّي إلى اختلاف الاستعدادات البدنيّة و الروحيّة و بانضمام اختلاف الأجواء و الظروف إلى ذلك يظهر اختلاف السلائق و السنن و الآداب و المقاصد و الأعمال النوعيّة و الشخصيّة في المجتمعات الإنسانيّة، و قد أوضحت الأبحاث الاجتماعيّة أن لو لا ذلك لم يعش المجتمع الإنسانيّ و لا طرفة عين.

و قد ذكره الله تعالى في كتابه و نسبه إلى نفسه حيث قال:( نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا ) الزخرف: ٣٢. و لم يذمّه تعالى في شي‏ء من كلامه إلّا إذا صحب هوى النفس و خالف هدى العقل.

و ليس منه الاختلاف في الدين فإنّ الله سبحانه يذكر أنّه فطر الناس على معرفته و توحيده و سوّى نفس الإنسان فألهمها فجورها و تقواها، و أنّ الدين الحنيف هو من الفطرة الّتي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، و لذلك نسب الاختلاف في الدين في مواضع من كلامه إلى بغي المختلفين فيه و ظلمهم( فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ) .

و قد جمع الله الاختلافين في قوله:( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ

٦٤

مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ - و هذا هو الاختلاف الأوّل في الحياة و المعيشة - و ما اختلف فيه - و هذا هو الاختلاف الثاني في الدين -إِلَّا الّذينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الّذينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ) البقرة: ٢١٣ فهذا ما يعطيه كلامه تعالى في معنى الاختلاف.

و الّذي ذكره بقوله:( وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً ) يريد به رفع الاختلاف من بينهم و توحيدهم على كلمة واحدة يتّفقون فيه، و من المعلوم أنّه ناظر إلى ما ذكره تعالى في الآيات السابقة على هذه الآية من اختلافهم في أمر الدين و انقسامهم إلى طائفة أنجاهم الله و هم قليل و طائفة اُخرى و هم الّذين ظلموا.

فالمعنى أنّهم و إن اختلفوا في الدين فإنّهم لم يعجزوا الله بذلك و لو شاء الله لجعل الناس اُمّة واحدة لا يختلفون في الدين فهو نظير قوله:( وَ عَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَ مِنْها جائِرٌ وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ) النحل: ٩ و قوله:( أَ فَلَمْ يَيْأَسِ الّذينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيع ) الرعد: ٣١.

و على هذا فقوله:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) إنّما يعني به الاختلاف في الدين فحسب فإنّ ذلك هو الّذي يذكر لنا أن لو شاء لرفعه من بينهم، و الكلام في تقدير: لو شاء الله لرفع الاختلاف من بينهم لكنه لم يشأ ذلك فهم مختلفون دائما.

على أنّ قوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) يصرّح أنّه رفعه عن طائفة رحمهم، و الاختلاف في غير الدين لم يرفعه الله تعالى حتّى عن الطائفة المرحومة، و إنّما رفع عنهم الاختلاف الدينيّ الّذي يذمّه و ينسبه إلى البغي بعد العلم بالحقّ.

و قوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) استثناء من قوله:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) أي الناس يخالف بعضهم بعضا في الحقّ أبداً إلّا الّذين رحمهم الله فإنّهم لا يختلفون في الحقّ و لا يتفرّقون عنه، و الرحمة هي الهداية الإلهيّة كما يفيده قوله:( فَهَدَى اللَّهُ الّذينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ) البقرة: ٢١٣.

فإن قلت: معنى اختلاف الناس أن يقابل بعضهم بعضا بالنفي و الإثبات

٦٥

فيصير معنى قوله:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) أنّهم منقسمون دائماً إلى محقّ و مبطل، و لا يصحّ حينئذ ورود الاستثناء عليه إلّا بحسب الأزمان دون الأفراد و ذلك أنّ انضمام قوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) إليه يؤوّل المعنى إلى مثل قولنا: إنّهم منقسمون دائماً إلى مبطلين و محقّين إلّا من رحم ربّك منهم فإنّهم لا ينقسمون إلى قسمين، بل يكونون محقّين فقط، و من المعلوم أنّ المستثنين منهم هم المحقّون فيرجع معنى الكلام إلى مثل قولنا: إنّ منهم مبطلين و محقّين و المحقّون محقّون لا مبطل فيهم، و هذا كلام لا فائدة فيه.

على أنّه لا معنى لاستثناء المحقّين من حكم الاختلاف أصلاً و هم من الناس المختلفين، و الاختلاف قائم بهم و بالمبطلين معا.

قلت: الاختلاف المذكور في هذه الآية و سائر الآيات المتعرّضة له الذامّة لأهله إنّما هو الاختلاف في الحقّ و مخالفة البعض للبعض في الحقّ و إن كانت توجب كون بعض منهم على الحقّ و على بصيرة من الأمر لكنّه إذا نسب إلى المجموع و هو المجتمع كان لازمه ارتياب المجتمع و تفرّقهم عن الحقّ و عدم اجتماعهم عليه و تركهم إيّاه بحياله، و مقتضاه اختفاء الحقّ عنهم و ارتيابهم فيه.

و الله سبحانه إنّما يذمّ الاختلاف من جهة لازمة هذا و هو التفرّق و الإعراض عن الحقّ و الآيات تشهد بذلك فإنّه تعالى يذمّ فيها جميع المختلفين باختلافهم لا المبطلين من بينهم فلو لا أنّ المراد بالمختلفين أهل الآراء أو الأعمال المختلفة الّتي تفرّقهم عن الحقّ لم يصحّ ذلك.

و من أحسن ما يؤيّده قوله تعالى:( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الّذي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏ وَ عِيسى‏ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) الشورى: ١٣ حيث عبّر عن الاختلاف بالتفرّق، و كذا قوله:( وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) الأنعام: ١٥٣ و هذا أوضح دلالة من سابقه فإنّه يجعل أهل الحقّ الملازمين لسبيله خارجا من أهل التفرّق و الاختلاف.

٦٦

و لذلك ترى أنّه سبحانه في غالب ما يذكر اختلافهم في الكتاب يردفه بارتيابهم فيه كقوله فيما مرّ من الآيات:( وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ) آية: ١١٠ من السورة و قد كرّر هذا المعنى في مواضع من كلامه.

و قال تعالى:( عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الّذي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ) النبأ: ٣ أي يأتي فيه كلّ بقول يبعّدهم من الحقّ فيتفرّقون و قال:( إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ) الذاريات: ١٠ أي قول لا يقف على وجه و لا يبتني على علم بل الخرص و الظنّ هو الّذي أوجده فيكم.

و في هذا المعنى قوله تعالى:( يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) آل عمران: ٧١ فإنّ هذا اللبس المذموم منهم إنّما كان بإظهار قول يشبه الحقّ و ليس به و هو إلقاء التفرّق الّذي يختفي به الحقّ.

فالمراد باختلافهم إيجادهم أقوالا و آراء يتفرّقون بها عن الحقّ و يظهر بها الريب فهم لاتّباعهم أهواءهم المخالفة للحقّ يظهرون آراءهم الباطلة في صور متفرّقة تضاهي صورة الحقّ ليحجبوه عن أفهام الناس بغيا و عدوانا بعد علمهم بالحقّ فهو اختلافهم في الحقّ بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم.

و يتبيّن بما تقدّم على طوله أنّ الإشارة بقوله:( وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) إلى الرحمة المدلول عليه بقوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) و التأنيث اللفظي في لفظ الرحمة لا ينافي تذكير اسم الإشارة لأنّ المصدر جائز الوجهين، قال تعالى:( إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) الأعراف: ٥٦ و ذلك لأنّك عرفت أنّ هذا الاختلاف بغي منهم يفرّقهم عن الحقّ و يستره و يظهر الباطل و لا يجوز كون الباطل غاية حقيقيّة للحقّ تعالى في خلقه، و لا معنى لأن يوجد الله سبحانه العالم الإنسانيّ ليبغوا و يميتوا الحقّ و يحيوا الباطل فيهلكهم ثمّ يعذّبهم بنار خالدة، فالقرآن الكريم يدفع هذا بجميع بياناته.

على أنّ سياق الآيات - مع الغضّ عمّا ذكر - يدفع ذلك فإنّها في مقام بيان

٦٧

أنّ الله تعالى يدعو الناس برأفته و رحمته إلى ما فيه خيرهم و سعادتهم من غير أن يريد بهم ظلما و لا شرّا، و لكنّهم بظلمهم و اختلافهم في الحقّ يستنكفون عن دعوته، و يكذّبون بآياته، و يعبدون غيره، و يفسدون في الأرض فيستحقّون العذاب، و ما كان ربّك ليهلك القرى بظلم و أهلها مصلحون، و لا أن يخلقهم ليبغوا و يفسدوا فيهلكهم فالّذي منه هو الرحمة و الهداية، و الّذي من بغيهم و اختلافهم و ظلمهم يرجع إليهم أنفسهم، و هذا هو الّذي يعطيه سياق الآيات.

و كون الرحمة أعني الهداية غاية مقصودة في الخلقة إنّما هو لاتّصالها بما هو الغاية الأخيرة و هو السعادة كما في قوله حكاية عن أهل الجنّة:( وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الّذي هَدانا لِهذا ) الأعراف: ٤٣ و هذا نظير عدّ العبادة غاية لها لاتّصالها بالسعادة في قوله:( وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات: ٥٦.

و قوله:( وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ ) أي حقّت كلمته تعالى و أخذت مصداقها منهم بما ظلموا و اختلفوا في الحقّ من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم، و الكلمة هي قوله:( لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ ) إلخ.

و الآية نظيره قوله:( وَ لَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ ) الم السجدة: ١٣ و الأصل في هذه الكلمة ما ألقاه الله تعالى إلى إبليس لعنه الله إذ قال:( فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قالَ فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ) ص: ٨٥ و الآيات متّحدة المضمون يفسّر بعضها بعضا.

هذه جملة ما يعطيه التدبّر في معنى الآيتين و قد تلخّص بذلك:

أوّلا أنّ المراد بقوله:( وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً ) توحيدهم برفع التفرّق و الخلاف من بينهم و قيل: إنّ المراد هو الإلجاء إلى الإسلام و رفع الاختيار لكنّه ينافي التكليف و لذلك لم يفعل و نسب إلى قتادة، و قيل: المعنى لو شاء لجمعكم في الجنّة لكنّه أراد بكم أعلى الدرجتين لتدخلوه بالاكتساب ثوابا لأعمالكم، و نسب إلى أبي مسلم. و أنت خبير بأنّ سياق الآيات لا يساعد على شي‏ء

٦٨

من المعنيين.

و ثانياً: أنّ المراد بقوله:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) دوامهم على الاختلاف في الدين و معناه التفرّق عن الحقّ و ستره بتصويره في صور متفرّقة باطلة تشبه الحقّ. و قال بعضهم: هو الاختلاف في الأرزاق و الأحوال و بالجملة الاختلاف غير الدينيّ و نسب إلى الحسن. و قد عرفت أنّه أجنبيّ من سياق الآيات السابقة. و قال آخرون: إنّ معنى( مُخْتَلِفِينَ ) يخلف بعضهم بعضا في تقليد أسلافهم و تعاطي باطلهم، و هو كسابقه أجنبيّ من مساق الآيات و فيها قوله:( وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ) الآية.

و ثالثاً: أنّ المراد بقوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ ) إلّا من هداه الله من المؤمنين.

و رابعاً: أنّ الإشارة بقوله:( وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) إلى الرحمة و هي الغاية الّتي أرادها الله من خلقه ليسعدوا بذلك سعادتهم. و ذكر بعضهم. أنّ المعنى خلقهم للاختلاف و نسب إلى الحسن و عطاء. و قد عرفت أنّه سخيف رديّ جدّاً نعم لو جاز عود ضمير( خلقهم ) إلى الباقي من الناس بعد الاستثناء جاز عدّ الاختلاف غاية لخلقهم و كانت الآية قريبة المضمون من قوله:( وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ ) الآية الأعراف: ١٧٩.

و ذكر آخرون: أنّ الإشارة إلى مجموع ما يدلّ عليه الكلام من مشيّته تعالى في خلقهم مستعدّين للاختلاف و التفرّق في علومهم و معارفهم و آرائهم و شعورهم و ما يتبع ذلك من إرادتهم و اختيارهم في أعمالهم و من ذلك الدين و الإيمان و الطاعة و العصيان، و بالجملة الغاية هو مطلق الاختلاف أعمّ ممّا في الدين أو في غيره.

و نسب إلى ابن عبّاس بناء على ما روي عنه أنّه قال: خلقهم فريقين فريقا يرحم فلا يختلف، و فريقا لا يرحم فيختلف، و إلى مالك بن أنس إذ قال في معنى الآية: خلقهم ليكون فريق في الجنّة و فريق في السعير، و قد عرفت ما فيه من وجوه السخافة فلا نطيل بالإعادة.

و خامساً: أنّ المراد بتمام الكلمة هو تحقّقها و أخذها مصداقها.

٦٩

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ إِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ ) الآية قال: قال (عليه السلام): في القيامة.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي حاتم و أبوالشيخ عن الحسن قال: لمّا نزلت هذه الآية:( فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ مَنْ تابَ مَعَكَ ) قال: شمّروا شمّروا فما رؤي ضاحكا.

و في المجمع في قوله تعالى:( فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ) الآية قال ابن عبّاس: ما نزل على رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) آية كانت أشدّ عليه و لا أشقّ من هذه الآية، و لذلك‏ قال لأصحابه حين قالوا له: أسرع إليك الشيب يا رسول الله. شيّبتني هود و الواقعة.

أقول: و الحديث مشهور في بعض الألفاظ شيّبتني هود و أخواتها، و عدم اشتمال الواقعة على ما يناظر قوله:( فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ) الآية يبعّد أن تكون إليه الإشارة في الحديث، و المشترك فيه بين السورتين حديث القيامة و الله أعلم.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ لا تَرْكَنُوا ) الآية قال: قال (عليه السلام): ركون مودّة و نصيحة و طاعة.

أقول: و رواه أيضاً في المجمع، مرسلا عنهم (عليه السلام).

و في تفسير العيّاشيّ، عن عثمان بن عيسى عن رجل عن أبي عبدالله (عليه السلام):( وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الّذينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) قال: أمّا إنّه لم يجعلها خلودا و لكن( فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) فلا تركنوا إليهم.

أقول: أي و لكن قال: تمسّكم النار فجعله مسّاً.

و فيه عن جرير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) و طرفاه المغرب و الغداة( وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) و هي صلاة العشاء الآخرة.

و في التهذيب، بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): في حديث في الصلوات

٧٠

الخمس اليوميّة: و قال تعالى في ذلك( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) و هي صلاة العشاء الآخرة.

أقول: الحديث لا يخلو من ظهور في تفسير طرفي النهار بما قبل الظهر و ما بعدها ليشمل أوقات الخمس.

و في المعاني، بإسناده عن إبراهيم بن عمر عمّن حدّثه عن أبي عبدالله (عليه السلام): في قول الله عزّوجلّ:( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) قال: صلاة المؤمن بالليل تذهب بما عمل من ذنب النهار:.

أقول: و الحديث مرويّ في الكافي، و تفسير العيّاشيّ، و أمالي المفيد، و أمالي الشيخ.

و في المجمع، عن الواحديّ بإسناده عن حمّاد بن سلمة عن عليّ بن زيد عن أبي عثمان قال: كنت مع سلمان تحت شجرة فأخذ غصنا يابساً منها فهزّه حتّى تحاتّ ورقه ثمّ قال: يا أباعثمان ألا تسألني لم أفعل هذا؟ قلت: و لم تفعله؟ قال: هكذا فعله رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) و أنا معه تحت شجرة فأخذ منها غصنا يابسا فهزّه حتّى تحاتّ ورقه، ثمّ قال: ألا تسألني يا سلمان لم أفعل هذا؟ قلت: و لم فعلته؟ قال: إنّ المسلم إذا توضّأ فأحسن الوضوء ثمّ صلّى الصلوات الخمس تحاتت خطاياه كما تحاتّ هذا الورق. ثمّ قرأ هذه الآية: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ إلى آخرها.

أقول: و رواه في الدرّ المنثور، عن الطيالسيّ و أحمد و الدارميّ و ابن جرير و الطبرانيّ و البغوي في معجمه، و ابن مردويه غير مسلسل.

و فيه، عنه بإسناده عن الحارث عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: كنّا مع رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) في المسجد ننتظر الصلاة فقام رجل فقال: يا رسول الله إنّي أصبت ذنبا، فأعرض عنه فلمّا قضى النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) الصلاة قام الرجل فأعاد القول فقال النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم): أ ليس قد صلّيت معنا هذه الصلاة و أحسنت لها الطهور؟ قال: بلى. قال: فإنّها كفّارة ذنبك.

أقول: و الرواية مرويّة بطرق كثيرة عن ابن مسعود و أبي أمامة و معاذ بن

٧١

جبل و ابن عبّاس و بريدة و واثلة بن الأسقع و أنس و غيرهم و في سرد القصّة اختلاف مّا في ألفاظهم، و رواه الترمذيّ و غيره عن أبي اليسر و هو صاحب القصّة.

و في تفسير العيّاشيّ، عن أبي حمزة الثماليّ قال: سمعت أحدهما (عليهما السلام) يقول: إنّ عليّا (عليه السلام) أقبل على الناس فقال: أيّ آية في كتاب الله أرجى عندكم؟ فقال بعضهم:( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) قال: حسنة و ليست إيّاها. فقال بعضهم:( يا عِبادِيَ الّذينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ) قال: حسنة و ليست إيّاها. و قال بعضهم:( وَ الّذينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ) قال: حسنة و ليست إيّاها.

قال: ثمّ أحجم الناس فقال: ما لكم يا معشر المسلمين؟ قالوا: لا و الله ما عندنا شي‏ء. قال: سمعت رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) يقول: أرجى آية في كتاب الله:( وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) و قرأ الآية كلّها، و قال: يا عليّ و الّذي بعثني بالحقّ بشيرا و نذيرا إنّ أحدكم ليقوم إلى وضوئه فتساقط من جوارحه الذنوب فإذا استقبل بوجهه و قلبه لم ينفتل عن صلاته و عليه من ذنوبه شي‏ء كما ولدته اُمّه فإذا أصاب شيئاً بين الصلاتين كان له مثل ذلك حتّى عدّ الصلوات الخمس.

ثمّ قال: يا عليّ إنّما منزلة الصلوات الخمس لاُمّتي كنهر جار على باب أحدكم فما ظنّ أحدكم لو كان في جسده درن ثمّ اغتسل في ذلك النهر خمس مرّات في اليوم؟ أ كان يبقى في جسده درن؟ فكذلك و الله الصلوات الخمس لاُمّتي.

أقول: و قد روي المثل المذكور في آخر الحديث من طرق أهل السنّة عن عدّة من الصحابة كأبي هريرة و أنس و جابر و أبي سعيد الخدريّ عنه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم).

و فيه، عن إبراهيم الكرخي قال: كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) فدخل عليه رجل من أهل المدينة فقال له أبو عبدالله (عليه السلام): يا فلان من أين جئت؟ قال: و لم يقل في جوابه، فقال أبو عبدالله (عليه السلام): جئت من هنا و هاهنا. انظر بما تقطع به يومك فإنّ معك ملكا موكّلا يحفظ و يكتب ما تعمل فلا تحتقر سيّئة و إن كانت صغيرة فإنّها ستسوؤك يوما، و لا تحتقر حسنة فإنّه ليس شي‏ء أشدّ طلبا من الحسنة

٧٢

إنّها تدرك الذنب العظيم القديم فتحذفه و تسقطه و تذهب به بعدك، و ذلك قول الله( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى‏ لِلذَّاكِرِينَ )

و فيه، عن سماعة بن مهران قال: سأل أباعبدالله (عليه السلام) رجل من أهل الجبال عن رجل أصاب مالاً من أعمال السلطان فهو يتصدّق منه و يصل قرابته و يحجّ ليغفر له ما اكتسب، و هو يقول:( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) . فقال أبوعبدالله (عليه السلام): إنّ الخطيئة لا تكفّر الخطيئة و لكن الحسنة تكفّر الخطيئة.

ثمّ قال أبوعبدالله (عليه السلام): إن خلط الحلال حراما فاختلطا جميعا فلم يعرف الحلال من الحرام فلا بأس.

و في الدرّ المنثور، أخرج أحمد و الطبرانيّ عن أبي أمامة قال: قال رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم): ما من امرء مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيقوم فيتوضّأ فيحسن الوضوء و يصلّي فيحسن الصلاة إلّا غفرت له ما بينها و بين الصلاة الّتي كانت قبلها من ذنوبه.

أقول: و الروايات في هذا الباب كثيرة من أراد استقصاءها فليراجع جوامع الحديث.

و فيه، أخرج الطبرانيّ و أبوالشيخ و ابن مردويه و الديلميّ عن جرير قال: سمعت رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) يسأل عن تفسير هذه الآية:( وَ ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى‏ بِظُلْمٍ وَ أَهْلُها مُصْلِحُونَ ) فقال رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم): و أهلها ينصف بعضهم بعضا.

و في الكافي، بإسناده عن عبدالله بن سنان قال: سئل أبوعبدالله (عليه السلام) عن قول الله تعالى:( وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) فقال: كانوا اُمّة واحدة فبعث الله النبيّين ليتّخذ عليهم الحجّة.

أقول: و رواه الصدوق في المعاني، عنه (عليه السلام) مثله.

و في المعاني، بإسناده عن أبي بصير قال: سألت أباعبدالله (عليه السلام) عن قول الله عزّوجلّ:( وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) قال: خلقهم ليأمرهم بالعبادة، قال: و سألته عن قوله عزّوجلّ:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) قال: خلقهم ليفعلوا ما يستوجبون به رحمته فيرحمهم.

٧٣

و في تفسير القمّيّ عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) يعني آل محمد و أتباعهم يقول الله:( وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) يعني أهل الرحمة لا يختلفون في الدين.

و في تفسير العيّاشيّ، عن يعقوب بن سعيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله:( وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) قال: خلقهم للعبادة. قال: قلت: قوله:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) قال: نزلت هذه بعد تلك.

أقول: يشير إلى كون الآية الثانية أعني قوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) لكونها خاصّة ناسخة للآية الاُولى العامّة، و قد تقدّم في الكلام على النسخ أنّه في عرفهم (عليه السلام) أعمّ ممّا اصطلح عليه علماء الاُصول، و الآيات الخاصّة التكوينيّة ظاهرة في حكمها على الآيات العامّة فإنّ العوامل و الأسباب الخاصّة أنفذ حكما من العامّة فافهمه.

٧٤

( سورة هود الآيات ١٢٠ - ١٢٣)

وَكُلّاً نَقُصّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرّسُلِ مَا نُثَبّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى‏ لِلْمُؤْمِنِينَ( ١٢٠) وَقُل لِلّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى‏ مَكَانَتِكُمْ إِنّا عَامِلُونَ( ١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنّا مُنْتَظِرُونَ( ١٢٢) وَللّهِ‏ِ غَيْبُ السّماوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبّكَ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ( ١٢٣)

( بيان‏)

الآيات تلخّص للنبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) القول في غرض السورة المسرودة له آياتها، و تنبّؤه أنّ السورة تبيّن له حقّ القول في المبدأ و المعاد و سنّة الله الجارية في عباده فهي بالنسبة إلى النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) تعليم للحقّ، و بالنسبة إلى المؤمنين موعظة و ذكرى، و بالنسبة إلى الكافرين المستنكفين عن الإيمان قطع خصام، فقل لهم آخر ما تحاجّهم: اعملوا بما ترون و نحن عاملون بما نراه، و ننتظر جميعا صدق ما قصّ الله علينا من سنّته الجارية في خلقه من إسعاد المصلحين و إشقاء المفسدين، و تختم بأمره (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) بعبادته و التوكّل عليه لأنّ الأمر كلّه إليه.

قوله تعالى: ( وَ كُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ ) إلى آخر الآية أي و كلّ القصص نقصّ عليك تفصيلاً أو إجمالاً، و قوله:( مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ) بيان لما اُضيف إليه كلّ، و قوله:( ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ ) عطف بيان للأنباء اُشير به إلى فائدة القصص بالنسبة إليه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) و هو تثبيت فؤاده و حسم مادّة القلق و الاضطراب منه.

٧٥

و المعنى نقصّ عليك أنباء الرسل لنثبّت به فؤادك و نربط جأشك في ما أنت عليه من سلوك سبيل الدعوة إلى الحقّ، و النهضة على قطع منابت الفساد، و المحنة من أذى قومك.

ثمّ ذكر تعالى من فائدة السورة ما يعمّه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) و قومه مؤمنين و كافرين فقال فيما يرجع إلى النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) من فائدة نزول السورة:( وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ ) و الإشارة إلى السورة أو إلى الآيات النازلة فيها أو الإنباء على وجه، و مجي‏ء الحقّ فيها هو ما بيّن الله تعالى في ضمن القصص و قبلها و بعدها من حقائق المعارف في المبدأ و المعاد و سنّته تعالى الجارية في خلقه بإرسال الرسل و نشر الدعوة ثمّ إسعاد المؤمنين في الدنيا بالنجاة، و في الآخرة بالجنّة، و إشقاء الظالمين بالأخذ في الدنيا و العذاب الخالد في الآخرة.

و قال فيما يرجع إلى المؤمنين:( وَ مَوْعِظَةٌ وَ ذِكْرى‏ لِلْمُؤْمِنِينَ ) فإنّ فيما ذكر فيها من حقائق المعارف تذكرة للمؤمنين يذكرون بها ما نسوه من علوم الفطرة في المبدأ و المعاد و ما يرتبط بهما، و فيما ذكر فيها من القصص و العبر موعظة يتّعظون بها.

قوله تعالى: ( وَ قُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى‏ مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ وَ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ) و هذا فيما يرجع إلى غير المؤمنين يأمر نبيّه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) أن يختم الحجاج معهم و يقطع خصامهم بعد ما تلا القصص عليهم بهذه الجمل فيقول لهم: أمّا إذا لم تؤمنوا و لم تنقطعوا عن الشرك و الفساد بما ألقيت إليكم من التذكرة و العبر و لم تصدّقوا بما قصّه الله من أنباء الاُمم و أخبر به من سنّته الجارية فيهم فاعملوا على ما أنتم عليه من المكانة و المنزلة، و بما تحسبونه خيراً لكم إنّا عاملون، و انتظروا ما سيستقبلكم من عاقبة عملكم إنّا منتظرون فسوف تعرفون صدق النبإ الإلهيّ و كذبه.

و هذا قطع للخصام و نوع تهديد أورده الله في القصص الماضية قصّة نوح و هود و صالح (عليه السلام)، و في قصّة شعيب (عليه السلام) حاكيا عنه:( وَ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى‏

٧٦

مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ مَنْ هُوَ كاذِبٌ وَ ارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ) آية : ٩٣ من السورة.

قوله تعالى: ( وَ لِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ) لمّا كان أمره تعالى نبيّه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) أن يأمرهم بالعمل بما تهوى أنفسهم و الانتظار، و إخبارهم بأنّه و من آمن معه عاملون و منتظرون، في معنى أمره و من تبعه بالعمل و الانتظار عقّبه بهاتين الجملتين ليكون على طيب من النفس و ثبات من القلب من أنّ الدائرة ستكون له عليهم.

و المعنى فاعمل و انتظر أنت و من تبعك فغيب السماوات و الأرض الّذي يتضمّن عاقبة أمرك و أمرهم إنّما يملكه ربّك الّذي هو الله سبحانه دون آلهتهم الّتي يشركون بها و دون الأسباب الّتي يتوكّلون عليها حتّى يديروا الدائرة لأنفسهم و يحوّلوا العاقبة إلى ما ينفعهم، و إلى ربّك الّذي هو الله يرجع الأمر كلّه فيظهر من غيبه عاقبة الأمر على ما شاءه و أخبر به، فالدائرة لك عليهم، و هذا من عجيب البيان.

و من هنا يظهر وجه تبديل قوله:( رَبُّكَ ) المكرّر في هذه الآيات بلفظ الجلالة( الله ) لأنّ فيه من الإشعار بالإحاطة بكلّ ما دقّ و جلّ ما ليس في غيره، و المقام يقتضي الاعتماد و الالتجاء إلى ملجاء لا يقهره قاهر و لا يغلب عليه غالب، و هو الله سبحانه و لذلك ترى أنّه يعود بعد انقضاء هذه الجمل إلى ما كان يكرّره من صفة الربّ، و هو قوله:( وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) .

قوله تعالى: ( فَاعْبُدْهُ وَ تَوَكَّلْ عَلَيْهِ ) الظاهر أنّه تفريع لقوله:( وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ) أي إذا كان الأمر كلّه مرجوعا إليه تعالى فلا يملك غيره شيئاً و لا يستقلّ بشي‏ء فاعبده سبحانه و اتّخذه وكيلا في جميع الاُمور و لا تتوكّل على شي‏ء من الأسباب دونه لأنّها أسباب بتسبيبه غير مستقلّة دونه، فمن الجهل الاعتماد على شي‏ء منها. و ما ربّك بغافل عمّا تعملون فلا يجوز التساهل في عبادته و التوكّل عليه.

٧٧

( سورة يوسف مكّيّة و هي مائة و إحدى عشرة آية)

( سورة يوسف الآيات ١ - ٣)

.بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ( ١) إِنّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ( ٢) نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنْتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ( ٣)

( بيان‏)

غرض السورة بيان ولاية الله لعبده الّذي أخلص إيمانه له تعالى إخلاصا و امتلأ بمحبّته تعالى لا يبتغي له بدلا و لم يلو إلى غيره تعالى من شي‏ء، و أنّ الله تعالى يتولّى هو أمره فيربّيه أحسن تربية فيورده مورد القرب و يسقيه فيرويه من مشرعة الزلفى فيخلصه لنفسه و يحييه حياة إلهيّة و إن كانت الأسباب الظاهرة أجمعت على هلاكه، و يرفعه و إن توفّرت الحوادث على ضعته، و يعزّه و إن دعت النوائب و رزايا الدهر إلى ذلّته و حطّ قدره.

و قد بيّن تعالى ذلك بسرد قصّة يوسف الصدّيق (عليه السلام) - و لم يرد في سور القرآن الكريم تفصيل قصّة من القصص باستقصائها من أوّلها إلى آخرها غير قصّته (عليه السلام) - و قد خصّت السورة بها من غير شركة مّا من غيرها.

فقد كان (عليه السلام) عبداً مخلصا في عبوديّته فأخلصه الله لنفسه و أعزّه بعزّته و

٧٨

قد تجمّعت الأسباب على إذلاله و ضعته فكلّما ألقته في إحدى المهالك أحياه الله تعالى من نفس السبيل الّتي كانت تسوقه إلى الهلاكة: حسده إخوته فألقوه في غيابة الجبّ ثمّ شروه بثمن بخس دراهم معدودة فذهب به ذلك إلى مصر و أدخله في بيت الملك و العزّة، راودته الّتي هو في بيتها عن نفسه و اتّهمته عند العزيز و لم تلبث دون أن اعترفت عند النسوة ببراءته ثمّ اتّهمته و أدخلته السجن فكان ذلك سبب قربه عند الملك، و كان قميصه الملطّخ بالدم الّذي جاؤا به إلى أبيه يعقوب أوّل يوم هو السبب الوحيد في ذهاب بصره فصار قميصه بعينه و قد أرسله بيد إخوته من مصر إلى أبيه آخر يوم هو السبب في عود بصره إليه، و على هذا القياس.

و بالجملة كلّما نازعه شي‏ء من الأسباب المخالفة أو اعترضه في طريق كماله جعل الله تعالى ذلك هو السبب في رشد أمره و نجاح طلبته، و لم يزل سبحانه يحوّله من حال إلى حال حتّى آتاه الحكم و الملك و اجتباه و علّمه من تأويل الأحاديث و أتمّ نعمته عليه كما وعده أبوه.

و قد بدأ الله سبحانه قصّته بذكر رؤيا رآها في بادئ الأمر و هو صبيّ في حجر أبيه و الرؤيا من المبشّرات ثمّ حقّق بشارته و أتمّ كلمته فيه بما خصّه به من التربية الإلهيّة، و هذا هو شأنه تعالى في أوليائه كما قال تعالى:( أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ الّذينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى‏ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) يونس: ٦٤.

و في قوله تعالى بعد ذكر رؤيا يوسف و تعبير أبيه (عليه السلام) لها:( لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ ) إشعار بأنّه كان هناك قوم سألوا النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) عمّا يرجع إلى هذه القصّة، و هو يؤيّد ما ورد أنّ قوما من اليهود بعثوا مشركي مكّة أن يسألوا النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) عن سبب انتقال بني إسرائيل إلى مصر و قد كان يعقوب (عليه السلام) ساكنا في أرض الشام فنزلت السورة.

و على هذا فالغرض بيان قصته (عليه السلام) و قصّة آل يعقوب، و قد استخرج تعالى ببيانه ما هو الغرض العالي منها و هو طور ولاية الله لعباده المخلصين كما هو اللائح من

٧٩

مفتتح السورة و مختتمها، و السورة مكّيّة على ما يدلّ عليه سياق آياتها، و ما ورد في بعض الروايات عن ابن عبّاس أنّ أربعاً من آياتها مدنيّة، و هي الآيات الثلاث الّتي في أوّلها، و قوله( لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ ) مدفوع بما تشتمل عليه من السياق الواحد.

قوله تعالى: ( الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ ) الإشارة بلفظ البعيد للتعظيم و التفخيم، و الظاهر أن يكون المراد بالكتاب المبين هذا القرآن المتلوّ و هو مبين واضح في نفسه و مبين موضح لغيره ما ضمّنه الله تعالى من المعارف الإلهيّة و حقائق المبدأ و المعاد.

و قد وصف الكتاب في الآية بالمبين لا كما في قوله في أوّل سورة يونس:( تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ ) لكون هذه السورة نازلة في شأن قصّة آل يعقوب و بيانها، و من المحتمل أن يكون المراد بالكتاب المبين اللوح المحفوظ.

قوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) الضمير للكتاب بما أنّه مشتمل على الآيات الإلهيّة و المعارف الحقيقيّة، و إنزاله قرآناً عربيّاً هو إلباسه في مرحلة الإنزال لباس القراءة و العربيّة، و جعله لفظاً متلوّاً مطابقاً لما يتداوله العرب من اللغة كما قال تعالى في موضع آخر( إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) الزخرف: ٤.

و قوله:( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) من قبيل توسعة الخطاب و تعميمه فإنّ السورة مفتتحة بخطاب النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم):( تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ ) ، و على ذلك يجري بعد كما في قوله:( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ) إلخ.

فمعنى الآية - والله أعلم - إنّا جعلنا هذا الكتاب المشتمل على الآيات في مرحلة النزول ملبسا بلباس اللفظ العربيّ محلّى بحليته ليقع في معرض التعقّل منك و من قومك أو اُمّتك، و لو لم يقلب في وحيه في قالب اللفظ المقروّ أو لم يجعل عربيّا مبينا لم يعقل قومك ما فيه من أسرار الآيات بل اختصّ فهمه بك لاختصاصك بوحيه و تعليمه.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

الباب السّادس والثّلاثون

( في أنّ الحسين عليه السلام قتيل العَبرة لا يذكره مؤمن إلاّ بكى )

١ - حدَّثني أبي؛ وعليُّ بن الحسين؛ ومحمّد بن الحسنرحمهم‌الله جميعاً، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن سعيد بن جَناح(١) ، عن أبي يحيى الحَذّاء - عن بعض أصحابنا - عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: نظر أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الحسين فقال: يا عَبْرَةَ كلِّ مؤمن، فقال: أنا يا أبتاه؟ قال: نَعَم يا بُنيَّ ».

٢ - حدَّثني جماعة مشايخي، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن الحسين بن عبدالله، عن الحسن بن عليِّ بن أبي عثمان، عن الحسن بن عليِّ بن عبدالله بن المغيرة، عن أبي عُمارة المُنشِد « قال: ما ذُكِرَ الحسينعليه‌السلام عند أبي عبداللهعليه‌السلام في يوم قطّ فَرُئيّ أبو عبدالله مُتَبَسِّماً في ذلك اليوم إلى اللّيل وكان يقول: الحسينعليه‌السلام عَبرة كلِّ مؤمن ».

٣ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن الحسن بن موسى الحشاب، عن إسماعيل بن مِهرانَ، عن عليِّ بن أبي حمزةَ، عن أبي بصير « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : قال الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام : أنا قتيل العَبرة(٢) ، لا يذكرني مؤمنٌ إلاّ اسْتَعبَرَ ».

٤ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن الحسن بن موسى،

____________

١ - بفتح الجيم؛ الأزديّ، مولاهم كوفيّ، نشأ ببغداد ومات بها، وكان ثقة.

٢ - العَبْرَة: الدُّمعة قبل أن تفيض، وقيل: تردّد البُكاء في الصَّدر، وقيل: الحزن بلا بُكاء. ( أقرب الموارد ) وقوله عليه السلام: « أنا قتيل العَبْرَة » أي قتيل منسوب إلى العَبْرَة والبُكاء، وسببُ لها، أو اُقتل مع العبرة والحزن وشدّة الحال، والأوّل أظهر. ( البحار )

١٢١

عن محمّد بن سِنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قال الحسينعليه‌السلام : أنا قَتيل العَبْرَة ».

٥ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن الحسن بن موسى، عن محمّد بن سِنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قال الحسينعليه‌السلام : أنا قتيل العَبْرَة ».

٦ - حدّثني محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد البرقيِّ، عن أبان الأحمر، عن محمّد بن الحسين الخزَّاز، عن هارون بن خارجة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: كنّا عنده فذكرنا الحسينعليه‌السلام [وعلى قاتله لعنة الله] فبكى أبو عبداللهعليه‌السلام وبكينا، قال: ثمَّ رفع رأسَه فقال: قال الحسينعليه‌السلام : أنا قتيل العَبرَة، لا يذكرني مؤمن إلاّ بكى - وذكر الحديث - ».

٧ - حدَّثني عليُّ بن الحسين [عن عليِّ بن الحسين] السّعد آبادي قال: حدَّثني أحمدُ بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن ابن مُسْكانَ، عن هارونَ بن خارجَة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قال الحسينعليه‌السلام : أنا قتيل العَبرَة، قُتِلتُ مكروباً، وحقيقٌ على [الله] أن لا يأتيني مَكروبٌ قطّ إلاّ رَدّه الله وقلبه إلى أهله مَسروراً ».

حدَّثني حكيم بن داودَ، عن سَلَمة بن الخطّاب، عن محمّد بن عَمرو، عن هارون بن خارجَة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام مثله.

الباب السّابع والثّلاثون

( ما روي أنّ الحسين عليه السلام سيّد الشّهداء)

١ - حدّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن حَنان « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : زوروا الحسينعليه‌السلام ولا تجفوه، فإنّه سَيِّدُ شَباب أهل الجنّة من الخلق وسَيِّدُ الشَّهداء ».

١٢٢

٢ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن العبّاس بن معروف، عن حمّاد بن عيسى، عن رِبْعيِّ بن عبدالله(١) « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام بالمدينة: أين قبور الشُّهداء؟ فقال: أليس أفضل الشُّهداء عِندَكم، والَّذي نفسي بيدِه أنَّ حَولَه أربعة آلاف مَلَك شُعْثاً غُبراً يبكونه إلى يوم القيامة ».

٣ - حدّثني أبو العبّاس الرَّزَّاز، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن أبي داودَ المُسْتَرِق، عن اُمّ سعيد الأحْمَسِيّة(٢) « قال: كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام وقد بعثت مَن يَكتري لي حِماراً إلى قبور الشُّهداء، فقال: ما يمنعكِ من زيارة سيّد الشُّهداء؟ قالت: قلت: ومَن هو؟ قال: الحسينعليه‌السلام ، قالَتْ: قلت: وما لِمَن زارَه؟ قال: حَجّةٌ وعُمْرَةٌ مَبرورَة، ومِن الخير كذا وكذا وكذا - ثلاث مرَّات - بيده ».

٤ - وعنه، عن محمّد بن الحسين، عن الحكم بن مسكين، عن اُمّ سعيد الاُحْمَسيّة « قالت: جئت إلى أبي عبداللهعليه‌السلام فدخلت عليه، فجاءَت الجارية فقالت: قد جئتكِ بالدَّابّة، فقال لي: يا اُمَّ سعيد أيُّ شيءٍ هذه الدَّابّة؛ أين تبغين تَذْهبين؟ قالت: قلت: أزور قبورَ الشّهداء، قال: أخِّري ذلك اليوم، ما أعجبكم يا أهل العِراق؛ تأتون الشُّهداء مِن سَفر بَعيد وتتركون سيِّد الشّهداء لا تأتونَه؟! قالت: قلت له: مَن سَيّد الشُّهداء؟ فقال: الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام ، قالت: قلت: إنّي امرءَة، فقال: لا بأس لمن كان مثلك ان يَذهب إليه ويَزوره، قالت: أيُّ شيءٍ لنا في زيارته؟ قال: تعدل حجّة وعُمرة واعتكاف شَهرين في المسجد

__________________

١ - هو العبديّ البصري أبو نعيم، ثقة، روى عن الصّادق والكاظمعليهما‌السلام .

٢ - بفتح الألف وسكون الحاء المهملة وفتح الميم وفي آخرها السّين المهملة، هذه النّسبة إلى أحمس، وهي طائفة من بجيلة نزلوا الكوفة. ( الأنساب، اللّباب، الإكمال ) وقال العلاّمة الاُميني رحمه الله: بطن من انمار بن إراش، غلب عليهم اسم أبيهم حمس فقيل لهم: أحمس، فما في كثير من المعاجم بالخاء المعجمة تصحيف واضح.

١٢٣

الحرام وصيامها، وخيرها كذا وكذا، قالت: بَسَط يَدَه وضَمّها ضَمّاً - ثلاث مرَّات - ».

٥ - حدَّثني أبي؛ وعليُّ بن الحسين؛ ومحمّد بن الحسنرحمهم‌الله عن سعد بن عبدالله، عن الحسن بن عليِّ بن عبدالله بن المغيرة، عن العبّاس بن عامِر، عن أحمدَ بن رِزق الغَمْشانيّ(١) ، عن اُم سعيد الأحْمَسيّة « قالت: دخلت المدينة فاكتريتُ حِماراً على أن أطوف على قبور الشُّهداء(٢) ، فقلت: لابدَّ أبدَء بابن رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأدخل عليه، فأبطأتُ على المكاري قليلاً، فهتف بي، فقال لي أبو عبداللهعليه‌السلام : ما هذا يا اُمَّ سعيد؟ قلت له: جعلت فِداك تَكارَيتُ حِماراً لأزور عَلى قُبور الشُّهداء، قال: أفلا اُخبرُك بسَيِّدِ الشُّهداء؟! قلت: بلى، قال: الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام ، قلت: وإنّه لسيِّد الشّهداء؟! قال: نَعَم، قلت: فما لمن زاره؟ قال: حَجّة وعُمْرَة، ومن الخير - هكذا وهكذا - ».

٦ - حدَّثني أبي؛ ومحمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريّ جميعاً، عن عبدالله بن جعفر الحِميريّ، عن أحمدَ بن أبي عبدالله البَرقيِّ، عن أبيه، عن عبدالله بن القاسم الحارثي، عن عبدالله بن سِنان، عن اُمّ سعيد الأحمسيّة « قالت: دخلت المدينة فأكتريت البَغل لاُزور عليه قبورَ الشُّهداءِ، قالت: قلت: ما أحدٌ أحقُّ أن أبدء به مِن جعفر بن محمّد، قالت: فدخلت عليه فأبطأتُ فصاح بي المكاري: حبستِينا عافاكِ الله!، فقال لي أبو عبدالله: كأنّ إنساناً يستعجلك يا اُمّ سعيد؟ قلت: نَعَم جُعِلتُ فداك، إنّي اكتريت بَغلاً لأزور عليه قبور الشّهداء فقلت: ما آتي أحداً أحقّ مِن جعفر بن محمّد، قالت: يا اُمّ سعيد فما يمنعك مِن أن تأتي قبر سيِّد الشّهداء؟! قالت: فطمعت(٣) أن يَدُلَّني على قبر عليِّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقلت: بأبي أنت واُمّي ومَن سيّد الشّهداء؟ قال: الحسين ابن -

__________________

١ - قال النّجاشيّ - مثل ما في المتن -: « الغمشانيّ »، وفي الخلاصة: الغُشانيّ - بالغين المعجمة المضمومة والشّين المعجمة والنّون بعد الألف - بجليّ ثقة.

٢ - مرادها شهداء اُحد.

٣ - ذلك لخفاء قبره عليه السلام حينذاك.

١٢٤

فاطمةعليهما‌السلام ، يا اُمَّ سعيد مَن أتاه ببصيرة ورَغبةٍ فيه كان له حَجّة وعُمرَة مَبرورة (١) وكان له مِن الفضل هكذا وهكذا ».

٧ - حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز، عن خاله محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن إسماعيل - عمّن حدَّثه - عن عليِّ بن أبي حمزة، عن الحسين بن أبي العَلاء؛ وأبي المَغرا؛ وعاصم بن حُمَيد الحنّاط جماعتهم، عن أبي بصير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: ما مِن شَهيدٍ إلاّ ويحبّ أن يكون(٢) مع الحسينعليه‌السلام حتّى يدخلون الجنّة معه ».

الباب الثّامن والثّلاثون

( زيارة الأنبياء الحسين بنَ عليِّ عليهما السلام)

١ - حدَّثني الحسن بن عبدالله(٣) ، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن إسحاق بن عمّار « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: ليس نبيّ في السَّماوات [والأرض] إلاّ يسألون الله تعالى أن يأذن لهم في زيارة الحسينعليه‌السلام ، ففوج ينزل وفوج يصعد(٤) ».

٢ - وعنه، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن الحسين ابن بنت أبي حمزة الثُّمالي « قال: خرجت في آخر زَمان بني مَروان إلى زيارة قبر الحسينعليه‌السلام مُستخفياً من أهل الشّام(٥) ، حتّى انتهيت إلى كربلاء فاختفيت في ناحية القَرية حتّى إذا ذهب مِن اللَّيل نصفه أقبلتُ نحو القبر، فلمّا دَنَوتُ منه أقبل نحوي رَجُلٌ

__________________

١ - في بعض النّسخ: « حجّة مبرورة وعمرة متقبّلة ».

٢ - في بعض النّسخ: « إلاّ وهو يحبّ لو أنّ الحسين بن علي حيّ حتّى يكون - إلخ ».

٣ - هو ابن أخي أبي جعفر الأشعريّ.

٤ - في نسخة: « يعرج ».

٥ - لئلاّ يعرفوني بولاية أهل البيت عليهم السلام ويزجروني بذلك؛ ظاهراً، لا لزيارة القبر، لأنّ المنع مِن زيارة قبره كان في زمن بني العبّاس.

١٢٥

فقال لي: انصرف مأجوراً؛ فإنَّك لا تصل إليه، فرجعت فَزِعاً حتّى إذا كاد يطلع الفجر أقبلت نحوه حتّى إذا دَنَوتُ منه خرج إليَّ الرَّجلُ فقال لي: يا هذا إنّك لا تصل إليه، فقلت له: عافاك الله ولم لا أصلُ إليه؟ وقد أقبلتُ مِن الكوفة اُريد زيارته فلا تَحل بيني وبينه - عافاك اللهُ - وأنا أخاف أن أصبح فيقتلونني أهل الشّام إنْ ادركوني ههنا، قال: فقال لي: اصبر قليلاً فإنّ موسى بن عِمرانَعليه‌السلام سأل اللهَ أن يأذن له في زيارة قبر الحسين فأذن له، فهبط مِن السَّماء في سَبعين ألف مَلَك فهم بحضرته مِن أوَّل اللَّيل ينتظرون طلوع الفجر ثمَّ يعرجون إلى السَّماء، قال: قلت له: فمن أنتَ عافاك الله؟ قال: أنا من الملائكة الّذين اُمروا بحرس قبر الحسينعليه‌السلام والاستغفار لزوَّاره، فانصرفت وقد كادَ أن يطير عقلي لما سمعت منه، قال: فأقبلت لمّا طلع الفجر نحوه فلم يَحُلْ بيني وبينه أحدٌ فدَنَوت مِن القبر وسَلّمت عليه ودَعوتُ اللهَ على قَتَلَتِه، وصَلّيت الصُّبح وأقبلتُ مُسرعاً مخافة أهل الشّام »(١) .

٣ - حدَّثني محمّد بن عبدالله الحِميريّ، عن أبيه، عن هارونَ بن مسلم، عن عبدالرَّحمن بن [عمرو بن] الأشعث، عن عبدالله بن حمّاد الانصاريّ، عن ابن سِنان، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعتُه يقول: قبر الحسين بن عليٍّ صلوات الله عليهما عِشرون ذراعاً في عشرين ذِراعاً مُكسّراً(٢) روضةٌ مِن رياض الجنّة، ومنه معراج الملائكة(٣) إلى السَّماء، وليس مِن ملكٍ مقرَّبٍ ولا نبيٍّ مرسل إلاّ وهو يسأل الله أن يَزوره، ففوج يهبط وفوج يصعد ».

٤ - حدّثني أبي؛ وأخي؛ وجماعة مشايخيرحمهم‌الله عن محمّد بن يحيى؛ وأحمدَ بن إدريسَ، عن حَمدانَ بن سليمان النّيسابوريّ، عن عبدالله بن محمّد اليمانيِّ، عن مَنيع بن حَجّاج، عن يونسَ، عن صَفوانَ الجمّال « قال: قال

__________________

١ - المراد بهم المأمورون.

٢ - يعني مضروباً، أي عشرين في عشرين.

٣ - في بعض النّسخ: « وفيه معراج الملائكة ».

١٢٦

لي أبو عبداللهعليه‌السلام : لمّا أتى الحِيرةَ هل لك في قبر الحسين؟ قلت: وتَزورُه جُعِلتُ فِداك؟ قال: وكيف لا أزورُه واللهُ يَزورُه (١) في كلِّ ليلة جُمُعة يهبط مع الملائكة إليه والأنبياء والأوصياء ومحمّد أفضل الأنبياء، ونحن أفضل الأوصياء، فقال صَفوانُ: جعلت فِداك فنَزوره في كلِّ جمعة حتّى نُدركَ زيارة الرّبِّ؟ قال: نَعَم، يا صَفوانُ ألزم ذلك تكتب لك زيارةُ قبر الحسينعليه‌السلام ، وذلك تفضيل وذلك تفضيل »(٢) .

وحدَّثني القاسم بن محمّد بن عليِّ بن إبراهيم الهَمْدانيِّ، عن أبيه، عن جدِّه، عن عبدالله بن حمّاد الأنصاري، عن الحسين بن أبي حمزة قال: خرجت في آخر زَمان بني اُميّة ( كذا ) - وذكر مثل الحديث المتقدَّم في الباب(٣) .

وحدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن أحمدَ بن إدريس، عن العَمركي بن عليِّ البوفكيِّ، عن عِدَّة من أصحابنا، عن الحسن بن محبوب، عن الحسين ابن ابنة أبي حمزة الثّماليِّ قال: خرجت في آخر زمان بني مَروان - وذكر مثل حديث الَّذي مرَّ في أوَّل الباب سواءً.

الباب التّاسع والثّلاثون

( زيارة الملائكة الحسين بن عليٍّ عليهما السلام)

١ - حدَّثني الحسن بن عبدالله بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن الحسن

__________________

١ - قال العلاّمة المجلسيّرحمه‌الله : زيارته تعالى كناية عنع إنزال رحماته الخاصّة - صلواته عليه وعلى زائريه -. وقال العلاّمة الاُمينيرحمه‌الله : زيارة الرَّبّ سبحانه في هذا الحديث وما في ص ٣٥ إمّا توجيه عنايته الخاصّة بإسبال فيضه المتواصل عليه، أو إبداء شيءٍ مِن مظاهر جلاله العظيم الّذي تجلّى للجبل فجعله دَكَاً وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً، والإمامعليه‌السلام كان يزوره ليدرك هاتيك العناية الخاصّة، أو يشاهد تلك المظاهر اللَّطيفة الّتي كانت لتشريفهم، ولذلك كانوا يتحمّلون مشاهدته، ولأنّ مقامهم أرفع مِن مقام موسى الّذي لم يتحمّله.

٢ - أي زيارة الرّبّ، والمراد بالرّبّ عناياته - كما مرّ - وفرقٌ بين معنى الرّبّ ومعنى الله.

٣ - أي الخبر الثّاني من الباب.

١٢٧

ابن محبوب، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعته يقول: ليس من ملكٍ في السَّماوات إلاّ وهم يسألون الله عزَّوجلَّ أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسينعليه‌السلام ، ففوج يَنزل وفوج يَعرُج ».

٢ - وعنه: عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن داودَ الرَّقّي « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: ما خلق الله خلقاً أكثر مِن الملائكة، وأنّه ينزل من السَّماء كلَّ مَساءٍ سبعون ألف ملك يطوفون بالبيت الحرام ليلتهم حتّى إذا طلع الفجر انصرفوا إلى قبر النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيسلّمون عليه، ثمَّ يأتون قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام فيسلّمون، ثم يأتون قبر الحسينعليه‌السلام فيسلّمون عليه، ثمَّ يعرجون إلى السّماء قبل أن تطلع الشَّمس، ثمَّ تنزل ملائكة النّهار سبعون ألف ملك، فيطوفون بالبيت الحرام نهارَهم حتّى إذا غربتِ الشَّمس انصرفوا إلى قبر رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيسلّمون عليه، ثمَّ يأتون قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام فيسلّمون عليه، ثمّ يأتون قبر الحسينعليه‌السلام فيسلّمون عليه، ثمَّ يعرجون إلى السّماء قبل أن تغيب الشَّمس »(١) .

٣ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن الحسين بن عبدالله، عن الحسن بن عليِّ بن أبي عثمان، عن محمّد بن الفضيل، عن إسحاقَ بن عمّار، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: ما بين قبر الحسينعليه‌السلام إلى السّماء مُختَلفُ الملائكة ».

٤ - حدَّثني القاسم بن محمّد بن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن جَدِّه، عن عبدالله بن حمّاد الأنصاريِّ، عن عبدالله بن سِنان « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام

__________________

١ - قال العلاّمة الأمينيرحمه‌الله : هذا الحديث رواه بحّاثة العامّة محمّد بن مسلم بن أبي الفوارس مِن أئمّة القرن السّادس في أربعينه الموجود عندنا بغير هذا الطريق عن وَهب عن الصّادقعليه‌السلام ، وجعله حديث الثّاني عشر مِن كتابه وزاد في آخره: « والّذي نفسي بيده أنّ حول قبره أربعة آلاف ملك شُعْثاً غُبراً يبكون عليه إلى يوم القيامة »، وفي رواية أخرى: « قد وكّل الله بالحسين سبعين ألف ملك شُعْثاً غُبراً يصلّون عليه كلَّ يوم ويدعون لمن زارَه، ورئيسهم ملك يقال له: منصور » - إلى آخر الحديث الأوَّل مِن الباب الحادي والأربعين من الكتاب.

١٢٨

يقول: قبر الحسينعليه‌السلام - عشرون ذِراعاً في عِشرين ذراعاً مُكسّراً - روضة من رِياض الجنّة، منه معراج إلى السّماء، فليس من ملك مقرَّب ولا نبيٍّ مرسل إلا وهو يسأل الله تعالى أن يزور الحسينعليه‌السلام ، ففوجٌ يهبط وفوجٌ يصعد ».

٥ - وعنه(١) ، عن أبيه، عن جَدِّه، عن عبدالله بن حمّاد، عن إسحاقَ بن عمّار « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : جُعلتُ فِداكَ يا ابن رسول الله كنت في الحيرة ليلة عرفة فرأيت نحواً مِن ثلاثة آلاف وأربعة آلاف رَجل، جميلة وجوههم، طيّبة ريحهم، شديد بياض ثِيابهم، يصلّون اللَّيل أجمع، فلقد كنت اُريد أن آتي قبر الحسينعليه‌السلام واُقبّله وأدعو بدعوات، فما كنت أصل إليه من كثرة الخلق، فلمّا طلع الفجر سجدتُ سِجدةً، فرفعت رأسي فلم أرَ منهم أحداً، فقال لي أبو عبداللهعليه‌السلام : أتدري مَن هؤلاء؟ قلت: لا جُعِلتُ فِداك، فقال: أخبرني أبي، عن أبيه قال: مَرَّ بالحسينعليه‌السلام أربعة آلاف ملكٍ - وهو يقتل - فعرجوا إلى السّماء فأوحى الله تعالى إليهم: يا معشر الملائكة مَرَرتُم بابن حبيبي وصَفيّي محمَّدٍ وهو يُقتل ويضطهد مظلوماً فلم تنصروه؟! فانْزِلو إلى الأرض إلى قبر فابْكوه شُعْثاً غُبراً إلى يوم القيامة، فهم عنده إلى أن تقوم السّاعة »(٢) .

٦ - حدَّثني أبي - رحمه الله تعالى - عن سعد بن عبدالله - عن بعض أصحابه - عن أحمد بن قتيبة الهَمداني، عن إسحاق بن عمّار « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : إني كنت بالحائر ليلة عرفة وكنت اُصلّي وثَمَّ نحوٌ مِن خمسين ألفاً مِن النّاس، جميلة وجوههم، طيّبة روائحهم، وأقبلوا يصلّون اللّيلة(٣) أجمع، فلمّا طلع الفجر سَجَدتُ ثمَّ رفعتُ رأسي فلم أرَ منهم أحداً، فقال لي أبو عبداللهعليه‌السلام : أنّه مَرَّ بالحسينعليه‌السلام خمسون ألف مَلَك، وهو يقتل فعرجوا إلى السَّماء فأوحى الله تعالى إليهم: مَرَرتم بابن حبيبي وهو يقتل فلم تنصروه؟! فاهبُطوا إلى الأرض فاسْكنوا عند قبره شُعْثاً غُبراً إلى يوم تقوم السّاعة ».

__________________

١ - الضّمير راجع إلى القاسم بن محمّد بن عليّ بن إبراهيم.

٢ - في بعض النّسخ: « إلى أن تقوم القيامة ».

٣ - في نسخة: « يصلّون اللّيل ».

١٢٩

الباب الأربعون

( دعاء رسول الله وعليٍّ وفاطمة والأئمّة عليهم السلام لزُوّار الحسين عليه السلام)

١ - حدَّثني أبي؛ ومحمّد بن عبدالله؛ وعليُّ بن الحسين؛ ومحمّد بن الحسنرحمهم‌الله جميعاً، عن عبدالله بن جعفر الحِميريّ، عن موسى بن عُمَرَ، عن حَسّان البَصريّ(١) ، عن مُعاوية بن وَهْب، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قال لي: يا معاويةُ لا تَدَع زيارةَ قبر الحسينعليه‌السلام لخوف، فإنَّ مَن ترك زيارَته رأى من الحَسْرَة ما يتمنّى أنَّ قبره كان عِنده(٢) ، أما تُحِبُّ أن يرى اللهُ شخصَك وسوادَك فيمن يدعو له رَسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليُّ وفاطمَةُ والأئمّةعليهم‌السلام ».

٢ - وبهذا الإسناد، عن موسى بن عُمَرَ، عن حَسّان البصريّ، عن معاويةَ بن وَهْب « قال: استأذنت على أبي عبداللهعليه‌السلام فقيل لي: اُدخل، فدخلت فوجدته في مصلاّه في بيته فجلست حتّى قضى صلاته فسمعته يناجي رَبَّه وهو يقول: «اللّهُمَّ يا مَنْ خَصَّنا بالْكَرامَةِ؛ وَوَعَدَنا بالشَّفاعَةِ؛ وَخَصَّنا بالوَصيَّةِ؛ وأعْطانا عِلمَ ما مَضى وعِلْمَ ما بَقيَ؛ وَجَعَلَ أفْئدَةً مِنَ النّاسً تَهْوِي إلَيْنا، اغْفِرْ لي ولإخْواني وَزُوَّارِ قَبر أبي الحسين، الَّذين أنْفَقُوا أمْوالَهُمْ وَأشخَصُوا أبْدانَهم رَغْبَةً في بِرِّنا، وَرَجاءً لِما عِنْدَكَ في صِلَتِنا، وسُروراً أَدْخَلُوهُ عَلى نَبِيِّكَ، وَإجابَةً مِنهُمْ لأمْرِنا، وَغَيظاً

____________

١ - قال العلاّمة الأمينيرحمه‌الله : كذا في نسخ الكتاب؛ وفيما نقل عنه، لكن الصّحيح كما في الكافي [وفي التّهذيب أيضاً]: « غسّان البصريّ » بقرينة موسى بن عمر ومعاوية بن وهب، فما في النّسخ تصحيف كما لا يخفى. وسيأتي أيضاً كراراً.

٢ - أي يتمنّى التّاركُ أن يكون قبره عند قبر الحسين عليهما السلام، وقال الفيض ( ره ): قولوه: « إنّ قبره كان عنده » البارز في « قبره » راجعٌ إلى الحسين عليه السلام؛ وفي: « عنده » إلى مَن تركه، وإنّما يتمنّى ذلك يكون متمكّناً مِن كَثرة زيارته، ويحتمل العكس، يعني يتمنّى أن يكثر زيارته بحيث يموت هناك. ( الوافي ) أو يتمنّى أن يكون قتل لزيارته عليه السلام فصار قبره عنده. ويأتي الخبر في الصّفحة الآتية تحت رقم ٣.

١٣٠

أدْخَلُوهُ عَلى عَدُوِّنا، أرادُوا بذلِكَ رِضاكَ، فَكافِئْهُمْ عَنّا بالرِّضْوانِ، واكْلأهُم (١) باللَّيلِ وَالنَّهارِ، واخْلُفْ عَلىُ أهالِيهم وأولادِهِمُ الَّذين خُلِّفوا بأحْسَنِ الخَلَفِ وأصحبهم، وَأكْفِهِمْ شَرَّ كلِّ جَبّارٍ عَنيدٍ؛ وَكُلّ ضَعيفٍ مِنْ خَلْقِكَ وَشَديدٍ، وَشَرَّ شَياطِينِ الإنْسِ وَالجِنِّ، وَأعْطِهِم أفْضَلَ ما أمَّلُوا مِنْكَ في غُرْبَتِهم عَنْ أوْطانِهِم، وَما آثَرُونا (٢) بِهِ عَلى أبْنائهم وأهاليهم وقَراباتِهم ،

اللّهُمَّ إنَّ أعْداءَنا عابُوا عَلَيهم بخُروجهم، فَلم يَنْهِهم ذلِكَ عَنِ الشُّخوصِ إلينا خِلافاً مِنْهم (٣) عَلى مَنْ خالَفَنا، فارْحَم تِلْكَ الْوُجُوهَ الَّتي غَيَّرتها الشَّمْسُ، وَارْحَم تِلكَ الخدُودَ الَّتي تَتَقَلّبُ على حُفْرَةِ أبي عَبدِاللهِ الحسينِ ٧، وَارْحَم تِلكَ الأعْيُنَ الَّتي جَرَتْ دُمُوعُها رَحمةً لَنا، وارْحَم تِلْكَ الْقُلُوبَ الَّتي جَزَعَتْ واحْتَرقَتْ لَنا، وارْحَم تِلكَ الصَّرْخَةَ الَّتي كانَتْ لَنا، اللّهمَّ إني اسْتَودِعُكَ تِلْكَ الأبْدانَ وَتِلكَ الأنفُسَ حتّى تَرْويهمْ عَلى الحَوضِ يَومَ العَطَشِ [الأكبر] »:

فما زال يدعوعليه‌السلام وهو ساجدٌ بهذا الدُّعاء، فلمّا انصرف قلت: جُعِلتُ فِداك لو أنَّ هذا الَّذي سَمعتُ منك كان لِمن لا يَعرفُ اللهَ عزَّوجَلَّ لَظننتُ أنَّ النّار لا تطعم منه شَيئاً أبداً!! والله لقد تمنَّيتُ أنّي كنتُ زُرْتُه ولم أحُجَّ، فقال لي: ما أقربك منه؛ فما الَّذي يمنعك مِن زيارته؟ ثمَّ قال: يا معاويةُ لَم تدع ذلك، قلت: جُعلتُ فِداك لَم أرَ(٤) أنَّ الأمر يبلغ هذا كلّه؟ فقال: يا معاوية [و] مَن يدعو لزُوَّاره في السَّماء أكثر ممّن يدعو لهم في الأرض ».

وحدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريّ، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد بن سالم، عن عبدالله بن حمّاد البصريّ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الاُصمّ، عن معاوية بن وَهْب قال: استأذنت على أبي عبداللهعليه‌السلام ، وذكر مثله.

__________________

١ - أي احفظهم. وفي اللّغة: « كلاه الله: حفظه وحرسه، يقال: اذهب في كلاءة الله ».

٢ - آثره إيثاراً: اختاره واكرمه، وفضّله، وكذا بكذا: أتبعه.

٣ - في بعض النّسخ: « خلافاً عليهم، فارحم تلك الوجوه ».

٤ - في بعض النّسخ: « لم أدر ».

١٣١

٣ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن موسى بن عُمَرَ، عن حَسّان البَصريِّ(١) ، عن معاوية بن وَهْب، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قال لي: يا معاويةُ لا تَدَع زيارةَ الحسينعليه‌السلام لخوفٍ فإنَّ مَن تركه رأى مِن الحسرة ما يتمنّى إنَّ قبرَه كان عِنده(٢) ، أما تحبُّ أن يَرَى الله شخصَك وسوادَك فيمن يدعو له رَسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليٌّ وفاطمةُ والأئمّةعليهم‌السلام ؟! أما تحبُّ أن تكون ممّن ينقلب بالمغفرة لما مضى ويغفر لك ذنوب سَبعين سَنة؟! أما تحبّ أن تكون ممّن يخرج مِن الدُّنيا وليس عليه ذنبٌ تتبع به؟! أما تحبُّ أن تكون غداً ممّن يصافِحُه رَسولُ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

حدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن سعد، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن عبدالله بن حمّاد، عن عبدالله الأصمّ، عن معاويةَ بن وَهْب قال: استأذنت على أبي عبداللهعليه‌السلام - وذكر الحديث والدُّعاء لزوَّار الحسينعليه‌السلام -.

وحدَّثني محمّد بن الحسين بن متّ الجوهريّ، عن محمّد بن أحمدَ بن يحيى، عن موسى بن عُمَرَ، عن غَسّان البَصريّ، عن معاويةَ بن وَهْب. وحدَّثني محمّد ابن يعقوبَ؛ عن عليُّ بن الحسين، عن عليِّ بن إبراهيم بن هاشم - عن بعض أصحابنا - عن ابراهيم بن عُقْبَةَ، عن معاوية بن وَهْب قال: استأذنت على أبي عبداللهعليه‌السلام - وذكر مثل حديث الدُّعاء الّذي في زوّار الحسينعليه‌السلام -.

حدَّثني أبيرحمه‌الله وعليُّ بن الحسين؛ وجماعَة مشايخنا، عن أحمدَ بن إدريسَ؛ ومحمّد بن يحيى جميعاً، عن العَمْركي بن عليٍّ البوفكيِّ، عن يحيى خادم أبي جعفر الثّانيعليه‌السلام -، عن ابن أبي عُمَير، عن معاوية بن وَهْب قال: استأذنت على أبي عبداللهعليه‌السلام - وذكر الحديث -.

٤ - حدَّثني حكيم بن داود، عن سَلَمَة بن الخطّاب، عن الحسن بن عليٍّ

__________________

١ - كذا، والصّواب: « غسّان البصريّ » كما تقدم.

٢ - في بعض النّسخ: « كان بيده »، وفي بعضها: « كان نبذه »، والصّواب ما في المتن، وتقدّم الخبر في ص ١٢٥ تحت رقم ١ إلى قوله: « والأئمة عليهم السلام » مع بيانه.

١٣٢

الوَشّاء - عمّن ذكره - عن داودَ بن كثير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إنَّ فاطمةعليها‌السلام بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله تحضر لزوَّار قبر ابنها الحسينعليه‌السلام فتستغفر لهم ذنوبهم ».

الباب الحادي والأربعون

( دعاء الملائكة لزُوَّار الحسين عليه السلام)

١ - حدّثني محمّد بن جعفر الرَّزّاز الكوفي، عن خاله محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن موسى بن سَعدانَ، عن عبدالله بن القاسم، عن عُمَرَ بن أبان الكَلبيِّ، عن أبان بن تَغلِب « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : أربعة آلاف ملك عند قبر الحسينعليه‌السلام شُعْثٌ غُبْرٌ يبكونه إلى يوم القيامة، رئيسهم مَلَكٌ يقال له: منصور، ولا يَزوُرُه زائِر إلاّ استقبلوه، ولا يودّعه مُوَدّع إلاّ شَيّعوه، ولا يمرض إلاّ عادوه، ولا يموت إلاّ صلّوا عليه [و] على جنازته، واستغفروا له بعد مَوته »(١) .

٢ - وحدَّثني أبيرحمه‌الله ومحمّد بن الحسن؛ وعليُّ بن الحسين؛ عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن عليِّ بن الحكم، عن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: وكّل الله تبارك وتعالى بالحسينعليه‌السلام سبعين ألف ملك يصلّون عليه كلّ يوم شُعثاً غُبراً، ويدعون لمن زارَه ويقولون: يا ربِّ هؤلاء زُوَّار الحسينعليه‌السلام ؛ افعل بهم، وافعل بهم - كذا وكذا - ».

٣ - حدّثني حكيم بن داود، عن سَلَمةَ، عن موسى بن عُمَرَ، عن حَسّان البصري(٢) ، عن معاوية بن وَهْب، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: لا تدع زيارة الحسينعليه‌السلام ، أما تحبّ أن تكون فيمن تدعو له الملائكة ».

__________________

١ - هذا الحديث رواه ابن أبي الفوارس في أربعينه كما أوعز إليه العلاّمة الأميني ( ره ) سابقاً.

٢ - تقدّم الكلام فيه، راجع ص ١٢٥ ذيل الخبر ١.

١٣٣

٤ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن أحمدَ بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن عليِّ بن الحكم، عن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: وكّل اللهُ تعالى بقبر الحسينعليه‌السلام سبعين ألف ملك يصلّون عليه كلَّ يوم شُعثاً غُبراً مِن يوم قُتل لى ما شاء الله - يعني بذلك قيام القامعليه‌السلام -، ويدعون لمن زارَه ويقولون: يارَبِّ هؤلاء زُوَّار الحسينعليه‌السلام افعل بهم وافعل بهم ».

٥ - حدَّثني الحسين بن محمّد بن عامِر، عن أحمدَ بن إسحاقَ بن سعد، عن سَعدانَ بن مسلم، عن عُمَرَ بن أبان، عن أبان بن تَغلِب، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: كأنّي بالقائم [عليه‌السلام ] على نجف الكوفة وقد لبس دِرْع رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فينتفض هو بها فتستدير عليه، فيغشيها بِحِداجة مِن اسْتبرق، ويركب فَرَساً أدهم بين عينيه شِمراخ فينتفض به انتفاضة(١) لا يبقى أهل بلد إلاّ وهم يرون أنّه معهم في بلادهم، فينتشر راية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، عَمودها مِن عمود العرش، وسائرها من نصر الله، لا يهوي بها إلى شيءٍ أبداً إلاّ أهْلَكه الله، فإذا هزَّها(٢) لم يبق مؤمن إلّا صارَ قلبه كَزبر الحديد، ويعطى المؤمن قوَّة أربعين رَجلاً، ولا يبقى مؤمن ميّتٌ إلاّ دَخلتْ عليه تلك الفَرْحة في قبره، وذلك حين يتزاوَرُون في قبورهم(٣) ، ويتباشرون بقيام القائم، فينحطّ عليه ثلاث عشر آلاف مَلَك وثلاثمائة وثلاث عشر مَلَكاً، قلت: كلُّ هؤلاء الملائكة؟ قال: نَعَم؛ الّذين كانوا مع نوح في السّفينة، والّذين كانوا مع ابراهيم حين اُلقي في النّار، والَّذين كانوا مع موسى حين فلَقَ البحر لبني إسرائيل، والَّذين كانوا مع عيسى حين رَفَعه الله إليه، وأربعة آلاف مَلَك مع النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله مُسَوِّمين، وألف مُردفين(٤) ،

__________________

١ - انتفض الثّوب: حرّكه ليزول عن الغبار، والحداجة - بالكسر -: ما تركب فيه النِّساء على البعير كالهودج، والشِّمْراخ: غُرّة الفرس إذا دقّت وسالت وجلّلت الخَيْشوم ولم تبلغ الجَحفَلَة.

٢ - أي حرّكها.

٣ - تزاور القومُ: زار بعضهم بعضاً.

٤ - قوله: « مُسَوِّمينَ » أي معلمين مِن التّسويم الّذي هو إظهار سيماء الشّيء، و « مُرْدِفين ».

١٣٤

وثلاثمائة وثلاثة عشر ملائكةً بَدْرِيّين، وأربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القِتال مع الحسينعليه‌السلام ، فلم يؤذن لهم في القِتال فهم عند قبره شُعثٌ غُبرٌ يبكونه إلى يوم القيامة، ورئيسهم ملكٌ يقال له: منصور، فلا يزوره زائرٌ إلاّ استقبلوه، ولا يودّعه مودّع إلاّ شَيّعوه، ولا يمرض مريض إلاّ عادوه، ولا يموت ميّت إلاّ صلّوا على جنازته، واستغفروا له بعدَ مَوته، وكلُّ هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائمعليه‌السلام إلى وقت خروجه صلوات الله عليه ».

الباب الثّاني والأربعون

( فضل صلاة الملائكة لزُوّار الحسين عليه السلام)

١ - حدّثني الحسن بن عبدالله بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن أبي المَغرا، عن عَنْبَسَة، عن أبي عبدا‏عليه‌السلام « قال: سمعته يقول: وكّل الله بقبر الحسين بن عليِّعليهما‌السلام سبعين ألف ملك يعبدُون الله عنده، الصّلاة الواحِدَة من صلاة أحدهم تعدل ألف صلاة من صلاة الآدميّين، يكون ثواب صلاتهم لزوّار قبر الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام وعلى قاتله لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين أبد الآبدين ».

٢ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن سيف بن عَمِيرَة، عن بكر بن محمّد الأزديِّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: وكّل الله تعالى بقبر الحسينعليه‌السلام سبعين ألف ملكٍ شُعثاً غُبراً يبكونه إلى يوم القيامة، يصلّون عنده، الصّلاة الواحدة من صلاة أحدهم تَعدِل ألف صلاة من صلاة الآدميّين، يكون ثوابُ صلاتهم وأجرُ ذلك لمن زارَ قبرَهعليه‌السلام »(١) .

* * * * *

__________________

أي متبعين المؤمنين، أو بعضهم بعضاً، من أردفتُه أنا إذا جئت بعده، أو متبعين بعضهم بعضاً المؤمنين. ( البيضاوي ).

١ - تقدّم الخبر في ص ٩٠ تحت رقم ١٤.

١٣٥

الباب الثّالث والأربعون

( إنّ زيارة الحسين عليه السلام فرض وعهد لازم له)

( ولجميع الأئمّة عليهم السلام على كلّ مؤمن ومؤمنة)

١ - حدَّثني أبيرحمه‌الله ومحمّد بن الحسن، عن الحسن بن مَتِّيل. وقال محمّد بن الحسن: وحدَّثني محمّد بن الحسن الصّفّار جميعاً، عن أحمدَ بن أبي عبدالله البرقيّ قال: حدَّثنا الحسن بن عليِّ بن فضّال قال: حدَّثني أبو أيّوب إبراهيم بن عثمان الخَزَّاز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: مُروا شيعتَنا بزيارة قبر الحسينعليه‌السلام ، فإن إتيانه مفترض على كلِّ مؤمن يُقرُّ للحسينعليه‌السلام بالإمامة مِن الله عزَّوجلَّ »(١) .

٢ - حدَّثني أبي؛ وأخي؛ وعليُّ بن الحسين؛ ومحمّدُ بنُ الحسنرحمهم‌الله جميعاً، عن أحمدَ بن إدريسَ، عن عبيدالله بن موسى، عن الوَشّاء « قال: سمعت الرِّضاعليه‌السلام يقول: إنَّ لِكلِّ إمام عَهدا في عنق أوليائه وشيعته، وإنَّ مِن تمام الوَفاء بالعهد وحُسن الأداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رَغبةً في زيارتهم وتَصديقاً لما رَغّبوا فيه كان أئمّتُهم شُفعاءَهم يوم القيامة ».

حدَّثني محمّد بن يعقوبَ الكلينيُّ، عن أحمدَ بن إدريس بإسناده مثله سواء(٢) .

٣ - حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز قال: حدَّثني محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن أبي داود المسترقّ، عن اُمّ سعيد الاُحْمَسِيّة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قالت: قال لي: يا اُمّ سعيد تزورين قبر الحسين؟ قالت: قلت: نَعَم، فقال لي:

__________________

١ - الخبر بهذا السّند مذكور في التّهذيب ( ج ٦ ص ٤٨ تحت رقم ١ ) بزيادة وهي: « فإنّ إتيانه يزيد في الرّزق، ويمدّ في العمر، ويدفع مدافع السّوء وإتيانه مفترضٌ - إلخ ». وسيأتي الخبر بتمامه في الباب ٦١ تحت رقم ١.

٢ - راجع الكافي المجلّد الرّابع ص ٥٦٧ تحت رقم ٢.

١٣٦

زوريه؛ فإنَّ زيارة قبر الحسين واجبة على الرّجال والنّساء ».

٤ - حدَّثني أبي؛ ومحمّد بن الحسن - رحمهما الله - جميعاً، عن الحسن بن مَتِّيل، عن الحسن بن عليِّ الكوفيّ، عن عليّ بن حسّان الهاشميّ، عن عبدالرَّحمن بن كثير مولى أبي جعفر(١) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: لو أنَّ أحدكم حجّ دَهْره، ثمّ لم يَزُرِ الحسين بن عليِّعليهما‌السلام لكان تاركاً حقّاً مِن حقوق الله وحقوق رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لاُنَّ حقَّ الحسين فَرِيضةٌ مِن اللهِ، واجبةٌ على كلِّ مسلم ».

الباب الرِّابع والأربعون

( ثواب مَن زار الحسين عليه السلام بنفسه أو جهّز إليه غيره)

١ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريّ، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد بن سالم، عن محمّد بن خالد، عن عبدالله بن حمّاد البَصريّ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ، عن محمّد البَصريّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعت أبي يقول لرجل من مواليه - وسأله عن الزّيارة - فقال له: مَن تزور ومَن تريد به؟ قال: الله تبارك وتعالى، فقال: مَن صَلّى خَلفَه صلاةً واحدة(٢) يريد بها الله(٣) لقي الله يوم يلقاه وعليه مِن النّور ما يغشى له كلَّ شيءٍ يَراه، والله يكرم زُوَّاره ويمنع النّار أن تنال منهم شيئاً، وإنَّ الزَّائر له لا يتناهى له دون الحوض وأمير المؤمنينعليه‌السلام قائمٌ على الحوض يصافحه ويروّيه من الماء، وما يسبقه أحدٌ إلى وروده الحوض حتّى يروى، ثمَّ ينصرف إلى منزله من الجنّة ومعه ملك من قبل أمير المؤمنينعليه‌السلام قائم على الحوض يصافحه ويروّيه من الماء، وما يسبقه أحدٌ إلى وروده الحوض حتّى يروي، ثمَّ ينصرف إلى منزله من الجنّة ومعه ملك من قبل أمير المؤمنين يأمر الصّراط أن يذلَّ له، ويأمر النّار أن لا تصيبه من لَفْحها(٤) شيء حتّى يجوزها، ومعه رسوله الّذي بعثه أمير المؤمنينعليه‌السلام ».

__________________

١ - يعني المنصور العبّاسيّ.

٢ - في بعض النّسخ: « صلاة واجبة » وفي البحار كما في المتن.

٣ - أي التّقرّب إلى الله تعالى.

٤ - أي حرّها واحتراقها.

١٣٧

٢ - وبإسناده عن الأصمّ(١) قال: حدَّثنا هشام بن سالم، عن أبي عبداللهعليه‌السلام - في حديث طويل - « قال: أتاه رَجل فقال له: ياابن رسول الله هل يُزار والدُك؟ قال: فقال: نَعَم ويصلّى عنده، وقال: يصلّى خلفَه ولا يتقدَّم عليه، قال: فما لمن أتاه؟ قال: الجنّة إن كان يأتمُّ به، قال: فما لمن تركه رَغبةً عنه؟ قال: الحَسرة يوم الحسرة، قال: فما لمن أقام عنده؟ قال: كلُّ يوم بألف شهر، قال: فما للمُنفق في خروجه إليه والمنُفق عندَه؟ قال: درهم بألف درهم؛

قال: فما لِمَن مات في سَفره إليه؟ قال: تُشيّعه الملائكة، وتأتيه بالحنوط والكسوة مِن الجنّة، وتصلّي عليه إذ كفّن وتكفّنه فوق أكفانه، وتفرش له الرّيحان تحته، وتدفع الأرض حتّى تصوّر من بين يديه(٢) مسيرة ثلاثة أميال، ومِن خَلفِه مثل ذلك، وعند رَأسه مثل ذلك، وعند رِجليه مثل ذلك، ويفتح له باب من الجنّة إلى قبره، ويدخل عليه رَوحها ورَيحانها حتّى تقوم السّاعة؛

قلتُ: فما لِمَن صلّى عنده؟ قال: مَن صلّى عنده رَكعتين لم يسألِ الله تعالى شيئاً إلاّ أعطاه إيّاه، قلت: فما لِمَن اغتسل مِن ماءِ الفُرات، ثمّ أتاه؟ قال: إذا اغتسل مِن ماءِ الفرات وهو يريده تساقَطَتْ عنه خطاياه كيوم ولَدَتْه اُمّه، قال: قلت: فما لِمَن يجهز إليه ولم يخرج لعلّه تُصيبه؟ قال: يعطيه الله بكلِّ دِرْهم أنفقه مثل اُحُد مِن الحَسَنات، ويخلف عليه أضعاف ما أنفقـ[ـه]، ويصرف عنه من البلاء ممّا قد نزل ليصيبها، ويدفع عنه، ويحفظ في ماله؛

قال: قلت: فما لِمَن قُتل عنده، جار عليه سلطانٌ فقتَله؟ قال: أوَّل قطرة مِن دَمِه يُغفَر له بها كلُّ خطيئة، وتَغسلُ طِينتَه الّتي خُلق منها الملائكةُ حتّى تخلص كما خلصتِ الأنبياء المخلصين، ويذهب عنها ما كان خالطها مِن أجناس طين أهل الكفر، ويغسل قلبه ويشرح صدره ويملأ إيماناً فيلقى الله وهو مخلَصٌ مِن كلِّ ما تخالطه الأبدان والقلوب، ويكتب له شفاعة في أهل بيته

__________________

١ - يعنى عبدالله بن عبدالرّحمن المسمعيّ.

٢ - على بناء التّفعّل بحذف إحدى التّاءين أي تسقط وتنهدم.

١٣٨

وألف مِن إخوانه، وتولّى الصّلاة عليه الملائكة مع جَبرئيل وملك الموت، ويؤتى بكفنه وحنوطه مِن الجَنّة، ويوسّع قبره عليه ويوضع له مصابيح في قبره ويفتح له بابٌ من الجَنَّة، وتأتيه الملائكة بالطُّرَف مِن الجَنّة، ويرفع بعد ثمانية عشر يوماً إلى حَظيرة القُدْس، فلا يزال فيها مع أولياء الله حتّى تصيبه النّفخة الّتي لا تبقى شيئاً؛

فإذا كانت النّفخة الثّانية وخرج من قبره كان أوَّل مَن يصافحه رَسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين والأوصياءعليهم‌السلام ويُبشّرونه ويقولون له: ألزمنا، ويقيمونه على الحوض فيشرب منه ويسقي مَن أحبّ.

قلت: فما لمن حُبس في إتيانه؟ قال: له بكلِّ يوم يحبس ويغتمّ فَرْحَةٌ إلى يوم القيامة، فإن ضُرِب بعدَ الحَبْس في إتيانه كان له بكلِّ ضربةٍ حَوراء وبكلِّ وَجَع يدخل على بَدَنه ألفُ ألف حَسَنةٍ، ويُمحا بها عنه ألفُ ألف سيئةٍ، ويرفع له بها ألفُ ألف دَرَجةٍ، ويكون مِن محدّثي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى يفرغ مِن الحساب، فيصافحه حملة العرشِ ويقال له: سَلْ ما أحببتَ؛

ويؤتى ضاربه للحساب فلا يسأل عن شيء ولا يحتسب بشيء ويؤخذ بضَبْعَيه حتّى ينتهي به إلى ملك يَحبوه ويتحفه(١) بشربةٍ مِن الحميم، وشربةٍ مِن الغِسلين، ويوضع على مقال في النّار، فيقال له: ذُقْ ما قَدَّمَتْ يداك فيما أتيتَ إلى هذا الَّذي ضربته، وهو وَفدُ الله ووَفدُ رسوله ويأتي بالمضروب إلى باب جهنّم فيقال له: انظر إلى ضاربك وإلى ما قد لقي فهل شَفيت صَدرك، وقَدِ اقتُصَّ لك منه؟ فيقول: الحمد ‏لله الَّذي انتصر لي ولِولد رَسوله منه ».

٣ - وبهذا الإسناد عن الاُصَمّ، عن عبدالله بن بُكَير - في حديث طويل - « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : يا ابن بُكير إنَّ الله اختار مِن بقاع الأرض سِتّةً: البيت الحرام، والحَرَم، ومقابر الأنبياء، ومقابر الأوصياء، ومقاتل الشُّهداء(٢) ،

__________________

١ - « يحبوه » من الحبوة بمعنى العطيّة، وذلك على سبيل التّهكّم، وفي بعض النّسخ: « فيحيّزه ».

٢ - في بعض النّسخ: « ومقابر الشّهداء ».

١٣٩

والمساجد الَّتي يذكر فيها اسم الله، ياابن بُكير هل تَدري ما لِمَن زارَ قبرَ أبي عبدالله الحسينعليه‌السلام إن جهله الجاهلون، ما مِن صباح إلاّ وعلى قبره هاتفٌ من الملائكة يُنادي: يا طالب الخير (١) أقبل إلى خالِصة الله تَرحل بالكرامة وتأمن النَّدامة، يسمعُ أهل المَشرِق وأهلُ المغرب إلاّ الثّقَلَين، ولا يبقى في الأرض مَلكٌ مِن الحفظة إلاّ عطف عليه عند رُقاد (٢) العبد حتّى يسبّح اللهَ عنده، ويسألُ اللهَ الرّضا عنه، ولا يبقى ملكٌ في الهوا يسمع الصّوت إلاّ أجاب بالتّقديس لله تعالى، فتشتد أصوات الملائكة، فيجيبهم أهل السّماء الدُّنيا، فتشتدُّ أصوات الملائكة وأهل السَّماء الدُّنيا حتّى تبلغ أهل السّماء السّابعة فيَسْمَعُ أصواتَهم النَّبيّون (٣) فيترحَّمون ويُصَلّون على الحسينعليه‌السلام ويدعون لمن زارَه »(٤) .

الباب الخامس والأربعون

( ثواب مَن زار الحسين عليه السلام وعليه خوفٌ)

١ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد بن سالم، عن محمّد بن خالد، عن عبدالله بن حمّاد البصريّ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ، عن حمّاد ذي النّاب، عن رُوميّ(٥) ، عن زُرارةَ « قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : ما تقولُ فيمن زارَ أباك على خوف؟ قال: يؤمنه الله يوم الفَزَع الأكبر، وتلقّاه الملائكة بالبِشارة، ويقال له: لا تَخَفْ ولا تَحزَنْ هذا يومك الَّذي فيه فَوزُك ».

٢ - وبإسناده، عن الأصمّ، عن ابن بُكَير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قلت له: إنّي أنزل الأرَّجان(٦) وقلبي ينازِعُني إلى قبرِ أبيك، فإذا خرجت فقلبي

__________________

١ - في بعض النّسخ: « يا باغي الخير ».

٢ - رَقَدَ الرّجل رَقْداً ورُقاداً: نام.

٣ - في بعض النّسخ: « فيُسمع الله أصواتهم النَّبيِّين ».

٤ - في بعض النّسخ « لمن أتاه ».

٥ - هو ابن زرارة بن أعين الشّيبانيّ، وراويه حمّاد بن عثمان، وهما ثقتان.

٦ - تقدّم الكلام فيه، راجع ص ١١٠ ذيل الخبر ٧.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357