كامل الزيارات

كامل الزيارات16%

كامل الزيارات مؤلف:
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مكتبة الصدوق
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 357

كامل الزيارات المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 146787 / تحميل: 9210
الحجم الحجم الحجم
كامل الزيارات

كامل الزيارات

مؤلف:
الناشر: مكتبة الصدوق
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ثُمّ إنّ القرآن في الأصل مصدر نحو رجحان ، قال سبحانه :( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ ) .(١)

قال ابن عبّاس : إذا جمعناه وأثبتناه في صدرك فاعمل به

وقد خُصّ بالكتاب المُنزَّل على نبيِّنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فصار له كالعَلَم ، كما أنّ التوراة لمّا أُنزل على موسىعليه‌السلام ، والإنجيل لمّا أُنزل على عيسىعليه‌السلام

قال بعض العلماء : تسمية هذا الكتاب قُرآناً من بين كتب اللّه ، لكونه جامعاً لثَمرَة كُتبِه ، بل لجمعه ثَمرَة جميع العلوم ، كما أشار تعالى إليه بقوله :( وَتَفصيلاً لكلِّ شيء ) .(٢)

وعلى هذا ، فالقرآن مِن قَرَأَ بمعنى : جمع ، ولكن يُحتمل أن يكون بمعنى القراءة ، كما في قوله سبحانه : ( وَقُرآنَ الفَجْر ) (٣) ، أي : قراءته

الحلف بالكتاب :

حلف سبحانه بالكتاب مرَّتين وقال :

١ ـ( حم * والكتابِ المُبِين * إِنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرين ) (٤)

٢ ـ( حم * وَالكتابِ المُبِين * إِنّا جَعَلْناهُ قُرآناً عَرَبياً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون ) (٥)

ــــــــــــــــ

(١) القيامة : ١٧ـ ١٨

(٢) الأنعام : ١٥٤

(٣) الإسراء : ٧٨

(٤) الدخان : ١ـ٣

(٥) الزخرف : ١ـ٣

٦١

فالمُقسَم به هو الكتاب ، والمُقسَم عليه في الآية الأولى قوله :( إِنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَة مُباركة ) ، والصِلة بينهما واضحة ، حيث يحلف بالكتاب على أنّه مُنزَّل من جانبه سبحانه في ليلة مباركة

كما أنّ المُقسَم به في الآية الثانية هو الكتاب المبين ، والمُقسَم عليه هو الحلف على أنّه سبحانه جعله قرآناً عربيّاً للتعقّل ، والصِلة بينهما واضحة

ووُصف الكتاب بالمُبين دون غيره ؛ لاَنّ الغاية من نزول الكتاب هو إنذارهم وتعقّلهم ، كما جاء في الآيتين ، حيث قال :( إِنّا كُنّا مُنذرين ) ، وقال :( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون ) ، وهذا النوع من الغاية ، أي : الإنذار والتعقّل ، يطلب لنفسه أن يكون الكتاب واضحاً مفهوماً ، لا مجهولاً ومعقداً

والكتاب في الأصل مصدر ، ثُمّ سُمّي المكتوب فيه كتاباً

إلى هنا تمّ الحلف بالقرآن والكتاب

بقي هنا الكلام في عظمة المُقسَم به

ويكفي في ذلك أنّه فعله سبحانه ، حيث أنزله لهداية الناس وإنقاذهم من الضلالة

وقد تكلّم غير واحد من المُفكّرين الغربيّين حول عظمة القرآن ، والأحرى بنا أن نرجع إلى نفس القرآن ونَستنطِقه حتى يُبدي رأيه في حقِّ نفسه

أ ـ القرآن نور ينير الطريق لطلاّب السعادة ، قال سبحانه :( قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِين ) (١)

ب ـ إنّه هدى للمُتَّقين ، قال سبحانه : ( هُدىً لِلْمُتَّقين ) (٢) فهو وإن كان هدى لعامّة الناس ، إلاّ أنّه لا يستفيد منه إلاّ المُتَّقون ؛ ولذلك خصَّهم بالذِكر

ــــــــــــــــ

(١) المائدة : ١٥

(٢) البقرة : ٢

٦٢

ج ـ هو الهادي إلى الشريعة الأقوَم ، قال سبحانه :( إِنَّ هذا القُرآنَ يَهدِي لِلَّتي هِي أَقْوم ) (١)

د ـ الغاية من إنزاله قيام الناس بالقِسط ، قال سبحانه :( وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالقِسْطِ ) .(٢)

هـ ـ لا يتطرَّق إليه الاختلاف في فصاحته وبلاغته ، ولا في مضامينه ولا محتواه ، قال سبحانه :( وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيرِ اللّهِ لوَجَدُوا فِيهِ اختلافاً كَثِيراً ) (٣)

و ـ يحثّ الناس إلى التدبُّر والتفكّر فيه :( كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُباركٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ ) (٤)

ز ـ تبيان لكلّ شيء :( وَنَزلْنا عَليْكَ الكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيء ) (٥)

ح ـ نذير للعالمين :( تَبارَكَ الَّذي نَزَّل الفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً ) (٦)

ط ـ فيه أحسن القَصص :( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَص ) (٧)

ــــــــــــــــ

(١) الإسراء : ٩

(٢) الحديد : ٢٥

(٣) النساء : ٨٢

(٤) ص : ٢٩

(٥) النحل : ٨٩

(٦) الفرقان : ١

(٧) يوسف : ٣

٦٣

ي ـ ضُرب فيه للناس من كلِّ مَثل :( وَلَقَدْ صَرَّفْنا في هذا الْقُرآنِ لِلنّاسِ من كُلِّ مَثَل ) (١)

هذه نماذج من الآيات الّتي تصف القرآن ببعض الأوصاف

وللنبي والأئمّة المعصومين كلمات قيِّمة حول التعريف بالقرآن ، ننقل شذرات منها :

قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيباً ، فقال :( أيّها الناس ، إنّكم في دار هُدنة ، وأنتم على ظَهرِ سفر ، والسير بكم سريع ، وقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يُبليان كلّ جديد ، ويُقرّبان كلّ بعيد ، ويأتيان بكلّ موعود ، فأعدّوا الجهاز لبُعد المُجاز )

فقام المُقداد بن الأسود وقال : يا رسول اللّه ، و ما دار الهُدنة ؟

قال : ( دار بلاغٍ وانقطاعٍ .

فإذا التبست عليكم الفِتن كقطع اللّيل المُظلِم ، فعليكم بالقرآن ، فإنّه شافِع مُشفَّع وماحِل مُصدَّق ، ومَن جعله أَمامَه قادَه إلى الجنّة ، ومَن جعله خلفه ساقه إلى النار

وهو الدليل ، يدلُّ على خير سبيل ، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل ، وهو الفَصل ليس بالهَزل ، وله ظَهْر وبَطْن ، فظاهره حكم وباطنه عِلم ، ظاهره أنيق وباطنه عَميق ، له نجوم وعلى نجومه نجوم ، لا تُحصى عجائبه ولا تبلَى غرائبه ، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ، ودليل على المعرفة لمَن عرف الصِفة

فليَجل جال بَصَره ، وليبلغ الصِفة نظره ، ينج مَن عطب ، ويتخلَّص مَن نشب ، فإنّ التَفكُّر حياة قلبِ البصير ، كما يمشي المُستنير في الظلمات بالنور ، فعليكم بحُسنِ التخلّص وقلَّة التربّص ) (٢)

ــــــــــــــــ

(١) الكهف : ٥٤

(٢) الكافي : ٢/٥٩٩ ، كتاب فضل القرآن

٦٤

وقال الإمام علي أمير المؤمنينعليه‌السلام في وصف القرآن :

( ثُمّ أنزلَ عليه الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه ، وسراجاً لا يخبُو توقُّده ،وبحراً لا يُدرك قعرُه ، فهو ينابيع العلم وبحوره ، وبحر لا يَنزِفه المُستنزفون ، وعيون لا يُنضِبُها الماتِحُون ، ومناهل لا يَغيضُها الواردون ) (١)

إلى غير ذلك من الخُطب والكلم حول التعريف بالقرآن ، الواردة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام

ــــــــــــــــ

(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٩٨

٦٥

الفصل الخامس : القَسَمُ بالعَصْر

حلف سبحانه بالعصر مرّةً واحدة ، دون أن يقرنه بمُقسَمٍ به آخر ، وقال :( وَالعَصْر * إِنّ الإنْسانَ لَفي خُسْر ) (١)

تفسير الآيات :

العَصْر يُطلق ويراد منه تارة : الدَهر ، وجَمْعه عصور

وأُخرى : العَشيّ مقابل الغداة ، يُقال : العصران : الغداة والعشي ، والعصران : الليل والنهار ، كالقمرين للشمس و القمر

وثالثة : بمعنى الضَغْط ، فيكون مصدر عَصَرْتُ ، والمَعصور الشيء العصر ، والعُصارة نفاية ما يُعصَر ، قال سبحانه :( أَراني أَعْصِرُ خَمراً ) (٢) ، وقال :( وفيهِ يَعْصِرُون ) (٣) ، وقال :( وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً ) (٤) أي : السُّحُب الّتي تعتصرُ بالمَطَر

ورابعة : بمعنى ما يُثير الغبار ، قال سبحانه :( فَأَصابَها إعصار ) (٥) .(٦)

والمُراد من الآية أحد المَعنيين الأوّليين :

الأوّل : الدَهر والزمان

الثاني : العَصْر مقابل الغداة

ولا يناسب المعنى الثالث ، أعني : الضغط ، ولا الرابع ، كما هو واضح

ــــــــــــــــ

(١) العصر : ١ـ٢

(٢) يوسف : ٣٦

(٣) يوسف : ٤٩

(٤) النبأ : ١٤

(٥) البقرة : ٢٦٦

(٦) مفردات القرآن : مادّة عصر ، و مجمَع البيان : ٥/٥٣٥

٦٦

وإليك بيان المَعنَيين الأوّلين

١ ـ العَصْر : الدَهْر . وإنّما حلف به ؛ لأنّ فيه عبرة لذوي الأبصار من جهة مرور الليل والنهار

وقد نُسب ذلك القول إلى ابن عبّاس ، والكلبي ، والجبائي

قال الزَمخشري : وأقسَمَ بالزمان ؛ لما في مروره من أصناف العجائب(١)

ولعلّ المُراد من الدهر والزمان اللّذين يُفسِّرون بهما العصر هو تاريخ البشريّة ؛ وذلك لأنّه سبحانه جعل المُقسَم عليه كون الإنسان لفي خسر إلاّ طائفة خاصّة ، ومن المعلوم أنّ خسران الإنسان أنّه هو مِن تصرّم عُمْره ، ومضي حياته من دون أن ينتفع بأغلى رأس مالٍ وقع في يده

وقد نقل الرازي هنا حكاية طريفة ، نأتي بنصِّها :

قال : وعن بعضِ السَلَف ، تعلّمتُ معنى السورة من بائع الثلج ، كان يصيح ويقول : ارحموا مَن يذوب رأس ماله ، ارحموا مَن يذوب رأس ماله ، فقلت : هذا معنى أنّ الإنسان لفي خُسْر ؛ يمرّ به العصر فيمضي عمره ولا يكتسب ، فإذا هو خاسر(٢)

٢ ـ العصر : أحدُ طَرفَي النهار . وأقسم بالعَصر كما أَقسم بالضُحى ، وقال :( والضحى * واللَّيل إذا سَجى ) (٣) ، كما أقسم بالصبح وقال :( والصُّبح إِذا أَسفَر ) (١)

وإنّما أقسَمَ بالعَصرِ لأهمّيّته ، إذ هو في وقت من النهار يحدث فيه تغيير في نظام المَعيشة وحياة البشر ، فالأعمال اليوميّة تنتهي ، والطيور تعود إلى أوكارها ، وتبدأ الشمس بالميل نحو الغروب ، ويستولي الظلام على السماء ، ويخلد الإنسان إلى الراحة

ــــــــــــــــ

(١) الكشّاف : ٣/٣٥٧

(٢) تفسير الفخر الرازي : ٣٢/٨٥

(٣) الضحى : ١ـ٢

٦٧

وهناك قولان آخران :

أ ـ المرادُ عَصْر الرسول ذلك لما تضمَّنته الآيتان التاليتان من شمول الخسران للعالم الإنساني ، إلاّ لمَن اتَّبع الحقّ وصبر عليه ، وهم المؤمنون الصالحون عملاً ، وهذا يؤكّد على أن يكون المراد من العصر عصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو عصر بزوغ نجم الإسلام في المجتمع البشري ، وظهور الحقّ على الباطل

ب ـ المراد به وقت العصر وهو المروي عن مقاتل ، وإنّما أقسَمَ بها ، لفضلها ، بدليل قوله :( حافِظُوا عَلى الصَّلواتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطى ) (٢) ، كما قيل أنّ المراد من قوله تعالى :( تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ ) (٣) هو صلاة العصر

أضف إلى ذلك ، أنّ صلاة العصر يحصل بها ختم طاعات النهار ، فهي كالتوبةِ تُختَم بها الأعمال.

ولا يخفى أنّ القول الأخير في غاية الضعف ؛ إذ لا صِلة بين القَسَم بصلاة العصر والمُقسَم عليه ، أعني :( الإنْسان لفي خُسر ) ، على أنّه لو كان المُقسَم به هو صلاة العصر ، لماذا اكتفى بالمضاف إليه وحذف المضاف ، مع عدم توفُّر قرينة عليه ؟! ومنه يظهر حال الوجه المُتقدّم عليه

والظاهر أنّ الوجه الأوّل هو الأقوى ؛ حيث أنّ الحلف بالزمان وتاريخ البشرية يتناسب مع الجواب ، أي : خسران الإنسان في الحياة ، كما سيوافيك بيانه

ــــــــــــــــ

(١) المُدّثّر : ٣٤

(٢) البقرة : ٢٣٨

(٣) المائدة : ١٠٦

٦٨

وأمّا المُقسَم عليه ، فهو قوله سبحانه :( إِنَّ الإنسانَ لَفي خُسْر ) ، والمراد من الخسران هو : مضيّ أثمَن شيء لديه وهو عمره ، فالإنسانُ في كلّ لحظة يفقد رأس ماله ، بنحوٍ لا يُعوَّض بشيء أبداً ، وهذه هي سُنَّة الحياة الدنيويّة ، حيث ينصرم عمره ووجوده بالتدريج ، كما تنصرم طاقاته إلى أن يهرم ويموت ، فأيُّ خسران أعظم من ذلك ؟!

وأمّا الصِلة بين المُقسَم به والمُقسَم عليه فأوضح من أن يخفى ؛ لاَنّ حقيقة الزمان حقيقة مُتصرّمة غير قارة ، فهي تنقضي شيئاً فشيئاً ، وهكذا الحال في عمر الإنسان ، فيخسر وينقص رأس ماله بالتدريج

ثُمّ أنّه سبحانه استثنى من الخسران مَن آمن وعمل صالحاً ، وتواصى بالحقِّ وتواصى بالصبر

ووجه الاستثناء واضح ؛ لأنّه بدَّلّ رأس ماله بشيء أغلى وأثمَن ، يستطيع أن يقوم مقام عمره المُنقضي ، فهو بإيمانه وعمله الصالح اشترى حياة دائمة ، حافلة برضوانه سبحانه ونِعمه المادِّية والمعنويّة

يقول سبحانه :( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (١)

ــــــــــــــــ

(١) التوبة : ١١١

٦٩

الفصل السادس : القَسَم بالنَجْم

وردتْ كلمة النجم في القرآن الكريم أربع مرّات في أربع سور(١) ، وحلف به مرَّة واحدة وقال :( وَالنَّجمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهوى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى ) (٢) ، وهي من السور المكِّية

تفسير الآيات :

النَجْمُ في اللغة : الكوكب الطالِع ، وجمعه نُجوم ، فالنجوم مرّة اسم كالقلوب والجيوب ، ومرّة مصدر كالطلوع والغروب

وأمّا ( هوى ) في قوله :( إِذا هَوى ) ، فيُطلق تارة على ميل النفس إلى الشهوة ، وأُخرى على السقوط من علوٍ إلى سفل

ولكنّ تفسيره بسقوط النجم وغروبه لا يُساعده اللفظ ، وإنّما المُراد هو ميله

وسيوافيك وجه الحلف بالنجم إذا هوى ، أي : إذا مالَ

ثُمّ إنّ المراد من النجم أحد الأمرين :

أ ـ أمّا مُطلَق النجم ، فيشمل كافّة النجوم الّتي هي من آيات عظمة اللّه سبحانه ، ولها أسرار ورموز يعجز الذهن البشري عن الإحاطة بها

ــــــــــــــــ

(١) وهي : النحل : ١٦ ، النجم : ١ ، الرحمن : ٦ ، الطارق : ٣

(٢) النجم : ١ـ٤

٧٠

ب ـ المراد هو نجم الشِعْرَى ، الّذي جاء في نفس السورة ، قال سبحانه :( وَانَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعرى ) (١)

ونظيره القول بأنّ المراد هو الثُريّا ، وهي مجموعة من سبعة نجوم ، ستَّة منها واضحة وواحد خافت النور ، وبه تُختبر قوَّة البَصَرِ

وربّما فُسّر بالقرآن الّذي نزل على قلب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة ٢٣ سنة ؛ لنزوله نجوماً(٢) ، لكنّ لفظ الآية لا يُساعد على هذا المعنى ، فاللّه سبحانه إمّا أن يحلف بعامّة النجوم ، أو بنجم خاصِّ يهتدي به السائر

ويدلّ على ذلك أنّه قيَّد القَسَم بوقت هويِّه ، ولعلّ الوجه هو أنّ النجم إذا كان في وسط السماء يكون بعيداً عن الأرضِ لا يهتدي به الساري ، لأنّه لا يعلم به المشرق من المغرب ولا الجنوب من الشمال ، فإذا زال ، تبيَّن بزواله جانب المغرب من المشرق(٣)

وأمّا المُقسَم عليه ، فهو قوله سبحانه :( ما ضَلَّ صاحِبكُمْ وَما غوى * وما ينطق عن الهَوى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحيٌ يُوحى )

جمع سبحانه هناك بين الضلال والغَيِّ فنفاهما عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والقرآنُ يستعمل الضلالة في مقابل الهدى ، يقول سبحانه :( يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذا اهْتَدَيْتُمْ ) (٤)

ــــــــــــــــ

(١) النجم : ٤٩

(٢) انظر الميزان : ١٩/٢٧ ، مجمع البيان : ٥/١٧٢

(٣) تفسير الفخر الرازي : ٢٨/٢٧٩

(٤) المائدة : ١٠٥

٧١

كما يستعمل الغَيّ في مقابل الرُشد ، يقول سبحانه :( وَإِنْ يَرَوا سَبيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخذوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوا سَبيلَ الغَىِّ يَتَّخِذُوهُ سَبيلاً ) (١)

والمُهمُّ بيان الفرق بين الضلالةِ والغواية ، فنقول :

ذكرَ الرازي : أنّ الضلال أن لا يجد السالك إلى مقصَده طريقاً أصلاً ، والغِواية أن لا يكون له طريق مُستقيم إلى المقصَد يدلّك على هذا أنّك تقول للمؤمن الّذي ليس على طريق السَداد : إنّه سَفيه غير رشيد ، ولا تقول إنّه ضالّ ، والضالّ كالكافر ، والغاوي كالفاسق(٢)

وإلى ذلك يرجع ما يقول الراغب : الغيّ جهلٌ من اعتقادٍ فاسد ، وذلك أنّ الجهل قد يكون من كون الإنسان غير معتقد اعتقاداً لا صالحاً ولا فاسداً ، وقد يكون من اعتقاد شيء ، وهذا النحو الثاني يُقال له : غَيّ(٣)

وعلى هذا ، فالآية بصَدَد بيان نفي الضلالة والغَي عن النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وردّ كلّ نوع من أنواع الانحراف والجهل والضلال والخطأ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ليردّ به التُهم المُوجّهة إليه من جانب أعدائه

وأمّا بيان الصِلة بين المُقسَم به والمُقسَم عليه فواضح ، لما ذكرنا من أنّ النجم عند الهوى والميل يهتدي به الساري ، كما أنّ النبي يهتدي به الناس ، أي : بقوله وفعله وتقريره

فكما أنّه لا خطأ في هداية النجم لأنّها هداية تكوينيّة ، وهكذا لا خطأ في هداية الوحي المُوحى إليه ، ولذلك قال :( إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى )

ــــــــــــــــ

(١) الأعراف : ١٤٦

(٢) تفسير الفخر الرازي : ٢٨/٢٨٠

(٣) مفردات الراغب : ٣٦٩

٧٢

الفصل السابع : القسم بمواقع النجوم

حَلَفَ سبحانه وتعالى في سورة الواقعة بمواقع النجوم وقال :( فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُوم * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظيم * إِنَّهُ لَقُرآنٌ كَرِيم * فِي كِتابٍ مَكْنُون * لا يَمَسُّهُ إِلاّ المُطَهَّرُون ) (١)

تفسير الآيات :

المُراد من مواقع النجوم مساقِطها حيث تغيب

قال الراغب : الوقوع : ثبوت الشيء وسقوطه ، يُقال : وقع الطائر وقوعاً ، وعلى ذلك يراد منه مطالِعها ومَغاربها ، يقال : مواقع الغَيث أي : مَساقِطه(٢)

ويدلُّ على أنّ المراد هو مطالع النجوم ومغاربها ، أنّ اللّه سبحانه يُقسِم بالنجوم وطلوعها وجَريها وغروبها ، إذ فيها وفي حالاتها الثلاث آية وعبرة ودلالة ، كما في قوله تعالى :( فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الجَوارِ الكُنَّس ) (٣) ، وقال :( وَالنَّجْم إِذا هَوى ) ، وقال :( فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِب )

ــــــــــــــــ

(١) الواقعة : ٧٥ـ ٧٩

(٢) مفردات الراغب : ٥٣٠ ، مادَّة وَقَعَ

(٣) التكوير : ١٥ـ ١٦ .

٧٣

ويرجح هذا القول أيضاً : أنّ النجوم حيث وقعت في القرآن ، فالمراد منها الكواكب ، كقوله تعالى :( وَإدْبار النُّجوم ) (١) ، وقوله :( وَالشَّمْسُ وَالْقَمرُ وَالنُّجُوم ) (٢)

وأمّا المُقسَم عليه : فهو قوله سبحانه :( إِنَّهُ لَقُرآنٌ كَريم * في كِتابٍ مَكْنُون * لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَّهَرُون )

وصفَ القرآن بصفاتٍ أربع :

أ ـ ( لقُرآنٌ كَريم ) والكريم هو البَهيّ الكثير الخير العظيم النفع ، وهو من كلّ شيء أحسنه وأفضله ، فاللّه سبحانه كريم ، وفعله ـ أعني القرآن ـ مثله

وقال الأزهري : الكريم : اسم جامع لما يُحمَد ، فاللّه كريم يُحمَد فِعاله ، والقرآن كريم يُحمَد ؛ لما فيه من الهدى والبيان والعلم والحكمة

ب ـ( في كتابٍ مَكنُون ) ولعلّ المراد منه هو اللوح المحفوظ ، بشهادة قوله :( بَلْ هُوَ قُرآنٌ مَجيد * في لَوحٍ مَحْفُوظ ) (٣) ويُحتمَل أن يكون المراد الكتاب الّذي بأيدي الملائكة ، قال سبحانه :( في صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرةٍ * بِأَيدِي سَفَرَةٍ * كِرامٍ بَررَةٍ ) (٤)

ج ـ( لا يَمَسُّه إِلاّ المُطهَّرون ) فلو رجع الضمير إلى قوله :( لقُرآنٌ كَريم ) ، كما هو المتبادَر ، لأنّ الآيات بصَدَد وصفه وبيان منزلته ، فلا يمسّ المصحف إلاّ طاهر ، فيكون الإخبار بمعنى الإنشاء ، كما في قوله سبحانه :( وَالمُطلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء ) (٥)

ــــــــــــــــ

(١) الطور : ٤٩

(٢) الحجّ : ١٨

(٣) البروج : ٢١ ـ ٢٢

(٤) عبس : ١٣ ـ ١٦

(٥) البقرة : ٢٢٨

٧٤

ولو قيل برجوع الضمير إلى ( كتابٍ مَكنُون ) ، فيكون المعنى لا يمسّ الكتاب المَكنون إلاّ المطهَّرون

وربّما يُؤيَّد هذا الوجه بأنّ الآية سيقت تنزيهاً للقرآن من أن ينزل به الشياطين ، وأنّ محلّه لا يصل إليه ، فلا يمسّه إلاّ المطهّرون ، فيستحيل على أخابثِ خلق اللّه وأنجسِهم أن يصلوا إليه أو يَمسُّوه ، قال تعالى :( وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطين * وَما يَنْبَغي لَهُمْ وَما يَسْتَطيعُون ) (١)

د ـ( تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمين ) وهذا هو الّذي يُركِّز عليه القرآن في مواقف مختلفة ، وأنّه كتاب اللّه وليس من صنع البشر

وأمّا الصِلة بين القَسَمِ والمُقسَم به فهو واضح ؛ فلاَنّ النجوم بمواقعها ـ أي طلوعها وغروبها ـ يهتدي بها البشر في ظلمات البرِّ والبحر ، فالقرآن الكريم كذلك ، يهتدي به الإنسان في ظلمات الجهل والغَي ، فالنجوم مصابيح حسّية في عالم المادَّة ، كما أنّ آيات القرآن مصابيح معنويَّة في عالم المُجرَّدات

إكمال :

إنّه سبحانه قال :( فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُوم ) ، فالمراد منه القَسَم بلا شكّ ، بشهادة أنّه قال بعده :( وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظيم ) ، فلو كان معنى الآية هو نفي القَسَم ، فلا يُناسب ما بعده ؛ حيث يصفه بأنّه حلف عظيم

وقد اختلف المفسِّرون في هذه الآيات ونظائرها إلى أقوال :

١ ـ ( لا ) زائدة ، مثلها قوله سبحانه :( لئلاّ يَعْلَم )

٢ ـ أصلها ( لأُقسِمُ ) بلام التأكيد ، فلمّا أُشبعَت فتحتها صارت ( لا ) كما في الوقف

٣ ـ ( لا ) نافية ، بمعنى نفي المعنى الموجود في ذهن المُخاطَب ، ثُمّ الابتداء بالقَسَمِ ، كما نقول : لا واللّه ، لا صحَّة لقول الكفّار ، أُقسِم عليه

ــــــــــــــــ

(١) الشعراء : ٢١٠ـ٢١١

٧٥

ثُمّ إنّه سبحانه يصف هذا القَسَم بكونه عظيماً ، كما في قوله :( وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ) ، فقوله : ( عظيم ) وصف ( القَسَم ) ، أُخِّر لحفظِ فواصل الآيات

وهذا القَسَم هو القَسَم الوحيد الّذي وصفه سبحانه بأنّه عظيم

فالحديث هنا هو حديث على الأبعاد ، أبعاد النجوم عنّا وعن بعضها البعض ، في مجرّتنا وفي كلّ المَجرّات

ولأنّها كلّها تتحرَّك ، فإنّ الحديث عن مواقعها يصير أيضاً حديثاً على مداراتها ، وحركاتها الأُخرى العديدة ، وسرعاتها ، وعلى علاقاتها بالنجوم الأُخرى ، وعلى القوى العظيمة والحسابات المُعقَّدة الّتي وضعت كلّ نجم في موقعه الخاصّ به ، وحفظته في علاقات متوازنة دقيقة مُحكمَة ، فهي لا يعتريها الاضطراب ، ولا تتغيَّر سُنَنها وقوانينها ، وهي لا تسير خَبطَ عَشواء ، أو في مساراتٍ متقاطعةٍ أو متعارضة ، بل هي تسير كلّها بتساوق وتناغم ، وانسجام وانتظام تامّين دائمين ، آيات على قدرة القادر سبحانه(١)

يقول الفلكيُّون : إنّ من هذه النجوم والكواكب ـ الّتي تزيد على عدَّة بلايين نجم ـ ما يمكن روَيته بالعين المُجرَّدة ، وما لا يُرى إلاّ بالمجاهر والأجهزة ، وما يمكن أن تَحسَّ به الأجهزة دون أن تراه

هذه كلّها تسبحُ في الفلك الغامض ، ولا يوجد أيّ احتمال أن يقترب مجال مغناطيسي لنجمٍ من مجال نجمٍ آخر ، أو يصطدم كوكب بآخر ، إلاّ كما يُحتمَل تصادم مركب في البحر الأبيض المتوسّط بآخر في المحيط الهادي ، يسيران في اتّجاه واحد وبسرعة واحدة ، وهو احتمال بعيد ، وبعيداً جداً ، إن لم يكن مستحيلاً(٢)

ــــــــــــــــ

(١) أسرار الكون في القرآن : ١٩٢

(٢) اللّه والعلم الحديث : ٢٤

٧٦

الفصل الثامن : القَسَمُ بالسماءِ ذات الحُبُك

حَلَفَ سبحانه في سورة الذاريات بأُمورٍ خمسة ، وجعل للأربعة الأُوَل جواباً خاصّاً ، كما جعل للخامس من الأقسام جواباً آخر ، وبما أنّ المُقسَم عليه مُتعدِّد ؛ فصلنا القَسَم الخامس عن الأقسام الأربعة ، وعقدنا له فصلاً في ضمن فصول القَسَمِ المُفرَد

قال سبحانه :( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ ) (١)

ترى أنّه ذكر للأقسام الأربعة جواباً خاصاً ، أعني قوله :( إِنّما تُوعَدُون لَصادِق * وانّ الدِّين لواقِع )

ثُمّ شرع بحلفٍ آخر ، وقال :( وَالسَّماءِ ذات الحُبُكِ * إِنَّكُم لَفِي قَولٍ مُختَلِف ) (٢)

فهناك قَسَم خامس وهو : ( والسماء ذات الحُبُك ) ، وله جواب خاصّ لا يمتّ لجواب الأقسام الأربعة ، وهو قوله :( إِنَّكُمْ لَفي قولٍ مختلِف )

ــــــــــــــــ

(١) الذاريات : ١ـ ٦

(٢) الذاريات : ٧ـ ٨

٧٧

تفسير الآيات :

الحُبُك : جمع الحِباك ، كالكتب جمع كتاب ، تُستعمَل تارة في الطرائق ، كالطرائق الّتي تُرى في السماء ، وأُخرى في الشَعْرِ المجعد ، وثالثة في حُسن أثرِ الصنعة في الشيء واستوائه

قال الراغب :( والسَّماء ذات الحُبُك ) أي : ذات الطرائق ، فمن الناس مَن تصوّر منها الطرائق المحسوسة بالنجوم والمجرّة

ولعلّ المراد منه هو المعنى الأوّل ، أي : السماء ذات الطرائق المختلفة ، ويؤيّده جواب القَسَم ، وهو اختلاف الناس وتشتُّت طرائقهم ، كما في قوله :( إنّكم لفي قولٍ مختلِف )

وربّما يحتمل أنّ المراد هو المعنى الثالث ، أي : أُقسم بالسماء ذات الحُسنِ والزينة ، نظير قوله تعالى :( إِنّا زَيَّنا السَّماءَ الدُّنيا بزِينةٍ الكَواكِب ) .(١)

ولكنّه لا يناسبه الجواب ، إذ لا يصحّ أن يحلفَ حالِف بالأمواج الجميلة الّتي ترتَسِم بالسُحب أو بالمجرّات العظيمة ، الّتي تبدو كأنّها تجاعيد الشَعْرِ على صفحة السماء ، ثُمّ يقول :( إِنّكم لفي قولٍ مختلِف ) ، أي : إنّكم متناقضون في الكلام

وعلى كلّ حال ، فالمُقسَم عليه هو : التركيز على أنّهم متناقضون في الكلام ، فتارة ينسبون عقائدهم إلى آبائهم وأسلافهم ، فينكرون المعاد ، وأُخرى يستبعدون إحياء الموتى بعد صيرورتهم عظاماً رميم ، وثالثة يرفضون القرآن والدعوة النبويّة ويصفونه بأنّه قول شاعر ، أو ساحر ، أو مجنون ، أو ممّا علّمه بشر ، أو هي من أساطير الأوَّلين

وهذا الاختلاف دليل على بطلان ادّعائكم ، إذ لا تعتمدون على دليلٍ خاصّ ، فانّ تناقض المُدَّعي في كلامه أقوى دليل على بطلانه ونفاقه

ــــــــــــــــ

(١) الصافّات : ٦

٧٨

ثُمّ إنّه سبحانه يقول : إنّ الإعراض عن الإيمان بالمعاد ليس أمراً مختصَّاً بشخصٍ أو بطائفة ، بل هو شيمة كلّ مُخالِف للحقِّ يقول :( يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ) . (١)

والأفْك : الصَرف ، والضمير في ( عنه ) يرجع إلى الكتاب ، من حيث اشتماله على وعد البأس والجزاء ، أي : يُصرَف عن القرآن من صُرف وخالفَ الحقّ

وأمّا الصِلة بين المُقسَم به والمُقسَم عليه فقد ظهر ممّا ذكرنا ؛ لما عرفتَ من أنّ معنى الحُبُك هو الطرائق المختلفة المتنوِّعة ، فناسب أن يحلفَ به سبحانه على اختلافهم وتشتّت آرائهم ، في إنكارهم نبوّة النبي ورسالته ، والكتاب الّذي أُنزل معه ، والمعاد الّذي يدعو إليه

ــــــــــــــــ

(١) الذاريات : ٩

٧٩

القسم الثاني : القَسَم المُتَعدِّد

وفيه فصول :

الفصل الأوّل : القَسَم في سورة الصافّات

حلف سبحانه بالملائكة في السور الأربع التالية :

١ ـ الصافّات ، ٢ ـ الذاريات ، ٣ ـ المُرسلات ، ٤ ـ النازعات

وليس المُقسَم به هو لفظ المَلَكِ أو الملائكة ، وإنّما هو الصِفات البارزة للملائكة ، وأفعالها ، وإليك الآيات :

١ ـ( وَالصّافاتِ صَفّاً * فَالزّاجراتِ زَجْراً * فَالتّالياتِ ذِكراً *إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحد ) .(١)

٢ ـ( والذّارِياتِ ذَرْواً * فَالحامِلاتِ وِقْراً * فَالجارِياتِ يُسراً * فَالمُقَسِّماتِ أَمْراً * إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادق * وَانَّ الدِّين لواقع ) (٢)

٣ ـ( وَالْمُرسَلات عُرفاً * فَالعاصِفاتِ عَصْفاً * وَالنّاشراتِ نَشْراً * فالفارِقات فَرقاً * فالمُلقِياتِ ذِكراً * عُذراً أَو نُذراً * إنّما تُوعَدُونَ لَواقِع ) (٣)

ــــــــــــــــ

(١) الصافّات : ١ـ٤

(٢) الذاريات : ١ـ٦

(٣) المُرسَلات : ١ـ٧

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

قمت مِن عنده حتّى أتاه رَجلٌ فقال له: إنّي قد حَجَجتُ تسعة عشر حَجّة، فادعُ الله لي أن يرزقني تمام العشرين، قال: فهل زُرْتَ قبر الحسينعليه‌السلام ؟ قال: لا، قال: إنّ زِيارته خير مِن عشرين حَجّة ».

الباب السّادس والسّتّون

( إنَّ زيارة الحسين عليه السلام تعدل حِججا ( كذا ))

١ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سِنان، عن الحسين بن مختار، عن زَيدٍ الشَّحّام، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: زِيارة الحسينعليه‌السلام تَعدِلُ عشرين حَجّة، وأفضل مِن عِشرين حَجّة ».

وحدّثني محمّد بن يَعقوبَ، عن عِدةَّ من أصحابه، عن أحمدَ بن محمّد بإسناده مثله(١) .

٢ - حدّثني محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيلَ بن بزيع، عن صالح بن عُقْبة، عن أبي سعيد المدائنيِّ « قال: دخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام فقلت: جُعِلتُ فِداك آتي قبرَ الحسينعليه‌السلام ؟ قال: نَعَم يا أبا سعيد ائت قبر الحسين ابن رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أطيبِ الأطيبين، وأطْهَرِ الطّاهرين، وأبَرِّ الأبرار، فإنّك إذا زُرته كتب الله لك به خمسة وعشرين حَجّة »(٢) .

حدَّثني محمّد بن يعقوبَ، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن إسماعيل بإسناده مثله(٣) .

__________________

١ - راجع الكافي ج ٤ ص ٥٨٠ ح ٢.

٢ - تقدّم الخبر في ص ١٦٨ تحت رقم ٢. وسيأتي في الباب ٦٧ تحت رقم ٢.

٣ - راجع الكافي ج ٤ ص ٥٨١ ح ٤.

١٨١

٣ - حدَّثني محمّد بن جعفر، عن محمّد بن الحسين، عن أحمدَ بن النَّضر، عن شِهاب بن عبد رَبّه - أو عن رَجل، عن شهاب - عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سألني فقال: يا شِهاب كم حَجَجت مِن حَجّة؟ فقلت: تسعة عشر حَجّة، فقال لي: تمّها عشرين حَجّة، تحسب لك بزيارة الحسينعليه‌السلام ».

٤ - حدَّثني أبو العبّاس قال: حدّثني محمّد بن الحسين، عن ابن سِنان، عن حذيفة بن منصور « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : كم حَجَجت؟ قلت: تسعة عشر، قال: فقال: أما إنّك لو أتمت إحدى وعشرين حَجّة لكنت كمن زارَ الحسينعليه‌السلام ».

٥ - حدّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن سِنان، عن محمّد بن صَدَقَة، عن صالِح النّيليّ « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : مَن أتى قبر الحسينعليه‌السلام عارفاً بحقّه كان كمن حَجّ مائة حَجّة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

٦ - وعنه، عن سعد، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن صَدَقَة، عن مالك بن عَطيّة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: مَن زارَ الحسينعليه‌السلام كتب الله له ثمانين حجّة مَبرورة »(١) .

٧ - حدَّثني أبو العبّاس الكوفيُّ، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن الخَيبريّ، عن موسى بن القاسم الحَضرميّ « قال: قدم أبو عبداللهعليه‌السلام في أوَّل ولاية أبي جعفر(٢) فنزل النّجف، فقال: يا موسى اذهب إلى الطّريق الأعظم فقِف على الطّريق فانظر فإنّه سَيأتيك رجلٌ مِن ناحية القادِسيّة، فإذا دنا منك فقل له: ههنا رَجلٌ مِن وُلد رَسول الله يدعوك، فسيجيء معك، قال: فذهبت حتّى قمتُ على الطَّريق والحرُّ شديد، فلم أزل قائماً حتّى كدتُ اُعصي وأنصرف وأدَعه، إذ نظرتُ إلى شيءٍ يقبل شبه رَجل على بَعير، فلم أزل أنظر إليه

__________________

١ - لا يخفى أنّ اختلاف الثّواب لاختلاف درجات الإيمان والنّيّات والمعرفة وحكم الزّمان، كما قلنا سابقاً.

٢ - يعني الدّوانيقي العبّاسي.

١٨٢

حتّى دنا منّي، فقلت: يا هذا ههنا رجلٌ مِن ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يدعوك وقد وَصَفك لي، قال: اذهب بنا إليه، قال: فجئت به حتّى أناخ بَعيره ناحيةً (١) قريباً مِن الخيمة، فدعا به فدخل الأعرابيُّ إليه ودنوتُ أنا فصرت إلى باب الخيمة أسمع الكلام ولا أراهم، فقال أبو عبداللهعليه‌السلام : مِن أين قَدِمتَ؟ قال: مِن أقصى اليمن، قال: أنتَ مِن موضع كذا وكذا؟ قال: نعَم أنا مِن موضع كذا وكذا، قال: فبما جئتَ ههنا؟ قال: جئت زائراً للحسينعليه‌السلام ، فقال أبو عبداللهعليه‌السلام : فجئتَ مِن غير حاجةٍ ليس الاّ للزّيارة؟ قال: جئتُ من غير حاجةٍ إلاّّ أنْ اُصلّي عنده وأزوره فاُسلّم عليه وأرجع إلى أهلي، فقال أبو عبداللهعليه‌السلام : وما ترون في زيارته؟ قال: نَرى في زيارته البركة في أنفسنا وأهالينا وأولادنا وأموالنا ومعايشنا وقضاء حوائجنا، قال: فقال أبو عبداللهعليه‌السلام : أفلا أزيدك من فَضله فضلاً يا أخا اليمنيّ؟ قال: زدني يا ابن رسول الله، قال: إنَّ زيارة الحسينعليه‌السلام تعدِلُ حَجّةَ مقبولة زاكية مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتعجّب مِن ذلك، قال: إي والله وحَجَّتين مَبرورَتين متقبّلَتين زاكيتَين مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتعجّب! فلم يزل أبو عبداللهعليه‌السلام يزيد حتّى قال: ثلاثين حجّةً مبرورةً متقبِّلة زاكية مع رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٢) .

__________________

١ - أناخ الجم أي أبركه.

٢ - قال الاُستاذ - أيّده الله -: المفهوم مِن الخبر أنّ زيارة الحسين عليه السلام في تلك الأزْمنة موجبةٌ لبقاء أصل الدّين الذي انحرف عن الخلفاء وأتباعهم، وزعموا جلّ النّاس - إن لم نقل كلّهم - وعامّتهم أنّهم مأمورون باتّباع العلماء الدّاعين المشهورين الّذين كانوا من أعيان الدّولة، ويزعمون أنّهم على صراط الله الحقّ مع كونهم منحرفين عنه، كما أنّهم لعنوا أوّل المسلمين ايماناً، والّذي نزلَتْ آية العصمة في بيته، بل أوجبوا طاعة الخليفة في لعنه، مع أنّ الآمر عند العارف بالحقّ لم يؤمن بالله طرفة عين.

فزيارة قبر الحسين عليه السلام المقتول الّذي نزلت فيه آية التّطهير، وقال النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: « حسينٌ منِّي وأنا منه »، كانت موجبةً لإيضاح انحراف الّذين منعوا من زيارته عن الصّراط السّويّ الّذي بعث به النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وبذلك يعرف الحقّ من الباطل ويبقى الدّين الحقّ على شاكلته،

١٨٣

٨ - وحدَّثني عليُّ بن الحسين، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بنِ محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيلَ، عن صالِح بن عُقْبَة، عن يزيدَ بنِ عبدالمَلك « قال: كنت مع أبي عبداللهعليه‌السلام فمرَّ قومٌ على حمر، [فـ]ـقال لي: أين يريد هؤلاء؟ قلت: قبور الشُّهداء، قال: فما يمنعهم من زيارة الغريب الشَّهيد؟!! فقال له رَجل من أهل العِراق: زيارته واجبة؟ قال: زيارته خير مِن حَجّة وعُمرة، وعُمرة وحَجّة - حتّى عَدّ عشرين حَجّة وعشرين عُمْرة - ثمَّ قال: مَبرورات متقبّلات، قال: فوالله ما قمت حتّى أتاه رجل فقال: إنّي حَجَجت تِسعةَ عشر حَجّة فَادْع اللهَ أن يَرزقني تمامَ العِشرين، قال: فهل زُرتَ قبَر الحسينعليه‌السلام ؟ قال: لا، قال: لزيارته خيرٌ مِن عِشرين حَجّة »(١) .

٩ - حدَّثني أبي؛ وعليُّ بن الحسين - رحمهما الله - عن سعد بن عبدالله، عن أبي القاسم هارون بن مسلم بن سَعدانَ، عن مَسعَدَةَ بن صَدَقَةَ « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : ما لِمن زارَ قبر الحسينعليه‌السلام ؟ قال: تكتب له حَجّة مع رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: قلت له: جُعلت فِداك حَجّة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: نَعَم وحَجّتان، قال: قلت: جُعلتُ فِداك حَجّتان؟ قال: نَعَم وثلاث، فما زال يعدّ حتّى بلغ عَشراً، قلت: جُعلتُ فِداكَ عشر حِجَج مع رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: نَعَم وعشرون حَجّة، قلت: جعلتُ فِداك وعشرون؟ فما زال يعدّ حتّى بلغ خمسين، فسكت ».

١٠ - وحدَّثني محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن عبدالله بن المغيرة، عن عبدالله بن

__________________

فتكون زيارته عليه السلام علّةَ موجبةَ لبقائه، فلذا يثيب الزّائر مع عدم أمن الطّريق لزيارته، ولكنّ الحجّ لا يجب إتيانه مع عدم الاُمنيّة إن لم نقل لا يجوز، لأن الحجّ من الفروع؛ وزيارة قبر الحسين عليه السلام في تلكم الشّرائط كانت من الاُصول، ويؤيّد قولنا الخبر الآتي وما في الأبواب الآتية لا سيّما الخبر الثالث من الباب الثّامن والسّتّين.

١ - تقدّم الخبر في ص ١٧٥ تحت رقم ١٥.

١٨٤

مَيمون القَدّاح، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قلت له: ما لِمَن أتى قبرَ الحسينعليه‌السلام زائراً عارفاً بحقّه غير مُسْتَكبِر ولا مُستَنْكف؟ قال: يُكتَب له ألفُ حَجّة وألفُ عُمرة مَبرورة، وإن كان شَقيّأً كُتِبَ سعيداً، ولم يزل يخوض في رَحمة الله عزَّوجلَّ ».

الباب السّابع والسّتّون

( إنّ زيارة الحسين عليه السلام تعدل عتق الرّقاب)

١ - حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز الكوفيُّ، عن محمّد بن الحسين الزَّيّات، عن محمّد بن سِنان، عن محمّد بن صَدَقة، عن صالِح النّيليِّ « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : من أتى قَبرَ الحسينعليه‌السلام عارفاً بحقّه كتب الله له أجر مَن أعتق ألف نَسَمَة، وكمن حمل على ألف فَرَس في سبيل الله، مُسَرَّجة مُلْجَمَة ».

حدَّثني أبيرحمه‌الله ومحمّد بن يعقوبَ، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب بإسناده مثله(١) .

٢ - وحدَّثني أبو العبّاس القرشيُّ، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالِح بن عُقْبَة، عن أبي سعيد المدائنيِّ « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : جُعِلتُ فِداك آتي قبر ابن رسول الله؟ قال: نعم؛ يا أبا سعيد ائت قبرَ ابن رسولِ الله أطيبِ الأطيبين وأطهَر الأطهَرين وأبَرِّ الأبرار، فإذا زُرْتَه كتب الله لك عِتق خمسةٍ وعشرين رَقَبة »(٢) .

حدَّثني أبيرحمه‌الله عن عِدَّة من أصحابنا، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالِح بن عُقْبة، عن أبي سعيد المدائنيِّ قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام - وذكر مثله -.

* * * *

__________________

١ - راجع الكافي ج ٤ ص ٥٨١ ح ٥، وفيه: « وكمن حمل على ألف فرس مسرّجة ملجمة في سبيل الله ».

٢ - تقدّم الخبر في ص ١٦٨ و ١٧٦.

١٨٥

الباب الثّامن والسّتّون

( إنَّ زُوَّار الحسين عليه السلام مشفّعون)

١ - حدَّثني محمّد بن الحسين بن متّ الجوهري، عن محمّد بن أحمدَ بن يحيى بن عِمران الأشعريّ، عن موسى بن عُمَرَ، عن عليَّ بن النُّعمان، عن عبدالله بن مُسكانَ « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : إنَّ الله تبارك وتعالى يتجلّى لزوَّار قبر الحسينعليه‌السلام قبل أهل عَرفات(١) ويقضي حوائجهم، ويغفر ذنوبهم، ويشفِّعهم في مسائلهم، ثمَّ يثنّي بأهل عرفات فيفعل بهم ذلك ».

٢ - حدَّثني أبيرحمه‌الله ومحمّد بن الحسن؛ وعليُّ بن الحسين جميعاً، عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن عيسى بن عُبيد، عن صَفوانَ بن يحيي - عن رَجل - عن سَيف التَّمّار، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعتَه يقول: زائرُ

____________

١ - قال العلاّمة الأميني - رحمه الله -: الظّاهر أنّ المراد بالتّجلّي والإتيان والإقامة والمخالطة المذكورة في أخبار الباب معنى واحد وهو تجلّيه سبحانه بمظاهر الجلال والجمال تشريفاً لتلك البُقعة القُدسيّة ولمن حلَّ فيها ومَن أمّها كما تجلّى للجبل فجعله دكّاً، غير أنّ ذلك كان تجلّى قهرٍ وجبروتٍ، فدكَّ الجبل وخرَّ موسى صَعِقاً، وهذا تجلّى عَطْفٍ ولطفٍ يتحمّله الموضع ومَن فيه على أنَّ مرتبة السِّبط الشَّهيد صلوات الله عليه لا شكَّ أنّها أرقى مِن مرتبة الكليم عليه السلام، وبنسبته مرتبة صَقْعه إلى صَقْع الكليم فلا يندكّ ولا يخرّ صاحبه بما لم يتحمّله موسى عليه السلام والجبل، وإذا كان ذلك تعقّبه من آثاره ما ذكر في الحديث مِن قضاء الحوائج وغفران الذّنوب وغيرهما ولا يبدو من هذا التّجلّي للعامّة إلاّ آثاره لعدم تحمّلهم ذلك، نَعم قد يظهر لم يكشف له الغطاء - كما مرّ في الكتاب ذيل الخبر ٤ في ص ١٢٢ - أنّ الإمام عليه السلام كان يبادر إلى زيارة الحسين عليه السلام لإدراك زيارة الرّبّ تعالى له صلوات الله عليه المعنّى بها هذا الّذي ذكرناه - انتهى أقول في المفردات: « الصّاعِقَة والصّاقِعَة يتقاربان، وهما الهَدَّة الكبيرة، إلاّ أنّ الصَّقْعَ يقال في الأجسام الأرضيّة، والصَّعْق في الأجسام العُلوية ».

١٨٦

الحسينعليه‌السلام مشفِّعٌ يوم القيامة لمائة رَجل كلّهم قد وجبتْ لهم النّار ممّن كان في الدَّنيا مِن المسرفين ».

٣ - حدَّثني أبيرحمه‌الله ومحمّد بن الحسن؛ وعليُّ بن الحسين؛ وعليُّ بن محمّد بن قولُويه جميعاً، عن أحمدَ بن إدريسَ؛ ومحمّد بن يحيى، عن العَمْركي بن عليٍّ البوفكيِّ قال: حدَّثنا يحيى - وكان في خِدمة أبي جعفر الثّاني - عن عليّ(١) ، عن صَفوانَ الجمّال، عن أبي عبداللهعليه‌السلام - في حديث له طويل(٢) - « قلت: فما لمن قتل عنده - يعني عند قبر الحسينعليه‌السلام - جارَ عليه السّلطان فقتله، قال: أوَّل قطرة مِن دَمِه يغفر له بها كلُّ خطيئَة، وتغسل طينته الّتي خُلق منها الملائكة حتّى يخلص كما خلصت الأنبياء المخلَصين، ويذهب عنها ما كان خالطها مِن أدناس طين أهل الكفر والفَساد، ويغسل قلبه ويشرح ويملأ إيماناً(٣) ، فيلقى الله وهو مخلّص من كلِّ ما تُخالِطه الأبدان والقلوب، ويكتب له شَفاعة في أهل بيته وألف من إخوانه، وتتولّى الصّلاة عليه الملائكة مع جبرئيل وملك الموت، ويؤتى بكفنه وحنوطه مِنَ الجنّة، ويوسّع قبره ويوضع له مصابيح في قبره، ويفتح له باب من الجنّة، وتأتيه الملائكة بُطرَفٍ مِنَ الجنّة، ويرفع بعد ثمانية عشر يوماً إلى حَظِيرَةِ القُدس(٤) ، فلا يزال فيها مع أولياء الله حتّى تصيبه النّفخة الّتي لا تبقى شيئاً.

فإذا كانت النَّفخة الثّانية وخرج من قبره كان أوَّل مَن يصافِحَه رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين والأوصياء [عليهم‌السلام ]، ويبشّرونه ويقولون له: ألزمنا ويقيمونه على الحوض، فيشرب منه ويسقى مَن أحبّ ».

__________________

١ - يعني ابن الحكم، كما مرّ.

٢ - تقدّم الخبر بتمامه في ص ١٣٢ تحت رقم ١.

٣ - في الخبر المتقدّم: « ويشرح صدره ويملاُ إيماناً ».

٤ - المراد به الجنّة، وهي في الأصل الموضع الّذي يحاط عليه لتأوي إليه الغنم لتقيها البرد والرّيح.

١٨٧

٤ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمّد بن أورَمَة، عن أبي - عبدالله المؤمن(١) ، عن ابن مُسكانَ، عن سليمانَ بن خالد، عن أبي - عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعته يقول: إنَّ ‏للهِ في كلِّ يوم ولَيلةٍ مائة ألف لحظةٍ إلى الأرض(٢) يغفر لِمَن يشاء منه ويُعذّب مَن يَشاء منه ويغفر لزائري قبر الحسينعليه‌السلام خاصّة ولأهل بيتهم ولمن يشفع له يوم القيامة كائناً مَن كان، [وإن كان رَجلاً قد استوجبه النّار، قال: ] قلت: وإن كان رَجلاً قد استوجبه النّار؟ قال: وإن كان، ما لم يكن ناصبيّاً ».

٥ - حدَّثني الحسن بن عبدالله بن محمّد بن عيسى، عن أبيه عبدالله بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عبدالله بن وضّاح، عن عبدالله بن شعيب التّيميِّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: ينادي منادٍ يوم القيامة: أين شيعة آل محمَّد؟! فيقوم عُنق مِن النّاس - لا يُحصِيهم إلاّ الله تعالى - فيقومون ناحية من النّاس، ثمَّ ينادي منادٍ: أين زوَّار قبر الحسين؟ فيقوم اُناس كثير، فيقال لهم: خذوا بيد مَن أحببتم؛ انطلقوا بهم إلى الجنَّة، فيأخذ الرَّجل مَن أحبَّ حتّى أنَّ الرَّجل مِن النّاس يقول لرجلٍ: يا فلان أما تعرفني أنا الَّذي قمت لك يوم كذا وكذا(٣) ، فيدخله الجنّة، لا يدفع ولا يمنع ».

الباب التّاسع والسّتّون

( إنَّ زيارة الحسين عليه السلام يُنفّس بها الكرب وتقضى بها الحوائج)

١ - حدّثني أبو القاسم جعفر بن محمّد بن إبراهيمَ بن عبدالله الموسويّ العلويّ، عن عبيدالله بن نَهِيك(٤) ، عن ابن أبي عُمَير، عن هِشام بن الحكم، عن فضيل

__________________

١ - يعني زكريّا بن محمّد.

٢ - لحظه أي نظر إليه.

٣ - يعني القيام لوروده في مجلس فلان.

٤ - الظّاهر كونه عبدالله بن أحمد بن نَهيك أبا العبّاس الكوفي النّخعيّ، وفي بعض النّسخ: « عبدالله ». وقد تقدّم كراراً.

١٨٨

ابن يسار « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : إنَّ إلى جانبكم قبراً ما أتاه مكروب إلاّ نَفّس اللهُ كُرْبَته، وقضى حاجته ».

٢ - وعنه، عن عبدالله بن نَهيك، عن محمّد بن أبي عُمَير، عن سَلَمة صاحب السّابريِّ، عن أبي الصّبّاح الكِنانيِّ(١) « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: إنَّ إلى جانبكم قبراً ما أتاه مكروبٌ إلاّ نفّس الله كُربتَه، وقضى حاجته، وإنَّ عنده أربعة آلاف ملك منذ [يوم] قبض شُعْثاً غُبراً يبكونه إلى يوم القيامة، فمن زارَه شيّعوه إلى مأمنه، ومَن مرض عادوه، ومَن اتّبعوا جنازته ».

٣ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن عليِّ بن إسماعيل بن عيسى، عن محمّد بن عَمرو الزَّيّات، عن كِرام(٢) ، عن إسماعيلَ بن جابر، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعته يقول إنَّ الحسينعليه‌السلام قُتل مَكروباً، وحَقيقٌ على الله أن لا يأتيه مَكروبٌ إلاّ رَدّه الله مُسروراً ».

٤ - وحدَّثني محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليِّ بن فضّال، عن مفضّل بن صالِح، عن محمّد بن عليٍّ الحلبيِّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إنَّ اللهَ عرض ولايتنا على أهل الأمصار، فلم يقبلها إلاّ أهل الكوفة، وإنَّ إلى جانبها قبراً لا يأتيه مكروبٌ فيصلّي عنده اربع رَكعات إلاّ رجعه الله مَسروراً بقضاء حاجته ».

٥ - حدَّثني الحسن بن عبدالله بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن العَلاء بن رَزين، عن محمَّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: إنّ الحسين صاحب كربلاء قُتل مظلوماً مَكروباً عَطشاناً لَهفاناً، وحقٌّ على الله عزَّوجَلَّ أن لا يأتيه لَهفانٌ(٣) ولا مَكروبٌ ولا مُذنبٌ ولا مَغمومٌ ولا عَطشانٌ ولا ذو عاهةٍ ثمَّ دعا عنده وتقرَّب بالحسينعليه‌السلام (٤) إلى الله عزَّوجَلَّ إلاّ

__________________

١ - يعني إبراهيم بن نعيم العبديّ، وكان أبو عبدالله عليه السلام يسمّيه الميزان لثقته. ( صه )

٢ - مرّ ضبطه في ص ١٤٠.

٣ - اللَّهْفان: المتحسّر، والمكروب.

٤ - أي تقرّب إلى الله عزّوجلّ بزيارة الحسين عليه السلام.

١٨٩

نفَّس الله كُربتَه، وأعطاه مسألتَه، وغفر ذنوبه، مَدَّ في عمره، وبسط في رِزقه، فاعتبروا يا أولي الأبصار! ».

٦ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي؛ ومحمّد بن الحسن، عن محمّد بن يحيى؛ وأحمدَ بن إدريسَ، عن العَمْركي، عن يحيى - وكان في خدمة أبي جعفر - عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إنّ بظهر الكوفة لقبراً ما أتاه مَكروبٌ قطّ إلاّ فرَّج الله كُربته - يعني قبر الحسينعليه‌السلام - ».

٧ - حدَّثني محمّد بن جعفر، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن ناجية، عن عامِر بن كثير، عن أبي النُّمَير(١) « قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : إنَّ ولايتنا عرضت على أهل الأمصار فلم يقبلها قبول أهل الكوفة، وذلك لأنَّ قبر عليٍّعليه‌السلام فيها، وإنَّ إلى لِزْقه(٢) لقبراً آخر - يعني قبر الحسينعليه‌السلام - فما مِن آتٍ يأتيه فيصلّي عنده رَكعتين أو أربعة ثمَّ يسأل الله حاجته إلاّ قضاها له، وإنّه ليَحُفُّ به(٣) كلَّ يوم ألفُ مَلَك ».

٨ - حدَّثني أبو العبّاس الكوفيِّ، عن محمّد بن الحسين، عن صَفوانَ، عن الوليد بن حَسّان، عن ابن أبي يَعْفور « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : دعاني الشَّوقُ إليك إن تجشّمت إليك(٤) على مَشقّة، فقال لي: لا تَشكُ ربَّك؛ فهلاّ أتيتَ مَن كان أعظم حَقّاً عليك منّي؟! فكان من قوله: « فهلاّ أتيت مَن كان أعظم حقّاً عليك منّي » أشدّ عليَّ مِن قوله: « لا تَشكُ رَبَّك »، قلت: ومَن أعظم عليَّ حَقّاً منك؟ قال: الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام ، ألا أتيت الحسينعليه‌السلام فدعوت الله عنده وشكوتَ إليه حوائجك؟! ».

٩ - حدَّثني حكيم بن داود بن حكيم، عن سَلَمة بن الخطّاب، عن إبراهيمَ بن محمّد، عن عليِّ بن المُعلّى، عن إسحاقَ بنِ زياد(٥) « قال: أتى رجلٌ أبا عبدالله

__________________

١ - كأنّه مولى الحارث بن المغيرة، وحاله مجهول.

٢ - إلى لزقة - بالكسر - أي إلى جانبه.

٣ - أي يطوف به.

٤ - تجشّم الأمر تكلّفه على مشقّة.

٥ - في بعض النّسخ: « إسحاق بن يزداد » وهو مهمل بكِلى العنوانين.

١٩٠

عليه السلام فقال: إنّي قد ضربت على كلِّ شيءٍ لي ذَهَباً وفِضَّةً؛ وبِعتُ ضياعي، فقلت: أنزل مكّة، فقال: لا تفعل، فإنَّ مكّة يكفرونَ بالله جَهرَة، قال: ففي حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: هم شرِّ منهم، قال: فأين أنزل؟ قال: عليك بالعِراق الكوفة، فإنَّ البركة منها على اثني عشر ميلاً - هكذا وهكذا - وإلى جانبها قبرٌ ما أتاه مكروب قطّ ولا ملهوف إلاّ فرَّج الله عنه »(١) .

الباب السّبعون

( ثواب زيارة الحسين عليه السلام يوم عرفة)

١ - حدَّثني محمّد بن جعفر القرشيُّ الرَّزَّاز الكوفيُّ، عن خاله محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالِح بن عُقْبة، عن بشير الدَّهّان « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : ربّما فاتني الحجّ فاُعَرِّف عند قبر الحسينعليه‌السلام (٢) ، فقال: أحسنت يا بشير، أيّما مؤمن أتى قبر الحسينعليه‌السلام عارفاً بحقّه في غير يوم عيد كتب الله له عشرين حجّة، وعشرين عُمْرَة مبرورات متقبّلات، وعشرين غَزوة مع نبيٍّ مُرسل أو إمام عدل، ومن أتاه في يوم عيد كتب الله له مائةَ حَجّة ومائةَ عُمْرة، ومائة غَزوة مع نبيٍّ مُرسل أو إمام عدل، ومن أتاه يوم عرفة عارفاً بحقّه كتب الله له ألفَ حجّة وألفَ عُمرَة متقبّلات، وألفَ عزوة من نبيٍّ مُرسل أو إمام عدل، قال: فقلت له: وكيف لي بمثل الموقف، قال فنظر إليّ شبه المُغضِب، ثمَّ قال: يا بشير إنَّ المؤمن إذا أتى قبر الحسينعليه‌السلام يوم عرفة واغتسل في الفرات، ثمَّ توجّه إليه كتب الله له بكلّ خطوة حجّة

__________________

١ - يحتمل أن يكون عليه السلام أشار إلى جانبي الغَريّ وكربلاء، لا إلى جميع الجوانب، ويحتمل أن يكون أشار إلى جميع الجوانب، وإنّما ذكر الرّاوي مرّتين اختصاراً. ( البحار )

٢ - التّعريف - على ما ذكره الجوهريّ -: الوقوف بعرفات، أي أعمل أعمال عَرَفة من الغُسْل والدُّعاء وغيرهما في يوم عَرَفة عند قبره عليه السلام.

١٩١

بمناسكها - ولا أعلمه إلاّ قال: وغَزوَة - ».

٢ - وحدَّثني أبي؛ وعليُّ بن الحسين؛ ومحمّد بن الحسنرحمهم‌الله جميعاً، عن سعد بن عبدالله، عن عليِّ بن إسماعيل بن عيسى، عن محمّد بن عمرو بن سعيد الزَّيّات، عن داود الرَّقّيِّ « قال: سمعت أبا عبدالله؛ وأبا الحسن موسى بن جعفر وأبا الحسن عليّ بن موسىعليهم‌السلام وهم يقولون: « مَن أتى قبر الحسينعليه‌السلام بعرفة قلبه الله ثَلِج الفُؤاد(٢) ».

٣ - وعنهم، عن سعد، عن الهَيْثم بن أبي مَسْروق النَّهديّ، عن عليِّ بن أسباط - عن بعض أصحابنا - عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إنَّ الله تبارك وتعالى يبدء بالنّظر إلى زُوَّار قبر الحسينعليه‌السلام عَشيَّة عَرَفة، قال: قلت: قبل نظرة لأهل الموقِف؟ قال: نَعَم، قلت: كيف ذلك؟ قال: لأنَّ في أولئك أولاد زنا؛ وليس في هؤلاء أولاد زنا »(٢) .

__________________

١ - أي مطمئن القلب، ذا يقين في العقائد الإيمانيّة، أو مَسروراً بالمغفرة والرّحمة، وقد ذهب عنه الكروب والأحزان. قال في النّهاية: يقال: ثَلِجتْ نفسي بالأمر إذا اطمأنّت إليه وسكنت، وثبت فيها ووثِقَتْ به. ( البحار ) وللمولى المجلسيّ ( ره ) بيانٌ آخر، راجع الفقيه ج ٢ ص ٥٨٠ ذيل الخبر ٣١٧٠.

٢ - قال اُستاذنا الغفّاري - أيّده الله -: الظّاهر أنّ « أولاد الزّنا » هنا اصطلاحيّ لا لغويّ، والمراد بهم النُّصّاب اللاّعنين عليّاً عليه السلام الّذين يزعمون أنَّ اللَّعن عليه - نستجير بالله - عبادة ويتقرّبون به إلى الله تعالى، مع أنّهم يعلمون بل يعترفون بأنّه أوَّل مَن آمن، وهو الّذي غسّل رَسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودفنه، وفي بيته نَزَلَتْ آية التّطهير، فهم والخوارج سواء بل هم أضلّ من الخوارج، والعجب ممَّن يدافع عنهم! حتّى يكون فيهم مَن يقول بجواز لَعن لاعِنِ يزيد الملعون الّذي أمر بقتل الحسين وذراري آل محمّد عليهم السلام في أوّل سنة خلافته، وفي السّنة الثّانية أرسل مسلم بن عُقْبة المُرّي إلى مدينة الرّسول وارتكب ما ارتكب بوقعة الحرّة المشهورة، وقتل من الموالي ثلاثة آلاف رجل، ومن الأنصار ألفاً وأربعمائة أو سبعمائة، ومِن قريش ألفاً وثلاثمائة ودخل جنده المدينة فنهبوا الأموال وسبّوا الذّرّيّة واستباحوا الفروج وحملت منهم ثمانمائة حرّة، وفي السّنة الثّالثة رمى الكعبة بالمنجنيق، و و و، فالمراد بأولاد الزّنا هو وأعوانه في الاصطلاح.

١٩٢

٤ - حدَّثني أبي، عن سعد بن عبدالله، عن موسى بن عُمَرَ، عن عليِّ بن النّعمان، عن عبدالله بن مُسكانَ « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : إنَّ الله تبارك وتعالى يتجلّى(١) لزوَّار قبر الحسينعليه‌السلام قبل أهل عَرَفات، ويقضي حوائجهم، ويغفر ذنوبهم، ويشفّعهم في مسائلهم، ثمَّ يثني أهل عَرَفة فيفعل ذلك بهم ».

٥ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن حَمدانَ بن سليمان النَّيسابوري أبي سعيد قال: حدَّثنا عبدالله بن محمّد اليمانيُّ، عن مَنيع بن الحجّاج، عن يونسَ بن يعقوبَ ابن عمّار(٢) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: مَن فاتَتْه عَرَفة بعَرَفات فأدركها بقبر الحسينعليه‌السلام لم يفُتْه، وإنَّ الله تبارك وتعالى ليبدء بأهل قبر الحسين قبل أهل العَرفات، ثمَّ يخالطهم في نفسه(٣) ».

٦ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وعليُّ بن الحسين، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد البرقيِّ، عن القاسم بن يحيى بن الحسن بن راشد، عن جدِّه الحسن، عن يونس بن ظَبْيان « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : مَن زار الحسينعليه‌السلام ليلة النّصف مِن شعبان وليلة الفطر وليلة عرفة في سنة واحِدَة كتب الله له ألفَ حَجّة مَبرورة، وألف عُمرَة متقبّلة، وقُضيتْ له ألف حاجة من حوائج الدُّنيا والآخرة ».

٧ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد البرقيِّ، عن حَنان بن سَدير، عن أبيه، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إذا كان يوم عَرَفة اطّلع الله تعالى على زُوَّار قبر

__________________

١ - تقدّم الكلام فيه، راجع ص ١٨١ ذيل الخبر ١.

٢ - هو يونس بن يعقوب بن قيس الجلاّب البجليُّ الدُّهنيّ، اُمّه منيّة بنت عمّار بن أبي معاوية الدّهنيّ اُخت معاوية بن عمّار، وله كتاب الحجّ، وما في بعض النّسخ: « عن عمّار » أو « عن حمّاد » تصحيف، والمراد بابن عمّار: سبط عمّار.

٣ - في بعض النّسخ: « بنفسه ».

١٩٣

أبي عبدالله الحسينعليه‌السلام فقال لهم: استأنفوا (١) فقد غَفَرتُ لكم، ثمَّ يجعل إقامته على أهل عرفات »(٢) .

٨ - حدَّثني محمّد بن جعفر، عن محمّد بن الحسين - عمّن ذكره - عن عُمَرَ بن الحسن العَرزَميِّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعته يقول: إذا كان يوم عرفة نظر الله إلى زوَّار قبر الحسينعليه‌السلام فيقول: ارْجعوا مغفوراً لكم ما مضى؛ ولا يكتب على أحد منهم ذَنبٌ سَبعين يوماً مِن يوم ينصرف »(٣) .

٩ - حدَّثني أبي؛ وجماعة أصحابيرحمهم‌الله عن محمّد بن يحيى؛ وأحمدَ بن إدريسَ جميعاً، عن العَمْرَكي بن عليٍّ، عن يحيى - الخادم لأبي جعفر الثّاني - عن محمّد بن سِنان، عن بشير الدَّهّان « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول - وهو نازل بالحِيرة وعنده جماعة من الشّيعة - فأقبل إليَّ بوجهه فقال: يا بشير أحَجَجت العامّ؟ قلت: جُعِلتُ فِداكَ لا؛ ولكن عَرَّفتُ بالقبر(٤) - قبر الحسينعليه‌السلام - فقال: يا بَشير والله ما فاتك شيءٌ ممّا كان لأصحاب مَكّة بمكّة، قلت: جُعِلتُ فِداكَ فيه عرفات؟ فَسِّره لي، فقال: با بشير إنَّ الرَّجل منكم ليغتسل على شاطِىء الفرات، ثمَّ يأتي قبر الحسينعليه‌السلام عارفاً بحقِّه فيعطيه اللهُ بكلِّ قدم يرفعها [أ] ويضعها مائة حَجَّة مقبولة ومائة عُمرة مَبرورة، ومائة غَزوَة مع نبيٍّ مرسل إلى أعداء الله وأعداء رَسوله(٥) ، يا بشيرُ اسْمعْ وأبلغ مَن احتمل قلبُه: مَن زارَ الحسينعليه‌السلام يومَ عَرَفة كان كمن زارَ الله في عرشه ».

__________________

١ - استأنف العمل أي أخذ فيه وابتدء، ومنه الاستيناف أي إعادة الدّعوى في مجلس الاستيناف.

٢ - تقدّم الكلام فيه راجع ص ١٨١ ذيل الخبر ١ - كما مرّ.

٣ - يعني يحفظهم الله مِن ارتكاب الذّنوب، لا بمعنى أنّهم يرتكبون لكن لا يكتب عليهم، فإنّ الله تعالى يقول: «وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ » [يس: ١٢]، و «مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ » [النّساء: ١٢٣].

٤ - يريد به الوقوف بقبره عوضاً عن الوقوف بعرفات.

٥ - في بعض النّسخ: « إلى أعدى عدوّ له ».

١٩٤

١٠ - حدَّثني محمّد بن عبدالمؤمنرحمه‌الله عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمدَ بن محمّد الكوفيِّ، عن محمّد بن جعفر بن إسماعيل العَبديّ، عن محمّد بن عبدالله بن مِهران(١) ، عن محمّد بن سِنان، عن يونسَ بن ظَبْيان، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: مَن زارَ قبرَ الحسينعليه‌السلام يوم عرفة كتب الله له ألفَ ألفَ حَجّةٍ مع القائم، وألفَ ألفَ عُمرَةٍ مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعتق ألف ألف نَسمةٍ، وحملان ألف ألف فَرَسٍ في سبيل الله، وسَمّاه الله عبدي الصّدّيق آمَن بوَعدي، وقالتِ الملائكة: فلانٌ صدِّيق؛ زَكّاه الله مِن فَوق عَرْشه، وسمّي في الأرض كَروباً »(٢) .

١١ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيلَ بن بزيع، عن صالِح بن عُقْبة، عن بشير الدَّهّان « قال: قال جعفر بن محمّدعليهما‌السلام : من زارَ قبرَ الحسينعليه‌السلام يوم عرفة عارفاً بحقّه كتب الله له ثوابَ ألفِ حَجّة، وألفِ عُمْرة، وألفِ غزوة مع نبيٍّ مرسل، ومَن زارَ أوَّل يوم مِن رَجَبَ غفر الله له البتَّة ».

١٢ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن عيسى بن عُبَيد، عن محمّد بن سِنان، عن أبي سعيد القَمّاط، عن بَشّار(٣) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: مَن كان مُعْسِراً فلم يتهيّأ له حَجّة الإسلام فليأتِ قبرَ الحسينعليه‌السلام ، وليعرّف عنده، فذلك يجزئه عن حَجّة الإسلام، أما إنّي لا أقول يجزئ ذلك عن حَجّة الإسلام إلاّ للمُعسِر، فأمّا الموسِر إذا كان قد حجّ حَجّة الإسلام،

__________________

١ - الخبر مذكور في التّهذيب ج ٦ ص ٥٦ ح ٢٨ وليس في سنده « عن محمّد بن عبدالله بن مهران ».

٢ - أي حافظاً، حارساً، مقرّباً. واللّفظ عبراني. قال في القاموس: « الكروبيّون - مخفّفة الرّاء -: سادة الملائكة ».

٣ - بشّار - بفتح الباء الموحّدة وتشديد الشّين المعجمة -، والظّاهر كونه ابن يسار الضُّبَيْعيِّ الكوفيّ الثّقة.

١٩٥

فأراد أن يتنفّل بالحجّ أو العُمرَة ومنعه مِن ذلك شغل دنيا أو عائق فأتى قبرَ الحسينعليه‌السلام في يوم عَرَفة أجزأه ذلك عن أداء الحجّ أو العُمرة وضاعف الله له ذلك أضعافاً مضاعَفَة، قال: قلت: كم تَعدِل حَجّة وكم تَعدِل عُمْرة؟ قال: لا يحصى ذلك، قال: قلت: مائة؟ قال: ومَن يحصي ذلك؟ قلت: ألف؟ قال: وأكثر، ثمَّ قال: وإن تَعدُّوا نعمةَ الله لا تحصوها، إنَّ الله واسعٌ كريم »(١) .

الباب الحادي والسّبعون

( ثواب مَن زار الحسين عليه السلام يوم عاشوراء)

١ - حدَّثني أبي؛ وأخي؛ وجماعة مشايخيرحمهم‌الله عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن عليٍّ المدائنيِّ قال: أخبرني محمّد بن سعيد البَجليِّ، عن قَبيصة(٢) ، عن جابر الجُعفيِّ « قال: دخلت على جعفر بن محمّدعليهما‌السلام في يوم عاشوراء فقال لي ( كذا ): هؤلاء زُوَّار الله وحَقٌّ على المزور أن يُكرِمَ الزّائر، مَن باتَ عند قبر الحسينعليه‌السلام ليلة عاشوراء لقى الله ملطّخاً بدمه يوم القيامة كأنّما قُتل معه في عَرْصَته(٣) ، وقال: مَن زار قبرَ الحسينعليه‌السلام ليوم عاشوراء(٤) وبات عنده كان كمن استشهد بين يديه ».

٣ - حدَّثني أبو عليٍّ محمّد بن هَمّام قال: حدَّثني جعفر بن محمّد بن مالك الفَزاريُّ قال: حدّثني أحمد بن عليِّ بن عُبَيد الجعفيُّ قال: حدَّثني حسين بن سليمان،

__________________

١ - في بعض النّسخ: « واسعٌ عليم ».

٢ - بالقاف والباء والصّاد المهملة والياء المثنّاة التّحتيّة مكبّراً، مشترك بين ابن شَدّاد وابن مُخارق، عدّه الشّيخ ( ره ) في رجاله الأوّل مِن أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، والثّاني مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

٣ - العرصة كضربة: ساحة الدّار. وصحّف في بعض النّسخ بـ « عصره ».

٤ - في بعض النّسخ: « أي يوم عاشوراء ».

١٩٦

عن الحسين بن راشد (١) ، عن حمّاد بن عيسى، عن حَريز، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « مَن زار الحسين يوم عاشوراء وجَبتْ له الجنّة ».

٣ - وحدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريُّ، عن أبيه، عن يعقوبَ بن يزيدَ الأنباريّ، عن محمّد بن أبي عُمَير، عن زَيدٍ الشّحّام، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: مَن زارَ قبر الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام يوم عاشوراء عارفاً بحقِّه كان كمن زار الله في عرشه »(٢) .

٤ - حدَّثني الحسين بن محمّد بن عامِر، عن المعلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور العَمّيِّ(٣) - عمّن ذكره - عنهم ( كذا )عليهم‌السلام « قال: مَن زار [قبر] الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء كان كمن تشحّط بدمه(٤) بين يديهعليه‌السلام ».

٥ - وروى محمّد بن أبي سَيّار(٥) المدائني بإسناده « قال: من سقى يوم عاشوراء عند قبر الحسينعليه‌السلام كان كمن سقى عسكر الحسينعليه‌السلام وشهد معه ».

٦ - حدَّثني جعفر بن محمّد بن إبراهيم الموسويّ، عن عبيدالله بن نَهِيك، عن ابن أبي عُمَير، عن زَيدٍ الشَّحّام، عن جعفر بن محمّد الصّادقعليهما‌السلام « قال: مَن زار الحسينعليه‌السلام ليلة النّصف مِن شعبان غفر الله له ما تقدَّم مِن ذنوبه وما تأخّر، ومَن زاره يوم عَرَفة كتب الله له ثواب ألف حَجّة متقبّلة وألف عُمرَة مَبرورة، ومَن زاره يوم عاشوراء فكأنّما زار الله فوق عرشه ».

حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر، عن أبيه عبدالله بن جعفر الحِميريِّ، عن محمّد بن الحسين، عن حَمدانَ بنِ المُعافا(٦) ، عن ابن أبي عُمَير، عن زَيدٍ الشَّحّام،

__________________

١ - في جلّ النّسخ: « الحسين بن أسد »، والظّاهر تصحيفة، وفي التّهذيب كما في المتن. وقيل: هو الحسن بن راشد - مكبّراً -.

٢ - تقدّم الكلام فيه، راجع ص ١١٤ ذيل الخبر ١.

٣ - هذه النّسبة إلى « العمّ » - بالفتح والتّشديد - وهو بطن مِن تميم. ( اللّباب في الأنساب )

٤ - تشحّط بالدّم: تضرّج به.

٥ - في بعض النّسخ: « أبي يسار ».

٦ - حمدان - بفتح الحاء المهملة - ابن المُعافا - بالميم المضمومة والعين المهملة والفاء، هو أبو جعفر الصَّبيحيّ، مولى جعفر بن محمّد عليهما السلام.

١٩٧

عن أبي عبداللهعليه‌السلام - وذكر مثله.

٧ - حدَّثني حكيم بن داود بن حكيم؛ وغيره، عن محمّد بن موسى الهَمدانيِّ، عن محمّد بن خالد الطّيالسيِّ، عن سيف بن عَمِيرة؛ وصالِح بن عُقْبة جميعاً، عن عَلقمةَ بنِ محمّد الحَضرميّ؛ و ( كذا ) محمّد بن إسماعيل، عن صالِح بن عُقْبة، عن مالك الجُهنيّ، عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام « قال: مَن زار الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء من المحرَّم حتّى يظلَّ عنده باكياً لقي الله تعالى يوم القيامة بثواب ألفَـ[ـي] ألف حَجّة وألفَـ[ـي] ألف عُمرة، وألفي ألف غَزوة، وثواب كلِّ حَجّة وعُمرة وغزوة كثواب مَن حجّ واعتمر وغَزا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومع الأئمّة الرَّاشدين صلوات الله عليهم أجمعين.

قال: قلت: جُعِلتُ فِداك لِمَن كان في بُعدِ البلاد واقاصيها ولم يمكنه المسير إليه في ذلك اليوم؟ قال: إذا كان ذلك اليوم بَرزَ إلى الصَّحراء أو صَعد سَطحاً مُرتفعاً في دارِه، وأومأ إليه بالسّلام، واجتهد على قاتله بالدُّعاء، وصلّى بعد رَكعتين يفعل ذلك في صَدرِ النَّهار قبل الزَّوال، ثمَّ ليندُب الحسينعليه‌السلام ويَبكيه ويأمر مَن في داره بالبُكاء عليه، ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه، ويتلاقون بالبُكاء بعضهم بعضاً في البيوت، وليعزّ بعضهم بعضاً بمصاب الحسينعليه‌السلام ، فأنا ضامِنٌ لهم إذا فعلوا ذلك على الله عزَّوجلَّ جميع هذا الثَّواب، فقلت: جُعِلتُ فِداك وأنت الضّامِن لهم إذا فعلوا ذلك والزَّعيم به؟ قال: أنا الضّامن لهم ذلك والزَّعيم لمن فعل ذلك.

قال: قلت: فكيف يعزّي بعضهم بعضاً؟ قال: يقولون: عَظَّم اللهُ اُجُورَنا بِمُصابنا بِالحسينِعليه‌السلام ، وجَعَلَنا وإيّاكم مِن الطّالِبين بِثأرِه مع وَليّه الإمام المَهديّ مِن آل محمّدٍ؛ فإن استطعت أن لا تنتشر يومك في حاجة فافعل، فإنّه يوم نحس لا تقضى فيه حاجة، وإن قضيت لم يبارك له فيها ولم ير رُشْداً، ولا تدَّخِرنَّ لمنزلك شيئاً، فإنّه مَن ادَّخر لمنزلِه شيئاً في ذلك اليوم لم يُبارك له فيما يدَّخره ولا يُبارك له في أهله، فمن فعل ذلك كُتِبَ له ثوابُ ألفِ ألفِ حَجّة و

١٩٨

ألف ألف عُمرة، وألف ألف غَزوة كلُّها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان له ثواب مصيبة كلِّ نبيٍّ ورَسولٍ وصِدِّيق وشَهيدٍ مات أو قُتِل منذ خلق الله الدُّنيا إلى أن تقوم السّاعة.

قال صالِح بن عُقْبَةَ الجُهَنيُّ وسيف بن عَمِيرةَ: قال عَلْقَمَةُ بنُ محمّد الحَضرَميُّ: فقلت لأبي جعفرعليه‌السلام : علِّمني دُعاءً أدعو به في ذلك اليوم إذا أنا زُرْتُه مِن قَريب، ودُعاءً أدعو به إذا لم أزُرْهُ مِن قريب، وأومأتُ إليه مِنْ بُعْدِ البلاد ومِن سَطحِ داري بالسَّلام، قال: فقال: يا عَلْقمَة إذا أنت صَلّيت رَكعتين بعد أن تؤمي إليه بالسَّلام وقلت عند الإيماء إليه [و] مِن بَعد الرَّكعتين هذا القول فإنّك إذا قلتَ ذلك فقد دعوت بما يدعو به مَن زارَه مِن الملائكة، وكَتَبَ اللهُ لك بها ألفَ ألفَ حَسَنة، ومحى عنك ألفَ ألفَ سيِّئةٍ، ورَفع لك مائةَ ألف ألف دَرجةٍ، وكنت ممّن استشهد مع الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام حتّى تُشاركهم في درجاتهم، ولا تُعرَف إلاّ في الشُّهداء الّذين استشهدوا معه، وكُتِبَ لك ثَواب كلِّ نبيٍّ ورسول وزيارة مَن زارَ الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام مُنذُ يوم قُتِل، [تقول: ]

السَّلامُ عَلَيْكَ يا أبا عَبْدِاللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، [السَّلامُ عَلَيكَ يا خِيَرَةَ اللهِ وابْنَ خِيَرَتِه] السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ أميرِ المُؤمِنينَ، وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا ثأرَ اللهِ وَأبْنَ ثَأرِهِ وَالْوِتْرَ المَوتُور (١) ،السَّلامُ عَلَيكَ وعَلى الأرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بفِنائِكَ وأناخَتْ بِرَحْلِكَ، عَلَيكُمْ مَنّيِ جَميعاً سَلامُ اللهِ أبَدَاً مابَقِيتُ وَبَقيَ اللَّيْلُ والنَّهارُ، يا أبا عَبْدِالله لَقَد عَظُمَتِ [الرَّزيَّةُ وَجَلَّتِ] المُصِيبَةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلى جَميعِ أهْلِ السَّماواتِ [وَالأرْضِ]، فَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً أسَّسَتْ أساسَ الظُّلم وَالجَورِ عَلَيْكُمْ أهْلَ الْبَيْتِ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ؛ وَأزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبكُمُ الَّتي رَتَّبَكُمُ اللهُ فيها، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ، وَلَعَنَ اللهُ المُمَهِّدينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتالِكُمْ [بَرِئتُ إلىَ اللهِ وَإليْكُم مِنهُمْ] وَمِنْ أشْياعِهِمْ وَأتْباعِهِمْ، يا

__________________

١ - قوله: « يا ثأر الله » قال الكفعميّ: معناه أنَّه سبحانه هو صاحب ثأره والمُطالِب به. وقوله: « والوِتْر الموتور »، قال في القاموس: « المَوتور هو مَن قُتِلَ له قَتيل فلم يُدْرِكْ بِدَمه ».

١٩٩

أبا عَبْدِالله إنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لمنْ حارَبَكم إلى يَوم القِيامَةِ، فلَعَنَ اللهُ آلَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ، وَلَعَنَ اللهُ بَني اُمَّيَّة قاطِبَةً، ولَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجانَةَ، ولَعَنَ الله عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ، وَلَعَنَ الله شِمْراً، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً أسْرَجَتْ وَألْجمَتْ وَتَهيَّأَتْ لِقِتالِكَ، يا أبا عَبْدِالله بأبي أنْتَ وَاُمِّي لَقَدْ عَظُمَ مُصابي بِكَ (١) فَأسْألُ اللهَ الَّذي أكْرَمَ مَقامَكَ أنْ يُكْرِمَني بِكَ وَيَرْزُقَني طَلَبَ ثَأرِكَ مَع إمامٍ مَنْصُورِ مِنْ آل مُحَمَّدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اللّهُمَّ اجْعَلْني وَجيهاً عِنْدَكَ بِالحُسَينِ في الدُّنيا وَالآخِرَة، يا سَيِّدي يا أبا عَبْدِاللهِ إنّي أتَقَرَّبُ إلى اللهِ [تَعالى] وإلى رَسُولِهِ وَإلى أمير المؤمِنينَ وإلى فاطِمَةَ وَإلى الحسَنِ وَإلَيْكَ، صَلّى اللهُ عَلَيكَ وَسَلّم، وَعَلَيْهم بِمُوالاتِكَ يا أبا عَبْدِاللهِ وَبالْبَراءةِ مِنْ أعْدائِكَ وَمِمّنْ قاتَلَكَ وَنَصَبَ لَكَ الحَرْبَ، وَمِنْ جميع أعْدائِكُمْ، وَبِالبَراءَةِ ممَّن أسَّسَ الجَورَ وَبَنى عَلَيْهِ بُنْيانَهُ وَأجْرى ظُلْمَهُ وَجَورَهُ عَلَيْكُمْ وَعَلى أشْياعِكُمْ، بَرِئْتُ إلى اللهِ وَإلَيْكُمْ مِنهُم، وَأتَقَرَّبُ إلى اللهِ ثُمَّ إلَيْكُمْ بِموالاتِكُمْ وَمُوالاةِ وَليِّكُمْ وَالبَراءةِ مِنْ أعدائِكُمْ، وَمِنَ النّاصِبيّينَ لَكُمُ الحَرْبَ وَالْبَراءَةَ مِنْ أشْياعِهمْ وَأتْباعِهمْ، إنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُم، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ، وَوَليٌّ لِمَنْ والاكُمْ، وَعَدُوٌ لِمَن عاداكُمْ، فأسألُ اللهَ الَّذي أكْرَمَني بمعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ أوْليائِكُمْ وَرَزَقَني الْبَراءةَ مِنْ أعْدائِكُمْ أنْ يَجْعَلَني مَعَكم في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وأنْ يُثَبِّتَ لي عِنْدَكُمْ قَدَم صِدْقٍ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، وَأسْأَلُهُ أنْ يُبَلِّغَني المقامَ المَحْمُودِ لَكم عِندَ اللهِ، وَأنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثَأرِكم مَع إمام مَهْديّ ناطِقٍ لَكُمْ، وَأسْأَلُ اللهَ بِحَقِّكُمْ وَبالشَّأْنِ الَّذي لَكُمْ عِنْدَهُ أنْ يُعطيَني بِمُصابي بِكُم أفْضَلَ ما أعْطى مُصاباً بمُصيبَةٍ أقول: « إنّا لله وَإنّا إلَيْهِ راجِعُون »، يالَها مِنْ مُصيبَةٍ، ما أعْظَمَها وَأعْظَم رَزِيَّتها في الإسْلام! وفي جَميعِ أهْلِ السَّماواتِ وَالأَرض (٢) اللّهُمَّ اجْعَلْني في مَقامِي هذا ممَّن تَنالُهُ مِنكَ صَلَواتٌ وَرَحمةٌ وَمَغْفِرَةٌ، اللّهُمَّ اجْعَلْ مَحيايَ مَحيا مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمَماتي مَماتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اللّهُمّ إنَّ هذا يَومٌ تَنزَّلَتْ فيهِ اللَّعْنَةُ (٣) عَلى آلِ زيادٍ وَآلِ اُمَيَّةَ وَابْنِ آكِلَةِ الأكْبادِ، اللَّعِينِ بُنِ اللَّعِينِ، عَلى لِسانِ نَبيِّكَ، في كلِّ مَوطِنٍ وَمَوقِفٍ وَقَفَ

__________________

١ - المُصاب: الشّدّة النّازلة.

٢ - في بعض النّسخ: « الأرضين ».

٣ - في البحار: « تنزّل فيه اللّعنة ».

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357