كامل الزيارات

كامل الزيارات16%

كامل الزيارات مؤلف:
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مكتبة الصدوق
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 357

كامل الزيارات المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 146764 / تحميل: 9209
الحجم الحجم الحجم
كامل الزيارات

كامل الزيارات

مؤلف:
الناشر: مكتبة الصدوق
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ممّا لم يكن يظنّ بالسابقين الأوّلين أن يبتلوا به على أنّ بعضهم ابتلي ببعضها بعد.

الثالث: أنّ الآية بما لها من السياق المؤيّد بإشعار المقام إنّما تنهى عن الركون إلى الّذين ظلموا فيما هم فيه ظالمون أي بناء المسلمين دينهم الحقّ أو حياتهم الدينيّة على شي‏ء من ظلمهم و هو أن يراعوا في قولهم الحقّ و عملهم الحقّ جانب ظلمهم و باطلهم حتّى يكون في ذلك إحياء للحقّ بسبب إحياء الباطل، و مآله إلى إحياء حقّ بإماتة حقّ آخر كما تقدّمت الإشارة إليه.

و أمّا الميل إلى شي‏ء من ظلمهم و إدخاله في الدين أو إجراؤه في المجتمع الإسلاميّ أو في ظرف الحياة الشخصيّة فليس من الركون إلى الظالمين بل هو دخول في زمرة الظالمين.

و قد اختلط هذا الأمر على كثير من المفسّرين فأوردوا في المقام أبحاثاً لا تمسّ الآية أدنى مسّ، و قد أغمضنا عن إيرادها و البحث في صحّتها و سقمها إيثاراً للاختصار و من أراد الوقوف عليها فليراجع تفاسيرهم.

قوله تعالى: ( وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) إلخ، طرفا النهار هو الصباح و المساء و الزلف جمع زلفى كقرب جمع قربى لفظا و معنى على ما قيل، و هو وصف سادّ مسدّ موصوفه كالساعات و نحوها، و التقدير و ساعات من اللّيل أقرب من النهار.

و المعنى أقم الصلاة في الصباح و المساء و في ساعات من الليل هي أقرب من النهار، و ينطبق من الصلوات الخمس اليوميّة على صلاة الصبح و العصر و هي صلاة المساء و المغرب و العشاء الآخرة، وقتهما زلف من الليل كما قاله بعضهم، أو على الصبح و المغرب و وقتهما طرفا النهار و العشاء الآخرة و وقتها زلف من الليل كما قاله آخرون، و قيل غير ذلك.

لكنّ البحث لمّا كان فقهيّا كان المتّبع فيه ما ورد عن النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) و أئمّة أهل بيته (عليه السلام) من البيان، و سيجي‏ء في البحث الروائيّ الآتي إن شاء الله تعالى.

و قوله:( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) تعليل لقوله:( وَ أَقِمِ الصَّلاةَ ) و

٦١

بيان أنّ الصلوات حسنات واردة على نفوس المؤمنين تذهب بآثار المعاصي و هي ما تعتريها من السيّئات، و قد تقدّم كلام في هذا الباب في مسألة الحبط في الجزء الثاني من هذا الكتاب.

و قوله:( ذلِكَ ذِكْرى‏ لِلذَّاكِرِينَ ) أي هذا الّذي ذكر و هو أنّ الحسنات يذهبن السيّئات على رفعة قدرة تذكار للمتلبّسين بذكر الله تعالى من عباده.

قوله تعالى: ( وَ اصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) ثمّ أمره (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) بالصبر بعد ما أمره بالصلاة كما جمع بينهما في قوله:( وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ ) البقرة: ٤٥ و ذلك أنّ كلّا منهما في بابه من أعظم الأركان أعني الصلاة في العبادات، و الصبر في الأخلاق و قد قال تعالى في الصلاة:( وَ لَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ) العنكبوت: ٤٥ و قال في الصبر:( إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) الشورى: ٤٣.

و اجتماعهما أحسن وسيلة يستعان بها على النوائب و المكاره فالصبر يحفظ النفس عن القلق و الجزع و الانهزام، و الصلاة توجّهها إلى ناحية الربّ تعالى فتنسى ما تلقاه من المكاره، و قد تقدّم بيان في ذلك في تفسير الآية ٤٥ من سورة البقرة في الجزء الأوّل من الكتاب.

و إطلاق الأمر بالصبر يعطي أنّ المراد به الأعمّ من الصبر على العبادة و الصبر عن المعصية و الصبر عند النائبة، و على هذا يكون أمرا بالصبر على جميع ما تقدّم من الأوامر و النواهي أعني قوله:( فَاسْتَقِمْ ) ( وَ لا تَطْغَوْا ) ( وَ لا تَرْكَنُوا ) ( وَ أَقِمِ الصَّلاةَ ) .

لكن إفراد الأمر و تخصيصه بالنبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) يفيد أنّه صبر في أمر يختصّ به و إلّا قيل: و( اصبروا ) جرياً على السياق، و هذا يؤيّد قول من قال: إنّ المراد اصبر على أذى قومك في طريق دعوتك إلى الله سبحانه و ظلم الظالمين منهم، و أمّا قوله:( وَ أَقِمِ الصَّلاةَ ) فإنّه ليس أمراً بما يخصّه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) من الصلاة بل أمر بإقامته الصلاة بمن تبعه من المؤمنين جماعة فهو أمر لهم جميعا بالصلاة فافهم ذلك.

و قوله:( فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) تعليل للأمر بالصبر.

٦٢

قوله تعالى: ( فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ ) إلخ لو لا بمعنى هلّا و إلّا يفيد التعجيب و التوبيخ، و المعنى هلّا كان من القرون الّتي كانت من قبلكم و قد أفنيناها بالعذاب و الهلاك اُولوا بقيّة أي قوم باقون ينهون عن الفساد في الأرض ليصلحوا بذلك فيها و يحفظوا اُمّتهم من الاستئصال.

و قوله:( إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ ) استثناء من معنى النفي في الجملة السابقة فإنّ المعنى: من العجب أنّه لم يكن من القرون الماضية مع ما رأوا من آيات الله و شاهدوا من عذابه بقايا ينهون عن الفساد في الأرض إلّا قليلاً ممّن أنجينا من العذاب و الهلاك منهم فإنّهم كانوا ينهون عن الفساد.

و قوله:( وَ اتَّبَعَ الّذينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَ كانُوا مُجْرِمِينَ ) بيان حال الباقي منهم بعد الاستثناء و هم أكثرهم و عرّفهم بأنّهم الّذين ظلموا و بيّن أنّهم اتّبعوا لذائذ الدنيا الّتي اُترفوا فيها و كانوا مجرمين.

و قد تحصّل بهذا الاستثناء و هذا الباقي الّذي ذكر حالهم تقسيم الناس إلى صنفين مختلفين: الناجون بإنجاء الله و المجرمون و لذلك عقّبه بقوله:( وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) .

قوله تعالى: ( وَ ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى‏ بِظُلْمٍ وَ أَهْلُها مُصْلِحُونَ ) أي لم يكن من سنّته تعالى إهلاك القرى الّتي أهلها مصلحون لأنّ ذلك ظلم و لا يظلم ربّك أحداً فقوله:( بِظُلْمٍ ) قيد توضيحيّ لا احترازيّ، و يفيد أنّ سنّته تعالى عدم إهلاك القرى المصلحة لكونه من الظلم( وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) .

قوله تعالى: ( وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ - إلى قوله -أَجْمَعِينَ ) الخلف خلاف القدّام و هو الأصل فيما اشتقّ من هذه المادّة من المشتقّات يقال: خلف أباه أي سدّ مسدّه لوقوعه بعده، و أخلف وعده أي لم يف به كأنّه جعله خلفه، و مات و خلف ابنا أي تركه خلفه، و استخلف فلانا أي طلب منه أن ينوب عنه بعد غيبته أو موته أو بنوع من العناية كاستخلاف الله

٦٣

تعالى آدم و ذرّيّته في الأرض، و خالف فلان فلانا و تخالفا إذا تفرّقا في رأي أو عمل كأنّ كلّا منهما يجعل الآخر خلفه، و تخلّف عن أمره إذا أدبر و لم يأتمر به، و اختلف القوم في كذا إذا خالف بعضهم بعضا فيه فجعله خلفه، و اختلف القوم إلى فلان إذا دخلوا عليه واحداً بعد واحد، و اختلف فلان إلى فلان إذا دخل عليه مرّات كلّ واحدة بعد اُخرى.

ثمّ الاختلاف و يقابله الاتّفاق من الاُمور الّتي لا يرتضيها الطبع السليم لما فيه من تشتيت القوى و تضعيفها و آثار اُخرى غير محمودة من نزاع و مشاجرة و جدال و قتال و شقاق كلّ ذلك يذهب بالأمن و السلام غير أنّ نوعاً منه لا مناص منه في العالم الإنسانيّ و هو الاختلاف من حيث الطبائع المنتهية إلى اختلاف البنى فإنّ التركيبات البدنيّة مختلفة في الأفراد و هو يؤدّي إلى اختلاف الاستعدادات البدنيّة و الروحيّة و بانضمام اختلاف الأجواء و الظروف إلى ذلك يظهر اختلاف السلائق و السنن و الآداب و المقاصد و الأعمال النوعيّة و الشخصيّة في المجتمعات الإنسانيّة، و قد أوضحت الأبحاث الاجتماعيّة أن لو لا ذلك لم يعش المجتمع الإنسانيّ و لا طرفة عين.

و قد ذكره الله تعالى في كتابه و نسبه إلى نفسه حيث قال:( نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا ) الزخرف: ٣٢. و لم يذمّه تعالى في شي‏ء من كلامه إلّا إذا صحب هوى النفس و خالف هدى العقل.

و ليس منه الاختلاف في الدين فإنّ الله سبحانه يذكر أنّه فطر الناس على معرفته و توحيده و سوّى نفس الإنسان فألهمها فجورها و تقواها، و أنّ الدين الحنيف هو من الفطرة الّتي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، و لذلك نسب الاختلاف في الدين في مواضع من كلامه إلى بغي المختلفين فيه و ظلمهم( فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ) .

و قد جمع الله الاختلافين في قوله:( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ

٦٤

مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ - و هذا هو الاختلاف الأوّل في الحياة و المعيشة - و ما اختلف فيه - و هذا هو الاختلاف الثاني في الدين -إِلَّا الّذينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الّذينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ) البقرة: ٢١٣ فهذا ما يعطيه كلامه تعالى في معنى الاختلاف.

و الّذي ذكره بقوله:( وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً ) يريد به رفع الاختلاف من بينهم و توحيدهم على كلمة واحدة يتّفقون فيه، و من المعلوم أنّه ناظر إلى ما ذكره تعالى في الآيات السابقة على هذه الآية من اختلافهم في أمر الدين و انقسامهم إلى طائفة أنجاهم الله و هم قليل و طائفة اُخرى و هم الّذين ظلموا.

فالمعنى أنّهم و إن اختلفوا في الدين فإنّهم لم يعجزوا الله بذلك و لو شاء الله لجعل الناس اُمّة واحدة لا يختلفون في الدين فهو نظير قوله:( وَ عَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَ مِنْها جائِرٌ وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ) النحل: ٩ و قوله:( أَ فَلَمْ يَيْأَسِ الّذينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيع ) الرعد: ٣١.

و على هذا فقوله:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) إنّما يعني به الاختلاف في الدين فحسب فإنّ ذلك هو الّذي يذكر لنا أن لو شاء لرفعه من بينهم، و الكلام في تقدير: لو شاء الله لرفع الاختلاف من بينهم لكنه لم يشأ ذلك فهم مختلفون دائما.

على أنّ قوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) يصرّح أنّه رفعه عن طائفة رحمهم، و الاختلاف في غير الدين لم يرفعه الله تعالى حتّى عن الطائفة المرحومة، و إنّما رفع عنهم الاختلاف الدينيّ الّذي يذمّه و ينسبه إلى البغي بعد العلم بالحقّ.

و قوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) استثناء من قوله:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) أي الناس يخالف بعضهم بعضا في الحقّ أبداً إلّا الّذين رحمهم الله فإنّهم لا يختلفون في الحقّ و لا يتفرّقون عنه، و الرحمة هي الهداية الإلهيّة كما يفيده قوله:( فَهَدَى اللَّهُ الّذينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ) البقرة: ٢١٣.

فإن قلت: معنى اختلاف الناس أن يقابل بعضهم بعضا بالنفي و الإثبات

٦٥

فيصير معنى قوله:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) أنّهم منقسمون دائماً إلى محقّ و مبطل، و لا يصحّ حينئذ ورود الاستثناء عليه إلّا بحسب الأزمان دون الأفراد و ذلك أنّ انضمام قوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) إليه يؤوّل المعنى إلى مثل قولنا: إنّهم منقسمون دائماً إلى مبطلين و محقّين إلّا من رحم ربّك منهم فإنّهم لا ينقسمون إلى قسمين، بل يكونون محقّين فقط، و من المعلوم أنّ المستثنين منهم هم المحقّون فيرجع معنى الكلام إلى مثل قولنا: إنّ منهم مبطلين و محقّين و المحقّون محقّون لا مبطل فيهم، و هذا كلام لا فائدة فيه.

على أنّه لا معنى لاستثناء المحقّين من حكم الاختلاف أصلاً و هم من الناس المختلفين، و الاختلاف قائم بهم و بالمبطلين معا.

قلت: الاختلاف المذكور في هذه الآية و سائر الآيات المتعرّضة له الذامّة لأهله إنّما هو الاختلاف في الحقّ و مخالفة البعض للبعض في الحقّ و إن كانت توجب كون بعض منهم على الحقّ و على بصيرة من الأمر لكنّه إذا نسب إلى المجموع و هو المجتمع كان لازمه ارتياب المجتمع و تفرّقهم عن الحقّ و عدم اجتماعهم عليه و تركهم إيّاه بحياله، و مقتضاه اختفاء الحقّ عنهم و ارتيابهم فيه.

و الله سبحانه إنّما يذمّ الاختلاف من جهة لازمة هذا و هو التفرّق و الإعراض عن الحقّ و الآيات تشهد بذلك فإنّه تعالى يذمّ فيها جميع المختلفين باختلافهم لا المبطلين من بينهم فلو لا أنّ المراد بالمختلفين أهل الآراء أو الأعمال المختلفة الّتي تفرّقهم عن الحقّ لم يصحّ ذلك.

و من أحسن ما يؤيّده قوله تعالى:( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الّذي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏ وَ عِيسى‏ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) الشورى: ١٣ حيث عبّر عن الاختلاف بالتفرّق، و كذا قوله:( وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) الأنعام: ١٥٣ و هذا أوضح دلالة من سابقه فإنّه يجعل أهل الحقّ الملازمين لسبيله خارجا من أهل التفرّق و الاختلاف.

٦٦

و لذلك ترى أنّه سبحانه في غالب ما يذكر اختلافهم في الكتاب يردفه بارتيابهم فيه كقوله فيما مرّ من الآيات:( وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ) آية: ١١٠ من السورة و قد كرّر هذا المعنى في مواضع من كلامه.

و قال تعالى:( عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الّذي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ) النبأ: ٣ أي يأتي فيه كلّ بقول يبعّدهم من الحقّ فيتفرّقون و قال:( إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ) الذاريات: ١٠ أي قول لا يقف على وجه و لا يبتني على علم بل الخرص و الظنّ هو الّذي أوجده فيكم.

و في هذا المعنى قوله تعالى:( يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) آل عمران: ٧١ فإنّ هذا اللبس المذموم منهم إنّما كان بإظهار قول يشبه الحقّ و ليس به و هو إلقاء التفرّق الّذي يختفي به الحقّ.

فالمراد باختلافهم إيجادهم أقوالا و آراء يتفرّقون بها عن الحقّ و يظهر بها الريب فهم لاتّباعهم أهواءهم المخالفة للحقّ يظهرون آراءهم الباطلة في صور متفرّقة تضاهي صورة الحقّ ليحجبوه عن أفهام الناس بغيا و عدوانا بعد علمهم بالحقّ فهو اختلافهم في الحقّ بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم.

و يتبيّن بما تقدّم على طوله أنّ الإشارة بقوله:( وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) إلى الرحمة المدلول عليه بقوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) و التأنيث اللفظي في لفظ الرحمة لا ينافي تذكير اسم الإشارة لأنّ المصدر جائز الوجهين، قال تعالى:( إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) الأعراف: ٥٦ و ذلك لأنّك عرفت أنّ هذا الاختلاف بغي منهم يفرّقهم عن الحقّ و يستره و يظهر الباطل و لا يجوز كون الباطل غاية حقيقيّة للحقّ تعالى في خلقه، و لا معنى لأن يوجد الله سبحانه العالم الإنسانيّ ليبغوا و يميتوا الحقّ و يحيوا الباطل فيهلكهم ثمّ يعذّبهم بنار خالدة، فالقرآن الكريم يدفع هذا بجميع بياناته.

على أنّ سياق الآيات - مع الغضّ عمّا ذكر - يدفع ذلك فإنّها في مقام بيان

٦٧

أنّ الله تعالى يدعو الناس برأفته و رحمته إلى ما فيه خيرهم و سعادتهم من غير أن يريد بهم ظلما و لا شرّا، و لكنّهم بظلمهم و اختلافهم في الحقّ يستنكفون عن دعوته، و يكذّبون بآياته، و يعبدون غيره، و يفسدون في الأرض فيستحقّون العذاب، و ما كان ربّك ليهلك القرى بظلم و أهلها مصلحون، و لا أن يخلقهم ليبغوا و يفسدوا فيهلكهم فالّذي منه هو الرحمة و الهداية، و الّذي من بغيهم و اختلافهم و ظلمهم يرجع إليهم أنفسهم، و هذا هو الّذي يعطيه سياق الآيات.

و كون الرحمة أعني الهداية غاية مقصودة في الخلقة إنّما هو لاتّصالها بما هو الغاية الأخيرة و هو السعادة كما في قوله حكاية عن أهل الجنّة:( وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الّذي هَدانا لِهذا ) الأعراف: ٤٣ و هذا نظير عدّ العبادة غاية لها لاتّصالها بالسعادة في قوله:( وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات: ٥٦.

و قوله:( وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ ) أي حقّت كلمته تعالى و أخذت مصداقها منهم بما ظلموا و اختلفوا في الحقّ من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم، و الكلمة هي قوله:( لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ ) إلخ.

و الآية نظيره قوله:( وَ لَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ ) الم السجدة: ١٣ و الأصل في هذه الكلمة ما ألقاه الله تعالى إلى إبليس لعنه الله إذ قال:( فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قالَ فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ) ص: ٨٥ و الآيات متّحدة المضمون يفسّر بعضها بعضا.

هذه جملة ما يعطيه التدبّر في معنى الآيتين و قد تلخّص بذلك:

أوّلا أنّ المراد بقوله:( وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً ) توحيدهم برفع التفرّق و الخلاف من بينهم و قيل: إنّ المراد هو الإلجاء إلى الإسلام و رفع الاختيار لكنّه ينافي التكليف و لذلك لم يفعل و نسب إلى قتادة، و قيل: المعنى لو شاء لجمعكم في الجنّة لكنّه أراد بكم أعلى الدرجتين لتدخلوه بالاكتساب ثوابا لأعمالكم، و نسب إلى أبي مسلم. و أنت خبير بأنّ سياق الآيات لا يساعد على شي‏ء

٦٨

من المعنيين.

و ثانياً: أنّ المراد بقوله:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) دوامهم على الاختلاف في الدين و معناه التفرّق عن الحقّ و ستره بتصويره في صور متفرّقة باطلة تشبه الحقّ. و قال بعضهم: هو الاختلاف في الأرزاق و الأحوال و بالجملة الاختلاف غير الدينيّ و نسب إلى الحسن. و قد عرفت أنّه أجنبيّ من سياق الآيات السابقة. و قال آخرون: إنّ معنى( مُخْتَلِفِينَ ) يخلف بعضهم بعضا في تقليد أسلافهم و تعاطي باطلهم، و هو كسابقه أجنبيّ من مساق الآيات و فيها قوله:( وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ) الآية.

و ثالثاً: أنّ المراد بقوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ ) إلّا من هداه الله من المؤمنين.

و رابعاً: أنّ الإشارة بقوله:( وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) إلى الرحمة و هي الغاية الّتي أرادها الله من خلقه ليسعدوا بذلك سعادتهم. و ذكر بعضهم. أنّ المعنى خلقهم للاختلاف و نسب إلى الحسن و عطاء. و قد عرفت أنّه سخيف رديّ جدّاً نعم لو جاز عود ضمير( خلقهم ) إلى الباقي من الناس بعد الاستثناء جاز عدّ الاختلاف غاية لخلقهم و كانت الآية قريبة المضمون من قوله:( وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ ) الآية الأعراف: ١٧٩.

و ذكر آخرون: أنّ الإشارة إلى مجموع ما يدلّ عليه الكلام من مشيّته تعالى في خلقهم مستعدّين للاختلاف و التفرّق في علومهم و معارفهم و آرائهم و شعورهم و ما يتبع ذلك من إرادتهم و اختيارهم في أعمالهم و من ذلك الدين و الإيمان و الطاعة و العصيان، و بالجملة الغاية هو مطلق الاختلاف أعمّ ممّا في الدين أو في غيره.

و نسب إلى ابن عبّاس بناء على ما روي عنه أنّه قال: خلقهم فريقين فريقا يرحم فلا يختلف، و فريقا لا يرحم فيختلف، و إلى مالك بن أنس إذ قال في معنى الآية: خلقهم ليكون فريق في الجنّة و فريق في السعير، و قد عرفت ما فيه من وجوه السخافة فلا نطيل بالإعادة.

و خامساً: أنّ المراد بتمام الكلمة هو تحقّقها و أخذها مصداقها.

٦٩

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ إِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ ) الآية قال: قال (عليه السلام): في القيامة.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي حاتم و أبوالشيخ عن الحسن قال: لمّا نزلت هذه الآية:( فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ مَنْ تابَ مَعَكَ ) قال: شمّروا شمّروا فما رؤي ضاحكا.

و في المجمع في قوله تعالى:( فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ) الآية قال ابن عبّاس: ما نزل على رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) آية كانت أشدّ عليه و لا أشقّ من هذه الآية، و لذلك‏ قال لأصحابه حين قالوا له: أسرع إليك الشيب يا رسول الله. شيّبتني هود و الواقعة.

أقول: و الحديث مشهور في بعض الألفاظ شيّبتني هود و أخواتها، و عدم اشتمال الواقعة على ما يناظر قوله:( فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ) الآية يبعّد أن تكون إليه الإشارة في الحديث، و المشترك فيه بين السورتين حديث القيامة و الله أعلم.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ لا تَرْكَنُوا ) الآية قال: قال (عليه السلام): ركون مودّة و نصيحة و طاعة.

أقول: و رواه أيضاً في المجمع، مرسلا عنهم (عليه السلام).

و في تفسير العيّاشيّ، عن عثمان بن عيسى عن رجل عن أبي عبدالله (عليه السلام):( وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الّذينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) قال: أمّا إنّه لم يجعلها خلودا و لكن( فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) فلا تركنوا إليهم.

أقول: أي و لكن قال: تمسّكم النار فجعله مسّاً.

و فيه عن جرير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) و طرفاه المغرب و الغداة( وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) و هي صلاة العشاء الآخرة.

و في التهذيب، بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): في حديث في الصلوات

٧٠

الخمس اليوميّة: و قال تعالى في ذلك( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) و هي صلاة العشاء الآخرة.

أقول: الحديث لا يخلو من ظهور في تفسير طرفي النهار بما قبل الظهر و ما بعدها ليشمل أوقات الخمس.

و في المعاني، بإسناده عن إبراهيم بن عمر عمّن حدّثه عن أبي عبدالله (عليه السلام): في قول الله عزّوجلّ:( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) قال: صلاة المؤمن بالليل تذهب بما عمل من ذنب النهار:.

أقول: و الحديث مرويّ في الكافي، و تفسير العيّاشيّ، و أمالي المفيد، و أمالي الشيخ.

و في المجمع، عن الواحديّ بإسناده عن حمّاد بن سلمة عن عليّ بن زيد عن أبي عثمان قال: كنت مع سلمان تحت شجرة فأخذ غصنا يابساً منها فهزّه حتّى تحاتّ ورقه ثمّ قال: يا أباعثمان ألا تسألني لم أفعل هذا؟ قلت: و لم تفعله؟ قال: هكذا فعله رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) و أنا معه تحت شجرة فأخذ منها غصنا يابسا فهزّه حتّى تحاتّ ورقه، ثمّ قال: ألا تسألني يا سلمان لم أفعل هذا؟ قلت: و لم فعلته؟ قال: إنّ المسلم إذا توضّأ فأحسن الوضوء ثمّ صلّى الصلوات الخمس تحاتت خطاياه كما تحاتّ هذا الورق. ثمّ قرأ هذه الآية: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ إلى آخرها.

أقول: و رواه في الدرّ المنثور، عن الطيالسيّ و أحمد و الدارميّ و ابن جرير و الطبرانيّ و البغوي في معجمه، و ابن مردويه غير مسلسل.

و فيه، عنه بإسناده عن الحارث عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: كنّا مع رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) في المسجد ننتظر الصلاة فقام رجل فقال: يا رسول الله إنّي أصبت ذنبا، فأعرض عنه فلمّا قضى النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) الصلاة قام الرجل فأعاد القول فقال النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم): أ ليس قد صلّيت معنا هذه الصلاة و أحسنت لها الطهور؟ قال: بلى. قال: فإنّها كفّارة ذنبك.

أقول: و الرواية مرويّة بطرق كثيرة عن ابن مسعود و أبي أمامة و معاذ بن

٧١

جبل و ابن عبّاس و بريدة و واثلة بن الأسقع و أنس و غيرهم و في سرد القصّة اختلاف مّا في ألفاظهم، و رواه الترمذيّ و غيره عن أبي اليسر و هو صاحب القصّة.

و في تفسير العيّاشيّ، عن أبي حمزة الثماليّ قال: سمعت أحدهما (عليهما السلام) يقول: إنّ عليّا (عليه السلام) أقبل على الناس فقال: أيّ آية في كتاب الله أرجى عندكم؟ فقال بعضهم:( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) قال: حسنة و ليست إيّاها. فقال بعضهم:( يا عِبادِيَ الّذينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ) قال: حسنة و ليست إيّاها. و قال بعضهم:( وَ الّذينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ) قال: حسنة و ليست إيّاها.

قال: ثمّ أحجم الناس فقال: ما لكم يا معشر المسلمين؟ قالوا: لا و الله ما عندنا شي‏ء. قال: سمعت رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) يقول: أرجى آية في كتاب الله:( وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) و قرأ الآية كلّها، و قال: يا عليّ و الّذي بعثني بالحقّ بشيرا و نذيرا إنّ أحدكم ليقوم إلى وضوئه فتساقط من جوارحه الذنوب فإذا استقبل بوجهه و قلبه لم ينفتل عن صلاته و عليه من ذنوبه شي‏ء كما ولدته اُمّه فإذا أصاب شيئاً بين الصلاتين كان له مثل ذلك حتّى عدّ الصلوات الخمس.

ثمّ قال: يا عليّ إنّما منزلة الصلوات الخمس لاُمّتي كنهر جار على باب أحدكم فما ظنّ أحدكم لو كان في جسده درن ثمّ اغتسل في ذلك النهر خمس مرّات في اليوم؟ أ كان يبقى في جسده درن؟ فكذلك و الله الصلوات الخمس لاُمّتي.

أقول: و قد روي المثل المذكور في آخر الحديث من طرق أهل السنّة عن عدّة من الصحابة كأبي هريرة و أنس و جابر و أبي سعيد الخدريّ عنه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم).

و فيه، عن إبراهيم الكرخي قال: كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) فدخل عليه رجل من أهل المدينة فقال له أبو عبدالله (عليه السلام): يا فلان من أين جئت؟ قال: و لم يقل في جوابه، فقال أبو عبدالله (عليه السلام): جئت من هنا و هاهنا. انظر بما تقطع به يومك فإنّ معك ملكا موكّلا يحفظ و يكتب ما تعمل فلا تحتقر سيّئة و إن كانت صغيرة فإنّها ستسوؤك يوما، و لا تحتقر حسنة فإنّه ليس شي‏ء أشدّ طلبا من الحسنة

٧٢

إنّها تدرك الذنب العظيم القديم فتحذفه و تسقطه و تذهب به بعدك، و ذلك قول الله( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى‏ لِلذَّاكِرِينَ )

و فيه، عن سماعة بن مهران قال: سأل أباعبدالله (عليه السلام) رجل من أهل الجبال عن رجل أصاب مالاً من أعمال السلطان فهو يتصدّق منه و يصل قرابته و يحجّ ليغفر له ما اكتسب، و هو يقول:( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) . فقال أبوعبدالله (عليه السلام): إنّ الخطيئة لا تكفّر الخطيئة و لكن الحسنة تكفّر الخطيئة.

ثمّ قال أبوعبدالله (عليه السلام): إن خلط الحلال حراما فاختلطا جميعا فلم يعرف الحلال من الحرام فلا بأس.

و في الدرّ المنثور، أخرج أحمد و الطبرانيّ عن أبي أمامة قال: قال رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم): ما من امرء مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيقوم فيتوضّأ فيحسن الوضوء و يصلّي فيحسن الصلاة إلّا غفرت له ما بينها و بين الصلاة الّتي كانت قبلها من ذنوبه.

أقول: و الروايات في هذا الباب كثيرة من أراد استقصاءها فليراجع جوامع الحديث.

و فيه، أخرج الطبرانيّ و أبوالشيخ و ابن مردويه و الديلميّ عن جرير قال: سمعت رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) يسأل عن تفسير هذه الآية:( وَ ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى‏ بِظُلْمٍ وَ أَهْلُها مُصْلِحُونَ ) فقال رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم): و أهلها ينصف بعضهم بعضا.

و في الكافي، بإسناده عن عبدالله بن سنان قال: سئل أبوعبدالله (عليه السلام) عن قول الله تعالى:( وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) فقال: كانوا اُمّة واحدة فبعث الله النبيّين ليتّخذ عليهم الحجّة.

أقول: و رواه الصدوق في المعاني، عنه (عليه السلام) مثله.

و في المعاني، بإسناده عن أبي بصير قال: سألت أباعبدالله (عليه السلام) عن قول الله عزّوجلّ:( وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) قال: خلقهم ليأمرهم بالعبادة، قال: و سألته عن قوله عزّوجلّ:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) قال: خلقهم ليفعلوا ما يستوجبون به رحمته فيرحمهم.

٧٣

و في تفسير القمّيّ عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) يعني آل محمد و أتباعهم يقول الله:( وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) يعني أهل الرحمة لا يختلفون في الدين.

و في تفسير العيّاشيّ، عن يعقوب بن سعيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله:( وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) قال: خلقهم للعبادة. قال: قلت: قوله:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) قال: نزلت هذه بعد تلك.

أقول: يشير إلى كون الآية الثانية أعني قوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) لكونها خاصّة ناسخة للآية الاُولى العامّة، و قد تقدّم في الكلام على النسخ أنّه في عرفهم (عليه السلام) أعمّ ممّا اصطلح عليه علماء الاُصول، و الآيات الخاصّة التكوينيّة ظاهرة في حكمها على الآيات العامّة فإنّ العوامل و الأسباب الخاصّة أنفذ حكما من العامّة فافهمه.

٧٤

( سورة هود الآيات ١٢٠ - ١٢٣)

وَكُلّاً نَقُصّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرّسُلِ مَا نُثَبّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى‏ لِلْمُؤْمِنِينَ( ١٢٠) وَقُل لِلّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى‏ مَكَانَتِكُمْ إِنّا عَامِلُونَ( ١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنّا مُنْتَظِرُونَ( ١٢٢) وَللّهِ‏ِ غَيْبُ السّماوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبّكَ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ( ١٢٣)

( بيان‏)

الآيات تلخّص للنبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) القول في غرض السورة المسرودة له آياتها، و تنبّؤه أنّ السورة تبيّن له حقّ القول في المبدأ و المعاد و سنّة الله الجارية في عباده فهي بالنسبة إلى النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) تعليم للحقّ، و بالنسبة إلى المؤمنين موعظة و ذكرى، و بالنسبة إلى الكافرين المستنكفين عن الإيمان قطع خصام، فقل لهم آخر ما تحاجّهم: اعملوا بما ترون و نحن عاملون بما نراه، و ننتظر جميعا صدق ما قصّ الله علينا من سنّته الجارية في خلقه من إسعاد المصلحين و إشقاء المفسدين، و تختم بأمره (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) بعبادته و التوكّل عليه لأنّ الأمر كلّه إليه.

قوله تعالى: ( وَ كُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ ) إلى آخر الآية أي و كلّ القصص نقصّ عليك تفصيلاً أو إجمالاً، و قوله:( مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ) بيان لما اُضيف إليه كلّ، و قوله:( ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ ) عطف بيان للأنباء اُشير به إلى فائدة القصص بالنسبة إليه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) و هو تثبيت فؤاده و حسم مادّة القلق و الاضطراب منه.

٧٥

و المعنى نقصّ عليك أنباء الرسل لنثبّت به فؤادك و نربط جأشك في ما أنت عليه من سلوك سبيل الدعوة إلى الحقّ، و النهضة على قطع منابت الفساد، و المحنة من أذى قومك.

ثمّ ذكر تعالى من فائدة السورة ما يعمّه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) و قومه مؤمنين و كافرين فقال فيما يرجع إلى النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) من فائدة نزول السورة:( وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ ) و الإشارة إلى السورة أو إلى الآيات النازلة فيها أو الإنباء على وجه، و مجي‏ء الحقّ فيها هو ما بيّن الله تعالى في ضمن القصص و قبلها و بعدها من حقائق المعارف في المبدأ و المعاد و سنّته تعالى الجارية في خلقه بإرسال الرسل و نشر الدعوة ثمّ إسعاد المؤمنين في الدنيا بالنجاة، و في الآخرة بالجنّة، و إشقاء الظالمين بالأخذ في الدنيا و العذاب الخالد في الآخرة.

و قال فيما يرجع إلى المؤمنين:( وَ مَوْعِظَةٌ وَ ذِكْرى‏ لِلْمُؤْمِنِينَ ) فإنّ فيما ذكر فيها من حقائق المعارف تذكرة للمؤمنين يذكرون بها ما نسوه من علوم الفطرة في المبدأ و المعاد و ما يرتبط بهما، و فيما ذكر فيها من القصص و العبر موعظة يتّعظون بها.

قوله تعالى: ( وَ قُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى‏ مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ وَ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ) و هذا فيما يرجع إلى غير المؤمنين يأمر نبيّه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) أن يختم الحجاج معهم و يقطع خصامهم بعد ما تلا القصص عليهم بهذه الجمل فيقول لهم: أمّا إذا لم تؤمنوا و لم تنقطعوا عن الشرك و الفساد بما ألقيت إليكم من التذكرة و العبر و لم تصدّقوا بما قصّه الله من أنباء الاُمم و أخبر به من سنّته الجارية فيهم فاعملوا على ما أنتم عليه من المكانة و المنزلة، و بما تحسبونه خيراً لكم إنّا عاملون، و انتظروا ما سيستقبلكم من عاقبة عملكم إنّا منتظرون فسوف تعرفون صدق النبإ الإلهيّ و كذبه.

و هذا قطع للخصام و نوع تهديد أورده الله في القصص الماضية قصّة نوح و هود و صالح (عليه السلام)، و في قصّة شعيب (عليه السلام) حاكيا عنه:( وَ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى‏

٧٦

مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ مَنْ هُوَ كاذِبٌ وَ ارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ) آية : ٩٣ من السورة.

قوله تعالى: ( وَ لِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ) لمّا كان أمره تعالى نبيّه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) أن يأمرهم بالعمل بما تهوى أنفسهم و الانتظار، و إخبارهم بأنّه و من آمن معه عاملون و منتظرون، في معنى أمره و من تبعه بالعمل و الانتظار عقّبه بهاتين الجملتين ليكون على طيب من النفس و ثبات من القلب من أنّ الدائرة ستكون له عليهم.

و المعنى فاعمل و انتظر أنت و من تبعك فغيب السماوات و الأرض الّذي يتضمّن عاقبة أمرك و أمرهم إنّما يملكه ربّك الّذي هو الله سبحانه دون آلهتهم الّتي يشركون بها و دون الأسباب الّتي يتوكّلون عليها حتّى يديروا الدائرة لأنفسهم و يحوّلوا العاقبة إلى ما ينفعهم، و إلى ربّك الّذي هو الله يرجع الأمر كلّه فيظهر من غيبه عاقبة الأمر على ما شاءه و أخبر به، فالدائرة لك عليهم، و هذا من عجيب البيان.

و من هنا يظهر وجه تبديل قوله:( رَبُّكَ ) المكرّر في هذه الآيات بلفظ الجلالة( الله ) لأنّ فيه من الإشعار بالإحاطة بكلّ ما دقّ و جلّ ما ليس في غيره، و المقام يقتضي الاعتماد و الالتجاء إلى ملجاء لا يقهره قاهر و لا يغلب عليه غالب، و هو الله سبحانه و لذلك ترى أنّه يعود بعد انقضاء هذه الجمل إلى ما كان يكرّره من صفة الربّ، و هو قوله:( وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) .

قوله تعالى: ( فَاعْبُدْهُ وَ تَوَكَّلْ عَلَيْهِ ) الظاهر أنّه تفريع لقوله:( وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ) أي إذا كان الأمر كلّه مرجوعا إليه تعالى فلا يملك غيره شيئاً و لا يستقلّ بشي‏ء فاعبده سبحانه و اتّخذه وكيلا في جميع الاُمور و لا تتوكّل على شي‏ء من الأسباب دونه لأنّها أسباب بتسبيبه غير مستقلّة دونه، فمن الجهل الاعتماد على شي‏ء منها. و ما ربّك بغافل عمّا تعملون فلا يجوز التساهل في عبادته و التوكّل عليه.

٧٧

( سورة يوسف مكّيّة و هي مائة و إحدى عشرة آية)

( سورة يوسف الآيات ١ - ٣)

.بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ( ١) إِنّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ( ٢) نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنْتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ( ٣)

( بيان‏)

غرض السورة بيان ولاية الله لعبده الّذي أخلص إيمانه له تعالى إخلاصا و امتلأ بمحبّته تعالى لا يبتغي له بدلا و لم يلو إلى غيره تعالى من شي‏ء، و أنّ الله تعالى يتولّى هو أمره فيربّيه أحسن تربية فيورده مورد القرب و يسقيه فيرويه من مشرعة الزلفى فيخلصه لنفسه و يحييه حياة إلهيّة و إن كانت الأسباب الظاهرة أجمعت على هلاكه، و يرفعه و إن توفّرت الحوادث على ضعته، و يعزّه و إن دعت النوائب و رزايا الدهر إلى ذلّته و حطّ قدره.

و قد بيّن تعالى ذلك بسرد قصّة يوسف الصدّيق (عليه السلام) - و لم يرد في سور القرآن الكريم تفصيل قصّة من القصص باستقصائها من أوّلها إلى آخرها غير قصّته (عليه السلام) - و قد خصّت السورة بها من غير شركة مّا من غيرها.

فقد كان (عليه السلام) عبداً مخلصا في عبوديّته فأخلصه الله لنفسه و أعزّه بعزّته و

٧٨

قد تجمّعت الأسباب على إذلاله و ضعته فكلّما ألقته في إحدى المهالك أحياه الله تعالى من نفس السبيل الّتي كانت تسوقه إلى الهلاكة: حسده إخوته فألقوه في غيابة الجبّ ثمّ شروه بثمن بخس دراهم معدودة فذهب به ذلك إلى مصر و أدخله في بيت الملك و العزّة، راودته الّتي هو في بيتها عن نفسه و اتّهمته عند العزيز و لم تلبث دون أن اعترفت عند النسوة ببراءته ثمّ اتّهمته و أدخلته السجن فكان ذلك سبب قربه عند الملك، و كان قميصه الملطّخ بالدم الّذي جاؤا به إلى أبيه يعقوب أوّل يوم هو السبب الوحيد في ذهاب بصره فصار قميصه بعينه و قد أرسله بيد إخوته من مصر إلى أبيه آخر يوم هو السبب في عود بصره إليه، و على هذا القياس.

و بالجملة كلّما نازعه شي‏ء من الأسباب المخالفة أو اعترضه في طريق كماله جعل الله تعالى ذلك هو السبب في رشد أمره و نجاح طلبته، و لم يزل سبحانه يحوّله من حال إلى حال حتّى آتاه الحكم و الملك و اجتباه و علّمه من تأويل الأحاديث و أتمّ نعمته عليه كما وعده أبوه.

و قد بدأ الله سبحانه قصّته بذكر رؤيا رآها في بادئ الأمر و هو صبيّ في حجر أبيه و الرؤيا من المبشّرات ثمّ حقّق بشارته و أتمّ كلمته فيه بما خصّه به من التربية الإلهيّة، و هذا هو شأنه تعالى في أوليائه كما قال تعالى:( أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ الّذينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى‏ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) يونس: ٦٤.

و في قوله تعالى بعد ذكر رؤيا يوسف و تعبير أبيه (عليه السلام) لها:( لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ ) إشعار بأنّه كان هناك قوم سألوا النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) عمّا يرجع إلى هذه القصّة، و هو يؤيّد ما ورد أنّ قوما من اليهود بعثوا مشركي مكّة أن يسألوا النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) عن سبب انتقال بني إسرائيل إلى مصر و قد كان يعقوب (عليه السلام) ساكنا في أرض الشام فنزلت السورة.

و على هذا فالغرض بيان قصته (عليه السلام) و قصّة آل يعقوب، و قد استخرج تعالى ببيانه ما هو الغرض العالي منها و هو طور ولاية الله لعباده المخلصين كما هو اللائح من

٧٩

مفتتح السورة و مختتمها، و السورة مكّيّة على ما يدلّ عليه سياق آياتها، و ما ورد في بعض الروايات عن ابن عبّاس أنّ أربعاً من آياتها مدنيّة، و هي الآيات الثلاث الّتي في أوّلها، و قوله( لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ ) مدفوع بما تشتمل عليه من السياق الواحد.

قوله تعالى: ( الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ ) الإشارة بلفظ البعيد للتعظيم و التفخيم، و الظاهر أن يكون المراد بالكتاب المبين هذا القرآن المتلوّ و هو مبين واضح في نفسه و مبين موضح لغيره ما ضمّنه الله تعالى من المعارف الإلهيّة و حقائق المبدأ و المعاد.

و قد وصف الكتاب في الآية بالمبين لا كما في قوله في أوّل سورة يونس:( تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ ) لكون هذه السورة نازلة في شأن قصّة آل يعقوب و بيانها، و من المحتمل أن يكون المراد بالكتاب المبين اللوح المحفوظ.

قوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) الضمير للكتاب بما أنّه مشتمل على الآيات الإلهيّة و المعارف الحقيقيّة، و إنزاله قرآناً عربيّاً هو إلباسه في مرحلة الإنزال لباس القراءة و العربيّة، و جعله لفظاً متلوّاً مطابقاً لما يتداوله العرب من اللغة كما قال تعالى في موضع آخر( إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) الزخرف: ٤.

و قوله:( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) من قبيل توسعة الخطاب و تعميمه فإنّ السورة مفتتحة بخطاب النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم):( تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ ) ، و على ذلك يجري بعد كما في قوله:( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ) إلخ.

فمعنى الآية - والله أعلم - إنّا جعلنا هذا الكتاب المشتمل على الآيات في مرحلة النزول ملبسا بلباس اللفظ العربيّ محلّى بحليته ليقع في معرض التعقّل منك و من قومك أو اُمّتك، و لو لم يقلب في وحيه في قالب اللفظ المقروّ أو لم يجعل عربيّا مبينا لم يعقل قومك ما فيه من أسرار الآيات بل اختصّ فهمه بك لاختصاصك بوحيه و تعليمه.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

ثمَّ ترفع يديك وتقول: «اللّهُمَّ إنّي أسْأَلُكَ مَسْألَةَ المِسْكِين المسْتَكِين، العَليلِ الذَّليلِ الَّذي لَمْ يُرِدْ بِمَسْألَتِهِ غَيرَكَ، فَإنْ لَمْ تُدْرِكْهُ رَحْمَتُكَ عَطِبَ، أَسأَلُكَ أنْ تُدارِكَني بِلطْفٍ مِنْكَ، وَأنْتَ الَّذِي لا تُخَيِّبُ سائِلَكَ (١) ،وَتُعْطِي المَغْفِرَةَ وَتَغْفِرُ الذُّنُوبَ، فَلا أكُونَنَّ يا سَيِّدي أنا أهْوَنَ خَلْقِكَ عَلَيْكَ، وَلا أكُونُ أهْوَنَ مَنْ وَفَدَ إَلَيْكَ بِابْنِ حَبيبِكَ، فَإنّي أمَّلْتُ وَرَجَوتُ، وَطَمِعْتُ وَزُرْتُ وَاغْتربْتُ (٢) ،رَجاءً لَكَ أنْ تُكافِيَني إذْ أخْرَجَتَني مِنْ رَحْلي، فَأَذِنْتَ لي بِالمَسِير إلى هذا المَكانِ رَحْمَةً مِنْكَ، وَتَفَضُّلاً مِنْكَ، يا رَحمنُ يا رَحيمُ ».

واجتهد في الدُّعاء ما قدرت عليه، وأكثر منه إن شاءَ الله، ثمَّ تخرج من السَّقيفة وتقف بحذاء قبور الشُّهداء تؤمي إليهم أجمعين وتقول: «السَّلام عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، السَّلام عَلَيْكُمْ يا أهْلَ الْقُبُورِ مِنْ أهْلِ دِيارِ المُؤمِنينَ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُم فَنِعمَ عُقْبى الدَّارِ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أولياءَ الله، السَّلامُ عَلَيْكُم يا أنْصارَ اللهِ وَأنْصارَ رَسُولِهِ، وَأنْصارَ أميرِ المؤمِنينَ، وَأنْصارَ ابْنِ رَسُولِهِ وَأنْصارَ دينِهِ، أشْهَدُ أنَّكُمْ أنْصارُ اللهِ كَما قال اللهُ عزَّوجَلّ: «وَكأَيِّنْ مِنْ نَبيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أصابَهُمْ في سَبيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا (٣) »،فَما ضَعُفْتُمْ وَما اسْتَكَنْتُمْ، حَتّى لَقِيتُمُ اللهَ عَلى سَبيلِ الحَقِّ، صَلّى اللهُ عَلَيْكُمْ وَعَلى أرْواحِكُمْ وَأبْدانِكُمْ وَأجْسادِكُمْ، أبْشِرُوا بِمَوعِدِ اللهِ الَّذي لا خُلْفَ لَهُ وَلا تَبْدِيلَ، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ وَعْدَهُ، وَاللهُ مُدْرِكٌ بِكُمْ ثأرَ ما وَعَدَكُمْ (٤) ،أنْتُمْ خاصَّةُ اللهِ اخْتَصَّكُمْ اللهُ لأبي عَبْدِاللهِ عليه‌السلام ، أنْتُمُ الشُّهداءُ وَأنْتُمُ السُّعَداء، سُعِدْتُمْ عِنْدَاللهِ، وَفُزْتُمْ بِالدَّرَجاتِ مِنْ جَنّاتٍ لا يَطْعُنُ أهْلُها وَلا يُهْرَمُونَ، وَرَضُوا بِالمَقامِ في دارِ السَّلامِ، مَع مَنْ نَصَرْتُم (٥) ،جَزاكُمُ اللهُ خَيْراً مِنْ

__________________

١ - في بعض النّسخ: « لا يخيّب سائلك ».

٢ - أي اخترتُ الغربة وتركتُ الوطن.

٣ - آل عمران: ١٤٦.

٤ - قوله: « ثأر ما وعدكم » لعلّ الإضافة بيانيّة، أو المعنى: ثَأْرَ ما وَعَدَكُمْ ثَأرَهُ، وفي التهذيب: « ثأراً وعدكم » وهو أظهر. ( البحار )

٥ - قوله: « لا يطعن أهلها » على بناء المعلوم - بضمّ العين - أي لا يشيبون، عن قولهم: طعن في السِّنّ إذا ذهب فيه، أو على بناء المجهول من الطَّعن بالرّمح ونحوه، أو من الطّاعون. وفي بعض النّسخ بالظّاء المعجمة من الطَّعن بمعنى السِّير، أي لا يخرجون منها. وقوله: « مَعَ من

٢٦١

أعْوانٍ جَزاءَ مَنْ صَبَر مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنْجزَ اللهُ ما وَعَدَكُمْ مِنَ الْكَرامَةِ في جَوارِهِ وَدارِهِ مَعَ النَّبيِّين وَالمرْسَلِينَ، وَأميرِ المؤمِنينَ وَقائِدِ الغُرِّ المُحَجِّلِينَ (١) ، أسْأَلُ الله الَّذي حَمَلَني إلَيْكُمْ حَتى أراني مَصارِعَكُم أنْ يُرِينيِكُمْ عَلَى الحَوْضِ رِواءً مَرْويَّينِ، وَيُريَني أعْداءَكُمْ في أسْفَلِ دَرَكٍ مِنَ الجَحِيمِ، فَإنَّهُمْ قَتَلُوكُمْ ظُلْماً وَأرادُوا إماتَةَ الحَقِّ، وَسَلَبُوكُمْ لاِبْنِ سُمَيَّةَ وابْنِ آكِلَةِ الأكْبادِ، فَأسْألُ الله أنْ يُرينيَهُمْ ظِمآء مُظْمَئينَ (٢) مُسَلْسَلِينَ مغلّلين، يُساقُونَ إلى الجحيم، السَّلام عَلَيْكُم يا أنْصارَ اللهِ وَأنْصارَ ابْنِ رَسُولِ اللهِ مِنِّي ما بَقِيتُ [وَبَقِيَ اللَّيلُ وَالنَّهارُ]، وَالسَّلام عَلَيْكُمْ دائِماً إذا فُنِيتُ وَبَلَيْتُ، لَهْفى عَلَيكُمْ أيُّ مُصِيبَةٍ أصابَتْ كُلَّ مَوْلىً لِمُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، لَقَدْ عَظُمَتْ وَخُصَّتْ وَجَلَّتْ وَعَمَّتْ مُصيبَتُكُمْ، أنَا بِكُمْ لَجَزِعٌ، وَأنّا بِكُمْ لَمُوجَعٌ مَحزُونٌ، وَأنا بِكُمْ لَمُصابٌ مَلْهُوفٌ (٣) ، هَنيئاً لُكُمْ ما اُعْطِيتُمْ، وَهَنيئاً لَكُمْ ما بِهِ حُيّيتُمْ، فَلَقَدْ بَكَتْكُمُ الملائِكَةُ وَحَفَّتْكُمْ وَسَكَنَتْ مَعَسْكَرَكُمْ، وَحَلَّتْ مَصارِعَكُمْ، وَقَدَّسَتْ وَصَفَّتْ بِأجْنِحَتِها عَلَيْكُم، لَيْسَ لَها عَنْكُمْ فِراقٌ إلى يَومِ التَّلاقِ، وَيَوم المَحْشَرِ وَيَومَ المَنْشَر طافَتْ عَلَيْكُمْ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ، وَبَلَغْتُم بِها شَرَفَ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، أتَيْتُكُمْ شَوقاً، وَزُرْتُكُمْ خَوفاً، أسْأَلُ اللهَ أنْ يُرِينِيَكُمْ عَلَى الحَوْضِ وَفي الجِنانِ مَعَ الأنْبياءِ وَالمُرْسَلينَ، وَالشُّهداءِ وَالصّالِحينَ، وَحَسُنَ أولئكَ رَفيقاً »،

__________________

نصرتم » لعلّه متعلّق بقوله: « فزتم ». ( العلاّمة المجلسيّ رحمه الله )

١ - قال في النّهاية: ومنه الحديث: « أمّتي الغُرُّ المُحَجَّلُونَ » أي بيضُ مواضع الوضوء من الأيْدي والوجْه والأقْدام، استَعار أثرَ الوضوء في الوجْه واليَدَين والرِّجلين للإنسان من البَياضِ الّذي يكون في وجْه الفَرس ويَدَيْه ورِجْلَيه - انتهى.

٢ - قوله: « مروتين » هو من قولهم رويت القوم أرويهم رَيّاً إذا استقيت لهم الماءَ وهو تأكيد للرِّواء - بالكسر والمدّ -، أي رواء من الماء رواهم ساقي الحوض صلوات الله عليه، وكذا قوله: « مُظمَئين » - على بناء المفعول من باب الإفعال، أو التّفعيل - تأكيد للظّمْآء بالكسر - من قولهم: أظمأته وظمأته أي عطشته، أي جعلهم اللهُ ظماء ومنع منهم الماء لسوء أعمالهم، أو المراد كثرة أسباب عطشهم مِن شدَّة الحَرّ والحركات العنيفة وأمثالها. ( البحار )

٣ - قال في القاموس: لَهِفَ، كفرح: حَزِنَ وتَحَسَّر، كتَلَهَّفَ عليه. ويا لَهْفَةُ: كلمةٌ يُتَحَسَّر بها على فائتٍ، ويقال: يا لَهْفه عليك، ويا لَهْفَ، ويا لهفا، إلى آخر ما قال.

٢٦٢

ثمَّ دُرْ في الحائر وأنت تقول: «يا مَنْ إلَيْهِ وَفَدْتُ، وَإلَيْهِ خَرَجْتُ، وَبِهِ اسْتَجَرْتُ، وَإلَيْهِ قَصَدْتُ، وَإلَيْهِ بِابْنِ نَبيِّهِ تَقَرَّبْتُ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمُنَّ عَليَّ بِالجَنَّةِ، وَفُكَّ رَقَبَتي مِنَ النّارِ، اللّهُمَّ ارْحَمْ غُرْبَتي وَبُعْدَ داري، وَارْحَمْ مَسِيري إلَيْكَ وَإلى ابْنِ حَبِيبِكَ، وَاقْلِبْني مُفْلِحاً مُنْجِحاً قَدْ قَبِلْتَ مَعْذِرَتي وَخُضوعي وَخُشُوعي عِنْدَ إمامي وَسَيِّدي وَمَولايَ، وَارْحَمْ صَرْخَتي (١) وَبُكائي وَهَمِّي وَجَزَعي وَخُشُوعِي وَحُزْني، وَما قَدْ باشَرَ قَلْبي مِنَ الجَزَع عَلَيْهِ، فَبِنِعْمَتِكَ عَليَّ وَبِلُطْفِكَ لي خَرَجْتُ إلَيْهِ، وَبِتَقْويَتِكَ إيّايَ، وَصَرْفِكَ المَحذُورِ عَنِّي، وَكِلاءَتِكَ (٢) بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ لي، وَبِحفْظِكَ وَكَرامَتِكَ إيّايَ، وَكُلَّ بَحْرٍ قَطَعْتُهُ، وَكُلُّ وادٍ وَفَلاةٍ سَلَكْتُها، وَكُلُّ مَنزلٍ نَزَلْتُهُ، فَأنْتَ حَمَلْتَني في الْبَرِّ وَالبَحْرِ، وَأنْتَ الَّذي بَلَغْتَني وَوَفَّقتَني وَكَفَيْتَني، وَبِفَضْلِ مِنْكَ وَوِقايَةٍ بَلَغْتُ، وَكانَتِ المِنَّةُ لَكَ عَليَّ في ذلِكَ كُلِّهِ، وأثَري مَكْتُوبٌ عِنْدَكَ وَاسْمي وَشَخْصِي، فَلَكَ الحَمْدُ عَلى ما أبَلَيْتَني وَاصْطَنَعْتَ عِنْدي (٣) ،اللّهُمَّ فَارْحَمْ فَرَقي مِنْكَ، وَمَقامِي بَينَ يَدَيْكَ وَتَمَلُّقي، وَاقْبَلْ مِنِّي تَوَسُّلي إلَيْكَ بِابْنِ حَبِيبِكَ، وَصَفْوَتِكَ وَخِيرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَتَوَجُّهِي إلَيْكَ، وَأقِلْني عَثْرَتي، وَاقْبلْ عَظيمَ ما سَلَف مِنّي، وَلا يَمْنَعْكَ ما تَعْلَمُ مِنّي مِنَ الُعُيوبِ وَالذُّنُوبِ وَالإسْرافِ عَلى نَفْسي، وَإنْ كُنْتَ لي ماقِتاً (٤) فَارْضَ عَنِّي، وَإنْ كُنْتَ عَليَّ ساخِطاً فَتُبْ عَليَّ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، اللّهُمَّ اغْفِرْ لي وَلِوالِدَيَّ وَارْحَمْهُما كَما رَبَّياني صَغيراً وَاجْزِهِما عَنِّي خَيْراً، اللّهُمَّ اجْزِهِما بِالإحْسانِ إحْساناً وَبِالسَّيِّئات غُفْراناً، اللّهُمَّ أدْخِلْهُما الجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ، وَحَرِّمْ وُجُوهَهُما عَنْ عَذابكَ، وَبَرِّدْ عَلَيْهِما مَضاجَعَهُما، وَافْسَحْ لَهُما في قَبريْهما (٥) ،وعَرِّفْنيهما في مُسْتَقَرٍّ مِنْ رَحْمَتِكَ وَجَوارِ حَبِيبِكَ مُحَمَّدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله ».

* * * * *

__________________

١ - الصَّرْخَة: الصّيحة الشّديدة.

٢ - كَلأَهُ الله كِلاءةَ وكِلاءً: حفظه وحرسه، يقال: اذهب في كِلاءة الله.

٣ - الاصطناع: افتعال من الصَّنيعة، وهي العطيّة والكَرامة والإحسان.

٤ - أي مبغضاً، ومَقَتَه مَقْتاً: أبغضه أشدّ البغض عن أمر قبيح.

٥ - أي: وسّع قبريهما.

٢٦٣

الباب الثّمانون

( كيف الصّلاة عند قبر الحسين عليه السلام)

١ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد البرقيِّ. وحدَّثني محمّد بن عبدالله، عن أبيه عبدالله بن جعفر الحِميريِّ، عن أبي عبدالله البرقيِّ، عن جعفر بن ناجية، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: صلِّ عند رأس قبر الحسينعليه‌السلام ».

٢ - وحدَّثني أبيرحمه‌الله وعليُّ بن الحسين؛ وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن موسى بن عُمَر؛ وأيّوب بن نوح، عن عبدالله بن المغِيرةً، عن أبي اليَسَع(١) « قال: سأل رجلٌ أبا عبداللهعليه‌السلام - وأنا أسمع - قال: إذا أتيتُ قبر الحسينعليه‌السلام أجعله قبلة إذا صلّيتُ؟ قال: تَنحَّ هكذا ناحية(٢) ».

٣ - حدّثني عليُّ بن الحسينرحمه‌الله عن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نَجران، عن يزيدَ بن إسحاقَ، عن الحسن بن عطيّة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إذا فرغت من التّسليم على الشّهداء ائت(٣) قبر الحسينعليه‌السلام ، ثمَّ تجعله بين يديك ثمَّ تصلّي ما بدالك ».

٤ - وعنه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضّال، عن علي بن عُقْبة، عن عبيدالله بن علي الحلبيِّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قلت: إنّا نزور قبر الحسينعليه‌السلام فكيف نصلي عنده(٤) ؟ قال: تقوم خلفه عند كتفيه، ثمَّ تصلّي على النّبيّ وتصلّي على الحسينعليه‌السلام ».

٥ - حدَّثني محمّد بن جعفر، عن محمّد بن الحسين، عن أيّوب بن نوح؛ و

____________

١ - الظّاهر هو عيسى بن السّري الكرخيّ، مولى ثقة، روى عن أبي عبدالله عليه السلام.

٢ - قال العلاّمة المجلسيّ رحمه الله: « لعلّ الأمر بالتّنحّي محمولة على التّقيّة، ويحتمل أن يكون المراد المنع عن السّجود على قبره عليه السلام، بل يبعد منه قليلاً ويصلّي خلفه ».

٣ - في بعض النّسخ: « فأت ».

٤ - في البحار: « كيف نصلّي عليه ».

٢٦٤

غيره، عن عبدالله بن المغِيرَة قال: حدَّثنا أبو اليَسَع « قال: سأل رَجلٌ أبا عبداللهعليه‌السلام - وأنا أسمع - عن الغُسل إذا أتى قبر الحسينعليه‌السلام ، قال: أجعله قبلةً إذا صَلّيت؟ قال: تنحَّ هكذا ناحية، قال: آخذ مِن طِين قبره ويكون عندي أطلب بَرَكته؟ قال: نَعَم - أو قال: لا بأس بذلك - ».

٦ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد بن سالم، عن محمّد بن خالد، عن عبدالله بن حمّاد البَصريِّ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصَمّ قال: حدَّثنا هشام بن سالم، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « أنّه أتاه رَجلٌ فقال له: يا ابن رسول الله هل يُزار والدك؟ قال: فقال: نَعَم، ويصلّي عنده، وقال: ويصلّى خلفه ولا يتقدَّم ».

الباب الحادي والثّمانون

( التّقصير في الفريضة والرّخصة في التّطوّع عنده وجميع المشاهد)

١ - حدَّثني أبي؛ ومحمّد بن الحسن(١) ، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد الجوهريّ، عن عليِّ بن أبي حمزة « قال: سألت العبد الصّالح عن زيارة قبر الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام ، فقال: ما اُحب لك تركه، قلت: ما تَرى في الصّلاة عنده وأنا مقصّر؟ قال: صَلِّ في المسجد الحرام ما شِئتَ تَطوُّعاً، وفي مسجد الرَّسول ما شِئت تطوُّعاً، وعند قبر الحسين [عليه‌السلام ]، فإنّي اُحبُّ ذلك، قال: وسألته عن الصّلاة بالنّهار عند قبر الحسينعليه‌السلام تَطَوُّعاً، فقال: نَعَم ».

٢ - حدَّثني جعفر بن محمّد بن إبراهيم الموسويّ، عن عبيدالله بن نَهِيك، عن ابن أبي عُمَير، عن أبي الحسنعليه‌السلام « قال: سألته عن التّطوُّع عند قبر الحسينعليه‌السلام وبمكّة والمدينة وأنا مقصّر، قال: تَطوَّعْ عنده وأنتَ مقصِّرٌ ما شئتَ، وفي المسجد الحرام وفي مسجد الرَّسول وفي مشاهد النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّه خير ».

__________________

١ - يعني ابن الوليد. وما في بعض النّسخ: « محمّد بن الحسين » - مكبّراً - تصحيف.

٢٦٥

حدَّثني عليُّ بن الحسين، عن عليِّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عُمَير؛ وإبراهيمَ بن عبدالحميد جميعاً، عن أبي الحسنعليه‌السلام مثله.

حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن جعفر بن محمّد بن حَكيم الخَثعميِّ، عن إبراهيم بن عبدالحميد، عن أبي الحسنعليه‌السلام مثله.

٣ - حدَّثني عليُّ بن محمّد بن يعقوبَ الكِسائيُّ قال: حدَّثنا عليُّ بن الحسن بن فَضّال، عن عَمْرِو بن سعيد، عن مُصدِّق بن صَدَقَهَ، عن عمّار بن موسى السّاباطيِّ « قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن الصَّلاة في الحائر، قال: ليس الصّلاة إلاّ الفرض بالتّقصير، ولا تصلّي النّوافل(١) ».

٤ - حدثني أبي - عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بنِ محمّد بن - عيسى، عن عليِّ بن إسماعيل، عن صَفوانَ بن يحيي، عن إسحاقَ بنِ عمّار، عن أبي الحسنعليه‌السلام « قال: سألته عن التَّطوُّع عند قبر الحسينعليه‌السلام ومشاهد النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والحرمين، والتَّطوُّع فيهنَّ بالصّلاة ونحن مقصّرون، قال: نَعَم تَطَوَّعْ ما قَدَرتَ عليه، هو خيرٌ ».

٥ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن أحمدَ بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن محمّد بن الحسين بن ابي الخّطاب، عن صَفوانَ بن يحيى، عن إسحاقَ بنِ عمّار « قال: قلت لأبي الحسنعليه‌السلام : جُعِلت فداك أتنقَّل في الحَرَمين(٢) وعند قبر الحسينعليه‌السلام وأنا اُقصّر؟ قال: نَعَم ما قَدَرتَ عليه ».

٦ - حدَّثني أبيرحمه‌الله ومحمّد بن الحسن، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد الجوهريّ، عن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبي إبراهيمعليه‌السلام « قال: سألته عن التّطوُّع عن قبر الحسينعليه‌السلام ومشاهد النَّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والحرمين في الصَّلاة ونحن نقصِّر، قال: نعم تطوِّعْ ما قدرت عليه ».

__________________

١ - في البحار: « ولا يصلّي النّوافل ».

٢ - تنفّل المصلّي: تطوَّع، وهو يصلّي النّافلة والنّوافل.

٢٦٦

حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله قال: سألت أيّوبَ بنِ نوح عن تقصير الصّلاة(١) في هذه المشاهد: مكّة والمدينة والكوفة وقبر الحسينعليه‌السلام الأربعة، والَّذي روي فيها، فقال: أنا اُقصّر، وكان صَفوانُ يقصّر، وابن أبي عُمَير وجميع أصحابنا يُقصّرون.

الباب الثّاني والثّمانون

( التّمام عند قبر الحسين عليه السلام وجميع المشاهد (٢) )

١ - حدَّثني أبي؛ ومحمّد بن الحسن، عن الحسن بن مَتِّيل، عن سَهل بن زياد الآدميِّ، عن محمّد بن عبدالله، عن صالِح بن عُقْبة، عن أبي شِبْل(٣) « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : أزورُ قبر الحسينعليه‌السلام ؟ قال: زُرِ الطَّيِّب، وأتمَّ الصَّلاة عِندَه، قال: أتمُّ الصَّلاة عِنده؟ قال، أتمَّ، قلت: فإنَّ بعضَ أصحابنا يروي التَّقصير، قال: إنّما يفعل ذلك الضَّعَفَة(٤) ».

حدَّثني محمّد بن يعقوبَرحمه‌الله عن جماعة مشايخه، عن سَهل بن زياد بإسناده مثله سَواء(٥) .

٢ - حدَّثني أبو عبدالرَّحمن محمّد بن أحمد العسكريّ، عن الحسن بن علي بن مَهزيارَ، عن أبيه عليِّ، عن الحسن بن سعيد، عن إبراهيمَ بن أبي البِلاد، عن

__________________

١ - في البحار: « عن تقصير الصّلوات ».

٢ - قال العلاّمة الأمينيّ ( ره ): « ليس في أخبار الباب ما يدلّ على الإتمام في غير المواطن الأربع، فالتّعبير بجميع المشاهد لا وجه له ». أقول: الظّاهر مراده المشاهد الأربعة المذكورة.

٣ - هو عبدالله بن سعيد الاُسديّ بيّاع الوشي، ثقة. ( صه )

٤ - في بعض نسخ التّهذيب: « الضّعفاء »، والضَّعْفَة في الدّين الجاهلين بالأحكام، أو المراد يفعل ذلك من يكون له ضعف لا يمكنه الإتمام، أو يشقّ عليه فيختار الأسهل، وإن كان مرجوحاً، والأخير أظهر. ( ملاذ الأخيار )

٥ - راجع الكافي ج ٤ ص ٥٨٧ ح ٦.

٢٦٧

رَجل مِن أصحابنا يقال له: الحسين، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: تتمّ الصّلاة في ثلاثةَ مواطن: في مسجد الحرام ومسجد الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وعند قبر الحسينعليه‌السلام ».

٣ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وأخي؛ وعليُّ بن الحسين، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بنِ محمّدِ بن عيسى، عن الحسين بن سعيد(١) ، عن عبدالمَلِك القمّيِّ، عن إسماعيلَ بن جابر، عن عبدالحميد - خادم إسماعيلَ بن جعفر - عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: تتمّ الصّلاة في أربعة مَواطِن: في المسجد الحرام ومسجد الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ومسجد الكوفة وحرم الحسينعليه‌السلام ».

٤ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريُّ، عن أبيه، عن أحمدَ بن أبي عبدالله البرقيِّ، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى - عن بعض أصحابنا - عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: من الأمر المذخور إتمام الصّلاة في أربعة مَواطِن: بمكّة والمدينة ومسجد الكوفة والحائِر ».

قال ابن قولُوَيه: وزاده الحسين بن أحمدَ بن المغِيرَة عقب هذا الحديث في هذا الباب بما أخبره به حيدر بن محمّد بن نُعَيم السَّمرقنديُّ بإجازته بخطّه باجتيازه للحجّ:

٥ - عن أبي النَّضر محمّد بن مسعود العياشيّ، عن عليّ بن محمّد قال: حدَّثني محمّد بن أحمد، عن الحسين بن عليِّ بن النّعمان، عن أبي عبدالله البرقيِّ؛ وعليِّ بن مَهزيار؛ وأبي عليِّ بن راشد جميعاً، عن حمّاد بن عيسى، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « أنّه قال: مِن مخزون عِلم اللهِ الإتمام في أربعة مواطن: حَرَمِ الله وحَرَمِ رسوله وحَرَمِ أميرِ المؤمنين وحَرَمِ الحسين صلوات الله عليهم أجمعين ».

٦ - حدَّثني محمّد بن هَمّام بن سُهَيل، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاريّ قال: حدَّثنا محمّد بن حَمدانَ المدائنيِّ، عن زياد القنديِّ « قال: قال أبو الحسن موسىعليه‌السلام : اُحبُّ لك ما اُحبُّ لِنفسي، وأكرِهُ لك ما أكرِهُ لِنفسي، أتمُّ الصّلاة في الحَرَمين وبالكوفة وعند قبر الحسينعليه‌السلام ».

__________________

١ - كذا، والظّاهر سقط هنا « عن محمّد بن سِنان ».

٢٦٨

٧ - حدَّثني عليُّ بن حاتم القزوينيُّ قال: أخبرنا محمّد بن أبي عبدالله الأسديّ قال: حدَّثنا القاسم بن الرَّبيع الصَّحّاف، عن عَمرِو بن عثمان، عن عَمرِو بن مَرزوق « قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن الصّلاة في الحَرَمين وفي الكوفةَ وعند قبر الحسينعليه‌السلام ، قال: أتمَّ الصَّلاة فيهم ».

٨ - حدَّثني محمّد بن يعقوبَ؛ وجماعَةُ مشايخي، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سِنان، عن حذيفةَ بنِ منصور قال: حدَّثني مَن سمع أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: « تتمّ الصّلاة في المسجد الحرام ومسجد الرَّسول ومسجد الكوفة وحرم الحسينعليه‌السلام ».

٩ - ومن زيادة الحسين بن أحمدَ بن المغِيرة ما في حديث أحمدَ بن إدريس ابن أحمدَ بن زكريّا القمّيِّ قال: حدَّثني محمّد بن عبدالجبّار، عن عليِّ بن إسماعيل، عن محمّد بن عَمرو، عن فائد الحنّاط، عن أبي الحسن الماضيعليه‌السلام « قال: سألته عن الصّلاة في الحَرَمين، فقال تتمّ ولو مَرَرْت به مارّاً ».

١٠ - حدَّثني أحمد بن إدريس ( كذا ) قال: حدّثني أحمد بن أبي زاهِر، عن محمّد بن الحسين الزَّيّات، عن الحسن(١) ، عن عمران بن حمران « قال: قلت لأبي الحسنعليه‌السلام : اُقصّر في المسجد الحرام أو أتمّ؟ قال: إن قصّرتَ فلك، وإن أتممتَ فهو خير، وزيادة في الخير خَيرٌ ».

الباب الثّالث والثمانون

( إنَّ الصَّلاة الفريضة عنده تَعدل حَجَّة، والنّافلة عُمرة)

١ - حدَّثني جعفر بن محمّد بن إبراهيم الموسويُّ، عن عبيدالله بن نَهيك، عن ابن أبي عُمَير - عن رجل - عن أبي الحسن(٢) عليه‌السلام « قال: قال لرجل: يا فلانُ ما يمنعك إذا عرضت لك حاجَة أن تأتي قبر الحسينعليه‌السلام فتصلّي عنده أربعَ

__________________

١ - هو ابن حمّاد بن عديس.

٢ - في جلّ النّسخ: « عن أبي جعفر » وهذا سهوٌ أو تصحيف.

٢٦٩

رَكعات ثمَّ تسأل حاجَتَك (١) فإنَّ الصّلاة الفريضة عنده تَعدِل حجَّة، والنّافلة تَعدِل عُمرَة ».

٢ - حدَّثني أبي؛ وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن أبي عبدالله الجامورانيّ الرَّازيّ، عن الحسن بن عليِّ بن أبي حمزة، عن الحسن بن محمّد بن عبدالكريم أبي عليٍّ، عن المفضّل بن عُمَر، عن جابر الجعفيِّ « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام للمفضّل(٢) - في حديث طويل - في زيارة قبر الحسينعليه‌السلام : ثمَّ تمضي إلى صلاتك ولك بكلِّ رَكعةٍ رَكعتَها عنده كثواب مَن حجّ ألفَ حجِّةٍ واعتمر ألفَ عُمرةٍ وأعتق ألفَ رَقَبةٍ، وكأنَّما وقف في سبيل الله ألفَ مرَّةٍ مع نَبيٍّ مُرسَل - وذكر الحديث - ».

٣ - حدَّثني عليُّ بن الحسين، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد؛ وحدَّثني محمّد بن الحسين بن متّ الجوهريُّ، عن محمّد بن أحمد، عن هارونَ بن مسلم، عن أبي علي الحَرّانيِّ « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : ما لمن زار قبر الحسينعليه‌السلام ؟ قال: مَن أتاه وزارَه وصلّى عنده رَكعتين أو أربع رَكعات كَتَب اللهُ له حَجّة وعُمرةً، قال: قلت: جُعِلتُ فِداك وكذلك لكلِّ مَن أتى قبر إمامٍ مفترض طاعتُه؟ قال: وكذلك لكلِّ مَن أتى قبر إمام مُفترض طاعتُه ».

حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أبي القاسم، عن أبي علي الخزاعي « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام - وذكر مثله -.

٤ - حدثني الحسن بن عبدالله بن محمّد بن عيسى، أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن العَلاء بن رَزين، عن شُعيب العَقْرَقُوفيِّ(٣) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام

__________________

١ - أي من الله تعالى، لأنّ الدّعاء عند قبّته مستجاب.

٢ - كذا، وتقدّم الكلام فيه، فمن أراد الاطّلاع فليراجع ص ٢٢٥ ذيل الخبر ٥.

٣ - بفتح أوَّله وسكون الثّاني - مركّب من « عَقْر » و « قُوف » كبَعلَبَكَ، قريةٌ مِن نواحي دُجَيل بينها وبين بغداد أربعة فراسخ وإلى جانبها تَلٌّ عظيم من تراب يرى من خمسة فراسخ كأنّه قلعة عظيمة، وعن بعض أنّه مقبرة الملوك الكيانيّين الّذين كانوا قبل آل ساسان من النّبط، وذكر أهل السِّيَر أنّ عَقرقوف تنسب إلى عقرقوف بن طهمورث؛ الملك المشهور. ( من العجم )

٢٧٠

« قال: قلت له: مَن أتى قبر الحسينعليه‌السلام ما له من الثَّواب والأجْر جُعِلتُ فِداك؟ قال: يا شُعيبُ ما صَلّى عِنده أحدٌ الصَّلاة إلاّ قَبِلَها اللهُ مِنه، ولا دَعا عنده أحدٌ دَعوةَ إلاّ اسْتُجيبَ له عاجِلةً وآجِلةً، فقلتُ: جُعلتُ فِداك زِدني فيه، قال: يا شعيب أيْسَرُ ما يقال لزائر الحسين بن عليّعليهما‌السلام : قد غفر [الله] لك يا عبدالله فاستأنف [اليوم] عَملاً جديداً ».

الباب الرَّابع والثّمانون

( وَداع قبر الحسين بن عليِّ عليهما السلام)

١ - حدَّثني أبي؛ ومحمّد بن الحسن، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد. وحدَّثني أبي؛ وعليُّ بن الحسين؛ ومحمّد بن الحسن، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد. وحدّثني محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمدَ بنِ محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فَضالَةَ بن أيّوب، عن نُعَيْم بن الوليد، عن يوسفَ الكُناسيِّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إذا أردتَ أن تُودِّعَ الحسين بن عليِّعليهما‌السلام فقل: «السَّلامُ عَلَيْكَ ورَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، أَسْتَودِعُك اللهَ وَأقْرَءُ عَلَيْكَ السَّلامَ، آمَنّا بِاللهِ وَوَبِالرَّسُولِ وَبِما جِئتَ بِهِ وَدَلَلْتَ عَلَيهِ، وَاتَّبَعْنا الرَّسُولَ، فَاكْتُبنا مَعَ الشّاهِدينَ، اللّهُمّ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّا وَمِنْهُ، اللّهُمَّ إنّا نَسْأَلُكَ أنْ تَنْفَعَنا بِحُبِّهِ، اللّهُمَّ ابْعَثْهُ مَقاماً مَحْمُوداً تَنْصُرُ بِهِ دِينَكَ وَتَقْتُلُ بِهِ عَدُوَّكَ، وَتُبِيرُ بِهِ مَنْ نَصَبَ حَرْباً لآلِ مُحَمَّدٍ (١) فَإنَّكَ وَعَدْتَهُ ذلِكَ، وَأنْتَ لا تُخلِفُ المِيعادَ، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، أشْهَدُ أنَّكُمْ شُهَداءُ نُجَباءُ، جاهَدْتُمْ في سَبيل اللهِ َقاتلتُمْ عَلى مِنْهاج رَسُولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تَسْليماً، أنْتُمُ السّابِقُونَ وَالمهاجِرُونَ وَالأنْصارُ، أشْهَدُ أنَّكُمْ أنْصارُ اللهِ وأنْصارُ رَسُولِهِ، فَالحَمْدُ للهِ الَّذي صَدَقَكُمْ وَعْدَهُ وأراكُمْ ما

__________________

١ - أباره أي أهلكه.

٢٧١

تُحبُّونَ، وَصَلّى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اللّهُمَّ لا تَشْغَلْني في الدُّنْيا عَنْ ذِكْرِ نِعْمَتِكَ، لا بإكْثارِ تُلْهِيَني عَجائِبُ بَهْجَتِها، وَتَفْتِنَني زَهَراتُ زينَتِها (١) ، وَلا بإقْلالٍ يَضُرُّ بِعَمَلي كَدُّهُ، وَيَمْلأُ صَدْري هَمُّهُ، أعْطِني مِنْ ذلِكَ غِنىً عَنْ شِرارِ خَلْقِكَ، وَبَلاغاً أنالُ بِهِ رِضاكَ، ياأرْحَمَ الرَّاحِمينَ، وَصَلّى اللهُ عَلى رَسُولِهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللهِ، وَعَلى أهْلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبينَ الأخْيارِ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ » ».

٢ - حدَّثني أبو عبدالرَّحمن محمّد بن أحمدَ بنِ الحسين العَسكريُّ - بـ « عَسْكَر مُكْرَم »(٢) - عن الحسن بن عليِّ بن مَهزيار، عن ابيه، عن محمّد بن أبي عُمير، عن محمّد بن مَروانَ، عن أبي حمزة الثُّماليّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إذا أردتَ الوداع بعد فَراغِك مِن الزِّيارات فأكثر منها مَا اسْتَطَعتَ، ولْيَكنْ مقامك بالنِّينوى أو الغاضِريَّة، ومتى أردتَ الزِّيارة فاغتسل وزُرْ زَرْوَة الوَداع، فإذا فَرَغْتَ مِن زيارتك فاستقبل بِوجْهِك وَجْهَه والتمس القبر وقل:

«السَّلامُ عَلَيْكَ يا وَليَّ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا أبا عَبْدِاللهِ، أنْتَ لي جُنَّةٌ مِنَ الْعَذابِ، وَهذا أوانُ أنْصِرافي عَنْكَ؛ غَيرَ راغِبٍ عَنْكَ، وَلا مُسْتَبْدِلٍ بِكَ سِواكَ، وَلا مُؤثِرٍ عَلَيْكَ غَيرَكَ، وَلا زاهِدٍ في قُرْبِكَ (٣) ،جُدْتُ بِنَفْسي لِلْحَدَثانِ (٤) ،وَتَرَكْتُ الاُهْلَ وَالأوطانَ، فَكُنْ لي يَومَ حاجَتي وَفَقْرِي، وَفاقَتي، يَومَ لا يُغْني عَنّي والِدي وَلا وَلَدي، وَلا حَميمِي ولا قَرِيبي، أسْألُ اللهَ الَّذي قَدَّرَ وَخَلَقَ أنْ يُنَفِّسَ بِكَ كَرْبي، وَأسْألُ اللهَ

__________________

١ - قال في النّهاية: « الزّهرة: البياض النيِّر، وزهرة الدُّنيا وزينتها، أي حُسْنها وبَهْجَتِها وكَثْرة خَيْرها ».

٢ - عَسْكَرُ مُكْرَم - بضمِّ الميم وسكون الكاف وفتح الرّاء -: وهو بلد مشهور من نواحي خوزستان منسوب إلى مكرم بن معزاء الحارث أحد بني جَعْوَنَة بن الحارث بن نُمَير بن عامر بن صَعْصَة. ( من معجم البلدان ).

٣ - زهد فيه، كمنع وسمِع وكرم: ضدُّ رَغِبَ. ( القاموس ).

٤ - أي بذلت نفسي لحدثان الزّمان، وجعلتها عرضة لها باختيار السّفر لا سيّما هذا السّفر في تلك الأزمان المخوفة. ( ملاذ الأخيار ) وفي القاموس: « جاد بنفسه: قارب أن يَقضي ».

٢٧٢

 

الَّذي قَدَّر عَليَّ فِراقَ مكانِكَ أنْ لا يَجْعَلهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي وَمِنْ رَجْعَتي (١) ،وَأسْألُ اللهَ الَّذي أبْكى عَلَيْكَ عَيْني أنْ يَجْعَلَهُ سَنَداً لي (٢) ،وَأسْألُ اللهَ الَّذي نَقلَني إلَيْكَ مِنْ رَحْلي وَأهْلي أنْ يَجْعَلَهُ ذُخْراً لي، وَأسْألُ اللهَ الَّذي أراني مَكانَكَ وَهَداني للتَّسْليم عَلَيْكَ وَلِزيارَتي إيّاك أنْ يُورِدَني حَوْضَكُمْ، وَيَرْزُقَني مُرافِقَتَكُمْ في الجِنانِ مَعَ آبائِكَ الصّالِحينَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعين، السَّلامُ عَلَيْكَ يا صَفْوَةَ اللهِ [وَابْنَ صَفْوَتِه]، السَّلامُ عَلى رَسُولِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللهِ، حَبيبِ اللهِ وَصَفْوَتِهِ، وَأميِنِه وَرَسُولِهِ، وَسَيِّدِ النَّبِيِّينَ، السَّلامُ عَلى أمير المؤمنين وَوَصيّ رَسُولِ رَبِّ العالمين، وَقائدِ الغُرِّ المحجِّلينَ، السَّلامُ عَلَى الأئمَّةِ الرَّاشِدينَ والمَهْدِيّينَ، السَّلام عَلى مَنْ في الحائِر مِنْكُم (٣) [وَرَحمةُ اللهِ وَبركاتُهُ]، السَّلامُ عَلى مَلائِكَةِ اللهِ الباقِينَ المقِيمِينَ، الَّذينَ هُمْ بِأمْرِ رَبِّهِمْ قائِمونَ، السَّلامُ عَلَيْنا وَعَلى عِبادِ اللهِ الصّالِحينَ، وَالحمْدُ لله رَبِّ العالَمِين ».

وتقول:(٤) «سَلامُ اللهِ وَسَلامُ مَلائِكَتِهِ المُقرَّبينَ وَأنْبِيائِهِ المُرْسَلينَ، وَعِبادِهِ الصّالِحينَ عَلَيْكَ يا ابْنَ رَسُولِ اللهِ وَعَلى رُوحِكَ وَبَدَنِكَ وَعَلى ذُرِّيَّتك وَمَنْ حَضَرَكَ مِنْ أوليائِكَ، أسْتَودِعُكَ اللهَ وَأسْترعِيك (٥) وَأقْرَءُ عَلَيْكَ السَّلامَ، آمَنّا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَبما جاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِاللهِ، اللّهُمَّ اكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ »،

وتقول(٦) : «اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ وَلا تَجْعَلُهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِن زيارَتي ابْن رَسُولِكَ، وَارْزُقني زيارَتَهُ أبَداً ما أبْقَيْتَني، اللّهُمَّ انْفَعْني بِحُبِّهِ يا رَبَّ العالمِينَ، اللّهُمَّ ابْعَثْهُ (٧) مَقاماً محمُوداً إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، اللّهُمَّ إنّي أسْألُكَ بَعْدَ الصَّلاةِ وَالتَّسْلِيمِ أنْ تُصَلّي عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وَأنْ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زيارَتي إيّاهُ،

__________________

١ - في بعض النّسخ: « رجوعي ».

٢ - أي معتمداً. ( المجلسيّ - ره - ) وفي القاموس: « السَّنَد محرّكة: مُعْتَمد الإنسان ».

٣ - الظّاهر أنّ الخطاب متوجّهٌ إلى الأئمّة، والمراد الحسين عليه السلام، أو المراد من أهل بيتكم وأولادكم. ( ملاذ الأخيار )

٤ - في التّهذيب: « ثمّ أشر إلى القبر بمسبحتك اليُمنى وقلْ: إلخ ».

٥ - أي اطلب من الله حفظك، واسترعاه إيّاه استحفظه.

٦ - في التّهذيب: « ثمّ ارفع يديك إلى السّماء وقل: - إلخ ».

٧ - زيد في بعض النّسخ: « أبعثني معه ».

٢٧٣

فَإِنْ جَعَلْتَهُ يا رَبِّ فَاحْشُرني مَعَهُ وَمَعَ آبائِهِ، وَإنْ أبْقَيْتَني يا رَبِّ فَارْزُقْني الْعَوْدَ إلَيْهِ ثُمَّ الْعَوْدَ بِرَحمتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمين، اللّهُمَّ اجْعَلْ لي لِسانَ صِدْقٍ في أولِيائِكَ، وَحَبِّبْ إليَّ مَشاهِدَهُمْ (١) ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ، وَلا تَشْغَلْني عَنْ ذِكْركَ بإكْثار مِنَ الدُّنْيا تَلْهِيَني عَجائبُ بَهْجَتِها وَتُفْتِنَني زَهْراتُ زِينَتِها، وَلا بإقْلالٍ يَضُرُّني بِعَمَلي كَدُّهُ، وَيَملأُ صَدْري هَمُّهُ، وَأعْطِني بِذلِكَ غِنىً عَنْ شِرارِ خَلْقِكَ، وَبَلاغاً أنالُ بِهِ رِضاكَ يا رَحْمُنُ، والسَّلامُ عَلَيْكمْ يا مَلائِكَةَ اللهِ وزُوّارَ قَبرِ أبي عَبْدِالله عليه‌السلام »،

ثمّ ضَع خَدَّك الأيمن على القبر مرَّةً والأيسر مرَّة، وألحَّ في الدُّعاء والمسألة، فإذا خرجت فلا تُوَلِّ وَجْهَك عن القبر حتّى تخرج ».

الباب الخامس والثّمانون

( زيارة قبر العبّاس بن عليٍّ عليهما السلام)

١ - حدَّثني أبو عبدالرَّحمن محمّد بن أحمدَ بن الحسين العَسكريُّ بالعسكر، عن الحسن بن عليٍّ بن مَهزيار، عن أبيه عليٍّ بن مهزيار، عن محمّد بن أبي عُمَير، عن محمّد بن مَروانَ، عن أبي حمزة الثّماليِّ « قال: قال الصّادقعليه‌السلام : إذا أردت زيارة قبر العبّاس بن عليِّعليهما‌السلام - وهو على شطِّ الفُرات بحَذاء الحائِر - فقف على باب السَّقيفة وقل:

«سَلامُ الله وَسَلامُ مَلائِكَتِهِ المُقَرَّبِينَ، وَأنْبِيائِهِ المُرْسَلينَ، وَعِبادِهِ الصّالِحينَ وَجَميع الشُّهَداءِ وَالصِّدِّيقِينَ، وَالزَّاكياتُ الطَّيِّباتُ فيما تَغْتَدي وَتَروحُ عَلَيْكَ يا ابْنَ أمِيرِ المؤْمِنينَ، أشْهَدُ لَكَ بالتَّسْليمِ وَالتَّصدِيقِ وَالوَفاءِ وَالنَّصِيحَةِ لِخَلَفِ النَّبيِّ المرْسَل، وَالسِّبْطِ المنْتَجبِ، وَالدَّليلِ العالِمِ، وَالْوَصِيِّ المُبَلِّغِ، وَالمظْلُومِ المهْتَضَمِ، فَجَزاكَ اللهُ عَنْ رَسُولِهِ وَعَنْ أميرِ المؤمنين وَعَنِ الحَسَنِ والحُسين صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أفْضَلَ الجَزاءِ بِما صَبَرْتَ وَاحْتَسَبْتَ، وَأعَنْتَ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ، لَعَنَ اللهُ مَنْ قَتَلَكَ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ جَهِلَ

__________________

١ - قوله: « مشاهدهم » أي مواطن حضورهم وظهورهم أحياء وأمواتاً. ( البحار )

٢٧٤

حَقَّكَ، وَاسْتَخَفَّ بِحُرْمَتِكَ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ حالَ بَيْنَكَ وَبَين ماءِ الْفُراتِ، أَشْهَدُ أنَّكَ قُتِلْتَ مَظْلُوماً، وَأنَّ اللهَ مُنْجِزٌ لَكُمْ ما وَعَدَكُمْ، جِئتُكَ يا ابْنَ أمير المؤْمِنينَ وافِداً إلَيْكُمْ، وَقَلْبي مُسَلّمٌ لَكُمْ، وَأنا لَكُمْ تابِعٌ، وَنُصْرَتي لَكُمْ مُعدَّةٌ حَتّى يحكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيرُ الحاكِمينَ، فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكُمْ، إنّي بِكُم وَبإيابِكُمْ مِنَ المؤمِنينَ، وَبِمَنْ خالَفَكُمْ وَقَتَلَكُم مِنَ الكافِرينَ، قَتَلَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ بِالأيْدِي وَالألْسُنِ ِ ».

ثمَّ ادخل وانكبّ على القبر وقل:

«السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّها الْعَبْدُ الصّالِحُ، المُطِيعُ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأمِيرِ المؤمِنينَ، وَالحَسَنِ وَالحُسَين عليهم‌السلام، السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ وَرِضْوانُهُ، وَعَلىُ رُوحِكَ وَبَدَنِكَ، وَاُشْهِدُ اللهَ أنَّكَ مَضَيْتَ عَلىُ ما مَضىُ عَلَيهِ الْبَدْرِيُّونَ، المُجاهِدُونَ في سَبِيل اللهِ، المُناصِحُونَ لَهُ في جِهادِ أعدائِهِ، المُبالِغُونَ في نُصْرَةِ أولِيائِهِ، الذَّابُّونَ عَنْ أحِبّائِهِ، فَجزاكَ اللهُ أفْضَلَ الجَزاءِ، وَأكْثَر الجَزاءِ، وَأوْفَرَ الجَزاءِ، وَأوْفى جَزاءِ أحَدٍ مِمَّنْ وَفى بِبَيْعَتِه، وَاسْتَجابَ لَهُ دَعْوَتَهُ، وَأطاعَ وُلاةَ أمْرِهِ، أشْهَدُ أنَّكَ قَدْ بالَغْتَ في النَّصيحَةِ، وَأعْطَيْتَ غايَةَ المَجْهُودِ، فَبَعَثَكَ اللهُ في الشُّهَداءِ، وَجَعَلَ رُوحَكَ مَعَ أرْواحِ الشُّهَداءِ (١) ،وَأعْطاكَ مِنْ جِنانِهِ أفْسَحَها مَنْزِلاً، وَأفْضَلَها غُرَفاً، وَرَفَعَ ذِكْرَكَ في عِلِّيِّينَ، وَحَشَرَكَ مَعَ النَّبِيِّينَ، والصِّديقِينَ وَالشُّهَدآءِ وَالصّالِحينَ، وَحَسُنَ أولئِكَ رَفيقاً، أشْهَدُ أنَّكَ لَمْ تَهنْ وَلَمْ تَنْكُلِ، وَأنَّكَ مَضَيْتَ عَلى بَصيرةٍ مِنْ أمْرِكَ، مُقْتَديّاً بِالصّالِحينَ وَمُتَّبِعاً لِلنَّبيِّينَ، فَجَمَعَ اللهُ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ، وَبَينَ رَسُولِهِ وَأوْلِيائِهِ في مَنازِلِ المُخْبِتينَ، فَإنَّهُ أرْحَمُ الرَّاحِمينَ » »(٢) .

__________________

١ - في البحار: « مع أرواح السّعداء ».

٢ - قال العلاّمة المجلسيّ رحمه الله: ذكر الأصحاب في زيارته عليه السلام الصّلاة، والخبر خال عنها، ولذا بعض المعاصرين يمنع من الصّلاة لغير المعصوم لعدم التَّصريح في النُّصوص بالصَّلاة لهم عند زيارتهم، لكن لو أتى الإنسان بها لا على قصد أنّها مأثورة على الخصوص بل للعمومات الّتي في إهداء الصّلاة والصّدقة والصّوم وسائر الاُفعال الخير للأنبياء والأئمّة والمؤمنين والمؤمنات، وأنّها تدخل على المؤمنين في قبورهم وتنفعهم لم يكن به بأس وكان حسناً، مع أنّ المفيد و

٢٧٥

الباب السّادس والثمانون

( وَداع قَبر العَبّاس بن عَليٍّ عليهما السلام)

١ - حدَّثني أبو عبدالرَّحمن محمّد بن أحمدَ بن الحسين العَسكريُّ بالعَسكر، عن الحسن بن عليٍّ بن مَهزيار، عن أبيه علىّ بن مَهزيار، عن محمّد بن أبي عُمَير، عن محمّد بن مَروان، عن أبي حمزةَ الثّماليِّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إذا ودَّعت العبّاس فَأته وقل: «أسْتَودِعُكَ اللهَ وَأسْتَرعِيكَ وَأقْرَءُ عَلَيْكَ السَّلامَ، آمَنّا بِاللهِ وَبرسُولِهِ وَبِكِتابِهِ وَبِما جاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، اللّهُمَّ اكتُبنا مَعَ الشّاهِدينَ، اللّهُمَّ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زيارَة قَبرِ ابْنِ أخي نَبِيّك، وَارْزُقني زِيارَتَهُ أبَداً ما أبْقَيْتَني، وَاحْشُرني مَعَهُ وَمَعَ آبائِهِ في الجِنانِ، وَعَرِّف بَيْني وَبَيْنَهُ وَبَينَ رَسُولِكَ وَأولِيائِكَ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَتَوَفَّني عَلَى الايمانَ بِكَ وَالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِكَ، وَالْوِلايَةِ لِعَليِّ ابْنِ أبي طالِبٍ وَالأئمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ، وَالْبَراءةِ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَإنّي رَضيتُ بِذلِكَ يارَبَّ ».

وتدعو لنفسك ولوالديك والمؤمنين والمسلمينَ وتخيّر من الدُّعاء ».

* * * * *

____________

غيره - رحمهم الله - ذكروها في كتبهم، فلعلّهم وصل إليهم خبرٌ آخر لم يصلْ إلينا.

ثمّ اعلم أنّ ظاهر تلك الرّواية جواز الوقوف على قبره - رضي الله عنه - على أيِّ وجهٍ كان، ولو كانت السّقيفة في الزّمن السّابق على نحو بناء زَماننا، لكان ظاهر الخبر مواجهته عند الزّيارة، لكن ظاهر كلام الأصحاب وعملهم أنّ في زيارة غير المعصوم لا ينبغي مواجهته، بل ينبغي استقبال القبلة فيها والوقوف خلفه، ولم أر تصريحاً في أكثر الزّيارات المنقولة بذلك.

نعم ورد في زيارة المؤمنين مطلقاً استحباب استقبال القبلة، لكن لايبعد أن يقال كما أنّهم امتازوا عن سائر المؤمنين بهذه الزيارات المشتملة على المخاطبات، فلعلّهم امتازوا عنهم باستقبالهم كما هو عادة المكالمات والمحاورات. لكن ورد في بعض الرّوايات المنقول الأمر باستقبال القبلة عند زيارة بعضهم كزيارة عليِّ بن الحسين عليه السلام فيما ورد عن النّاحية المقدّسة، والتّخير فيما لم يرد فيه شيء على الخصوص أظهر، والله يعلم - انتهى.

٢٧٦

الباب السّابع والثّمانون

( وداع قُبور الشّهداء عليه السلام)

تقول: «اللّهُمَّ لا تجعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زيارتي إيّاهُمْ، وَأشْرِكْني مَعَهُم في صالِحِ ما أعْطَيْتَهُمْ عَلى نَصْرِهِمْ ابْنَ بِنْتِ نَبيِّكَ، وَحُجَّتِكَ عَلى خَلْقِكَ، وَجِهادِهِمْ مَعَهُ في سَبيِلكَ، اللّهُمَّ اجْمَعْنا وَإيّاهُمْ في جَنَّتِكَ مَعَ الشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ، وَحَسُنَ أولئِكَ رَفيقاً، أسْتَودِعُكُمُ اللهَ وأقْرَءُ عَلَيْكُم السَّلامُ، اللّهُمَّ ارْزُقْني الْعَودَ إلَيْهِم، وَاحْشُرني مَعَهُمْ يا أرْحَمَ الرَّاحِمين (١) ».

الباب الثّامن والثّمانون

( فَضل كربلاء وزيارة الحسين عليه السلام)

[ للحسين(٢) بن أحمدَ بن المغِيرَة فيه حديث رواه شيخه أبو القاسمرحمه‌الله مصنّف هذا الكتاب نقل عنه وهو عن زائدة، عن مولانا عليِّ بن الحسينعليهما‌السلام ، ذهب على شَيخُنارحمه‌الله أن يضمّنه كتابه هذا وهو ممّا يليق بهذا الباب ويشتمل أيضاً على مَعانٍ شتّى حَسَنٍ تامّ الألفاظ، أحببتُ إدخاله وجعلته أوَّل الباب، وجميع أحاديث هذا الباب وغيرها ممّا يَجري مجراها يستدلُّ بها على صِحّة قبر مولانا الحسينعليه‌السلام بكربلاء، لأنَّ كثيراً مِنَ المخالفين يُنكرونَ أنَّ قبرَه

__________________

١ - قال العلاّمة المجلسيّ عليه السلام: « يظهر من القرائن أنّ وَداع الشّهداء أيضاً من تتمّة رواية الثّماليّ، والكلّ من تتممّة الرّواية الكبيرة الّتي اسلفنا ذكرها عن الثّمالي ( ص ٢٣٦ ح ٢١ ).

٢ - هذا الحديث ليس من أصل الكتاب، وإنّما أدرجه فيه بعض تلامذة المؤلّف قدّس سرّه فما في البحار مِن نقله عن الكتاب من غير تنبيه على ما ذكر ليس في محلّه. ( الأميني - ره - )

٢٧٧

بكربلاء كما ينكرون أنّ قبرَ مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام بالغَريِّ بظهر نجف الكوفة وقد كنت استفدت هذا الحديث بمصر عن شيخي أبي القاسم عليِّ بن محمّد بن عُبْدوُس الكوفيِّرحمه‌الله ممّا نقله عن مُزاحِم بن عبدِالوارث البّصريِّ بإسناده عن قُدامَةَ بن زائِدَة، عن أبيه زائِدَة، عن عليِّ بن الحسينعليهما‌السلام ، وقد ذاكرتُ شيخنا ابنَ قُولُوَيْه بهذا الحديث بعدَ فَراغِه مِن تصنيف هذا الكتاب ليدخله فيه فما قضى ذلك وعاجلتْه مَنيَّتهرضي‌الله‌عنه وألْحقه بمواليهعليهم‌السلام .

وهذا الحديث داخلٌ فيما أجاز لي شيخيرحمه‌الله وقد جمعت بين الرِّوايتين بالألفاظ الزَّائِدة والنّقصان والتَّقديم والتّأخير فيها حتّى صحّ بجميعه عَمّن حدَّثني به أوَّلاً ثمَّ الآن، وذلك أنّي ما قَرَءْتُه على شيخيرحمه‌الله ولا قرءه عَليَّ، غير أنّي أرويه عَمّن حدَّثني به عنه، وهو:

أبو عبدالله أحمدُ بن محمّد بن عيّاش(١) قال: حدَّثني أبو القاسم جعفر بن محمّد ابن قولُوَيه قال: حدَّثني أبو عيسى عبيدالله بن الفضل بن محمّد بن هِلال الطّائيُّ البَصريُّ قال: حدَّثني أبو عثمان سعيد بن محمّد قال: حدَّثنا محمّد بن سلاَم بن يَسار(٢) الكوفيُّ قال: حدَّثني أحمدُ بن محمّد الواسطيُّ قال: حدَّثني عيسى بن أبي شَيبة القاضي قال: حدَّثني نوح بن دُرّاج قال: حدَّثني قُدامة بن زائِدة، عن أبيه « قال: قال عليُّ بن الحسينعليهما‌السلام : بلغني يا زائِدَةُ أنّك تَزورُ قبرَ أبي عبدالله الحسينعليه‌السلام أحياناً؟ فقلت: إنَّ ذلك لَكَما بَلَغك، فقال لي: فلما ذا تفعَلُ ذلك ولك مَكانٌ عند سُلطانك الَّذي لا يحتمل أحداً على محبّتنا وتفضيلنا وذِكرِ فضائِلنا والواجب على هذه الاُمّة مِن حَقِّنا؟ فقلت: واللهِ ما اُريد بذلك إلاّ اللهَ وَرسولَه، ولا أحْفِلُ بسخط مَن سَخَط، ولا يكبُرُ في صدري مكروه ينالني بسببه، فقال: والله إنَّ ذلك لَكذلك، فقلت: والله إنَّ ذلك لَكذلك، يقولها - ثلاثاً - و

__________________

١ - هو أحمد بن محمّد بن عبيدالله بن الحسن بن عيّاش الجوهري، المتوفّى سنة ٤٠١. قال النّجاشي رحمه الله: رأيت هذا الشّيخ وكان صديقاً لي ولوالديّ، وسمعت منه شيئاً كثيراً، ورأيت شيوخنا يضعّفونه فلم أرو عنه وتجنّبته.

٢ - في بعض النّسخ: « سيّار ».

٢٧٨

أقولها - ثلاثاً - فقال: أبشِر ثمَّ أبشِر ثمَّ أبشِر (١) فَلأخبرنَك بخبر كان عندي في النُّخَبِ (٢) المخزونة، فإنّه لمّا أصابنا بالطّفّ ما أصابنا وقُتِل أبيعليه‌السلام وقُتِل مَن كان معه مِن وُلده وإخوته وسائر أهلِه وحملت حُرُمه ونساؤه على الأقتاب يرادّ بنا الكوفة، فجعلت أنظر إليهم صَرعى ولم يواروا فعظم ذلك في صدري واشتدَّ لما أرى منهم قلقي، فكادت نفسي تخرج وتبيّنت ذلك منّي عَمّتي زَينب الكُبرى بنت عليٍّعليهما‌السلام فقالت: ما لي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدِّي وأبي وإخوتي؟!! فقلت: وكيف لا أجزع وأهْلَعُ وقد أرى سَيّدي وإخوتي وعُمُومتي وولد عَمّي وأهلي مُصرعين بدمائهم، مرمّلينَ بالعرى، مسلبين، لا

__________________

١ - قال العلاّمة الأميني رحمه الله: ذهب غير واحدٍ من الفقهاء والمحقّقين إلى جواز زيارة الحسين عليه السلام مع أيّ خوف وضرر، لإطلاق النّصوص كما مرّت في الباب ٤٥، ولعلّ التاريخ يملي علينا دروساً من عمل الأصحاب على عهد الأئمّة صلوات الله عليهم منضمّة بتقريرهم له، يؤكّد ما اختاره المحقّقون ولقد حمل إلينا عن أولئك أنّهم ما صدّهم عن قصد مشهد الحسين عليه السلام ما كابدوه من المثلة والتّنكيل والعقوبة بحبس وضرب وقطع يد وهتك حرمة وقابلوها بجأش طامن، ولبّ راجح، وشوق متأكّد، وهذا كتابنا ينطق عليك بالحقّ في حديث مرّ [في ص ١٣٥ تحت رقم ٢] في زيارة ابن بكير وإتيانه لها من أرّجان ( من بلاد فارس ) خائفاً مشفقاً من السّلطان والسّعاة وأصحاب المسالح، وهو من فقهاء الطّائفة كما في رجال الكشّي، وفيما يأتي [في الباب ٩١ تحت رقم ٧] من حديث زيارة مثل محمّد بن مسلم على خوف ووجل وهو أكبر ثقة في الطائفة، عدّه الصّادق عليه السلام من أوتاد الأرض وأعلام الدّين، وفي كلا الحديثين فضلاً عن تقرير الإمام عليه السلام لفعلهما بيان ثواب جميل لهما بذلك ونصّ على أنّ ما كان من هذا أشدّ فالثّواب على قدر الخوف، ويدلّ على مختار المحقّقين حديث هشام بن سالم الثّقة الجليل المرويّ عن الصّادق عليه السلام المذكور بطوله [في ص ١٣٣ تحت رقم ٢ من الكتاب] وفيه تفصيل بيان ثواب عظيم لمن يقتل دون الحسين عليه السلام، وأجر جميل لا يستهان به لمن حبس في إتيانه، وجزاء جزيل لمن ضرب بعد الحبس في قصد مشهده، إذن فلا ندحة من تعميم الحكم على جميع ما ذكر وإن صعّد وصوّب فيه المهملجون.

٢ - في بعض النّسخ بالحاء المهملة، وفي بعضها: « في البحر ».

٢٧٩

يُكفَّنون ولا يُوارون، ولا يُعَرِّج عليهم أحدٌ، ولا يقرُبُهم بَشرٌ، كأنّهم أهل بيتٍ مِن الدَّيْلَم والخَزَر؟!! فقالت: لا يُجْزِ عَنَّك ما ترى، فوالله إنَّ ذلك لعهد مِن رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى جَدِّك وأبيك وعمّك، ولقد أخذ الله ميثاق اُناسٍ مِن هذه الاُمّة لا تعرفهم فَراعِنَة هذه الاُمّة وهم معروفون في أهل السّماوات أنَّهم يجمعون هذه الأعضاء المُتَفَرّقَةَ فيُوارونَها وهذه الجُسومَ المُضَرَّجة، وينصبون لهذا الطّفّ عَلَماً لِقَبر أبيك سيّد الشُّهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رَسمُه على كرورِ اللّيالي والأيّام، وليجتهدنَّ أئمّة الكفر وأشياع الضّلالة في مَحْوِه وتطمِيسه فلايزداد أثره إلاّ ظهوراً وأمره الاّ عُلوّاً، فقلت: وما هذا العهد وما هذا الخبر؟! فقالت: نَعَم، حدَّثتني اُمُّ أيمن أنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله زارَ منزل فاطمةعليها‌السلام في يوم من الأيّام فعملت له حَريرة، وأتاه عليٌّعليه‌السلام بطبق فيه تمرٌ، ثمَّ قالت اُمُّ أيمن: فأتيتهم بعُسٍّ (١) فيه لبن وزُبْد، فأكل رَسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليُّ وفاطمةُ والحسنُ والحسينُعليهم‌السلام من تلك الحَريرة، وشرب رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وشربوا من ذلك اللّبن، ثمَّ أكل وأكلوا من ذلك التَّمر والزُّبْد، ثمَّ غَسَل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يده وعلي يَصبُّ عليه الماء، فلمّا فرغ من غَسْل يده مسح وجهه، ثمَّ نظر إلى عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين نظراً عرفنا به السّرور في وجهه ثمّ رمق بطرْفه (٢) نحو السّماء مليّاً، ثمَّ [أنّه] وجّه وجهه نحو القِبلة وبسط يديه ودعا ثمّ خَرَّ ساجداً وهو يَنشِجُ (٣) فأطال النَّشوج ( كذا ) وعلا نَحِيبه وجرت دموعه، ثمَّ رفع رأسه وأطرق إلى الأرض ودموعُهُ تقطر كأنّها صوب المطر، فحَزنَت فاطمة وعليُّ والحسن والحسينعليهم‌السلام وحزنتُ معهم لما رَأينا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهبناه أن نسأله حتّى إذا طال ذلك قال له عليُّ؛ وقالت له فاطمة: ما يُبكيك يا رَسول الله لا أبكى الله عَينيك فقد أقرح قلوبنا ما نَرى من حالك؟!

__________________

١ - العُسّ - بالضّمّ والسّين المهملة المشدّدة -: القدح الكبير، وفي بعض النّسخ: « بقعب » - بفتح القاف المعجمة - يقال للقدح من خشب مقعّر.

٢ - أي نظر.

٣ - نشج الباكي نشيجاً غُصّ بالبكاء في حلقه، من غير انتحاب.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357