كامل الزيارات

كامل الزيارات16%

كامل الزيارات مؤلف:
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مكتبة الصدوق
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 357

كامل الزيارات المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 146785 / تحميل: 9210
الحجم الحجم الحجم
كامل الزيارات

كامل الزيارات

مؤلف:
الناشر: مكتبة الصدوق
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

المُستعربين(١) من الذين أثارهم مدى نفوذ الإسلام، وقوّة تأثير الثقافة الإسلاميّة واللغة العربيّة في واقع الشعب الأسباني، فتحرّكوا لمواجهة هذا النفوذ والعمل على تفريغ محتواه من نفوس الأسبان، عن طريق إذكاء حالة العداء الديني وتغذيتها بأشكال الإثارة الحادّة ليتسنّى لهم دقّ إسفين الخلاف، ومِن ثمّ صبّ ذلك في محور تحريضي مباشر تجاه الخلافة الإسلاميّة.

حتّى إنّ بعض المُغالين من الرهبان كان يصرّ على التعرّض للإسلام، والطعن في النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والنيل من المقدّسات الإسلاميّة للفوز بعقوبة الموت، مُعتقدين بأنّهم يكسبون بذلك شرف الشهادة الذي حُرِموه نتيجةً للتسامح الذي كان سِمةً من سِمات حكّامهم المسلمين في دار الخلافة بالأندلس.

وبالرغم من أنّ عدد هؤلاء المتعصّبين لم يكن كبيراً، إلاّ أنّ الحكومة قد خشيت آنذاك (سوء عاقبة هذه الحوادث وأوجست خيفة من أنّ احتقارهم سلطانهم، وعدم اكتراثهم بالقوانين التي سنّوها ضدّ مَن يطعن في دينهم (الإعدام)، قد يؤدّي إلى استفحال روح الكراهيّة، وذيوع حركة العصيان بين الأهلين كافّة)(٢) .

فعمدت إلى القضاء على حركة الاستشهاد، مستفيدةً من اعتدال الكثير من المُستعربين، وعدم تفاعلهم معها.

ولمّا كانت هذه الحركة عبارة عن إرهاص متشنّج يحكي حالة الرفض المتعصّب بطريقةٍ انفعاليّة هيمنت على أفكار المُتديّنين والقساوسة الأسبان - كما عبّر عنها(ريتشارد سوذرن) ووصفها: (بأنّها حركة ضدّ رضا العامّة بالحضارة العربيّة)(٣) - فقد خلقت أرضيّة لعمل فكري يهدف إلى معرفة وفهم

____________________

(١) استعرب: صار دخيلاً بين العرب. (القاموس المنجد، باب: عرب).

(٢) أرنولد، توماس - الدعوة إلى الإسلام - الترجمة العربيّة: ١٦٥ - ١٦٦.

(٣) سوذرن، ريتشارد - صورة الإسلام في أوربّا في العصور الوسطى: ٥٨.

٤١

العدوّ الإسلامي، ودراسة سرّ قوّته وتميّزه، ورفع الإبهام عن لغز تفوّقه وقدرته. أي بعبارةٍ أُخرى خلقت أرضيّة الاستشراق بروحه التبشيريّة.

أمّا لماذا لم يتم هذا العمل الفكري في الفترة التي كانت حركة الاستشهاد في أوجّها؟ فيقول (سوذرن): (إنّ كلاً من (أولوجيوس) و (ألبرو قرطبي) قائدَيّ الحركة كانا يعتقدان أنّ السيطرة الإسلاميّة هي بداية المقدّمة الضروريّة لظهور المسيح الدجّال، المذكور في كتبهم المقدّسة، وانسجم ذلك مع تأويلات خاطئة باقتراب يوم القيامة، وعلائمه التي كانت سائدة بين أوساط المجتمع الأوربّي المسيحي آنذاك.

إضافةً إلى أنّهما لم يكونا مؤهّلين للجهد الفكري المطلوب في معرفة وفهم العدوّ الإسلامي، كما وإنّهما - القائدَين - وأتباعهما لم يكونوا يريدون أنْ يعرفوا شيئاً)(١) لتَشبُّع قلوبهم بالبغض والكراهيّة والغضب على كلّ ما هو مُخالف لأفكارهم ومعتقداتهم الخرافيّة السائدة، وتأويلاتهم المنحرفة التي ما أنزل الله بها من سلطان.

ولم تكن الكنيسة الكاثوليكيّة بأحسن حالاً من هؤلاء، حيث لم تخرج عن دائرة هذا الجوّ العدائي.

فقد كانت أحد العوامل الرئيسيّة لتأجيج الصراع وتغذية الشعور المعادي للمسلمين، وإذكاء نار الحقد في صدور رعاياهم ضدهم بكلّ ما تهيّأ لها من وسائل وأُوتيت من قوّة، لما أدركته من تأثير الإسلام وسرعة نفوذه وكثرة المُقبلين عليه.

حيث يصف أحدُ المؤرّخين هذه الظاهرة فيقول: (بأنّ تأثّرهم بالإسلام كان بمحض إرادتهم في أغلب الأحيان)(٢) . وأخذت الكنيسة الكاثوليكيّة تدرك تدريجياً ومن موقع دفاعي ضرورة إعطاء النصارى أسباباً

____________________

(١) سوذرن، ريتشارد - صورة الإسلام في أوربّا في العصور الوسطى: ٥٩.

(٢) بروفنسال، ليفي (حضارة العرب في الأندلس) الترجمة العربيّة: ١٦ - ١٧.

٤٢

وجيهةً ليحافظوا على إيمانهم التقليدي الخاص، ويتحصّنوا داخله.

إلاّ أنّ هذه المساعي لم تنجح، فسرعان ما تأجّجت العصبيّات واستفحل العداء الشديد.

وعلى هذا نرى أنّ بدايات الاستشراق لم تكن منفصلة عن منظومة التنصير والتبشير، ولا عن الدوافع الدينيّة المتطرّفة التي كانت الأساس في نشأة الفهم الاستشراقي(١) ، فلا عجب إذن إذا رأينا الكثير من المُستشرقين يجهدون في تصوير العالم الإسلامي في كتاباتهم على أنّه بشعٌ في عاداته، قبيحٌ في أخلاقه، مليء بالبِدَع والانحرافات عن الدين السماوي الحقّ الذي جاء به المسيح النبيّ، ولا يتحرّزون عن اختلاق ما يدعم دعواهم تلك، وكلّ ما مِن شأنه زرع روح التشكيك في الإسلام وزعزعة اليقين بين أوساط المسلمين.

____________________

(١) راجع د. سلمان، سمير (الجذور التكوينيّة للاستشراق في الأندلس) مجلّة التوحيد - العدد ٣٢: ١١٦.

٤٣

نشأة الاستشراق بين النهج العلمي والاستعداء التبشيري

إنّ البدايات التي سجّلها الباحثون لنشأة الاستشراق لم تكن خارجة عن نطاق الصراع الذي تربّع أبطاله على صدر الأندلس، وتركوا آثار حقدهم وتعصّبهم شاخصةً على مرّ العصور، مُنزِلةً الضربة تلو الأُخرى بالوجود الإسلامي في الأندلس.

فالحرب التي شنّتها المسيحيّة على الإسلام حينذاك قد نحَت مَنحَيَيَن باتّجاهين مُتوازيين يعضد أحدهما الآخر، ويؤدّيان إلى هدفٍ واحد، ألا وهو القضاء على الخصم الذي غزاهم وهُم غارقون في سُباتٍ عميق.

الأوّل: كان يُريد تحقيق هذا الهدف بحدِّ السيف وإعلان الحرب المباشرة، لاجتثاث جذور الوجود الإسلامي بشكل سريع ونهائي.

والثاني: كان يرى أنّ دراسة العدو، واستثمار معارفه وعلومه، والاطلاع على مبادئه وأفكاره يشكّل الطريق السليم لمواجهة هذا العدوّ من خلال امتلاك سرّ قوّته، ومعرفة سُبل اجتثاثه من داخله.

إنّ الاختلاف الظاهري لهذين الاتّجاهين المعاديين للإسلام والذي أُريد له أنْ يبرز بشكلٍ مقصود، كان يُعبّئ الآخرين ويبرز ردود فعلٍ موسومةً بالتصلّب والتعدّي تارة، وبالمرونة وطَرقِ السُبل السلمية بغطاءِ العلم والمعرفة تارةً أُخرى.

إنّ ما قام به أسقف طُلَيطَلة مِن إخضاع النصارى الأسبان له، إثر تعرّض

٤٤

العلاقات والروابط بين الكرسي البابوي من جهة، والكنيسة من جهةٍ أُخرى للضعف والتردّي، أدّى إلى انفصال الأخيرة عن البابويّة، ممّا حدا بأسقف طُلَيطلة إلى إخراج ترجمات مبكّرة لبعض الكتب العلميّة العربيّة(١) .

وكما ذكر غابريلي في(تراث الإسلام) : (لقد استعربت المسيحيّة بسرعة لغويّاً وثقافيّاً)(٢) .

في الوقت الذي استمرّت الكنيسة على تصلّبها وأبرزت تعصّباً بالغ التزمّت تجاه أيّ تقاربٍ ومهادنة أو موقفِ صداقةٍ تفرضه الطبيعة العلميّة، أو ظروف التقارب الثقافي الذي قد يتّخذه بعض طلاب الثقافة والمعرفة الأوربيّين من الإسلام والثقافة الإسلاميّة.

ومِن أمثلة ردود الفعل المتعصّبة التي أفرزتها طبيعة الخلافات هذه، هو ما أعلنه البابا(غريغور التاسع) من أنّ فريدريك الثاني حاكم صِقلْيّة الذي أصبح إمبراطوراً لألمانيا في عام ١٢٢٠م قد خرج على الكنيسة، حيثُ كان(فريدريك) هذا مُستعرباً لغةً وثقافةً وعلوماً وعادات.

وقد أهدى كتباً فلسفيّة تُرجمت عن العربيّة إلى جامعات بولونيا وباريس، وعندما أصبح إمبراطوراً أسّس جامعة في نابولي سنة ١٢٢٤م، وجعل منها أكاديميّة لنقل المعارف الإسلاميّة إلى العالم الغربي(٣) .

وعليه فإنّ نشأة التبشير في الأندلس بدأت بهدف القضاء على الإسلام، والتبشير للمسيحيّة بين صفوف المسلمين الكَفَرَة - كما كانوا يسمّونهم - الذين قدموا من بلاد العرب وفتحوا الأندلس، أو الذين دخلوا الإسلام حديثاً والذين يطلق عليهم (المولدين)(٤) ، بعد أنْ ثبت لدى أغلب رجال الفكر

____________________

(١) زقزوق، محمود حمدي (الاستشراق والخلفيّة الفكريّة للصراع الحضاري): ٢٤.

(٢) غابريلي، فرانشسكو (تراث الإسلام) - القسم الأوّل - الترجمة العربيّة: ١٣٤.

(٣) رودنسون، مكسيم (جاذبيّة الإسلام) الترجمة العربيّة: ٣٢ و٣٣.

(٤) أُطلقت هذه التسمية على أبناء الأندلس القُدماء الذين انحدروا مِن آباء أسبان، وهؤلاء كانوا يمثّلون طبقة اجتماعيّة واسعة من المجتمع الأندلسي، دخلوا الإسلام أثناء الفتح، وحَسُن إسلام الكثير منهم. وكان منهم من أصحاب التآليف والتصانيف والمكانة العلميّة المرموقة. عن مجلّة نور الإسلام: ٢٧ - ٢٨/ (العصبيّات وآثارها في سقوط الأندلس).

٤٥

النصارى وعلمائهم أنّ الإسلام لا يُمكن القضاء عليه بالعمل العسكري، فدون ذلك خرط القتاد، وأنّ أيّ مواجهة سوف لنْ تثمر شيئاً ومحكومٌ عليها بالفشل والخُسران.

لذا فإنّ منظومة التبشير والتنصير قد تولّدت في أُتون الصراع المُستعِر بين الإسلام والكنيسة على الأرض الأندلسيّة، والتي شكّلت مُنذ القرن التاسع عشر الميلادي الخليّة الأولى في مشروع الاختراق الثقافي الأوربّي للوجود الإسلامي، تمهيداً للامتداد والسيطرة الاستعماريّة وبنشاطٍ منظّم.

فالتبشير مصطلحاً ونظريّة، يقوم على نشر المسيحيّة في جميع بقاع الأرض التي تخلو منها، وهو بمعنى آخر هجوم المسيحيّة على الديانات الأُخرى بهدف اقتلاعها مِن عقول ونفوس معتنقيها، والحلول محلّها بكلّ وسيلة (سلميّة) ممكنة، وتطرق في ذلك أبواباً شتّى للوصول إلى أهدافها، منها: معرفة لغة الناس المقصودين بالتبشير، ودراسة عاداتهم وقِيمهم ومعتقداتهم عن كثب، والتدخل (للمساعدة) في حلّ مشاكلهم الشخصيّة والاجتماعيّة والصحيّة(١) .

مستفيدين من حالة الجهل والأُميّة السائدة في أوساطهم، للتشكيك في عقائدهم كمقدّمة لزقّهم بالتعاليم النصرانيّة عن طريق مؤسّسات التربية والتعليم، كالمدارس والمعاهد والجامعات وأمثالها.

وهكذا بدأ التبشير حركتهُ الشاملة للقضاء على الوجود الإسلامي، متّخذاً صوراً وأشكالاً مختلفة، وكان الاستشراق أبرز صوره الفكريّة. وهكذا كان العلم والبحث العلمي الذي يفترض فيه سموّ الإنسان بتحصيله المتواصل للكمالات قد

____________________

(١) الطهطاوي، محمّد عزت إسماعيل (التبشير والاستشراق): ١ - ٣.

٤٦

استُخدِم أداةً مِن أدوات التخريب الحضاري لبلاد المسلمين، والاعتداء على تراثهم، والطعن بالباطل في دينهم. وكانت المآرب السياسيّة والتعصّب للدين من السمات الأساسيّة للحركة الاستشراقيّة، ومن العناوين الخفيّة للوحدة والانسجام بين الاستشراق والتبشير.

٤٧

مبدأ الاستشراق اختراق ثقافي لدحر المسلمين في أوربّا

لقد كان الصراع التدميري الذي خاضته الكنيسة ومن ورائها المستعربون المتعصبون من النصارى ضد المسلمين في الأندلس والذي برّز الاستشراق صورةً من صوره الفكريّة فيما بعد قد اتّخذ مسارين: الأوّل ديني، والثاني فكري وسياسي.

أوّلاً: المسار الديني:

يُمكن تلخيص الكاشف عن المسار الأوّل بما يلي:

أ - سعي الكنيسة الدائب لاسترداد أسبانيا مِن المسلمين وإعادتها إلى سلطتها، وأنّ تلكّؤ مساعيها في النجاح لا يعني هزيمتها، فحروب الأسبان (القدماء) كانت خاضعة للكرّ والفرّ، واستمرّت بأشكالٍ مختلفة، مِن حربِ عصاباتٍ إلى مناوشاتٍ مشحونةٍ بالعداء الديني، إلى تأجيج العصبيّات بصيغتها الدينيّة بين مختلف الطوائف والقبائل، حتّى استنزفت قُوى الدولة الأندلسيّة التي ما لبث التفكّك والتشرذم أنْ طال كيانها الناشئ، في الوقت الذي لم تحسم فيه المواجهة بين الطرفين المُتصارعين، واستمرّت تتناوب بين انكفاءٍ وتقدّم.

٤٨

وبدءاً بعام ٧٥٦م راحت الهَجَمَات الأسبانيّة تتوالى حتّى (أخذت شكلاً تكتّليّاً وحرباً مقدّسة صليبيّة بآخر المعاقل الإسلاميّة)(١) .

وهكذا استمرّ الحال حتّى سقوط غرناطة بأيدي الأسبان، ووصول الوجود الإسلامي في الأندلس إلى نهايته عام ١٤٩٢م بعد أنْ تواصل ثمانية قرون تقريباً.

ب - إنّ من جملة أسباب تفوّق الأسبان الأُوربّيّين في هذه الحرب هو أنّهم (استعاروا أُسلوب المسلمين في الجهاد المقدّس)(٢) فأفادت المسيحيّة الأسبانيّة من عقيدة خصمها، وخاضت غمار المواجهة بأحد أمضى أسلحة الخصم الإسلامي، وأنشأت (طوائف الفرسان الدينيّة في سانتياغو وكلاترافا وألكنترا، وفي الطوائف التي ذاع صيتها في السجلاّت التأريخيّة لحروب الاسترداد)(٣) . علماً (بأنّ الأُسلوب نفسه قد اعتمدته الحملات الصليبيّة أيضاً)(٤) .

ج - لقد ترك الصراع الذي خاضته الكنيسة ضدّ المسلمين في الأندلس آثاره على مسير الكاثوليكيّة الأسبانيّة، وجنَت منه فوائداً كبيرةً، منها تحوّل هذا الصراع إلى عامل أساسي في بناء أسبانيا، وتطوير تركيبتها الداخليّة الخاصّة وموقعها العام، خصوصاً على مستوى الحسّ الديني المُرهف الذي برز عند الأسبان أفراداً ومجتمعاً، مِن خلال ما تركته العلوم والآداب الإسلاميّة مِن آثار في أعماق وأُسُس الحضارة الأسبانيّة مُنذ العصور الوسطى وإلى يومنا هذا.

____________________

(١) زقزوق، محمود حمدي - (الاستشراق والخلفيّة الفكريّة للصراع الحضاري) مؤسّسة الرسالة، بيروت، ط٢، ١٩٨٥م.

(٢) لومبير، إيلي - (تطور العمارة الإسلاميّة في أسبانيا والبرتغال وشمال إفريقيا) الترجمة العربيّة: ١٤٤.

(٣) بروفنسال، ليفي - (حضارة العرب في الأندلس) الترجمة العربيّة: ١٦ و١٧.

(٤) قنواتي، جورج شحاته - (تراث الإسلام) القسم الثاني، الترجمة العربيّة: ٢٦٠.

٤٩

ثانياً: المسار الفكري والسياسي:

إنّ أبرز العوامل التي بلورت هذا المسار هي:

أ - إنّ النصارى مِن غلاة رجال الكنيسة والمُستعربين الأُوربّيّين الخاضعين للحكم الإسلامي، كانوا ينظرون إلى المسلمين على أنّهم محتلّون برابرة كَفَرة، ويحرّضهم على ذلك الشعور تعصّبهم الديني وجشعهم السياسي، وشهوة مُلوكهم التائقين إلى استرداد ما فقدوه بالقوّة عند الفتح الإسلامي.

ب - إنّ بعض الأُمراء الأمويّين لم يعملوا على إخضاع جميع المواقع المسيحيّة لحكمهم في شبه جزيرة أيبيريا، ممّا أعطى للأسبان فرصةً سانحةً في أنْ ينطلقوا لإثارة الحروب والفتن.

ج - السياسة غير الحكيمة التي مارسها أحياناً بعض الأُمراء الأمويّين ضدّ المُستعربين، وضدّ غيرهم مِن طوائف المجتمع الأندلسي كالصقالبة(١) ، والبربر(٢) ،

____________________

(١) الصقالبة: هم عند مؤرّخي العرب الشعوب السلافيّة القاطنة بين جبال الأورال والبحر الأدرياتيكي، وهُم من أُصول أوربيّة مختلفة، وينقسمون إلى قسمين: الأوّل منهم صقالبة الشمال (الروس والروس البيض والبولونيون)، وصقالبة الجنوب أو اليوغسلافيون (الصرب والكرواتيون والسلوفاكيون والبلغاريون).

وقد جيء بهم إلى الأندلس أطفالاً صغاراً ذكوراً وإناثاً، فنشأوا نشأةً عربيّة إسلاميّة في بلاط الملوك والحكّام. كان منهم العبيد المجنّدون في الخدمة العسكريّة، ومنهم القادة والكتّاب والأُدباء.

القاموس (المنجد في الأعلام) وكذلك مجلّة نور الإسلام، العددان ٢٧: ٢ و٢٨: ٣٤ من (العصبيّات وآثارها في سقوط الأندلس).

(٢) البَربَر: اسم يطلق على سكّان إفريقيا الشماليّة من برقة إلى المحيط، كانوا يتكلّمون لهجات أعجميّة قبل استعرابهم، ولا يزالون. ويرجع أصلهم إلى فِئات عرقيّة مختلفة استقرّت في البلاد قبل الميلاد، وعرفت بعض الازدهار مثل:(مملكة نوميديا ومملكة موريتانيا) .

لم يكونوا مرتاحين تماماً إلى حكم روما ولا إلى أسبانيا بقيادة أحدهم وهو طارق بن زياد، تبعوا الخوارج وأعلنوا العصيان على العباسيّين. توزعوا ممالك وسلالات، فكان منهم الأغالبة والرستميّون والمرابطون والموحّدون، ثمّ زالت دولتهم في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي، وقد تحمّلوا القسم الأعظم مِن أعباء الفتح فقتل منهم في هذا السبيل الآلاف، وقد تأثّروا كثيراً بالدين الإسلامي، وأبدوا تحمّساً لنشره والدفاع عنه.

عن القاموس (المنجد في الأعلام) وكذلك مجلّة نور الإسلام، العددان ٢٥: ١ و٢٦: ٨ في = (العصبيّات وآثارها في سقوط الأندلس).

٥٠

والمولدين، ممّا أدّى إلى تنامي الشعور القومي والحساسيّة العرقيّة لدى المواطنين من قدامى الأسبان، وكذلك الذين استعربوا، فكانت مناطقهم مركزاً للمقاومة من قدامى الأسبان، وكذلك الذين استعربوا.

فكانت مناطقهم مركزاً للمقاومة العسكريّة النصرانية، ممّا سهّل لهم لعب دورٍ كبيرٍ لخوض حرب إيديولوجيّة سياسيّة.

د - بروز أجواء متوتّرة ساعدت على اعتماد القمع العنصري والقبلي، من قِبل الحكّام كَرَدّة فعل على الاضطرابات والأجواء المشحونة بالقلاقل، والتي كانت مدعومةً أحياناً من النصارى والمُستعربين والمُتعصّبين.

هـ - بروز صراعات سياسيّة وقبليّة بين المسلمين العرب أنفسهم، منها العصبيّة التي ثارت بين القيسيّين واليمنيّين، وأخذت العرقيّة القبليّة تنبض في نفوس أصحابها، فتطاحنوا (وتذابحوا وذهبت ريحهم)(١) . فانتهز المتربّصون بالحكم الإسلامي، والذين يصطادون في الماء العكر من نصارى الأسبان الفرصة للعصيان وإشعال فتيل الفتن والاضطرابات والتهيّؤ للمستقبل، الذي يأملون فيه القضاء على الحكم الإسلامي في الأندلس. فتدافعوا وجمعوا قواهم، واستعدّوا.

و - الدعم المباشر الذي قدّمه بهذا الاتّجاه النصارى الأوربّيون من الفرنسيّين وغيرهم بقيادة شارلمان (٧٤٢ - ٨١٤م) المعروف بتصدّيه التاريخي للانتشار الإسلامي في أوربّا، تمّ بمباركة البابا (أُوربانس الثاني) - الذي تسبّب فيما بعد بتأجيج الحروب الصليبيّة - عبر النداء الشهير الذي أطلقه في ٢٧ تشرين الثاني عام ١٠٩٥م، ودعا فيه نصارى أوربّا إلى الجهاد ضدّ الكَفَرَة المسلمين، وحمل السلاح لغزو الشرق، وهو نفسه الذي أعدّ حملةً مؤلّفةً في معظمها من (فرسان جنوب فرنسا) عام ١٠٨٩م لمساعدة نصارى الأسبان في مقاتلة

____________________

(١) بالنتيا، أ. جـ (تأريخ الفكر الأندلسي) الترجمة العربيّة: ١٧.

٥١

المسلمين في الأندلس(١) .

ز - الدور الذكيّ والمُخادع الذي لَعِبهألفونس الثالث (٨٦٦ - ٩١٠م) ملك أشتوريش وليون الاسباني في العمل الجاهد لاختراق المسلمين في الداخل ونشر الفرقة بينهم، حتّى نجح في استمالة المُستعربين الذين أسلموا حديثاً، مستنفراً فيهم كوامن المذهبيّة والطائفيّة، ممّا حداهم إلى رفض الإسلام والتمرّد على السلطة المركزيّة في قرطبة (ووعدهم بمنحهم الاستقلال إذا انقلبوا في اللحظة الحاسمة، ووقفوا إلى جانبه في موعد الهجوم على ضواحي قرطبة ومناطقها الشماليّة، وذلك مِن أجل أنْ يعيشوا أحراراً في أرضهم التي انتزعها المسلمون منهم بالعنف.

وإنّ وعدهم نصرتهم الملك، تعني استمرارهم كوسائل اقتصاديّة فقط، وكمصدر لإغناء خزينة الخلافة الإسلاميّة)(٢) .

وهكذا كانت عمليّة اختراق الوجود الإسلامي مِن قبل المُستعربين في الأندلس قد تمّت من زاويتين رئيسيّتين:

الأولى: بشريّة تشكل قوّة عسكريّة كبيرة العدد مدعومةً بالقوّة الأوربّية قادرة على ترجيح الكفّة من الناحية الإستراتيجيّة للمسيحيّة.

الثانية: إيديولوجيّة حضاريّة، وهي مدار بحثنا هذا، وهي الأهم والتي يُمكن أنْ يلعب مِن خلالها المُستعربون دوراً كبيراً في تقويم أوربّا الرازحة تحت وطأة التخلّف الحضاري، والخواء الثقافي، ورفدها بالمعارف والعلوم الحيويّة لنهضتها المخطّط لها. ثمّ إنّ دورهم هذا هو دينٌ عليهم وردٌ للجميل الذي قدّمته أوربّا لهم بمساعدتها لضرب الحكم الإسلامي.

وقد بذلت الكنيسة ومؤسّساتها كامل الجهد لاستيعاب كل هذه الأهداف

____________________

(١) لومبير، ايلي - (تطور العمارة الإسلاميّة في إسبانيا...) الترجمة العربيّة: ١٤٤.

(٢) بروفنسال، ليفي - (حضارة العرب في الأندلس) الترجمة العربيّة: ٧٩.

٥٢

في تخطيطٍ شاملٍ، وبرعاية السلطة السياسيّة وتشكيلاتها.

وهكذا كان، فقد ابتكرت الكنيسة حرباً جديدة ومواجهة غير مرتقبة، سلاحُها العلم والفكر واغتنام المفردات الحضاريّة للمسلمين، وتكييفها بالشكل الذي يسدُّ نقصهم وثغراتهم الأيديولوجيّة، ويمنحهم القدرة للتفوّق في هذا الجانب الأساسي على العدوّ الإسلامي. فبعد أنْ كان النصارى الأسبان يتخبّطون في ظُلمات جهلهم إبّان الفتح الإسلامي، ضُعفاء لا يملكون أسباب القوّة للردّ والمواجهة، أدركوا الآن قانوناً أساسيّاً من قوانين مقارعة الخصم والذي يتمثّل في معرفة الخصم وفهم حقيقته، وذلك عن طريق اكتشاف عوامل كماله ونقصه، وأسباب قوّته وضعفه، ومواطن ذلك في وجوده، ومن الذي يكمن وراء تفوّقه وهيمنته. وخلال دورة زمنيّة لم تطل كثيراً استطاعوا بإتقان أنْ يصلوا إلى أهدافهم، ويستحوذوا على كافّة مستلزمات المواجهة الشاملة لدحر المسلمين.

وفي طليعة انجازاتهم هذه:

أ - ما قام به الرُهبان مع بداية القرن التاسع من تعلّم اللغة العربيّة الفصحى، ومن ثمّ الإقبال على الترجمة عنها، وذلك (بناءً على تعليمات أساقفتهم)(١) . كما

____________________

(١) إنّ أوّل ترجمة (مزعومة) للقرآن يرجع تأريخها إلى عام ١١٤٣م، عندما أنهى إنجليزي وهو(روبرت الكتوني) بين ١٦ أيار و٣١ كانون الأوّل، من العام المذكور ترجمة لبعض معاني القرآن من العربيّة إلى اللاتينيّة، واستناداً إلى فهمه الشخصي. وكان هذا الرجل قد تنقّل في بعض البلدان الآسيويّة قبل انتقاله إلى برشلونة عام ١١٣٦م. وقد كانت ترجمته هذه بالإضافة إلى ترجمة كتب أُخرى من العربيّة إلى اللاتينية قد نمت تحت إشراف ورعاية أحد الأساقفة، وهو(بطرس الموقر) رئيس دير(كلوني) الفرنسي، وهو الدير الذي تخرّج منه البابا (أُوربانس الثاني) مؤجّج الحروب الصليبيّة. وكان الموقر هذا يرى في الإسلام خطراً فكريّاً شديداً على المسيحيّة لابد من التعرّف عليه لتمكن مكافحته بغير الوسائل العسكريّة.

راجع ما يلي:

خدابخش، صلاح الدين - (حضارة الإسلام) الترجمة العربيّة: ٤١ - ٤٢. وكذلك سوذرن، ريتشارد. (صورة الإسلام في أوربّا في العصور الوسطى): ٨٠ - ٨٢.

٥٣

جاء على لسان المُستشرق(فرانز روزنتال) بقوله: (وبتعلّم اللغة العربيّة باعتبارها لغة العلوم والفلسفة والفكر آنذاك، وبالاطلاع على القرآن وترجمته إلى اللاتينيّة، بهدفٍ وحيد وهو الوصول إلى فهمٍ عميق للتفكير الديني الكلامي عند المسلمين، أملاً في أنْ يُصبح الرهبان أقدر على التعرّف على هذا التفكير، واستغلال ما كانوا يتصوّرون أنّه مواطن الضعف فيه)(١) .

ب - قيام القساوسة والرهبان الأوربّيون، وكذلك الأسبان بحملةٍ ضخمةٍ لترجمة الفكر والثقافة الإسلاميّة وعطاءاتها الحضاريّة الإنسانيّة، وبذلك تمكّنوا مِن تأسيس أوّل شبكة إيديولوجيّة للاستشراق الغربي، مستهدفين بذلك مقاومة الإسلام ومحاصرته سياسيّاً وفكرياً وعقائديّاً بعيداً عن أيّ هدفٍ علمي منزّه(٢) ، واضعين نصب أعينهم إعادة المجد التليد، والبريق القديم الذي فقدته النصرانيّة هدفاً لهم، مخطّطين لحملاتٍ ضخمةٍ للتنصير، عبر منهجَين متضادَين ومتوازيَين ظاهريّاً: أحدهما علمي يستند إلى البحث والدراسة بقصد المعرفة والكشف، والآخر سياسي تطويقي يهدف إلى تدمير وتصفية الخصم بأيّ وسيلةٍ ممكنة. وبذلك تتوظّف كلّ الجهود العلميّة والسياسيّة لتحقيق الهدف التنصيري.

ويشهد على ذلك قول(رودي بارت) : (كان موقف الغرب المسيحي في العصر الوسيط من الإسلام هو موقف الدفع والمشاحنة فحسب. صحيح أنْ العلماء ورجال اللاهوت في العصر الوسيط كانوا يتّصلون بالمصادر الأُولى في تعرّفهم على الإسلام، وكانوا يتّصلون بها على نطاق كبير، ولكن كلّ محاولةٍ لتقويم هذه

____________________

(١) فوك، يوهان - (المُستشرقون الألمان): ١٥.

(٢) سمايلو فيتش، أحمد - (فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر): ٤٩. وكذلك مقدّمة مصطفى محمود لكتاب سمايلو فيتش: ٣. وكذلك خدابخش، صلاح الدين في (حضارة الإسلام) الترجمة العربيّة: ٣٥.

٥٤

المصادر على نحوٍ موضوعي نوعاً ما كانت تصطدم بحكمٍ سابقٍ يتمثّل في أنّ الدين المعادي للمسيحيّة لا يُمكن أنْ يكون فيه خير)(١) .

ج - ودعماً لهذا المخطّط فقد رافقت تلك الفترة استخدام أبشع وسائل الاضطهاد، وممارسة شتّى أنواع التنكيل بالمسلمين، وارتكاب أفضع جرائم القهر الديني والسياسي بحقّهم، ومحاربتهم نفسيّاً واقتصاديّاً، وصُودرت نتاجاتهم العلميّة والثقافيّة ونُسِبت إلى غيرهم من أعدائهم، وعملت الكنيسة على تأسيس محاكم التفتيش(٢) التي نكّلت بمَن تبقّى من المسلمين الأندلسيّين بعد سقوط الأندلس وغرناطة في أواخر القرن الخامس عشر، وأُعطيت صلاحيّات استثنائيّة واسعة أيّامفرديناند (٣) ،وإيزابيلا (٤) ،وفيليب الثاني (٥) ، وشمِل التقتيل والإحراق

____________________

(١) كراتشقوفسكي، إغناطيوس. (دراسات في تأريخ الأدب العربي) الترجمة العربيّة: ٧٥.

(٢) يُعزى تأسيس محاكم التفتيش إلى البابا(غريغور السابع) عام ١٣٣٣م، عندما أمر بتشكيل لجنة من كلّ قريةٍ أو بلدةٍ يرأسها قسّ، وبعضوية شخصيّتين بارزتين وذلك للتفتيش عن الهراطقة ومحاكمتهم (وقد أطلقت تسمية الهراطقة عند النصارى على أهل البدعة في الدين. والمقصود بهم هنا الذين ينتمون إلى الدين الإسلامي في بلاد النصارى). ثمّ ما لبث أنْ تسلّم المحاكم هذه جماعة الدومنيكان وغيرهم من الرهبان. وجماعة الدومنيكان أو ما يُطلق عليهم: الأُخوة الواعظون: هُم أعضاء الرهبانيّة التي أسّسها القدّيسعبد الأحد لدحض البِدَع عام ١٣٠٦م، وكانوا أرباب التعليم الفلسفي واللاهوتي في القرون الوسطى. دخلوا البلاد الشرقيّة في القرن السابع عشر، أسّسوا كليريكيّة الموصل عام ١٨٨٢م (وهي البيع التي يخدم فيها الشمامسة والقساوسة والأساقفة)، وكانت لهم فيها مطبعة عربيّة شهيرة، ولهم في القدس مدرسة الكتاب المقدّس.

راجع، براندتراند، جون في (تراث الإسلام) الترجمة العربيّة: ٧٠، وكذلك (القاموس (المنجد في الإعلام)).

(٣) فرديناند: ملك أراغون وهو المعروف بالكاثوليكي، ملك قشتالة (١٤٧٤ - ١٥٠٤م) بعد زواجه وإرثه عرش قشتالة من إيزابيل، أخذ غرناطة من العرب (المسلمين) عام ١٤٩٢م ووحد إسبانيا تحت سلطته ونظم إداراتها. وفي عهده اكتشف كريستوفر كولومبس أميركا. عن (القاموس (المنجد في الإعلام)).

(٤) إيزابيلا: (١٤٥١ - ١٥٠٤م) ملّقبة بالكاثوليكيّة وهي ملكة قشتالة التي تزوّجها فرديناند، فتوحّدت بهذا الزواج الدولة الأسبانيّة، وأدّى ذلك إلى سقوط غرناطة عام ١٤٩٢م. عن (القاموس (المنجد في الأعلام)).

(٥) فيليب الثاني: (١٥٢٧ - ١٥٩٨م) ابن كارل الخامس ملك أسبانيا وهولندا (١٥٥٦م). ثمّ ملك = البرتغال عام ١٥٨٠م، ويعتبر عهده أوج السيطرة الأسبانية في أوربّا. عن (القاموس (المنجد في الأعلام)).

٥٥

والذبح جماعةً من المسلمين الذين تنصّروا ظاهراً، وأقاموا على عقيدتهم (الإسلاميّة) وظلّوا يمارسونها في الخفاء. وامتدّت صلاحيّات هذه المؤسّسة التنكيليّة لتنال من مصادر الفكر الإسلامي، وإحراق الكتب، وإتلاف كلّ ما يُؤدّي في نظر الأساقفة إلى إلحاق الضرر بالكنيسة.

وبالرغم من ذلك فقد (بقي المسلمون الذين ظلّوا في أسبانيا بعد استردادها (سقوط الأندلس) يحتفظون بكتبهم، باذلين غاية جهدهم لإخفائها عن أعيُن مكاتب التفتيش. ولمّا اضطرّوا إلى مغادرة وطنهم خبأوا كتبهم في فجوات الجدران، أو دفنوها تحت الأرض في بيوتهم المتروكة. وقد عثر في القرن الأخير مصادفة على عدّة مكتبات منها...)(١) . واستمرّت محاكم التفتيش قائمة في أسبانيا حتّى حلّها نابليون بونابرت عام ١٧٩٢م.

____________________

(١) كراتشقوفسكي، إغناطيوس (دراسات في تأريخ الأدب العربي) الترجمة العربيّة: ٧١ - ٧٢. ويذكر شكيب أرسلان في كتابه (الحلل السندسيّة في الأخبار والآثار الأندلسيّة) المجلد الأوّل: ٢٨٠ - ٣٨٣ الكثير من الأخبار عن صنوف الاضطهاد التي مُورست في حقّ مَن كانت محاكم التفتيش تشكّ بأنّه لا يزال على إسلامه من أهالي طليطلة، ومنها الإحراق بالنار ومصادرة الأملاك والتعزير.. إلخ. وذلك بتهم مثل عدم أكل لحم الخنزير، والامتناع عن شرب الخمرة وغيرها...

٥٦

الاستعراب(١) أولاً ثمّ الاستشراق

نشأت ظاهرة الاستعراب نتيجة للاحتكاك المباشر الذي حصل بين بعض الطوائف المسيحيّة التي كانت تقطن إسبانيا وبين المسلمين العرب فاتحي الأندلس، والذي أدّى بدوره إلى تعميق عُرى التمازج العرقي والتعايش الاجتماعي والاتّصال الثقافي فيما بينهم. وقد أفرزت هذه الحالة ظهور طبقة اجتماعيّة واسعة من المجتمع الأندلسي اندمجت مع أوساط المسلمين، وتشبّهت بهم في سيرتهم وسلوكهم اليومي، وقلّدتهم في إقامة مناسباتهم وشعائرهم الدينيّة، وحتّى في دقائق وجزئيّات أُمورهم الحيويّة فأقدم الكثير منهم على الاختتان وفق مراسم المسلمين، وامتنعوا عن معاقرة الخمر وأكل لحم الخنزير، وغيرها من الممارسات التي كانت مألوفة في المجتمع النصراني. وقد أُطلق على هؤلاء (المُستعربين) الذين كان جُلّهم من أبناء الأندلس القُدماء الذين انحدروا من آباء إسبان، ومن خلال البحث والاستقصاء عن أحوالهم أمكن تصنيفهم إلى صنفين:

الأوّل: ويضم الذين دخلوا الإسلام أثناء الفتح (فتح الأندلس) وحسُن إسلام الكثير منهم، فأقبلوا على دراسة الفكر الإسلامي، وتدرجوا في شتّى العلوم. فكانوا أصحاب التآليف والتصانيف، وصارت لهم مكانة علميّة مرموقة تميّزوا بها

____________________

(١) مصطلح يطلق على الذين صاروا دُخلاء بين العرب، ثمّ سرى استعماله لأُولئك الذين دخلوا الإسلام بعد أنْ تعلموا اللغة العربيّة وتشبّهوا بالمسلمين العرب خاصّة في عاداتهم وتقاليدهم.

٥٧

عمّن سواهم، وظهر فيهم العلماء والأُدباء والقادة العسكريّون، فحازوا إعجاب الحكام المسلمين وأصبح قسمٌ منهم ذوي نفوذ واسع في الحكم (ولكنّهم ظلّوا مع ذلك لا يجدون أنفسهم إلاّ مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة)(١) .

الثاني: كان يضم أُولئك الذين تشبّهوا بالمسلمين ظاهريّاً، ولم يدخل الإيمان في قلوبهم، وكان تأثّرهم سطحيّاً على قاعدة التمثّل بالفاتحين والتشبه بهم. كما يرى ابن خلدون ذلك (المغلوب يتشبّه أبداً بالغالب). وبالرغم من إقبالهم على تعلّم اللغة العربيّة ودراسة آثار المسلمين وأفكارهم، وكذلك إعجابهم بالمنجزات الحضاريّة لهم، وانبهارهم بالطرح الثقافي الإسلامي الجديد. إلاّ أنّ هذا لم يكن ليصرفهم عن عدائهم الشديد للرسالة الدينيّة والإيديولوجيّة الإسلاميّة، ولا ليثنيهم عن رفضهم القومي للسلطة السياسيّة التي يخضعون لها.

ولا سيّما أنّ بعض الحكّام آنذاك كانوا لأغراض سياسيّة يستخدمون أساليب مِن شأنها أنْ تثير روح العصبيّة بين طَبَقات المجتمع الأندلسي، كأنْ يُقرّبوا طائفة على حساب طائفة أُخرى، ممّا يُؤدّي إلى نشوء العداء مع السلطة، وبالتالي محاولة الانتقام أو التقليل من شأن الرسالة والفكر الذي ينتمي إليه هؤلاء الحكّام.

فمثلاً عند اشتداد الروح العصبيّة بين القبائل العربيّة المتنافسة في عهد عبد الرحمان الداخل ويأسه من القضاء عليها وإزالتها، واتّخاذها أُسلوب المواجهة والمنافسة مع الحكم، لجأ إلى تكوين طبقة الأعوان والقادة، وربّاهم بنفسه واستعان بهم على إدارة دفّة الحكم، ونفوذهم ينمو نتيجةً لقربهم من الطبقة الحاكمة حتّى صاروا شركاء للخليفة في الحكم، ثمّ صاروا يدبّرون المؤامرات لإدارة الحكم بأنفسهم(٢) .

____________________

(١) د. إحسان، عبّاس (تأريخ الأدب الأندلسي): ٨٩.

(٢) مجلّة نور الإسلام. العددان ٢٧ - ٢٨ (العصبيّات وآثارها في سقوط الأندلس): ٣٤.

٥٨

وعلى أثر ذلك تولّد الصراع بين العرب والمُستعربين، ولم يكن هذا الصراع سياسيّاً أو عسكريّاً فحسب، بل كان صراعاً يلتمس مبرّراته مِن أُطُر دينيّة، وينعكس على طبيعة التفكير الديني، الأمر الذي نشأ عنه نَمَطَان من التفكير: نمط يتَطرّف في تمجيد العرب دينيّاً، وآخر يتَطرّف في الاتّجاه المضاد.

وليس إلى الشكّ سبيل في أنّ ابتعاد الحكم العربي في الأندلس عن الإسلام، كان له الأثر الكبير في إعطاء الفرصة للمُستعربين كي ينتفضوا ويترجموا رفضهم بشكل حرب اتّخذت أبعاداً مختلفة، حتّى أنّ بعضاً منهم كان له الدور الكبير في إضرام فتنة طليطلة ضدّ قرطبة في بداية عهد الأمير محمّد بن عبد الرحمان التي تمخّضت عن المعارك التي خاضها ابن حفصون ضدّ الحكم العربي الإسلامي سنوات طوالاً بدأت من عام ٢٦٨هـ وانتهت بوفاته عام ٣٠٦هـ.

وصلت قوّة العداء بين الطرفين إلى الحدّ الذي دفع عمر بن حفصون، إلى الارتداد عن الإسلام والعودة إلى النصرانيّة، لكي يستميل النصارى إليه ويعينوه في قتاله ضدّ الحكم العربي، وذلك من خلال عمليّة أراد بها أنْ تكون انتقاماً من هذا الحكم.

وفي هذا الخضمّ المتلاطم مِن الفتن والصراعات والاضطرابات انتعشت الكنيسة، وبرزت الحوافز، وازدهرت الحركات الداعية إلى تقويض أركان الإمارة الأمويّة، واستُُنفرت القُوى المضادّة للإسلام، وارتفعت أصوات الغُلاة من النصارى برُدودِ فعلٍ متباينة، كان منها اندلاع حركة الاستشهاد كما أسلَفنا، وكذلك بُروز دعاوى مواجهة الوجود الإسلامي بأساليبٍ تتعدّى حدود المصادمات العسكريّة والمواجهات الدمويّة، تهدف إلى مقارعة المسلمين عن طريق الفهم العميق لإيديولوجيّتهم، ومعرفة أسباب قوّتهم ومنازلتهم بمناهجهم الفكريّة وقواعدهم الحضاريّة.

٥٩

وكان للمُستعربين الدور الفعلي في الاختراق البشري والثقافي والسياسي للمجتمع الأندلسي، فوظّف فعلهم هذا بقصد أو بدون قصد، في بعض الأحيان، في خضمّ المشروع المعادي للوجود الإسلامي.

وإذا كان الاستشراق علماً يختصّ بلغات الشرق، وبالانجازات الحضاريّة المعبّر عنها بتلك اللغة، وبأديانهم وقيمهم وثقافتهم. وإذا كان قد فتح أمام الغرب والأوربّيين بصورةٍ عامّة أبواب الفكر الإسلامي، وآفاق نظامه الدقيق بهدف فهم الأُطروحة الإسلاميّة، التي غزت العالم وغيّرت الكثير من الثقافات السائدة والنظُم المنحرفة عن الفطرة الإنسانيّة، وتداعت أمامها أغلب النظريّات المتهرّئة، كان لابدّ من استطلاع دواعي هذه الأطروحة بل والمعايشة المباشرة والشاملة للوضع الجديد الذي طرأ على العالم، إزاء التحوّلات الخطيرة التي حصلت بفعل الإسلام والمسلمين.

وعليه فلابدّ للباحث المتتبّع للوقائع التاريخيّة من الاعتقاد بأنّ بِدء تكوّن الاستشراق، قد حدث بعد انتهاء عمليّات الفتح الإسلامي لشبه الجزيرة الأيبيريّة، أي بعد سنة ٧١٥م وبِدء استيطان العرب للمناطق المفتوحة، وأنّ ظاهرة الاستعراب الثقافي والاجتماعي والتشبّه بالفاتحين في عاداتهم وممارساتهم، لا يمكن فصلها عن تطوّر حركة الاستشراق وشروطها، والأوليّات الاجتماعيّة لتكوّنها.

بالإضافة إلى هذا فقد برز طرحٌ آخر كان له الدور الكبير في بلْوَرة الاستشراق، كان أبطاله وأدوات تنفيذه اليهود الذين وجدوا في المسلمين الفاتحين طريقاً للخلاص من الاضطهاد القوطي(١) ، وظلم الكاثوليكيّة. فتعاونوا معهم

____________________

(١) القوط: مجموعة شعوب منهم الشرقيّون ومنهم الغربيّون. والقوط الشرقيّون: استقرّوا أوّلاً في وادي الدانوب الشرقي، ثُمّ غزوا إيطاليا وأسّسوا فيها مملكة في أواخر القرن الخامس الميلادي. قضى عليها بوستينياس عام ٥٥٢م. والقوط الغربيّون: أقاموا غربي الدانوب في القرن الرابع الميلادي واعتنقوا = المسيحيّة الآريوسيّة (وهي بِدعة لدى النصارى، تنسب آريوس إلى الكاهن الاسكندري). احتلّوا روما عام ٤١٠م ثُمّ جلوا عنها ليستقرّوا في جنوب غربي فرنسا. ثمّ إسبانيا حيث أسّسوا مملكة ظلّت قائمة حتّى الفتح الإسلامي عام ٧١١م (القاموس (المنجد في الإعلام)).

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

ثمَّ ترفع يديك وتقول: «اللّهُمَّ إنّي أسْأَلُكَ مَسْألَةَ المِسْكِين المسْتَكِين، العَليلِ الذَّليلِ الَّذي لَمْ يُرِدْ بِمَسْألَتِهِ غَيرَكَ، فَإنْ لَمْ تُدْرِكْهُ رَحْمَتُكَ عَطِبَ، أَسأَلُكَ أنْ تُدارِكَني بِلطْفٍ مِنْكَ، وَأنْتَ الَّذِي لا تُخَيِّبُ سائِلَكَ (١) ،وَتُعْطِي المَغْفِرَةَ وَتَغْفِرُ الذُّنُوبَ، فَلا أكُونَنَّ يا سَيِّدي أنا أهْوَنَ خَلْقِكَ عَلَيْكَ، وَلا أكُونُ أهْوَنَ مَنْ وَفَدَ إَلَيْكَ بِابْنِ حَبيبِكَ، فَإنّي أمَّلْتُ وَرَجَوتُ، وَطَمِعْتُ وَزُرْتُ وَاغْتربْتُ (٢) ،رَجاءً لَكَ أنْ تُكافِيَني إذْ أخْرَجَتَني مِنْ رَحْلي، فَأَذِنْتَ لي بِالمَسِير إلى هذا المَكانِ رَحْمَةً مِنْكَ، وَتَفَضُّلاً مِنْكَ، يا رَحمنُ يا رَحيمُ ».

واجتهد في الدُّعاء ما قدرت عليه، وأكثر منه إن شاءَ الله، ثمَّ تخرج من السَّقيفة وتقف بحذاء قبور الشُّهداء تؤمي إليهم أجمعين وتقول: «السَّلام عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، السَّلام عَلَيْكُمْ يا أهْلَ الْقُبُورِ مِنْ أهْلِ دِيارِ المُؤمِنينَ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُم فَنِعمَ عُقْبى الدَّارِ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أولياءَ الله، السَّلامُ عَلَيْكُم يا أنْصارَ اللهِ وَأنْصارَ رَسُولِهِ، وَأنْصارَ أميرِ المؤمِنينَ، وَأنْصارَ ابْنِ رَسُولِهِ وَأنْصارَ دينِهِ، أشْهَدُ أنَّكُمْ أنْصارُ اللهِ كَما قال اللهُ عزَّوجَلّ: «وَكأَيِّنْ مِنْ نَبيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أصابَهُمْ في سَبيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا (٣) »،فَما ضَعُفْتُمْ وَما اسْتَكَنْتُمْ، حَتّى لَقِيتُمُ اللهَ عَلى سَبيلِ الحَقِّ، صَلّى اللهُ عَلَيْكُمْ وَعَلى أرْواحِكُمْ وَأبْدانِكُمْ وَأجْسادِكُمْ، أبْشِرُوا بِمَوعِدِ اللهِ الَّذي لا خُلْفَ لَهُ وَلا تَبْدِيلَ، إنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ وَعْدَهُ، وَاللهُ مُدْرِكٌ بِكُمْ ثأرَ ما وَعَدَكُمْ (٤) ،أنْتُمْ خاصَّةُ اللهِ اخْتَصَّكُمْ اللهُ لأبي عَبْدِاللهِ عليه‌السلام ، أنْتُمُ الشُّهداءُ وَأنْتُمُ السُّعَداء، سُعِدْتُمْ عِنْدَاللهِ، وَفُزْتُمْ بِالدَّرَجاتِ مِنْ جَنّاتٍ لا يَطْعُنُ أهْلُها وَلا يُهْرَمُونَ، وَرَضُوا بِالمَقامِ في دارِ السَّلامِ، مَع مَنْ نَصَرْتُم (٥) ،جَزاكُمُ اللهُ خَيْراً مِنْ

__________________

١ - في بعض النّسخ: « لا يخيّب سائلك ».

٢ - أي اخترتُ الغربة وتركتُ الوطن.

٣ - آل عمران: ١٤٦.

٤ - قوله: « ثأر ما وعدكم » لعلّ الإضافة بيانيّة، أو المعنى: ثَأْرَ ما وَعَدَكُمْ ثَأرَهُ، وفي التهذيب: « ثأراً وعدكم » وهو أظهر. ( البحار )

٥ - قوله: « لا يطعن أهلها » على بناء المعلوم - بضمّ العين - أي لا يشيبون، عن قولهم: طعن في السِّنّ إذا ذهب فيه، أو على بناء المجهول من الطَّعن بالرّمح ونحوه، أو من الطّاعون. وفي بعض النّسخ بالظّاء المعجمة من الطَّعن بمعنى السِّير، أي لا يخرجون منها. وقوله: « مَعَ من

٢٦١

أعْوانٍ جَزاءَ مَنْ صَبَر مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنْجزَ اللهُ ما وَعَدَكُمْ مِنَ الْكَرامَةِ في جَوارِهِ وَدارِهِ مَعَ النَّبيِّين وَالمرْسَلِينَ، وَأميرِ المؤمِنينَ وَقائِدِ الغُرِّ المُحَجِّلِينَ (١) ، أسْأَلُ الله الَّذي حَمَلَني إلَيْكُمْ حَتى أراني مَصارِعَكُم أنْ يُرِينيِكُمْ عَلَى الحَوْضِ رِواءً مَرْويَّينِ، وَيُريَني أعْداءَكُمْ في أسْفَلِ دَرَكٍ مِنَ الجَحِيمِ، فَإنَّهُمْ قَتَلُوكُمْ ظُلْماً وَأرادُوا إماتَةَ الحَقِّ، وَسَلَبُوكُمْ لاِبْنِ سُمَيَّةَ وابْنِ آكِلَةِ الأكْبادِ، فَأسْألُ الله أنْ يُرينيَهُمْ ظِمآء مُظْمَئينَ (٢) مُسَلْسَلِينَ مغلّلين، يُساقُونَ إلى الجحيم، السَّلام عَلَيْكُم يا أنْصارَ اللهِ وَأنْصارَ ابْنِ رَسُولِ اللهِ مِنِّي ما بَقِيتُ [وَبَقِيَ اللَّيلُ وَالنَّهارُ]، وَالسَّلام عَلَيْكُمْ دائِماً إذا فُنِيتُ وَبَلَيْتُ، لَهْفى عَلَيكُمْ أيُّ مُصِيبَةٍ أصابَتْ كُلَّ مَوْلىً لِمُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، لَقَدْ عَظُمَتْ وَخُصَّتْ وَجَلَّتْ وَعَمَّتْ مُصيبَتُكُمْ، أنَا بِكُمْ لَجَزِعٌ، وَأنّا بِكُمْ لَمُوجَعٌ مَحزُونٌ، وَأنا بِكُمْ لَمُصابٌ مَلْهُوفٌ (٣) ، هَنيئاً لُكُمْ ما اُعْطِيتُمْ، وَهَنيئاً لَكُمْ ما بِهِ حُيّيتُمْ، فَلَقَدْ بَكَتْكُمُ الملائِكَةُ وَحَفَّتْكُمْ وَسَكَنَتْ مَعَسْكَرَكُمْ، وَحَلَّتْ مَصارِعَكُمْ، وَقَدَّسَتْ وَصَفَّتْ بِأجْنِحَتِها عَلَيْكُم، لَيْسَ لَها عَنْكُمْ فِراقٌ إلى يَومِ التَّلاقِ، وَيَوم المَحْشَرِ وَيَومَ المَنْشَر طافَتْ عَلَيْكُمْ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ، وَبَلَغْتُم بِها شَرَفَ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، أتَيْتُكُمْ شَوقاً، وَزُرْتُكُمْ خَوفاً، أسْأَلُ اللهَ أنْ يُرِينِيَكُمْ عَلَى الحَوْضِ وَفي الجِنانِ مَعَ الأنْبياءِ وَالمُرْسَلينَ، وَالشُّهداءِ وَالصّالِحينَ، وَحَسُنَ أولئكَ رَفيقاً »،

__________________

نصرتم » لعلّه متعلّق بقوله: « فزتم ». ( العلاّمة المجلسيّ رحمه الله )

١ - قال في النّهاية: ومنه الحديث: « أمّتي الغُرُّ المُحَجَّلُونَ » أي بيضُ مواضع الوضوء من الأيْدي والوجْه والأقْدام، استَعار أثرَ الوضوء في الوجْه واليَدَين والرِّجلين للإنسان من البَياضِ الّذي يكون في وجْه الفَرس ويَدَيْه ورِجْلَيه - انتهى.

٢ - قوله: « مروتين » هو من قولهم رويت القوم أرويهم رَيّاً إذا استقيت لهم الماءَ وهو تأكيد للرِّواء - بالكسر والمدّ -، أي رواء من الماء رواهم ساقي الحوض صلوات الله عليه، وكذا قوله: « مُظمَئين » - على بناء المفعول من باب الإفعال، أو التّفعيل - تأكيد للظّمْآء بالكسر - من قولهم: أظمأته وظمأته أي عطشته، أي جعلهم اللهُ ظماء ومنع منهم الماء لسوء أعمالهم، أو المراد كثرة أسباب عطشهم مِن شدَّة الحَرّ والحركات العنيفة وأمثالها. ( البحار )

٣ - قال في القاموس: لَهِفَ، كفرح: حَزِنَ وتَحَسَّر، كتَلَهَّفَ عليه. ويا لَهْفَةُ: كلمةٌ يُتَحَسَّر بها على فائتٍ، ويقال: يا لَهْفه عليك، ويا لَهْفَ، ويا لهفا، إلى آخر ما قال.

٢٦٢

ثمَّ دُرْ في الحائر وأنت تقول: «يا مَنْ إلَيْهِ وَفَدْتُ، وَإلَيْهِ خَرَجْتُ، وَبِهِ اسْتَجَرْتُ، وَإلَيْهِ قَصَدْتُ، وَإلَيْهِ بِابْنِ نَبيِّهِ تَقَرَّبْتُ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمُنَّ عَليَّ بِالجَنَّةِ، وَفُكَّ رَقَبَتي مِنَ النّارِ، اللّهُمَّ ارْحَمْ غُرْبَتي وَبُعْدَ داري، وَارْحَمْ مَسِيري إلَيْكَ وَإلى ابْنِ حَبِيبِكَ، وَاقْلِبْني مُفْلِحاً مُنْجِحاً قَدْ قَبِلْتَ مَعْذِرَتي وَخُضوعي وَخُشُوعي عِنْدَ إمامي وَسَيِّدي وَمَولايَ، وَارْحَمْ صَرْخَتي (١) وَبُكائي وَهَمِّي وَجَزَعي وَخُشُوعِي وَحُزْني، وَما قَدْ باشَرَ قَلْبي مِنَ الجَزَع عَلَيْهِ، فَبِنِعْمَتِكَ عَليَّ وَبِلُطْفِكَ لي خَرَجْتُ إلَيْهِ، وَبِتَقْويَتِكَ إيّايَ، وَصَرْفِكَ المَحذُورِ عَنِّي، وَكِلاءَتِكَ (٢) بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ لي، وَبِحفْظِكَ وَكَرامَتِكَ إيّايَ، وَكُلَّ بَحْرٍ قَطَعْتُهُ، وَكُلُّ وادٍ وَفَلاةٍ سَلَكْتُها، وَكُلُّ مَنزلٍ نَزَلْتُهُ، فَأنْتَ حَمَلْتَني في الْبَرِّ وَالبَحْرِ، وَأنْتَ الَّذي بَلَغْتَني وَوَفَّقتَني وَكَفَيْتَني، وَبِفَضْلِ مِنْكَ وَوِقايَةٍ بَلَغْتُ، وَكانَتِ المِنَّةُ لَكَ عَليَّ في ذلِكَ كُلِّهِ، وأثَري مَكْتُوبٌ عِنْدَكَ وَاسْمي وَشَخْصِي، فَلَكَ الحَمْدُ عَلى ما أبَلَيْتَني وَاصْطَنَعْتَ عِنْدي (٣) ،اللّهُمَّ فَارْحَمْ فَرَقي مِنْكَ، وَمَقامِي بَينَ يَدَيْكَ وَتَمَلُّقي، وَاقْبَلْ مِنِّي تَوَسُّلي إلَيْكَ بِابْنِ حَبِيبِكَ، وَصَفْوَتِكَ وَخِيرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَتَوَجُّهِي إلَيْكَ، وَأقِلْني عَثْرَتي، وَاقْبلْ عَظيمَ ما سَلَف مِنّي، وَلا يَمْنَعْكَ ما تَعْلَمُ مِنّي مِنَ الُعُيوبِ وَالذُّنُوبِ وَالإسْرافِ عَلى نَفْسي، وَإنْ كُنْتَ لي ماقِتاً (٤) فَارْضَ عَنِّي، وَإنْ كُنْتَ عَليَّ ساخِطاً فَتُبْ عَليَّ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، اللّهُمَّ اغْفِرْ لي وَلِوالِدَيَّ وَارْحَمْهُما كَما رَبَّياني صَغيراً وَاجْزِهِما عَنِّي خَيْراً، اللّهُمَّ اجْزِهِما بِالإحْسانِ إحْساناً وَبِالسَّيِّئات غُفْراناً، اللّهُمَّ أدْخِلْهُما الجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ، وَحَرِّمْ وُجُوهَهُما عَنْ عَذابكَ، وَبَرِّدْ عَلَيْهِما مَضاجَعَهُما، وَافْسَحْ لَهُما في قَبريْهما (٥) ،وعَرِّفْنيهما في مُسْتَقَرٍّ مِنْ رَحْمَتِكَ وَجَوارِ حَبِيبِكَ مُحَمَّدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله ».

* * * * *

__________________

١ - الصَّرْخَة: الصّيحة الشّديدة.

٢ - كَلأَهُ الله كِلاءةَ وكِلاءً: حفظه وحرسه، يقال: اذهب في كِلاءة الله.

٣ - الاصطناع: افتعال من الصَّنيعة، وهي العطيّة والكَرامة والإحسان.

٤ - أي مبغضاً، ومَقَتَه مَقْتاً: أبغضه أشدّ البغض عن أمر قبيح.

٥ - أي: وسّع قبريهما.

٢٦٣

الباب الثّمانون

( كيف الصّلاة عند قبر الحسين عليه السلام)

١ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد البرقيِّ. وحدَّثني محمّد بن عبدالله، عن أبيه عبدالله بن جعفر الحِميريِّ، عن أبي عبدالله البرقيِّ، عن جعفر بن ناجية، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: صلِّ عند رأس قبر الحسينعليه‌السلام ».

٢ - وحدَّثني أبيرحمه‌الله وعليُّ بن الحسين؛ وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن موسى بن عُمَر؛ وأيّوب بن نوح، عن عبدالله بن المغِيرةً، عن أبي اليَسَع(١) « قال: سأل رجلٌ أبا عبداللهعليه‌السلام - وأنا أسمع - قال: إذا أتيتُ قبر الحسينعليه‌السلام أجعله قبلة إذا صلّيتُ؟ قال: تَنحَّ هكذا ناحية(٢) ».

٣ - حدّثني عليُّ بن الحسينرحمه‌الله عن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نَجران، عن يزيدَ بن إسحاقَ، عن الحسن بن عطيّة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إذا فرغت من التّسليم على الشّهداء ائت(٣) قبر الحسينعليه‌السلام ، ثمَّ تجعله بين يديك ثمَّ تصلّي ما بدالك ».

٤ - وعنه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضّال، عن علي بن عُقْبة، عن عبيدالله بن علي الحلبيِّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قلت: إنّا نزور قبر الحسينعليه‌السلام فكيف نصلي عنده(٤) ؟ قال: تقوم خلفه عند كتفيه، ثمَّ تصلّي على النّبيّ وتصلّي على الحسينعليه‌السلام ».

٥ - حدَّثني محمّد بن جعفر، عن محمّد بن الحسين، عن أيّوب بن نوح؛ و

____________

١ - الظّاهر هو عيسى بن السّري الكرخيّ، مولى ثقة، روى عن أبي عبدالله عليه السلام.

٢ - قال العلاّمة المجلسيّ رحمه الله: « لعلّ الأمر بالتّنحّي محمولة على التّقيّة، ويحتمل أن يكون المراد المنع عن السّجود على قبره عليه السلام، بل يبعد منه قليلاً ويصلّي خلفه ».

٣ - في بعض النّسخ: « فأت ».

٤ - في البحار: « كيف نصلّي عليه ».

٢٦٤

غيره، عن عبدالله بن المغِيرَة قال: حدَّثنا أبو اليَسَع « قال: سأل رَجلٌ أبا عبداللهعليه‌السلام - وأنا أسمع - عن الغُسل إذا أتى قبر الحسينعليه‌السلام ، قال: أجعله قبلةً إذا صَلّيت؟ قال: تنحَّ هكذا ناحية، قال: آخذ مِن طِين قبره ويكون عندي أطلب بَرَكته؟ قال: نَعَم - أو قال: لا بأس بذلك - ».

٦ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد بن سالم، عن محمّد بن خالد، عن عبدالله بن حمّاد البَصريِّ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصَمّ قال: حدَّثنا هشام بن سالم، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « أنّه أتاه رَجلٌ فقال له: يا ابن رسول الله هل يُزار والدك؟ قال: فقال: نَعَم، ويصلّي عنده، وقال: ويصلّى خلفه ولا يتقدَّم ».

الباب الحادي والثّمانون

( التّقصير في الفريضة والرّخصة في التّطوّع عنده وجميع المشاهد)

١ - حدَّثني أبي؛ ومحمّد بن الحسن(١) ، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد الجوهريّ، عن عليِّ بن أبي حمزة « قال: سألت العبد الصّالح عن زيارة قبر الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام ، فقال: ما اُحب لك تركه، قلت: ما تَرى في الصّلاة عنده وأنا مقصّر؟ قال: صَلِّ في المسجد الحرام ما شِئتَ تَطوُّعاً، وفي مسجد الرَّسول ما شِئت تطوُّعاً، وعند قبر الحسين [عليه‌السلام ]، فإنّي اُحبُّ ذلك، قال: وسألته عن الصّلاة بالنّهار عند قبر الحسينعليه‌السلام تَطَوُّعاً، فقال: نَعَم ».

٢ - حدَّثني جعفر بن محمّد بن إبراهيم الموسويّ، عن عبيدالله بن نَهِيك، عن ابن أبي عُمَير، عن أبي الحسنعليه‌السلام « قال: سألته عن التّطوُّع عند قبر الحسينعليه‌السلام وبمكّة والمدينة وأنا مقصّر، قال: تَطوَّعْ عنده وأنتَ مقصِّرٌ ما شئتَ، وفي المسجد الحرام وفي مسجد الرَّسول وفي مشاهد النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّه خير ».

__________________

١ - يعني ابن الوليد. وما في بعض النّسخ: « محمّد بن الحسين » - مكبّراً - تصحيف.

٢٦٥

حدَّثني عليُّ بن الحسين، عن عليِّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عُمَير؛ وإبراهيمَ بن عبدالحميد جميعاً، عن أبي الحسنعليه‌السلام مثله.

حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن جعفر بن محمّد بن حَكيم الخَثعميِّ، عن إبراهيم بن عبدالحميد، عن أبي الحسنعليه‌السلام مثله.

٣ - حدَّثني عليُّ بن محمّد بن يعقوبَ الكِسائيُّ قال: حدَّثنا عليُّ بن الحسن بن فَضّال، عن عَمْرِو بن سعيد، عن مُصدِّق بن صَدَقَهَ، عن عمّار بن موسى السّاباطيِّ « قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن الصَّلاة في الحائر، قال: ليس الصّلاة إلاّ الفرض بالتّقصير، ولا تصلّي النّوافل(١) ».

٤ - حدثني أبي - عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بنِ محمّد بن - عيسى، عن عليِّ بن إسماعيل، عن صَفوانَ بن يحيي، عن إسحاقَ بنِ عمّار، عن أبي الحسنعليه‌السلام « قال: سألته عن التَّطوُّع عند قبر الحسينعليه‌السلام ومشاهد النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والحرمين، والتَّطوُّع فيهنَّ بالصّلاة ونحن مقصّرون، قال: نَعَم تَطَوَّعْ ما قَدَرتَ عليه، هو خيرٌ ».

٥ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن أحمدَ بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن محمّد بن الحسين بن ابي الخّطاب، عن صَفوانَ بن يحيى، عن إسحاقَ بنِ عمّار « قال: قلت لأبي الحسنعليه‌السلام : جُعِلت فداك أتنقَّل في الحَرَمين(٢) وعند قبر الحسينعليه‌السلام وأنا اُقصّر؟ قال: نَعَم ما قَدَرتَ عليه ».

٦ - حدَّثني أبيرحمه‌الله ومحمّد بن الحسن، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد الجوهريّ، عن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبي إبراهيمعليه‌السلام « قال: سألته عن التّطوُّع عن قبر الحسينعليه‌السلام ومشاهد النَّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والحرمين في الصَّلاة ونحن نقصِّر، قال: نعم تطوِّعْ ما قدرت عليه ».

__________________

١ - في البحار: « ولا يصلّي النّوافل ».

٢ - تنفّل المصلّي: تطوَّع، وهو يصلّي النّافلة والنّوافل.

٢٦٦

حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله قال: سألت أيّوبَ بنِ نوح عن تقصير الصّلاة(١) في هذه المشاهد: مكّة والمدينة والكوفة وقبر الحسينعليه‌السلام الأربعة، والَّذي روي فيها، فقال: أنا اُقصّر، وكان صَفوانُ يقصّر، وابن أبي عُمَير وجميع أصحابنا يُقصّرون.

الباب الثّاني والثّمانون

( التّمام عند قبر الحسين عليه السلام وجميع المشاهد (٢) )

١ - حدَّثني أبي؛ ومحمّد بن الحسن، عن الحسن بن مَتِّيل، عن سَهل بن زياد الآدميِّ، عن محمّد بن عبدالله، عن صالِح بن عُقْبة، عن أبي شِبْل(٣) « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : أزورُ قبر الحسينعليه‌السلام ؟ قال: زُرِ الطَّيِّب، وأتمَّ الصَّلاة عِندَه، قال: أتمُّ الصَّلاة عِنده؟ قال، أتمَّ، قلت: فإنَّ بعضَ أصحابنا يروي التَّقصير، قال: إنّما يفعل ذلك الضَّعَفَة(٤) ».

حدَّثني محمّد بن يعقوبَرحمه‌الله عن جماعة مشايخه، عن سَهل بن زياد بإسناده مثله سَواء(٥) .

٢ - حدَّثني أبو عبدالرَّحمن محمّد بن أحمد العسكريّ، عن الحسن بن علي بن مَهزيارَ، عن أبيه عليِّ، عن الحسن بن سعيد، عن إبراهيمَ بن أبي البِلاد، عن

__________________

١ - في البحار: « عن تقصير الصّلوات ».

٢ - قال العلاّمة الأمينيّ ( ره ): « ليس في أخبار الباب ما يدلّ على الإتمام في غير المواطن الأربع، فالتّعبير بجميع المشاهد لا وجه له ». أقول: الظّاهر مراده المشاهد الأربعة المذكورة.

٣ - هو عبدالله بن سعيد الاُسديّ بيّاع الوشي، ثقة. ( صه )

٤ - في بعض نسخ التّهذيب: « الضّعفاء »، والضَّعْفَة في الدّين الجاهلين بالأحكام، أو المراد يفعل ذلك من يكون له ضعف لا يمكنه الإتمام، أو يشقّ عليه فيختار الأسهل، وإن كان مرجوحاً، والأخير أظهر. ( ملاذ الأخيار )

٥ - راجع الكافي ج ٤ ص ٥٨٧ ح ٦.

٢٦٧

رَجل مِن أصحابنا يقال له: الحسين، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: تتمّ الصّلاة في ثلاثةَ مواطن: في مسجد الحرام ومسجد الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وعند قبر الحسينعليه‌السلام ».

٣ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وأخي؛ وعليُّ بن الحسين، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بنِ محمّدِ بن عيسى، عن الحسين بن سعيد(١) ، عن عبدالمَلِك القمّيِّ، عن إسماعيلَ بن جابر، عن عبدالحميد - خادم إسماعيلَ بن جعفر - عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: تتمّ الصّلاة في أربعة مَواطِن: في المسجد الحرام ومسجد الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ومسجد الكوفة وحرم الحسينعليه‌السلام ».

٤ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريُّ، عن أبيه، عن أحمدَ بن أبي عبدالله البرقيِّ، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى - عن بعض أصحابنا - عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: من الأمر المذخور إتمام الصّلاة في أربعة مَواطِن: بمكّة والمدينة ومسجد الكوفة والحائِر ».

قال ابن قولُوَيه: وزاده الحسين بن أحمدَ بن المغِيرَة عقب هذا الحديث في هذا الباب بما أخبره به حيدر بن محمّد بن نُعَيم السَّمرقنديُّ بإجازته بخطّه باجتيازه للحجّ:

٥ - عن أبي النَّضر محمّد بن مسعود العياشيّ، عن عليّ بن محمّد قال: حدَّثني محمّد بن أحمد، عن الحسين بن عليِّ بن النّعمان، عن أبي عبدالله البرقيِّ؛ وعليِّ بن مَهزيار؛ وأبي عليِّ بن راشد جميعاً، عن حمّاد بن عيسى، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « أنّه قال: مِن مخزون عِلم اللهِ الإتمام في أربعة مواطن: حَرَمِ الله وحَرَمِ رسوله وحَرَمِ أميرِ المؤمنين وحَرَمِ الحسين صلوات الله عليهم أجمعين ».

٦ - حدَّثني محمّد بن هَمّام بن سُهَيل، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاريّ قال: حدَّثنا محمّد بن حَمدانَ المدائنيِّ، عن زياد القنديِّ « قال: قال أبو الحسن موسىعليه‌السلام : اُحبُّ لك ما اُحبُّ لِنفسي، وأكرِهُ لك ما أكرِهُ لِنفسي، أتمُّ الصّلاة في الحَرَمين وبالكوفة وعند قبر الحسينعليه‌السلام ».

__________________

١ - كذا، والظّاهر سقط هنا « عن محمّد بن سِنان ».

٢٦٨

٧ - حدَّثني عليُّ بن حاتم القزوينيُّ قال: أخبرنا محمّد بن أبي عبدالله الأسديّ قال: حدَّثنا القاسم بن الرَّبيع الصَّحّاف، عن عَمرِو بن عثمان، عن عَمرِو بن مَرزوق « قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن الصّلاة في الحَرَمين وفي الكوفةَ وعند قبر الحسينعليه‌السلام ، قال: أتمَّ الصَّلاة فيهم ».

٨ - حدَّثني محمّد بن يعقوبَ؛ وجماعَةُ مشايخي، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سِنان، عن حذيفةَ بنِ منصور قال: حدَّثني مَن سمع أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: « تتمّ الصّلاة في المسجد الحرام ومسجد الرَّسول ومسجد الكوفة وحرم الحسينعليه‌السلام ».

٩ - ومن زيادة الحسين بن أحمدَ بن المغِيرة ما في حديث أحمدَ بن إدريس ابن أحمدَ بن زكريّا القمّيِّ قال: حدَّثني محمّد بن عبدالجبّار، عن عليِّ بن إسماعيل، عن محمّد بن عَمرو، عن فائد الحنّاط، عن أبي الحسن الماضيعليه‌السلام « قال: سألته عن الصّلاة في الحَرَمين، فقال تتمّ ولو مَرَرْت به مارّاً ».

١٠ - حدَّثني أحمد بن إدريس ( كذا ) قال: حدّثني أحمد بن أبي زاهِر، عن محمّد بن الحسين الزَّيّات، عن الحسن(١) ، عن عمران بن حمران « قال: قلت لأبي الحسنعليه‌السلام : اُقصّر في المسجد الحرام أو أتمّ؟ قال: إن قصّرتَ فلك، وإن أتممتَ فهو خير، وزيادة في الخير خَيرٌ ».

الباب الثّالث والثمانون

( إنَّ الصَّلاة الفريضة عنده تَعدل حَجَّة، والنّافلة عُمرة)

١ - حدَّثني جعفر بن محمّد بن إبراهيم الموسويُّ، عن عبيدالله بن نَهيك، عن ابن أبي عُمَير - عن رجل - عن أبي الحسن(٢) عليه‌السلام « قال: قال لرجل: يا فلانُ ما يمنعك إذا عرضت لك حاجَة أن تأتي قبر الحسينعليه‌السلام فتصلّي عنده أربعَ

__________________

١ - هو ابن حمّاد بن عديس.

٢ - في جلّ النّسخ: « عن أبي جعفر » وهذا سهوٌ أو تصحيف.

٢٦٩

رَكعات ثمَّ تسأل حاجَتَك (١) فإنَّ الصّلاة الفريضة عنده تَعدِل حجَّة، والنّافلة تَعدِل عُمرَة ».

٢ - حدَّثني أبي؛ وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن أبي عبدالله الجامورانيّ الرَّازيّ، عن الحسن بن عليِّ بن أبي حمزة، عن الحسن بن محمّد بن عبدالكريم أبي عليٍّ، عن المفضّل بن عُمَر، عن جابر الجعفيِّ « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام للمفضّل(٢) - في حديث طويل - في زيارة قبر الحسينعليه‌السلام : ثمَّ تمضي إلى صلاتك ولك بكلِّ رَكعةٍ رَكعتَها عنده كثواب مَن حجّ ألفَ حجِّةٍ واعتمر ألفَ عُمرةٍ وأعتق ألفَ رَقَبةٍ، وكأنَّما وقف في سبيل الله ألفَ مرَّةٍ مع نَبيٍّ مُرسَل - وذكر الحديث - ».

٣ - حدَّثني عليُّ بن الحسين، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد؛ وحدَّثني محمّد بن الحسين بن متّ الجوهريُّ، عن محمّد بن أحمد، عن هارونَ بن مسلم، عن أبي علي الحَرّانيِّ « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : ما لمن زار قبر الحسينعليه‌السلام ؟ قال: مَن أتاه وزارَه وصلّى عنده رَكعتين أو أربع رَكعات كَتَب اللهُ له حَجّة وعُمرةً، قال: قلت: جُعِلتُ فِداك وكذلك لكلِّ مَن أتى قبر إمامٍ مفترض طاعتُه؟ قال: وكذلك لكلِّ مَن أتى قبر إمام مُفترض طاعتُه ».

حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أبي القاسم، عن أبي علي الخزاعي « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام - وذكر مثله -.

٤ - حدثني الحسن بن عبدالله بن محمّد بن عيسى، أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن العَلاء بن رَزين، عن شُعيب العَقْرَقُوفيِّ(٣) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام

__________________

١ - أي من الله تعالى، لأنّ الدّعاء عند قبّته مستجاب.

٢ - كذا، وتقدّم الكلام فيه، فمن أراد الاطّلاع فليراجع ص ٢٢٥ ذيل الخبر ٥.

٣ - بفتح أوَّله وسكون الثّاني - مركّب من « عَقْر » و « قُوف » كبَعلَبَكَ، قريةٌ مِن نواحي دُجَيل بينها وبين بغداد أربعة فراسخ وإلى جانبها تَلٌّ عظيم من تراب يرى من خمسة فراسخ كأنّه قلعة عظيمة، وعن بعض أنّه مقبرة الملوك الكيانيّين الّذين كانوا قبل آل ساسان من النّبط، وذكر أهل السِّيَر أنّ عَقرقوف تنسب إلى عقرقوف بن طهمورث؛ الملك المشهور. ( من العجم )

٢٧٠

« قال: قلت له: مَن أتى قبر الحسينعليه‌السلام ما له من الثَّواب والأجْر جُعِلتُ فِداك؟ قال: يا شُعيبُ ما صَلّى عِنده أحدٌ الصَّلاة إلاّ قَبِلَها اللهُ مِنه، ولا دَعا عنده أحدٌ دَعوةَ إلاّ اسْتُجيبَ له عاجِلةً وآجِلةً، فقلتُ: جُعلتُ فِداك زِدني فيه، قال: يا شعيب أيْسَرُ ما يقال لزائر الحسين بن عليّعليهما‌السلام : قد غفر [الله] لك يا عبدالله فاستأنف [اليوم] عَملاً جديداً ».

الباب الرَّابع والثّمانون

( وَداع قبر الحسين بن عليِّ عليهما السلام)

١ - حدَّثني أبي؛ ومحمّد بن الحسن، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد. وحدَّثني أبي؛ وعليُّ بن الحسين؛ ومحمّد بن الحسن، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد. وحدّثني محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمدَ بنِ محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فَضالَةَ بن أيّوب، عن نُعَيْم بن الوليد، عن يوسفَ الكُناسيِّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إذا أردتَ أن تُودِّعَ الحسين بن عليِّعليهما‌السلام فقل: «السَّلامُ عَلَيْكَ ورَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، أَسْتَودِعُك اللهَ وَأقْرَءُ عَلَيْكَ السَّلامَ، آمَنّا بِاللهِ وَوَبِالرَّسُولِ وَبِما جِئتَ بِهِ وَدَلَلْتَ عَلَيهِ، وَاتَّبَعْنا الرَّسُولَ، فَاكْتُبنا مَعَ الشّاهِدينَ، اللّهُمّ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّا وَمِنْهُ، اللّهُمَّ إنّا نَسْأَلُكَ أنْ تَنْفَعَنا بِحُبِّهِ، اللّهُمَّ ابْعَثْهُ مَقاماً مَحْمُوداً تَنْصُرُ بِهِ دِينَكَ وَتَقْتُلُ بِهِ عَدُوَّكَ، وَتُبِيرُ بِهِ مَنْ نَصَبَ حَرْباً لآلِ مُحَمَّدٍ (١) فَإنَّكَ وَعَدْتَهُ ذلِكَ، وَأنْتَ لا تُخلِفُ المِيعادَ، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، أشْهَدُ أنَّكُمْ شُهَداءُ نُجَباءُ، جاهَدْتُمْ في سَبيل اللهِ َقاتلتُمْ عَلى مِنْهاج رَسُولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تَسْليماً، أنْتُمُ السّابِقُونَ وَالمهاجِرُونَ وَالأنْصارُ، أشْهَدُ أنَّكُمْ أنْصارُ اللهِ وأنْصارُ رَسُولِهِ، فَالحَمْدُ للهِ الَّذي صَدَقَكُمْ وَعْدَهُ وأراكُمْ ما

__________________

١ - أباره أي أهلكه.

٢٧١

تُحبُّونَ، وَصَلّى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اللّهُمَّ لا تَشْغَلْني في الدُّنْيا عَنْ ذِكْرِ نِعْمَتِكَ، لا بإكْثارِ تُلْهِيَني عَجائِبُ بَهْجَتِها، وَتَفْتِنَني زَهَراتُ زينَتِها (١) ، وَلا بإقْلالٍ يَضُرُّ بِعَمَلي كَدُّهُ، وَيَمْلأُ صَدْري هَمُّهُ، أعْطِني مِنْ ذلِكَ غِنىً عَنْ شِرارِ خَلْقِكَ، وَبَلاغاً أنالُ بِهِ رِضاكَ، ياأرْحَمَ الرَّاحِمينَ، وَصَلّى اللهُ عَلى رَسُولِهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللهِ، وَعَلى أهْلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبينَ الأخْيارِ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ » ».

٢ - حدَّثني أبو عبدالرَّحمن محمّد بن أحمدَ بنِ الحسين العَسكريُّ - بـ « عَسْكَر مُكْرَم »(٢) - عن الحسن بن عليِّ بن مَهزيار، عن ابيه، عن محمّد بن أبي عُمير، عن محمّد بن مَروانَ، عن أبي حمزة الثُّماليّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إذا أردتَ الوداع بعد فَراغِك مِن الزِّيارات فأكثر منها مَا اسْتَطَعتَ، ولْيَكنْ مقامك بالنِّينوى أو الغاضِريَّة، ومتى أردتَ الزِّيارة فاغتسل وزُرْ زَرْوَة الوَداع، فإذا فَرَغْتَ مِن زيارتك فاستقبل بِوجْهِك وَجْهَه والتمس القبر وقل:

«السَّلامُ عَلَيْكَ يا وَليَّ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا أبا عَبْدِاللهِ، أنْتَ لي جُنَّةٌ مِنَ الْعَذابِ، وَهذا أوانُ أنْصِرافي عَنْكَ؛ غَيرَ راغِبٍ عَنْكَ، وَلا مُسْتَبْدِلٍ بِكَ سِواكَ، وَلا مُؤثِرٍ عَلَيْكَ غَيرَكَ، وَلا زاهِدٍ في قُرْبِكَ (٣) ،جُدْتُ بِنَفْسي لِلْحَدَثانِ (٤) ،وَتَرَكْتُ الاُهْلَ وَالأوطانَ، فَكُنْ لي يَومَ حاجَتي وَفَقْرِي، وَفاقَتي، يَومَ لا يُغْني عَنّي والِدي وَلا وَلَدي، وَلا حَميمِي ولا قَرِيبي، أسْألُ اللهَ الَّذي قَدَّرَ وَخَلَقَ أنْ يُنَفِّسَ بِكَ كَرْبي، وَأسْألُ اللهَ

__________________

١ - قال في النّهاية: « الزّهرة: البياض النيِّر، وزهرة الدُّنيا وزينتها، أي حُسْنها وبَهْجَتِها وكَثْرة خَيْرها ».

٢ - عَسْكَرُ مُكْرَم - بضمِّ الميم وسكون الكاف وفتح الرّاء -: وهو بلد مشهور من نواحي خوزستان منسوب إلى مكرم بن معزاء الحارث أحد بني جَعْوَنَة بن الحارث بن نُمَير بن عامر بن صَعْصَة. ( من معجم البلدان ).

٣ - زهد فيه، كمنع وسمِع وكرم: ضدُّ رَغِبَ. ( القاموس ).

٤ - أي بذلت نفسي لحدثان الزّمان، وجعلتها عرضة لها باختيار السّفر لا سيّما هذا السّفر في تلك الأزمان المخوفة. ( ملاذ الأخيار ) وفي القاموس: « جاد بنفسه: قارب أن يَقضي ».

٢٧٢

 

الَّذي قَدَّر عَليَّ فِراقَ مكانِكَ أنْ لا يَجْعَلهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي وَمِنْ رَجْعَتي (١) ،وَأسْألُ اللهَ الَّذي أبْكى عَلَيْكَ عَيْني أنْ يَجْعَلَهُ سَنَداً لي (٢) ،وَأسْألُ اللهَ الَّذي نَقلَني إلَيْكَ مِنْ رَحْلي وَأهْلي أنْ يَجْعَلَهُ ذُخْراً لي، وَأسْألُ اللهَ الَّذي أراني مَكانَكَ وَهَداني للتَّسْليم عَلَيْكَ وَلِزيارَتي إيّاك أنْ يُورِدَني حَوْضَكُمْ، وَيَرْزُقَني مُرافِقَتَكُمْ في الجِنانِ مَعَ آبائِكَ الصّالِحينَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعين، السَّلامُ عَلَيْكَ يا صَفْوَةَ اللهِ [وَابْنَ صَفْوَتِه]، السَّلامُ عَلى رَسُولِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللهِ، حَبيبِ اللهِ وَصَفْوَتِهِ، وَأميِنِه وَرَسُولِهِ، وَسَيِّدِ النَّبِيِّينَ، السَّلامُ عَلى أمير المؤمنين وَوَصيّ رَسُولِ رَبِّ العالمين، وَقائدِ الغُرِّ المحجِّلينَ، السَّلامُ عَلَى الأئمَّةِ الرَّاشِدينَ والمَهْدِيّينَ، السَّلام عَلى مَنْ في الحائِر مِنْكُم (٣) [وَرَحمةُ اللهِ وَبركاتُهُ]، السَّلامُ عَلى مَلائِكَةِ اللهِ الباقِينَ المقِيمِينَ، الَّذينَ هُمْ بِأمْرِ رَبِّهِمْ قائِمونَ، السَّلامُ عَلَيْنا وَعَلى عِبادِ اللهِ الصّالِحينَ، وَالحمْدُ لله رَبِّ العالَمِين ».

وتقول:(٤) «سَلامُ اللهِ وَسَلامُ مَلائِكَتِهِ المُقرَّبينَ وَأنْبِيائِهِ المُرْسَلينَ، وَعِبادِهِ الصّالِحينَ عَلَيْكَ يا ابْنَ رَسُولِ اللهِ وَعَلى رُوحِكَ وَبَدَنِكَ وَعَلى ذُرِّيَّتك وَمَنْ حَضَرَكَ مِنْ أوليائِكَ، أسْتَودِعُكَ اللهَ وَأسْترعِيك (٥) وَأقْرَءُ عَلَيْكَ السَّلامَ، آمَنّا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَبما جاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِاللهِ، اللّهُمَّ اكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ »،

وتقول(٦) : «اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ وَلا تَجْعَلُهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِن زيارَتي ابْن رَسُولِكَ، وَارْزُقني زيارَتَهُ أبَداً ما أبْقَيْتَني، اللّهُمَّ انْفَعْني بِحُبِّهِ يا رَبَّ العالمِينَ، اللّهُمَّ ابْعَثْهُ (٧) مَقاماً محمُوداً إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، اللّهُمَّ إنّي أسْألُكَ بَعْدَ الصَّلاةِ وَالتَّسْلِيمِ أنْ تُصَلّي عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وَأنْ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زيارَتي إيّاهُ،

__________________

١ - في بعض النّسخ: « رجوعي ».

٢ - أي معتمداً. ( المجلسيّ - ره - ) وفي القاموس: « السَّنَد محرّكة: مُعْتَمد الإنسان ».

٣ - الظّاهر أنّ الخطاب متوجّهٌ إلى الأئمّة، والمراد الحسين عليه السلام، أو المراد من أهل بيتكم وأولادكم. ( ملاذ الأخيار )

٤ - في التّهذيب: « ثمّ أشر إلى القبر بمسبحتك اليُمنى وقلْ: إلخ ».

٥ - أي اطلب من الله حفظك، واسترعاه إيّاه استحفظه.

٦ - في التّهذيب: « ثمّ ارفع يديك إلى السّماء وقل: - إلخ ».

٧ - زيد في بعض النّسخ: « أبعثني معه ».

٢٧٣

فَإِنْ جَعَلْتَهُ يا رَبِّ فَاحْشُرني مَعَهُ وَمَعَ آبائِهِ، وَإنْ أبْقَيْتَني يا رَبِّ فَارْزُقْني الْعَوْدَ إلَيْهِ ثُمَّ الْعَوْدَ بِرَحمتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمين، اللّهُمَّ اجْعَلْ لي لِسانَ صِدْقٍ في أولِيائِكَ، وَحَبِّبْ إليَّ مَشاهِدَهُمْ (١) ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ، وَلا تَشْغَلْني عَنْ ذِكْركَ بإكْثار مِنَ الدُّنْيا تَلْهِيَني عَجائبُ بَهْجَتِها وَتُفْتِنَني زَهْراتُ زِينَتِها، وَلا بإقْلالٍ يَضُرُّني بِعَمَلي كَدُّهُ، وَيَملأُ صَدْري هَمُّهُ، وَأعْطِني بِذلِكَ غِنىً عَنْ شِرارِ خَلْقِكَ، وَبَلاغاً أنالُ بِهِ رِضاكَ يا رَحْمُنُ، والسَّلامُ عَلَيْكمْ يا مَلائِكَةَ اللهِ وزُوّارَ قَبرِ أبي عَبْدِالله عليه‌السلام »،

ثمّ ضَع خَدَّك الأيمن على القبر مرَّةً والأيسر مرَّة، وألحَّ في الدُّعاء والمسألة، فإذا خرجت فلا تُوَلِّ وَجْهَك عن القبر حتّى تخرج ».

الباب الخامس والثّمانون

( زيارة قبر العبّاس بن عليٍّ عليهما السلام)

١ - حدَّثني أبو عبدالرَّحمن محمّد بن أحمدَ بن الحسين العَسكريُّ بالعسكر، عن الحسن بن عليٍّ بن مَهزيار، عن أبيه عليٍّ بن مهزيار، عن محمّد بن أبي عُمَير، عن محمّد بن مَروانَ، عن أبي حمزة الثّماليِّ « قال: قال الصّادقعليه‌السلام : إذا أردت زيارة قبر العبّاس بن عليِّعليهما‌السلام - وهو على شطِّ الفُرات بحَذاء الحائِر - فقف على باب السَّقيفة وقل:

«سَلامُ الله وَسَلامُ مَلائِكَتِهِ المُقَرَّبِينَ، وَأنْبِيائِهِ المُرْسَلينَ، وَعِبادِهِ الصّالِحينَ وَجَميع الشُّهَداءِ وَالصِّدِّيقِينَ، وَالزَّاكياتُ الطَّيِّباتُ فيما تَغْتَدي وَتَروحُ عَلَيْكَ يا ابْنَ أمِيرِ المؤْمِنينَ، أشْهَدُ لَكَ بالتَّسْليمِ وَالتَّصدِيقِ وَالوَفاءِ وَالنَّصِيحَةِ لِخَلَفِ النَّبيِّ المرْسَل، وَالسِّبْطِ المنْتَجبِ، وَالدَّليلِ العالِمِ، وَالْوَصِيِّ المُبَلِّغِ، وَالمظْلُومِ المهْتَضَمِ، فَجَزاكَ اللهُ عَنْ رَسُولِهِ وَعَنْ أميرِ المؤمنين وَعَنِ الحَسَنِ والحُسين صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أفْضَلَ الجَزاءِ بِما صَبَرْتَ وَاحْتَسَبْتَ، وَأعَنْتَ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ، لَعَنَ اللهُ مَنْ قَتَلَكَ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ جَهِلَ

__________________

١ - قوله: « مشاهدهم » أي مواطن حضورهم وظهورهم أحياء وأمواتاً. ( البحار )

٢٧٤

حَقَّكَ، وَاسْتَخَفَّ بِحُرْمَتِكَ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ حالَ بَيْنَكَ وَبَين ماءِ الْفُراتِ، أَشْهَدُ أنَّكَ قُتِلْتَ مَظْلُوماً، وَأنَّ اللهَ مُنْجِزٌ لَكُمْ ما وَعَدَكُمْ، جِئتُكَ يا ابْنَ أمير المؤْمِنينَ وافِداً إلَيْكُمْ، وَقَلْبي مُسَلّمٌ لَكُمْ، وَأنا لَكُمْ تابِعٌ، وَنُصْرَتي لَكُمْ مُعدَّةٌ حَتّى يحكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيرُ الحاكِمينَ، فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكُمْ، إنّي بِكُم وَبإيابِكُمْ مِنَ المؤمِنينَ، وَبِمَنْ خالَفَكُمْ وَقَتَلَكُم مِنَ الكافِرينَ، قَتَلَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ بِالأيْدِي وَالألْسُنِ ِ ».

ثمَّ ادخل وانكبّ على القبر وقل:

«السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّها الْعَبْدُ الصّالِحُ، المُطِيعُ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأمِيرِ المؤمِنينَ، وَالحَسَنِ وَالحُسَين عليهم‌السلام، السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ وَرِضْوانُهُ، وَعَلىُ رُوحِكَ وَبَدَنِكَ، وَاُشْهِدُ اللهَ أنَّكَ مَضَيْتَ عَلىُ ما مَضىُ عَلَيهِ الْبَدْرِيُّونَ، المُجاهِدُونَ في سَبِيل اللهِ، المُناصِحُونَ لَهُ في جِهادِ أعدائِهِ، المُبالِغُونَ في نُصْرَةِ أولِيائِهِ، الذَّابُّونَ عَنْ أحِبّائِهِ، فَجزاكَ اللهُ أفْضَلَ الجَزاءِ، وَأكْثَر الجَزاءِ، وَأوْفَرَ الجَزاءِ، وَأوْفى جَزاءِ أحَدٍ مِمَّنْ وَفى بِبَيْعَتِه، وَاسْتَجابَ لَهُ دَعْوَتَهُ، وَأطاعَ وُلاةَ أمْرِهِ، أشْهَدُ أنَّكَ قَدْ بالَغْتَ في النَّصيحَةِ، وَأعْطَيْتَ غايَةَ المَجْهُودِ، فَبَعَثَكَ اللهُ في الشُّهَداءِ، وَجَعَلَ رُوحَكَ مَعَ أرْواحِ الشُّهَداءِ (١) ،وَأعْطاكَ مِنْ جِنانِهِ أفْسَحَها مَنْزِلاً، وَأفْضَلَها غُرَفاً، وَرَفَعَ ذِكْرَكَ في عِلِّيِّينَ، وَحَشَرَكَ مَعَ النَّبِيِّينَ، والصِّديقِينَ وَالشُّهَدآءِ وَالصّالِحينَ، وَحَسُنَ أولئِكَ رَفيقاً، أشْهَدُ أنَّكَ لَمْ تَهنْ وَلَمْ تَنْكُلِ، وَأنَّكَ مَضَيْتَ عَلى بَصيرةٍ مِنْ أمْرِكَ، مُقْتَديّاً بِالصّالِحينَ وَمُتَّبِعاً لِلنَّبيِّينَ، فَجَمَعَ اللهُ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ، وَبَينَ رَسُولِهِ وَأوْلِيائِهِ في مَنازِلِ المُخْبِتينَ، فَإنَّهُ أرْحَمُ الرَّاحِمينَ » »(٢) .

__________________

١ - في البحار: « مع أرواح السّعداء ».

٢ - قال العلاّمة المجلسيّ رحمه الله: ذكر الأصحاب في زيارته عليه السلام الصّلاة، والخبر خال عنها، ولذا بعض المعاصرين يمنع من الصّلاة لغير المعصوم لعدم التَّصريح في النُّصوص بالصَّلاة لهم عند زيارتهم، لكن لو أتى الإنسان بها لا على قصد أنّها مأثورة على الخصوص بل للعمومات الّتي في إهداء الصّلاة والصّدقة والصّوم وسائر الاُفعال الخير للأنبياء والأئمّة والمؤمنين والمؤمنات، وأنّها تدخل على المؤمنين في قبورهم وتنفعهم لم يكن به بأس وكان حسناً، مع أنّ المفيد و

٢٧٥

الباب السّادس والثمانون

( وَداع قَبر العَبّاس بن عَليٍّ عليهما السلام)

١ - حدَّثني أبو عبدالرَّحمن محمّد بن أحمدَ بن الحسين العَسكريُّ بالعَسكر، عن الحسن بن عليٍّ بن مَهزيار، عن أبيه علىّ بن مَهزيار، عن محمّد بن أبي عُمَير، عن محمّد بن مَروان، عن أبي حمزةَ الثّماليِّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إذا ودَّعت العبّاس فَأته وقل: «أسْتَودِعُكَ اللهَ وَأسْتَرعِيكَ وَأقْرَءُ عَلَيْكَ السَّلامَ، آمَنّا بِاللهِ وَبرسُولِهِ وَبِكِتابِهِ وَبِما جاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، اللّهُمَّ اكتُبنا مَعَ الشّاهِدينَ، اللّهُمَّ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زيارَة قَبرِ ابْنِ أخي نَبِيّك، وَارْزُقني زِيارَتَهُ أبَداً ما أبْقَيْتَني، وَاحْشُرني مَعَهُ وَمَعَ آبائِهِ في الجِنانِ، وَعَرِّف بَيْني وَبَيْنَهُ وَبَينَ رَسُولِكَ وَأولِيائِكَ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَتَوَفَّني عَلَى الايمانَ بِكَ وَالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِكَ، وَالْوِلايَةِ لِعَليِّ ابْنِ أبي طالِبٍ وَالأئمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ، وَالْبَراءةِ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَإنّي رَضيتُ بِذلِكَ يارَبَّ ».

وتدعو لنفسك ولوالديك والمؤمنين والمسلمينَ وتخيّر من الدُّعاء ».

* * * * *

____________

غيره - رحمهم الله - ذكروها في كتبهم، فلعلّهم وصل إليهم خبرٌ آخر لم يصلْ إلينا.

ثمّ اعلم أنّ ظاهر تلك الرّواية جواز الوقوف على قبره - رضي الله عنه - على أيِّ وجهٍ كان، ولو كانت السّقيفة في الزّمن السّابق على نحو بناء زَماننا، لكان ظاهر الخبر مواجهته عند الزّيارة، لكن ظاهر كلام الأصحاب وعملهم أنّ في زيارة غير المعصوم لا ينبغي مواجهته، بل ينبغي استقبال القبلة فيها والوقوف خلفه، ولم أر تصريحاً في أكثر الزّيارات المنقولة بذلك.

نعم ورد في زيارة المؤمنين مطلقاً استحباب استقبال القبلة، لكن لايبعد أن يقال كما أنّهم امتازوا عن سائر المؤمنين بهذه الزيارات المشتملة على المخاطبات، فلعلّهم امتازوا عنهم باستقبالهم كما هو عادة المكالمات والمحاورات. لكن ورد في بعض الرّوايات المنقول الأمر باستقبال القبلة عند زيارة بعضهم كزيارة عليِّ بن الحسين عليه السلام فيما ورد عن النّاحية المقدّسة، والتّخير فيما لم يرد فيه شيء على الخصوص أظهر، والله يعلم - انتهى.

٢٧٦

الباب السّابع والثّمانون

( وداع قُبور الشّهداء عليه السلام)

تقول: «اللّهُمَّ لا تجعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زيارتي إيّاهُمْ، وَأشْرِكْني مَعَهُم في صالِحِ ما أعْطَيْتَهُمْ عَلى نَصْرِهِمْ ابْنَ بِنْتِ نَبيِّكَ، وَحُجَّتِكَ عَلى خَلْقِكَ، وَجِهادِهِمْ مَعَهُ في سَبيِلكَ، اللّهُمَّ اجْمَعْنا وَإيّاهُمْ في جَنَّتِكَ مَعَ الشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ، وَحَسُنَ أولئِكَ رَفيقاً، أسْتَودِعُكُمُ اللهَ وأقْرَءُ عَلَيْكُم السَّلامُ، اللّهُمَّ ارْزُقْني الْعَودَ إلَيْهِم، وَاحْشُرني مَعَهُمْ يا أرْحَمَ الرَّاحِمين (١) ».

الباب الثّامن والثّمانون

( فَضل كربلاء وزيارة الحسين عليه السلام)

[ للحسين(٢) بن أحمدَ بن المغِيرَة فيه حديث رواه شيخه أبو القاسمرحمه‌الله مصنّف هذا الكتاب نقل عنه وهو عن زائدة، عن مولانا عليِّ بن الحسينعليهما‌السلام ، ذهب على شَيخُنارحمه‌الله أن يضمّنه كتابه هذا وهو ممّا يليق بهذا الباب ويشتمل أيضاً على مَعانٍ شتّى حَسَنٍ تامّ الألفاظ، أحببتُ إدخاله وجعلته أوَّل الباب، وجميع أحاديث هذا الباب وغيرها ممّا يَجري مجراها يستدلُّ بها على صِحّة قبر مولانا الحسينعليه‌السلام بكربلاء، لأنَّ كثيراً مِنَ المخالفين يُنكرونَ أنَّ قبرَه

__________________

١ - قال العلاّمة المجلسيّ عليه السلام: « يظهر من القرائن أنّ وَداع الشّهداء أيضاً من تتمّة رواية الثّماليّ، والكلّ من تتممّة الرّواية الكبيرة الّتي اسلفنا ذكرها عن الثّمالي ( ص ٢٣٦ ح ٢١ ).

٢ - هذا الحديث ليس من أصل الكتاب، وإنّما أدرجه فيه بعض تلامذة المؤلّف قدّس سرّه فما في البحار مِن نقله عن الكتاب من غير تنبيه على ما ذكر ليس في محلّه. ( الأميني - ره - )

٢٧٧

بكربلاء كما ينكرون أنّ قبرَ مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام بالغَريِّ بظهر نجف الكوفة وقد كنت استفدت هذا الحديث بمصر عن شيخي أبي القاسم عليِّ بن محمّد بن عُبْدوُس الكوفيِّرحمه‌الله ممّا نقله عن مُزاحِم بن عبدِالوارث البّصريِّ بإسناده عن قُدامَةَ بن زائِدَة، عن أبيه زائِدَة، عن عليِّ بن الحسينعليهما‌السلام ، وقد ذاكرتُ شيخنا ابنَ قُولُوَيْه بهذا الحديث بعدَ فَراغِه مِن تصنيف هذا الكتاب ليدخله فيه فما قضى ذلك وعاجلتْه مَنيَّتهرضي‌الله‌عنه وألْحقه بمواليهعليهم‌السلام .

وهذا الحديث داخلٌ فيما أجاز لي شيخيرحمه‌الله وقد جمعت بين الرِّوايتين بالألفاظ الزَّائِدة والنّقصان والتَّقديم والتّأخير فيها حتّى صحّ بجميعه عَمّن حدَّثني به أوَّلاً ثمَّ الآن، وذلك أنّي ما قَرَءْتُه على شيخيرحمه‌الله ولا قرءه عَليَّ، غير أنّي أرويه عَمّن حدَّثني به عنه، وهو:

أبو عبدالله أحمدُ بن محمّد بن عيّاش(١) قال: حدَّثني أبو القاسم جعفر بن محمّد ابن قولُوَيه قال: حدَّثني أبو عيسى عبيدالله بن الفضل بن محمّد بن هِلال الطّائيُّ البَصريُّ قال: حدَّثني أبو عثمان سعيد بن محمّد قال: حدَّثنا محمّد بن سلاَم بن يَسار(٢) الكوفيُّ قال: حدَّثني أحمدُ بن محمّد الواسطيُّ قال: حدَّثني عيسى بن أبي شَيبة القاضي قال: حدَّثني نوح بن دُرّاج قال: حدَّثني قُدامة بن زائِدة، عن أبيه « قال: قال عليُّ بن الحسينعليهما‌السلام : بلغني يا زائِدَةُ أنّك تَزورُ قبرَ أبي عبدالله الحسينعليه‌السلام أحياناً؟ فقلت: إنَّ ذلك لَكَما بَلَغك، فقال لي: فلما ذا تفعَلُ ذلك ولك مَكانٌ عند سُلطانك الَّذي لا يحتمل أحداً على محبّتنا وتفضيلنا وذِكرِ فضائِلنا والواجب على هذه الاُمّة مِن حَقِّنا؟ فقلت: واللهِ ما اُريد بذلك إلاّ اللهَ وَرسولَه، ولا أحْفِلُ بسخط مَن سَخَط، ولا يكبُرُ في صدري مكروه ينالني بسببه، فقال: والله إنَّ ذلك لَكذلك، فقلت: والله إنَّ ذلك لَكذلك، يقولها - ثلاثاً - و

__________________

١ - هو أحمد بن محمّد بن عبيدالله بن الحسن بن عيّاش الجوهري، المتوفّى سنة ٤٠١. قال النّجاشي رحمه الله: رأيت هذا الشّيخ وكان صديقاً لي ولوالديّ، وسمعت منه شيئاً كثيراً، ورأيت شيوخنا يضعّفونه فلم أرو عنه وتجنّبته.

٢ - في بعض النّسخ: « سيّار ».

٢٧٨

أقولها - ثلاثاً - فقال: أبشِر ثمَّ أبشِر ثمَّ أبشِر (١) فَلأخبرنَك بخبر كان عندي في النُّخَبِ (٢) المخزونة، فإنّه لمّا أصابنا بالطّفّ ما أصابنا وقُتِل أبيعليه‌السلام وقُتِل مَن كان معه مِن وُلده وإخوته وسائر أهلِه وحملت حُرُمه ونساؤه على الأقتاب يرادّ بنا الكوفة، فجعلت أنظر إليهم صَرعى ولم يواروا فعظم ذلك في صدري واشتدَّ لما أرى منهم قلقي، فكادت نفسي تخرج وتبيّنت ذلك منّي عَمّتي زَينب الكُبرى بنت عليٍّعليهما‌السلام فقالت: ما لي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدِّي وأبي وإخوتي؟!! فقلت: وكيف لا أجزع وأهْلَعُ وقد أرى سَيّدي وإخوتي وعُمُومتي وولد عَمّي وأهلي مُصرعين بدمائهم، مرمّلينَ بالعرى، مسلبين، لا

__________________

١ - قال العلاّمة الأميني رحمه الله: ذهب غير واحدٍ من الفقهاء والمحقّقين إلى جواز زيارة الحسين عليه السلام مع أيّ خوف وضرر، لإطلاق النّصوص كما مرّت في الباب ٤٥، ولعلّ التاريخ يملي علينا دروساً من عمل الأصحاب على عهد الأئمّة صلوات الله عليهم منضمّة بتقريرهم له، يؤكّد ما اختاره المحقّقون ولقد حمل إلينا عن أولئك أنّهم ما صدّهم عن قصد مشهد الحسين عليه السلام ما كابدوه من المثلة والتّنكيل والعقوبة بحبس وضرب وقطع يد وهتك حرمة وقابلوها بجأش طامن، ولبّ راجح، وشوق متأكّد، وهذا كتابنا ينطق عليك بالحقّ في حديث مرّ [في ص ١٣٥ تحت رقم ٢] في زيارة ابن بكير وإتيانه لها من أرّجان ( من بلاد فارس ) خائفاً مشفقاً من السّلطان والسّعاة وأصحاب المسالح، وهو من فقهاء الطّائفة كما في رجال الكشّي، وفيما يأتي [في الباب ٩١ تحت رقم ٧] من حديث زيارة مثل محمّد بن مسلم على خوف ووجل وهو أكبر ثقة في الطائفة، عدّه الصّادق عليه السلام من أوتاد الأرض وأعلام الدّين، وفي كلا الحديثين فضلاً عن تقرير الإمام عليه السلام لفعلهما بيان ثواب جميل لهما بذلك ونصّ على أنّ ما كان من هذا أشدّ فالثّواب على قدر الخوف، ويدلّ على مختار المحقّقين حديث هشام بن سالم الثّقة الجليل المرويّ عن الصّادق عليه السلام المذكور بطوله [في ص ١٣٣ تحت رقم ٢ من الكتاب] وفيه تفصيل بيان ثواب عظيم لمن يقتل دون الحسين عليه السلام، وأجر جميل لا يستهان به لمن حبس في إتيانه، وجزاء جزيل لمن ضرب بعد الحبس في قصد مشهده، إذن فلا ندحة من تعميم الحكم على جميع ما ذكر وإن صعّد وصوّب فيه المهملجون.

٢ - في بعض النّسخ بالحاء المهملة، وفي بعضها: « في البحر ».

٢٧٩

يُكفَّنون ولا يُوارون، ولا يُعَرِّج عليهم أحدٌ، ولا يقرُبُهم بَشرٌ، كأنّهم أهل بيتٍ مِن الدَّيْلَم والخَزَر؟!! فقالت: لا يُجْزِ عَنَّك ما ترى، فوالله إنَّ ذلك لعهد مِن رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى جَدِّك وأبيك وعمّك، ولقد أخذ الله ميثاق اُناسٍ مِن هذه الاُمّة لا تعرفهم فَراعِنَة هذه الاُمّة وهم معروفون في أهل السّماوات أنَّهم يجمعون هذه الأعضاء المُتَفَرّقَةَ فيُوارونَها وهذه الجُسومَ المُضَرَّجة، وينصبون لهذا الطّفّ عَلَماً لِقَبر أبيك سيّد الشُّهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رَسمُه على كرورِ اللّيالي والأيّام، وليجتهدنَّ أئمّة الكفر وأشياع الضّلالة في مَحْوِه وتطمِيسه فلايزداد أثره إلاّ ظهوراً وأمره الاّ عُلوّاً، فقلت: وما هذا العهد وما هذا الخبر؟! فقالت: نَعَم، حدَّثتني اُمُّ أيمن أنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله زارَ منزل فاطمةعليها‌السلام في يوم من الأيّام فعملت له حَريرة، وأتاه عليٌّعليه‌السلام بطبق فيه تمرٌ، ثمَّ قالت اُمُّ أيمن: فأتيتهم بعُسٍّ (١) فيه لبن وزُبْد، فأكل رَسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليُّ وفاطمةُ والحسنُ والحسينُعليهم‌السلام من تلك الحَريرة، وشرب رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وشربوا من ذلك اللّبن، ثمَّ أكل وأكلوا من ذلك التَّمر والزُّبْد، ثمَّ غَسَل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يده وعلي يَصبُّ عليه الماء، فلمّا فرغ من غَسْل يده مسح وجهه، ثمَّ نظر إلى عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين نظراً عرفنا به السّرور في وجهه ثمّ رمق بطرْفه (٢) نحو السّماء مليّاً، ثمَّ [أنّه] وجّه وجهه نحو القِبلة وبسط يديه ودعا ثمّ خَرَّ ساجداً وهو يَنشِجُ (٣) فأطال النَّشوج ( كذا ) وعلا نَحِيبه وجرت دموعه، ثمَّ رفع رأسه وأطرق إلى الأرض ودموعُهُ تقطر كأنّها صوب المطر، فحَزنَت فاطمة وعليُّ والحسن والحسينعليهم‌السلام وحزنتُ معهم لما رَأينا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهبناه أن نسأله حتّى إذا طال ذلك قال له عليُّ؛ وقالت له فاطمة: ما يُبكيك يا رَسول الله لا أبكى الله عَينيك فقد أقرح قلوبنا ما نَرى من حالك؟!

__________________

١ - العُسّ - بالضّمّ والسّين المهملة المشدّدة -: القدح الكبير، وفي بعض النّسخ: « بقعب » - بفتح القاف المعجمة - يقال للقدح من خشب مقعّر.

٢ - أي نظر.

٣ - نشج الباكي نشيجاً غُصّ بالبكاء في حلقه، من غير انتحاب.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357