كامل الزيارات

كامل الزيارات16%

كامل الزيارات مؤلف:
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مكتبة الصدوق
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 357

كامل الزيارات المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 146784 / تحميل: 9210
الحجم الحجم الحجم
كامل الزيارات

كامل الزيارات

مؤلف:
الناشر: مكتبة الصدوق
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

المُستعربين(١) من الذين أثارهم مدى نفوذ الإسلام، وقوّة تأثير الثقافة الإسلاميّة واللغة العربيّة في واقع الشعب الأسباني، فتحرّكوا لمواجهة هذا النفوذ والعمل على تفريغ محتواه من نفوس الأسبان، عن طريق إذكاء حالة العداء الديني وتغذيتها بأشكال الإثارة الحادّة ليتسنّى لهم دقّ إسفين الخلاف، ومِن ثمّ صبّ ذلك في محور تحريضي مباشر تجاه الخلافة الإسلاميّة.

حتّى إنّ بعض المُغالين من الرهبان كان يصرّ على التعرّض للإسلام، والطعن في النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والنيل من المقدّسات الإسلاميّة للفوز بعقوبة الموت، مُعتقدين بأنّهم يكسبون بذلك شرف الشهادة الذي حُرِموه نتيجةً للتسامح الذي كان سِمةً من سِمات حكّامهم المسلمين في دار الخلافة بالأندلس.

وبالرغم من أنّ عدد هؤلاء المتعصّبين لم يكن كبيراً، إلاّ أنّ الحكومة قد خشيت آنذاك (سوء عاقبة هذه الحوادث وأوجست خيفة من أنّ احتقارهم سلطانهم، وعدم اكتراثهم بالقوانين التي سنّوها ضدّ مَن يطعن في دينهم (الإعدام)، قد يؤدّي إلى استفحال روح الكراهيّة، وذيوع حركة العصيان بين الأهلين كافّة)(٢) .

فعمدت إلى القضاء على حركة الاستشهاد، مستفيدةً من اعتدال الكثير من المُستعربين، وعدم تفاعلهم معها.

ولمّا كانت هذه الحركة عبارة عن إرهاص متشنّج يحكي حالة الرفض المتعصّب بطريقةٍ انفعاليّة هيمنت على أفكار المُتديّنين والقساوسة الأسبان - كما عبّر عنها(ريتشارد سوذرن) ووصفها: (بأنّها حركة ضدّ رضا العامّة بالحضارة العربيّة)(٣) - فقد خلقت أرضيّة لعمل فكري يهدف إلى معرفة وفهم

____________________

(١) استعرب: صار دخيلاً بين العرب. (القاموس المنجد، باب: عرب).

(٢) أرنولد، توماس - الدعوة إلى الإسلام - الترجمة العربيّة: ١٦٥ - ١٦٦.

(٣) سوذرن، ريتشارد - صورة الإسلام في أوربّا في العصور الوسطى: ٥٨.

٤١

العدوّ الإسلامي، ودراسة سرّ قوّته وتميّزه، ورفع الإبهام عن لغز تفوّقه وقدرته. أي بعبارةٍ أُخرى خلقت أرضيّة الاستشراق بروحه التبشيريّة.

أمّا لماذا لم يتم هذا العمل الفكري في الفترة التي كانت حركة الاستشهاد في أوجّها؟ فيقول (سوذرن): (إنّ كلاً من (أولوجيوس) و (ألبرو قرطبي) قائدَيّ الحركة كانا يعتقدان أنّ السيطرة الإسلاميّة هي بداية المقدّمة الضروريّة لظهور المسيح الدجّال، المذكور في كتبهم المقدّسة، وانسجم ذلك مع تأويلات خاطئة باقتراب يوم القيامة، وعلائمه التي كانت سائدة بين أوساط المجتمع الأوربّي المسيحي آنذاك.

إضافةً إلى أنّهما لم يكونا مؤهّلين للجهد الفكري المطلوب في معرفة وفهم العدوّ الإسلامي، كما وإنّهما - القائدَين - وأتباعهما لم يكونوا يريدون أنْ يعرفوا شيئاً)(١) لتَشبُّع قلوبهم بالبغض والكراهيّة والغضب على كلّ ما هو مُخالف لأفكارهم ومعتقداتهم الخرافيّة السائدة، وتأويلاتهم المنحرفة التي ما أنزل الله بها من سلطان.

ولم تكن الكنيسة الكاثوليكيّة بأحسن حالاً من هؤلاء، حيث لم تخرج عن دائرة هذا الجوّ العدائي.

فقد كانت أحد العوامل الرئيسيّة لتأجيج الصراع وتغذية الشعور المعادي للمسلمين، وإذكاء نار الحقد في صدور رعاياهم ضدهم بكلّ ما تهيّأ لها من وسائل وأُوتيت من قوّة، لما أدركته من تأثير الإسلام وسرعة نفوذه وكثرة المُقبلين عليه.

حيث يصف أحدُ المؤرّخين هذه الظاهرة فيقول: (بأنّ تأثّرهم بالإسلام كان بمحض إرادتهم في أغلب الأحيان)(٢) . وأخذت الكنيسة الكاثوليكيّة تدرك تدريجياً ومن موقع دفاعي ضرورة إعطاء النصارى أسباباً

____________________

(١) سوذرن، ريتشارد - صورة الإسلام في أوربّا في العصور الوسطى: ٥٩.

(٢) بروفنسال، ليفي (حضارة العرب في الأندلس) الترجمة العربيّة: ١٦ - ١٧.

٤٢

وجيهةً ليحافظوا على إيمانهم التقليدي الخاص، ويتحصّنوا داخله.

إلاّ أنّ هذه المساعي لم تنجح، فسرعان ما تأجّجت العصبيّات واستفحل العداء الشديد.

وعلى هذا نرى أنّ بدايات الاستشراق لم تكن منفصلة عن منظومة التنصير والتبشير، ولا عن الدوافع الدينيّة المتطرّفة التي كانت الأساس في نشأة الفهم الاستشراقي(١) ، فلا عجب إذن إذا رأينا الكثير من المُستشرقين يجهدون في تصوير العالم الإسلامي في كتاباتهم على أنّه بشعٌ في عاداته، قبيحٌ في أخلاقه، مليء بالبِدَع والانحرافات عن الدين السماوي الحقّ الذي جاء به المسيح النبيّ، ولا يتحرّزون عن اختلاق ما يدعم دعواهم تلك، وكلّ ما مِن شأنه زرع روح التشكيك في الإسلام وزعزعة اليقين بين أوساط المسلمين.

____________________

(١) راجع د. سلمان، سمير (الجذور التكوينيّة للاستشراق في الأندلس) مجلّة التوحيد - العدد ٣٢: ١١٦.

٤٣

نشأة الاستشراق بين النهج العلمي والاستعداء التبشيري

إنّ البدايات التي سجّلها الباحثون لنشأة الاستشراق لم تكن خارجة عن نطاق الصراع الذي تربّع أبطاله على صدر الأندلس، وتركوا آثار حقدهم وتعصّبهم شاخصةً على مرّ العصور، مُنزِلةً الضربة تلو الأُخرى بالوجود الإسلامي في الأندلس.

فالحرب التي شنّتها المسيحيّة على الإسلام حينذاك قد نحَت مَنحَيَيَن باتّجاهين مُتوازيين يعضد أحدهما الآخر، ويؤدّيان إلى هدفٍ واحد، ألا وهو القضاء على الخصم الذي غزاهم وهُم غارقون في سُباتٍ عميق.

الأوّل: كان يُريد تحقيق هذا الهدف بحدِّ السيف وإعلان الحرب المباشرة، لاجتثاث جذور الوجود الإسلامي بشكل سريع ونهائي.

والثاني: كان يرى أنّ دراسة العدو، واستثمار معارفه وعلومه، والاطلاع على مبادئه وأفكاره يشكّل الطريق السليم لمواجهة هذا العدوّ من خلال امتلاك سرّ قوّته، ومعرفة سُبل اجتثاثه من داخله.

إنّ الاختلاف الظاهري لهذين الاتّجاهين المعاديين للإسلام والذي أُريد له أنْ يبرز بشكلٍ مقصود، كان يُعبّئ الآخرين ويبرز ردود فعلٍ موسومةً بالتصلّب والتعدّي تارة، وبالمرونة وطَرقِ السُبل السلمية بغطاءِ العلم والمعرفة تارةً أُخرى.

إنّ ما قام به أسقف طُلَيطَلة مِن إخضاع النصارى الأسبان له، إثر تعرّض

٤٤

العلاقات والروابط بين الكرسي البابوي من جهة، والكنيسة من جهةٍ أُخرى للضعف والتردّي، أدّى إلى انفصال الأخيرة عن البابويّة، ممّا حدا بأسقف طُلَيطلة إلى إخراج ترجمات مبكّرة لبعض الكتب العلميّة العربيّة(١) .

وكما ذكر غابريلي في(تراث الإسلام) : (لقد استعربت المسيحيّة بسرعة لغويّاً وثقافيّاً)(٢) .

في الوقت الذي استمرّت الكنيسة على تصلّبها وأبرزت تعصّباً بالغ التزمّت تجاه أيّ تقاربٍ ومهادنة أو موقفِ صداقةٍ تفرضه الطبيعة العلميّة، أو ظروف التقارب الثقافي الذي قد يتّخذه بعض طلاب الثقافة والمعرفة الأوربيّين من الإسلام والثقافة الإسلاميّة.

ومِن أمثلة ردود الفعل المتعصّبة التي أفرزتها طبيعة الخلافات هذه، هو ما أعلنه البابا(غريغور التاسع) من أنّ فريدريك الثاني حاكم صِقلْيّة الذي أصبح إمبراطوراً لألمانيا في عام ١٢٢٠م قد خرج على الكنيسة، حيثُ كان(فريدريك) هذا مُستعرباً لغةً وثقافةً وعلوماً وعادات.

وقد أهدى كتباً فلسفيّة تُرجمت عن العربيّة إلى جامعات بولونيا وباريس، وعندما أصبح إمبراطوراً أسّس جامعة في نابولي سنة ١٢٢٤م، وجعل منها أكاديميّة لنقل المعارف الإسلاميّة إلى العالم الغربي(٣) .

وعليه فإنّ نشأة التبشير في الأندلس بدأت بهدف القضاء على الإسلام، والتبشير للمسيحيّة بين صفوف المسلمين الكَفَرَة - كما كانوا يسمّونهم - الذين قدموا من بلاد العرب وفتحوا الأندلس، أو الذين دخلوا الإسلام حديثاً والذين يطلق عليهم (المولدين)(٤) ، بعد أنْ ثبت لدى أغلب رجال الفكر

____________________

(١) زقزوق، محمود حمدي (الاستشراق والخلفيّة الفكريّة للصراع الحضاري): ٢٤.

(٢) غابريلي، فرانشسكو (تراث الإسلام) - القسم الأوّل - الترجمة العربيّة: ١٣٤.

(٣) رودنسون، مكسيم (جاذبيّة الإسلام) الترجمة العربيّة: ٣٢ و٣٣.

(٤) أُطلقت هذه التسمية على أبناء الأندلس القُدماء الذين انحدروا مِن آباء أسبان، وهؤلاء كانوا يمثّلون طبقة اجتماعيّة واسعة من المجتمع الأندلسي، دخلوا الإسلام أثناء الفتح، وحَسُن إسلام الكثير منهم. وكان منهم من أصحاب التآليف والتصانيف والمكانة العلميّة المرموقة. عن مجلّة نور الإسلام: ٢٧ - ٢٨/ (العصبيّات وآثارها في سقوط الأندلس).

٤٥

النصارى وعلمائهم أنّ الإسلام لا يُمكن القضاء عليه بالعمل العسكري، فدون ذلك خرط القتاد، وأنّ أيّ مواجهة سوف لنْ تثمر شيئاً ومحكومٌ عليها بالفشل والخُسران.

لذا فإنّ منظومة التبشير والتنصير قد تولّدت في أُتون الصراع المُستعِر بين الإسلام والكنيسة على الأرض الأندلسيّة، والتي شكّلت مُنذ القرن التاسع عشر الميلادي الخليّة الأولى في مشروع الاختراق الثقافي الأوربّي للوجود الإسلامي، تمهيداً للامتداد والسيطرة الاستعماريّة وبنشاطٍ منظّم.

فالتبشير مصطلحاً ونظريّة، يقوم على نشر المسيحيّة في جميع بقاع الأرض التي تخلو منها، وهو بمعنى آخر هجوم المسيحيّة على الديانات الأُخرى بهدف اقتلاعها مِن عقول ونفوس معتنقيها، والحلول محلّها بكلّ وسيلة (سلميّة) ممكنة، وتطرق في ذلك أبواباً شتّى للوصول إلى أهدافها، منها: معرفة لغة الناس المقصودين بالتبشير، ودراسة عاداتهم وقِيمهم ومعتقداتهم عن كثب، والتدخل (للمساعدة) في حلّ مشاكلهم الشخصيّة والاجتماعيّة والصحيّة(١) .

مستفيدين من حالة الجهل والأُميّة السائدة في أوساطهم، للتشكيك في عقائدهم كمقدّمة لزقّهم بالتعاليم النصرانيّة عن طريق مؤسّسات التربية والتعليم، كالمدارس والمعاهد والجامعات وأمثالها.

وهكذا بدأ التبشير حركتهُ الشاملة للقضاء على الوجود الإسلامي، متّخذاً صوراً وأشكالاً مختلفة، وكان الاستشراق أبرز صوره الفكريّة. وهكذا كان العلم والبحث العلمي الذي يفترض فيه سموّ الإنسان بتحصيله المتواصل للكمالات قد

____________________

(١) الطهطاوي، محمّد عزت إسماعيل (التبشير والاستشراق): ١ - ٣.

٤٦

استُخدِم أداةً مِن أدوات التخريب الحضاري لبلاد المسلمين، والاعتداء على تراثهم، والطعن بالباطل في دينهم. وكانت المآرب السياسيّة والتعصّب للدين من السمات الأساسيّة للحركة الاستشراقيّة، ومن العناوين الخفيّة للوحدة والانسجام بين الاستشراق والتبشير.

٤٧

مبدأ الاستشراق اختراق ثقافي لدحر المسلمين في أوربّا

لقد كان الصراع التدميري الذي خاضته الكنيسة ومن ورائها المستعربون المتعصبون من النصارى ضد المسلمين في الأندلس والذي برّز الاستشراق صورةً من صوره الفكريّة فيما بعد قد اتّخذ مسارين: الأوّل ديني، والثاني فكري وسياسي.

أوّلاً: المسار الديني:

يُمكن تلخيص الكاشف عن المسار الأوّل بما يلي:

أ - سعي الكنيسة الدائب لاسترداد أسبانيا مِن المسلمين وإعادتها إلى سلطتها، وأنّ تلكّؤ مساعيها في النجاح لا يعني هزيمتها، فحروب الأسبان (القدماء) كانت خاضعة للكرّ والفرّ، واستمرّت بأشكالٍ مختلفة، مِن حربِ عصاباتٍ إلى مناوشاتٍ مشحونةٍ بالعداء الديني، إلى تأجيج العصبيّات بصيغتها الدينيّة بين مختلف الطوائف والقبائل، حتّى استنزفت قُوى الدولة الأندلسيّة التي ما لبث التفكّك والتشرذم أنْ طال كيانها الناشئ، في الوقت الذي لم تحسم فيه المواجهة بين الطرفين المُتصارعين، واستمرّت تتناوب بين انكفاءٍ وتقدّم.

٤٨

وبدءاً بعام ٧٥٦م راحت الهَجَمَات الأسبانيّة تتوالى حتّى (أخذت شكلاً تكتّليّاً وحرباً مقدّسة صليبيّة بآخر المعاقل الإسلاميّة)(١) .

وهكذا استمرّ الحال حتّى سقوط غرناطة بأيدي الأسبان، ووصول الوجود الإسلامي في الأندلس إلى نهايته عام ١٤٩٢م بعد أنْ تواصل ثمانية قرون تقريباً.

ب - إنّ من جملة أسباب تفوّق الأسبان الأُوربّيّين في هذه الحرب هو أنّهم (استعاروا أُسلوب المسلمين في الجهاد المقدّس)(٢) فأفادت المسيحيّة الأسبانيّة من عقيدة خصمها، وخاضت غمار المواجهة بأحد أمضى أسلحة الخصم الإسلامي، وأنشأت (طوائف الفرسان الدينيّة في سانتياغو وكلاترافا وألكنترا، وفي الطوائف التي ذاع صيتها في السجلاّت التأريخيّة لحروب الاسترداد)(٣) . علماً (بأنّ الأُسلوب نفسه قد اعتمدته الحملات الصليبيّة أيضاً)(٤) .

ج - لقد ترك الصراع الذي خاضته الكنيسة ضدّ المسلمين في الأندلس آثاره على مسير الكاثوليكيّة الأسبانيّة، وجنَت منه فوائداً كبيرةً، منها تحوّل هذا الصراع إلى عامل أساسي في بناء أسبانيا، وتطوير تركيبتها الداخليّة الخاصّة وموقعها العام، خصوصاً على مستوى الحسّ الديني المُرهف الذي برز عند الأسبان أفراداً ومجتمعاً، مِن خلال ما تركته العلوم والآداب الإسلاميّة مِن آثار في أعماق وأُسُس الحضارة الأسبانيّة مُنذ العصور الوسطى وإلى يومنا هذا.

____________________

(١) زقزوق، محمود حمدي - (الاستشراق والخلفيّة الفكريّة للصراع الحضاري) مؤسّسة الرسالة، بيروت، ط٢، ١٩٨٥م.

(٢) لومبير، إيلي - (تطور العمارة الإسلاميّة في أسبانيا والبرتغال وشمال إفريقيا) الترجمة العربيّة: ١٤٤.

(٣) بروفنسال، ليفي - (حضارة العرب في الأندلس) الترجمة العربيّة: ١٦ و١٧.

(٤) قنواتي، جورج شحاته - (تراث الإسلام) القسم الثاني، الترجمة العربيّة: ٢٦٠.

٤٩

ثانياً: المسار الفكري والسياسي:

إنّ أبرز العوامل التي بلورت هذا المسار هي:

أ - إنّ النصارى مِن غلاة رجال الكنيسة والمُستعربين الأُوربّيّين الخاضعين للحكم الإسلامي، كانوا ينظرون إلى المسلمين على أنّهم محتلّون برابرة كَفَرة، ويحرّضهم على ذلك الشعور تعصّبهم الديني وجشعهم السياسي، وشهوة مُلوكهم التائقين إلى استرداد ما فقدوه بالقوّة عند الفتح الإسلامي.

ب - إنّ بعض الأُمراء الأمويّين لم يعملوا على إخضاع جميع المواقع المسيحيّة لحكمهم في شبه جزيرة أيبيريا، ممّا أعطى للأسبان فرصةً سانحةً في أنْ ينطلقوا لإثارة الحروب والفتن.

ج - السياسة غير الحكيمة التي مارسها أحياناً بعض الأُمراء الأمويّين ضدّ المُستعربين، وضدّ غيرهم مِن طوائف المجتمع الأندلسي كالصقالبة(١) ، والبربر(٢) ،

____________________

(١) الصقالبة: هم عند مؤرّخي العرب الشعوب السلافيّة القاطنة بين جبال الأورال والبحر الأدرياتيكي، وهُم من أُصول أوربيّة مختلفة، وينقسمون إلى قسمين: الأوّل منهم صقالبة الشمال (الروس والروس البيض والبولونيون)، وصقالبة الجنوب أو اليوغسلافيون (الصرب والكرواتيون والسلوفاكيون والبلغاريون).

وقد جيء بهم إلى الأندلس أطفالاً صغاراً ذكوراً وإناثاً، فنشأوا نشأةً عربيّة إسلاميّة في بلاط الملوك والحكّام. كان منهم العبيد المجنّدون في الخدمة العسكريّة، ومنهم القادة والكتّاب والأُدباء.

القاموس (المنجد في الأعلام) وكذلك مجلّة نور الإسلام، العددان ٢٧: ٢ و٢٨: ٣٤ من (العصبيّات وآثارها في سقوط الأندلس).

(٢) البَربَر: اسم يطلق على سكّان إفريقيا الشماليّة من برقة إلى المحيط، كانوا يتكلّمون لهجات أعجميّة قبل استعرابهم، ولا يزالون. ويرجع أصلهم إلى فِئات عرقيّة مختلفة استقرّت في البلاد قبل الميلاد، وعرفت بعض الازدهار مثل:(مملكة نوميديا ومملكة موريتانيا) .

لم يكونوا مرتاحين تماماً إلى حكم روما ولا إلى أسبانيا بقيادة أحدهم وهو طارق بن زياد، تبعوا الخوارج وأعلنوا العصيان على العباسيّين. توزعوا ممالك وسلالات، فكان منهم الأغالبة والرستميّون والمرابطون والموحّدون، ثمّ زالت دولتهم في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي، وقد تحمّلوا القسم الأعظم مِن أعباء الفتح فقتل منهم في هذا السبيل الآلاف، وقد تأثّروا كثيراً بالدين الإسلامي، وأبدوا تحمّساً لنشره والدفاع عنه.

عن القاموس (المنجد في الأعلام) وكذلك مجلّة نور الإسلام، العددان ٢٥: ١ و٢٦: ٨ في = (العصبيّات وآثارها في سقوط الأندلس).

٥٠

والمولدين، ممّا أدّى إلى تنامي الشعور القومي والحساسيّة العرقيّة لدى المواطنين من قدامى الأسبان، وكذلك الذين استعربوا، فكانت مناطقهم مركزاً للمقاومة من قدامى الأسبان، وكذلك الذين استعربوا.

فكانت مناطقهم مركزاً للمقاومة العسكريّة النصرانية، ممّا سهّل لهم لعب دورٍ كبيرٍ لخوض حرب إيديولوجيّة سياسيّة.

د - بروز أجواء متوتّرة ساعدت على اعتماد القمع العنصري والقبلي، من قِبل الحكّام كَرَدّة فعل على الاضطرابات والأجواء المشحونة بالقلاقل، والتي كانت مدعومةً أحياناً من النصارى والمُستعربين والمُتعصّبين.

هـ - بروز صراعات سياسيّة وقبليّة بين المسلمين العرب أنفسهم، منها العصبيّة التي ثارت بين القيسيّين واليمنيّين، وأخذت العرقيّة القبليّة تنبض في نفوس أصحابها، فتطاحنوا (وتذابحوا وذهبت ريحهم)(١) . فانتهز المتربّصون بالحكم الإسلامي، والذين يصطادون في الماء العكر من نصارى الأسبان الفرصة للعصيان وإشعال فتيل الفتن والاضطرابات والتهيّؤ للمستقبل، الذي يأملون فيه القضاء على الحكم الإسلامي في الأندلس. فتدافعوا وجمعوا قواهم، واستعدّوا.

و - الدعم المباشر الذي قدّمه بهذا الاتّجاه النصارى الأوربّيون من الفرنسيّين وغيرهم بقيادة شارلمان (٧٤٢ - ٨١٤م) المعروف بتصدّيه التاريخي للانتشار الإسلامي في أوربّا، تمّ بمباركة البابا (أُوربانس الثاني) - الذي تسبّب فيما بعد بتأجيج الحروب الصليبيّة - عبر النداء الشهير الذي أطلقه في ٢٧ تشرين الثاني عام ١٠٩٥م، ودعا فيه نصارى أوربّا إلى الجهاد ضدّ الكَفَرَة المسلمين، وحمل السلاح لغزو الشرق، وهو نفسه الذي أعدّ حملةً مؤلّفةً في معظمها من (فرسان جنوب فرنسا) عام ١٠٨٩م لمساعدة نصارى الأسبان في مقاتلة

____________________

(١) بالنتيا، أ. جـ (تأريخ الفكر الأندلسي) الترجمة العربيّة: ١٧.

٥١

المسلمين في الأندلس(١) .

ز - الدور الذكيّ والمُخادع الذي لَعِبهألفونس الثالث (٨٦٦ - ٩١٠م) ملك أشتوريش وليون الاسباني في العمل الجاهد لاختراق المسلمين في الداخل ونشر الفرقة بينهم، حتّى نجح في استمالة المُستعربين الذين أسلموا حديثاً، مستنفراً فيهم كوامن المذهبيّة والطائفيّة، ممّا حداهم إلى رفض الإسلام والتمرّد على السلطة المركزيّة في قرطبة (ووعدهم بمنحهم الاستقلال إذا انقلبوا في اللحظة الحاسمة، ووقفوا إلى جانبه في موعد الهجوم على ضواحي قرطبة ومناطقها الشماليّة، وذلك مِن أجل أنْ يعيشوا أحراراً في أرضهم التي انتزعها المسلمون منهم بالعنف.

وإنّ وعدهم نصرتهم الملك، تعني استمرارهم كوسائل اقتصاديّة فقط، وكمصدر لإغناء خزينة الخلافة الإسلاميّة)(٢) .

وهكذا كانت عمليّة اختراق الوجود الإسلامي مِن قبل المُستعربين في الأندلس قد تمّت من زاويتين رئيسيّتين:

الأولى: بشريّة تشكل قوّة عسكريّة كبيرة العدد مدعومةً بالقوّة الأوربّية قادرة على ترجيح الكفّة من الناحية الإستراتيجيّة للمسيحيّة.

الثانية: إيديولوجيّة حضاريّة، وهي مدار بحثنا هذا، وهي الأهم والتي يُمكن أنْ يلعب مِن خلالها المُستعربون دوراً كبيراً في تقويم أوربّا الرازحة تحت وطأة التخلّف الحضاري، والخواء الثقافي، ورفدها بالمعارف والعلوم الحيويّة لنهضتها المخطّط لها. ثمّ إنّ دورهم هذا هو دينٌ عليهم وردٌ للجميل الذي قدّمته أوربّا لهم بمساعدتها لضرب الحكم الإسلامي.

وقد بذلت الكنيسة ومؤسّساتها كامل الجهد لاستيعاب كل هذه الأهداف

____________________

(١) لومبير، ايلي - (تطور العمارة الإسلاميّة في إسبانيا...) الترجمة العربيّة: ١٤٤.

(٢) بروفنسال، ليفي - (حضارة العرب في الأندلس) الترجمة العربيّة: ٧٩.

٥٢

في تخطيطٍ شاملٍ، وبرعاية السلطة السياسيّة وتشكيلاتها.

وهكذا كان، فقد ابتكرت الكنيسة حرباً جديدة ومواجهة غير مرتقبة، سلاحُها العلم والفكر واغتنام المفردات الحضاريّة للمسلمين، وتكييفها بالشكل الذي يسدُّ نقصهم وثغراتهم الأيديولوجيّة، ويمنحهم القدرة للتفوّق في هذا الجانب الأساسي على العدوّ الإسلامي. فبعد أنْ كان النصارى الأسبان يتخبّطون في ظُلمات جهلهم إبّان الفتح الإسلامي، ضُعفاء لا يملكون أسباب القوّة للردّ والمواجهة، أدركوا الآن قانوناً أساسيّاً من قوانين مقارعة الخصم والذي يتمثّل في معرفة الخصم وفهم حقيقته، وذلك عن طريق اكتشاف عوامل كماله ونقصه، وأسباب قوّته وضعفه، ومواطن ذلك في وجوده، ومن الذي يكمن وراء تفوّقه وهيمنته. وخلال دورة زمنيّة لم تطل كثيراً استطاعوا بإتقان أنْ يصلوا إلى أهدافهم، ويستحوذوا على كافّة مستلزمات المواجهة الشاملة لدحر المسلمين.

وفي طليعة انجازاتهم هذه:

أ - ما قام به الرُهبان مع بداية القرن التاسع من تعلّم اللغة العربيّة الفصحى، ومن ثمّ الإقبال على الترجمة عنها، وذلك (بناءً على تعليمات أساقفتهم)(١) . كما

____________________

(١) إنّ أوّل ترجمة (مزعومة) للقرآن يرجع تأريخها إلى عام ١١٤٣م، عندما أنهى إنجليزي وهو(روبرت الكتوني) بين ١٦ أيار و٣١ كانون الأوّل، من العام المذكور ترجمة لبعض معاني القرآن من العربيّة إلى اللاتينيّة، واستناداً إلى فهمه الشخصي. وكان هذا الرجل قد تنقّل في بعض البلدان الآسيويّة قبل انتقاله إلى برشلونة عام ١١٣٦م. وقد كانت ترجمته هذه بالإضافة إلى ترجمة كتب أُخرى من العربيّة إلى اللاتينية قد نمت تحت إشراف ورعاية أحد الأساقفة، وهو(بطرس الموقر) رئيس دير(كلوني) الفرنسي، وهو الدير الذي تخرّج منه البابا (أُوربانس الثاني) مؤجّج الحروب الصليبيّة. وكان الموقر هذا يرى في الإسلام خطراً فكريّاً شديداً على المسيحيّة لابد من التعرّف عليه لتمكن مكافحته بغير الوسائل العسكريّة.

راجع ما يلي:

خدابخش، صلاح الدين - (حضارة الإسلام) الترجمة العربيّة: ٤١ - ٤٢. وكذلك سوذرن، ريتشارد. (صورة الإسلام في أوربّا في العصور الوسطى): ٨٠ - ٨٢.

٥٣

جاء على لسان المُستشرق(فرانز روزنتال) بقوله: (وبتعلّم اللغة العربيّة باعتبارها لغة العلوم والفلسفة والفكر آنذاك، وبالاطلاع على القرآن وترجمته إلى اللاتينيّة، بهدفٍ وحيد وهو الوصول إلى فهمٍ عميق للتفكير الديني الكلامي عند المسلمين، أملاً في أنْ يُصبح الرهبان أقدر على التعرّف على هذا التفكير، واستغلال ما كانوا يتصوّرون أنّه مواطن الضعف فيه)(١) .

ب - قيام القساوسة والرهبان الأوربّيون، وكذلك الأسبان بحملةٍ ضخمةٍ لترجمة الفكر والثقافة الإسلاميّة وعطاءاتها الحضاريّة الإنسانيّة، وبذلك تمكّنوا مِن تأسيس أوّل شبكة إيديولوجيّة للاستشراق الغربي، مستهدفين بذلك مقاومة الإسلام ومحاصرته سياسيّاً وفكرياً وعقائديّاً بعيداً عن أيّ هدفٍ علمي منزّه(٢) ، واضعين نصب أعينهم إعادة المجد التليد، والبريق القديم الذي فقدته النصرانيّة هدفاً لهم، مخطّطين لحملاتٍ ضخمةٍ للتنصير، عبر منهجَين متضادَين ومتوازيَين ظاهريّاً: أحدهما علمي يستند إلى البحث والدراسة بقصد المعرفة والكشف، والآخر سياسي تطويقي يهدف إلى تدمير وتصفية الخصم بأيّ وسيلةٍ ممكنة. وبذلك تتوظّف كلّ الجهود العلميّة والسياسيّة لتحقيق الهدف التنصيري.

ويشهد على ذلك قول(رودي بارت) : (كان موقف الغرب المسيحي في العصر الوسيط من الإسلام هو موقف الدفع والمشاحنة فحسب. صحيح أنْ العلماء ورجال اللاهوت في العصر الوسيط كانوا يتّصلون بالمصادر الأُولى في تعرّفهم على الإسلام، وكانوا يتّصلون بها على نطاق كبير، ولكن كلّ محاولةٍ لتقويم هذه

____________________

(١) فوك، يوهان - (المُستشرقون الألمان): ١٥.

(٢) سمايلو فيتش، أحمد - (فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر): ٤٩. وكذلك مقدّمة مصطفى محمود لكتاب سمايلو فيتش: ٣. وكذلك خدابخش، صلاح الدين في (حضارة الإسلام) الترجمة العربيّة: ٣٥.

٥٤

المصادر على نحوٍ موضوعي نوعاً ما كانت تصطدم بحكمٍ سابقٍ يتمثّل في أنّ الدين المعادي للمسيحيّة لا يُمكن أنْ يكون فيه خير)(١) .

ج - ودعماً لهذا المخطّط فقد رافقت تلك الفترة استخدام أبشع وسائل الاضطهاد، وممارسة شتّى أنواع التنكيل بالمسلمين، وارتكاب أفضع جرائم القهر الديني والسياسي بحقّهم، ومحاربتهم نفسيّاً واقتصاديّاً، وصُودرت نتاجاتهم العلميّة والثقافيّة ونُسِبت إلى غيرهم من أعدائهم، وعملت الكنيسة على تأسيس محاكم التفتيش(٢) التي نكّلت بمَن تبقّى من المسلمين الأندلسيّين بعد سقوط الأندلس وغرناطة في أواخر القرن الخامس عشر، وأُعطيت صلاحيّات استثنائيّة واسعة أيّامفرديناند (٣) ،وإيزابيلا (٤) ،وفيليب الثاني (٥) ، وشمِل التقتيل والإحراق

____________________

(١) كراتشقوفسكي، إغناطيوس. (دراسات في تأريخ الأدب العربي) الترجمة العربيّة: ٧٥.

(٢) يُعزى تأسيس محاكم التفتيش إلى البابا(غريغور السابع) عام ١٣٣٣م، عندما أمر بتشكيل لجنة من كلّ قريةٍ أو بلدةٍ يرأسها قسّ، وبعضوية شخصيّتين بارزتين وذلك للتفتيش عن الهراطقة ومحاكمتهم (وقد أطلقت تسمية الهراطقة عند النصارى على أهل البدعة في الدين. والمقصود بهم هنا الذين ينتمون إلى الدين الإسلامي في بلاد النصارى). ثمّ ما لبث أنْ تسلّم المحاكم هذه جماعة الدومنيكان وغيرهم من الرهبان. وجماعة الدومنيكان أو ما يُطلق عليهم: الأُخوة الواعظون: هُم أعضاء الرهبانيّة التي أسّسها القدّيسعبد الأحد لدحض البِدَع عام ١٣٠٦م، وكانوا أرباب التعليم الفلسفي واللاهوتي في القرون الوسطى. دخلوا البلاد الشرقيّة في القرن السابع عشر، أسّسوا كليريكيّة الموصل عام ١٨٨٢م (وهي البيع التي يخدم فيها الشمامسة والقساوسة والأساقفة)، وكانت لهم فيها مطبعة عربيّة شهيرة، ولهم في القدس مدرسة الكتاب المقدّس.

راجع، براندتراند، جون في (تراث الإسلام) الترجمة العربيّة: ٧٠، وكذلك (القاموس (المنجد في الإعلام)).

(٣) فرديناند: ملك أراغون وهو المعروف بالكاثوليكي، ملك قشتالة (١٤٧٤ - ١٥٠٤م) بعد زواجه وإرثه عرش قشتالة من إيزابيل، أخذ غرناطة من العرب (المسلمين) عام ١٤٩٢م ووحد إسبانيا تحت سلطته ونظم إداراتها. وفي عهده اكتشف كريستوفر كولومبس أميركا. عن (القاموس (المنجد في الإعلام)).

(٤) إيزابيلا: (١٤٥١ - ١٥٠٤م) ملّقبة بالكاثوليكيّة وهي ملكة قشتالة التي تزوّجها فرديناند، فتوحّدت بهذا الزواج الدولة الأسبانيّة، وأدّى ذلك إلى سقوط غرناطة عام ١٤٩٢م. عن (القاموس (المنجد في الأعلام)).

(٥) فيليب الثاني: (١٥٢٧ - ١٥٩٨م) ابن كارل الخامس ملك أسبانيا وهولندا (١٥٥٦م). ثمّ ملك = البرتغال عام ١٥٨٠م، ويعتبر عهده أوج السيطرة الأسبانية في أوربّا. عن (القاموس (المنجد في الأعلام)).

٥٥

والذبح جماعةً من المسلمين الذين تنصّروا ظاهراً، وأقاموا على عقيدتهم (الإسلاميّة) وظلّوا يمارسونها في الخفاء. وامتدّت صلاحيّات هذه المؤسّسة التنكيليّة لتنال من مصادر الفكر الإسلامي، وإحراق الكتب، وإتلاف كلّ ما يُؤدّي في نظر الأساقفة إلى إلحاق الضرر بالكنيسة.

وبالرغم من ذلك فقد (بقي المسلمون الذين ظلّوا في أسبانيا بعد استردادها (سقوط الأندلس) يحتفظون بكتبهم، باذلين غاية جهدهم لإخفائها عن أعيُن مكاتب التفتيش. ولمّا اضطرّوا إلى مغادرة وطنهم خبأوا كتبهم في فجوات الجدران، أو دفنوها تحت الأرض في بيوتهم المتروكة. وقد عثر في القرن الأخير مصادفة على عدّة مكتبات منها...)(١) . واستمرّت محاكم التفتيش قائمة في أسبانيا حتّى حلّها نابليون بونابرت عام ١٧٩٢م.

____________________

(١) كراتشقوفسكي، إغناطيوس (دراسات في تأريخ الأدب العربي) الترجمة العربيّة: ٧١ - ٧٢. ويذكر شكيب أرسلان في كتابه (الحلل السندسيّة في الأخبار والآثار الأندلسيّة) المجلد الأوّل: ٢٨٠ - ٣٨٣ الكثير من الأخبار عن صنوف الاضطهاد التي مُورست في حقّ مَن كانت محاكم التفتيش تشكّ بأنّه لا يزال على إسلامه من أهالي طليطلة، ومنها الإحراق بالنار ومصادرة الأملاك والتعزير.. إلخ. وذلك بتهم مثل عدم أكل لحم الخنزير، والامتناع عن شرب الخمرة وغيرها...

٥٦

الاستعراب(١) أولاً ثمّ الاستشراق

نشأت ظاهرة الاستعراب نتيجة للاحتكاك المباشر الذي حصل بين بعض الطوائف المسيحيّة التي كانت تقطن إسبانيا وبين المسلمين العرب فاتحي الأندلس، والذي أدّى بدوره إلى تعميق عُرى التمازج العرقي والتعايش الاجتماعي والاتّصال الثقافي فيما بينهم. وقد أفرزت هذه الحالة ظهور طبقة اجتماعيّة واسعة من المجتمع الأندلسي اندمجت مع أوساط المسلمين، وتشبّهت بهم في سيرتهم وسلوكهم اليومي، وقلّدتهم في إقامة مناسباتهم وشعائرهم الدينيّة، وحتّى في دقائق وجزئيّات أُمورهم الحيويّة فأقدم الكثير منهم على الاختتان وفق مراسم المسلمين، وامتنعوا عن معاقرة الخمر وأكل لحم الخنزير، وغيرها من الممارسات التي كانت مألوفة في المجتمع النصراني. وقد أُطلق على هؤلاء (المُستعربين) الذين كان جُلّهم من أبناء الأندلس القُدماء الذين انحدروا من آباء إسبان، ومن خلال البحث والاستقصاء عن أحوالهم أمكن تصنيفهم إلى صنفين:

الأوّل: ويضم الذين دخلوا الإسلام أثناء الفتح (فتح الأندلس) وحسُن إسلام الكثير منهم، فأقبلوا على دراسة الفكر الإسلامي، وتدرجوا في شتّى العلوم. فكانوا أصحاب التآليف والتصانيف، وصارت لهم مكانة علميّة مرموقة تميّزوا بها

____________________

(١) مصطلح يطلق على الذين صاروا دُخلاء بين العرب، ثمّ سرى استعماله لأُولئك الذين دخلوا الإسلام بعد أنْ تعلموا اللغة العربيّة وتشبّهوا بالمسلمين العرب خاصّة في عاداتهم وتقاليدهم.

٥٧

عمّن سواهم، وظهر فيهم العلماء والأُدباء والقادة العسكريّون، فحازوا إعجاب الحكام المسلمين وأصبح قسمٌ منهم ذوي نفوذ واسع في الحكم (ولكنّهم ظلّوا مع ذلك لا يجدون أنفسهم إلاّ مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة)(١) .

الثاني: كان يضم أُولئك الذين تشبّهوا بالمسلمين ظاهريّاً، ولم يدخل الإيمان في قلوبهم، وكان تأثّرهم سطحيّاً على قاعدة التمثّل بالفاتحين والتشبه بهم. كما يرى ابن خلدون ذلك (المغلوب يتشبّه أبداً بالغالب). وبالرغم من إقبالهم على تعلّم اللغة العربيّة ودراسة آثار المسلمين وأفكارهم، وكذلك إعجابهم بالمنجزات الحضاريّة لهم، وانبهارهم بالطرح الثقافي الإسلامي الجديد. إلاّ أنّ هذا لم يكن ليصرفهم عن عدائهم الشديد للرسالة الدينيّة والإيديولوجيّة الإسلاميّة، ولا ليثنيهم عن رفضهم القومي للسلطة السياسيّة التي يخضعون لها.

ولا سيّما أنّ بعض الحكّام آنذاك كانوا لأغراض سياسيّة يستخدمون أساليب مِن شأنها أنْ تثير روح العصبيّة بين طَبَقات المجتمع الأندلسي، كأنْ يُقرّبوا طائفة على حساب طائفة أُخرى، ممّا يُؤدّي إلى نشوء العداء مع السلطة، وبالتالي محاولة الانتقام أو التقليل من شأن الرسالة والفكر الذي ينتمي إليه هؤلاء الحكّام.

فمثلاً عند اشتداد الروح العصبيّة بين القبائل العربيّة المتنافسة في عهد عبد الرحمان الداخل ويأسه من القضاء عليها وإزالتها، واتّخاذها أُسلوب المواجهة والمنافسة مع الحكم، لجأ إلى تكوين طبقة الأعوان والقادة، وربّاهم بنفسه واستعان بهم على إدارة دفّة الحكم، ونفوذهم ينمو نتيجةً لقربهم من الطبقة الحاكمة حتّى صاروا شركاء للخليفة في الحكم، ثمّ صاروا يدبّرون المؤامرات لإدارة الحكم بأنفسهم(٢) .

____________________

(١) د. إحسان، عبّاس (تأريخ الأدب الأندلسي): ٨٩.

(٢) مجلّة نور الإسلام. العددان ٢٧ - ٢٨ (العصبيّات وآثارها في سقوط الأندلس): ٣٤.

٥٨

وعلى أثر ذلك تولّد الصراع بين العرب والمُستعربين، ولم يكن هذا الصراع سياسيّاً أو عسكريّاً فحسب، بل كان صراعاً يلتمس مبرّراته مِن أُطُر دينيّة، وينعكس على طبيعة التفكير الديني، الأمر الذي نشأ عنه نَمَطَان من التفكير: نمط يتَطرّف في تمجيد العرب دينيّاً، وآخر يتَطرّف في الاتّجاه المضاد.

وليس إلى الشكّ سبيل في أنّ ابتعاد الحكم العربي في الأندلس عن الإسلام، كان له الأثر الكبير في إعطاء الفرصة للمُستعربين كي ينتفضوا ويترجموا رفضهم بشكل حرب اتّخذت أبعاداً مختلفة، حتّى أنّ بعضاً منهم كان له الدور الكبير في إضرام فتنة طليطلة ضدّ قرطبة في بداية عهد الأمير محمّد بن عبد الرحمان التي تمخّضت عن المعارك التي خاضها ابن حفصون ضدّ الحكم العربي الإسلامي سنوات طوالاً بدأت من عام ٢٦٨هـ وانتهت بوفاته عام ٣٠٦هـ.

وصلت قوّة العداء بين الطرفين إلى الحدّ الذي دفع عمر بن حفصون، إلى الارتداد عن الإسلام والعودة إلى النصرانيّة، لكي يستميل النصارى إليه ويعينوه في قتاله ضدّ الحكم العربي، وذلك من خلال عمليّة أراد بها أنْ تكون انتقاماً من هذا الحكم.

وفي هذا الخضمّ المتلاطم مِن الفتن والصراعات والاضطرابات انتعشت الكنيسة، وبرزت الحوافز، وازدهرت الحركات الداعية إلى تقويض أركان الإمارة الأمويّة، واستُُنفرت القُوى المضادّة للإسلام، وارتفعت أصوات الغُلاة من النصارى برُدودِ فعلٍ متباينة، كان منها اندلاع حركة الاستشهاد كما أسلَفنا، وكذلك بُروز دعاوى مواجهة الوجود الإسلامي بأساليبٍ تتعدّى حدود المصادمات العسكريّة والمواجهات الدمويّة، تهدف إلى مقارعة المسلمين عن طريق الفهم العميق لإيديولوجيّتهم، ومعرفة أسباب قوّتهم ومنازلتهم بمناهجهم الفكريّة وقواعدهم الحضاريّة.

٥٩

وكان للمُستعربين الدور الفعلي في الاختراق البشري والثقافي والسياسي للمجتمع الأندلسي، فوظّف فعلهم هذا بقصد أو بدون قصد، في بعض الأحيان، في خضمّ المشروع المعادي للوجود الإسلامي.

وإذا كان الاستشراق علماً يختصّ بلغات الشرق، وبالانجازات الحضاريّة المعبّر عنها بتلك اللغة، وبأديانهم وقيمهم وثقافتهم. وإذا كان قد فتح أمام الغرب والأوربّيين بصورةٍ عامّة أبواب الفكر الإسلامي، وآفاق نظامه الدقيق بهدف فهم الأُطروحة الإسلاميّة، التي غزت العالم وغيّرت الكثير من الثقافات السائدة والنظُم المنحرفة عن الفطرة الإنسانيّة، وتداعت أمامها أغلب النظريّات المتهرّئة، كان لابدّ من استطلاع دواعي هذه الأطروحة بل والمعايشة المباشرة والشاملة للوضع الجديد الذي طرأ على العالم، إزاء التحوّلات الخطيرة التي حصلت بفعل الإسلام والمسلمين.

وعليه فلابدّ للباحث المتتبّع للوقائع التاريخيّة من الاعتقاد بأنّ بِدء تكوّن الاستشراق، قد حدث بعد انتهاء عمليّات الفتح الإسلامي لشبه الجزيرة الأيبيريّة، أي بعد سنة ٧١٥م وبِدء استيطان العرب للمناطق المفتوحة، وأنّ ظاهرة الاستعراب الثقافي والاجتماعي والتشبّه بالفاتحين في عاداتهم وممارساتهم، لا يمكن فصلها عن تطوّر حركة الاستشراق وشروطها، والأوليّات الاجتماعيّة لتكوّنها.

بالإضافة إلى هذا فقد برز طرحٌ آخر كان له الدور الكبير في بلْوَرة الاستشراق، كان أبطاله وأدوات تنفيذه اليهود الذين وجدوا في المسلمين الفاتحين طريقاً للخلاص من الاضطهاد القوطي(١) ، وظلم الكاثوليكيّة. فتعاونوا معهم

____________________

(١) القوط: مجموعة شعوب منهم الشرقيّون ومنهم الغربيّون. والقوط الشرقيّون: استقرّوا أوّلاً في وادي الدانوب الشرقي، ثُمّ غزوا إيطاليا وأسّسوا فيها مملكة في أواخر القرن الخامس الميلادي. قضى عليها بوستينياس عام ٥٥٢م. والقوط الغربيّون: أقاموا غربي الدانوب في القرن الرابع الميلادي واعتنقوا = المسيحيّة الآريوسيّة (وهي بِدعة لدى النصارى، تنسب آريوس إلى الكاهن الاسكندري). احتلّوا روما عام ٤١٠م ثُمّ جلوا عنها ليستقرّوا في جنوب غربي فرنسا. ثمّ إسبانيا حيث أسّسوا مملكة ظلّت قائمة حتّى الفتح الإسلامي عام ٧١١م (القاموس (المنجد في الإعلام)).

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

الختم على طين قبر الحسينعليه‌السلام أن يقرءَ عليه: «إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ » »(١) .

٨ - وروي إذا أخذته فقل: « اللهُمّ(٢) بِحقّ هذِهِ التُربَةِ الطاهِرَةِ، وبِحَقِّ البُقعَةِ الطَّيِّبةِ، وَبحقِّ الْوَصيِّ الَّذي تواريهِ(٣) ، وَبحقِّ جَدِّهِ وَأبيهِ، وَاُمِّهِ وَأخيهِ، وَالمَلائِكَةِ الَّذِين يَحُفُّونَ بِهِ(٤) ، والملائكةِ الْعُكُوفِ عَلى قَبْرِ وَليّك، يَنْتَظِرُونَ نَصْرَهُ صَلّى الله عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ، اجْعَلْ لي فيهِ شِفاءً مِنْ كُلِّ داءٍ، وَأماناً مِنْ كُلِّ خَوْفٍ، وَغِنىً مِنْ كُلِّ فَقْرٍ(٥) ، وَعِزّاً مِنْ كُلِّ ذُلٍّ، وأوْسِعْ بِهِ عَليَّ في رِزقي، وَأصِحَّ بِهِ جِسْمي ».

٩ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريُّ، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد بن سالم، عن محمّد بن خالد، عن عبدالله بن حَمّاد البَصريّ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ - عن رَجل من أهل الكوفة - « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : حريم قبر الحسينعليه‌السلام فرسخ في فرسخ في فرسخ في فرسخ(٦) ».

١٠ - حدَّثني جعفر بن محمّد بن إبراهيم الموسويِّ، عن عُبيدالله بن نَهيك، عن سَعد بن صالِح(٧) ، عن الحسن بن عليِّ بن أبي المغِيرَة(٨) ، - عن بعض أصحابنا(٩) - « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : إنّي رَجلٌ كثير العِلل والأمراض، وما تركت دواءَ إلاّ وقد تداويت به؟ فقال لي: فأين أنت عن تُربة الحسينعليه‌السلام

__________________

١ - قال الفيض رحمه الله: لعلّ المراد بالختم عليه ما يتمّ به فائدته ويختمها. قال الجوهريّ: « قوله تعالى: « خِتامُهُ مِسْكٌ » أي آخِره، لأنّ آخر ما يجدونه رائحة المسك ».

٢ - في الكافي: « فقل: بسم الله، اللّهمّ - إلخ ».

٣ - أي استتره.

٤ - أي يطوفون به يدورون حوله.

٥ - ليس في الكافي: « وغنى من كلِّ فقر ».

٦ - تكرير الفراسخ أربع مرّات يدلُّ على أنّ المعنى أنّ حريمه عليه السلام فرسخٌ مِن كلِّ جانبٍ، فيكون « في » بمعنى « مع ». ( البحار )

٧ - كذا، وفي بعض النّسخ: « سعيد بن صالِح »، وهو مذكور في طريق النّجاشي إلى كتاب الزّبيديّ، وفي بعض نسخ النّجاشيّ: « سعيد بن جناح » وهو الصّواب، ظاهراً.

٨ - يعني الزّبيديّ الكوفيّ، قال النّجاشيّ: « ثقة - هو وأبوه -، روى عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام ».

٩ - الظّاهر أنّ المراد به الحارث بن المغيرة النّصريّ كما في أمالي الشّيخ رحمه الله .

٣٠١

فإنَّ فيها الشِّفاء من كلِّ داءٍ، والأمْنُ مِن كلِّ خَوف، وقل - إذا أخذته -:

«اللّهُمَّ إنّي أسْأَلُكَ بِحَقِّ هذِهِ الطِّينَةِ، وبِحَقِّ الملكِ الَّذِي أخَذَها، وَبِحَقِّ النَّبيِّ الَّذي قَبَضَها، وَبِحَقَّ الوًصيِّ الذي حُلَّ فيها، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَأهْلِ بَيْتِهِ، وأجْعَلْ لي فيها شِفاءً مِنْ كُلِّ داءٍ، وأماناً مِنْ كُلِّ خَوْفٍ (١) ».

قال: ثمَّ قال: إنَّ المَلَكَ الَّذي أخذها جبرئيل وأراها النَّبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: هذه تربة ابنكَ هذا، تقتله اُمَّتك مِن بَعدِك، والنَّبيُّ الَّذِي قبضها فهو محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمّا الوصيّ الَّذي حُلَّ فيها فهو الحسين بن عليٍّ سيِّد الشُّهداء، قلت: قد عَرَفتُ الشِّفاء من كلِّ داءٍ، فكيف الأمان مِن كللهَوف؟ قال: إذا خِفتَ سلطاناً أو غير ذلك فلا تخرج مِنْ منزلك إلاّ ومعكَ مِن طِين قبر الحسينعليه‌السلام ، وقل إذا أخذتَه: «اللّهُمَّ إنَّ هذِهِ طِينَةُ قَبْرِ الحُسَينِ وَليِّكَ وَابْنِ وَلِيَّكَ، اتَّخَذْتُها حِرْزاَ لِما أخافُ وَلِما لا أخافُ »، فإنَّه قد يرد عليك ما لا تخاف؛

قال الرَّجل(٢) : فأخذتها ما قال(٣) فصَحَّ والله بدني، وكان لي أماناً من كلِّ ما خِفتُ وما لم أخف كما قال، فما رَأيت بحمدِ الله بعدها مكروهاً »(٤) .

١١ - أخبرني حكيم بن داود بن حكيم، عن سَلَمَة، عن أحمدَ بن إسحاقَ القَزوينيّ(٥) ، عن أبي بَكّار « قال: أخذتُ مِنَ التُّربة الَّتي عند رَأس قبر الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام ، فإنّها طِينَة حَمراء، فدخلتُ على الرِّضاعليه‌السلام فعرضتها عليه فأخذها في كفِّه، ثمَّ شَمّها ثمَّ بكى حتّى جَرَتْ دُموعه، ثمَّ قال: هذه تربة جدَّي ».

١٢ - حدَّثني أبو عبدالرَّحمن محمّد بن أحمدَ بن الحسين العَسكريُّ بالعَسكر

__________________

١ - في الأمالي: « صلّ على محمّد وآل محمّد وأهل بيته، وافعل بي كذا وكذا ».

٢ - يعني الحارث بن المغيرة، كما مرّ.

٣ - كذا، وفي أمالي الشيخ رحمه الله: فأخذت كما أمرني، وقلت ما قال لي فصحّ جسمي - إلخ » وهو الصّواب.

٤ - في الأمالي: « فما رأيت مع ذلك بحمد الله »، والخبر مذكور في أمالي الشّيخ ( ره )، راجع ج ١ ص ٣٢٥ طبع النّجف الأشرف.

٥ - في بعض النّسخ: « محمّد بن إسحاق القزويني ».

٣٠٢

قال: حدَّثنا الحسن بن عليِّ بن مَهزيار، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عُمَير، عن محمّد بن مَروانَ، عن أبي حمزة الثُّماليِّ « قال: قال الصّادقعليه‌السلام : إذا أردت حمل الطّين مِن قبرِ الحسينعليه‌السلام فاقرء « فاتحة الكتاب » و « المعوَّذَتَين » و « قُلْ هُوَ الله أحَدٌ » و « إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ » و « يس » و « آية الْكُرْسيّ » وتقول:

«اللّهُمَّ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَحَبيبِكَ وَنَبيِّكَ وَأمينِكَ، وَبِحقِّ أمِير المؤمِنينَ عَليِّ بْنِ أبي طالبٍ عَبْدِكَ أخي رَسُولِكَ، وَبِحَقِّ فاطِمَةً بِنْتِ نَبيِّكَ وَزَوجَةِ وَليِّكَ، وَبِحَقِّ الحَسَنِ وَالحُسَين، وَبِحَقِّ الأئمَّةِ الرَّاشِدينَ، وَبِحَقِّ هذِهِ التُرْبَةِ، وَبِحَقِّ المَلَكِ المُوَكَّلِ بها، وَبِحَقِّ الوَصِيّ الَّذي حُلَّ فيها، وَبحقِّ الجَسَدِ الَّذي تَضَمَّنَتْ، وَبِحَقِّ السِّبْطِ الَّذِي ضُمِّنَتْ، وَبِحَقِّ جَميعِ مَلائِكَتِكَ وَأنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ، صَلِّ عَلىُ مُحَمَّدٍ وآل مُحَمَّدٍ، وَاجْعَلْ لي هذا الطّينَ شِفاءً مِنْ كُلِّ داءٍ ولِمنَ يَسْتَشْفي بِهِ مِنْ كُلِّ داءٍ وَسُقْمٍ وَمَرَضٍ، وَأماناً مِنْ كُلِّ خَوْفٍ، اللّهُمَّ بحقِّ مُحَمَّدٍ وَأهْلِ بَيْتِهِ، اجْعَلْهُ عَلَماً نافِعاً وَرِزْقاً واسِعاً، وَشِفاءً مِنْ كُلِّ داءٍ وسُقْمٍ وَآفَةٍ وَعاهَةٍ وَجَميعِ الأوْجاعِ كُلِّها، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ ».

وتقول: «اللّهُمَّ رَبَّ هذِهِ التُرْبَةِ المُبارَكَةِ المَيْمُونَةِ، وَالمَلَكِ الَّذي هَبَطَ بِها، وَالوَصِيِّ الَّذِي هُوَ فيها، صَلِّ عَلىُ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَسَلَّمْ، وانْفَعْني بِها، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ » ».

الباب الرّابع والتّسعون

( ما يقول الرَّجل إذا أكل من تربة قبر الحسين عليه السلام)

١ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن محمّد بن إسماعيل البَصريّ - عن بعض رجاله - عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: طين قبر الحسينعليه‌السلام شِفاءٌ مِن كلِّ داءٍ، وإذا أكلتَه فقل: «بِسْمِ الله وَبِالله، اللّهُمَّ اجْعَلْهُ رِزْقاً واسِعاً، وَعَلَماً نافِعاً وَشِفاءً مِنْ كُلِّ داءٍ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدير » ».

قال: وروى لي بعض أصحابنا - يعني محمّد بن عيسى - قال: نسيت

٣٠٣

إسناده « قال: إذا أكلته تقول: «اللّهُمَّ رَبَّ هذِهِ التُربَةِ المُبارَكَةِ، وَرَبَّ هذا الْوَصيِّ الَّذِي وارَتْه (١) ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وَاجْعَلْهُ عَلَماً نافِعاً، ورِزْقاً واسعِاً، وَشِفاءً مِنْ كُلِّ داءٍ » ».

٣ - حدَّثني الحسن بن عبدالله بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عَطيّة، عن أبيه، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إذا أخذتَ مِن تُربة المظْلوم وَوَضعتَها في فيكَ فقلْ:

«اللّهُمَّ إنّي أسْأَلُكَ بِحَقِّ هذِهِ التُربَةِ، وَبحقِّ المَلَكِ الَّذي قَبَضَها، وَالنَّبيِّ الَّذِي حَصَّنَها (٢) ،وَالإمامِ الَّذِي حُلَّ فيها، أنْ تُصَلّي عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأنْ تَجعَل لي فيها شِفاءً نافِعاً، وَرِزْقاً واسِعاً، وَأماناً مِنْ كُلِّ خَوْفٍ وَداءٍ ».

فإنّه إذا قال ذلك وَهَبَ الله له العافية وشفاه ».

الباب الخامس والتّسعون

( إنَّ الطّين كلّه حَرامٌ إلاّ طين قبر الحسين عليه السلام فإنَّه شِفاءٌ)

١ - حدَّثني محمّد بن يعقوبَ؛ وجماعةٌ مشايخي، عن محمّد بن يحيى، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن أبي يحيى الواسطيّ، عن رَجل - عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: الطّين كلّه حَرامٌ، كلحم الخِنزير، ومَن أكله ثمَّ مات مِنه لم اُصلِّ عليه، إلاّ طين قبر الحسينعليه‌السلام ، فإنّ فيه شِفاء من كلِّ داءٍ، ومَن أكله بشهوةٍ لم يَكن فيه شِفاءٌ »(٣) .

٢ - حدَّثني محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن عَبّاد بن سليمان، عن سعد بن سعد « قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن الطّين، قال: فقال: أكل الطّين حَرامٌ مثل المِيتة والدَّم ولحم الخِنزير إلاّ طين قبر الحسينعليه‌السلام ، فإنّ فيه

__________________

١ - واراه مُواراة: أُخفاه. أي وارته التّربة.

٢ - في بعض النّسخ: « حضنها » بالضّاد المعجمة.

٣ - جاء الخبر في الكافي بتفاوت يسير، راجع ج ٦ ص ٢٦٥ ح ١.

٣٠٤

شِفاءً مِن كلِّ داءٍ، وأمْناً مِن كلِّ خَوفٍ ».

٣ - حدَّثني أبو عبدالله محمّد بن أحمدَ بن يعقوبَ(١) ، عن عليِّ بن الحسن بن عليِّ بن فَضّال، عن أبيه - عن بعض أصحابنا - عن أحدهماعليهما‌السلام « قال: إنَّ الله تبارك وتعالى خلق آدمعليه‌السلام من طين، فحَرَّم الطّين على وُلْدِهِ، قال: فقلت: ما تقول في طين قبر الحسين صلوات الله عليه؟ فقال: يحرم على النّاس أكل لحومهم، ويَحلُّ عليهم أكل لحومنا(٢) ، ولكن الشَّيء اليسير منه مثل الحِمَّصَة »(٣) .

٤ - وروى سَماعَةُ بن مِهرانَ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: كلُّ طِين حرام على بني آدم ما خَلا طين قبر الحسينعليه‌السلام ، مَن أكله مِن وَجَع شَفاه الله تعالى ».

٥ - ووجدت في حديث الحسين بن مِهران الفارسيّ، عن محمّد بن سَيّار، عن يعقوبَ بن يزيدَ - يرفع الحديث إلى الصّادقعليه‌السلام - « قال: من باع طين قبر - الحسينعليه‌السلام فإنّه يبيع لحم الحسينعليه‌السلام ويشتريه ».

* * * * *

__________________

١ - كذا في النّسخ، ومرَّ الكلام فيه، راجع ص ٢٠٦ ذيل الخبر ٥.

٢ - قال العلاّمة الأمينيّ رحمه الله: ربما يكون في هذا الحديث إيعاز إلى أنّ طينة أئمّة الدِّين صلوات الله عليهم كلّهم من تربة الطّفّ المقدّسة حيث عبّر عنها بـ « لحومنا » مع سبق مثل هذا التّعبير عن مطلق الطّين بالنّسبة إلى البشر بلحاظ خلق آدم منه وهم ولده، وليس بذلك البعيد أن يكون تربة أشرف بقاع العالم طينة لأشرف موجوداته ويقرّبه خلقها قبل خلق أرض الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام كما مرَّ في أحاديث الباب الثامن والثّمانين، وكونها أفضل روضة من رياض الجنّة وأنّها لتزهر بين رياضها كالكوكب الدّرّي بين الكواكب، وأنّها أفضل مسكن في الجنّة، لا يسكنها إلاّ النّبيّون والمرسلون كما في الحديث المذكور في ص ٢٨٠، فعلى هذا ينزّل الحديث الآتي في آخر الباب أيضاً على الحقيقة.

٣ - الحِمِّص والحِمَّص: حَبٌّ يؤكل، الواحدة: حِمَّصة وحِمَّصة، وبالفارسية: « نَخود ». وقال العلاّمة المجلسيّ رحمه الله: الأحوط أن لا يتجاوز قدر العدسة، إذ ورد تفسير الحمّصة بها في بعض الرّوايات، والأشهر جواز قدر الحمّصة.

٣٠٥

الباب السّادس والتّسعون

( مَن نَأَتْ دارُه وبَعُدتْ شُقَّته(١) كيف يزوره صلوات الله عليه)

١ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد؛ ومحمّد بن يحيى، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عُمَير - عمّن رواه - « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : إذا بَعُدَتْ بأحَدِكم الشُّقَّة ونَأتْ به الدّار فليَعلِ أعلى منزلٍ له فيصلّي رَكعتين وليؤمَّ بالسَّلام إلى قبورنا، فإنَّ ذلك يصير إلينا ».

٢ - حدَّثني عليُّ بن الحسين؛ وعليُّ بن محمّد بن قولُوَيه جميعاً، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن حَمدان بن سليمان النّيسابوري، عن عبدالله بن محمّد اليمانيّ، عن مَنيع بن الحجّاج، عن يونسَ بن عبدالرَّحمن، عن حَنان بن سَدير، عن أبيه - في حديث طويل - « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : يا سَدِيرُ وما عليك أن تزور قبر الحسينعليه‌السلام في كلِّ جُمُعة خمسَ مرَّات(٢) ؛ وفي كلِّ يوم مَرَّةً؟ قلت: جُعِلتُ فِداك إنَّ بيننا وبينه فراسخ كثيرة، فقال: تصعد فوق سطحك، ثمّ تلتفتُ يُمنةً ويُسرة، ثمّ ترفع رأسك إلى السّماء، ثمَّ تتحوَّل نحو قبر الحسين، ثمَّ تقول: « السَّلامُ عَلَيكَ يا أبا عَبْدِالله، السَّلامُ عَلَيكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ »، يكتب لك زَورة، والزَّورة حَجّة وعُمرة، قال سَدِيرُ: فربما فعلته في النّهار أكثر مِن عشرين مَرّة ».

٣ - حدَّثني حكيم بن داود، عن سَلَمة بن الخطاب، عن عبدالله بن محمّد [عن عبدالله بن محمّد بن سِنان](٣) ، عن مَنيع، عن يونسَ بنِ عبدالرَّحمن، عن

____________

١ - النّأْيُ: البعد. نَأَى يَنْأَى: بَعُد. والشِّقَّة والشُّقَّة: المسافة الّتي يشقّها السّائر.

٢ - يفهم من ظاهره أنّه يسلّم عليه بعد كلِّ صلاة.

٣ - الظّاهر أنّ ما بين المعقوفين زيادة من النّاسخ، و « عبدالله بن محمّد » مشتركٌ بين النّهيكي واليمانيّ. وجاء الخبر في الكافي وسنده هكذا: « سلمة بن الخطّاب، عن عبدالله بن

٣٠٦

حَنان بن سَدير، عن أبيه « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : يا سَدير تزور قبر الحسينعليه‌السلام في كلّ يوم؟ قلت: جُعِلت فِداك لا، قال: ما أجفاكم! أفتزورُه في كلِّ شَهر؟ قلت: لا، قال: فتزورُه في كلِّ سنةٍ، قلت: يكون ذلك، قال: يا سَديرُ ما أجفاكم بالحسينعليه‌السلام أما عَلِمتَ أنَّ ‏لله ألفُ ألف مَلَك شُعثاً غُبراً يبكون ويزورون لا يفترون؟ وما عليك يا سَديرُ أن تزورَ قبر الحسينعليه‌السلام في كلِّ جُمعة خمس مرّات؟ - وذكر مثل الحديث الأوّل - ».

٤ - وروى سليمان بن عيسى، عن أبيه « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : كيف أزورك إذا لم أقدر على ذلك؟ قال: قال لي: يا عيسى إذا لم تقدر على المجيء، فإذا كان يوم الجُمُعة فاغتسل أو توضَّأ وَاصْعَد إلى سَطْحِك، وصَلِّ ركعتين وتَوجَّه نحوي، فإنّه مَن زارني في حَياتي فقد زارَني في مَماتي، ومَن زارَني في مَماتي فقد زارني في حياتي »(١) .

٥ - حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن عبدالله بن محمّد الدَّهقان(٢) ، عن مَنيع بن الحجّاج، عن حَنان بن سَدير، عن أبيه « قال: قال لي أبو عبداللهعليه‌السلام : يا سَدير تكثر(٣) مِن زيارة قبر أبي عبدالله الحسين؟ قلت: إنّه مِن الشّغل، فقال: ألا اُعلّمك شيئاً إذا أنتَ فعلتَه كتبَ الله لك بذلك الزّيارة؟ فقلت: بلى جُعِلتُ فِداك، فقال لي: اغتسلْ في منزلك وَاصْعَدْ إلى سطح دارِك وأشِرْ إليه بالسَّلام، تكتب لك بذلك الزِّيارة ».

__________________

الخطّاب، عن عبدالله بن محمّد بن سنان، عن مسمع، عن يونس »، وفي التّهذيب: « سلمة ابن الخطّاب، عن عبدالله بن الخطّاب، عن محمّد بن حسّان، عن منيع بن الحجّاج، عن يونس »، وسيأتي الخبر في الباب السّابع والتّسعين تحت رقم ٩ بهذا السّند.

١ - قال العلاّمة المجلسيّ رحمه الله: « هذا الخبر يدلّ على أنّ زيارة الإمام الحيّ أيضاً تجوز بهذا الوجه. فهذا مستند لزيارة القائم صلوات الله عليه في أيّ مكان أراد، ويتوجّه إلى السّرداب المقدّس ». وقال الأمينيّرحمه‌الله مثله.

٢ - في بعض النّسخ: « الدّهّان ».

٣ - في مقام السّؤال عن ترك إكثار الزّيارة كما يفهم من جوابه. ( الأمينيّ )

٣٠٧

٦ - حدّثني محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن إسماعيلَ بن سَهل، عن أبي أحمدَ(١) - عمّن رواه - « قال: قال لي أبو عبداللهعليه‌السلام : إذا بَعُدَتْ عليك الشُّقَّة ونَأَتْ بك الدَّار فلتَعلِ على أعلى منزلك ولتُصَلِّ رَكعتين، فلتؤمَّ بالسَّلام إلى قبورنا فإنَّ ذلك يصل إلينا ».

٧ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريّ، عن أبيه، عن أحمدَ بن أبي عبدالله البرقيِّ، عن أبيه - رفع الحديث إلى أبي عبداللهعليه‌السلام - « قال: دخل حَنان ابن سَدِير الصَّيرَفيُّ على أبي عبداللهعليه‌السلام - وعنده جماعةٌ من أصحابه - فقال: يا حَنانَ بنَ سَدير تَزورُ أبا عبداللهعليه‌السلام في كلِّ شَهر مَرَّةً؟ قال: لا، قال: ففي كلِّ شَهرين مرَّة؟ قال: لا، قال: ففي كلِّ سَنَةٍ مرَّةً؟ قال: لا، قال: ما أجفاكم لسيّدكم! فقال: يا ابن رَسول اللهِ قلَّةُ الزَّاد وبُعدُ المسافة، قال: ألا أدلّكم على زيارة مقبولة وإن بَعُد النّأي؟ قال: فكيف أزورُه يا ابن رسول الله؟ قال: اغتسل يوم الجُمُعة أو أيّ يوم شئت، والبس أطهرَ ثيابك واصْعَد إلى أعلى موضعٍ في دارِك أو الصَّحراء، فاستقبل القٍبلَةَ بوَجهك بعد ما تبيّن أنَّ القبرَ هنالك(٢) ، يقول الله تبارك وتعالى: «أيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَ وَجْهُ اللهِ (*) ». ثمَّ قل:

__________________

١ - يعني محمّد بن أبي عمير.

* - البقرة: ١١٥. وفي المصحف: « فأينما تولّوا - الآية ».

٢ - قال العلاّمة المجلسيّ رحمه الله: قوله عليه السلام: « فاستقبل القبلة بوجهك »، لعلّه عليه السلام إنّما قال ذلك لمن أمكنه استقبال القبر والقبلة معاً، ولما ظهر من قوله: « بعد ما تبيّن أنّ القبر هنالك »، أنّ استقبال القبر أمرٌ لازم، وإن لم يكن موافقاً للقبلة، استشهد بقوله تعالى: « أينما تولّوا فثمّ وجه الله » أي نسبته تعالى إلى جميع الأماكن على السّواء، واستقبال القبر للزّائر بمنزلة استقبال القبلة، وهو وجه الله، أي جهته الّتي اُمر النّاس باستقبالها في تلك الحالة، والقرينة عليه قوله عليه السلام: « ثمّ تتحوّل على يسارك » فإنّ قبر علي بن الحسين إنّما يكون على يسار من يستقبل القبر والقبلة معاً. ويحتمل أن يكون المراد بالقبلة هنا جهة القبر مجازاً، ويحتمل أيضاً أن يكون المراد استقبال القبلة على أيّ حال، ويكون المراد بقوله: « بعد ما تبيّن أنّ القبر هنالك » تخيّل القبر في تلك الجهة، والاستشهاد بالآية بناء على أنّ المراد بوجه الله هم الأئمّة عليهم السلام، ونسبتهم أيضاً إلى

٣٠٨

«السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَولايَ وَابْنَ مَولايَ، وَسَيِّدي وَابْنَ سَيِّدي، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَولايَ الشَّهيدَ بْنَ الشَّهيدِ، وَالْقَتِيلَ بْنَ الْقَتيلِ، السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، أنَا زائِرُكَ يا ابْنَ رَسُولِ الله بِقَلْبي وَلِساني وَجَوارِحي، وَإنْ لَمْ أزُرْكَ بِنَفْسي مُشاهَدَةَ لِقُبَّتِكَ (١) ،فَعَليْكَ السَّلامُ يا وارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ الله، وَوارِثَ نُوح نَبيِّ اللهِ، وَوارِثَ إبراهيمَ خَليلِ الله، وَوارِثَ مُوسى كَليم اللهِ، وَوارِثَ عيسى رُوح الله، وَوارِثَ مُحَمَّدٍ حَبيبِ اللهِ وَنَبيِّهِ وَرَسُولِهِ، وَوارِثَ عَليِّ أمير المؤمنين وَصيّ رَسُولِ اللهِ وَخَليفَتِهِ، وَوارِثَ الحسَنِ بْن عَليّ وَصيِّ أمِير المؤمِنينَ، لَعَنَ اللهُ قاتِليكَ، وَجَدَّدَ عَلَيْهِمْ الْعَذابَ في هذِهِ السّاعَةِ وَفي كُلِّ ساعَةٍ، أنَا يا سَيِّدي مُتقَرِّبٌ إلى اللهِ جَلَّ وَعَزَّ، وإلى جَدِّكَ رَسُولِ اللهِ، وَإلى أبيكَ أمِيرِ المُؤْمِنينَ، وإلى أخِيكَ الحسَنِ، وَإلَيْكَ يا مَولايَ، فَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، بِزيارَتي لَكَ بِقَلْبي وَلِساني وَجَميع جَوارِحي، فَكُنْ لي يا سَيِّدي شَفيعي لِقَبُولِ ذلِكَ مِنِّي، وَأنَا بِالْبَراءَةِ مِنْ أعْدائِكَ وَاللَّعْنَةِ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ أتَقَرَّبُ إلى اللهِ وَإلَيكُمْ أجْمَعِينَ، فَعَلَيْكَ صَلَواتُ اللهِ وَرِضْوانُهُ وَرَحْمَتُهُ ».

ثمَّ تتحوَّل على يسارك قليلاً وتحوَّل وجهك إلى قبر عليِّ بن الحسينعليهما‌السلام ، وهو عند رِجل أبيه، وتسلّم عليه مثل ذلك، ثمَّ ادعُ الله بما أحببتَ من أمر دينك ودُنياك، ثمَّ تصلّي أربع رَكعات فإنَّ صَلاة الزِّيارة ثمان أو سِتَ أو أربع أو ركعتان، وأفضلها ثمان، ثمَّ تستقبل نحوَ قبر أبي عبداللهعليه‌السلام وتقول:

«أنا مُوَدِّعِكُ يا مَولايَ وَابْنَ مَولايَ، وَيا سَيِّدِي وَابْنَ سَيِّدي، وَمُوَدِّعُكَ يا سَيِّدي وَابْنَ سَيِّدي يا عَليَّ بْنَ الحسَينِ، وَمُوَدِّعُكُمْ يا ساداتي، يا مَعاشِرَ الشُّهَداءِ، فَعَلَيْكُمْ سَلامُ اللهِ وَرَحْمَتُهُ وَرِضْوانُهُ وَبَرَكاتُهُ » ».

__________________

الأماكن على السّويّة لإحاطة علمهم ونورهم بجميع الآفاق، ويكون التّحوّل إلى اليسار لأنّ في تخيّل القبر للمستقبل يكون قبر عليّ بن الحسين عليهما السلام على يسار المستقبل كما إذا كان عند القبر واستقبل القبلة يكون كذلك. ولا يبعد أن يكون « القبلة » تصحيف « القبر ».

والأظهر هو الوجه الأوّل كما فهمه الشّيخ رحمه الله وغيره، وحكموا باستقبال القبر مطلقاً وهو الموافق للأخبار الاُخر الواردة في زيارة البعيد، والله يعلم.

١ - المراد بالقبّة هنا بناء مسقّف.

٣٠٩

الباب السّابع والتّسعون

( ما يكره من الجفاء (١) لزيارة قبر الحسين عليه السلام  )

١ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم - عن بعض أصحابه - عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: كم بينكم وبين قبر الحسين؟ قلت: سِتَّة عشر فرسخاً، قال: أوَما تأتونه؟ قلت: لا، قال: ما أجفاكم! ».

٢ - وعنه، عن سعد، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن موسى بن الفضل(٢) ، [عن عليّ بن الحكم] - عمّن حدَّثه - عن حَنان بن سَدير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قلت له: ما تقول في زيارة قبر الحسينعليه‌السلام ؟ فقال: زُرْه ولا تجفه، فإنَّه سيِّد الشُّهداء وسيِّد شباب أهل الجنَّة، وشبيه يحيى بن زَكريّا، وعليهما بَكَتِ السَّماء والأرض ».

٣ - وحدَّثني محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن أحمدَ بنِ أبي داودَ، عن سعد بن أبي عمر [و] الجلاّب(٣) ، عن الحارث الأعور « قال: قال عليٌّعليه‌السلام : بأبي واُمّي الحسين المقتول بظهر الكوفة، والله لَكَأنّي أنظر إلى الوحْش مادّة أعناقها على قبره من أنواع الوحش يبكونه ويَرْثُونَه ليلاً حتى الصّباح، فإذا كان ذلك فإيّاكم والجفاء »(٤) .

__________________

١ - الجفاء: البعد عن الشّيء، وترك الصّلة والبرّ، وغلظ الطّبع.

٢ - هو غير مذكور في كتب الرّجال، والظّاهر كونه تصحيف « موسى بن القاسم » وهو أبو عبدالله ابن معاوية بن وهب، مِن أصحاب الرِّضا عليه السلام، له كتاب، روى عنه أحمد بن محمّد بن عيسى. ( جش ) وتقدّم مثله في ص ٩٦، وليس في سنده « عليّ بن الحكم ».

٣ - في البحار: « ابن عيسى، عن أبي داود، عن سعد، عن أبي عمر الجلاّب، عن الحارث الأعور ».

٤ - أي بترك زيارته عليه السلام

٣١٠

٤ - حدَّثني أبي؛ وأخي؛ وعلي بن الحسين؛ ومحمّد بن الحسن، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن حَمدانَ بن سليمانَ النّيسابوريِّ، عن عبدالله بن محمّد اليمانيّ، عن مَنيع بن الحجّاج، عن يونسَ بن عبدالرَّحمن، عن حَنان بن سَدير، عن أبيه سَدِير « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : يا سَدِير تَزورُ قبر الحسينعليه‌السلام في كلِّ يوم؟ قلت: لا، قال: ما أجفاكم، قال: أتزورُه في كلِّ جُمْعة، قلت: لا، قال: فتزوره في كلِّ شهر؟ قلت: لا، قال: فتزورُه في كلِّ سنةٍ؟ قلت: قد يكون ذلك، قال: يا سَدير ما أجفاكم بالحسينعليه‌السلام ، أما علمتَ أنَّ للهِ ألفَ ملكٍ شُعثاً غُبراً يَبكونه ويَرْثُونَه، لا يَفترونَ زُوَّاراً لِقبر الحسين، وثوابهم لِمَن زارَه - وذكر الحديث - ».

٥ - حدَّثني الحسن بن عبدالله بن محمّد بن عيسى، [عن أبيه] عن الحسن بن محبوب، عن حَنان بن سَدِير « قال: كنت عند أبي جعفرعليه‌السلام فدخل عليه رَجلٌ فسلّم عليه وجَلَس، فقال أبو جعفرعليه‌السلام : مِن أيِّ البُلدان أنتَ؟ فقال له الرَّجل: أنا رَجلٌ من أهل الكوفة، وأنا مُحبٌّ لك؛ مُوالٍ، فقال له أبو جعفرعليه‌السلام : أفتزورُ قبر الحسينعليه‌السلام في كلِّ جُمْعة؟ قال: لا، قال: ففي كلِّ شَهر؟ قال: لا، قال: ففي كلّ سَنَةٍ؟ قال: لا، فقال له أبو جعفرعليه‌السلام : إنّك لمحروم من الخير - وذكر الحديث(١) - ».

٦ - وحدَّثني محمّد بن جعفر(٢) قال: حدَّثني محمّد بن الحسين، عن جعفر بن بَشير، عن حَمّاد بن عيسى، عن رِبعيّ بن عبدالله، عن الفضيل بن يَسار « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : ما أجفاكم يا فضيل؛ لا تزورون الحسينعليه‌السلام ، أما علمتَ أنَّ أربعةَ آلاف ملكٍ شُعْثاً غُبراً يبكونه إلى يوم القيامة؟! ».

٧ - وعنه، عن محمّد بن الحسين، عن جعفر بن بَشير، عن حمّاد، عن محمّد بن مسلم، عن زُرارةَ، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: كم بينكم وبين قبر

__________________

١ - تقدّم الخبر بطوله في ص ٢٧ تحت رقم ١٢، بتفاوت يسير في السّند.

٢ - يعني الرّزّاز القرشيّ.

٣١١

الحسينعليه‌السلام ؟ قال: قلت: سِتّة عشر فرسخاً، أو سبعة عشر فرسخاً، قال: أما تأتونه؟ قلت: لا، قال: ما أجفاكم ».

٨ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمّد بن اُورَمَة، عن أبي عبدالله المؤمن، عن ابن مُسكانَ، عن سليمانَ بن خالد « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: عجباً لأقوام يزعمون أنّهم شيعة لنا ويقال: إنّ أحدهم يمرُّ به دَهُره ولا يأتي قبر الحسينعليه‌السلام ، جَفاءً منه وتَهاوناً وعَجزاً وكَسَلاً، أما والله لو يعلم ما فيه من الفضل ما تهاون ولا كسل، قلت: جُعِلتُ فِداك وما فيه من الفضل؟ قال: فضل وخير كثير، أمّا أوَّل ما يُصيبه أن يغفر له ما مضى من ذنوبه، ويقال له: استأنفِ العملَ ».

٩ - حدَّثني حكيم بن داود بن حكيم، عن سَلَمةَ بنِ الخطّاب، عن عبدالله بن الخطّاب، عن عبدالله بن محمّد بن سنان(*) ، عن منيع بن الحجّاج، عن يونسَ بن عبدالرَّحمن، عن حنان، عن أبيه « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : يا سَدير تزورُ قبر الحسينعليه‌السلام في كلِّ يوم؟ قلت: جعلت فِداك لا، قال: ما أجفاكم! فتزورُه في كلِّ جمعة؟ قلت: لا، قال: فتزورُه في كلِّ شَهر؟ قلت: لا، قال: فتزورُه في كلِّ سَنَةٍ، قال: قد يكون ذلك، قال: يا سَدِير ما أجفاكم بالحسينعليه‌السلام - وذكر الحديث(١) - ».

١٠ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن سعد، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن محمّد بن ناجية، عن محمّد بن عليِّ، عن عامر بن كثير السَّرَّاج النَّهْديّ، عن أبي الجارود، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: قال لي: كم بينك وبين قبر الحسينعليه‌السلام ؟ قلت: يوم للرَّاكب ويوم وبعض يوم للماشي، قال: أفتأتيه كلّ جُمْعة؟ قلت: لا ما آتيه إلاّ في حين، قال: ما أجفاكم! أما لو كان قريباً مِنّا لأتَّخذناه هجرة - أي نهاجر إليه - ».

حدَّثني جماعة مشايخي، عن أحمدَ بن إدريس، عن محمّد بن أحمدَ، عن محمّد

__________________

١ - تقدّم الخبر في ص ٣٠١ تحت رقم ٣ مع بيانٍ في سنده.

* - مرّ الكلام فيه.

٣١٢

ابن ناجيةَ، عن محمّد بن عليٍّ، عن عامِر بن كثير النَّهديّ السَّرَّاج، عن أبي الجارود، عن أبي جعفرعليه‌السلام - مثله.

الباب الثّامن والتّسعون

( أقلّ ما يزار فيه الحسين عليه السلام  )

( وأكثر ما يجوز تأخير زيارته للغنيّ والفقير)

١ - حدَّثني جعفر بن محمّد بن إبراهيم بن عبدالله الموسويُّ، عن عبيدالله ابن نَهيك، عن محمّد بن أبي عُمَير، عن أبي أيّوب(١) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: حقٌّ على الغَنيّ أن يأتي قبر الحسينعليه‌السلام في السَّنة مَرَّتين، وحَقٌّ على الفقير أن يأتيه في السَّنَةِ مَرَّة »(٢) .

٢ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن عليِّ بن الحكم، عن عامِر بن عُمَير؛ وسعيد الأعرج، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: ائتوا قبر الحسينعليه‌السلام في كلِّ سَنَةٍ مرّةً ».

٣ - حدَّثني أبو العبّاس(٣) ، عن محمّد بن الحسين، عن جعفر بن بَشير، عن مسلم(٤) ، عن عامر بن عُمَير؛ وسعيد الأعرج جميعاً، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: ائتوا قبر الحسينعليه‌السلام في كلِّ سَنَةٍ مرّةً ».

٤ - حدَّثني جعفر بن محمّد بن عبدالله الموسويُّ، عن عبيدالله بن نَهيك، عن ابن أبي عُمَير، عن حمّاد، عن الحلبيّ « قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن زيارة

__________________

١ - يعني إبراهيم بن عثمان.

٢ - قال الفيض رحمه الله: « لعلّ الحكم مخصوص بمن كان قريباً، أو كان متيسّراً له، فإنّ الظّاهر أنّ الخطاب لأهل الكوفة ومَن بحواليها ». وقال العلاّمة المجلسيّ رحمه الله مثله.

٣ - يعني محمّد بن جعفر الرّزّاز.

٤ - كذا، ويأتي الخبر بعينه تحت رقم ٩ وفيه: « جعفر بن بشير، عن حمّاد، عن ابن مسلم » وكأنّ فيه سقطاً، وهو « حمّاد، عن ابن ».

٣١٣

قبر الحسين صلوات الله عليه، قال: في السَّنة مَرَّة، لأنّي أكره الشُّهرة ».

٥ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن يعقوب بن يزيدَ، عن ابن أبي عُمَير - عن بعض أصحابنا - عن ابن رِئاب(١) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: حقُّ على الفقير أن يأتي قبر الحسين في السَّنة مرَّةً، وحقٌّ على الغنيّ أن يأتيه في السَّنة مرَّتين ».

٦ - حدَّثني أبيرحمه‌الله ومحمّد بن الحسن، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عُمَير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبيّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « في زيارة قبر الحسينعليه‌السلام قال: في السّنة مَرَّة، إنّي أكره الشُّهرة ».

٧ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن الحسن بن عليّ بن عبدالله بن المغيرة، عن العبّاس بن عامِر قال: قال عليُّ بن أبي حمزة، عن أبي الحسنعليه‌السلام « قال: لا تجفوه، يأتيه الموسر في كلِّ أربعة أشهرٍ، والمعسِر لا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إلاّ وُسْعَها، قال العبّاس: لا أدري قال هذا لـ « عَليِّ » أو لـ « أبي ناب »(٢) ».

٨ - حدَّثني محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عُمَير، عن حَماد بن عثمان، عن الحلبيّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سألته عن زيارة الحسينعليه‌السلام ، قال: في السَّنة مَرَّة، إني أخاف الشُّهرة ».

٩ - حدَّثني أبو العبّاس، عن الزيّات(٣) ، عن جعفر بن بشير، عن حمّاد، عن ابن مسلم، عن عامر بن عُمير؛ وسعيد الأَعرج، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: أيتوا قبر الحسينعليه‌السلام في كلِّ سنة مرَّة ».

١٠ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد، عن عليِّ بن إسماعيلَ بن عيسى،

__________________

١ - في بعض النّسخ: « أبي أيّوب »، وفي بعضها: « أبي ناب »، وفي التّهذيب ( ج ٦ ص ٤٩ ) كما في المتن، وهو عليَّ بن رئاب الكوفيّ، له أصل كبير، ثقةٌ جليل القدر.

٢ - المراد بهما الحسن بن عطيّة وعلي بن أبي حمزة.

٣ - يعني ابن أبي الخطّاب، وراويه الرزّاز.

٣١٤

عن صفوانَ بن يحيى، عن العِيص بن القاسم « قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام : هل لزيارة القبر صلاة مفروضة؟ قال: ليس له صلاة مفروضة (١) ، قال: وسألته في كم يوم يزار؟ قال: ما شئت ».

١١ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن عبدالله بن جعفر الحِميريّ بإسناده - رفعه إلى عليِّ بن ميمون الصّائغ - عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: يا عليُّ بلغني أنَّ قوماً مِن شيعتنا يمرُّ بأحدهم السَّنة والسَّنتان لا يزورون الحسينَعليه‌السلام ، قلت: جُعِلتُ فِداك إنَّي أعرف اُناساً كثيرةً بهذه الصِّفة، قال: أما والله لحظّهم أخطأوا، وعن ثَواب اللهِ زاغوا، وعن جِوار محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله تَباعدوا، قلت: جُعلتُ فداك في كم الزيارة؟ قال: يا عليُّ إن قدرتَ أن تَزورَه في كلِّ شهر فافعل، قلت: لا أصل إلى ذلك، لأنّي أعمل بيدي واُمور النّاس بيدي، ولا أقدر أن اُغيّب وجهي عن مَكاني يوماً واحداً، قال: أنت في عُذر ومَن كان يعمل بيده، وإنّما عَنَيت مَن لا يعمل بيده ممَّن إن خرج في كلِّ جمعةٍ هانَ ذلك عليه(٢) ، أما إنّه ماله عندالله مِن عُذر ولا عند رَسوله مِن عذر يوم القيامة، قلت: فإن أخرج عنه رَجلاً فيجوز ذلك؟ قال: نَعَم وخروجه بنفسه أعظم أجراً وخيراً له عند ربّه، يراه رَبّه ساهِرَ اللّيل، له تعب النّهار، ينظر الله إليه نظرةً توجب له الفردوس الأعلى مع محمّدٍ وأهل بيته، فتنافسوا في ذلك وكونوا مِن أهله ».

١٢ - حدَّثني الحسن بن عبدالله بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن صَبّاح الحَذّاء، عن محمّد بن مَروان، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعته يقول: زُوروا قبر الحسينعليه‌السلام ، ولو كلَّ سَنَة مَرَّة - وذكر الحديث - ».

١٣ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن أحمدَ بن إدريسَ؛ ومحمّد بن يحيى، عن العَمركي بن عليِّ البوفَكيِّ قال: حدَّثنا يحيى - وكان في خدمة أبي جعفر الثّاني - عن عليِّ، عن صَفوانَ بن مِهرانَ الجمّال، عن أبي عبداللهعليه‌السلام - في حديث طويل - « قلت له: مَن يأتيه زائراً ثمّ ينصرف متى يعود إليه؟ وفي كَمْ [يوم]

__________________

١ - في بعض النّسخ: « شيء مفروض ».

٢ - أي سهل عليه.

٣١٥

يؤتى؟ وكَمْ يسع النّاس تَركه؟ قال: لا يسع أكثر من شَهر (١) وأمّا بعيد الدَّار ففي كلِّ ثلاث سنين، فما جاز ثلاث سِنين فلم يأته فقد عقَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقطع حرمته، إلاّ من علّة ».

١٤ - حدَّثني عليُّ بن الحسين بن موسىرحمه‌الله عن عليِّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن فَضّال، عن عليِّ بن عُقبة، عن عبيدالله الحلبيِّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قلت: إنّا نَزور قبر الحسينعليه‌السلام في السَّنة مرَّتين أو ثلاثة، فقال أبو عبداللهعليه‌السلام : أكره أن تكثروا القصد إليه؛ زُورُوه في السَّنة مَرَّة، قلت: كيف اُصلّي عليه؟ قال: تقوم خلفه عند كتفيه، ثمَّ تصلّي على النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله وتصلّي على الحسينعليه‌السلام ».

‍١٥ - وقال العَمَركي بإسناده قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : إنّه يصلّي عند قبر الحسين أربعة آلاف ملكٍ مِن طلوع الفجر إلى أن تغيب الشَّمس، ثمَّ يَصعَدون، وينزل مثلهم فيصلّون إلى طلوع الفجر، فلا ينبغي للمسلم أن يتخلّف عن زِيارة قبره أكثر من أربع سنين ».

١٦ - وبإسناده عن محمّد بن الفضل، عن أبي ناب(٢) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سألته عن زيارة قبر الحسين صلوات الله عليه، قال: نَعَم تَعدِل عُمرة، ولا ينبغي التَّخلُّف عنه أكثر مِن أربع سنين »(٣) .

١٧ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريُّ، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد بن سالم، عن محمّد بن خالد، عن عبدالله بن حمّاد البصريِّ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ، عن صفوان الجمّال « قال سألت أبا عبداللهعليه‌السلام - ونحن في طَريق المدينة نُريد مَكّة - فقلت له: يا ابن رسول الله ما لي أراك كَئيباً

__________________

١ - يعني أمّا القريب فلا يسع أكثر من شهر، وسيأتي بلفظه تحت رقم ١٧.

٢ - الظّاهر هو الحسن بن عطيّه، المعنون في رجال الشّيخ من أصحاب الصادق عليه السلام، ثقة.

٣ - يمكن حمل الثّلاث على المتوسّط في البعد، والأربع على ما كان أبعد منه، أو على اختلاف النّاس في القدرة. ( البحار )

٣١٦

حَزيناً مُنْكَسِراً؟ فقال لي: لو تَسمع ما أسمع لَشَغلَك عن مسائلي، قلت: فما الَّذي تسمع؟! قال: ابتهالَ الملائكة إلى الله عزَّوجلَّ على قتلة أمير المؤمنين وقتلة الحسينعليهما‌السلام ، ونَوحَ الجنَّ وبُكاءَ الملائكة الَّذين حَولَه وشدَّة حُزنهم، فمَن يتهنّأ مع هذا بطعام أو بشراب أو نوم؟!! قلت له: فمن يأتيه زائراً ثمَّ ينصرف فمتى يعود إليه؛ وفي كَمْ [يوم] يؤتى وفي كَمْ يسع النّاس تركه؟ قال: أمّا القريب فلا أقلَّ مِن شَهر، وأمّا بَعيد الدَّار ففي كلّ ثلاث سنين، فما جاز الثّلاث سنين فقد عَقَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقطع رحمه إلاّ من عِلة، ولو يعلم زائر الحسينعليه‌السلام ما يدخل على رسول الله [صلى‌الله‌عليه‌وآله ] وما يصل إليه من الفَرَح وإلى أمير المؤمنين وإلى فاطمة والأئمّة والشّهداء منّا أهل البيت وما ينقلب به من دعائهم له؛ وما له في ذلك من الثَّواب في العاجل والآجل والمذخور له عند الله لأحبّ أن يكون ما ثَمَّ داره ما بقي(١) .

وإنَّ زائره ليخرج مِن رَحله فما يقع فيه على شيءٍ إلاّ دعا له، فإذا وقعتِ الشَّمس عليه أكلَتْ ذنوبَه كما تأكل النّار الحَطَبَ، وما تُبقي الشّمسُ عليه من ذنوبه شيئاً، فينصرف وما عليه ذنبٌ وقد رفع له من الدَّرجات ما لا يناله المتشحّط بدمه في سبيل الله ويوكّل به ملك يقوم مقامه ويستغفر له حتّى يرجع إلى الزِّيارة أو يمضي ثلاث سِنين أو يموت - وذكر الحديث بطوله - ».

حدَّثني أبيرحمه‌الله عن أحمدَ بن إدريسَ؛ ومحمّد بن يحيى جميعاً، عن العَمْركي بن عليِّ البوفكيِّ قال: حدَّثنا يحيى - وكان في خدمة أبي جعفر الثّاني - عن عليٍّ، عن صَفوانَ بن مِهران الجمّال، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته في طريق المدينة - وذكر الحديث بطوله -.

* * * * *

__________________

١ - قال العلاّمة المجلسيّ رحمه الله: « لأحبّ أن يكون ماثمَ داره » أي يكون داره عنده عليه السلام لا يفارقه، وفي بعض النّسخ بالتّاء المثنّاة، أي مأتمّ وما استقرّ في داره.

٣١٧

الباب التّاسع والتّسعون

( ثواب زيارة قبر أبي الحسن موسى بن جعفر)

( ومحمّد بن عليٍّ الجواد عليهم السلام ببغداد)

١ - حدَّثني عليُّ بن الحسين بن موسى بن بابويهرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليٍّ الوَشّاء « قال: سألت الرّضاعليه‌السلام عن زيارة قبر أبي الحسنعليه‌السلام أمثل زيارة قبر الحسينعليه‌السلام ؟ قال: نَعَم ».

وحدَّثني محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، بإسناده مثله(١) .

٢ - حدّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن أبي عليٍّ، عن الحسين بن بَشّار الواسطيِّ(٢) « قال: قلت للرّضاعليه‌السلام : أزور قبر أبي الحسنعليه‌السلام ببغداد؟ فقال: إن كان لابدَّ منه فمن وراءِ الحجاب »(٣) .

٣ - حدَّثني عليُّ بن الحسين، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن أبي عبدالله البرقيِّ، عن الحسن بن عليٍّ الوشّاء « قال: قلت للرّضاعليه‌السلام : ما لِمَن زارَ قبر أبيك أبي الحسنعليه‌السلام ؟ فقال: زُرْه، قال: فقلت: فأيُّ شيء فيه من الفضل؟ قال: له مثل مَن زارَ قبر الحسينعليه‌السلام »(٤) .

____________

١ - راجع الكافي ج ٤ ص ٥٨٣ ح ٢.

٢ - هو الحسين بن بشّار بالباء الموحّدة المفتوحة والشّين المعجمة المشدّدة، ثقة، صحيح، عدَّه الشّيخ في رجاله من أصحاب الرّضا عليه السلام وما في بعض النّسخ: « يسار » - بالسّين المهملة - سهو، لعدم وجوده في كتب الرّجال. وراويه « أبو علي » الظّاهر هو محمّد بن عيسى الأشعريّ.

٣ - الأمر بالزّيادة خارج الجدار ومن وراء الحجاب للتّقية من المخالفين. ( البحار )

٤ - الخبر رواه الصّدوق في ثواب الأعمال هكذا: « قلت للرّضا عليه السلام: ما لمن زار قبر أبي الحسن عليه السلام؟ قال: له مثل ما لمن زار قبر أبي عبدالله عليه السلام ».

٣١٨

٤ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر، عن أبيه، عن هارون بن مسلم، عن عليِّ بن حسّان الواسطي ( كذا ) - عن بعض أصحابنا - عن الرّضاعليه‌السلام « في إتيان قبر أبي الحسنعليه‌السلام قال: صلّوا في المساجد حَولَه ».

٥ - حدَّثني أبي؛ وعليُّ بن الحسين؛ ومحمّد بن الحسنرحمهم‌الله جميعاً، عن سعد بن عبدالله، عن يعقوب بن يزيد، عن الحسين بن بَشّار الواسطيّ « قال: سألت أبا الحسن الرّضاعليه‌السلام ما لِمَن زارَ قبر أبيك صلوات الله عليه؟ قال: فقال: زوروه، قال: قلت: فأيُّ شيء فيه مِنَ الفضل؟ قال: فقال: فيه من الفضل كفضل من زارَ والده - يعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله -، قلت: فإن خِفْتُ ولم يمكن لي الدُّخول داخلاً؟ قال: سلّم من وراءِ الجدار ».

٦ - حدَّثني أبو العبّاس محمّد بن جعفر القرشيُّ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن إسماعيل بن بَزيع، عن الخيبريّ، عن الحسين بن محمّد الأشعريّ القمّي « قال: قال لي الرّضاعليه‌السلام : من زارَ قبر أبي ببغداد كان كمن زارَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقبرَ أمير المؤمنينعليه‌السلام إلاّ أنَّ لرسول الله وأمير المؤمنين فضلهما(١) ».

وحدَّثني محمّد بن يعقوبَ، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين بإسناده مثله(٢) .

٧ - حدِّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن عبدالرّحمن بن أبي نَجرانَ « قال: سألت أبا جعفر(٣) عليه‌السلام عمّن زارَ رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قاصداً، قال: له الجنّة، ومَن زار قبرَ أبي الحسن(٤) عليه‌السلام فله

__________________

١ - أي: لهما فضلهما في أنفسهما ولا ينافي ذلك تساوي فضل زيارته لزيارتهما، أو المعنى أنّه في عظم الثّواب مشتركة، إلاّ أنّ زيارتهما أفضل بقدر فضلهما، والأوّل أظهر، والثّاني أنسب بسائر الأخبار. ( ملاذ الأخبار )

٢ - راجع الكافي ج ٤ ص ٥٨٣ ح ١.

٣ - المراد به الجواد عليه السلام، وعبدالرّحمن كان من أصحابه.

٤ - أي الأوّل، وهو الكاظم عليه السلام، وكذا ما يأتي.

٣١٩

الجنّة ».

٨ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن أحمدَ بن الوليد، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد، عن الحسن بن عليٍّ الوَشّاء، عن الرّضاعليه‌السلام « قال: زيارة قبر أبي مثل زيارة قبر الحسينعليهما‌السلام ».

٩ - وعنه، عن سعد، عن أحمدَ بن محمّد، عن أحمدَ بن عُبدُوس الخَلَنْجيِّ(١) ، عن أبيه رَحيم(٢) « قال: قلت للرّضاعليه‌السلام : جعلت فداك إنَّ زيارة قبر أبي الحسنعليه‌السلام ببغداد علينا فيها مَشقّة، وإنّما نأته فنسلّم عليه مِن وراءِ الحيطان، فما لِمَن زارَه من الثَّواب؟ قال: فقال له: والله مثل ما لِمَن أتى قبر رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

١٠ - وحدَّثني محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمدَ ابن محمّد بن عيسى، عن عليِّ بن الحكم، عن رَحيم « قال: قلت للرّضاعليه‌السلام : جعلت فداك إنَّ زيارة قبر أبي الحسنعليه‌السلام ببغداد علينا فيها مَشقّة، فما لِمَن زارَه؟ فقال: له مثل ما لمن أتى قبر الحسينعليه‌السلام من الثَّواب، قال ودخل رَجلٌ فسلّم عليه وجلس وذكر بغداد ورداءَة أهلها وما يتوقّع أن ينزل بهم من الخسف والصّيحة والصَّواعق - وعدَّد من ذلك أشياء -، قال: فقمت لأخرج فسمعت أبا الحسنعليه‌السلام وهو يقول: أمّا أبو الحسن فلا »(٣) .

١١ - حدَّثني محمّد بن يَعقوبَ، عن محمّد بن يحيى، عن حَمدان القَلانِسيّ،

__________________

١ - الخَلَنْجُ: شجر فارسيّ مُعرَّب، تتّخذ من خشبه الأواني. وقيل: كلّ جفنة وصحفة وآنية صنعت من خشب ذي طرائق وأساريع مُوّشّاةٍ. ( لسان العرب ) فكأنّ الرّجل كان يبيع ذلك فنسب إليه.

٢ - كذا، والظّاهر فيه تصحيف أو سقط.

٣ - قال العلاّمة المجلسيّ ( ره ): « أي لا يصيب قبره الشّريف مثل هذه الاُمور، أو لا يدع أن يصيب أهل بغداد شيء من ذلك، فهم ببركة قبره محروسون، والأوّل أظهر لفظاً والثّاني معناً ». وقوله: « أمّا أبو الحسن فلا » خصّ عليه السلام الأمان ببلد فيه مزاره لا كلّ بغداد ».

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357