كامل الزيارات

كامل الزيارات11%

كامل الزيارات مؤلف:
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مكتبة الصدوق
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 357

كامل الزيارات المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 146766 / تحميل: 9209
الحجم الحجم الحجم
كامل الزيارات

كامل الزيارات

مؤلف:
الناشر: مكتبة الصدوق
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

فطاف كما أوحى الله إليه، ثمَّ نزل في الماء إلى أن ركبتيه فاستخرج تابوتاً فيه عظام آدم، فحمل التّابوت في جوف السَّفينة حتّى طاف بالبيت ما شاء الله تعالى أن يطوف، ثمَّ ورد إلى باب الكوفة في وسط مسجدها، ففيها قال الله للأرض: « ابْلَعي ماءَكِ »(١) ، فبلعتْ ماءها من مسجد الكوفة كما بدء الماء من مسجدها وتفرَّق الجمع الّذي كان مع نوح في السّفينة، فأخذ نوحٌ التّابوت فدفنه بالغَريّ وهو قِطعة من الجبل الَّذي كلّم اللهُ عليه موسى تكليماً، وقدَّس عليه عيسى تقديساً، واتّخذ عليه إبراهيم خليلاً، واتَّخذ عليه محمّداً حبيباً، وجعله للنَّبيِّين مسكناً، والله ما سكن فيه أحدٌ بعد آبائه الطاهرين آدم ونوح اكرم من أمير المؤمنينعليهم‌السلام فإذا أردت جانب النجف فزُر عظام آدم وبدن نوح وجسم علي بن أبي طالبعليهم‌السلام فإنّك زائراً لآباء الأوَّلين، ومحمّداً خاتم النّبيّين، وعليّاً سيّد الوصيّين، فإنّ زائره تفتح له أبواب السَّماء عند دعوته فلا تكن عن الخير نُوّاماً ».

٣ - حدَّثني عليُّ بن الحسين، عن عليِّ بن إبراهيم بن هاشم، عن عثمانَ بن عيسى، عن المعلّى [بن] أبي شِهاب، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قال الحسين لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبت ما جزاء مَن زارَك؟ قال: مَن زارني حيّاً أو ميّتاً أو زارَ أباك كان حقّاً عليَّ أن أزوره يوم القيامة فاُخلّصه مِن ذنوبه ».

الباب الحادي عشر

( زيارة قبر أمير المؤمنين عليه السلام)

( وكيف يزار، والدّعاء عند ذلك)

١ - حدَّثني أبو عليٍّ أحمدُ بن عليِّ بن مَهديّ قال: حدَّثني أبي: عليُّ بن صَدَقة الرَّقّيُّ قال: حدَّثني عليُّ بن موسى قال: حدَّثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفرعليهم‌السلام « قال: زارَ زينُ العابدين عليُّ بن الحسينعليهما‌السلام قبرَ أمير المؤمنين عليِّ

__________________

١ - هود: ٤٤.

٤١

ابن أبي طالبعليه‌السلام ووقف على القبر فبكى، ثمَّ قال:

«السَّلامُ عَلَيْكَ يا أميرَ المؤمنينَ ورَحمةُ اللهِ وبَركاتُهُ السَّلامُ عَلَيْكَ يا أمينَ اللهِ في أرْضِهِ وَحُجَّتَهُ عَلى عِبادِهِ [ السَّلامُ عَلَيْكَ يا أميرَ الْمُؤْمِنينَ ]، أشْهَدُ أنَّكَ جاهَدْتَ فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ وَعَمِلْتَ بِكِتابِهِ وَاتَّبَعْتَ سُنَنَ نَبِيِّهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله حَتّى دَعاكَ اللهُ في جِوارِهِ وَقَبَضَكَ بِاخْتِيارِهِ، وَالْزَمَ أعْدآئَكَ الْحُجَّةَ في قَتْلِهِم إيّاك مَعَ مالَكَ مِنَ الْحُجَجِ الْبالِغَةِ عَلى جَميعِ خَلْقِهِ، اللّهُمَّ فَاجْعَلْ نَفْسى مُطْمَئِنَّةً بِقَدَرِكَ؛ راضِيَةً بِقَضآئِكَ، مُولَعَةً بِذِكْرِكَ وَدُعآئِكَ، مُحِبَّةً لِصَفْوَةِ أوْلِيآئِكَ، مَحْبُوبَةً فى أرْضِكَ وَسَمآئِكَ، صابِرَةً عَلى نُزُولِ بَلأئِكَ شاكِرَةً لِفَواضِلِ نَعْمآئِكَ، ذاكِرَةً لِسَوابِغِ آلائِكَ، مُشْتاقَةً إلى فَرْحَةِ لِقآئِكَ، مُتَزَوِّدَةً التَّقْوى لِيَوْمِ جَزآئِكَ، مُسْتَنَّةً بِسُنَنِ أوْلِيآئِكَ (١) ،مُفارِقَةً لإَخْلاقِ أعْدائِكَ، مَشْغُولَةً عَنِ الدُّنْيا بِحَمْدِكَ وَثَنآئِكَ ».

ثمّ وَضع خدّه على القبر وَقال:

اللّهُمَّ إنَّ قُلُوبَ الْمُخْبِتينَ إلَيْكَ والِهَةٌ، وَسُبُلَ الرّاغِبينَ إلَيْكَ شارِعَةٌ، وَأعْلامَ الْقاصِدينَ إلَيْكَ واضِحَةٌ، وَأفْئِدَةَ الْعارِفينَ مِنْكَ فازِعَةٌ، وَأصْواتَ الدّاعينَ إلَيْكَ صاعِدَةٌ، وَأبْوابَ الاَِْجابَةِ لَهُمْ مُفَتَّحَةٌ، وَدَعْوَةَ مَنْ ناجاكَ مُسْتَجابَةٌ، وَتَوْبَةَ مَنْ أنابَ إلَيْكَ مَقْبُولَةٌ، وَعَبْرَةَ مَنْ بَكى مِنْ خَوْفِكَ مَرْحُومَةٌ، والإعانة لِمَنِ اسْتَعانَ بِك مَوجُودةٌ، والإغاثَةَ لِمَنِ اسْتَغاثَ بكَ مبذُولةٌ، وَعِداتِكَ لِعِبادِكَ مُنْجَزَةٌ، وَزَلَلَ مَنِ اسْتَقالَكَ مُقالَةٌ، وَأعْمالَ الْعامِلينَ لَدَيْكَ مَحْفُوظَةٌ، وَأرْزاقَكَ إلَى الْخَلائِقِ مِنْ لَدُنْكَ نازِلَةٌ، وَعَوآئِدَ الْمَزيدِ لَهُمْ مُتواتِرَةٌ، وَذُنُوبَ الْمُسْتَغْفِرينَ مَغْفُورَةٌ، وَحَوآئِجَ خَلْقِكَ عِنْدَكَ مَقْضِيَّةٌ، وَجَوآئِزَ السّائِلينَ عِنْدَكَ مُوَفَّورَةٌ، وَعَوآئِدَ الْمَزيدِ إليهم واصِلةٌ، وَمَوآئِدَ الْمُسْتَطْعِمينَ مُعَدَّةٌ، وَمَناهِلَ الظِّمآءِ لَدَيكَ مُتْرَعَةٌ، اللّهُمَّ فَاسْتَجِبْ دُعآئي، وَاقْبَلْ ثَنآئي، وأعْطِني رَجائي، وَاجْمَعْ بَيْني وَبَيْنَ أوْلِيآئي بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَفاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عليهم‌السلام، إنَّكَ وَلِيُّ نَعْمآئى، وَمُنْتَهى رَجائي، وَغايَةُ مُنايَ في مُنْقَلَبي وَمَثْوايَ، أنْتَ إلهي وَسَيِّدي وَمَوْلايَ اغْفِرْ لإََوْلِيآئِنا، وَكُفَّ عَنّا أعْدآئَنا وَاشْغَلْهُمْ عَنْ أذانا، و

__________________

١ - في بعض النّسخ: « بسنن أنبيائك ».

٤٢

أظْهِرْ كَلِمَةَ الْحَقِّ وَاجْعَلْهَا الْعُلْيا، وَأدْحِضْ كَلِمَةَ الْباطِلَ وَاجْعَلْهَا السُّفْلى، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَىءٍْ قَديرٌ » ».

٢ - حدّثني محمّد بن الحسن بن الوليدرحمه‌الله فيما ذكر من كتابه الَّذي سَمّاه « كتاب الجامع »، روي عن أبي الحسنعليه‌السلام « أنّه كان يقول عند قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام :

السَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللهِ، أشهَدُ أنَّك أوَّلُ مَظْلُومٍ؛ وَأوَّلُ مَنْ غُصِبَ حَقُّهُ، صَبَرْتَ وَاحْتَسَبْتَ حَتّى أَتاكَ الْيَقينُ، وَأشْهَدُ أنَّكَ لَقِيتَ اللهَ، وَأنْتَ شَهيدٌ، عَذَّبَ اللهُ قاتِلَكَ بِأنْواعِ الْعَذابِ وَجَدَّدَ عَلَيْهِ الْعَذابَ، جِئْتُكَ عارِفاً بِحَقِّكَ؛ مُسْتَبْصِراً بِشَأنِكَ؛ مُعادِياً لإَعْدائِكَ وَمَنْ ظَلَمَكَ، الْقى عَلى ذلِكَ رَبّي إنْ شاءَ اللهُ تعالى، إنَّ لي ذُنُوباً كَثيرَةً فَاشْفَعْ لي عندَ رَبِّكَ يا مَولايَ، فَإنَّ لَكَ عِنْدَ اللهِ مَقاماً مَعْلُوماً، وَإنَّ لَكَ عِنْدَ اللهِ جاهاً عَظيماً وَشَفاعَةً، وَقَدْ قالَ اللهُ تَعالى : «وَلا يَشْفَعوُنَ إلاّ لِمَنِ ارْتَضى (١) ».

ويقول عند قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضاً:

«الْحَمْدُ للهِ الَّذي أكْرَمَني بِمَعْرِفَتِهِ وَمَعْرِفَةِ رَسُولِهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله وَمَنْ فَرَضَ الله عَلَيَّ طاعَتَهُ، رَحْمَةً مِنْهُ لي وتَطَوُّعاً مِنْهُ عَلَيَّ، وَمَنَّ عَلَيَّ بِالاِْيْمانِ، الْحَمْدُ للهِ الَّذي سَيّرني في بِلادِه وحَملَني عَلى دَوابِّهِ، وطَوى لي البَعيدَ، ودَفَع عَنّي المَكروه حتّى أدخَلَني حَرَمَ أخي رَسُولِهِ فَأرانيهِ في عافِيَةٍ، الْحَمْدُ للهِ الَّذي جَعَلَني مِنْ زُوّارِ قَبْرِ وَصِيِّ رَسُولِهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الحَمْدُ للهِ الّذي جَعَل هَدانا لِهذا وما كُنّا لِنَهْتَدي لَوْلا أنْ هَدانَا اللهُ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، [وَأشْهَدُ] أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، جاءَ بالحقِّ مِنْ عِنْدِه، وأشهَدُ أنَّ عليّاً عبدُالله وأخو رَسولِه، اللهمَّ عَبدُكَ وَزائِرُكَ يَتَقرَّبُ إليك بِزيارةِ قبرِ أخي نَبيِّك، وعَلى كُلِّ مأتيٍّ حقٌّ لِمَن أتاهُ وزارَهُ، وأَنْتَ خَيرُ مأتيٍّ، وأكرم مَزورٍ، وأسألُك يا اللهُ يا رَحمنُ يا رَحيمُ يا جوادُ يا واحِدُ يا أحَدُ يا فَردُ يا صَمَدُ يا مَن لم يَلِدْ ولم يُولَد ولَمْ يكنْ لَهُ كُفُواً أحدٌ، أنْ تُصلّي على محمٌدٍ وآل محمَّدٍ وأهل بَيْتِه، وأنْ تجعَلَ تُحفَتَكَ إيّايَ مِنْ زِيارتي في مَوقِفي هذا فَكاك رَقَبَتي من النّار، واجْعَلْني مِمّنْ

__________________

١ - الأنبياء: ٢٨.

٤٣

يُسارع في الخيراتِ ويَدْعُوك رَهَباً ورَغَباً، واجْعَلْني لَكَ مِن الخاشِعينَ، اللّهُمَّ إنَّكَ بَشَّرْتَني عَلى لِسانِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ فَقُلْتَ: «وَبَشِّرِ الَّذينَ آمَنُوا أنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ (١) »اللّهُمَّ فَإنّي بِكَ مُؤْمِنٌ وبِجَميعِ أنْبِيائِكَ مُوقِنٌ، فَلا تُوقِفني بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ مَوْقِفاً تَفْضَحُني به عَلى رُؤُوسِ الاَْشْهادِ، بَلْ أوْقِفني مَعَهُمْ، وَتَوَفَّني عَلَى التَّصْديقِ بِهِمْ، فَإنَّهم عَبِيدُكَ وأنت خَصَصْتَهُمْ بِكَرامَتِكَ وَأمَرْتَني بِإتِّباعِهِم »،

ثمَّ تدنو من القبر وتقول: «السَّلامُ مِنَ اللهِ والسَّلامُ على محمّدِ بنِ عبدِالله أمين اللهِ عَلى وَحْيِه وعَزائِم أمْرِه، ومَعْدِنِ الْوَحي والتَّنزيل، والخاتَم لِما سَبَقَ والفاتِحِ لِمَا اسْتَقْبَل (٢) ،وَالْمُهَيْمِنِ عَلى ذلِكَ كُلِّهِ، والشاهِدِ عَلى خَلْقِه، والسِّراج المُنِيرِ، والسَّلامُ عليه ورَحمةُ اللهِ وبركاتُه، اللّهمَّ صَلِّ على محمّد وأهل بَيتِه المظلومينَ أفضلَ وأكملَ وأرْفعَ وأشْرَفَ ما صلَّيت على أحدٍ مِنْ أنبيائِكَ ورُسُلِكَ وأصْفِيائكَ، اللّهمّ صَلِّ عَلى عَليٍّ أميرِ المؤمنينَ عَبدِكَ وَخَيْرِ خَلْقِكَ بَعْدَ نَبِيِّكَ وأخي رَسُولِكَ وَوَصيِّ رَسُولِكَ، الَّذي انْتَجَبْتَه مِن خَلْقِكَ بعْدَ نَبِيِّكَ، والدَّليلِ عَلى مَنْ بعَثتُهُ بِرسالاتِكَ، وَديّان الدِّين بَعَدْلِكَ، وَفَصل قَضائِك بَين خَلْقِكَ، والسَّلامُ عَلَيْهِ وَرَحمةُ اللهِ وبَرَكاته، اللّهم صَلِّ عَلى الاُئمَّةِ مِنْ وُلدِهِ الْقَوَّامين بأمْرِكَ مِن بَعْدِه، المُطهّرين الّذين ارْتَضَيْتَهم أنْصاراً لِدينِكَ وَحَفَظةً لِسِرِّكَ؛ وشُهداءَ عَلى خَلْقِك، وأعْلاماً لِعِبادك - وتصلّي عليهم ما استَطعْتَ - السَّلامُ على الأئمّةِ المُسْتَودِعِين، السَّلامُ على خالِصَةِ اللهِ مِنْ خَلقِه، السَّلامُ على الأئمّة المتوسِّمِينَ، السَّلامُ عَلى المؤمنِين، الّذين قامُوا بِأمْركَ، ووازَروُا أولياءَ اللهِ، وخافُوا بخَوْفِهِم، السَّلام عَلى مَلائِكَةِ اللهِ المُقَرَّبينَ ».

ثمَّ تقول : «السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ المؤمنين ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ، السَّلام عليكَ يا حَبيبَ الله، السَّلام عليكَ يا صَفْوَةَ اللهِ، السَّلامُ عليك يا وَليَّ اللهِ، السَّلام عَلَيكَ يا حُجَّةَ اللهِ، السَّلامُ عليك يا عَمودَ الدِّينِ وَوارِثَ عِلْمِ الاُوَّلينَ والآخِرينَ، وصاحِبَ المِيْسَمِ (٣)

__________________

١ - يونس: ٢.

٢ - أي لمن بعده من الحججعليهم‌السلام ممّا استقبله من المعارف والعلوم والحكم. ( البحار ).

٣ - الميسم - بكسر الميم -: اسم الآلة الّتي يكوى بها ويُعْلم، وأصله الواو وجمعه مياسم ومواسم، الاُولى على اللّفظ والثّانية على الأصل.

٤٤

وَالصِّراطِ الْمُسْتَقيم، أَشْهَدُ أنّك قَدْ أَقَمْتَ الصَّلاةَ، وآتَيْتَ الزَّكاةَ، وأمَرتَ بالمَعروفِ، ونهَيتَ عَنِ المُنكرِ، واتَّبَعْتَ الرَّسولَ، وتَلَوْتَ الكِتابَ حَقَّ تِلاوَتِهِ، وجاهَدْتَ في الله حَقَّ جِهادِه، ونَصَحْتَ للهِ ولِرسُوله، وجُدْتَ بنَفْسِكَ صابِراَ مُحْتَسِباً مجاهِداً عن دينِ اللهِ، مُوَقِّياً (١) لِرَسولِ اللهِ، طالِباً ما عِندَ اللهِ، راغِباً فيما وَعَدَ اللهُ، ومَضيتَ للَّذي كنتَ عَلَيه شَهيداً وشاهِداً ومَشهُوداً، فجَزاكَ اللهُ عَن رَسولِه وعن الإسلامِ وأهْلِه أفْضَلَ الجَزاءِ، لَعَنَ اللهُ مَنْ قَتَلَكَ، ولَعَنَ اللهُ مَن خالفَكَ، ولَعَنَ الله منِ افْتَرى عَلَيكَ وظَلَمَكَ، ولَعَنَ اللهُ مَن غَصَبَك حَقَّك، ومن بَلَغَهُ ذلِكَ فَرَضِيَ به، أَنَا إلى اللهِ مِنْهم بَراءٌ، لَعَنَ الله اُمّةً خالَفتْكَ؛ واُمّةً جَحَدَتْ وِلايَتَكَ؛ واُمّةً تَظاهَرَتْ عَلَيكَ؛ واُمّةً قَتَلتْكَ؛ واُمّةً حادَت عَنك وَخَذَلَتْك، والْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ النّار مَثْواهُمْ، وَبِئْسَ الوِرْدُ المَوْروُد (٢) ، وبِئسَ وِرْدُ الوارِدِين، وبِئسَ دَرَكُ المُدْرِك، اللهمَّ العَن قَتَلَة أنبيائك وأوصياءِ أنبيائِكَ بجميع لَعَناتِكَ، وأصِلهم حرّ ناركَ، اللّهمَّ الْعَنِ الجَوابيتَ والطَّواغِيتَ والفَراعِنَةَ (٣) ؛ واللاّتَ والعُزٌَى والجِبتَ، وكلَّ نِدٍّ يُدعى مِن دُونِ اللهِ، وكلَّ مُفْتَرٍ عَلى اللهِ، اللّهمَّ الْعَنْهُمْ وأشْياعَهُم وأتْباعَهُم وأوْلِيائهم وأعْوانَهم ومُحبّ ومُحبّيهم لَعْناً كَثيراً »،

وتقول: «اللّهُمٌَ الْعَن قَتلَة أميرِ المؤمنينَ عليه‌السلام - ثلاثاً - اللّهمّ عَذِّبْهم عَذاباً أليماً لا تُعذِّبُهُ أحداً من العالَمين، وضاعِفْ عَليْهِم عَذابَكَ كما شاقُّوا وُلاةَ أمْرِكَ، وأعدّ لَهم عَذاباً لم تَحلّه بأحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ، اللّهمَّ وأدْخِل عَلىُ قَتَلَة أنْصارِ رَسُولِكَ، وقَتَلَة أنصار أمير المؤمنين، وعَلى قَتلةِ أنْصار الحَسَن وعلى قَتلَة أنصارِ الحُسين، وقَتَلَةَ مَن قُتل في ولاية آل مُحَمَّدٍ أجمعين عَذاباً مُضاعَفاً في

__________________

١ - على بناء التّفعيل، والتّوقية الحفظ والكلاءة. وفي بعض النّسخ: « موقناً » بالنّون، في بعضها: « موفياً » بالفاء والياء، يقال: وفي بالعهد وأوفى به. ( البحار ).

٢ - أي: بئس الورد محلّ ورودهم، والمورود تأكيد، أو المورود عليه. ( كما قاله العلاّمة المجلسيّرحمه‌الله ).

٣ - الجوابيت جمع الجبت - وهو بالكسر -: الصَّنم والكاهن والسّاحر والسِّحر، والّذي لا خير فيه. « والطّواغيت » جمع طاغوت وهو الشّيطان، والمراد هنا جميع خلفاء الجور من الفراعنة وأتباعهم.

٤٥

أسْفَلِ دَرَكٍ مِنَ الْجَحيمِ، لا تُخَفَّفُ عَنْهُمُ من عذابِها وَهُمْ فيهِ مُبْلِسُونَ (١) مَلْعُونُونَ، ناكِسُوا رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، قَدْ عايَنُوا النَّدامَةَ وَالْخِزْيَ الطَّويلَ لِقَتْلِهِمْ عِتْرَةَ أنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ وَأتْباعَهُمْ مِنْ عِبادِكَ الصّالِحينَ، اللّهُمَّ الْعَنْهُمْ في مُسْتَسِرِّ السِّرِّ وَظاهِرِ الْعَلانِيَة (٢) في أرْضِكَ وَسَمائِكَ، اللّهُمَّ اجْعَلْ لي لِسانَ صِدْقٍ في أوْلِيائِكَ، وَحَبِّبْ إلَيَّ مشاهَدهم حَتّى تُلْحِقَني بِهِمْ وَتَجْعَلَني لَهُمْ تَبَعاً فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، يا أرْحَمَ الرّاحِمينَ »،

ثمَّ أجلس عند رأسهعليه‌السلام وقل:

سَلامُ اللهِ وَسَلامُ مَلائِكَتِهِ الْمُقَرَّبينَ وَالْمُسَلِّمينَ لَكَ بِقُلُوبهم، وَالنّاطِقينَ بِفَضْلِكَ؛ وَالشّاهِدينَ عَلى أنَّكَ صادِقٌ [أمينٌ] صِدّيقٌ؛ عَلَيْكَ يا مَولايَ، السَّلام مِنَ اللهِ عليكَ وعلى رُوحِكَ وبدنِكَ، أشْهَدُ أنّك طُهرٌ طاهِرٌ مُطهّرٌ (٣) ،وأشْهَدُ لَكَ يا وَلِيَّ اللهِ وَوَلِيَّ رَسُولِهِ بِالْبَلاغِ وَالاَْداءِ، وَأشْهَدُ أنَّكَ جَنْبُ اللهِ (٤) وأنّكَ بابُ اللهِ، وَأنَّكَ وَجْهُ اللهِ الَّذي مِنْهُ يُؤْتى، وأنّك خَليلُ اللهِ وأنّك عَبدُاللهِ، وأخُو رَسولِه وقد أتَيْتُكَ وافِداً لِعظيم حالِكَ ومَنزِلَتِكَ عِندَ اللهِ وعِندَ رُسولِه، أتَيْتُكَ زائِراً مُتَقَرِّباً إلَى اللهِ بِزِيارَتِكَ، طالباً خَلاصَ نَفْسي، مُتَعوِّذاً بِكَ مِن نارٍ اسْتَحَقّها مِثلي بما جَنَيتُهُ علىُ نَفْسي، أتَيتُك انْقِطاعاً إلَيكَ وإلى وَلَدِك الخَلَف من بَعْدِكَ عَلى بَرَكة الحَقّ، فَقَلْبي لَكَ مُسَلّم، وأمري لك متَّبعٌ، ونُصْرتي لَكَ مُعَدَّة، وأنا عَبدُاللهِ ومولاك في طاعَتِكَ، والوافِدُ إليكَ، ألتمسُ بذلك كمال المنزلةِ عندَ الله، وأنت يامَولايّ مِمَّنْ أمَرني اللهُ بطاعَتِه (٥) ،وحَثَّني عَلى بِرِّه، و

__________________

١ - المبلس: الشّديد الحسرة، وقال الفرّاء: المبلس المنقطع الحجّة. وقال الفيروزآبادي: « المُبْلِسُ: السّاكتُ على ما في نفسه، وأبْلَسَ: يئس [وانقطع]، وتحيّر ».

٢ - استسرّ: استتر. ( القاموس ) وقال العلاّمة المجلسيرحمه‌الله : قوله: « مستسرّ السَرَ »، مبالغة في الخفاء، كما أنّ « ظاهر العلانية » مبالغة في الظّهور، والغرض لعنهم على جميع الاُحوال وبجميع أنحاء اللّعن.

٣ - زاد به في الفقيه: « مِنَ طُهْرِ طاهِرٍ مَطهَّر ».

٤ - المراد بالجنب إمّا القرب فالمعنى: أنت أقرب أفراد الخلق إلى الله تعالى، مِن باب تسمية الحال باسم المحلّ، وإمّا الطّاعة فالمراد: أنّ طاعتك طاعة الله عزّوجلّ، والمراد بالباب الّذي لا يؤتى إلاّ منه، أي: لا يوصل إلى الله وإلى معرفته وعبادته إلاّ بمتابعتك، وكذا الكلام في الوجه والسّبيل.

٥ - في بعض النّسخ: « بصلته ».

٤٦

دَلَّني عَلى فَضْلِهِ، وَهَداني لِحبِّهِ، وَرَغَّبني في الوِفادَة إليه وإلى طَلَبِ الحَوائج عِنْدَهُ، أنتم أهلُ بيتٍ يَسْعَدُ مَنْ تَولاّكم، ولا يَخِيبُ مَنْ أتاكم، ولا يخسَرُ مَنْ يَهواكم، ولا يسْعَدُ مَنْ عاداكم، لا أجِدُ أحَداً أفزع إليه خَيراً لي مِنكم، أنتم أهلُ بَيتِ الرَّحمةِ، ودعائِمُ الدِّين، وأرْكانُ الاُرضِ، الشَّجرةُ الطَّيِّبةُ، اللّهمّ لا تُخَيِّب تَوَجُّهي إليكَ برسولِكَ وآل رسولِكَ (١) ، اللّهمَّ أنْتَ مَنَنْتَ عَليَّ بزيارَة مَولايَ ووِلايَته ومعرفتِه، فَاجْعَلْني مَمّنْ تَنصُرُه ويُنْتَصَرُ به، ومُنَّ عليَّ بنَصْرِكَ لِدينكَ في الدُّنيا والآخِرة، اللّهمّ أحْيِني على ما حَيي عليه عليُّ بنُ أبي طالب عليه‌السلام ، وأمِتْني على ما مات عليه عليُّ بن أبي طالب عليه‌السلام » ».

٢ - حدّثني محمّد بن يعقوبَ - عمّن حدّثه(٢) - عن سَهل بن زياد، عن محمّد بن اُورَمَة. وحدَّثني أبي، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمّد بن - اورَمة - عمّن حدّثه - عن الصادق أبي الحسن الثّالث(٣) عليه‌السلام « قال: تقول عند قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام :

«السَّلام عليكَ يا وليَّ اللهِ أنتَ أوَّلُ مَظلومٍ وأوَّل مَنْ غُصِبَ حَقُّه، صَبرْتَ واحتسبتَ حتّى أتاكَ اليَقينُ، وأشهدُ أنّك لَقيتَ الله وأنتَ شَهيدٌ، عَذَّب اللهُ قاتلَكَ بأنواع العَذاب، وجَدَّدَ عليه العَذابَ، جئتُكَ عارِفاً بحقِّكَ، مُسْتَبصراً بشأنِك، مُوالياً لأوْلِيائِك، مُعادياً لأَعْدائِك ومَنْ ظَلَمَكَ، الْقى عَلىُ ذلك ربّي إن شاءَ اللهُ تعالى، [يا وليَّ اللهِ] إنَّ لي ذُنوباً كثيرةً، فَاشْفع لي إلى رَبّك، فإنَّ لَكَ عِنْدَ اللهِ مَقاماً مَعلُوماً، وإنَّ لك عِندَ اللهِ جاهاً وشَفاعةً، وقال: « لا يَشْفَعُونَ إلاّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُم مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُون (٤) » ».

حدّثني محمّد بن جعفر الرَّزّاز القرشيِّ، عن محمّد بن عيسى بن عُبَيد - عن بعض أصحابنا - عن أبي الحسن الثّالث مثله.

__________________

١ - زاد به في الفقيه: « واستشفاعي بهم ».

٢ - كذا، وفي الكافي مكانه: « عدّة من أصحابنا » وهم: علي بن محمّد الرّازيّ المعروف بـ « علاّن الكليني »، ومحمّد بن أبي عبدالله الكوفيّ ساكن الرَّيّ، ومحمّد بن الحسن الصّفّار، ومحمّد بن عقيل الكوفيّ.

٣ - كذا في النّسخ.

٤ - الأنبياء: ٢٨.

٤٧

الباب الثّاني عشر

( وداع قبر أمير المؤمنين عليه السلام)

١ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن أحمدَ بن الوليد في كتاب الجامع(١) يروي عن أبي الحسنعليه‌السلام « قال: إذا أردت أن تودِّع قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام فقل:

«السَّلام عليكَ ورحمةُ الله وبَركاتُه، أسْتَودِعُكَ اللهَ وأَسْتَرْعِيكَ، وأقْرَءُ عَلَيكَ السَّلامَ، آمنّا باللهِ وبِالرُّسل وبِما جاءَتْ بِه ودَعَت إليه [ودَلَّتْ عَلَيهِ] فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدينَ، اللّهُمَّ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيارَتي إيّاهُ فَإنْ تَوَفَّيْتَني قَبْلَ ذلِكَ فَإنّي أشْهَدُ في مَماتي عَلى ما كنتُ شَهِدْتُ عَلَيْهِ في حَياتي، أشْهَدُ أنَّكمُ الأئمّة - وتسمّيهم واحداً بعد واحد - وأشهدُ أنَّ منْ قَتَلَهُمْ وحارَبَهُم مُشركونَ ومنْ رَدَّ عَلَيْهم في أسْفَلِ دَرَكٍ منَ الجَحيم وأشهَدُ أنَّ مَنْ َحارَبَهُمْ لنا أعْداءٌ وَنَحْنُ مِنْهُمْ بُرَءاءُ، وَأنَّهُمْ حِزْبُ الشَّيْطانِ، وَعَلى مَنْ قَتَلَهُمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنّاسِ أجْمَعينَ، وَمَنْ شَرِكَ فيهِمْ وَمَنْ سَرَّهُ قَتْلَهُمُ، اللّهُمَّ إنّي أسْالُكَ بَعْدَ الصَّلاةِ وَالتَّسْليمِ أنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّد وآل محمّدٍ، ولا تَجْعَلْهُ آخرَ الْعَهْدِ مِن زِيارَتِه فَإنْ جَعَلتَهُ فَاحْشُرني مَعَ هؤلاءِ المُسَمِّينَ الاُئِمَّةِ، اللّهُمَّ وذَلِّلْ قُلُوبَنا بِالطّاعَةِ والمُناصَحَةِ والمَحبّةِ وَحُسْنِ المُؤازَرَةِ » »(٢) .

__________________

١ - قال العلاّمة الرّازيّقدس‌سره في الذريعة: « الجامع في الحديث » لاُبي جعفر محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد شيخ القمّيّين، والمتوفّى ٣٤٣، روى الشّيخ الطّوسي في التهذيب زيارة علي ّ بن موسى الرضاعليهما‌السلام عن الكتاب المترجم بـ « الجامع » تأليف أبي جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد، والظّاهر من السيّد ابن طاووس المتوفّى ٦٦٤ أنّ « الجامع » هذا كان عنده، قال في الإقبال في نوافل شهر رمضان: « روى عبدالله الحلبيّ في كتاب له وابن الوليد في جامعه »، بل الظّاهر من « ميرزا كمالا » صهر العلاّمة المجلسيّ أنّه كان موجوداً في عصره حيث أنّه يأمر ولده بالرّجوع إلى هذا الكتاب في المجموعة الّتي مرّت في ج ٣ ص ١٧٠ بعنوان: « بياض الكمالي » - انتهى ». أقول: الظّاهر من تسمية الكتاب أنّ كلّ ما فيه مأثور عن الأئمةعليهم‌السلام والله يعلم، لكن المولى المجلسيّ توقّف في صدور جميع أخباره عن المعصومعليه‌السلام .

٢ - زاد به في الفقيه: « وسبّح تسبيح الزّهراء فاطمة عليها السلام وهو: سبحان ذي الجلال الباذخ العظيم، سبحان ذي العزّ الشّامخ المنيف، سبحان ذي الملك الفاخر القديم، سبحان ذي البهجة

٤٨

الباب الثّالث عشر

( فضل الفرات وشربه والغسل فيه)

١ - حدَّثني أبيرحمه‌الله ، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن - عيسى(١) ، عن عيسى بن عبدالله بن محمّد بن عُمَرَ بن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، عن أبيه، عن جدِّه، عن عليعليه‌السلام « قال: الماء سيّد شراب الدُّنيا والآخرة، وأربعة أنهار في الدُّنيا من الجنّة: الفُرات، والنّيل، وسَيحان، وجَيحان. الفُرات: الماء، والنّيل: العَسَل، وسَيحان: الخمر، وجَيحان: اللّبن »(٢) .

٢ - وعنه، عن أبي جميلة(٣) ، عن سليمان بن هارون أنّه « سمع أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: من شرب من ماءِ الفُرات وحَنّك به فهو محبّنا أهل البيت »(٤) .

٣ - وبإسناده عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي الجارود(٥) ، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: لو أنْ بيننا وبين الفُرات كذا وكذا مِيلاً لذهبنا إليه واستشفينا به ».

__________________

والجمال، سبحان من تردّى بالنّور والوقار، سبحان من يرى أثر النّمل في الصفا، ووَقْعَ الطّير في الهواء ».

١ - رواية الاُشعريّ عن عيسى بن - عبدالله الهاشمي في غاية البعد، والظّاهر إمّا أن تكون الرّواية مرفوعة، أو لا بدّ من الواسطة، والظّاهر هو الحسن بن عليّ بن فضّال، كما أورد في البحار الخبر الّذي يأتي تحت رقم ٦ وفيه: « أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن، عن عيسى بن عبدالله بن محمّد بن عمر بن عليّعليه‌السلام ».

٢ - لعلّ المراد أنّ تلك الأسماء مشتركة بينها وبين أنهار الجنّة وفضلها لكون التّسمية بها من جهة الوحي والإلهام، ويحتمل أن يدخلها شيء من تلك الأنهار التي في الجنّة كما ورد في الفرات. ( البحار )

٣ - هو المفضّل بن صالح الأسديّ، ورواية ابن فضّال السّاقط من الخبر الماضي.

٤ - لعلّ الحكم متعلّق بمجموع الشّرب والتَّحنيك لا بكلٍّ منهما. ( البحار )

٥ - المراد به زياد بن المنذر الهَمْداني، إليه تنسب الجاروديّة منهم.

٤٩

٤ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن أحمدَ بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصّفار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن ثَعلَبة بن مَيمون، عن سليمانَ بنِ هارونَ العِجليّ « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: ما أظنُّ أحداً يُحَنّك بماءِ الفرات إلاّ أحبّنا أهل البيت، وسَألني: كم بينك وبين ماءِ الفرات، فأخبرته، فقال: لو كنتُ عنده لأحببتُ أن آتيه طَرَفي النّهار ».

٥ - وحدّثني عليُّ بن الحسين بن موسى، عن عليِّ بن إبراهيم بن هاشِم، عن أبيه، عن عليِّ بن الحكم، عن سليمان بن نَهِيك، عن أبي عبدالله « في قول اللهِ عزّوجلّ: «وآوَيْناهُما إلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ ومَعِين (١) »، قال: « الرَّبوة » نجف الكوفة؛ و « المعينُ » الفُرات ».

٦ - وحدّثني عليُّ بن الحسينرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمَد بن عيسى، عن الحسن(٢) ، عن عيسى بن عبدالله بن محمّد بن عُمَرَ، عن أبيه، عن جَدّه، عن عليٍّعليه‌السلام « قال: الفُرات سَيّد المِياه في الدُّنيا والآخرة ».

٧ - وحدَّثني محمد بن عبدالله، عن أبيه عبدالله بن جعفر الحميريِّ، عن أحمدَ بن أبي عبدالله، عن أبيه - عمّن حدِّثه - عن حَنان بن سَدير، عن أبيه، عن حكيم بن جُبير « قال: سمعت عليِّ بن الحسين [عليهما‌السلام ] يقول: إنّ ملكاً يهبط كلَّ ليلةٍ معه ثلاث مثاقيل مسك مِن مسك الجنَّة فيطرحها في الفرات، وما مِن نهرٍ في شرق ولا في غرب أعظم بركةً منه ».

٨ - وحدَّثني عليُّ بن محمّد بن قولُوَيه، عن أحمدَ بن - إدريس، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن ابن أبي عُمَير، عن الحسين بن عثمانَ - عمّن ذكره - عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: تَقْطُر في الفُرات كلَّ يوم قَطَراتُ من الجنّة ».

٩ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن عليّ بن مهزيار، عن أبيه، عن جدِّه عليِّ

__________________

١ - المؤمنون: ٥٠.

٢ - يعني ابن عليِّ بن فضّال.

٥٠

ابن مَهزيار، عن الحسن بن سعيد، عن عليِّ بن الحكم، عن رَبيع بن محمّد المُسليِّ، عن عبدالله بن سليمان « قال: لمّا قَدِم أبو عبداللهعليه‌السلام الكوفةَ في زَمَن أبي العبّاس فجاءَ على دابَّته في ثِياب سَفَره حتّى وقف على جِسْر الكوفة، ثمّ قال لغلامه: اسْقني؛ فأخذ كوزَ مَلاّح فغَرَفَ له به فأسقاه فشَرِب والماءُ يسيل مِنْ شِدْقَيه وعلى لِحيته وثيابه، ثمَّ استزاده فزاده فحمد الله، ثمّ قال: نَهرُ ماءٍ ما أعظم بَرَكتُه، أما إنّه يسقط فيه كلُّ يوم سبع قَطَرات مِن الجنّة، أما لو علم النّاس ما فيه من البركة لضربوا الأخبِية على حافَتَيه، أما لولا ما يدخله من الخاطئين ما اغتمس فيه ذو عاهَةٍ إلاّ بَرِء (١) ».

١٠ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن عليِّ بن مَهزيار، عن أبيه، عن جدِّه عليِّ ابن مَهزيار، عن الحسن بن سعيد، عن عليِّ بن الحَكَم، عن عرفة، عن رِبعيّ « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : « شاطيء الوادِ الأَيْمَنِ(٢) » الّذي ذكره تعالى في كتابه هو الفرات، و « الْبُقْعَةِ المبارَكَةِ(٢) » هي كربلاء، و « الشّجرة(٢) » هي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

١١ - حدَّثني أبيرحمه‌الله ، عن سعد بن عبدالله، عن إبراهيم بن - مَهزيار، عن أخيه عليّ بن مهزيار، عن ابن أبي عُمَير، عن الحسين بن عثمان(٣) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام . ومحمّد بن أبي حمزة - عمّن ذكره - عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: ما أظنُّ أحداً يُحنَّك بماءِ الفُرات إلاّ كان لنا شِيعةً »،

وروى ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا « قال: يجري في الفرات ميزابان من الجنّة ».

قال(٤) : قال ابن أبي عمير: ولا أعلمه إلاّ ابن سنان وقد رواه لي.

__________________

١ - في البحار: « إلاّ أبرىء ».

٢ - القصص: ٣٠، أي الجانب الأيمن من الوادي. والخبر مذكور في التّهذيب ج ٦ ص ٤٤ إلاّ قوله: « والشّجرة - إلخ ». وقوله: « عرفه، عن ربعيّ » فيه « محرمة بن ربعيّ ».

٣ - هو ابن عثمان بن شريك العامريّ الكوفيّ الثّقة. له كتاب يرويه ابن أبي عمير.

٤ - القائل ابن مهزيار ظاهراً. وليس هذه الفقرة إلى قوله: « وقد رواه لي » في البحار.

٥١

١٢ - حدَّثني محمّد بن الحسن(١) ، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن العبّاس ابن معروف، عن عليِّ بن مهزيار، عن محمّد بن إسماعيل، عن حَنان بن سَدير، عن حكيم بن جُبَير الأسَديّ « قال: سمعت عليّ بن الحسينعليهما‌السلام يقول: إنٌَ الله يهبط ملكاً كلِّ ليلة معه ثلاث مثاقيل مِن مِسْكِ الجنّة فيطْرَحُه في فُراتِكم هذا، وما من نَهر في شرق الأرض ولا في غَرْبها أعظمَ بَرَكةً منه ».

١٣ - حدَّثني عليُّ بن الحسين بن موسى بن بابويه، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن ابن فَضّال، عن ثَعلَبة بن مَيمون، عن سليمانَ ابن هارونَ « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : ما أظنُّ أحداً يُحَنَّك بماءِ الفُرات إلاّ أحبّنا أهل البيت ».

١٤ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميريَ، عن أبيه، عن أحمدَ بن محمّد البرقيّ، عن عبدالرّحمن بن حمّاد الكوفيّ قال: حدَّثنا عبدالله بن محمّدٍ - الحجَال، عن غالب بن عثمان، عن عُقْبَة بن خالِد « قال: ذكر أبو عبداللهعليه‌السلام الفرات قال: أما إنّه من شيعةِ عليٍّعليه‌السلام وما حُنِّك به أحدٌ إلاّ أحبَنا أهل البيت ».

١٥ - حدَّثني أبي، عن الحسن بن مَتِّيل، عن عِمرانَ بن موسى، عن أبي عبدالله الجامورانيِّ الرَّازيّ، عن الحسن بن عليِّ بن أبي حمزة، عن سَيف بن عَمِيرَة، عن صَنْدَل، عن هارون بن خارجة « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : ما أحدٌ يشرب من ماءِ الفرات ويُحَنّك به إذا وُلِدَ إلاّ أحبَّنا، لأنَّ الفُرات نهرٌ مؤمن ».

١٦ - وبإسناده، عن الحسن بن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: نَهران مؤمنان، ونهران كافران، نَهران كافران نهر بَلْخ ودِجْلَة، والمؤمِنان نِيل مصر والفُرات، فحَنِّكوا أولادَكم بماءِ الفُرات »(٢) .

__________________

١ - المراد به ابن الوليد. ومحمّد بن إسماعيل هو ابن بزيع الثّقة.

٢ - قال ابن الأثير في شرح هذا الحديث: « جعلهما مؤمنين على التّشبيه، لأنّهما يفيضان على الأرض فيَسقيان الحرث بلا مَؤونةٍ، وجعل الآخرَيْن كافِرَين لأنّهما لا يسقيان ولا يُنْتَفَع بهما إلاّ بمؤونة وكُلْفَة، فهذان في الخير والنَّفْع كالمؤمنَين، وهذان في قِلَّة النُّفع كالكافِرَين.

٥٢

الباب الرّابع عشر

( حبّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحسن والحسين عليهما السلام والأمر بحبِّهما وثواب حبّهما)

١ - حدَّثني أبيرحمه‌الله ، عن سعد بن عبدالله بن أبي خلف؛ وعبدالله ابن أبي جعفر الحميريّ؛ ومحمّد بن يحيى العطّار جميعاً، عن أحمدَ بنِ محمّد بن عيسى، عن عليِّ بن الحكم؛ وغيره، عن جميل بن درَّاج، عن أخيه نوح، عن الأجلح، عن سَلَمة بن كُهَيل(١) ، عن عبدالعزيز، عن عليِّعليه‌السلام « قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ياعليُّ لقد أذْهَلَني هذان الغُلامان - يعني الحسن والحسين - أن أحبّ بعدهما أحداً [ابداً] إنَّ ربّي أمرني أن اُحِبّهما واُحبّ مَن يُحبّهما ».

٢ - حدّثني محمّد بن أحمدَ بن إبراهيمَ، عن الحسين بن عليٍّ الزّيديِّ، عن أبيه، عن عليِّ بن عبّاس؛ وعبدالسّلام بن حَرْب جميعاً قال: حدَّثنا مَن سمع بَكْرَ بن عبدالله المزنيَّ، عن عِمرانَ بن الحصَين(٢) « قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لي: يا عِمرانُ إنّ لكلِّ شيءٍ موقعاً من القلبِ، وما وقع موقع هذين الغلامين مِن قلبي شيءٌ قط، فقلت: كلُّ هذا يارسولَ الله؟ قال: يا عِمران وما خَفي عليك أكثر أنّ الله أمرني بحبّهما ».

٣ - حدَّثني أبي، عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب - عمّن حدَّثه - عن سفيان الجريريّ، عن أبيه، عن ابي رافع، عن أبيه، عن جدِّه، عن أبي ذرّ الغفاريِّ « قال: أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحبّ الحسن والحسينعليهما‌السلام ، فأنا اُحبّهما واُحبّ مَن يحبّهما لحبِّ رسول الله إيّاهما ».

__________________

١ - عدّه الشّيخ في رجاله من أصحاب أمير المؤمنين عليٍّعليه‌السلام . وراويه هو أجلح بن عبدالله ابن حُجيّة ظاهراً، ويقال: اسمه يحيى والأجلح لقبه. ( من التّهذيب لابن الحجر ).

٢ - هو عمران بن حُصَين بن عبيد بن خلف، أسلم هو وأبو هريرة عامّ خيبر. روى عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٥٣

٤ - حدّثني أبي، عن عبدالله بن جعفر الحميريّ قال: حدَّثني رجلٌ - نسيت اسمه - من أصحابنا، عن عبيدالله بن موسى، عن مُهَلْهَل العَبديّ، عن أبي هارون العبديِّ، عن رَبيعة السّعديّ، عن أبي ذرّ الغِفاريّ « قال: رأيت رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقبّل الحسن والحسينعليهما‌السلام وهو يقول: من أحبَّ الحسن والحسين وذرّيتهما مخلصاً لم تلفح النّار وجْهَه ولو كانت ذنوبه بِعدَدِ رَملٍ عالج إلاّ أن يكون ذَنبه ذنباً يخرجه من الإيمان ».

٥ - حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزّاز القرشيِّ قال: حدَّثني محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحسن بن محبوب - عَمّن ذكره - عن عليِّ بن عابس، عن الحَجّال(١) ، عن عَمْرِو بن مُرَّة، عن عبدالله بن سَلَمة، عن عُبَيدة السّلمانيِّ، عن عبدالله بن معسود « قال: قال: سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: مَن كان يحبّني فليحبَّ ابنَي هذَين، فإنَّ الله أمرني بحبّهما ».

٦ - حدَّثني أبي، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن أبيه محمّد بن عيسى، عن عبدالله بن المغِيرة، عن محمّد بن سليمانَ البزَّاز، عن عَمْرِو بنِ شمر، عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن أراد أن يتمسّك بعروة الله الوثقى الّتي قال الله تعالى في كتابه فليوال عليَّ بن أبي طالب والحسن والحسين، فإنَّ اللهَ يحبّهما مِن فوق عرشه ».

٧ - وعنه(٢) ، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه؛ وعبدالرَّحمن بن أبي نَجرانَ - عن رجل - عن عبّاس بن الوليد، عن ابيه، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قال رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن أبغض الحسن والحسين جاءَ يوم القيامة وليس على وجهه لحمٌ، ولم تنله شفاعتي ».

٨ - وحدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزّاز، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمّد بن إسماعيل، عن أبي المغرا(٣) ، عن أبي بصير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام

__________________

١ - يعني عبدالله بن محمّد الكوفيّ الثّقة.

٢ - الضّمير راجع إلى سعد بن عبدالله.

٣ - المراد به حميد بن مثنّى الصّيرفيّ الثّقة.

٥٤

 « قال: سَمعتُه يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قرَّة عيني النِّساء (١) ، ورَيحانتي الحسن والحسين ».

٩ - حدّثني الحسن بن عبدالله بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب - عمّن ذكره - عن عليِّ بن عبّاس، عن المِنهال عن عَمرو، عن الأصبغ، عن زاذان « قال: سمعت عليَّ بن أبي طالبعليه‌السلام في الرُّحْبَة(٢) يقول: الحسن والحسين رَيحانتا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

١٠ - حدَّثني جماعة مشايخي منهم: أبي؛ ومحمّد بن الحسن؛ وعليُّ بن الحسين جميعاً، عن سعد بن عبدالله بن أبي خلف، عن محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن أبي عبدالله زكريّا المؤمن، عن ابن مُسكان، عن زيد مولى ابن هُبيرة(٣) « قال: « قال أبو جعفرعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : خذوا بِحُجزَة هذا الأنزع، فإنّه الصّدِّيق الأكبر؛ والهادي لمن اتَّبعه، ومَن سبقه مرق(*) من دين الله، ومَن خذله محقه الله، ومَن اعتصم به فقد اعتصم بـ [ -حبل ] الله، ومَن أخذ بولايته هداه الله، ومن ترك ولايته أضله الله، ومنه سبطا أمتي الحسن والحسين، وهما ابناي؛ ومَن ولد الحسين الأئمّة الهداة والقائم المهديّ، فأحبّوهم وتوالوهم، ولا تتّخذوا عدوَّهم وليجَة من دونهم، فيحلُّ عليكم غضبٌ مِن رَبّكم، وذلّة في الحياة الدُّنيا، وقد خاب مَنِ افترى ».

١١ - حدَّثني الحسين بن عليٍّ الزّعفرانيُّ بالرَّيّ قال: حدَثنا يحيى بن سليمان، عن عبدالله بن عثمان بن خَثيم، عن سعيد بن أبي راشد، عن يَعلى بن مُرَّة « قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : حسينٌ منّي وأنا من حسين، أحبَّ الله مَن أحبَّ حسيناً، حسين سِبط مِن الأسباط ».

__________________

١ - كذا في جلّ النّسخ، والصّواب: « حُبِّب إليّ من الدنيا النّساء والطّيب، وقرّة عيني في الصّلاة »، راجع بيانه مفصّلاً « الخصال » طبع مكتبتنا ص ١٦٥.

* - أي خرج.

٢ - الرّحبة - بضمّ أوّله، وسكون ثانية، وباء موحّدة -: قرية بحذاء القادسية على مرحلة من الكوفة على يسار الحُجّاج إذا أرادوا مكّة. ( المعجم ).

٣ - يعني زيد بن يونس الشّحّام.

٥٥

١٢ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريّ، عن أبي سعيد الحسين بن عليِّ بن زَكريّا العَدْويّ البَصريّ قال: حدَّثنا عبدالأعلى بن حمّاد النَّرسيّ قال: حدّثنا وُهَيب(١) ، عن عبدالله بن عثمان، عن سعيد بن أبي راشد، عن يَعلى العامِريّ « أنَّه خرج من عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى طعام دُعي إليه فإذا هو بحسينعليه‌السلام يلعب مع الصِّبيان فاستقبل النَّبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمامَ القوم ثمَّ بسط يديه فطَفَر الصّبيّ ههنا مرَّة، وههنا مَرَّة، وجعل رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يضاحكه حتّى أخذه فجعل إحدى يديه تحت ذقنِه والاُخرى تحت قَفائه، ووضع فاهُ على فيه وقَبّله، ثمَّ قال: حسين منّي وأنا من حسين، أحبَّ الله مَن أحبَّ حسيناً، حسين سِبط من الأسباط ».

١٣ - وعنه، عن أبي سعيد قال: حدّثنا نَضْرُ بنُ عليٍّ قال: حدَّثنا عليُّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفرعليهما‌السلام « قال: أخذ رَسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد الحسن والحسين فقال: مَن أحبَّ هذين الغلامين وأباهما واُمِّهما فهو معي في دَرَجتي يوم القيامة ».

الباب الخامس عشر

( زيارة الحسن بن عليٍّ عليهما السلام وقبور الأئمّة عليهم السلام بالبقيع)

١ - حدَّثني حكيم بن داود بن حكيم قال: حدَّثني سلمة بن الخطّاب، عن عمر بن عليٍّ، عن عمّه، عن عُمَرَ بن يزيدَ بيّاع السّابري - رفعه - « قال: كان محمّد بن عليٍّ ابن الحنفيّة يأتي قبر الحسن بن عليٍّعليهما‌السلام فيقول:

«السَّلام عليكَ يَا ابْنَ أميرِ المؤمِنينَ، وابْنَ أوَّلِ المُسْلِمينَ، وكيف لا تكون كذلك، وأنْتَ سَليل الهُدى، وحَليفُ التَّقوى، وخامِسُ أهْلِ الكِساء (٢) ،غَذَتْك يَدُ الرَّحمة، و

__________________

١ - هو وهيب بن خالد الباهليّ المعروف بـ « صاحب الكرابيس »، عامّيّ، وهو راوي عبدالله بن عثمان بن خثيم القارئ، وشيخ عبدالأعلى بن حمّاد النَّرْسيّ، العامّيّ.

٢ - كذا، والمشهور أنّ الخامس منهم الحسينعليه‌السلام .

٥٦

رُبّيتَ في حِجْرِ الإسْلامِ، ورُضِعْتَ مِنْ ثَدْي الإيمانِ، فَطِبْتَ حيّاً، وَطِبتَ ميّتاً، غَيْرُ أنَّ النَّفْسَ غَيْرُ راضِيةٍ بِفِراقِكَ، وَلا شاكّةٍ في حَياتِك (١) يَرْحَمُك اللهُ »،

ثمَّ التفت إلى الحسينعليه‌السلام فقال: «يا أبا عبدِاللهِ فَعلى أبي محمّدٍ السَّلامُ »(٢) .

٢ - وعنه، عن سَلَمة، عن عبدالله بن أحمدَ، عن بكر بن صالح، عن عَمرِو بنِ هشام - عن بعض أصحابنا - عن أحَدهماعليهما‌السلام « قال: إذا أتيت قبور الأئمَّة بالبقيع فَقِفْ عندهم واجعل القبلةَ خلفَك والقبرَ بين يديك، ثمَّ تقول:

«السَّلامُ عَلَيْكُمْ أئِمَّةَ الْهُدى، السَّلامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ والبِرِّ والتَّقْوى، السَّلامُ عَلَيكم الْحُجَجُ على أهْلِ الدُّنْيا، السَّلامُ عَلَيْكُمْ الْقَوّامينَ في الْبَرِيَّةِ بِالْقِسْطِ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ الصَّفْوَةِ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا آلَ رَسُولِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ النَّجْوى، أشْهَدُ أنَّكُمْ قَدْ بَلَّغْتُمْ وَنَصَحْتُمْ وَصَبَرْتُمْ في ذاتِ اللهِ، وَكُذِّبْتُمْ، وَاُسيئَ إلَيْكُمْ فَغَفَرْتُمْ، وَأشْهَدُ أنَّكُمُ الاَْئِمَّةُ الرّاشِدُونَ المَهديّون، وَأنَّ طاعَتَكُمْ مَفْرُوضَةً، وَأنَّ قَوْلَكُمُ الصِّدْقُ، وَأنَّكُمْ دَعَوْتُمْ فَلَمْ تُجابُوا، وَأمَرْتُمْ فَلَمْ تُطاعُوا، وَأنَّكُمْ دَعائِمُ الدّينِ وَأرْكانُ الاَْرْضِ، لَمْ تَزالُوا بِعَيْنِ اللهِ يَنْسَخُكُمْ مِنْ أصْلابِ كُلِّ مُطهَّرٍ، (٣) وَيَنْقُلُكُمْ مِنْ أرْحامِ الْمُطَهَّراتِ، لَمْ تُدَنِّسْكُمُ الْجاهِلِيَّةُ الْجَهْلاءُ، وَلَمْ تَشْرَكْ فيكُمْ فِتَنُ الاَْهْواءِ، طِبْتُمْ وَطابَ مَنْبَتُكُمْ، مَنَّ بِكُمْ عَلَيْنا دَيّانُ الدّينِ (٤) فَجَعَلَكُمْ في بُيُوتٍ أذِنَ اللهُ أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ، وَجَعَلَ صَلواتَنا عَلَيْكُمْ رَحْمَةً لَنا وَكَفّارَةً لِذُنُوبِنا، إذِ اخْتارَكُمُ اللهُ لَنا، وَطَيَّبَ خَلْقَنا بِما مَنَّ عَلَيْنا مِنْ وِلايَتِكُمْ، وَكُنّا عِنْدَهُ مُسَمِّينَ بِعِلْمِكُمْ، مُعْتَرِفينَ بِتَصْديقِنا إيّاكُمْ، وَهذا مَقامُ مَنْ أسْرَفَ وَأخْطَأ وَاسْتَكانَ وَأقَرَّ بِما جَنى وَرَجى بِمَقامِهِ الْخَلاصَ، وَأنْ يَسْتَنْقِذَهُ بِكُمْ

__________________

١ - جاء الخبر في التّهذيب للشّيخ الطّوسيّرحمه‌الله ج ٦ ص ٤٧ وفيه: « وَلا شاكَّة في الجنان لَكَ » أي لا تشكّ الأنفس في أنّك في الجنان.

٢ - كذا في النّسخ، وفي التّهذيب: « ثمّ يلتفت إلى الحسينعليه‌السلام فيقول: « السَّلامُ عَلَيكَ ياأبا عَبْدِالله وَعَلى أبي مُحَمَّدٍ السَّلامُ ».

٣ - النّسخ في الأصل: النّقل، ونسختِ الرّيح آثار الدّار أي غيّرتها.

٤ - الدَّيّان: القهّار والقاضي والحاكم والسّايس والحاسب والمجازي الّذي لا يضيع عملاً، بل يجزي بالخير والشّرّ. ( القاموس )

٥٧

مُسْتَنْقِذُ الْهَلْكى مِنَ الرَّدى، فَكُونُوا لي شُفَعاءَ، فَقَدْ وَفَدْتُ إلَيْكُمْ إذْ رَغِبَ عَنْكُمْ أهْلُ الدُّنْيا، وَاتَّخَذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها، يا مَنْ هُوَ قائِمٌ لا يَسْهُو، وَدائِمٌ لا يَلْهُو، وَمُحيطٌ بِكُلِّ شَىْءٍ لَكَ الْمَنُّ بِما وَفَّقْتَني وَعَرَّفْتَني أئمَّتي، وبِما أقَمْتَني عَلَيه، إذْ صَدَّ عَنْهُ عِبادُكَ، وَجَهِلُوا مَعْرِفَتَهُ، وَاسْتَخَفُّوا بِحَقِّهِ، وَمالُوا إلى سِواهُ، فكانتِ المِنَّةُ مِنكَ عَلَيَّ مَعَ أقْوامٍ خَصَصْتَهُمْ بِما خَصَصْتَني بِهِ، فَلَكَ الْحَمْدُ إذْ كُنْتُ عِنْدَكَ في مقام مَذْكُوراً مَكْتُوباً، فَلا تَحْرِمْني ما رَجَوْتُ، وَلا تُخَيِّبْني فيما دَعَوْتُ، بِحُرْمَةِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطّاهِرينَ »،

وداع لنفسك بما أحببتَ ».

٣ - حدّثني عليُّ بن الحسين؛ وغيرُه، عن عليِّ بن إبراهيمَ بن هاشم، عن أبيه، عن عبدالرَّحمن بن أبي نَجرانَ، عن يزيد بن إسحاقَ شَعَر، عن الحسن بن عَطيَّة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: تقول عند قبر الحسين ما أحببتَ ».

الباب السّادس عشر

( ما نزل به جَبرئيل عليه السلام في الحسين بن عليّ عليهما السلام أنّه سيقتل)

١ - حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز القرشيِّ الكوفيِّ قال: حدَّثني محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن سِنان، عن سعيد بن يسار؛ أو غيره « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: لمّا أن هبط جبرئيلعليه‌السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتل الحسينعليه‌السلام أخذ بيد عليٍّ فخلا به مَليّاً مِن النَّهار فغلبتّهما العَبْرة، فلم يتفرَّقا حتّى هبط عليهما جبرئيلعليه‌السلام - أو قال: رسول ربّ العالمين - فقال لهما: رَبّكما يقرؤكما السّلامَ ويقول: عزمت عليكما لما صبرتما ( كذا )، قال: فصبرا ».

حدَّثني محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سِنان، سعيد بن يسار قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول مثله.

حدّثني أبيرحمه‌الله ، عن سعد بن عبدالله، عن يعقوبَ بن يزيدَ، عن

٥٨

محمّد بن سِنان، عن سعيد بن يَسار مثله.

٢ - حدَّثني أبي، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليِّ الوشّاء، عن أحمدَ بن عائذ، عن أبي سَلَمة سالم بن مُكرَم، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: لمّا حَمَلتْ فاطمة بالحسين جاءَ جبرئيلعليه‌السلام إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: إنَّ فاطمة سَتَلِدُ وَلداً تقتله اُمّتك مِن بعدك، فلمّا حَمَلَتْ فاطمة بالحسين كَرِهَتْ حملَه، وحين وضَعَتْه كَرِهَتْ وضعَه، ثمَّ قال أبو عبداللهعليه‌السلام : هل رأيتم في الدّنيا اُمّاً تلد غلاماً فتكرهه(١) ؟! ولكنّها كَرِهَتْهُ لأنّها عَلِمتْ أنّه سَيُقتل، قال: وفيه نزلتْ هذه الآية:« وَوَصَّيْنا الإنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً حَمَلَتْهُ اُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصلُهُ ثَلثون شَهراً (٢) » ».

٣ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن حمّاد، عن أخيه أحمد بن حمّاد، عن محمّد بن عبدالله، عن أبيه « قال سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: أتى جبرئيلعليه‌السلام إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له: السّلام عليك يا محمّد، ألا اُبشّرك بغلام تقتله اُمّتك مِن بَعدِك؟ فقال: لا حاجة لي فيه، قال: فانتهض إلى السّماء، ثمَّ عاد إليه الثّانية، فقال له مثل ذلك، فقال: لا حاجة لي فيه، فانعرج إلى السّماء ثمَّ انقضّ إليه الثّالثة فقال له مثل ذلك، فقال: لا حاجة لي فيه، فقال: إنَّ ربَّك إنّ جاعِل الوصيّة في عَقبه، فقال: نعم، ثمَّ قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فدخل على فاطمة فقال لها: إنّ جبرئيل أتاني فبشّرني بغلام تقتله اُمتي مِن بعدي! فقالت: لا حاجة لي فيه، فقال لها إنّ ربّي جاعل الوصيّة في عقبه، فقالت: نعم إذن، قال: فأنزل الله تعالى عند ذلك هذه الآية: «حمَلَتْهُ اُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً » لموضع إعلام جبرئيل إياها بقتله، «فَحَمَلَتهُ كُرهاً » بأنّه مقتول، و «وَضَعَتْهُ كُرْهاً » لأنّه مقتول ».

٤ - وحَدّثني محمّد بن جعفر الرَّزّاز قال: حدَّثني محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن عَمرو بن سعيد الزَّيّات قال: حدَّثني رجلٌ من أصحابنا،

__________________

١ - في الكافي: « لم تر في الدّنيا اُمٌّ تلد غلاماً تكرهه ولكنّها - إلخ ».

٢ - الأحقاف: ١٥.

٥٩

عن أبي عبداللهعليه‌السلام « أنَّ جبرئيل نزل على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا محمّد إنَّ الله يقرء عليك السَّلام ويبشّرك بمولود يولد مِن فاطمةعليها‌السلام تقتله اُمّتك مِن بعدك، فقال: يا جبرئيل وعلى ربّي السَّلام، لا حاجة لي في مولود [يولد مِن فاطمة] تقتله اُمّتي مِن بعدي، قال: فعرج جبرئيل إلى السّماء، ثمَّ هبط فقال له مثل ذلك، فقال: يا جبرئيل وعلى ربّي السَّلام؛ لا حاجة لي في مولود تقتله اُمّتي مِن بعدي، فعرج جبرئيل إلى السَّماء ثمّ هبط فقال له: يا محمّد إنَّ ربَّك يقرئك السَّلام ويبشّرك الله جاعل في ذرّيَّته الإمامة والولاية والوصيَّة، فقال: « قد رضيت (١) ، ثمّ أرسل إلى فاطمة أنَّ الله‏ بُبشّرني بمولود يولد منك تقتله اُمّتي من بعدي، فأرسَلَتْ إليه أن لا حاجة لي في مولود يولد منّي تقتله اُمّتك مِن بعدك، فأرسل إليها أنَّ الله جاعلٌ في ذُرِّيَّته الإمامة والوصيَّة، فأرسَلتْ إليه أني قد رضيت،« فحمَلَتْهُ اُمُُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحملُهُ وَفِصلُهُ ثَلثُون شَهْراً حتّى إذا بَلَغَ أشُدَّهُ وَبَلَغَ أربَعينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أوزِعْني أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتي أنْعَمتَ عَليَّ وَعَلى والِدَيَّ وأنْ أعْمَلَ صالِحاً تَرْضهُ وأصْلِحْ لي في ذُرِّيَّتي »، فلو أنّه قال: أصلح لي ذرّيّتي لكانت ذرّيَّته كلّهم أئمّة، ولم يرضع الحسين مِن فاطمة ولا مِن اُنثى لكنَّه كان يؤتى به النَّبيّ فيضع إبهامَه في فيه فيمصّ منها ما يكفيه اليومين والثّلاثة فنبت لحم الحسينعليه‌السلام (٢) مِن لحم رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ودمه من دمه ولم يولد مولود لستّة أشهر إلاّ عيسى بن مريم والحسين بن عليعليهما‌السلام ».

وحدّثني أبيرحمه‌الله ، عن سعد بن عبدالله، عن علي بن إسماعيل بن عيسى، عن محمّد بن عمرو بن سعيد الزَّيات بإسناده مثله.

٥ - حدّثني أبي؛ ومحمّد بن الحسن جميعاً، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن

__________________

١ - المراد بذلك ما قاله إبراهيم: « ومن ذرّيتي » بعد قوله: « انّي جاعلك للنّاس إماماً ».

٢ - الخبر خبر واحد مجهول، وكان فيه وهم، والظّاهر أنّ الأصل: « لكنه يؤتي به النَّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فيضع يده في فمه فإذا مسّ إصبعه يظهر له أنّه جائع فأمر بإرضاعه، وبهذا الوجه نبت لحم الحسين - يعني بمراقبة النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم - »، وراوي الخبر غير معلوم، ولعلّ الزَّيّات لترديده في صحَّة اللّفظ لم يسمّ الرّاوي.

٦٠

ممّا لم يكن يظنّ بالسابقين الأوّلين أن يبتلوا به على أنّ بعضهم ابتلي ببعضها بعد.

الثالث: أنّ الآية بما لها من السياق المؤيّد بإشعار المقام إنّما تنهى عن الركون إلى الّذين ظلموا فيما هم فيه ظالمون أي بناء المسلمين دينهم الحقّ أو حياتهم الدينيّة على شي‏ء من ظلمهم و هو أن يراعوا في قولهم الحقّ و عملهم الحقّ جانب ظلمهم و باطلهم حتّى يكون في ذلك إحياء للحقّ بسبب إحياء الباطل، و مآله إلى إحياء حقّ بإماتة حقّ آخر كما تقدّمت الإشارة إليه.

و أمّا الميل إلى شي‏ء من ظلمهم و إدخاله في الدين أو إجراؤه في المجتمع الإسلاميّ أو في ظرف الحياة الشخصيّة فليس من الركون إلى الظالمين بل هو دخول في زمرة الظالمين.

و قد اختلط هذا الأمر على كثير من المفسّرين فأوردوا في المقام أبحاثاً لا تمسّ الآية أدنى مسّ، و قد أغمضنا عن إيرادها و البحث في صحّتها و سقمها إيثاراً للاختصار و من أراد الوقوف عليها فليراجع تفاسيرهم.

قوله تعالى: ( وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) إلخ، طرفا النهار هو الصباح و المساء و الزلف جمع زلفى كقرب جمع قربى لفظا و معنى على ما قيل، و هو وصف سادّ مسدّ موصوفه كالساعات و نحوها، و التقدير و ساعات من اللّيل أقرب من النهار.

و المعنى أقم الصلاة في الصباح و المساء و في ساعات من الليل هي أقرب من النهار، و ينطبق من الصلوات الخمس اليوميّة على صلاة الصبح و العصر و هي صلاة المساء و المغرب و العشاء الآخرة، وقتهما زلف من الليل كما قاله بعضهم، أو على الصبح و المغرب و وقتهما طرفا النهار و العشاء الآخرة و وقتها زلف من الليل كما قاله آخرون، و قيل غير ذلك.

لكنّ البحث لمّا كان فقهيّا كان المتّبع فيه ما ورد عن النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) و أئمّة أهل بيته (عليه السلام) من البيان، و سيجي‏ء في البحث الروائيّ الآتي إن شاء الله تعالى.

و قوله:( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) تعليل لقوله:( وَ أَقِمِ الصَّلاةَ ) و

٦١

بيان أنّ الصلوات حسنات واردة على نفوس المؤمنين تذهب بآثار المعاصي و هي ما تعتريها من السيّئات، و قد تقدّم كلام في هذا الباب في مسألة الحبط في الجزء الثاني من هذا الكتاب.

و قوله:( ذلِكَ ذِكْرى‏ لِلذَّاكِرِينَ ) أي هذا الّذي ذكر و هو أنّ الحسنات يذهبن السيّئات على رفعة قدرة تذكار للمتلبّسين بذكر الله تعالى من عباده.

قوله تعالى: ( وَ اصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) ثمّ أمره (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) بالصبر بعد ما أمره بالصلاة كما جمع بينهما في قوله:( وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ ) البقرة: ٤٥ و ذلك أنّ كلّا منهما في بابه من أعظم الأركان أعني الصلاة في العبادات، و الصبر في الأخلاق و قد قال تعالى في الصلاة:( وَ لَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ) العنكبوت: ٤٥ و قال في الصبر:( إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) الشورى: ٤٣.

و اجتماعهما أحسن وسيلة يستعان بها على النوائب و المكاره فالصبر يحفظ النفس عن القلق و الجزع و الانهزام، و الصلاة توجّهها إلى ناحية الربّ تعالى فتنسى ما تلقاه من المكاره، و قد تقدّم بيان في ذلك في تفسير الآية ٤٥ من سورة البقرة في الجزء الأوّل من الكتاب.

و إطلاق الأمر بالصبر يعطي أنّ المراد به الأعمّ من الصبر على العبادة و الصبر عن المعصية و الصبر عند النائبة، و على هذا يكون أمرا بالصبر على جميع ما تقدّم من الأوامر و النواهي أعني قوله:( فَاسْتَقِمْ ) ( وَ لا تَطْغَوْا ) ( وَ لا تَرْكَنُوا ) ( وَ أَقِمِ الصَّلاةَ ) .

لكن إفراد الأمر و تخصيصه بالنبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) يفيد أنّه صبر في أمر يختصّ به و إلّا قيل: و( اصبروا ) جرياً على السياق، و هذا يؤيّد قول من قال: إنّ المراد اصبر على أذى قومك في طريق دعوتك إلى الله سبحانه و ظلم الظالمين منهم، و أمّا قوله:( وَ أَقِمِ الصَّلاةَ ) فإنّه ليس أمراً بما يخصّه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) من الصلاة بل أمر بإقامته الصلاة بمن تبعه من المؤمنين جماعة فهو أمر لهم جميعا بالصلاة فافهم ذلك.

و قوله:( فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) تعليل للأمر بالصبر.

٦٢

قوله تعالى: ( فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ ) إلخ لو لا بمعنى هلّا و إلّا يفيد التعجيب و التوبيخ، و المعنى هلّا كان من القرون الّتي كانت من قبلكم و قد أفنيناها بالعذاب و الهلاك اُولوا بقيّة أي قوم باقون ينهون عن الفساد في الأرض ليصلحوا بذلك فيها و يحفظوا اُمّتهم من الاستئصال.

و قوله:( إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ ) استثناء من معنى النفي في الجملة السابقة فإنّ المعنى: من العجب أنّه لم يكن من القرون الماضية مع ما رأوا من آيات الله و شاهدوا من عذابه بقايا ينهون عن الفساد في الأرض إلّا قليلاً ممّن أنجينا من العذاب و الهلاك منهم فإنّهم كانوا ينهون عن الفساد.

و قوله:( وَ اتَّبَعَ الّذينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَ كانُوا مُجْرِمِينَ ) بيان حال الباقي منهم بعد الاستثناء و هم أكثرهم و عرّفهم بأنّهم الّذين ظلموا و بيّن أنّهم اتّبعوا لذائذ الدنيا الّتي اُترفوا فيها و كانوا مجرمين.

و قد تحصّل بهذا الاستثناء و هذا الباقي الّذي ذكر حالهم تقسيم الناس إلى صنفين مختلفين: الناجون بإنجاء الله و المجرمون و لذلك عقّبه بقوله:( وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) .

قوله تعالى: ( وَ ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى‏ بِظُلْمٍ وَ أَهْلُها مُصْلِحُونَ ) أي لم يكن من سنّته تعالى إهلاك القرى الّتي أهلها مصلحون لأنّ ذلك ظلم و لا يظلم ربّك أحداً فقوله:( بِظُلْمٍ ) قيد توضيحيّ لا احترازيّ، و يفيد أنّ سنّته تعالى عدم إهلاك القرى المصلحة لكونه من الظلم( وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) .

قوله تعالى: ( وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ - إلى قوله -أَجْمَعِينَ ) الخلف خلاف القدّام و هو الأصل فيما اشتقّ من هذه المادّة من المشتقّات يقال: خلف أباه أي سدّ مسدّه لوقوعه بعده، و أخلف وعده أي لم يف به كأنّه جعله خلفه، و مات و خلف ابنا أي تركه خلفه، و استخلف فلانا أي طلب منه أن ينوب عنه بعد غيبته أو موته أو بنوع من العناية كاستخلاف الله

٦٣

تعالى آدم و ذرّيّته في الأرض، و خالف فلان فلانا و تخالفا إذا تفرّقا في رأي أو عمل كأنّ كلّا منهما يجعل الآخر خلفه، و تخلّف عن أمره إذا أدبر و لم يأتمر به، و اختلف القوم في كذا إذا خالف بعضهم بعضا فيه فجعله خلفه، و اختلف القوم إلى فلان إذا دخلوا عليه واحداً بعد واحد، و اختلف فلان إلى فلان إذا دخل عليه مرّات كلّ واحدة بعد اُخرى.

ثمّ الاختلاف و يقابله الاتّفاق من الاُمور الّتي لا يرتضيها الطبع السليم لما فيه من تشتيت القوى و تضعيفها و آثار اُخرى غير محمودة من نزاع و مشاجرة و جدال و قتال و شقاق كلّ ذلك يذهب بالأمن و السلام غير أنّ نوعاً منه لا مناص منه في العالم الإنسانيّ و هو الاختلاف من حيث الطبائع المنتهية إلى اختلاف البنى فإنّ التركيبات البدنيّة مختلفة في الأفراد و هو يؤدّي إلى اختلاف الاستعدادات البدنيّة و الروحيّة و بانضمام اختلاف الأجواء و الظروف إلى ذلك يظهر اختلاف السلائق و السنن و الآداب و المقاصد و الأعمال النوعيّة و الشخصيّة في المجتمعات الإنسانيّة، و قد أوضحت الأبحاث الاجتماعيّة أن لو لا ذلك لم يعش المجتمع الإنسانيّ و لا طرفة عين.

و قد ذكره الله تعالى في كتابه و نسبه إلى نفسه حيث قال:( نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا ) الزخرف: ٣٢. و لم يذمّه تعالى في شي‏ء من كلامه إلّا إذا صحب هوى النفس و خالف هدى العقل.

و ليس منه الاختلاف في الدين فإنّ الله سبحانه يذكر أنّه فطر الناس على معرفته و توحيده و سوّى نفس الإنسان فألهمها فجورها و تقواها، و أنّ الدين الحنيف هو من الفطرة الّتي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، و لذلك نسب الاختلاف في الدين في مواضع من كلامه إلى بغي المختلفين فيه و ظلمهم( فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ) .

و قد جمع الله الاختلافين في قوله:( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ

٦٤

مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ - و هذا هو الاختلاف الأوّل في الحياة و المعيشة - و ما اختلف فيه - و هذا هو الاختلاف الثاني في الدين -إِلَّا الّذينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الّذينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ) البقرة: ٢١٣ فهذا ما يعطيه كلامه تعالى في معنى الاختلاف.

و الّذي ذكره بقوله:( وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً ) يريد به رفع الاختلاف من بينهم و توحيدهم على كلمة واحدة يتّفقون فيه، و من المعلوم أنّه ناظر إلى ما ذكره تعالى في الآيات السابقة على هذه الآية من اختلافهم في أمر الدين و انقسامهم إلى طائفة أنجاهم الله و هم قليل و طائفة اُخرى و هم الّذين ظلموا.

فالمعنى أنّهم و إن اختلفوا في الدين فإنّهم لم يعجزوا الله بذلك و لو شاء الله لجعل الناس اُمّة واحدة لا يختلفون في الدين فهو نظير قوله:( وَ عَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَ مِنْها جائِرٌ وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ) النحل: ٩ و قوله:( أَ فَلَمْ يَيْأَسِ الّذينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيع ) الرعد: ٣١.

و على هذا فقوله:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) إنّما يعني به الاختلاف في الدين فحسب فإنّ ذلك هو الّذي يذكر لنا أن لو شاء لرفعه من بينهم، و الكلام في تقدير: لو شاء الله لرفع الاختلاف من بينهم لكنه لم يشأ ذلك فهم مختلفون دائما.

على أنّ قوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) يصرّح أنّه رفعه عن طائفة رحمهم، و الاختلاف في غير الدين لم يرفعه الله تعالى حتّى عن الطائفة المرحومة، و إنّما رفع عنهم الاختلاف الدينيّ الّذي يذمّه و ينسبه إلى البغي بعد العلم بالحقّ.

و قوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) استثناء من قوله:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) أي الناس يخالف بعضهم بعضا في الحقّ أبداً إلّا الّذين رحمهم الله فإنّهم لا يختلفون في الحقّ و لا يتفرّقون عنه، و الرحمة هي الهداية الإلهيّة كما يفيده قوله:( فَهَدَى اللَّهُ الّذينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ) البقرة: ٢١٣.

فإن قلت: معنى اختلاف الناس أن يقابل بعضهم بعضا بالنفي و الإثبات

٦٥

فيصير معنى قوله:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) أنّهم منقسمون دائماً إلى محقّ و مبطل، و لا يصحّ حينئذ ورود الاستثناء عليه إلّا بحسب الأزمان دون الأفراد و ذلك أنّ انضمام قوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) إليه يؤوّل المعنى إلى مثل قولنا: إنّهم منقسمون دائماً إلى مبطلين و محقّين إلّا من رحم ربّك منهم فإنّهم لا ينقسمون إلى قسمين، بل يكونون محقّين فقط، و من المعلوم أنّ المستثنين منهم هم المحقّون فيرجع معنى الكلام إلى مثل قولنا: إنّ منهم مبطلين و محقّين و المحقّون محقّون لا مبطل فيهم، و هذا كلام لا فائدة فيه.

على أنّه لا معنى لاستثناء المحقّين من حكم الاختلاف أصلاً و هم من الناس المختلفين، و الاختلاف قائم بهم و بالمبطلين معا.

قلت: الاختلاف المذكور في هذه الآية و سائر الآيات المتعرّضة له الذامّة لأهله إنّما هو الاختلاف في الحقّ و مخالفة البعض للبعض في الحقّ و إن كانت توجب كون بعض منهم على الحقّ و على بصيرة من الأمر لكنّه إذا نسب إلى المجموع و هو المجتمع كان لازمه ارتياب المجتمع و تفرّقهم عن الحقّ و عدم اجتماعهم عليه و تركهم إيّاه بحياله، و مقتضاه اختفاء الحقّ عنهم و ارتيابهم فيه.

و الله سبحانه إنّما يذمّ الاختلاف من جهة لازمة هذا و هو التفرّق و الإعراض عن الحقّ و الآيات تشهد بذلك فإنّه تعالى يذمّ فيها جميع المختلفين باختلافهم لا المبطلين من بينهم فلو لا أنّ المراد بالمختلفين أهل الآراء أو الأعمال المختلفة الّتي تفرّقهم عن الحقّ لم يصحّ ذلك.

و من أحسن ما يؤيّده قوله تعالى:( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الّذي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏ وَ عِيسى‏ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) الشورى: ١٣ حيث عبّر عن الاختلاف بالتفرّق، و كذا قوله:( وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) الأنعام: ١٥٣ و هذا أوضح دلالة من سابقه فإنّه يجعل أهل الحقّ الملازمين لسبيله خارجا من أهل التفرّق و الاختلاف.

٦٦

و لذلك ترى أنّه سبحانه في غالب ما يذكر اختلافهم في الكتاب يردفه بارتيابهم فيه كقوله فيما مرّ من الآيات:( وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ) آية: ١١٠ من السورة و قد كرّر هذا المعنى في مواضع من كلامه.

و قال تعالى:( عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الّذي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ) النبأ: ٣ أي يأتي فيه كلّ بقول يبعّدهم من الحقّ فيتفرّقون و قال:( إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ) الذاريات: ١٠ أي قول لا يقف على وجه و لا يبتني على علم بل الخرص و الظنّ هو الّذي أوجده فيكم.

و في هذا المعنى قوله تعالى:( يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) آل عمران: ٧١ فإنّ هذا اللبس المذموم منهم إنّما كان بإظهار قول يشبه الحقّ و ليس به و هو إلقاء التفرّق الّذي يختفي به الحقّ.

فالمراد باختلافهم إيجادهم أقوالا و آراء يتفرّقون بها عن الحقّ و يظهر بها الريب فهم لاتّباعهم أهواءهم المخالفة للحقّ يظهرون آراءهم الباطلة في صور متفرّقة تضاهي صورة الحقّ ليحجبوه عن أفهام الناس بغيا و عدوانا بعد علمهم بالحقّ فهو اختلافهم في الحقّ بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم.

و يتبيّن بما تقدّم على طوله أنّ الإشارة بقوله:( وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) إلى الرحمة المدلول عليه بقوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) و التأنيث اللفظي في لفظ الرحمة لا ينافي تذكير اسم الإشارة لأنّ المصدر جائز الوجهين، قال تعالى:( إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) الأعراف: ٥٦ و ذلك لأنّك عرفت أنّ هذا الاختلاف بغي منهم يفرّقهم عن الحقّ و يستره و يظهر الباطل و لا يجوز كون الباطل غاية حقيقيّة للحقّ تعالى في خلقه، و لا معنى لأن يوجد الله سبحانه العالم الإنسانيّ ليبغوا و يميتوا الحقّ و يحيوا الباطل فيهلكهم ثمّ يعذّبهم بنار خالدة، فالقرآن الكريم يدفع هذا بجميع بياناته.

على أنّ سياق الآيات - مع الغضّ عمّا ذكر - يدفع ذلك فإنّها في مقام بيان

٦٧

أنّ الله تعالى يدعو الناس برأفته و رحمته إلى ما فيه خيرهم و سعادتهم من غير أن يريد بهم ظلما و لا شرّا، و لكنّهم بظلمهم و اختلافهم في الحقّ يستنكفون عن دعوته، و يكذّبون بآياته، و يعبدون غيره، و يفسدون في الأرض فيستحقّون العذاب، و ما كان ربّك ليهلك القرى بظلم و أهلها مصلحون، و لا أن يخلقهم ليبغوا و يفسدوا فيهلكهم فالّذي منه هو الرحمة و الهداية، و الّذي من بغيهم و اختلافهم و ظلمهم يرجع إليهم أنفسهم، و هذا هو الّذي يعطيه سياق الآيات.

و كون الرحمة أعني الهداية غاية مقصودة في الخلقة إنّما هو لاتّصالها بما هو الغاية الأخيرة و هو السعادة كما في قوله حكاية عن أهل الجنّة:( وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الّذي هَدانا لِهذا ) الأعراف: ٤٣ و هذا نظير عدّ العبادة غاية لها لاتّصالها بالسعادة في قوله:( وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات: ٥٦.

و قوله:( وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ ) أي حقّت كلمته تعالى و أخذت مصداقها منهم بما ظلموا و اختلفوا في الحقّ من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم، و الكلمة هي قوله:( لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ ) إلخ.

و الآية نظيره قوله:( وَ لَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ ) الم السجدة: ١٣ و الأصل في هذه الكلمة ما ألقاه الله تعالى إلى إبليس لعنه الله إذ قال:( فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قالَ فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ) ص: ٨٥ و الآيات متّحدة المضمون يفسّر بعضها بعضا.

هذه جملة ما يعطيه التدبّر في معنى الآيتين و قد تلخّص بذلك:

أوّلا أنّ المراد بقوله:( وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً ) توحيدهم برفع التفرّق و الخلاف من بينهم و قيل: إنّ المراد هو الإلجاء إلى الإسلام و رفع الاختيار لكنّه ينافي التكليف و لذلك لم يفعل و نسب إلى قتادة، و قيل: المعنى لو شاء لجمعكم في الجنّة لكنّه أراد بكم أعلى الدرجتين لتدخلوه بالاكتساب ثوابا لأعمالكم، و نسب إلى أبي مسلم. و أنت خبير بأنّ سياق الآيات لا يساعد على شي‏ء

٦٨

من المعنيين.

و ثانياً: أنّ المراد بقوله:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) دوامهم على الاختلاف في الدين و معناه التفرّق عن الحقّ و ستره بتصويره في صور متفرّقة باطلة تشبه الحقّ. و قال بعضهم: هو الاختلاف في الأرزاق و الأحوال و بالجملة الاختلاف غير الدينيّ و نسب إلى الحسن. و قد عرفت أنّه أجنبيّ من سياق الآيات السابقة. و قال آخرون: إنّ معنى( مُخْتَلِفِينَ ) يخلف بعضهم بعضا في تقليد أسلافهم و تعاطي باطلهم، و هو كسابقه أجنبيّ من مساق الآيات و فيها قوله:( وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ) الآية.

و ثالثاً: أنّ المراد بقوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ ) إلّا من هداه الله من المؤمنين.

و رابعاً: أنّ الإشارة بقوله:( وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) إلى الرحمة و هي الغاية الّتي أرادها الله من خلقه ليسعدوا بذلك سعادتهم. و ذكر بعضهم. أنّ المعنى خلقهم للاختلاف و نسب إلى الحسن و عطاء. و قد عرفت أنّه سخيف رديّ جدّاً نعم لو جاز عود ضمير( خلقهم ) إلى الباقي من الناس بعد الاستثناء جاز عدّ الاختلاف غاية لخلقهم و كانت الآية قريبة المضمون من قوله:( وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ ) الآية الأعراف: ١٧٩.

و ذكر آخرون: أنّ الإشارة إلى مجموع ما يدلّ عليه الكلام من مشيّته تعالى في خلقهم مستعدّين للاختلاف و التفرّق في علومهم و معارفهم و آرائهم و شعورهم و ما يتبع ذلك من إرادتهم و اختيارهم في أعمالهم و من ذلك الدين و الإيمان و الطاعة و العصيان، و بالجملة الغاية هو مطلق الاختلاف أعمّ ممّا في الدين أو في غيره.

و نسب إلى ابن عبّاس بناء على ما روي عنه أنّه قال: خلقهم فريقين فريقا يرحم فلا يختلف، و فريقا لا يرحم فيختلف، و إلى مالك بن أنس إذ قال في معنى الآية: خلقهم ليكون فريق في الجنّة و فريق في السعير، و قد عرفت ما فيه من وجوه السخافة فلا نطيل بالإعادة.

و خامساً: أنّ المراد بتمام الكلمة هو تحقّقها و أخذها مصداقها.

٦٩

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ إِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ ) الآية قال: قال (عليه السلام): في القيامة.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي حاتم و أبوالشيخ عن الحسن قال: لمّا نزلت هذه الآية:( فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ مَنْ تابَ مَعَكَ ) قال: شمّروا شمّروا فما رؤي ضاحكا.

و في المجمع في قوله تعالى:( فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ) الآية قال ابن عبّاس: ما نزل على رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) آية كانت أشدّ عليه و لا أشقّ من هذه الآية، و لذلك‏ قال لأصحابه حين قالوا له: أسرع إليك الشيب يا رسول الله. شيّبتني هود و الواقعة.

أقول: و الحديث مشهور في بعض الألفاظ شيّبتني هود و أخواتها، و عدم اشتمال الواقعة على ما يناظر قوله:( فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ) الآية يبعّد أن تكون إليه الإشارة في الحديث، و المشترك فيه بين السورتين حديث القيامة و الله أعلم.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ لا تَرْكَنُوا ) الآية قال: قال (عليه السلام): ركون مودّة و نصيحة و طاعة.

أقول: و رواه أيضاً في المجمع، مرسلا عنهم (عليه السلام).

و في تفسير العيّاشيّ، عن عثمان بن عيسى عن رجل عن أبي عبدالله (عليه السلام):( وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الّذينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) قال: أمّا إنّه لم يجعلها خلودا و لكن( فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) فلا تركنوا إليهم.

أقول: أي و لكن قال: تمسّكم النار فجعله مسّاً.

و فيه عن جرير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) و طرفاه المغرب و الغداة( وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) و هي صلاة العشاء الآخرة.

و في التهذيب، بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): في حديث في الصلوات

٧٠

الخمس اليوميّة: و قال تعالى في ذلك( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) و هي صلاة العشاء الآخرة.

أقول: الحديث لا يخلو من ظهور في تفسير طرفي النهار بما قبل الظهر و ما بعدها ليشمل أوقات الخمس.

و في المعاني، بإسناده عن إبراهيم بن عمر عمّن حدّثه عن أبي عبدالله (عليه السلام): في قول الله عزّوجلّ:( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) قال: صلاة المؤمن بالليل تذهب بما عمل من ذنب النهار:.

أقول: و الحديث مرويّ في الكافي، و تفسير العيّاشيّ، و أمالي المفيد، و أمالي الشيخ.

و في المجمع، عن الواحديّ بإسناده عن حمّاد بن سلمة عن عليّ بن زيد عن أبي عثمان قال: كنت مع سلمان تحت شجرة فأخذ غصنا يابساً منها فهزّه حتّى تحاتّ ورقه ثمّ قال: يا أباعثمان ألا تسألني لم أفعل هذا؟ قلت: و لم تفعله؟ قال: هكذا فعله رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) و أنا معه تحت شجرة فأخذ منها غصنا يابسا فهزّه حتّى تحاتّ ورقه، ثمّ قال: ألا تسألني يا سلمان لم أفعل هذا؟ قلت: و لم فعلته؟ قال: إنّ المسلم إذا توضّأ فأحسن الوضوء ثمّ صلّى الصلوات الخمس تحاتت خطاياه كما تحاتّ هذا الورق. ثمّ قرأ هذه الآية: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ إلى آخرها.

أقول: و رواه في الدرّ المنثور، عن الطيالسيّ و أحمد و الدارميّ و ابن جرير و الطبرانيّ و البغوي في معجمه، و ابن مردويه غير مسلسل.

و فيه، عنه بإسناده عن الحارث عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: كنّا مع رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) في المسجد ننتظر الصلاة فقام رجل فقال: يا رسول الله إنّي أصبت ذنبا، فأعرض عنه فلمّا قضى النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) الصلاة قام الرجل فأعاد القول فقال النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم): أ ليس قد صلّيت معنا هذه الصلاة و أحسنت لها الطهور؟ قال: بلى. قال: فإنّها كفّارة ذنبك.

أقول: و الرواية مرويّة بطرق كثيرة عن ابن مسعود و أبي أمامة و معاذ بن

٧١

جبل و ابن عبّاس و بريدة و واثلة بن الأسقع و أنس و غيرهم و في سرد القصّة اختلاف مّا في ألفاظهم، و رواه الترمذيّ و غيره عن أبي اليسر و هو صاحب القصّة.

و في تفسير العيّاشيّ، عن أبي حمزة الثماليّ قال: سمعت أحدهما (عليهما السلام) يقول: إنّ عليّا (عليه السلام) أقبل على الناس فقال: أيّ آية في كتاب الله أرجى عندكم؟ فقال بعضهم:( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) قال: حسنة و ليست إيّاها. فقال بعضهم:( يا عِبادِيَ الّذينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ) قال: حسنة و ليست إيّاها. و قال بعضهم:( وَ الّذينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ) قال: حسنة و ليست إيّاها.

قال: ثمّ أحجم الناس فقال: ما لكم يا معشر المسلمين؟ قالوا: لا و الله ما عندنا شي‏ء. قال: سمعت رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) يقول: أرجى آية في كتاب الله:( وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) و قرأ الآية كلّها، و قال: يا عليّ و الّذي بعثني بالحقّ بشيرا و نذيرا إنّ أحدكم ليقوم إلى وضوئه فتساقط من جوارحه الذنوب فإذا استقبل بوجهه و قلبه لم ينفتل عن صلاته و عليه من ذنوبه شي‏ء كما ولدته اُمّه فإذا أصاب شيئاً بين الصلاتين كان له مثل ذلك حتّى عدّ الصلوات الخمس.

ثمّ قال: يا عليّ إنّما منزلة الصلوات الخمس لاُمّتي كنهر جار على باب أحدكم فما ظنّ أحدكم لو كان في جسده درن ثمّ اغتسل في ذلك النهر خمس مرّات في اليوم؟ أ كان يبقى في جسده درن؟ فكذلك و الله الصلوات الخمس لاُمّتي.

أقول: و قد روي المثل المذكور في آخر الحديث من طرق أهل السنّة عن عدّة من الصحابة كأبي هريرة و أنس و جابر و أبي سعيد الخدريّ عنه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم).

و فيه، عن إبراهيم الكرخي قال: كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) فدخل عليه رجل من أهل المدينة فقال له أبو عبدالله (عليه السلام): يا فلان من أين جئت؟ قال: و لم يقل في جوابه، فقال أبو عبدالله (عليه السلام): جئت من هنا و هاهنا. انظر بما تقطع به يومك فإنّ معك ملكا موكّلا يحفظ و يكتب ما تعمل فلا تحتقر سيّئة و إن كانت صغيرة فإنّها ستسوؤك يوما، و لا تحتقر حسنة فإنّه ليس شي‏ء أشدّ طلبا من الحسنة

٧٢

إنّها تدرك الذنب العظيم القديم فتحذفه و تسقطه و تذهب به بعدك، و ذلك قول الله( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى‏ لِلذَّاكِرِينَ )

و فيه، عن سماعة بن مهران قال: سأل أباعبدالله (عليه السلام) رجل من أهل الجبال عن رجل أصاب مالاً من أعمال السلطان فهو يتصدّق منه و يصل قرابته و يحجّ ليغفر له ما اكتسب، و هو يقول:( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) . فقال أبوعبدالله (عليه السلام): إنّ الخطيئة لا تكفّر الخطيئة و لكن الحسنة تكفّر الخطيئة.

ثمّ قال أبوعبدالله (عليه السلام): إن خلط الحلال حراما فاختلطا جميعا فلم يعرف الحلال من الحرام فلا بأس.

و في الدرّ المنثور، أخرج أحمد و الطبرانيّ عن أبي أمامة قال: قال رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم): ما من امرء مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيقوم فيتوضّأ فيحسن الوضوء و يصلّي فيحسن الصلاة إلّا غفرت له ما بينها و بين الصلاة الّتي كانت قبلها من ذنوبه.

أقول: و الروايات في هذا الباب كثيرة من أراد استقصاءها فليراجع جوامع الحديث.

و فيه، أخرج الطبرانيّ و أبوالشيخ و ابن مردويه و الديلميّ عن جرير قال: سمعت رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) يسأل عن تفسير هذه الآية:( وَ ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى‏ بِظُلْمٍ وَ أَهْلُها مُصْلِحُونَ ) فقال رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم): و أهلها ينصف بعضهم بعضا.

و في الكافي، بإسناده عن عبدالله بن سنان قال: سئل أبوعبدالله (عليه السلام) عن قول الله تعالى:( وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) فقال: كانوا اُمّة واحدة فبعث الله النبيّين ليتّخذ عليهم الحجّة.

أقول: و رواه الصدوق في المعاني، عنه (عليه السلام) مثله.

و في المعاني، بإسناده عن أبي بصير قال: سألت أباعبدالله (عليه السلام) عن قول الله عزّوجلّ:( وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) قال: خلقهم ليأمرهم بالعبادة، قال: و سألته عن قوله عزّوجلّ:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) قال: خلقهم ليفعلوا ما يستوجبون به رحمته فيرحمهم.

٧٣

و في تفسير القمّيّ عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) يعني آل محمد و أتباعهم يقول الله:( وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) يعني أهل الرحمة لا يختلفون في الدين.

و في تفسير العيّاشيّ، عن يعقوب بن سعيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله:( وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) قال: خلقهم للعبادة. قال: قلت: قوله:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) قال: نزلت هذه بعد تلك.

أقول: يشير إلى كون الآية الثانية أعني قوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) لكونها خاصّة ناسخة للآية الاُولى العامّة، و قد تقدّم في الكلام على النسخ أنّه في عرفهم (عليه السلام) أعمّ ممّا اصطلح عليه علماء الاُصول، و الآيات الخاصّة التكوينيّة ظاهرة في حكمها على الآيات العامّة فإنّ العوامل و الأسباب الخاصّة أنفذ حكما من العامّة فافهمه.

٧٤

( سورة هود الآيات ١٢٠ - ١٢٣)

وَكُلّاً نَقُصّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرّسُلِ مَا نُثَبّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى‏ لِلْمُؤْمِنِينَ( ١٢٠) وَقُل لِلّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى‏ مَكَانَتِكُمْ إِنّا عَامِلُونَ( ١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنّا مُنْتَظِرُونَ( ١٢٢) وَللّهِ‏ِ غَيْبُ السّماوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبّكَ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ( ١٢٣)

( بيان‏)

الآيات تلخّص للنبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) القول في غرض السورة المسرودة له آياتها، و تنبّؤه أنّ السورة تبيّن له حقّ القول في المبدأ و المعاد و سنّة الله الجارية في عباده فهي بالنسبة إلى النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) تعليم للحقّ، و بالنسبة إلى المؤمنين موعظة و ذكرى، و بالنسبة إلى الكافرين المستنكفين عن الإيمان قطع خصام، فقل لهم آخر ما تحاجّهم: اعملوا بما ترون و نحن عاملون بما نراه، و ننتظر جميعا صدق ما قصّ الله علينا من سنّته الجارية في خلقه من إسعاد المصلحين و إشقاء المفسدين، و تختم بأمره (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) بعبادته و التوكّل عليه لأنّ الأمر كلّه إليه.

قوله تعالى: ( وَ كُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ ) إلى آخر الآية أي و كلّ القصص نقصّ عليك تفصيلاً أو إجمالاً، و قوله:( مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ) بيان لما اُضيف إليه كلّ، و قوله:( ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ ) عطف بيان للأنباء اُشير به إلى فائدة القصص بالنسبة إليه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) و هو تثبيت فؤاده و حسم مادّة القلق و الاضطراب منه.

٧٥

و المعنى نقصّ عليك أنباء الرسل لنثبّت به فؤادك و نربط جأشك في ما أنت عليه من سلوك سبيل الدعوة إلى الحقّ، و النهضة على قطع منابت الفساد، و المحنة من أذى قومك.

ثمّ ذكر تعالى من فائدة السورة ما يعمّه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) و قومه مؤمنين و كافرين فقال فيما يرجع إلى النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) من فائدة نزول السورة:( وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ ) و الإشارة إلى السورة أو إلى الآيات النازلة فيها أو الإنباء على وجه، و مجي‏ء الحقّ فيها هو ما بيّن الله تعالى في ضمن القصص و قبلها و بعدها من حقائق المعارف في المبدأ و المعاد و سنّته تعالى الجارية في خلقه بإرسال الرسل و نشر الدعوة ثمّ إسعاد المؤمنين في الدنيا بالنجاة، و في الآخرة بالجنّة، و إشقاء الظالمين بالأخذ في الدنيا و العذاب الخالد في الآخرة.

و قال فيما يرجع إلى المؤمنين:( وَ مَوْعِظَةٌ وَ ذِكْرى‏ لِلْمُؤْمِنِينَ ) فإنّ فيما ذكر فيها من حقائق المعارف تذكرة للمؤمنين يذكرون بها ما نسوه من علوم الفطرة في المبدأ و المعاد و ما يرتبط بهما، و فيما ذكر فيها من القصص و العبر موعظة يتّعظون بها.

قوله تعالى: ( وَ قُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى‏ مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ وَ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ) و هذا فيما يرجع إلى غير المؤمنين يأمر نبيّه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) أن يختم الحجاج معهم و يقطع خصامهم بعد ما تلا القصص عليهم بهذه الجمل فيقول لهم: أمّا إذا لم تؤمنوا و لم تنقطعوا عن الشرك و الفساد بما ألقيت إليكم من التذكرة و العبر و لم تصدّقوا بما قصّه الله من أنباء الاُمم و أخبر به من سنّته الجارية فيهم فاعملوا على ما أنتم عليه من المكانة و المنزلة، و بما تحسبونه خيراً لكم إنّا عاملون، و انتظروا ما سيستقبلكم من عاقبة عملكم إنّا منتظرون فسوف تعرفون صدق النبإ الإلهيّ و كذبه.

و هذا قطع للخصام و نوع تهديد أورده الله في القصص الماضية قصّة نوح و هود و صالح (عليه السلام)، و في قصّة شعيب (عليه السلام) حاكيا عنه:( وَ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى‏

٧٦

مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ مَنْ هُوَ كاذِبٌ وَ ارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ) آية : ٩٣ من السورة.

قوله تعالى: ( وَ لِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ) لمّا كان أمره تعالى نبيّه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) أن يأمرهم بالعمل بما تهوى أنفسهم و الانتظار، و إخبارهم بأنّه و من آمن معه عاملون و منتظرون، في معنى أمره و من تبعه بالعمل و الانتظار عقّبه بهاتين الجملتين ليكون على طيب من النفس و ثبات من القلب من أنّ الدائرة ستكون له عليهم.

و المعنى فاعمل و انتظر أنت و من تبعك فغيب السماوات و الأرض الّذي يتضمّن عاقبة أمرك و أمرهم إنّما يملكه ربّك الّذي هو الله سبحانه دون آلهتهم الّتي يشركون بها و دون الأسباب الّتي يتوكّلون عليها حتّى يديروا الدائرة لأنفسهم و يحوّلوا العاقبة إلى ما ينفعهم، و إلى ربّك الّذي هو الله يرجع الأمر كلّه فيظهر من غيبه عاقبة الأمر على ما شاءه و أخبر به، فالدائرة لك عليهم، و هذا من عجيب البيان.

و من هنا يظهر وجه تبديل قوله:( رَبُّكَ ) المكرّر في هذه الآيات بلفظ الجلالة( الله ) لأنّ فيه من الإشعار بالإحاطة بكلّ ما دقّ و جلّ ما ليس في غيره، و المقام يقتضي الاعتماد و الالتجاء إلى ملجاء لا يقهره قاهر و لا يغلب عليه غالب، و هو الله سبحانه و لذلك ترى أنّه يعود بعد انقضاء هذه الجمل إلى ما كان يكرّره من صفة الربّ، و هو قوله:( وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) .

قوله تعالى: ( فَاعْبُدْهُ وَ تَوَكَّلْ عَلَيْهِ ) الظاهر أنّه تفريع لقوله:( وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ) أي إذا كان الأمر كلّه مرجوعا إليه تعالى فلا يملك غيره شيئاً و لا يستقلّ بشي‏ء فاعبده سبحانه و اتّخذه وكيلا في جميع الاُمور و لا تتوكّل على شي‏ء من الأسباب دونه لأنّها أسباب بتسبيبه غير مستقلّة دونه، فمن الجهل الاعتماد على شي‏ء منها. و ما ربّك بغافل عمّا تعملون فلا يجوز التساهل في عبادته و التوكّل عليه.

٧٧

( سورة يوسف مكّيّة و هي مائة و إحدى عشرة آية)

( سورة يوسف الآيات ١ - ٣)

.بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ( ١) إِنّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ( ٢) نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنْتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ( ٣)

( بيان‏)

غرض السورة بيان ولاية الله لعبده الّذي أخلص إيمانه له تعالى إخلاصا و امتلأ بمحبّته تعالى لا يبتغي له بدلا و لم يلو إلى غيره تعالى من شي‏ء، و أنّ الله تعالى يتولّى هو أمره فيربّيه أحسن تربية فيورده مورد القرب و يسقيه فيرويه من مشرعة الزلفى فيخلصه لنفسه و يحييه حياة إلهيّة و إن كانت الأسباب الظاهرة أجمعت على هلاكه، و يرفعه و إن توفّرت الحوادث على ضعته، و يعزّه و إن دعت النوائب و رزايا الدهر إلى ذلّته و حطّ قدره.

و قد بيّن تعالى ذلك بسرد قصّة يوسف الصدّيق (عليه السلام) - و لم يرد في سور القرآن الكريم تفصيل قصّة من القصص باستقصائها من أوّلها إلى آخرها غير قصّته (عليه السلام) - و قد خصّت السورة بها من غير شركة مّا من غيرها.

فقد كان (عليه السلام) عبداً مخلصا في عبوديّته فأخلصه الله لنفسه و أعزّه بعزّته و

٧٨

قد تجمّعت الأسباب على إذلاله و ضعته فكلّما ألقته في إحدى المهالك أحياه الله تعالى من نفس السبيل الّتي كانت تسوقه إلى الهلاكة: حسده إخوته فألقوه في غيابة الجبّ ثمّ شروه بثمن بخس دراهم معدودة فذهب به ذلك إلى مصر و أدخله في بيت الملك و العزّة، راودته الّتي هو في بيتها عن نفسه و اتّهمته عند العزيز و لم تلبث دون أن اعترفت عند النسوة ببراءته ثمّ اتّهمته و أدخلته السجن فكان ذلك سبب قربه عند الملك، و كان قميصه الملطّخ بالدم الّذي جاؤا به إلى أبيه يعقوب أوّل يوم هو السبب الوحيد في ذهاب بصره فصار قميصه بعينه و قد أرسله بيد إخوته من مصر إلى أبيه آخر يوم هو السبب في عود بصره إليه، و على هذا القياس.

و بالجملة كلّما نازعه شي‏ء من الأسباب المخالفة أو اعترضه في طريق كماله جعل الله تعالى ذلك هو السبب في رشد أمره و نجاح طلبته، و لم يزل سبحانه يحوّله من حال إلى حال حتّى آتاه الحكم و الملك و اجتباه و علّمه من تأويل الأحاديث و أتمّ نعمته عليه كما وعده أبوه.

و قد بدأ الله سبحانه قصّته بذكر رؤيا رآها في بادئ الأمر و هو صبيّ في حجر أبيه و الرؤيا من المبشّرات ثمّ حقّق بشارته و أتمّ كلمته فيه بما خصّه به من التربية الإلهيّة، و هذا هو شأنه تعالى في أوليائه كما قال تعالى:( أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ الّذينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى‏ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) يونس: ٦٤.

و في قوله تعالى بعد ذكر رؤيا يوسف و تعبير أبيه (عليه السلام) لها:( لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ ) إشعار بأنّه كان هناك قوم سألوا النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) عمّا يرجع إلى هذه القصّة، و هو يؤيّد ما ورد أنّ قوما من اليهود بعثوا مشركي مكّة أن يسألوا النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) عن سبب انتقال بني إسرائيل إلى مصر و قد كان يعقوب (عليه السلام) ساكنا في أرض الشام فنزلت السورة.

و على هذا فالغرض بيان قصته (عليه السلام) و قصّة آل يعقوب، و قد استخرج تعالى ببيانه ما هو الغرض العالي منها و هو طور ولاية الله لعباده المخلصين كما هو اللائح من

٧٩

مفتتح السورة و مختتمها، و السورة مكّيّة على ما يدلّ عليه سياق آياتها، و ما ورد في بعض الروايات عن ابن عبّاس أنّ أربعاً من آياتها مدنيّة، و هي الآيات الثلاث الّتي في أوّلها، و قوله( لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ ) مدفوع بما تشتمل عليه من السياق الواحد.

قوله تعالى: ( الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ ) الإشارة بلفظ البعيد للتعظيم و التفخيم، و الظاهر أن يكون المراد بالكتاب المبين هذا القرآن المتلوّ و هو مبين واضح في نفسه و مبين موضح لغيره ما ضمّنه الله تعالى من المعارف الإلهيّة و حقائق المبدأ و المعاد.

و قد وصف الكتاب في الآية بالمبين لا كما في قوله في أوّل سورة يونس:( تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ ) لكون هذه السورة نازلة في شأن قصّة آل يعقوب و بيانها، و من المحتمل أن يكون المراد بالكتاب المبين اللوح المحفوظ.

قوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) الضمير للكتاب بما أنّه مشتمل على الآيات الإلهيّة و المعارف الحقيقيّة، و إنزاله قرآناً عربيّاً هو إلباسه في مرحلة الإنزال لباس القراءة و العربيّة، و جعله لفظاً متلوّاً مطابقاً لما يتداوله العرب من اللغة كما قال تعالى في موضع آخر( إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) الزخرف: ٤.

و قوله:( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) من قبيل توسعة الخطاب و تعميمه فإنّ السورة مفتتحة بخطاب النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم):( تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ ) ، و على ذلك يجري بعد كما في قوله:( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ) إلخ.

فمعنى الآية - والله أعلم - إنّا جعلنا هذا الكتاب المشتمل على الآيات في مرحلة النزول ملبسا بلباس اللفظ العربيّ محلّى بحليته ليقع في معرض التعقّل منك و من قومك أو اُمّتك، و لو لم يقلب في وحيه في قالب اللفظ المقروّ أو لم يجعل عربيّا مبينا لم يعقل قومك ما فيه من أسرار الآيات بل اختصّ فهمه بك لاختصاصك بوحيه و تعليمه.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357