الإنفاق في سبيل الله

الإنفاق في سبيل الله30%

الإنفاق في سبيل الله مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 194

الإنفاق في سبيل الله
  • البداية
  • السابق
  • 194 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 63607 / تحميل: 5881
الحجم الحجم الحجم
الإنفاق في سبيل الله

الإنفاق في سبيل الله

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما منع سائلاً قط ، أو ما جاء في مناجاة لله لموسى بن عمران من قوله تعالى :

( يا موسى أكرم السائل ببذل يسير أو ببردٍ جميل ) .

لأن الأخذ بظاهر هذه الأخبار إكرام السائل بإعطائه أو برده رداً جميلاً لو لم يكن المعطي يرغب في إعطائه ، ومعنى ذلك تشجيع السائل على التسول لأنه يجد فيه مرتعاً خصباً ، ومكسباً يدر عليه المال ، فهو اينما يتوجه يجد فيه مرتعاً خصباً ، ومكسباً يدر عليه المال ، فهو اينما يتوجه يجد من يكرمه ولا يرد له طلباً.

والجواب عن ذلك : أن الأخبار لم تأمرنا باعطاء المال على كل حال بل خيرت المعطي بين الإعطاء والرد وحينئذٍ فإن عرف حال السائل ، وأنه متسول رد رداً جميلاً أما لو كان محتاجاً ، وفقيراً ، أكرم ، وأعطى.

على أن هذه الأخبار ، وإن أطلق فيها لفظ السائل الشامل لكليهما المتوسل المحترف والمحتاج الحقيقي إلا أن الأخبار المصرحة : بأن النار جزاء المتسول تقيد إطلاق تلك الأخبار فتكون النتيجة : عدم رد السائل الواقعي ، ورد السائل المحترف طبقاً لأخبار التقيد ، وبذلك تنحل مشكلة التسول.

٤ ـ التماس الدعاء من السائل :

بذلك صرحت بعض الأخبار تبين بأن دعوة السائل في حق المنفق تستجاب لذلك نرى الأئمةعليهم‌السلام يحثون المنفق أن يطلبوا ممن يسألهم حاجة أو شيئاً من المال أن يدعو لهم.

وبهذا الصدد نرى أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول :

١٦١

« إذا ناولتم السائل شيئاً فاسألوه أن يدعو لكم »(١) .

وعن الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام أن علي بن الحسينعليه‌السلام قال :

« ما من رجل تصدق على مسكين مستضعف ، فدعا له المسكين بشيء تلك الساعة إلا استجيب له »(٢) .

ويقول الإمام زين العابدينعليه‌السلام في حديث له : « دعوة السائل الفقير لا ترد »(٣) .

وقد تكرر هذا الارشاد منهم ( صلوات الله عليهم ) في حق المعطين ، وان يطلبوا من السائل الدعاء لأنهم يستجاب في حقهم حيث نبه على هذا المعنى الإمام زين العابدينعليه‌السلام في حديث آخر له فقال :

« إذا اعطيتموهم فلقنوهم الدعاء فإنه يستجاب بهم فيكم ولا يستجاب لهم في أنفسهم »(٤) .

٥ ـ عدم الرجوع في الصدقة :

ومن أدب العطاء أن لا يرد المعطي الصدقة إذا أخرجها ليعطيها إلى الفقير فليس من المستحسن أن يردها من غير فرق في السبب بين أن يكون السائل قد رفضها ، أو لم يجد سائلاً ، أو ما شاكل ذلك من الأسباب.

يقول الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام :

__________________

(١ و ٢ و ٣) وسائل الشيعة ـ ٦ / ٢٩٤ ـ وما بعد.

(٤) وسائل الشيعة ٦ / ٢٩٦ / ٢٩٤ / ٢٩٥.

١٦٢

« من تصدق بصدقة فردت عليه ، فلا يجوز له أكلها ولا يجوز له إلا انفاقها إنما منزلتها بمنزلة العتق لله ، فلو أن رجلاً أعتق عبداً لله ، فرد ذلك العبد لم يرجع في الأمر الذي جعله لله فكذلك لا يرجع في الصدقة »(١) .

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام عندما سئل عن رجل يخرج بالصدقة ليعطيها السائل فيجده قد ذهب فقال :

« فليعطها غيره ، ولا يردها في ماله »(٢) .

إن الأمر بعدم ارجاع الصدقة يجسد لنا الحرص الشديد على أن يبقى الثواب الذي حصل عليه المعطي مجرداً له فلا يفوت ما حصل عليه بإرجاع الصدقة ، بل يبقيها لينال ثوابه.

__________________

(١ و ٢) وسائل الشيعة ٦ / ٢٩٦ / ٢٩٤ / ٢٩٥.

١٦٣

صفات ممدوحة في الفقير

١ ـ أغنياء من التعفف :

( للفقراءِ الّذين أحصروا فِي سبيلِ اللهِ لا يستطيعونَ ضرباً في الأرضِ يحسبهمُ الجاهلُ أغنياءَ من التعفُّفِ تعرفهُم بسيماهُم لا يسألونَ الناسَ إلحافاً ومَا تنفقُوا من خيرٍ فإنَّ اللهَ بِهِ عليم ) (١) .

مع الآية في مقاطعها :

( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ) .

الحصر : هنا بمعنى المنع ، ويقول المفسرون : أن الآية الكريمة تحدثت عن مجموعة من الفقراء كانوا في المدينة ، وهم من أهل الصفة ، وأهل الصفة فقراء يتواجدون حول المسجد النبوي ، أو أمامه في رحبته خارج المسجد حسبوا أنفسهم عن العمل للمعاش.

وقد اختلفوا في سبب هذا الحبس.

فقيل : أنهم فعلوا ذلك لأنهم هيأوا أنفسهم للجهاد خوفاً من الكفار.

__________________

(١) سورة البقرة / آية : ٢٧٣.

١٦٤

وقيل : إن بعضهم منعه المرض من الكسب ، والتجارة.

وقيل : إنهم انصرفوا للعبادة.

وقيل : غير هذا ، وذاك من الأسباب.

إلا أن الذي لا خلاف فيه هو أن هؤلاء لم يستطيعوا العمل ، والكسب ، وهو المقصود بقوله تعالى :

( لا يستطيعونَ ضرباً في الأرضِ ) .

هؤلاء الفقراء لشدة تحملهم ، وظهورهم بالمظهر اللائق الذي يحفظ لهم كرامتهم ، وعزتهم ، وعدم مد يد الذل إلى الغير هو الذي جعلهم أغنياء في نظر الناس ممن يجهل حالهم ، وإنما عرفوا مما بدأ عليهم ، وظهر من آثار الجوع ، أو رداءة الملبس وإلا فانهم يحملون بين جوانبهم قلوباً ملؤها الإيمان بالله ، ونفوسا أبية تأبى أن تلوي جيداً لغير الله سبحانه.

( لا يسألونَ النّاسَ إلحافاً ) .

أي وعلى فرض طلبهم وسؤالهم من الناس لو الحت الحاجة بشكل اضطرهم إلى السؤال فإنهم يسألون بهدوء ، وبرفق يتناسب مع ما هم عليه من التعفف وما يتحلون به من رفعة ، وإباء.

وليأخذ الفقراء من هذه الآية درساً قيماً يكيفون به أوضاعهم على نحو ما ترسمه من التحدث عنهم ، وليثقوا بأن الله هو الرازق ، وهو المقدر ، وأنه لا يضيع من يتكل عليه.

٢ ـ دعاء السائل للمنفق وحمده لله :

صحيح أن المعطي يعطي لوجه الله ، والتقرب إليه ، ولكن لا

١٦٥

ينافي ذلك أن يجد المنفق من السائل تجاوباً على عطيته ، فيقابله بالشكر لله ، والدعاء له وبذلك يقوم برد بعض الجميل له ، ولعل ذلك يكون تشجيعاً للمعطي فيكرر العطاء له ، أو لغيره من المحتاجين.

نستفيد كل ذلك من الحديث الذي يحدثنا به أحد الرواة قائلا :

« كنا عند أبي عبد اللهعليه‌السلام بمنى ، وبين أيدينا عنب نأكله ، فجاء سائل فسأله فامر له بعنقود فأعطاه فقال السائل : لا حاجة لي في هذا إن كان درهم فقال : يسع الله عليك ، ولم يعطه شيئاً فذهب ، ثم رجع فقال : ردوا العنقود فقال : يسع الله عليك ، ولم يعطه شيئاً ، ثم جاء سائل آخر فأخذ أبو عبد اللهعليه‌السلام ثلاث حبات عنب ، فناولها إياها فأخذها السائل من يده ثم قال : الحمد لله رب العالمين الذي رزقني.

فقال أبو عبد الله : مكانك فحثا ملأ كفيه عنباً ، فناولها إياه ، فأخذها السائل من يده ثم قال : الحمد لله رب العالمين. فقال أبو عبد الله : مكانك يا غلام أي شيء معك من الدراهم ؟ فإذا معه نحو من عشرين درهماً أو نحوها فناولها إياه ، فأخذها ثم قال : الحمد لله ، هذا منك وحدك لا شريك لك فقال أبو عبد الله : مكانك ، فخلع قميصاً كان عليه فقال : ألبس هذا ، فلبس ، ثم قال : الحمد لله الذي كساني ، وسترني يا أبا عبد الله. أو قال : جزاك الله خيراً ثم إنصرف وذهب »(١) .

لنقف مع هذه الرواية وندفع عنها ما يرد عليها من إشكال مفاده :

__________________

(١) وسائل الشيعة ـ ٦ / ٢٧٢.

١٦٦

ما يقال : من أن الإمام كيف يرد السائل الأول لمجرد أنه لم يرغب في أخذ عنقود من العنب بل أراد درهماً ، وما يدرينا ، فلعل السائل كان محتاجاً إلى المال لا للعنب فما معنى رد الإمام له ، ولا أقل أن نطلب من الإمامعليه‌السلام أن يسأل عن سبب رد السائل العنب ، وطلبه الدرهم ؟

والجواب عن هذا الأشكال : بأن الإمام الصادقعليه‌السلام ربما كان يقصد من هذا الرد للسائل أن يعطي درساً لمن حضر ، ولمن يصله الخبر في أدب السؤال ، وذلك بتنبيه السائل بأن أدب السؤال يقتضي عدم رد العنب لأن رده تحقير للمنفق على عطائه ، بل كان أدب السؤال يقضي بقول الهدية ، ثم المطالبة بالمال واظهار الحاجة له أما هذه المقابلة بالرد فإنها غير مستساغة.

وعلى العكس من السائل الأول نرى السائل الثاني بقبوله لحبات العنب الثالثة وحمده لله على الرزق حفز الإمام على الزيادة بالعطاء ، وكرر السائل الحمد فكرر الإمام العطية ، وعاد السائل يحمد الله سبحانه فعاد الإمام بالمال ، وحمد السائل مجدداً فخلع الإمام قميصه عليه فانصرف السائل وقد حصل على العنب ، والدراهم ، والقميص وكان ذلك نتيجة حسن تصرف السائل في قبوله العطاء بينما حرم السائل الأول من كل ذلك نتيجة سوء تصرفه وأسلوبه المعوج في تقبله العطاء.

٣ ـ أن لا يسأل إلا مع الحاجة :

السؤال والتكفف ليس حرفة وليس هو ـ في نفس الوقت ـ هواية ليقصد الإنسان من وراء ذلك جمع المال ، والعيش على حساب الآخرين بل لابد من أن يكون السؤال نابعاً عن حاجة السائل

١٦٧

وعوزه وفي غير هذه الصورة فإن الشارع المقدس يمقت هذا النوع من التكفف ، ومد اليد إلى الآخرين وبالتالي يتوعد السائل لو تكفف من غير حاجة ، ولا احتياج.

يقول الأمام أبو عبد اللهعليه‌السلام :

« ما من عبد سأل من غير حاجة ، فيموت حتى يحوجه الله إليها ، ويثبت الله له بها النار »(١) .

وفي حديث آخر نراه يقول :

« من سأل من غير فقر فكأنما يأكل الخمر »(٢) .

وقبل أن ننتقل إلى موضوع آخر من بحثنا لابد من الإجابة على السؤال عن هذا التشديد على السائل لو سأل من غير حاجة ، فإن مثل هذا السائل أقصى ما يقال في حقه : أنه نزل إلى المستوى الواطئ فرضي بالعيش ذليلاً يطلب من هذا ، ويسأل من ذاك وهذا أمر يخصه ، وعليه ينطبق عليه قول الشاعر :

« ومن لم يكرم نفسه لم يكرم ».

فلو ارتضى الشخص لنفسه أن لا يكرم فهل يكون جزاءه النار كما في الخبر الأول ، أو انه كمن اكل الخمر ؟ والمراد بالأكل هو شربها.

سؤال ينتظر الإجابة ؟

والجواب عن ذلك : ان الإسلام لا يرضى للفرد أن يكون كلاً على الآخرين ، بل يحبذ للإنسان الاعتماد على النفس ، والجد في

__________________

(١) وسائل الشيعة ـ ٦ / ٣٠٥.

(٢) وسائل الشيعة ـ ٦ / ٣٠٦.

١٦٨

هذه الحياة ليأكل قوته من ثمرة جهوده التي يبذلها في الكسب ، والتجارة ، والعمل ، وقد جاء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في موارد كثيرة نهيه عن السؤال ، وإرشاد السائل بترك التكفف ، والدخول إلى معترك الحياة من الطريق الذي يحبذه الله لعباده وهو الطريق الذي سار عليه الأنبياء ، والأوصياء ، والصالحون كما حدثنا التاريخ عنهم ، وأنهم كانوا يعيشون من أعمالهم اليدوية ، أو البدنية.

يقول الإمام أبو عبد الله الصادق :

« لو أن رجلاً أخذ حبلاً فيأتي بحزمة حطبٍ على ظهره فيبيعها فيكف بها خير له من أن يسأل »(١) .

وعنه أيضاً عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال :

« الأيدي ثلاثة : يد الله العليا ، ويد المعطي التي تليها ، ويد المعطى أسفل الأيدي فاستعفوا عن السؤال ما استطعتم. إن الأرزاق دونها حجب ، فمن شاء قنى حيائه ، وأخذ رزقه ومن شاء هتك الحجاب ، وأخذ رزقه ، والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبلاً ، ثم يدخل عرض هذا الوادي ، فيحتطب حتى لا يلتقي طرفاه ، ثم يدخل السوق ، فيبيعه بمدٍ من تمر فيأخذ ثلثه. ويتصدق بثلثيه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو حرموه ».

رزق حلال حصيلة جهد ، وعمل ، وربح ، وتجارة مع الناس ، ومع الله.

مع الناس : فيما حصله من ثمن ما احتطبه من ثلث المال.

__________________

(١) وسائل الشيعة ـ ٦ / ٣١٠.

١٦٩

ومع الله : فيما أنفقه من ثلثي الحطب ، أو قيمته إلى الفقراء ، وبذلك يسد حاجته ، وحاجة غيره.

كل ذلك خير له من مد يد الذلة إلى الناس ينتظر ما تدر به عواطفهم نحوه.

على أن السائل بمد يده إنما يقصد إنساناً مثله فهو بهذه العملية يعرض عن التوجه إلى الله سبحانه ويبعد عن ساحته المقدسة ولو كانت ثقته بالله متينة ورصينة لما أعرض إلى غيره.

يقول لقمان الحكيم لولده :

« يا بني ذقت الصبر ، وأكلت لحا الشجر ، فلم أجد شيئاً امر من الفقر ، فأن بُليت به يوماً ، فلا تظهر الناس عليه ، فسيهينوك ، ولا ينفعوك بشيء إرجع الذي ابتلاك به فهو اقدر على فرجك ، واسأله فمن ذا الذي سأله فلم يعطه ، أو وثق به فلم ينجه ؟ »(١) .

« فمن ذا الذي سأله فلم يعطه ، أو وثق به فلم ينجه » ؟

استفهام إنكاري يحمل بين طياته دروساً قيمةً ، فالسائل هذا الإنسان العبد المخلوق والمسؤول هو الله سبحانه.

الله : الذي كرر في آيات عديدة من كتابه الكريم ضمانه للأجابة لو دعاه العبد.

الله : الذي تطوف ملائكته في أناء الليل ، وهم ينادون :

هل من داعٍ فيستجاب له ؟

هل من طالب حاجة لتقضى له ؟

__________________

(١) وسائل الشيعة ـ ٦ / ٣٠٧ ـ ٣١١.

١٧٠

هل من تائب ليقبل الله توبته ؟

لقد نام الملوك ، وغلقوا أبواب قصورهم ، وطاف عليها حراسها ، وبابه مفتوح لمن قصده.

الله : الذي تكفل بأرزاق العباد فقال في كتابه الكريم :

( وما من دابة في الأرض الا على الله رزقها ) .

بغض النظر عن مساويء العباد.

الله : يخاطب عباده في حديث قدسي قائلاً :

« عبدي أوجدت صدراً أوسع مني فشكوتني إليه ».

هذا الله العظيم هل يرد سائلاً مد يده إليه ؟

أو يوصد باب رحمته بوجه من طرق ذلك الباب ؟

أو يمنع رزقه عمن اتكل عليه ؟

إذاً لماذا يتجه السائل إلى إنسان مثله فقير إلى ربه ؟

١٧١

الإحسان إلى الأرحام

صلة الرحم ، وقطيعة الرحم ككل تعرضت لهما الآيات الكريمة ، والأخبار بصورة مكثفة ، وكلها تحذر من القطيعة ، وعدم التودد إلى الأرحام.

وقد بينت الأخبار ، وكشفت عن العواقب الوخيمة التي تترتب على التفكك الذي يحصل بين الأقرباء مهما كان السبب في ذلك التقاطع ، والتباعد ، ولكنها ـ في الوقت نفسه ـ أهابت بأبناء الأسرة الواحدة أن يتقاربوا حول بعضهم وينشدوا ، ويكونوا كالجسم الواحد إذا اشتكى بعضه اشتكى كله.

يقول سبحانه :

( والّذينَ يصلونَ ما أمر اللهُ به أن يوصلَ ويخشونَ ربَّهم ويخافونَ سوءَ الحسابِ ـ إلى قوله ـأولئكَ لهم عُقبى الدّارِ ) (١) .

وفي آية أخرى :

( والّذين ينقضونَ عهدَ اللهِ من بعدِ ميثاقهِ ويقطعونَ ما أمرَ اللهُ به أن يوصلَ ويُفسدونَ في الأرضِ أولئكَ لهمُ اللّعنةُ ولهم سوءُ الدّارِ ) (٢) .

__________________

(١ و ٢) سورة الرعد / آية : ٢١ ، ٢٢ ، ٢٥.

١٧٢

مقابلة دقيقة بين الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ، وبين الذين يقطعون ما أمر الله أن يوصل ، فلأولئك عقبى الدار ، ولهؤلاء سوء الدار.

والدار في الموضعين هي : الدار الآخرة. وعقبى الدار هي الجنة. وسوء الدار هي ، النار.

وما أمر الله به أن يوصل وإن كان في لسان الآية عاماً مشمولة للآيات والأخبار.

وهكذا الحال في قطيعة الرحم أيضاً فإنها تكون مشمولة إلا أن صلة الرحم من جملة ما أمر الله به أن يوصل فتكون على نحو ما هو الحال في صلة الرحم وبهذا الصدد تقول الآية الكريمة :

( واتّقُوا الله الذي تساءلونَ به والأرحامَ إنّ اللهَ كانَ عليكم رقيباً ) (١) .

وقد سأل أحد الرواة من الإمامعليه‌السلام عن قوله سبحانه :

( واتّقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) .

فأجابعليه‌السلام بأنها أرحام الناس إن الله أمر بها أن توصل ، وعظمها ألا ترى أنه جعلها منه(٢) .

والمراد من قولهعليه‌السلام جعلها منه أي قرنها باسمه في الأمر بالتقوى.

ويقول عز وجل في آية آخرى :

__________________

(١) سورة النساء / آية : ١.

(٢) أصول الكافي : ٢ / ١٥٠.

١٧٣

( واعبدُوا الله ولا تشركوا بهِ شيئاً وبالوالدينِ إحساناً وبذِي القربى واليتامى ) (١) .

ومن خلال هذا الآية تظهر لنا أهمية الإحسان بالوالدين ، وبذي القربى حيث أوص الله بهم وقد قرن هذه الوصية بالأمر بعبادته ، وعدم الشرك به. ومن الواضح ما للأمر بعبادته من الأهمية بالنسبة إليه ، وهكذا عدم الشرك ، قد صرحت الآية الكريمة بذلك في قوله تعالى :

( إنّ اللهَ لا يغفرُ أن يشركَ بهِ ويغفرُ ما دونَ ذلكَ لمن يشاءُ ) (٢) .

وقد استفاضت الأخبار بالإشادة بصلة الأرحام والحث على التودد إليهم يقول الإمام الرضاعليه‌السلام :

« يكون الرجل يصل رحمه ، فيكون قد بقي من عمره ثلاث سنين ، فيصيرها الله ثلاثين سنة ، ويفعل الله ما يشاء ».

وعن الإمام محمد الباقرعليه‌السلام قوله :

« صلة الأرحام تزكي الأعمال وتنمي الأموال ، وتدفع البلوى ، وتيسر الحساب وتنسيء في الأجل ».

وفي خبر آخر :

« صلة الرحم تحسن الخلق ، وتسمح الكف ، وتطيب النفس ، وتزيد في الرزق ، وتنشئ في الأجل » جاء ذلك عن

__________________

(١) سورة النساء / آية : ٣٦.

(٢) سورة النساء / آية : ٤٨.

١٧٤

الإمام الصادقعليه‌السلام »(١) .

وليس المراد بصلة الرحم هو الاقتصار على الأمور المالية ومد يد المساعدة إليهم بل القصد من وراء ذلك إظهار العطف والود وعدم الإنقطاع عنهم.

وقد ضرب الإمام الصادقعليه‌السلام مثلاً لأدنى ما يمكن إظهار للأرحام فقال :

« صل رحمك ولو بشربة من الماء »(٢) .

وقد جاء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( قوله ) :

« أبغض الأعمال إلى الله الشرك بالله ثم قطيعة الرحم »(٣) .

وقد طفحت كتب الحديث بالأخبار التي تحدثت عن الخلفيات التي تترتب على قطيعة الرحم.

هذه لمحة عن صلة الرحم ، وقطيعتها على نحو العموم.

أما في خصوص الإنفاق عليهم ، ومساعدتهم بالمال ، ونحوه فقد جاء ذلك مصرحاً في الأخبار التالية.

فعن الإمام الصادقعليه‌السلام :

« الصدقة على مسكين صدقة ، وهي على ذي رحمٍ صدقة ، وصلة »(٤) .

وعن الإمام الحسينعليه‌السلام أنه قال :

__________________

(١ و ٢ و ٣) لاحظ لهذه الأخبار أصول الكافي : ٢. ١٥٠ ـ ١٥١ ، وجامع السعادات : ٢ / ٢٥٩.

(٤) البحار : ٩٦ ، ٣٧ ، ١٤٧ ، ١٥٩.

١٧٥

« سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :

إبدأ بمن تعول : أمك ، وأباك ، واختك ، وأخاك ، ثم أدناك ، فأدناك وقال : لا صدقة ، وذو رحمٍ محتاج »(١) .

وسئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« عن أي الصدقة أفضل ؟ فقال : على ذي الرحم الكاشح ».

هذا إذا أخذ الإنفاق على الأرحام من الأخبار الشريفة. ومن إطارها الذي يعتبر الصورة الأخرى المعبرة عن الكتاب المجيد.

وأما الانفاق من الناحية الإجتماعية ، فنراه مطابقاً لما تقتضيه الأصول الإجتماعية ذلك لأن الإعراض عنهم يكوم موجباً لزرع بذور الفتنة والقطيعة بين أفراد الأسرة الواحدة بينما حرص الإسلام على لمّ شملها ، وجمعها.

على أن الكثير من الناس يتقبل من الرحم ، وتسمح نفسه أن يتقبل من الإقرباء هدية بينما لا يخضع لغيره. ولا تسمح نفسه للجوء إليه مهما كلف الثمن.

ولهذا رأينا الأخبار تؤكد على البدء بالعطاء ، والاحسان إلى القرابة وفي مقدمتهم أهل المحسن كما جاء عن الإمام الحسينعليه‌السلام في حديثه المتقدم.

آيات عامة في الإحسان :

لقد تعرض القرآن الكريم إلى ذكر الإحسان ، والتشويق له ، وحث الناس على عمل الخير بشكل عام من دون بيان لخصوصية

__________________

(١) البحار : ٩٦ ، ٣٧ ، ١٤٧ ، ١٥٩.

١٧٦

تلك الأعمال ، ونوعيتها ، وما يقدمه المحسن من النفع إلى الأخرين بل تركت الباب مفتوحاً أمام المحسنين ليشمل الإحسان كل ما ينفع المجتمع ، وينهض بالأفراد ، ولتعم الفائدة ، وليتسابق الناس إلى تقديم كل شيء يكون إحساناً ، وإلى كل فرد يحتاج لذلك الإحسان.

على أن الآيات الكريمة في عرضها لصور التشويق إلى الإحسان قد تنوعت في العرض المذكور.

تقول الآية الأولى :

( والله يحب المحسنين ) (١) .

وجاء في الثانية :

( فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين ) (٢) .

وفي الثالثة قال سبحانه :

( وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ) (٣) .

من مجموع هذا الآيات الثلاث نستفيد من النقاط التالية :

النقطة الأولى : إطباق الآيات الثلاث على الأخبار بأن الله يحب المحسنين ، ويمنحهم عطفه ووده.

النقطة الثانية : الفرق بين الثوابين الدنيوي ، والأخروي ، وأن

__________________

(١) سورة آل عمران / آية : ١٣٤.

(٢) سورة آل عمران / آية : ١٤٨.

(٣) سورة البقرة / آية : ١٩٥.

١٧٧

أحدهما غير الآخر ، وإلا فلو كانا شيئاً واحداً لما عطف ثواب الآخرة على ثواب الدنيا كما جاء ذلك في الآية الثانية حيث قال سبحانه :

( فآتاهُم اللهَ ثوابَ الدّنيا وحُسنَ ثوابِ الآخرةِ ) (١) .

ولو أراد وحدة الثواب لأخبر بأن المحسن يجازي بالثواب من دون تفصيل ، ويبقى الثواب على إطلاقه ليشمل كلا الثوابين : الدنيوي والأخروي.

وقد يقال في بيان الفرق بين الثوابين : أن ثواب الدنيا ما يعود إلى الرزق ، وعدم الابتلاء بالحاجة إلى الغير ، وحسن السمعة بين الناس ، ومنح المحسن العمر الطويل ، وما شاكل من القضايا التي يكون النفع فيها واصلاً إلى المحسنين في هذه الحياة.

وأما ثواب الآخرة : فهو الجنة والنعيم الدائم.

النقطة الثالثة : الأمر بالإحسان مضافاً إلى محبة الله للمحسن وقد جاء ذلك في الآية الثالثة في قوله تعالى :

( وأحسِنُوا أن الله يحبُ المحسنينَ ) .

وكما جاء في آية أخرى قال فيه سبحانه :

( إنّ اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ ) (٢) .

ولو لم نقل بأن الأمر في هذه الآية يدل على الوجوب الإلزامي بالعمل بالإحسان إلى الآخرين فلا أقل من القول بشدة مجبوبيته له سبحانه.

__________________

(١) سورة آل عمران / آية : ١٤٨.

(٢) سورة النحل / آية : ٩٠.

١٧٨

النقطة الرابعة : أن الآية الثانية قد اشتملت على أمرين :

الأول : ان الله يمنح الثواب لمن أحسن في الدنيا قبل الآخرة :

الثاني : بيان أن الله يحب المحسن.

ومن هنا نقول : لسائل أن يطلب التوضيح عما يكتنف هذه الآية من غموض بالنسبة لمحبة الله للمحسن ، وما تأثيرها بعد أن ضمن الله له الثوابين ، وعلى الأخص بعد أن فسر ثواب الآخرة بالجنة ، فمن وعد بالجنة ما يصنع بثواب الدنيا ؟.

والجواب عن ذلك : أن محبة الله لعبده نوع تكريم من الله لعبده فهو بهذا الانعطاف إليه يحيطه بهذه الرعاية الخاصة ، وهذا اللطف الإلهي ، فيجعل المحسن محبوباً إليه.

ان المحسن له الحق أن يفتخر بهذا الشرف الرفيع ، وإن كان قد منحه الله الجنة في الآخرة وهذا هو ثوابه في الدنيا ومحبة الله له.

ويتجلى هذا اللطف الكريم من خلال الآية التي رعت المحسن ، فمنحته شرف رعاية الله له بمعيته فقال سبحانه :

( إنّ اللهَ معض الّذينَ اتَّقَوْا والذينَ هُم محسنونَ ) (١) .

والإحسان في هذا الآيات ، وإن كان عاماً يشمل الإنفاق وغيره ، ولكن ـ كما قلنا ـ أن الإنفاق أحد مصاديق الإحسان ، ويكفي للمنفق أن يكون من جملة من يشمله اطلاق هذه الآيات الكريمة التي تشكل من حيث المجموع ترغيباً وتشويقاً للإنسان في الإنفاق باعتباره إحساناً إلى الغير.

__________________

(١) سورة النحل / آية : ١٢٨.

١٧٩

أدب العطاء عند أهل البيتعليهم‌السلام

العطاء إلى المحتاجين على قسمين :

١ ـ عطاء بمقدار من المال يرفع به المنفق حاجة الفقير الوقتية ويدفع عنه بعض المصاعب التي يواجهها في حياته اليومية نتيحة فقد انه المال.

٢ ـ وعطاء يتميز بالمال الكثير يقدمه المعطي هدية للفقير ليستعين به على تبديل حالته وتغيير مجاري حياته المالية من الفقر إلى الغنى.

ونحن أمام هذين العطاءين :

فالأول منهما : لا يحل مشكلة الفقير ، ولا يعالج قضية الفقير من الجذر إذ لا يريح المحتاج ، ويخلصه من ويلات الحرمان.

أما الثاني : فإنه يحقق هذه الغاية وينحو نحو هذا الهدف السامي لأنه يتناول المشكلة ، فيعالجها من الأساس بإقتلاع جذورها العميقة ، وبذلك تكون هدية المعطي من القسم الثاني ليس لإنعاش الفقير فقط بل خدمة يقدمها إلى مجتمعه بتبديل عناصر لها خطورتها بعناصر طيبة يرجى منها كل الخير.

١٨٠

وعنده حقة، أخذت منه، وأعطي معها شاتين أو عشرين درهما. فإن وجبت عليه حقة، وعنده جذعة، أخذت منه، وردّ عليه شاتان أو عشرون درهما.

فأمّا زكاة البقر، فليس في شي‌ء منها زكاة، الى أن تبلغ ثلاثين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها تبيع حولي. ثمَّ ليس فيما زاد عليها شي‌ء، الى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها مسنّة. وكلّ ما زاد على ذلك، كان هذا حكمه: في كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنّة.

وأمّا الغنم، فليس فيها زكاة، الى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها شاة. ثمَّ ليس فيها شي‌ء، الى أن تبلغ مائة وعشرين. فإذا بلغت ذلك، وزادت واحدة، كان فيها شاتان الى أن تبلغ مائتين. فإذا بلغت وزادت واحدة، كان فيها ثلاث شياه الى أن تبلغ ثلاثمائة. فإذا بلغت ذلك، وزادت واحدة، كان فيها أربع شياه. ثمَّ تترك هذه العبرة فيما زاد عليه، وأخذ من كلّ مائة شاة.

وأمّا الخيل إذا كانت عتاقا كان على كلّ واحدة منها في في كلّ سنة ديناران. وإن كانت براذين كان على كلّ واحدة منها دينار واحد. ومن حصل عنده من كلّ جنس تجب فيه الزّكاة أقلّ من النّصاب الذي فيه الزّكاة، وإن كان لو جمع لكان أكثر من النّصاب والنّصابين، لم يكن عليه شي‌ء، حتى

١٨١

يبلغ كلّ جنس منه، الحدّ الذي تجب فيه الزّكاة. ولو أنّ إنسانا ملك من المواشي ما تجب فيه الزّكاة، وإن كانت في مواضع متفرّقة، وجب عليه فيها الزّكاة. وإن وجد في موضع واحد من المواشي ما تجب فيه الزكاة لملّاك جماعة لم يكن عليهم فيها شي‌ء على حال. ولا بأس أن يخرج الإنسان ما يجب عليه من الزّكاة من غير الجنس الذي يجب عليه فيه بقيمته. وإن أخرج من الجنس، كان أفضل.

باب الوقت الذي تجب فيه الزكاة

لا زكاة في الذّهب والفضّة حتّى يحول عليهما الحول بعد حصولهما في الملك. فان كان مع إنسان مال أقلّ ممّا تجب فيه الزّكاة، ثمَّ أصاب تمام النّصاب في وسط السّنة، فليس عليه فيه الزّكاة حتّى يحول الحول على القدر الذي تجب فيه الزّكاة. وإذا استهلّ هلال الشّهر الثّاني عشر، فقد حال على المال الحول، ووجبت فيه الزّكاة. فإن أخرج الإنسان المال عن ملكه قبل استهلال الثّاني عشر، سقط عنه فرض الزّكاة. وإن أخرجه من ملكه بعد دخول الشّهر الثّاني عشر، وجبت عليه الزّكاة، وكانت في ذمّته الى أن يخرج منه.

وأمّا الحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب، فوقت الزّكاة فيها حين حصولها بعد الحصاد والجذاذ والصّرام، ثمَّ ليس فيها

١٨٢

بعد ذلك شي‌ء، وإن حال عليها حول، إلّا أن تباع بذهب أو فضّة، وحال عليهما الحول، فتجب حينئذ فيه الزّكاة.

وأمّا الإبل والبقر والغنم، فليس في شي‌ء منها زكاة، حتّى يحول عليها الحول من يوم يملكها. وكلّ ما لم يحل عليه الحول من صغار الإبل والبقر والغنم، لا تجب فيه الزّكاة. ولا يجوز تقديم الزّكاة قبل حلول وقتها. فإن حضر مستحقّ لها قبل وجوب الزّكاة، جاز أن يعطى شيئا ويجعل قرضا عليه. فإذا جاء الوقت، وهو على تلك الصّفة من استحقاقه لها، احتسب له من الزّكاة. وإن كان قد استغنى، أو تغيّرت صفته التي يستحقّ بها الزّكاة، لم يجزئ ذلك عن الزّكاة، وكان على صاحب المال أن يخرجها من الرأس.

وإذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور ولا يؤخّره. فإن عدم المستحقّ له، عزله عن ماله، وانتظر به المستحق. فإن حضرته الوفاة، وصى به أن يخرج عنه. وإذا عزل ما يجب عليه من الزّكاة، فلا بأس أن يفرّقه ما بينه وبين شهر وشهرين، ولا يجعل ذلك أكثر منه. وما روي عنهمعليهم‌السلام ، من الأخبار في جواز تقديم الزّكاة وتأخيرها، فالوجه فيه ما قدّمناه في أنّ ما يقدّم منه يجعل قرضا، ويعتبر فيه ما ذكرناه، وما يؤخّر منه إنّما يؤخّر انتظار المستحق، فأمّا مع وجوده، فالأفضل إخراجه إليه على البدار حسب ما قدّمناه.

١٨٣

باب مستحق الزكاة وأقل ما يعطى وأكثر

الذي يستحق الزّكاة هم الثّمانية أصناف الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن: وهم الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، و( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ ) ، والغارمون،( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وابن السّبيل.

فأمّا الفقير فهو الذي له بلغة من العيش. والمسكين الذي لا شي‌ء معه. وأمّا العاملون عليها فهم الذين يسعون في جباية الصّدقات.

وأمّا المؤلّفة فهم الذين يتألّفون ويستمالون إلى الجهاد.

(وَفِي الرِّقابِ ) وهم المكاتبون والمماليك الذين يكونون تحت الشّدة العظيمة. وقد روي أنّ من وجبت عليه كفّارة عتق رقبة في ظهار أو قتل خطإ وغير ذلك، ولا يكون عنده، يشترى عنه ويعتق.

والغارمون هم الذين ركبتهم الدّيون في غير معصية ولا فساد.

( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) وهو الجهاد.

وابن السّبيل وهو المنقطع به. وقيل أيضا: إنّه الضّيف الذي ينزل بالإنسان ويكون محتاجا في الحال، وإن كان له يسار في بلده وموطنه.

١٨٤

فإذا كان الإمام ظاهرا، أو من نصبه الإمام حاصلا، فتحمل الزّكاة إليه، ليفرّقها على هذه الثّمانية الأصناف. ويقسم بينهم على حسب ما يراه. ولا يلزمه أن يجعل لكل صنف جزءا من ثمانية، بل يجوز أن يفضّل بعضهم على بعض، إذا كثرت طائفة منهم وقلّت آخرون.

وإذا لم يكن الإمام ظاهرا، ولا من نصبه الإمام حاصلا، فرّقت الزّكاة في خمسة أصناف من الذين ذكرناهم، وهم الفقراء والمساكين( وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ ) وابن السّبيل. ويسقط سهم( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) وسهم السّعاة وسهم الجهاد، لأنّ هؤلاء لا يوجدون إلّا مع ظهور الإمام. لأن الْمُؤَلَّفَةَ( قُلُوبُهُمْ ) إنّما يتألّفهم الإمام ليجاهدوا معه، والسّعاة أيضا إنّما يكونون من قبله في جميع الزّكوات، والجهاد أيضا إنّما يكون به أو بمن نصبه. فإذا لم يكن هو ظاهرا ولا من نصبه، فرّق فيمن عداهم.

والذين يفرّق فيهم الزّكاة ينبغي أن يحصل لهم مع الصّفات التي ذكرناها أن يكونوا عارفين بالحقّ معتقدين له. فإن لم يكونوا كذلك، فلا يجوز أن يعطوا الزّكاة. فمن أعطى زكاته لمن لا يعرف الحق، لم يجزئه، وكان عليه الإعادة. ولو أنّ مخالفا أخرج زكاته الى أهل نحلته، ثمَّ استبصر، كان عليه إعادة الزّكاة. ولا يجوز أن يعطى الزّكاة من أهل المعرفة إلّا أهل السّتر والصّلاح. فأمّا الفسّاق وشرّاب

١٨٥

الخمور فلا يجوز أن يعطوا منها شيئا. ولا بأس أن تعطي الزّكاة أطفال المؤمنين. ولا تعطى أطفال المشركين.

ولا يجوز أن يعطي الإنسان زكاته لمن تلزمه النّفقة عليه مثل الوالدين والولد والجدّ والجدة والزّوجة والمملوك. ولا بأس أن يعطي من عدا هؤلاء من الأهل والقرابات من الأخ والأخت وأولادهما والعمّ والخال والعمّة والخالة وأولادهم.

والأفضل أن لا يعدل بالزّكاة عن القريب مع حاجتهم الى ذلك الى البعيد. فإن جعل للقريب قسط، وللبعيد قسط، كان أفضل.

ومتى لم يجد من تجب عليه الزّكاة مستحقّا لها، عزلها من ماله، وانتظر بها مستحقّها، فإن لم يكن في بلده من يستحقّها فلا بأس أن يبعث بها إلى بلد آخر. فإن أصيبت الزّكاة في الطّريق أو هلكت، فقد أجزأ عنه. وإن كان قد وجد في بلده لها مستحقا، فلم يعطه، وآثر من يكون في بلد آخر، كان ضامنا لها، إن هلكت، ووجب عليه إعادتها.

ومن وصّي بإخراج زكاة، أو أعطي شيئا منها ليفرّقه على مستحقيه، فوجده، ولم يعطه. بل أخّره، ثمَّ هلك، كان ضامنا للمال.

ولا تحلّ الصّدقة الواجبة في الأموال لبني هاشم قاطبة. وهم الذين ينتسبون إلى أمير المؤمنين،عليه‌السلام ، وجعفر

١٨٦

ابن أبي طالب، وعقيل بن أبي طالب، وعبّاس بن عبد المطّلب. فامّا ما عدا صدقة الأموال، فلا بأس أن يعطوا إيّاها. ولا بأس أن تعطي صدقة الأموال مواليهم. ولا بأس أن يعطي بعضهم بعضا صدقة الأموال. وإنّما يحرم عليهم صدقة من ليس من نسبهم.

وهذا كلّه إنّما يكون في حال توسّعهم ووصولهم إلى مستحقّهم من الأخماس. فإذا كانوا ممنوعين من ذلك ومحتاجين إلى ما يستعينون به على أحوالهم، فلا بأس أن يعطوا زكاة الأموال رخصة لهم في ذلك عند الاضطرار.

ولا يجوز أن تعطى الزّكاة لمحترف يقدر على اكتساب ما يقوم بأوده وأود عياله. فإن كانت حرفته لا تقوم به، جاز له أن يأخذ ما يتّسع به على أهله. ومن ملك خمسين درهما يقدر أن يتعيّش بها بقدر ما يحتاج إليه في نفقته، لم يجز له أن يأخذ الزكاة. وإن كان معه سبعمائة درهم، وهو لا يحسن أن يتعيّش بها، جاز له أن يقبل الزّكاة، ويخرج هو ما يجب عليه فيما يملكه من الزّكاة، فيتّسع به على عياله. ومن ملك دارا يسكنها وخادما يخدمه، جاز له أن يقبل الزّكاة. فإن كانت داره دار غلّة تكفيه ولعياله، لم يجز له أن يقبل الزّكاة فإن لم يكن له في غلّتها كفاية، جاز له أن يقبل الزّكاة.

وينبغي أن تعطي زكاة الذّهب والفضّة للفقراء والمساكين

١٨٧

المعروفين بذلك، وتعطي زكاة الإبل والبقر والغنم أهل التّجمّل.

فإن عرفت من يستحقّ الزّكاة، وهو يستحيي من التعرّض لذلك، ولا يؤثر إن تعرفه، جاز لك أن تعطيه الزّكاة وإن لم تعرفه أنّه منها، وقد أجزأت عنك.

وإذا كان على إنسان دين، ولا يقدر على قضائه، وهو مستحقّ لها، جاز لك أن تقاصّه من الزّكاة. وكذلك إن كان الدّين على ميّت، جاز لك أن تقاصّه منها. وإن كان على أخيك المؤمن دين، وقد مات، جاز لك أن تقضي عنه من الزّكاة. وكذلك إن كان الدين على والدك أو والدتك أو ولدك، جاز لك أن تقضيه عنهم من الزّكاة.

فإذا لم تجد مستحقا للزّكاة، ووجدت مملوكا يباع، جاز لك أن تشتريه من الزّكاة وتعتقه. فإن أصاب بعد ذلك مالا، ولا وارث له، كان ميراثه لأرباب الزّكاة. وكذلك لا بأس مع وجود المستحقّ أن يشتري مملوكا ويعتقه، إذا كان مؤمنا، وكان في ضرّ وشدّة. فإن كان بخلاف ذلك، لم يجز ذلك على حال.

ومن أعطى غيره زكاة الأموال ليفرقها على مستحقها، وكان مستحقّا للزّكاة، جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يعطي غيره. اللهمّ إلّا أن يعيّن له على أقوام بأعيانهم. فإنّه لا يجوز

١٨٨

له حينئذ أن يأخذ منها شيئا، ولا أن يعدل عنهم الى غيرهم.

وأقلّ ما يعطي الفقير من الزّكاة خمسة دراهم أو نصف دينار. وهو أوّل ما يجب في النّصاب الأوّل. فأمّا ما زاد على ذلك، فلا بأس أن يعطى كلّ واحد ما يجب في نصاب نصاب، وهو درهم إن كان من الدراهم، أو عشر دينار إن كان من الدّنانير، وليس لأكثره حد. ولا بأس أن يعطي الرّجل زكاته لواحد يغنيه بذلك.

باب وجوب زكاة الفطرة ومن تجب عليه

الفطرة واجبة على كلّ حر بالغ مالك لما تجب عليه فيه زكاة المال. ويلزمه أن يخرج عنه وعن جميع من يعوله من ولد ووالد وزوجة ومملوك ومملوكة، مسلما كان أو ذمّيّا، صغيرا كان أو كبيرا. فإن كان لزوجته مملوك في عياله، أو يكون عنده ضيف يفطر معه في شهر رمضان، وجب عليه أيضا أن يخرج عنهما الفطرة. وإن رزق ولدا في شهر رمضان، وجب عليه أيضا أن يخرج عنه. فإن ولد المولود ليلة الفطر أو يوم العيد قبل صلاة العيد، لم يجب عليه إخراج الفطرة عنه فرضا واجبا. ويستحبّ له أن يخرج ندبا واستحبابا.

وكذلك من أسلم ليلة الفطر قبل الصّلاة، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة، وليس ذلك بفرض. فإن كان إسلامه

١٨٩

قبل ذلك، وجب عليه إخراج الفطرة. ومن لا يملك ما يجب عليه فيه الزّكاة، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة أيضا عن نفسه وعن جميع من يعوله. فإن كان ممّن يحلّ له أخذ الفطرة أخذها ثمَّ أخرجها عن نفسه وعن عياله. فإن كان به إليها حاجة، فليدر ذلك على من يعوله. حتّى ينتهي إلى آخرهم، ثمَّ يخرج رأسا واحدا إلى غيرهم، وقد أجزأ عنهم كلّهم.

باب ما يجوز إخراجه في الفطرة ومقدار ما يجب منه

أفضل ما يخرجه الإنسان في زكاة الفطرة التّمر ثمَّ الزّبيب. ويجوز إخراج الحنطة والشّعير والأرزّ والأقط واللّبن. والأصل في ذلك أن يخرج كلّ أحد ممّا يغلب على قوته في أكثر الأحوال.

فأمّا أهل مكّة والمدينة وأطراف الشّام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس والأهواز وكرمان، فينبغي لهم أن يخرجوا التّمر. وعلى أوساط الشّام ومرو من خراسان والريّ، أن يخرجوا الزّبيب. وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلّها وخراسان، أن يخرجوا الحنطة والشّعير، وعلى أهل طبرستان الأرز، وعلى أهل مصر البرّ. ومن سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط، فإذا عدموه، كان عليهم اللّبن.

١٩٠

ومن عدم أحد هذه الأصناف التي ذكرناها، أو أراد أن يخرج ثمنها بقيمة الوقت ذهبا أو فضة، لم يكن به بأس. وقد روي رواية أنّه يجوز أن يخرج عن كلّ رأس درهما. وقد روي أيضا أربعة دوانيق. والأحوط ما قدّمناه من أنّه يخرج قيمته بسعر الوقت.

فأمّا القدر الذي يجب إخراجه عن كلّ رأس، فصاع من أحد الأشياء التي قدّمنا ذكرها. وقدره تسعة أرطال بالعراقيّ وستّة أرطال بالمدني. وهو أربعة أمداد. والمدّ مائتان واثنان وتسعون درهما ونصف. والدرهم ستّة دوانيق. والدّانق ثماني حبّات من أوسط حبّات الشّعير. فأمّا اللّبن فمن يريد إخراجه، أجزأه أربعة أرطال بالمدنيّ أو ستّة بالعراقي.

باب الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة ومن يستحقها

الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة يوم الفطر قبل صلاة العيد. ولو أن إنسانا أخرجها قبل يوم العيد بيوم أو يومين أو من أوّل الشّهر الى آخره، لم يكن به بأس، غير أن الأفضل ما قدّمناه.

فإذا كان يوم الفطر، فليخرجها، ويسلّمها الى مستحقّيها فإن لم يجد لها مستحقّا، عزلها من ماله، ثمَّ يسلّمها بعد الصّلاة أو من غد يومه الى مستحقّيها. فإن وجد لها أهلا، وأخّرها،

١٩١

كان ضامنا لها، الى أن يسلّمها إلى أربابها. وإن لم يجد لها أهلا، وأخرجها من ماله، لم يكن عليه ضمان.

وينبغي أن تحمل الفطرة الى الإمام ليضعها حيث يراه. فإن لم يكن هناك إمام، حملت الى فقهاء شيعته ليفرقوها في في مواضعها. وإذا أراد الإنسان أن يتولّى ذلك بنفسه، جاز له له ذلك، غير أنّه لا يعطيها إلا لمستحقّيها.

والمستحقّ لها، هو كلّ من كان بالصّفة التي تحلّ له معها الزّكاة. وتحرم على كلّ من تحرم عليه زكاة الأموال.

ولا يجوز حمل الفطرة من بلد الى بلد. وان لم يوجد لها مستحقّ من أهل المعرفة، جاز أن تعطى المستضعفين من غيرهم.

ولا يجوز إعطاؤها لمن لا معرفة له، إلّا عند التقية أو عدم مستحقّيها من أهل المعرفة. والأفضل أن يعطي الإنسان من يخافه من غير الفطرة، ويضع الفطرة في مواضعها.

ولا يجوز أن يعطي أقلّ من زكاة رأس واحد لواحد مع الاختيار. فإن حضر جماعة محتاجون وليس هناك من الأصواع بقدر ما يصيب كلّ واحد منهم صاع، جاز أن يفرّق عليهم. ولا بأس أن يعطي الواحد صاعين أو أصواعا.

والأفضل أن لا يعدل الإنسان بالفطرة إلى الأباعد مع وجود القرابات ولا الى الأقاصي مع وجود الجيران. فإن فعل خلاف ذلك، كان تاركا فضلا، ولم يكن عليه بأس.

١٩٢

باب الجزية وأحكامها

الجزية واجبة على أهل الكتاب ممّن أبى منهم الإسلام وأذعن بها، وهم اليهود والنّصارى. والمجوس حكمهم حكم اليهود والنّصارى. وهي واجبة على جميع الأصناف المذكورة إذا كانوا بشرائط المكلّفين وتسقط عن الصّبيان والمجانين والبله والنّساء منهم. فأمّا ما عدا الأصناف المذكورة من الكفّار، فليس يجوز أن يقبل منهم إلّا الإسلام أو القتل. ومن وجبت عليه الجزية وحلّ الوقت، فأسلم قبل أن يعطيها، سقطت عنه، ولم يلزمه أداؤها.

وكلّ من وجبت عليه الجزية، فالإمام مخيّر بين أن يضعها على رءوسهم أو على أرضيهم. فإن وضعها على رءوسهم، فليس له أن يأخذ من أرضيهم شيئا. وإن وضعها على أرضيهم، فليس له أن يأخذ من رءوسهم شيئا.

وليس للجزية حدّ محدود ولا قدر موقّت. بل يأخذ الإمام منهم على قدر ما يراه من أحوالهم من الغنى والفقر بقدر ما يكونون به صاغرين.

وكان المستحقّ للجزية في عهد رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، المهاجرين دون غيرهم. وهي اليوم لمن قام مقامهم في نصرة الإسلام والذبّ من سائر المسلمين.

١٩٣

ولا بأس أن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب ممّا أخذوه من ثمن الخمور والخنازير والأشياء التي لا يحلّ للمسلمين بيعها والتّصرف فيها.

باب أحكام الأرضين وما يصح التصرف فيه منها بالبيع والشرى والتملك وما لا يصح

الأرضون على أربعة أقسام:

ضرب منها يسلم أهلها عليها طوعا من قبل نفوسهم من غير قتال، فتترك في أيديهم، ويؤخذ منهم العشر أو نصف العشر، وكانت ملكا لهم، يصحّ لهم التّصرّف فيها بالبيع والشّرى والوقف وسائر أنواع التّصرف.

وهذا حكم أرضيهم إذا عمروها وقاموا بعمارتها. فإن تركوا عمارتها، وتركوها خرابا، كانت للمسلمين قاطبة. وعلى الإمام أن يقبّلها ممّن يعمّرها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع. وكان على المتقبّل بعد إخراج حقّ القبالة ومئونة الأرض، العشر أو نصف العشر فيما يبقى في حصّته، إذا بلغ الى الحدّ الذي يجب فيه ذلك. وهو خمسة أوسق فصاعدا حسب ما قدّمناه.

والضّرب الآخر من الأرضين، ما أخذ عنوة بالسّيف، فإنّها تكون للمسلمين بأجمعهم. وكان على الإمام أن يقبّلها

١٩٤