حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر

حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر0%

حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 355

حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر

مؤلف: احمد حسين يعقوب
تصنيف:

الصفحات: 355
المشاهدات: 172105
تحميل: 4856

توضيحات:

حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 355 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 172105 / تحميل: 4856
الحجم الحجم الحجم
حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر

حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر

مؤلف:
العربية

قحماً لم يكون من رجالها إنه لم يحسن فهم قول المحدثين ، ولو اطلع على أقوالهم وفقههم ما قال شيئاً مما قال ». مقال في مجلة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ج‍ ١ ص ١٢ رقم ٤٦ سنة ١٤٠٠ ، وجاء في هذا العدد أيضاً عن الشيخ العباد أنه قال : « ابن خلدون مؤرخ وليس من رجال الحديث ، فلا يعتدّ به في التصحيح والتضعيف وإنما الاعتماد بذلك على مثل : البيهقي ، والعقيلي ، والخطابي ، والذهبي ، وابن القيم وغيرهم من أهل الرواية والدراية الذين قالوا بصحة الكثير من أحاديث المهدي ».

خ ـ لقد سكت ابن خلدون عما رواه الحاكم ، ولم ينتقده بحرف لوثاقة جميع رجاله عند أهل السنة قاطبة ، تاريخ ابن خلدون ج‍ ١ ص ٥٦٤ فصل ٥٢. وقال ابن خلدون عن حديث آخر : « هذا صحيح الإسناد » تاريخ ابن خلدون ج‍ ١ ص ٥٦٤ وقال عن ثالث وهذا إسناد صحيح ، تاريخ ابن خلدون ج‍ ١ ص ٥٦٥ ، وقال عن رابع : « ورجاله رجال الصحيح لا مطعن فيهم ولا مغمز » تاريخ ابن خلدون ج‍ ١ ص ٥٦٨ فأنت ترى أن ابن خلدون نفسه يصحح أربعة أحاديث من الأحاديث الواردة في المهدي!!

خ ـ لقد توفي ابن خلدون عام ٨٠٨ ه‍ ، ودونت أحاديث المهدي المنتظر سنة ٢٣٠ بمعنى أنه بين تدوينها وتناول ابن خلدون لها قرابة ٦٠٠ عام ، فكيف يتمكن من دراستها والحاكم عليها وهو يتناول ٧ / ٥٥ ممن أخرجوها.

ذ ـ ثم لنفترض أن ابن خلدون أنكر وضعف ال‍ ٢٣ حديثاً التي تناولها بالدراسة كلها فما معنى هذا العدد مع وجود ١٩٤١ حديثاً!! ولنفترض أنه ضعف أو أنكر كافة الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر ، فما هي القيمة العلمية لإنكاره!! ولماذا اختاره المتشككون قدوة لهم لينقضوا كافة الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر؟ ولم يختاروا عالماً من ال‍ ٥٥ عالماً الذين أخرجوا أحاديث المهدي المنتظر وحكموا بصحتها وتواترها!!

ـ ثم ما هي قيمة معارضة ابن خلدون أمام قول وإجماع أهل بيت النبوة؟!

١٢١

جرأة ابن خلدون وتطاوله ومبلغه من العلم

قال ابن خلدون في مقدمته بالفصل الذي عقده لعلم النفقة ما يلي وبالحرف : وشذّ أهل بيت النبوة بمذاهب ابتدعوها ، وفقه انفردوا به بنوه على مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح ، وعلى قولهم بعصمة الأئمة ، ورفع الخلاف عن أقوالهم ، وهي كلها أصول واهية وشك بمثل ذلك الخوارج ، ولم يحفل الجمهور بمذاهبهم ، بل أوسعوها جانب الإنكار والقدح ، فلا نعرف شيئاً من مذاهبهم ، ولا نروي كتبهم ، ولا أثر لشيء منها في مواطنهم ، فهو يعتبر أهل البيت النبوة : مبتدعة ، شذاد ، ويرى أن الأصول الي سار عليها أهل البيت أصول واهية!! ويكشف عن حقيقة شعوره وما في نفسه ، فيعبر عن ألمه وحزنه لأن فقه أهل السنة قد انقرض في مصر ، وحل محله فقه أهل البيت!! وتلاشى من سواهم ، ثم السنة قد انقرض في مصر ، وحل محله فقه أهل البيت!! وتلاشى من سواهم ، ثم يرقص الرجل فرحاً ويهلل عندما زالت دولة العبيديين وحل فقه الشافعي محل فقه أهل بيت النبوة.

فماذا تتوقع من رجل هذه حقيقة مشاعره عن أهل بيت النبوة!! ربما كان سر شهرته يكمن في طبيعة هذه المشاعر ، وربما كره اعتقاد المسلمين بالمهدي المنتظر وتصديقهم للأحاديث النبوية الواردة فيه ، وحاول أن يوهن اعتقاد المسلمين بالمهدي ، وأن يكذب الأحاديث الوارد فيه لأن المهدي المنتظر من أهل بيت النبوة!! فأراد بمحاولاته تلك الحصول على مزيد من الشهرة ، والتألق!!!

والذي لا أعرفه بالفعل هو هل تلا ابن خلدون آية التطهير وآية المودة في القربى ، وآية المباهلة ، وآية الصلاة على النبي؟ وهل عرف معاني هذه الآيات واطلع على تفسيرها؟ وهل مرّ عليه حديث الثقلين ، وحديث السفينة ، وحديث النجوم؟ أكبر الظن ـ وبعض الظن إثم ـ أنه لم يتلُ هذه الآيات ، ولم يقف على تفاسيرها ، ولم تمر عليه تلك الأحاديث!!

لكن ابن خلدون مؤرخ وذكي ولا بد اطلع بحكم دراساته التاريخية على كليات وتفاصيل الصراع الذي دار بين الشرك والايمان ، وعرف أن الذين قادوا جبهة الشرك والعداوة ضد رسول الله حتى أُحيط بهم هم أنفسهم الذين

١٢٢

سلمهم ابن خلدون رايات السنة ، وأن أهل بيت النبوة الذين قادوا جبهة الإيمان وجاهدوا في الله حق جهاده ، هم الذين وصفهم ابن خلدون بالشذاذ والمبتدعة ، وأهل الأحوال الواهية!! إن هذا هو جهد البلاء حقاً!!

٣ ـ السبب الثالث

والسبب الثالث الذي شكك المتشككين بعقيدة المهدي وبالأحاديث النبوية الواردة فيه ، أن أحد علماء الحديث قد روى حديثاً نبوياً يخص عيسى ابن مريم بالمهدية وينفيها عن سواه ، ونص الحديث كما يلي : « لا يزداد الأمر إلا شدة ولا الدنيا إلا إدباراً ، ولا الناس إلا شحّاً ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ولا مهدي إلا عيسى ابن مريم ». [ راجع سنن ابن ماجة ج‍ ٢ ص ٣٤٠ حديث ٤٠٣٩ ]. لأن المتشككين حريصون على سنة رسول الله فقد تمسكوا بهذا الحديث الوحيد ليبطلوا به اعتقاد المسلمين بالمهدي المنتظر ، وليكذبوا به ١٩٤١ حديثاً واردة بالمهدي!!!

الرد على هذا السبب

١ ـ نفس ابن ماجة الذي روى هذا الحديث الوحيد كان قد روى أحاديث عن المهدي المنتظر منها حديث : « المهدي حق وهو من ولد فاطمة » ج‍ ٢ ص ١٣٦٨ حديث ٤٠٨٦ وقد صححه وحكم بتواتره جمع من أهل السنة. فلماذا يهمل المتشككون حديث المهدي حق ويتمسكون بحديث لا مهدي إلا عيسى!!! ولماذا يتجاهلون بالكامل ١٩٤١ حديثاً ، أو يكذبون ويركزون كل اهتمامهم على حديث واحد ويصدقونه!!

٢ ـ ثم لماذا وضع علم الرجال وفق الدراية ، قال ابن القيم في المنار المنيف ١٢٩ حديث ٣٢٤ وص ١٣٠ حديث ٣٢٥ أن الأبري ت ٣٦٣ قد قال : « محمد بن خالد الجندي هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل ، وقال البيهقي تفرد به محمد بن خالد هذا ، وقال الحاكم مجهول ، وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج‍ ٩ ص ١٢٥ و ٢٠٢ : قدح أبو عمرو وأبو الفتح الأزدي بمحمد بن خالد ، وقال الذهبي في الاعتدال ج‍ ٣ ص ٥٣٥ ح ٤٧٩ قال

١٢٣

الأزدي منكر الحديث ، وقال أبو عبد الله الحاكم مجهول ، وحديث : « لا مهدي إلا عيسى خبر منكر أخرجه ابن ماجة. وقال الرطبي في التذكرة : « حديث لا مهدي إلا عيسى يعارض أحاديث هذا الباب ، ثم نقل كلمات من طعن بمحمد بن خالد وأنكر عليه حديثه » ثم قال : « والأحاديث عن النبي في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة وهي أصح من هذا الحديث فالحكم لها دونه ».

وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة « وصرح النسائي بأنه منكر ، وجزم غيره من الحفاظ بأن الأحاديث التي قبله أي الناصة على أن المهدي من ولد فاطمة أصح إسناداً ».

ووصف أبو نعيم في حلية الأولياء ج‍ ٩ ص ٦١ هذا الحديث بالغرابة وقال : لم نكتبه إلا من حديث الشافعي.

وقال ابن تيمية والحديث الذي فيه لا مهدي إلا عيسى رواه ابن ماجه وهو حديث ضعيف ، رواه عن يونس ، عن الشافعي ، عن شيخ مجهول من أهل اليمن : « محمد بن خالد » لا تقوم بإسناده حجة. وقال عن حديث محمد بن خالد الجندي : « وهذا تدليس يدل على توهينه ، ومن الناس من يقول بأن الشافعي لم يروه ». [ راجع منهاج السنة ج‍ ٤ ص ١٠١ ـ ١٠٢ ].

« ولكثرة ماطُعن به محمد بن خالد حاول بعض أنصار الشافعي أن يدرأ عن الشافعي رواية هذا الحديث وادعى أنه رأى الشافعي في المنام وهو يقول كذب على يونس بن عبد الأعلى ليس هذا من حديثي ». [ راجع الفتن والملاحم لابن كثير ص ٣٢ ].

٣ ـ ثم إن الناصبة وأركان دولة الخلافة لن يقبلوا أبداً أن يكون المهدي المنتظر من عترة النبي أهل بيته ، وقد هالهم أن يخص الله آل محمد بهذا الشرف الجديد ، فليس من المستبعد أن يحرك الناصبة ، وأركان دولة الخلافة أعوانهم وعيونهم لتنحية هذا الشرف عن آل محمد ، أو تشكيك المسلمين بصحة الأخبار التي بدأت تفيض حول المهدي المنتظر ، لكن علم الرجال والدراية لهما المقدرة على كشف الكثير من هذه العناصر بموضوعية وبدون مواجهة. وليس في ذلك

١٢٤

عجب فقد حسدت بطون قريش النبي نفسه وحاولت وبكل أساليبها الفاشلة أن تصرف النبوة عنه ، وأن تشكك بكل ما جاء به وصولاً إلى غايتها المتمثلة بصرف النبوة عن بني هاشم حتى لا ينالوا هذا الشرف من دون البطون.

٤ ـ السبب الرابع

يقول المتشككون بعقيدة المهدي المنتظر ، وبالأحاديث النبوية الواردة فيه بأن الادعاءات بالمهدية لم تتوفق طوال التاريخ ، وقد ثبت بالدليل القاطع عدم صحة هذه الادعاءات وهذا سبب وجيه للشك بعقيدة المهدي ، وبالأحاديث النبوية الواردة فيه ككل!!!

الرد على هذا السبب

يعرف المتشككون أن هنالك من ادعى النبوة قبل ظهور النبي الحقيقي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هناك من ادعى النبوة بعدما أعلن رسول الله محمد أنباء النبوة ، وبعد موت النبي محمد ادعى بعضهم النبوة وثبت لنا واقعياً وبالدليل القاطع عدم صحة ادعاءات الذين اعدوا النبوة قبل ظهور النبي وبعد ظهوره ، وبعد موته.

فهل ادعاءات المدعين بالنبوة تبطل نبوة محمد!!! أو تبرر الشك فيها!! أو توجب عدم الاعتقاد بنبوة محمد ، أو بالأدلة والبراهين الدالة عليها!!!

إن العكس هو الصحيح فطالما أنه قد ثبت لنا بالدليل القاطع عدم صحة ادعاءات المدعين بالنبوة قبل نبوة محمد وبعد ظهوره ، وبعد موته فهذا من البراهين التي تثبت صحة نبوة محمد وبطلان نبوات الأدعياء!! ثم إنكم تحملون المعلومات الاسلامية ، والأنباء التي أعلنها رسول الله ، وفكرة الاعتقاد بالمهدى المنتظر وزر كذب الكاذبين أو ادعاءات المدعين ، وهذا هو الظلم بعينه الذي لا نرضاه لا لنا ولا لكم.

٥ ـ السبب الخامس

وهنالك من يقول في زماننا أن رئاسة الدولة الاسلامية شأن يخص المسلمين وحدهم : « لأنهم الأعلم بشؤون دنياهم » وهم أصحاب الاختصاص باختيار الرئيس

١٢٥

أو الخليفة أو الأمير ، ويستشهدون على صحة هذا التصوّر بما فعل الخلفاء الثلاثة الأُول وأولياؤهم بعد موت النبي ، حيث أنهم لم يعيروا أي انتباه لتولية رسول الله لعلي بن أبي طالب ، ولا للمكانة المميزة التي خص الله بها أهل بيت نبيه ، إذا اعتبرها الخلفاء الثلاثة وأولياؤهم من قبيل المديح لا من قبيل الأحكام الشرعية الملزمة!! ثم إن تقديم المهدي المنتظر كرئيس للدولة الإسلامية المرتجاة هو إخلال بمبدأ الشورى ، وبما فعله الخلفاء الثلاثة ، ومجافاة لروح الديمقراطية السائدة في العالم الآن!! هذه الروح التي استقرت نهائياً!! فالمهدي كما تدل الأحاديث النبوية رجل قد اختار الله تعالى ، وأعلن النبي هذا الاختيار!! وهكذا يحرم المسلمون من المشاركة باختيار حاكمهم!!! لقد سمعت هذا السبب من بعض المتشككين بعقيدة المهدي وبالأحاديث الواردة فيه!! ومن المفجع حقاً أن هذا البعض يحتل مراكز قيادية في أحزاب تدعو إلى عودة الإسلام ، وإعادة نظام الخلافة التاريخي!! ومن المخجل أيضاً أن هذه القيادات ما زالت تعتقد وتتيقن أن نظام الخلافة التاريخي هو نظام الإسلام ، وانه لا يوجد في الإسلام نظام غيره!! فإذا سألتهم ماذا تعني الخلافة؟ اتهموك بالبلاهة وأجابوك على الفور إنها خلافة النبي!! فإذا قلت لهم إذا كان نظام الخلافة التاريخي هو النظام الإسلامي ، فما هو النظام الذي كان يطبقه النبي قبل أن ينتقل إلى جوار ربه؟ لماذا تهملون بالكامل عصر النبوة ونظامه ، وتتمسكون بكل قواكم بعصر ما بعد النبوة ونظامه؟ أليس عصر النبوة هو الأصل ، وعصر ما بعد النبوة هو الفرع؟ فمن يلجأ إلى الفرع ويترك الأصل؟! عندئذ تضيق صدورهم ، وتحمرّ وجوههم ، وتنفخ أوداجهم ، ويصرخون بضيق ظاهر ، هكذا فعل الصحابة الكرام!! وهذا ما اتفقوا عليه!! فإن قلت لهم : إن الصحابة الكرام بعيوننا رضي الله عنهم ، ولكن أرأيتم إن أمر الرسول بأمر وفعلاً ، وأمر الصحابة الكرام بأمر آخر وفعلوا فعلاً فبمن نقتدي ، وأي أمر نتبع؟ هل نتبع امر الصحابة ونقتدي بما فعلوا؟ أم نتبع أمر الرسول ونقتدي بما فعل!؟ ما لكم كيف تحكمون!! إن لكم لما تخيرون!!

الرد على هذا السبب

حول قولهم بأن الرئاسة أو الإمامة أو الخلافة شأن خاص

١٢٦

بالمسلمين ، وأنهم أصحاب الاختصاص باختيار الإمام أو الخليفة أو الأمير ضمن قواعد الشورى.

أ ـ هذا القول ليس صحيحاً لأن الرئاسة الإسلامية ليست شأناً خاصاً بالمسلمين وحدهم بل تخص الله ورسوله والعالم کله ومستقبل البشرية ، إنها تخص الشرعيه الإلهية بکل مقوماتها ، لأن مهمة الإمام في الإسلام أن يقود المسلمين والعالم وفق إطار الشرعية الإلهية ، وأن يحكم بالحكم الإلهي بلا زيادة ولا نقصان ، وهذا يستدعي أن يكون الإمام هو الأعلم والأفهم على وجه الجزم واليقين ، والمسلمون لا يعرفون من يتصف بهذه الصفة حتى يختاروه. لذلك اختص الله سبحانه وتعالى باختيار الإمام لأنه يعرف على وجه اليقين من هو الأعلم والأفهم والأفضل والأقرب إليه.

ب ـ لا يماري أي واحد من المتشككين بأن الرسول كان نبياً وكان إماماً أو رئيساً المسلمون ، فهل اختاره المسلمين ، إماماً أو رئيساً لهم ، أم الله سبحانه وتعالى هو الذي اختاره وقدمه للناس وقاد عملية بأنه الأعلم والأفهم والأنسب لرئاستهم!!! وهل اختار الناس النبي سليمان رئيساً لهم ، وهل اختاروا داود أو طالوت!! لأن مهمة الرئيس الإيماني ، أو الإمام ليست الجلوس على كرسي الحكم وإصدار الأوامر والنواهي ، إنما هي منصبة على تنفيذ برامج إلهية لانقاذ العالم وترشيد خطاه على طريق الهداية الإلهية ، والناس لا يعرفون من هو المؤهل للقيام بهذه المهمة. وهذا هو سر إعلان النبي لإمامة علي بن أبي طالب والإحدى عشر إماماً من أحفاده الطاهرين ، لأن الله تعالى أحكم وأرحم من أن يكل الناس لأنفسهم ، وأن يتركهم بعد وفاة النبي وفي مرحلة حرجة دون رعاة شرعيين وقادة مؤهلين. وقد ركزنا على هذه الناحية في كل مؤلفاتنا ويمكنك مراجعة كتابنا « المواجهة مع رسول الله وآله » لتقف على تفصيل ذلك وتوثيقه.

ثم إنه لم يصدف طوال تاريخ الخلافة التاريخية أن اختار المسلمون خليفتهم وفق قواعد الشورى ، لقد كانت الخلافة لمن غلب طوال التاريخ ، فمن يغلب

١٢٧

بالقوة أو كثرة الأتباع يصبح خليفة ، ويقتصر دور المسلمين على إعطائه البيعة ، ومن يمتنع عن البيعة شاقاً للطاعة ، ومفارقاً للجماعة حتى لو كان علياً بن أبي طالب أو الحسين ابن النبي ، فيستتاب ويخيّر بين البيعة أو القتل ، فلا نجاة للمتخلف عن بيعة الغالب ، فلو اختبأ هذا المتخلف ببيت فاطمة بنت رسول الله فإن الخليفة الغالب سيحرق بيت فاطمة بنت محمد على من فيه حتى يخرج المتخلف ويعطي البيعة أو يموت حرقاً هو ومن آواه ، وقد حدث هذا بالفعل حتى في أزهى عصور الخلافة ، ولا يجرؤ عاقل واحد من المتشككين على نفي ذلك.

ولو أن أهل مدينة رسول الله قد امتنعوا عن بيعة الخليفة الغالب ليقينهم بأنه كافر ، أو فاسق يجاهر بالعصيان فإن الخليفة الغالب سيرسل لهذا المدينة جيشه ويأمره بالتنكيل بها حتى تبايع ، وبناء على أوامر الخليفة الغالب يقتل الجيش عشرة آلاف من أهل المدينة بيوم واحد ، وينهب أموالها ، ويهتك أعراضها ، فتحمل ألف عذارء من غير زوج ، ويأخذ البيعة ممن تبقى من سكانها على أنهم عبيد وخول للخليفة يتصرف المالك بأشيائه وعبيده!! وقد حدث هذا بالفعل ومجنون من ينفي ذلك.

ولو احتمى من تخلف عن البيعة بالكعبة ، فإن الخليفة الغالب سيرسل جيشه ومعه أوامر بالحصول على بيعة من تخلف ، فإن أبى تهدم الكعبة نفسها على رؤوس المتخلفين عن البيعة!! وقد حدث هذا بالفعل ، راجع كتابنا « كربلاء الثورة والمأساة » وكتابنا « المواجهة مع رسول الله وآله » تجد التفصيل والتوثيق معاً!!

وكان الغالب يعهد بالخلافة لمن يريد ، ويتكرر العهد من الغالبين حتى يظهر متغلب جديد!! فتبدأ دورة العهد وإعطاء المسلمين البيعة للغالب وهم صاغرون!!

فأين هي الشورى ، وأين هو الاختيار ، وأين هو الاختصاص الذي يدعيه المتشككون.

٢ ـ أما قول المتشككين بأن تولية المهدي المنتظر قيادة الأمة بهذه الطريقة التي حملتها الأحاديث المتعلقة بالمهدي لا تتفق مع الطريقة التي تولى فيها الخلفاء الثلاثة الأُول الخلافة ، لأن خلافتهم هي مقياس الشرعية والمشروعية على اعتبار أنها قد تمت تحت أسماع الصحابة وأبصارهم!!!

١٢٨

الرد على هذا القول

أ ـ إنكم تحشرون الجمل في سم الخياط ، وتتقولون على الله ورسوله وعلى الحقيقة الشرعية بما لم ينزل به الله سلطاناً ، فليس صحيحاً أن فعل الخلفاء هو مقياس الشرعية والمشروعية ، فهم في أحسن الأوصاف من أتباع صاحب الرسالة ، ولم يدّع أحد فيهم بأنه نبي ، أو يوحى إليه أو معصوم عن الخطأ ، ولم يدع أحد منهم بأنه الأعلم أو الأتقى أو الأفضل أو الأقرب لله ولرسوله. وأول تصريح قد صدر عن الخليفة الأول هو قوله : « إني قد وليت عليكم ولست بخيركم » وتواترت تصريحات الخليفة الثاني التي جاء فيها : « كل الناس أعلم من عمر ، وجهل عمر وعرفت إمرأة ، اللَّهم إني أعوذ بك من معضلة ليس فيها أبو الحسن » وحسب مقاييسكم التاريخية فإن الذي جاء بعدهما أقل منهما فضلاً ، وأدنى مرتبة ، فكيف تجاهلتم صاحب الرسالة تجاهلاً تاماً وجعلتم من أفعال الخلفاء الثلاثة الأُول هي المقياس الأوحد للشرعية والمشروعية!!!

ب ـ إن مقياس الشرعية والمشروعية الإلهية ليس قول ولا فعل الخلفاء الثلاية ، أو غيرهم من الخلفاء التاريخيين ، ولكنه قول وفعل صاحب الرسالةصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومكانة أي فرد من المسلمين كائناً من كان تتحدد بحجم التزامه بأوامر رسول الله ، وتقديم خيرة الله على خيرته وأمر الله ورسوله على اجتهاده وما تهوى نفسه.

جـ ـ إن الله تعالى الذي أختار رسوله لقيادة مرحلة التأسيس والرسالة والذي اختار الأنبياء الكرام والأئمة الطاهرين هو نفسه الذي أختار محمد بن الحسن وليكون خاتماً للأئمة ، وقائداً لفترة آخر الزمان ، والفرق أن محمداً نبي ورسول ، والمهدي إمام وليس نبياً ولا رسول. وأن محمداً هو الوالد ، والمهدي هو الابن والحفيد وهو الوارث الشرعي لعلمي النبوة والكتاب ، وهو المؤهل الوحيد لقيادة المرحلة التي اختاره الله لقيادتها. فإذا أردتم القياس فقيسوا على صاحب الرسالة لا على غيره. ومهمة المهدي قيادة العالم في آخر الزمان وإصلاح البشرية بعد فسادها ، وإنقاذها بعد أن أوشكت على الغرق ، وهدايتها إلى الطريق القويم ، ثم إن المهدي مسلح بايات بيّنات ظاهرات في السماء والأرض.

د ـ إذا كان الله تعالى قد اختار الأنبياء وخاتمهم محمد رسول الله واختار

١٢٩

الأئمة وخاتمهم المهدي المنتظر لتحقيق غايات عالمية محددة فإن بطون قريش هي التي اختارت الخلفاء الثلاثة ، وكان سبب الاختيار وهدفه منصباً بالدرجة الأولى والأخيرة على إرغام أنوف آل محمد وحرمانهم من الجمع بين النبوة والملك. وهي نفس البطون التي قاومت النبي وعادته واستعدت عليه العرب وحاربته طوال ٢٣ عاماً ، حتى أحيط بها فأسلمت أو تظاهرت بالإسلام طمعاً بالملك الذي تمخضت عنه النبوة ، فاختيار بطون قريش قبلي من جميع الوجوه ، وغايته بدائية ومحدودة من جميع الوجوه ، بينما جاء اختيار المهدي إلهياً ولغايات ومقاصد إلهية مختلفة تماماً عن غايات ومقاصد بطون قريش. إنكم تصرون على إدخال الكبير بالصغير ، وإيلاج الجمل في سم الخياط ، وهذا محال عقلاً!!

هـ ـ ثم إن كل واحد من الخلفاء الثلاثة قد آلت إليه الخلافة بطريقة تختلف تماماً عن طريقة سلفه ، فالأول فلتة ، والثاني بعهد من الأول ، والثالث واحد من ستة اختارهم الثاني ، ثم ما هو وجه المقارنة بين المهدي وبين الثلاثة ، وأين هي وحدة العلة حتى تتحقق شروط قياسكم!!

و ـ أما قولكم بأن الاختيار قد تم تحت أسماع الصحابة وأبصارهم فأعظم الصحابة على الإطلاق آل محمد الذين تذكرونهم في صلواتكم وأهل بيته الذين شهد الله تعالى بطهرهم ، فهل تدلوني مشكورين على خليفة واحد من الخلفاء التاريخيين قد تولى الخلافة برضاهم وبرضاهم وموافقتهم!!

فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا إلا مكابرة مردودة فقد آن الآوان لتتقوا الله في تمحكاتكم ، ولترك التقليد الأعمى ، وللتبرع بتمثيل دور حراس الشرعية التاريخية ولفك أغلالكم عن عقول المسلمين ، ولو سمع الخلفاء الثلاثة اختلافاتكم التي لا علم لهم بها لقرفوا منكم ولشعروا بالخجل لأنكم من شيعتهم.

لهذه الأسباب المعلنة التي سقناها مجتمعة ومنفردة يتشكك المتشككون بصواب فكرة الاعتقاد بالمهدي المنتظر ويشكون بصحة الأحاديث الواردة فيه على الرغم من إجماع أهل بيت النبوة على صحة الاعتقاد ، وعلى الرغم من شهادة خمسين صحابياً ، ومن إخراج علماء الأمة الأعلام لهذه الأحاديث وإجماعهم على صواب الاعتقاد بالمهدي المنتظر ، وعلى الرغم من إجماع الأمة الإسلامية على

١٣٠

اختلاف مذاهبها بصواب الاعتقاد بالمهدي ، واعتقادها الفعلي فيه.

السبب الحقيقي الذي يدفع المتشككين

للتشكيك بالمهدي المنتظر وبالأحاديث الواردة فيه

الأسباب التي يوردها المتشككون للشك بالمهدي المنتظر وبالأحاديث الواردة فيه والتي سقناها وردينا عليها في البحث السابق هي أسباب ظاهرية يلج من خلالها المتشككون إلى دائرة الحوار طمعاً بهز اعتقاد ألأمة ، وتشكيكها بالواضحات المسلمات.

أما السبب الحقيقي الذي يدفع المتشككين للتشكيك فهو كراهيتهم المطلقة لولاية آل محمد ، ولقيادة أهل بيت النبوة!! وولاؤهم المطلق للواقع التاريخي والخلافة التاريخية. لأن المتشككين قد أشربوا في قلوبهم الثقافة التاريخية التي فرضت أصلاً بسطوة الدولة التاريخية ونفوذها وأحوالها ، ثم تحولت إلى برامج تربوية وتعليمية ثابتة يتناقلها المسلمون جيلاً بعد جيل ، فاستقرت بحكم العادة والتكرار ، وصار الناس يعتقدون بصوابها ، ثم تمادى هذا الاعتقاد ، فألقى بروعهم أنها جزء لا يتجزأ من الدين ، بل هي الجانب السياسي من الدين فتصبروا بها وحرصوا عليها حرصهم على الإسلام الذي اختلط عملياً هذا الاعتقاد فيه.

هذه الثقافة التاريخية التي تحولت إلى قناعة دينية ، قائمة أصلاً وأولاً وآخراً على استبعاد أهل بيت النبوة استبعاداً كاملاً عن مركز قيادة الأمة ، وتسليم هذه القيادة للبطل الغالب الذي يجبر الأمة على الاستسلام له ، والانقياد لطاعته ، وهذه الثقافة أيضاً قائمة على التقليل من أهمية أهل بيت النبوة ، واعتبارهم في أحسن الظروف مجرد أفراد من مجتمع أكثر أفراده صحابة ، وإن وجدت أهمية لأهل البيت فهي مقصورة على المباركة وعلى شهادة الخليفة الغالب ، ومن قبيل الدعاية له. فمثلاً عندما يبدأ الخليفة الثاني بآل محمد بالعطاء ، فهذا لا يعني أن آل محمد خير منه حتى يقدمهم عليه بالعطاء ، ولو أنه عنى ذلك لقدمهم عليه بالخلافة ، ولكن تقديمه لهم عليه بالعطاء ، يرمز لعدله ، وعظمته وليس لمكانة آل محمد ، فالرجل من العدل بحيث أنه يقدم آل محمد عليه مع أنه الخليفة وأمير المؤمنين ،

١٣١

وعلى هذا قس كل مظاهر تقديم آل محمد.

ثم إن الأمة قد أجمعت طوال تاريخها الطويل على استبعاد أهل بيت النبوة عن القيادة ، فعندما يأتي المهدي وهو ابن محمد وعميد أهل بيت النبوة ، وتنقاد له الأمة وينقاد له العالم كله ، فإن في ذلك نقض لإجماع الأكثرية الساحقة رغبة أو رهبة على استبعاد آل محمد عن قيادة الأمة!! ثم إن في ذلك تعييب على الصحابة الكرام وخاصة الخلفاء الثلاثة الأُول لأنه وفق هذه الثقافة صارت لهم مكانة عملية في قلوب العامة أعظم من مكانة النبيين!! فمن الجائز أن يخطىء الرسول « حاشاه » حسب مقاييس العامة لأنه بشر ، ولكن من غير المعقول أن يخطيء الخليفة الأول أو الثاني لأنهما خليفتا رسول رب العالمين!!! وكثيراً ما روى البخاري ومسلم أحاديث تعطي لعمر دور البطولة حتى على رسول الله نفسه!! فتراه يأمر النبي ، وينهاه ، أو يعتبر ما رضي به النبي « دنَّية » في الدين كما حدث بصلح الحديبية!! وتحولت كل هذه الأمور وأمثالها مع الأيام إلى دين حقيقي يقرأ مع الدين الإسلامي.

فإذا جاء المهدي ـ حسب اعتقاد المتشككين ، فإنه سينشر قضية أهل بيت النبوة على مستوى العالم كله ، ويفضح فصول الظلم التي لحقت بهم ، ومن خلال عدله سيطاع العالم على منهاج أهل بيت النبوة بالحكم ، وسيبهر العالم ، بما يفعله ويقوله ، وفي ذلك إدانة للخلافة التاريخية وإلثقافة التاريخية ، وتطال الأدانة المتشككين أنفسهم.

ومن جهة أخري فإن المتشککين وإلأکثرية الساحقة من العامة مسکونة نفسياً بالرعب ، وبالخوف من قطع العطاء فهي تتصور أن السيف الأموي ما زال مصلتاً فوق الأعناق ، وإن الرعب الأموي ما زال ماثلاً ، هذه هي حالة اللاشعور التي يحيونها في الحقيقة والواقع ، ويتصرفون على هداها ، وتنعکس على کافة أقوالهم وإفعالهم. هذه هي الدوافع وإلأسباب الحقيقية الکامنة وراء تشکيک المتشککين بالاعتقاد بالمهدي المنتظر وبالأحاديث النبوية الواردة فيه ، وما الأسباب الظاهرة التي أعلنوها إلا غطاء مكشوفاً للدوافع والأسباب الحقيقية التي وضحناها.

١٣٢

الباب الثالث

البني الشرعية الأساسية لنظرية

المهدي المنتظر في الإسلام

١٣٣

١٣٤

الفصل الأول :

حتمية ظهور المهدي المنتظر

عند أهل بيت النبوة وأوليائهم « الشيعة »

أجمع أهل بيت النبوة وآل محمد وهم المصدر الموثوق لعلمي النبوة والكتاب على أنهم قد سمعوا ووعوا رسول الله وهو يتحدث ويؤكد وبكل وسائل التأكيد ، ويبين وبكل طرق البيان حتمية ظهور الإمام المهدي المنتظر ، وأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد ركز على هذه الحتمية تركيزاً خاصاً ، وأعطاها عناية خاصة ، وأجمعوا أيضاً على صحة وتواتر هذه الأحاديث عندهم ، وأنها قد آلت إليهم من النبي كابراً عن كابر ، وتناقلتها أجيالهم المباركة جيلاً بعد جيل. وأهل بيت النبوة يعتبرون الإمام المهدي العظيم ، أو الإمام أو العميد الثاني عشر من عمدائهم ، أن عظمائهم أو أئمتهم ، وأن ظهوره ترتيب وقدر إلهي محتوم ولا مفر من حدوثه.

وتبعاً لإجماع أهل بيت النبوة وآل محمد أجمع موالوهم الذين يعتقدون بحقهم برئاسة الأمة « شيعتهم » على صحة وتواتر الأحاديث والروايات التي تتحدث عن حتمية ظهور الإمام المهدي المنتظر والتي رويت لهم عن طريق أئمة أهل بيت النبوة وتناقلوها جيلاً عن جيل كما هي ، واعتبروها من الكنوز والنفائس النادرة ، التي تسموا بطبيعتها عن التعديل والتبديل والتحريف ، فأورثها السلف للخلف كما أخذها ، وأبعد من ذلك فإن شيعة أهل بيت النبوة ، الذين تخرجوا من مدرسة الأئمة الأطهار ونهلوا منهم العلوم الإسلامية اعتبروا الإمام المهدي ثاني عشر الأئمة الذين أهلهم الله وأعدّهم لقيادة الأمة ، وأمر رسوله بأن يعلن أسماءهم

١٣٥

مع الأمر الإلهي بتأميرهم وإمامتهم ، وأن رسول الله قد بلغ ما أوحى إليه من ربه ، فأعلن الأمر الإلهي بإمارتهم ، وسماهم بأسمائهم ، وتسعة منهم يومذاك لم يولدوا بعد ، وحدد زمن إمامة كل واحد منهم ، وأمر المسلمين أن يسمعوا لهم ويطيعوا واعتبر القرآن هو الثقل الأكبر ، وأئمة أهل بيت النبوة هم الثقل الأصغر ، فإن لم يكن الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة هم الثقل الأصغر الذي عناه رسول الله ، فمن عساه أن يكون!! ولكن المسلمين لم يسمعوا ولم يطيعوا ، لأنهم غُلبوا على أمرهم ، فعرفوا الحق بقلوبهم ، ولم تَقْوَ ألسنتهم وأيديهم على تغيير النقيض المفروض بالقوة والتغلب.

وما يعنينا أن شيعة أهل بيت النبوة المخلصين الذين تتلمذوا على يد الأئمة الأعلام وقالوا برئاستهم ، يعتبرون الأمام المهدي المنتظر هو الإمام الثاني عشر من الأئمة الذين أختارهم الله ، وسماهم الرسول بأسمائهم وحدد زمن إمامة كل واحد منهم ، وهم موقنون أن الإمام المهدي موجود الآن بالفعل وسيظهر حتماً باللحظة التي أمره بها الله ، ووقت ظهوره كالساعة علمه عند الله وحده ، وهم يعتبرون هذا الاعتقاد جزءاً لا يتجزأ من عقيدتهم الدينية الإسلامية ، والسمة البارزة المميزة لمذهبهم من دون المذاهب ، فمن لا يعتقد بذلك فليس منهم.

ب ـ عند الخلفاء التاريخيين وأوليائهم « أهل السنة »

روى العلماء الأعلام من أولياء الخلافة التاريخية أحاديث الرسول التي تتحدث عن حتمية ظهور الإمام المهدي بنفس المنهاج والطريقة التي رووا فيها أحكام الإسلام التي بين أيديهم من صلاة وصيام وحج وزكاة وغيرها من الأمور الدينية ، وقد وزنوا تلك الأحاديث بنفس الموازين التي وزنوا بها الأحاديث النبوية المروية عن رسول الله والتي تتعلق بأصول الدين وأحكامه الأساسية ، وأكدوا صحة وتواتر الأحاديث المتعلقة بحتمية ظهور المهدي المنتظر عندهم ، وقد وثقنا ذلك في الباب السابق ، ثم جزموا بأن هذه الأحاديث قد صدرت عن رسول الله بالفعل وأنها جزء لا يتجزء من الهدي النبوي والبيان النبوي ، ومن المحال عقلاً أن يتحدث الرسول عن أمور غيبية ، وحوادث لم تقع بعلمه أو اجتهاده الشخصي « محمد البشر » ولا بد أن تكون هذه الأحاديث من الوحي الإلهي وقد كرر الله تعالي

١٣٦

بلسان النبي القول :( إن أتّبعُ إلَّا ما يوحى إليَّ ) ، وطالما أنها وحي فهي جزء لا يتجزأ من دين الإسلام ومضامينه مفاهيه ومعارفه ، شأنها شأن غيرها من الأمور الدينية من صلاة وصوم وزكاة هذه هي النتيجة التي توصلت إليها الأكثرية الساحقة من أهل السنة ، فهم موقنون بحتمية ظهور المهدي المنتظر ، وهم لا يرون ما يوجب الشك بحتمية هذا الظهور لأن هذه المعلومة وصلتهم بنفس الدقة والمعايير والموازين التي وصلت فيها أحكام الدين.

إجماع الأمة الإسلامية على حتمية ظهور المهدي

الأمة الإسلامية بعد وفاة النبي تكونت عملياً من فرقتين : أولهما أهل بيت النبوة والقلة المؤمنة التي والتهم قناعة وتعبداً وهم « الشيعة » الحقيقية ، والفرقة الاخرة تتكون من الخلفاء ومن الأكثرية الساحقة التي والتهم طمعاً بما في أيديهم ، أو خوفاً من بطشهم أو رغبة أو رهبة ويُعرفون « بأهل السنة » هذه هي الأمة مجتمعة وقد لاحظت من السياق السابق بأن أهل بيت النبوة ومن والاهم وهم الفرقة الأولى موقنين بحتمية ظهور الإمام المهدي المنتظر ويعدون هذا اليقين جزءاً من الدين.

أما الفرقة الثانية وهم أهل السنّة فقد توصلوا لذات النتيجة ، وتيقنوا دينياً من حتمية ظهور المهدي المنتظر.

وهكذا نكون أمام إجماع شامل للأمة بمختلف توجهاتها على حتمية ظهور الإمام المهدي المنتظر. وحتى الذين لم يرق لهم بأن يكون المهدي من أهل بيت النبوة ، قالوا بحتمية ظهور المهدي ، واعتبروا عيسى ابن مريم هو المهدي المنتظر ، مستندين على خبر ورد من مجهول يمني لم ير رسول الله ولم ير أصحابة. وهذا يعني أن الاعتقاد عند المسلمين بحتمية ظهور المهدي عقيدة دينية ، وقناعة عامة وراسخة في القلوب.

نماذج من الأحاديث النبوية التي رواها علماء أهل السنة

والتي تؤكد حتمية ظهور المهدي

١ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تنقضي الأيام ولا يذهب الدهر حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي » [ راجع مسند أحمد ج‍ ١ ص ٣٧٦ ـ ٣٧٧ و ٤٣٠

١٣٧

و ٤٨٨ ، وسنن أبي داود ج‍ ٤ ص ١٠٧ ح ٤٢٨٢ ، والبزار ج‍ ١ ص ٢٨١ على ما في هامش الطبراني وصحيح الترمذي ج‍ ٤ ص ٥٠٥ ح ٢٢٣٠ ، الطبراني الكبير ج‍ ٢٠ ص ١٦٤ ـ ١٦٥ ، وحلية الأولياء ، وكنز العمال ج‍ ١٤ ص ٢٦٣ ، ومعجم الإمام المهدي ج‍ ١ ص ١١٦ ، وتجد فيه هذه المراجع والعشرات من مراجع هذا الحديث أيضاً ].

٢ ـ قال رسول الله : « لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً ». [ راجع ابن أبي شيبة ج‍ ١٥ ص ١٩٨ ح ١٩٤٩٤ ، وأبو داود ج‍ ٤ ص ١٠٧ ح ٤٢٨٣ ، والبزار ج‍ ١ ص ١٠٤ ، وتذكرة الخواص ص ٣٦٤ ، وعقد الدرر ص ١٨ ، وبيان الشافعي ص ٤٨٢ ، ومقدمة ابن خلدون ص ٢٤٨ ، وفتن ابن كثير ج‍ ١ ص ٣٧ ، والجامع الصغير ج‍ ٢ ص ٤٣٨ ، وكنز العمال ج‍ ١٤ ص ٢٦٧ ، والصواعق المحرقة ص ١٦٣ ، ومعجم أحاديث الإمام المهدي حيث تجد هذه المراجع وعشرات المراجع إلى جانبها ].

٣ ـ قال رسول الله : « لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لملك فيها رجل من أهل بيتي ». [ راجع ابن حبان ج‍ ٧ ص ٥٧٦ ح ٥٩٢٢ ، والطبراني في الكبير ج‍ ١٠ ص ١٦١ وص ١٦٣ و ١٦٤ ، والطبراني في الصغير ج‍ ٢ ص ١٤٨ ، وحلية الأولياء ج‍ ٥ ص ٧٥ ، وعقد الدرر ص ١٨ ، والحاوي للسيوطي ج‍ ٢ ص ٥٩ ، والصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٦٣ نقلاً عن أحمد بن حنبل وأبي داود والترمذي ، وراجع معجم أحاديث الإمام المهدي ج‍ ١ ص ١٢٣ وما فوق تجد الكثير من المراجع ].

٤ ـ قال رسول الله : « المهدي حق وهو من ولد فاطمة ». [ راجع تاريخ البخاري ج‍ ٣ ص ٤٦ ، وصحيح مسلم على ما في إسعاف الراغبين ، وأبو داود ج‍ ٤ ص ١٠٧ ح ١٠٧ ح ٤٢٨٤ ، وابن ماجة ج‍ ٢ ص ١٣٦٨ ، والنسائي على ما في إسعاف الراغبين ، وجامع الأصول ج‍ ١١ ص ٤٩ ، وعقد الدرر ص ١٥ ، ومشكاة المصابيح ج‍ ٣ ص ٢٤ ، والجامع الصغير ج‍ ٢ ص ٦٧٢ والدر المنثور ج‍ ٦ ص ٤٤٩ ، وصواعق ابن حجر ص ١٦٣ ، وقال : ومن ذلك ما أخرجه أبو داود وابن ماجة ، ومسلم ، النسائي ، البيهقي واخرون ، راجع معجم أحاديث الإمام

١٣٨

المهدي ج‍ ١ ص ١٣٧ ـ ١٤٥ تجد أكثر من ستين مرجعاً ].

٥ ـ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فلو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يأتيهم رجل من أهل بيتي ، تكون الملائكة بين يديه ، ويُظهر الإسلام ». [ راجع صحيح الترمذي على ما في تحفة الأشراف والديلمي على ما في كنز العمال ، وتذكرة القرطبي ص ٧٠٠ ، وتحفة الأشراف ج‍ ٩ ص ٤٢٨ ، وكنز العمال ج‍ ١٤ ص ٢٦٩ ، ومعجم أحاديث الإمام المهدي ص ١٥٦ ـ ١٥٧ ج‍ ١ ].

٦ ـ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تقوم الساعة حتى يخرج عليهم رجل من أهل بيتي فيضربهم حتى يرجعوا إلى الحق » [ أبو يعلى ج‍ ١٢ ص ١٩ ح ٦٦٦٥ ، مجمع الزوائد ج‍ ٧ ص ١٥ ، مقدمة ابن خلدون ص ٢٥٤ ، والحاوي للسيوطي ٢ ص ٦٢ ـ ، راجع معجم أحاديث الإمام المهدي ج‍ ١ ص ٢٦١ ].

٧ ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا على لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من عترتك يقال له المهدي يهدي إلى الله عز وجل ويهتدي به العرب ». [ منتخب الأثر للرازي ص ١٨٩ ، ض ٢ ب ٥ ج‍ ٢ ، وإثبات الهداة ج‍ ٢ ص ٥٧٤ ، ودلائل الإمامة ص ٢٥٠ ، ومعجم أحاديث الإمام المهدي ج‍ ١ ص ١٦٥ ].

٨ ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي ». [ راجع ابن أبي شيبة ج‍ ١٥ ص ١٩٨ ، والكنى والأسماء ج‍ ١ ص ١٠٧ ، والطبراني الكبير ج‍ ١٠ ص ١٦٣ ، والدار قطني ، والحاكم ج‍ ٤ ص ٤٤٢ ، ومعجم أحاديث المهدي ج‍ ١ ص ١٦٨ ـ ١٦٩ ].

تحليل موجز للاحاديث التي رواها علماء أهل السنة الأعلام

حول حتمية ظهور المهدي

إن أي إنسان ـ مهما كانت ثقافته ـ يقرأ الأحاديث التي رواها علماء أهل السنة الأعلام حول حتمية ظهور المهدي يكتشف ويحس إحساساً عميقاً بجزم النبي وتأكيده على حتمية ظهور المهدي ، ويبدو هذا جلياً بالنماذج التي سقناها من ١ ـ ٨ فالنبي يؤكد بمناسبات متعددة وبصيغ مختلفة : « بأن الأيام لن تنقضي ولن يذهب

١٣٩

الدهر وأن الساعة لن تقوم ، وأن الدنيا لن تذهب حتى يبعث المهدي وهذه الصيغ الثلاث التي تؤكد بعضها ، وتفسر بعضها ، وتفصح عن أعلى درجات البيان ومراتب التأكيد تصب مجتمعة ومنفردة في خانة حتمية الظهور ، وزيادة في التأكيد والبيان ، وإقامة للحجة الدامغة ، وترسيخاً للمعنى في القلوب يؤكد النبي ، بأنه : « لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة أو من الدهر إلا يوم أو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله المهدي في تلک الليلة! ولملك المهدي تلك الليلة ولطوّل الله ذلك اليوم حتى يظهر المهدي ويملك ». ارجع للنماذج الثمانية الآنفة وأعد قراءتها

أهل السنة يعتقدون أن النبي ليس معصوماً في كل شيء ، ويقولون أنه يتحدث في الغضب والرضى ، فلا ينبغي أن يحمل كل كلامه على محمل الجد وينسبون إلى النبي القول : « أنتم أعلم بشؤون دنياكم » ، وينسبون إليه أمورا كثيرة ، وقد وثقنا كل ذلك في كتابنا « المواجهة » والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو : « طالما أن الأمة بشقّيها مجتمعة قد أجمعت وجزمت ، بأن الأحاديث النبوية التي تحدثت عن حتمية ظهور الإمام المهدي المنتظر قد صدرت حتماً من رسول الله ، فهل يعقل أن تكون : « اجتهاداً منه » أو تحليلاً شخصياً منهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو أنها وحي إلهي!!!؟( ويلكم لا تَفتروا على الله كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بعذاب ) (سورة طه ، اية ٦٢). كان رسول الله قبل أن يؤتى شرف النبوة يعرف بين قومه بالصادق ، والصادق هو الذي لا يكذب ، أفحين شرّفه الله بالنبوة ، وأمره أن يتبع ما يوحى إليه « يجتهد » في ما لا علم له به ، أو يحلل تحليلات شخصية تحتمل الصدق والكذب!!! ثم ما هي حاجته للاجتهادات والتحليلات الشخصية وعنده الوحي!!! ثم كيف يجتهد ويحلل ويضن الصواب في حوادث تقع بعد عشرات القرون!!! أن رسول الله أجل وأرفع وأعظم مما يصفون ، وما ردنا على تحديهم الآثم إلا حشراً لهم ، وإقامة للحجة العقلية عليهم كأنهم لم يقرأوا كتاب الله( ولو تقول علينا بعض الاقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين ) (سورة الحاقة ، الآيات : ٤٤ ـ ٤٥ ـ ٤٦) ويبقى المعقول والمنطقي الوحيد المنسجم مع صدق النبي وقربه من الله أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد تلقى معلومة حتمية ظهور

١٤٠