حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر

حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر0%

حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 355

حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر

مؤلف: احمد حسين يعقوب
تصنيف:

الصفحات: 355
المشاهدات: 172046
تحميل: 4856

توضيحات:

حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 355 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 172046 / تحميل: 4856
الحجم الحجم الحجم
حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر

حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر

مؤلف:
العربية

 ٨ ـ قال الإمام الباقر : « حديثنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلا ملك مقرب ، أو نبي مرسل ، أو مؤمن ممتحن ، أو مدينة محصنة ، فإذا وقع أمرنا ، وجاء مهدينا ، كان الرجل من شيعتنا أجرأ من ليث ، وأمضى من سنان ، يطأ عدونا برجليه ، ويضربه بكفيه ، وذلك عند نزول رحمة الله وفرجه على العباد ». [ راجع الحديث رقم ٨٢٢ ج‍ ٣ ].

٩ ـ وروى الإمام الباقر : « اسمه اسمي » ، قال الراوي : أيسير بسيرة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال الباقر : « هيهات هيهات يا زرارة ما يسير بسيرته ، قلت : جعلت فداك لم؟ قال : أن رسول الله سار في أمته بالمن ، كان يتألف الناس ، والقائم يسير بالقتل ، بذلك أمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً ، ويل لمن ناوأه ». [ الحديث رقم ٨٤٠ ج‍ ٣ ].

١٠ ـ وروى الإمام الباقر أيضاً : « لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم أن لا يروه مما يقتل من الناس ، أما إنه لا يبدأ إلا من قريش ، فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف ، حتى يقول كثير من الناس ، ليس هذا من آل محمد ، ولو كان من آل محمد لرحم ». [ الحديث رقم ٨٤١ ج‍ ٣ ].

١١ ـ روى الإمام الباقر أيضاً : « لما قتل الحسين ضجت عليه الملائکة إلى الله تعالى بالبكاء والنحيب وقالوا : إلهنا وسيدنا ، أتغفل عمن قتل صفوتك وابن صفوتك ، وخيرتك من خلقك » ، فأوحى الله عز وجل اليهم : « قروا ملائكتي فوعزتي وجلالي لأنتقمن منهم ولو بعد حين ثم كشف الله عن الأئمة من ولد الحسين للملائكة ، فسرت الملائكة بذلك ، فاذا أحدهم قائم يصلي ، فقال عز وجل : بذلك القائم أنتقم منهم ». [ الحديث رقم ٨٤٩ ] فالإمام المهدي إحدى مهماته هي ثأر الحسين.

١٢ ـ وروى الإمام الصادق « ويملأ الأرض قسطأ وعدلأ كما ملئت جوراً وظلماً ، ويقتل حتى يقول الجاهل لو كان هذا من ذرية محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لرحم ». [ الحديث رقم ١١٠٨ ].

١٣ ـ وروى الإمام الصادق أيضا : « إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين

٢٦١

العرب وقريش إلا السيف ما يأخذ منها إلا بالسيف ، وما يستعجلون بخروج القائم ، والله ما لباسه إلا الغليظ ، وما طعامه إلا الشعير الجشب ، وما هو إلا السيف والموت تحت ظل السيف ». [ الحديث رقم ١١٠٦ ج‍ ٤ ].

تعامل الإمام المهدي مع الظالمين

بعهد من رسول الله

روى الإمام الصادق : « يقتل القائم حتى يبلغ السوق ، فيقول له رجل من ولد أبيه ، إنك لتجفل الناس اجفال النعم فبعهد من رسول الله أو بماذا؟ قال : وليس في الناس رجل أشد منه بأسا ، فيقوم إليه رجل من الموالي فيقول له : لتسكنن أو لأضربن عنقك ، فعند ذلک يخرج القائم عهداً من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ». [ راجع الحديث رقم ١١٠٩ ج‍ ٤ ].

٢٦٢

الفصل الخامس :

معارك الإمام المهدي

وحروبه

ليس لدينا تاريخاً مدوناً ، ومنهجاً يحتوي على المعارك الحربية والحروب التي سيخوضها الإمام المهدي ، ولا نعرف على وجه اليقين التسلل الزمني لتلك المعارك والحروب ، ويكمن السبب في أن التاريخ يتناول حوادث وقعت ، ويخرج عن دائرة اختصاصه الحوادث التي لم تقع ، ثم إن المعلومات إلى وردتنا عن معارك المهدي وحروبه ، معلومات غيبية لا يعلمها إلا الله ورسوله ، ولا مجال للأجتهاد أو التخمين بها ، فهي جميعها تسند للرسول أو لأولئک الذين سمعوه وهو يتحدث بها ، وقد تبيّن أن الحديث النبوي قد تعرض لمحنة هائلة ، حيث منعت سلطات دولة الخلافة التاريخية رواية وكتابة الأحاديث النبوية من اليوم الثالث لوفاة الرسول واستمر هذا المنع قرابة مائة عام وبعد المائة عام اقتنع المسلمون بخطأ وفساد قرار دولة الخلافة القاضي بمنع رواية وكتابة الأحاديث النبوية فأقبل علماء دولة الخلافة على كتابة ورواية أحايث الرسول بعد قرابة مائة عام من صدروها عنه ، ولم تر دولة الخلافة آنذاك ضرراً من رواية وكتابة أحاديث النبي ، لأن ثقافة التاريخ قد استقرت نهائياً ، ولان فقه دولة الخلافة التاريخية قد ألقى أجرانه في الأرض وفي النفوس رغبة أو رهبة ، واكتشف علماء دولة الخلافة من الأحاديث النبوية التفاصيل الكلية « لنظرية المهدي المنتظر » فرووا وأخرجوا كل ما سمعوه حول هذا الموضوع بما لا يتعارض مع الثقافة التاريخية ، والسنن التي اخترعها الخلفاء بعد وفاة النبي ، ومع الخط العام إلتي سارت عليه دولة الخلافة

٢٦٣

التاريخية ، والذي يقوم على تأخير أهل بيت النبوة ، والحط من شأنهم ، وعدم الاعتراف بمكاتنهم المميزة في الأمة ، وعدم تصديق ادعائهم بأنهم ورثة النبي ، وأصحاب الحق الشرعي بقيادة الأمة وإظهارهم وأظهار من والاهم بصورة من ينازع الأمر أهله ، وبصورة الطامعين بالسلطة ، المتربصين بشق عصا الطاعة ، وتفريق الأمة والجماعة ، ولا نبالغ إذا ما قلنا بأن ثقافة تاريخ دولة الخلافة مكرسة لإثبات تلك المزاعم ولإثبات شرعية حکم أُولئك إلتي استولوا على منصب الخلافة بالقوة والتغلب وكثرة الأتباع!!

هذا المناخ القائم على تحريف الحقائق أدى إلى عزل أهل بيت النبوة ، وعزل أوليائهم ، وحرمان الأمة والعالم من الاستفادة من أئمة أهل بيت النبوة الذين ورثوا علمي النبوة والكتاب ، وعلى سبيل المثال فإن أئمة أهل بيت النبوة كانوا يعرفون معرفة يقينية التفاصيل الكلية والجزئية لنظرية المهدي المنتظر قبل أن يكتشفها علماء شيعة الخلفاء بمائة عام ونيف ، ولكن الأئمة كانوا محاصرين من دولة الخلافة ، ومراقبين هم وأولياؤهم مراقبة دقيقة من قبل عيون تلك الدولة وجواسيسها الذين كانوا يترصدون كل ما يصدر منه ليجدوا لأنفسهم السبيل لإيذائهم أو قتلهم أو تشريدهم أو تطريدهم!! ولما فتحت أبواب رواية الحديث وكتابته بعد مائة عام من المنع ، ألقت الدولة وكل أعوانها بثقلهم كله للتشكيك بكل ما يصدر عن أئمة أهل بيت النبوة ، وعن أوليائهم وفي احسن الأحوال صار حديث أمام أهل بيت النبوة كحديث بعض الرواة!!!

ثم إن الأحاديث التي روتها طواقم معاوية وعمالة ، والهادفة إلى محق مكانة أهل بيت النبوة ، والقضاء على فضائلهم ، إظهارهم بصورة أفراد عاديين من الصحابة. هذه الأحاديث القت بظلها القاتم على كل شيء ، لأن معاوية لما تم له ما أراد من جمع عشرات الالوف من الأحاديث التي أخترعها رواته وعماله ، عمم هذه الأحاديث على الناس ، وفرض على الخاصة والعامة تعلمها ، ثم تناقلتها الأجيال معتقدة بصحتها وهي باطلة من أساسها ، ولما انقضت مدة الألف شهر السوداء ، واستولى العباسيون على منصب الخلافة بالقهر والتغلب كما فعل الأمويون من قبلهم ، وجد الناس مناهج تربوية وتعليمة جاهزة ، وأحاديث موثقة

٢٦٤

من الناحية الشكلية فنقلوها كما هي دون تعديل ولا تبديل ، وإذا وجودا حديثاً يتعارض معها ، كان القول الفصل للأحاديث التي روتها طواقم معاوية!!

وبعد مرور مدة طويلة على فتح أبواب رواية الحديث وكتابته ، تجمعت ملايين المرويات ، واختلط الحابل بالنابل ولم تعد تدري أياً من أي وهذا ما يجعل مهمة الباحث المنصف الطالب للحقائق الشرعية المجردة مهمة شاقة ، أصعب من قطع الحجارة.

الطريقة المثلى

للوقوف على معارك الإمام المهدي وحروبه

وأفضل الطرق المؤدية للوقوف على معارك الإمام المهدي وحروبه تكمن بسرد الروايات التي تعالج هذه الناحية والتركيز بشكل خاص على روايات أئمة أهل بيت النبوة الأعلام ، لانهم ورثة علمي النبوة والكتاب ، لأن الله قد شهد بطهارتهم ، ولأنهم آل محمد ، ولأنهم الثقل الأصغر ، وتزداد روايتهم أهمية إذا رواها معهم أو عنهم بعض علماء شيعة الخلفاء ، لأن مثل هذه الروايات ستكون حجة على الخصم وشهادة منه بصحتها ، وإدانة منه لنفسه وقد قصرنا اهتمامنا ما وسعنا الجهد للتركيز والاهتمام الخاص بهذه الروايات.

الرسول الأعظم يلخص معارك

الإمام المهدي وحروبه

لخص رسول الله معارك الإمام المهدي بسلسلة من الأحاديث التي عالجت هذه الناحية نوجزها فيما يلي :

١ ـ قال رسول الله أن المهدي المنتظر « لا يبدأ بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها الا السيف ، حتى يقول كثير من الناس ، ليس هذا من آل محمد ، ولو كان من آل محمد رحم ». [ راجع الحديث رقم ٨٤١ ج‍ ٣ ].

وتكمن علة هذه البداية بأن بطون قريش هي صاحبة نظريات تأخير آل محمد ، وتجاهل مكانتهم ، وعدم الاعتراف بها ، وهي صاحبة النظرية الشهيرة

٢٦٥

« النبوة لبني هاشم والملك لبطون قريش » وقريش هي التي اخترعت فقه الهوى ، وأوجدت ثقافة التاريخ ، وحولت الفقه والثقافة إلى مناهج تربوية وتعليمية فرضتها بالقوة على الناس وبطون قريش هي الأكثر كراهية في العالم لرئاسة آل محمد ، فمن الطبيعي أن يرتب المهدي أموره مع هذه البطون ، وأن يحاسبها حساباً عسيراً على ما فرطت في جنب الله ، وما تسببت به من هدم الشرعية الإلهية وحرمان البشرية من حكومة آل محمد ، ومن عدلهم ، ومن علمهم.

ولأن قريش لها تأثير على العرب ، فبعض الروايات بينت بأنه لن يخرج مع المهدي في البداية من العرب أحد ، لأن العرب هم أكثر الناس تأثراً بثقافة التاريخ وفقه الهوى وكراهية لرئاسة آل محمد ، وهنا يكمن السبب في أن المهدي سيبدأ بقريش ، وسيصب نقمته عليها ، وقد توسعنا في هذه الناحية عندما بحثنا العقيدة القتالية للإمام المهدي وأصابه. بعد أن يصفي الإمام المهدي حساباته مع قريش ومع العرب ينطلق.

٢ ـ إن الإمام المهدي سيفتح كافة حصون الضلالة في العالم ، فعند ظهور الإمام المهدي سيكون أئمة الضلالة قد أحكموا سيطرتهم على العالم ، فيدخل الإمام المهدي بمواجهة معهم ويفتح حصونهم جميعاً. وقد صرح رسول الله بهذه الحقيقة إلى ابنته الزهراء فاطمة قائلاً : « يا فاطمة والذي بعثني بالحق ، وإن منهما « أي الحسن والحسين » مهدي هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً ، وتظاهرت الفتن ، وتقطعت السبل ، وأغار بعضهم على بعض فيبعث الله عز وجل عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة وقلوباً غلفاً ، يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به أول الزمان » [ الحديث رقم ٧٩ ج‍ ١ ].

٣ ـ ثم إن الرسول الأعظم قد أكد بشكل قاطع بأن الإمام المهدي سيظهر حتماً على الجبابرة في الأرض حيث قال « فيجتمع اليه « أي للمهدي » ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً فيهم نسوة ، فيظهر على كل جبار وابن جبار » [ الحديث رقم ٣٤ ج‍ ١ ].

٤ ـ وبيّن الرسول الكريم أن هذه الحتمية وعد إلهي ، وقرار محتوم حيث أخبره الله تعالى به عندما أسري به إلى السماء السابعة ، ومنها إلى سدرة المنتهى ،

٢٦٦

ومنها إلى حجب النور حيث كلمه الله تعالى قائلاً : « وبالقائم منكم أعمر أرضي وبه أطهر الأرض من أعدائي ، وأورثهما أوليائي » [ الحديث رقم ١٢٣ ج‍ ١ ].

٥ ـ وأكد الرسول الأعظم أن الإمام المهدي في معاركه وحروبه ملتزم بالشرعية ، ومنفذ لغاياتها وعبر عن هذه الحقيقة بقوله : « وهو رجل من عترتي يقاتل على سنتي ، كما قاتلت على الوحي ». [ راجع الحديث رقم ١٣٦ ج‍ ١ وراجع مراجع أهل السنة المدونة تحته ], بيّن الرسول الأعظم حقيقة هذه الالتزام بقوله : « يقفوا أثري لا يخطىء ». [ راجع الحديث رقم ١٣٧ ].

٦ ـ وتقريباً للصورة ، أخرى رسول الله بين فتوحات ذي القرنين وبين فتوحات المهدي فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « حتي لا يبقى منهلاً ولا موضعاً من سهل ولا جبل وطئه ذو القرنين إلا وطئه ، يظهر الله عز وجل له كنوز الأرض ومعادنها وينصره بالرعب » [ الحديث رقم ١٥٨ ج‍ ١ ].

٧ ـ أكد الرسول الأعظم بأن المهدي سيفتح بإذن الله شرق الأرض وغربها ، بقوله : « يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً ، فيفتح الله له شرق الأرض وغربها ، ويقتل الناس حتى لا يبقى الا دين محمد ، ويسير بسيرة سليمان بن داود ، ويدعو الشمس والقمر ، فيجيبانه ، وتطوى له الأرض ، ويوحى اليه فيعمل بالوحي بامر الله ». [ راجع الحديث رقم ٨٩٥ ج‍ ٤ ].

٨ ـ وبيّن الرسول أيضاً : إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل أقليم رجلاً يقول له : « عهد في كفك ، فإذا ورد أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه ، فانظر في كفك واعمل بما فيها. [ الحديث رقم ٨٥٨ ج‍ ٤ ].

الترتيب الزمني وتسلسل أحداث

معارك الإمام المهدي وحروبه

وقفنا قبل قليل التقاطيع الأساسية للصورة العامة والمجملة التي رسمها رسول الله لمعارك الإمام المهدي وحروبه ، واستوعبنا تأكيداته القاطعة بأن الإمام المهدي سيفتح كافة حصون الضلالة في العالم ، وسيقضي على كل جبار وابن جبار فيه ، وستولى نتيجة لهذه المعارك والحروب وثمرة للآيات والمعجزات

٢٦٧

والدعم على كافة أقاليم الكرة الأرضية ، وأنه سيولي على كل إقليم من أقاليم الأرض أحد رجاله. أما تاريخ كل معركة من معارك الإمام المهدي ، ومتى تقع ، وكيف تتسلسل الأحداث بالدقة التامة ، فهذه أمور لا نعرفها على وجه الدقة واليقين ولا أحد في العالم كله يعرفها لا رسول الله ، وأئمة أهل بيت النبوة الذين ورثوا علمي النبوة والكتاب ، لأن معارك الإمام المهدي وحروبه لم تقع إن كافة الأمور المتعلقة بنظرية الإمام المهدي قضايا غيبية ايمانية مستقبلية أوحاها الله لرسوله ، وبيّنها الرسول للمسلمين بحدود قدرة الكلام على البيان ، فهي كقضايا الجنة والنار والصراط والحساب أمور ستحدث حتماً ، ولكن متى وكيف؟ فإن الإجابة بحدود المعلومات اليقينة التي وصلتنا من رسول الله ، ولا نملك أن نزيد في هذه المعلومات أو ننقص منها لأنه لا مجال للاجتهاد في هذه الأمور الغيبية.

والخلاصة أن الترتيب الزمني لمعارك الإمام المهدي وحروبه لا يكمن تحصيله إطلاقاً ، ولا يمکن الوقوف عليه ، لأن تلك المعارك والحروب لم تقع بعد ، صحيح أن الرسول قد بين كل شيء ، وأنه قد أورث علمي النبوة والكتاب لأئمة أهل بيت النبوة ، وهم مؤهلون وقادرون على الاجابة على كل سؤال ، وقد بينا أن دولة الخلافة قد منعت روايات كتابه الأحاديث النبوية من اليوم الثالث لوفاة الرسول ، وحتى طوال مائة عام ، وبيّنا الظروف التي عاشها أئمة أهل بيت النبوة والمعاناة التي تعرضوا لها ، والعزلة التي فرضت عليهم وكل هذا قد أدى إلى حرمان المسلمين من الوقوف على حقيقة كل ما قاله رسوله ، لأن أحاديثه قد رويت بعد مائة سنة من صدورها عنه ، وحرمان الناس من الانتفاع الكلي من علمي النبوة والكتاب الذين ورثهما أئمة أهل بيت النبوة ، وبالتالي تمخض هذا عن وجود أسئلة بدون أجوبة ، وأمور مفتوحة بدون تغطية ، خاصة وأنه لا يوجد الآن إمام لأهل بيت النبوة ، فخاتم الأئمة هو المهدي المنتظر وهو غير ظاهر ، بمعنى أن الوقوف على الترتيب الزمني لمعارك المهدي وحروبه ضرب من المستحيلات في أيامنا هذه.

ولا يبقى أمامنا إلا محاولة ترتيب حوادث ومعارك وحروب الإمام المهدي حسب الرقم المتسلسل لوقوعها ، بمعنى أن تقع حادثة ، فنعرف الحادثة التي تليها

٢٦٨

بالضبط ، ثم نعرف الثالثة والرابعة إلخ. وتوضيحاً للصورة نسأل ما هو أول إقليم من أقاليم الأرض قد أخضعه الإمام المهدي لسلطانة؟ وما هو الأقليم الثاني والثالث والرابع فلا نقوى على ربط الأحداث بتسلسل وقوعها ، ولا معرفة اقاليم الأرض بتسلسل فتح الإمام المهدي لها ، لكن معرفة تسلسل وقوع الحوادث أهون على الباحث من معرفة التسلسل الزمني لوقوعها ، فمعرفة التسلسل الزمني لوقوع معارك المهدي وحروبه مستحيل استحالة مطلقة ، أما ترتيب الأحداث والمعارك والحرب بتسلسل وقوعها فممكن إن تعاون على تحقيقه عصبة من العلماء الأفذاذ ، وبالرغم من كثرة بحوثي في هذا المجال ، ومحاولاتي إلتي لم تتوقف للإطلاع على ما كتب فيه ، فإني لم أجد أفضل ولا أشمل ولاأعمق ولا أقرب لروح العصر من كتاب سماحة العلامة الشيخ علي الكوراني الموسوم « بعصر الظهور » لقد كان الجهد الذي بذل فيه كبيراً ، فجاء الكتاب كثمرة طيبة لذلك الجهد ، إن ترتيب الشيخ الكوراني لتسلسل الأحداث وربطها أمر يثير الاعجاب والاحترام ، ولا عجب فالشيخ الکوراني هو الذي أشرف على جمع وتبويب موسوعة أحاديث الإمام المهدي ، مما أهله وأعدّه لينجز كتابه الرائع « عصر الظهور » ، ومما مكنه من أن يكون بحق أعظم المراجع بالأمور المتعلقة بنظرية الإمام المهدي المنتظر.

والخلاصة أنه من غير المعقول ولا المنطقي أن ننقل كل ما ورد في كتاب عصر الظهور لنقف على تسلسل معارك وحروب الإمام المهدي ، انما اكتفينا بالإشارة إليه ، وأرى أن الأنسب لي أن أضع « سيناريو » لتسلسل الأحداث والمعارك والحروب التي خاضها الإمام المهدي وأصحابة بالحجم وبالمدى التي أشارت اليه الأحاديث النبوية ، والأحاديث التي رواها الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة ، وأرى أنني غير ملزم بسد الثغرات ، لأن هذه الأمور لا مجال للافتراض ولا للاجتهاد بها ، وتركها أولى من محاولات سدها.

٢٦٩

 الفصل السادس :

تسلسل أحداث ظهور الإمام المهدي

ومعاركه وحروبه « السيناريو »

ظهور نظرية الإمام المهدي المنتظر

وتغيبها كفكرة

ظهرت نظرية الإمام المهدي المنتظر على يد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد بيّن للمسلمين من أوحي اليه ربه حول الإمام المهدي المنتظر ، وأطلعهم على كليات وتفاصيل هذه النظرية تماماً ، كما أوحيت اليه ، وفهم المسلمون الذين استمعوا اليه ، وفهموا منه بأن الإمام المهدي المنتظر هو خاتم أئمة أهل بيت النبوة الذين اختارهم الله تعالى لقيادة الأمة من بعده ، وأن ظهور الإمام المهدي من الحتميات الإلهية التي لا بد من وقوعها ، ذات يوم ، وأكد الرسول هذه الحقيقة بكل وسائل التأكيد ، وبيّنها بكل طرق البيان إلى درجة أن الرسول قد قال : « لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد ، لطول الله ذات اليوم حتى يبعث الله الإمام المهدي فيملأ الأرض عدلاً » ، وقد فصلنا ذلك ووثقناه توثيقاً كافياً في الابواب السابقة وأجمعت الأمة على حتمية صدور هذه الأحاديث عن رسول الله. کان المسلمون علي عهد رسول الله يرسلون هذه الحقائق التي سمعوها من رسول الله ارسال المسلمات ، ويعتبرونها جزءاً من علوم الغيب التي خص الله بها نبيّه ، ويؤمنون بها كما يؤمنن ببقية الامور الغيبية من جنة ونار وعذاب وثواب ، مع الاختلاف بعمق هذا الايمان من فرد إلى فرد.

٢٧٠

تغييب

نظرية الإمام المهدي وإخفائها

بعد فتح مكة ، وبعد أن بردت جراحات المواجهة بيّن الرسول وبين بطون قريش وبعد أن استسلمت بطون قريش ، واضطرت لاعلان اسلامها ، حدث تقارب بين المهاجرين والطلقاء من أبنائها ، واستذكر الطرفان قتلى البطون وتفاصيل المواجهة بين ذلك البطون وبين رسول الله وآله ، وفهموا حقيقة ؛ أن الرسول قد رتب الأمور من بعده ليكون اول خلفائه علي بن أبي طالب ، ويتعاقب على الحکم من بعده أحد عشر إماماً أو خليفة وكلهم من ذرية النبي من بني هاشم وأن الرسول قد أعلن كل ذلك على المسلمين ، بسلسلة مترابطة من الأحاديث النبوية ، وأخبرهم بأن ترتيب الأمور من بعده عملي رباني ولا علاقة له به وما هو إلا عبد مأمور يعلن ما يأمره الله بإعلانه ، هذا الترتيبات لم ترق لبطون قريش ولا لأبنائها المهاجرين منهم والطلقاء ، واستبعد ابناء البطون أن يكون الله تعالى قد رتب مثل هذه الامور ، فهل يعقل برأي البطون أن يکون النبي من بني هاشم ، وإن يکون الخلفاء هاشميون!!! إن هذا أمر لا يمكن تصديقة!! فكيف يصرف الله تعالى الشرف كله عن بطون قريش ال‍ ٢٣ ويحصر شرفي النبوة والخلافة ببني هاشم!! وقدّر قادة البطون بان محمداً كبشر هو الذي وضع هذا الترتيب ولا علاقة لله به!! ثم توصلوا إلى نتيجة مفادها بأن حصر النبوة والخلافة ببني هاشم إجحاف على حد تعبير عمر بن الخطاب!! وأن الأفضل والأوفق والأصوب أن يختص الهاشميون بالنبوة لا يشاركهم فيها أحد من البطون ، وأن تختص بطون قريش بالخلافة لا يشاركهم فيها أي هاشمي قط ، وبناء على هذا أجمعت قريش الا من هدى الله وصممت أن تستولي على منصب الخلافة بالقوة والتغلب وكثرة الاتباع واخذت تعد العدة وتتربص ، وتنتظر بفارغ الصبر موت النبي لتنفذ ما اتفقت عليه لما قعد النبي على فراش المرض ، وأيقنت البطون بحتمية موته شرعت بالفعل بتنفيذ مخططها الرامي إلى الاستيلاء على منصب الخلافة بالقوة والتغلب ، وکثرة الأتباع ، وتجاهل كافة الترتيبات التي أعدها النبي لعصر ما بعد النبوة ، وأعلن انها ترتيبات الهية!! إلى درجة أن زعامة بطون قريش قد واجهت النبي شخصياً وهو مريض

٢٧١

وقالت له : « أنت تهجر ، ولا حاجة لنا بوصاياك ، لأن القرآن عندنا وهو يكفينا!!! » وقد أكد أئمة أهل بيت النبوة ومن والاهم أن هذه التصريحات الخطيرة قد صدرت بالفعل من زعامة بطون قريش ، وأكد العلماء الأعلام من شيعة الخلفاء « أهل السنة » بأن هذه التصريحات قد صدرت بالفعل من زعامة بطون قريش للنبي وهو على فراش المرض ، فقد رواها البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه إلخ ، وقد وثقنا كل ذلك في كتابينا « نظرية عدالة الصحابة » و « المواجهة » وفي الباب الأول من هذا الکتاب.

وما يعنينا إبرازه في هذا المجال هو أن حزب بطون قريش استطاع أن يستولي على منصب الخلافة خلال يومين فقط ، وواجه المسلمين بأمر واقع فإما أن يقبلوه ، وإما أن يواجه وجاهة الأکثرية « زعامة بطون قريش » تلک الزعامة التي حاربت النبي وقاومته ٢٣ سنة ، ومن يقوي على مواجهة بطون قريش بعد النبي!! ولنفترض أن علياً بن أبي طالب والهاشميين قد قرروا آنذاک مواجهة البطونُ ، فإن تلک المواجهة ستکون انتحاراً ، وستؤدي إلي فتنة قد تقتلع دين الإسلام من جذوره ، وترد الناس إلى الشرک قلا يبقى من الإسلام لا اسمه ولا رسمه ولا مضمونه ، بل ستقتلع تلک الفتنة لو حدثت کل ما بناه الرسول من جذوره ، لذلک فضل أهل بيت النبوة الاحتجاج بشکل لا يشق جماعة المسلمين ، ولو تيسرت لأهل بيت النبوة أسباب القوة لتمکنوا من هزيمة الانقلابيين بأقل الخسائر ، ولکن سريعاً قبض الانقلابيون على منصب الخلافة والنفوذ والمال وفتحوا أبواب مواجهة بين المسلمين وبين الدولتين الأعظم.

كيف غيّبت دولة الخلافة نظرية

الإمام المهدي المنتظر وأخفتها؟

لما قبضت بطون قريش على منصب الخلافة بالقوة والتغلب والقهر وکثرة الأتباع ، عزلت أهل بيت النبوة وأولياءهم عزلاً تاماً ، وحرمت عليهم تولي الوظائف العامة وبنفس الوقت قربت أعداء أهل بيت النبوة ، ومن لا يرون لأهل البيت أي فضل ، وسلمتهم الإمارات وقيادات الجيوش والأعمال ، وحتى لا تحرج

٢٧٢

دولة الخلافة نفسها ، وحتى لا يحتج أهل بيت النبوة وأولياؤهم بالنصوص الشرعية والأحاديث النبوية ، أصدرت دولة الخلافة قراراً أو مرسوماً يمنع منعاً باتاً کتابة ورواية الأحاديث النبوية بأي أمر من الأمور ، وکان هذا أول مرسوم أعلنه الخليفة الأول بعد استلامه للسلطة ، والأعظم أن دولة الخلافة قامت بحرق المکتوب من أحاديث الرسول ، وبررت دولة الخلافة مرسومها هذا بالقول : « بأن کتاب الله يکفي ولا حاجة لحديث رسول الله ، لأنه يورث الخلاف والاختلاف على حد تعبير الخليفة الأول فقد خاطب المسلمين قائلا : « فمن سألكم عن شيء فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله. وبقيت قرارات مؤسسي دولة الخلافة سارية المفعول طوال مائة عام ، لأنه لم يجرؤ أحد أن يعيب أو ينقض سنة الخلفاء الثلاثة الأُول المؤسسين للخلافة التاريخية لأن تلك الخلافة راشدة ، وبالتالي لم يتمكن أحد من رواية وكتابة الأحاديث النبوية التي اشتملت عليها نظرية المهدي المنتظر ، لأن هذا المهدي من أهل بيت النبوة ، ولان النبي قد أكد بانه خاتم أئمة أهل البيت ، فاذا انتشرت الأحاديث النبوية التي تصدع بإمامته فيقول المسلمون ما بال الذين سبقوه من أئمة أهل البيت لم يتولوا الخلافة!! وفي ذلك إحراج للخلفاء ، ونسف لثقافتهم ، لذلك غيبت كافة الأحاديث النبوية التي تحدثت عن المهدي المنتظر طوال المائة عام التي منعت فيها دولة الخلافة كتابة ورواية الأحاديث النبوية ، ولم يكن بوسع أحد من المسلمين أن يتحدث خلال تلك المدة عن المهدي المنتظر أو عن أهل بيت النبوة ، أو يروى عنهم أي حديث نبوي إلا سراً ، خوفاً من بطش دولة الخلافة ، وتجنباً لإسخاط الخلفاء ، وحرصاً على العطاء ، أو الحصول على حصة مناسبة من النفوذ بتلك الدولة. أما أئمة أهل بيت النبوة ، ورثة علمي النبوة والكتاب ، فقد كانوا يحدثون بالسر للصفوة القليلة من أوليائهم حتى لا يجعلوا لدولة الخلافة عليهم سبيلاً لأن هدف دولة الخلافة آنذاك كان منصباً على ايجاد السبل لقضاء التام على أهل بيت النبوة حتى لا يكشفوا حقيقة ما جرى فيما بعد ، وحتى لا يكتشف الناس طبيعة دولة الخلافة. والأسس التي قامت عليها ، وهكذا نجح الخلفاء بتغييب واخفاء المعالم الأساسية لنظرية المهدي المنتظر طوال مائة عام. ويمكنك أن تقف على محنة الحديث النبوي وأساليب زعامة بطون قريش

٢٧٣

للتشكيك به وتفريغه من مضامينه ومحتواه في كتابنا « المواجهة ».

نظرية الإمام المهدي

تعود للظهور في عهد معاوية!!

لقد كان معاوية أوضح من الذين سبقوه بمنع رواية وكتابة الأحاديث النبوية فقد قهر المسلمين ، ولم يعد هناك ما يخشاه ، لقد قدّر معاوية أن الغاية من منع رواية وكتابة الأحاديث النبوية تكمن في رغبة بطون قريش باخفاء المكانة ، والفضائل التي خص بها الله ورسوله آل محمد ، وإذا كان قرار منعه رواية وكتابة الحديث النبوي قد ظل سارياً طوال هذه المدة ، فما الذي يضمن لمعاوية سريانه طول الزمان!! فبوقت يطول أو يقصر سيضطر المسلمون لرواية الأحاديث النبوية وكتابتها ، وحينها سيكتشفون مكانة أهل بيت النبوة وفضائلهم التي لا تعد ولا تحصى وسجلهم التاريخي الحافل بالفخر والأمجاد ، وسيکتشفون أيضاً أن لمعاوية وأخوته وأبيه وأجداده سجل تاريخي أسود حافل بالعداء لله ولرسوله وللإسلام وهو مختلف بالكامل عن سجلهم الرسمي الذي كتبوه بالرعب والارهاب والقوة وأجبروا الرعية على التسليم بصحة ما جاء فيه!!

وفكر معاوية طويلاً ، فرأى أن الرأي كل الرأي بإبقاء قرار منع رواية وكتابة الأحاديث النبوية سارياً كما أراد الخلفاء المؤسسون ، ولمواجهة المستقبل واحتمالية رواية وكتابة الحديث فيما بعد ، راي معاوية أن يقود بنفسه حملة لرواية فضائل الخلفاء الثالثة الأول وخاصة الثالث الأموي لا حباً بهم _ مع أنهم هم الذين مكنوا له وأوصلوه للخلافة عملياً ـ ولكن كراهية بآل محمد وأهل بيته وللبطن الهاشمي عامة ، وتتفرع من حملة فضائل الخلفاء الثلاثة حملة أخرى تتحدث عن فضائل الصحابة كل الصحابة ، معتبراً نفسه وأباه وأخوته وأبناء عمومته من أجلاء الصحابة لأنهم شاهدوا رسول الله وجالسوه وسمعوا منه ، لا حباً بالصحابة الكرام السابقين إلى الإيمان ولكنه نكاية بآل محمد وأهل بيته ، وإرغماً لانوفهم ، ومحالة لتجريدهم من كل مميزة أو فضيلة تميزهم عليه وعلى غيره ، وسخر معاوية كافة طاقات الدولة وأمكانياتها ، وجند كل عمالها لإنجاح هذا الحملة وكان

٢٧٤

معاوية صريحاً في مراسيمه حيث قال : « فلا تدعو خبراً يرويه أحد من الناس بأبي تراب أو بأهل بيته ، الا وتأتوني بمناقض له في الصحابة ». [ راجع شرح النهج لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ج‍ ٣ ص ٥٩٥ تحقيق حسن تميم ] ، وهذا يُعني أن معاوية وعماله وأركان دولته قد قادوا عملية الوضع على رسول الله ، وأغرق معاوية وعماله الرواة بالعطايا والصلات ، وانشقت الأرض عن الألوف من الرواة فجأة فرووا عشرات الألوف من أحاديث الفضائل التي لم يقلها الرسول ولم ينزل بها الله سلطاناً انما هي محض اختلاق لارغام انوف بني هاشم كما يقول ابن نفطويه. [ راجع المرجع السابق ، وكتاب الأحاديث للمدائني ] ، وبعد أن تجمعت له تلك السيول الجارفة من الروايات امر معاوية بكتابتها وإشاعتها ، وروايتها بين الناس وفرض على العامة والخاصة حفظها ، والعمل بها ، ولاح لمعاوية ولأركان دولته بأنهم قد احتاطوا للمستقبل ، وهدموا مجد آل محمد وأهل بيته ، وجردوهم من مكانتهم وكافة فضائلهم ، أو على الأقل ضيعوا فضائل آل محمد وأهل بيته ، وسط هذا المحيط المترامي الأطراف من الفضائل. ومن غرائب هذا الحملة أن الرواة قد اكتشفوا بأن فضيلة الطهارة خاصة بأهل بيت النبوة ولا يمكن انتزاعها منههم لانها مثبتة بالقرآن الكريم ، فتفتقت عبقريات الرواة عن حديث يخص أعداء الله « بالطهارة والزكاة »!!! وتفصيل ذلك أن رسول الله لعن نفراً معيناً من المسلمين كالحكم بن العاص ، ومعاوية نفسه ، وأباه وغيرهم وشاع أمر لعن الرسول لهذه النفر بشكل لا يمكن إنكاره أو التنكر له ، وعالجت طواقم رواة معاوية هذا الأمر على الصيغة التالية : « بأن الرسول بشر يتكلم في الغضب والرضى وأثناء غضبه كان قد لعن بعض الصحابة « الحكم بن العاص » عدو الله ورسوله ، ولما سكن عنه الغضب سأل الله أن يجعل هذا اللعن زكاة وطهوراً لمن بدرت منه بحقهم!! واستجاب الله ، فصار عدو الله الحكم بن العاص زاكياً ومطهراً وأولى بالخلافة من الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وابنا النبي لماذا لأنهما مطهرين فقط ، اما الحكم بن العاص فهو « زاكي ومطهر » وأما ولي الله بالنص ، وإمام المتقين بالنص ، وفارس الإسلام ، وأعلم الناس بأحكامة فهو « ملعون » حاشاه حسب قوانين معاوية ، لذلك من واجب الرعية كلها ان تلعنه على المنابر ، وفعلاً لعنه

٢٧٥

معاوية ولعنته رعية معاوية ومن المدهش بالفعل ان البخاري ومسلم قد رويا حديث « تحويل أعداء الله إلى زكاة ومطهرين ، وقد وثقنا ذلك في كتابينا « الخطط السياسية » و « المواجهة ».

معاوية يظهر نظرية المهدي المنتظر

بعد اخفائها

بمناسبة الحديث عن الفضائل التي قاد معاوية وأركان دولته حملتها اكتشفوا بأن الإمام المهدي المنتظر من أهل بيت النبوية ، وأن علياً بن أبي طالب وأهل بيت النبوة يعتبرونه من مفاخرهم وفضائلهم التي لا تُداني ، ولا ترقى لها فضيلة من فضائل القوم ، فطالما ردد الإمام علي بفخر ظاهر « بنا فتح وبنا يختم » فلا معاوية ولا أركان دولته لهم القدرة على أن يمحوا من الذاكرة ما قاله الرسول عن الإمام المهدي المنتظر ، لقد كانت أحاديث الرسول المتعلقة بالمهدي المنتظر من القوة والشيوع بحيث لا يمكن إنكأرها أو التنكر لها ، حتى من رجل مثل معاوية وطواقم مثل طواقمه ، فكانت حملة الفضائل مناسبة لإظهار نظرية الإمام المهدي بعد اخفائها ، ولتأکيد وجود هذه النظرية وقوتها وتأصلها في نفوس المسلمين ، واكتشفت طواقم معاوية أن إنكار النظرية مستحيل ، وأن تجاهلها اكثر استحالة ، وأوامر معاوية واضحة « لا تدعو فضيلة يرويها أحد من المسلمين بأبي تراب أو بأهل بيته إلا وتـاتوني بمناقض لها في الصحابة » ولكن كيف ياتوه بمناقض لفضيلة المهدي بالصحابة؟ هل يقولون بأن المهدي من ذرية ابي بكر أو عمر أو عثمان أو معاية أو عمر أو زيد من الصحابة؟ ولكن لماذا من ذريتهم وليس من ذرية الرسول؟ وکيف يمکن اقتلاع قناعة المسلمين وقتذاک بأنهم قد سمعوا الرسول يؤكد بأن المهدي من عترته أهل بيته ، لذلك رأت طواقم معاوية بان البديل الوحيد والممكن هو رواية أحاديث تفيذ بان المهدي من أمة محمد!!! وهذه الأحاديث في ما بعد ستشكك بكون المهدي من آل محمد ، وستؤدي بعض المهام التي يرمي لها معاوية.

والخلاصة أن معاوية وبدون قصد منه ، وعندما قاد حملة الفضائل وسخر لها

٢٧٦

موارد دولة الخلافة ساهم مساهمة فعالة بإظهار نظرية الإمام المهدي بعد خفائها ، وبالتأكيد على وجودها وقوتها ، واستقرارها في نفوس المسلمين وأن محولات رواته لتنحية هذا الشرف عن أهل بيت النبوة ، وإلحاقة بغيرهم باءت بالفشل الذريع ، لأن آل محمد هم من أمته بل هم سنامها وتاج فخارها.

الظهور العام والشامل لنظرية

الإمام المهدي المنتظر

بعد أن اقتنع رعايا دولة الخلافة التاريخية بعدم صواب ، وعدم منطقية استمرار منع رواية وكتابة أحاديث الرسول ، وبعد انتقال منب الخلافة من الأسرة الأموية إلى الأسرة العباسية ، وبعد أن استقرت الثقافة التاريخية في النفوس ، وألقى فقهها اجرانه في الأرض لم تر دولة الخلافة أي ضرر من كتابة ورواية الأحاديث النبوية ، خاصة مع تكون رأي عام ينادي بكتابة ورواية الأحاديث النبوية وكيف يمكن الاستمرار بمنع رواية وكتابة الأحاديث النبوية ، بالوقت الذي تشجع فيه الدولة ، وتقبل فيه الرعية على ترجمة کتب الأمم السابقة وفلسفاتها وعلومها وأساطيرها!! ثم انه لا محذور من أن يتقول على دولة الخلافة ، متقول ويتهمها بأنها قد خرجت على سنة مؤكدة من سنن الخلفاء الثلاثة الأُول ، فالرعية كلها مقتنعة بضرورة كتابة ورواية الأحاديث النبوية بشكل لا يتعارض مع نظام دولة الخلافة ، أو ثقافتها ، أو فقهها النافذ ، وهكذا أرخت الدولة الحبل لرعاياها وعلمائها ، وتفتحت أبواب ومنافذ رواية الحديث النبوي وكتابتة بعد حظر دام اكثر من مائة عام.

علماء دولة الخلافة

يعثرون على نظرية الإمام المهدي

بوقت قصير جداً عثر علماء دولة الخلافة على نظرية الإمام المهدي المنتظر ، واكتشفوا انها نظرية اسلامية من جميع الوجوه وان الأحاديث المتعلقة بها قد صدرت بالفعل عن رسول الله ، وأن هذه النظرية جزء لا يتجزء من النظام السياسي الإسلامي وأن الرسول قد بشر بالفعل بالمهدي المنتظر ، وأكد وبكل

٢٧٧

وسائل التأكيد على حتمية ظهوره ، وأن هذا المهدي من عترة النبي أهل بيته ، وأنه خاتم أئمة أهل بيت النبوة وأنه سيبايع حتماً بين الركن والمقام ، أو بين زمزم والمقام ، وانه سيؤسس دولة آل محمد وسيفتح أقاليم الأرض كلها ، وينتقم من الظالمين ويسقط كافة حصونهم ، ويُكوّن دولة عالمية ، وأنه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً ، وأن سكان العالم في زمانه سيعتنقون جميعهم دين الإسلام ، وأن عيسى ابن مريم سينزل من السماء في زمانه سيعتنقون جميعهم دين الإسلام ، وأن عيسى ابن مريم سينزل من السماء في زمانه ، سيكون وزيراً له ، ويصلي خلفه ، وتوصلوا الى اسمه واسم أبيه کنيته ، وإلى علامات ظهوره ، وكل هذه المعلومات قد استقوها من أحاديث نبوية صحت عندهم ، وتواترت بينهم ، ورووها عن النبي بنفس الطرق والوسائل التي ورووا فيها أحكام الدين الأساسية من صلاة وصوم وزكاة وحج إلخ ، وبعد ان رووا هذه الأحاديث أخرجوها في صحاحهم ومسانيدهم ولشد ما عجبوا عندما اكتشفوا أن أهل بيت النبوة كانوا يعرفون هذه الأحاديث قبلهم بمائة سنة ، وأن مضامين هذه الأحاديث صحيحة عند أهل بيت النبوة ، ومتواترة بينهم.

وهكذا أجمعت الأمة أئمة أهل بيت النبوة وشيعتهم ، والخلفاء وشيعتهم على صحة نظرية الإمام المهدي المنتظر ، وجزمت الأمة بأسرها على ان الأحاديث النبوية التي تحدثت عن المقاطع الأساسية لنظرية الإمام المهدي المنتظر قد صدرت بالفعل عن رسول الله ، وإنها جزء من أنباء الغيب التي أوحاها الله لرسوله ، لأن الرسول لا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله إياها ، وبالتالي صار الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر جزء من عقيدة المسلم الدينية وظهرت نظرية الإمام المهدي ظهوراً عاماً وشاملاً ونهائياً ، فليس بإمكان قوة في الأرض أن تمحو هذا الاعتقاد من نفوس المسلمين ، وقد فشلت كافة محولات التشكيك بهذا الاعتقاد ، وبقيت نظرية الإمام المهدي صامدة ، وشامخة ، وقد تعرضنا لمحاولات التشكيک وأثبتنا فسادها وفشلها.

٢٧٨

 الفصل السابع :

ترتيب أحداث ووقائع

ظهور الإمام المهدي المنتظر

صحيح أن الإمام المهدي المنتظر سيظهر فجاة كالساعة ، ولكن وبالضرورة تسبق ظهوره سلسلة من الوقائع والأحداث التي تُفضي حتماً التي هذا الظهور ، وتؤدي اليه مباشرة ، فيكون الظهور التام للامام المهدي هو قمة حرکة الوقائع والأحداث المبرمجة الهياً ، والمسيّرة تماماً وفق مخطط الهي ، بحيث يترجم هذا المخطط ترجمة تصب في خانة نواميس نظرية الابتلاء الإلهي ، فتستوعب البشرية المكلفة ما يحدث ، وتفهمه ، وتتفاعل معه سلباً وايجاباً ليكون هذ التفاعل موضعاً للثواب أو العقاب.

وباستقراء الأحاديث النبوية التي غطت أنباء نظرية المهدي المنتظر يتبين لنا ، بأن حرکة الظهور ستمر عبر سلسلة من المراحل ، تتمخض عن ولادة عصر الإمام المهدي بكل ما فيه من كفاية ورخاء وعدل وانسجام مطلق.

المرحلة الأولى

انتشار الاعتقاد بالإمام المهدي

وأيمان المسلمين بهذا الاعتقاد

وقد تولى الرسول الأعظم بنفسه ، نشر هذا الاعتقاد ، فهو الذي بشر بالإمام المهدي المنتظر ، وأكد وبكل وسائل التأكيد على حتمية ظهوره ، وأنه سيملأ

٢٧٩

الأرض قسطاً وعدلاً ، كما مُلئت جوراً وظلماً ، وأن عيسى ابن مريم سيصلي خلفه ، ويكون أحد أعوانه وانصاره ، والرسول نفسه هو الذي تولى بيان كافة الأمور الكلية والتفصيلية المتعلقة بالإمام المهدي ، مؤكداً بأنها من أنباء الغيب التي خص الله بها نبيّه ، وبالرغم من المحنة التي تعرض لها الحديث النبوي إلا أن هذه الأنباء قد شاعت وانتشرت بين المسلين واعتقدوا بها ، وآمنوا بأنها من أنباء الغيب المحتومة الوقوع.

والفئة المتنورة من المسلمين أخذت ترصد حركة الأحداث وتتمنى أن تتاح لها الفرصة لتكون من أنصار الإمام المهدي وأعوانه ، وان تساهم بصنع وإخراج عهده الذهبي ، بمعني انها لا تكتفي بأن تشهد عصر المهدي ، بل تريد أن توطّد له ، وأن تنال شرف المشاركة طمعاً بما عند الله ، وهروباً من مخاطر السلبية ، واستفادة من تجارب التاريخ حيث أنه لا ينبغي على الؤمن ان يقف من الأحداث موقف المتفرج ، بل يتوجب عليه ان يؤثر بها سلباً أو ايجاباً ، ثم إن المهدي المنتظر إمام شرعي اختاره الله ، ومن واجب المؤمنين أن يضعوا أنفسهم تحت تصرفه ، وأن يسلموا له قيادتهم ، وأن يكونوا حيثما يتوقع منهم الإمام أن يكونوا.

المرحلة الثانية

إفلاس كافة العقائد الوضعية وأنماط حكمها

واعتراف البشرية بعجز تلك العقائد وعدم أهليتها

قبل أن يظهر الإمام المهدي ، تتاح الفرصة للبشرية لتجرب كافة العقائد الوضعية ، وأنماط الحکم المنبثقة عنها ، وأن تخضع لسيطرة حكام من مختلف النوعيات ، ثم تكتشف البشرية بالتصوير الفني البطيء فشل وافلاس عجز كافة العقائد الوضعية ، وکافة أنماط الحکم المنبثقة عنها ، وتقر وتعترف ولو في قرارة النفوس ، وبعد التجربة والمعاناة ، بعدم أهلية العقائد الوضعية ، وأنماط الحکم المنبثقة عنها لتحقيق العدل والکفاية والرخاء لبني البشر ، ولتتساءل : أليس لله عقيدة؟ أليس لعقيدته نمط حکم!! أليس لله أولياء يمكنهم ان يحكموا البشرية!! وتقيّم البشرية الموقف ، وترى أن الأرض قد فاضت بالظلم والجور ، وأن كافة

٢٨٠