حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر

حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر0%

حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 355

حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر

مؤلف: احمد حسين يعقوب
تصنيف:

الصفحات: 355
المشاهدات: 172058
تحميل: 4856

توضيحات:

حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 355 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 172058 / تحميل: 4856
الحجم الحجم الحجم
حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر

حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر

مؤلف:
العربية

الوسائل البشرية للإنقاذ قد استنفذت وفشلت فشلاً ذريعاً ، وأن الحياة لا تطاق ، ولا شيء ينقذ العالم إلا المهدي ، عندئذٍ يتهيأ المناخ النفسي ، والجو العام الملائم لظهور الإمام المهدي. وتقديره حق قدره ، وإبرازه بصورة المنقذ الفعلي الوحيد في العالم. والتطلع اليه على هذا الأساس.

المرحلة الثالثة

بروز علامات الظهور وتواليها

لم يترك رسول الله المسلمين في حالة غموض ، إنما بيّن لهم بياناً كافياً كافة الأمور المتعلقة بالإمام المهدي ، ووصفها وصفاً دقيقاً ، فاكد على وجود علامات تسبق ظهور الإمام المهدي وتتزامن مع هذا الظهور ، وأن هذه العلامات ، ستبرز تباعاً ويتوالى ظهورها ، حتى إذا اكتمل ظهورها ، طلع الإمام المهدي وظهر للعالم كالنجم الثاقب المتألق. وقد وصف رسول الله هذه العلامات وصفاً علمياً دقيقاً ، تفهمه العامة والخاصة ، وهي من الوضوح بحيث أنها لا تخفى على أحد إن بدات بالظهور ، وقد أفردنا في البحوث السابقة فصلاً خاصاً عن علامات الظهور.

ولا تبدأ العلامات إلا بعد أن يتيقن العالم ويقر اقراراً صريحاً أو ضمنياً بإفلاس كافة العقائد الوضعية ، وأنماط الحكم المنبثقة عنها وعدم أهليتها لسياسة وإدارة الجنس البشري ، وأن تلك العقائد والأنماط هي التي ملأت الأرض بالظلم والجور ، وأن مشاكل العالم عصيّة ومستعصية على الحل ، وأن المهدي المنتظر هو المؤهل الوحيد والقادر على أن يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً ، وأن العدل الإلهي والحكم الإلهي وقيادة أولياء الله هي المخرج الوحيد للعالم عندئذٍ تبدأ علامات الظهور بالبروز واحدة تلو الأخرى ، وبالصورة التي بسطناها في موضعها وحتى تكتمل.

المرحلة الرابعة

وجود فئة مميزة تؤمن بالإمام المهدي

وتضع نفسها تحت تصرفه

عندما تبدأ علامات الظهور بالبروز واحدة بعد الأخرى ، عندما تعصف

٢٨١

المحن بأبناء الجنس البشري ، ويشتد البلاء وعندما يكتشف الناس أن الحل الوحيد والمصلح الوحيد للعالم هو المهدي يخرج من بين المسلمين أفراد هم أكثر الناس أحساساً بالبلاء ، ورغبة بالخلاص وايماناً بالإمام المهدي المنتظر وثقة بقدرته الهائلة على التغيير ، وفوق هذا وذلك هم في قمة الوعي والإخلاص لله ، فيطلبون الإمام المهدي ، ويبحثون عنه وكل واحد منهم لا يعرف الآخر ، وفي ساعة مباركة تلتقي هذه الفئة التي تجمعت من بلاد شتى على غير موعد بالمهدي المنتظر ، في مكان ما حول الكعبة المشرفة ، بين الركن والمقام أو بين زمزم والمقام ، فيتعارفون ويتعرفون على الإمام المهدي ، ويتعلقون به ، ويضعون أنفسم تحت تصرفه والأحاديث النبوية المتواترة تؤكد بان عدد أفراد هذه الفئة لا يتجاوز ثلاثتمائة وبضعة عشر رجلاً وهو عدد يطابق لعدد الذين خاضوا مع الرسول غمار معركة بدر ، وفي معرض حديثنا عن أصحاب المهدي وأنصاره تعرضنا إلى مواطن افراد هذه الفئة ، وعددهم ، وصفاتهم ووثقنا كل ذلك فارجع اليه إن شئت.

وهنالك فئة من المؤمنين رصدت الأحداث وراقبت علامات الظهور ، وأيقنت أن الإمام المهدي ، يتأهب للظهور وأنه بحاجة إلى الأعوان والأنصار ، فأعدت للأمر عدته ، واستعدت للخروج والبحث عن الإمام المهدي المنتظر ، لتعثر عليه وتضع نفسها تحت تصرفه وتنال شرف صحبة ومشاركته في عملية التغيير الکبرى ، وأبرز مثال على هذه الفئات حملة الرايات السود القادمون من ايران أو المشرق.

الفئة المؤمنة المؤسسة تضع نفسها تحت تصرف

الإمام المهدي الذي يتأهب للظهور

بعد جهد مضن ، عناءٍ كبير ، وجدت الفئة المؤمنة الإمام المهدي وتعرفت عليه ، وتعرف عليها ووضعت نفسها تحت تصرفه ، وأقسم أفرادها بأنهم لن يفارقوه حتى الموت ، واطمأن المهدي بهم ، وأطمأنوا به ، وأيقن الإمام المهدي ، بأنه قد آن أوان ظهوره ، وبدأ بانتظار الامر الإلهي بالظهور.

٢٨٢

المرحلة الخامسة

ظهور السفياني ومسابقته للزمن

أكد الرسول الأعظم ، وأئمة أهل بيت النبوة الأطهار بأن ظهور السفياني من الأمور المحتومة حتى قيل : لا مهدي بدون سفياني ، ولا سفياني بدون مهدي ، فظهور السفياني من أبرز وأشهر العلامات الدالة على ظهور الإمام المهدي ، بل إن ظهور الإمام المهدي سيتزامن مع عصر السفياني ، وقد فصّلنا ذلك وبينّاه في الفصول السابقة. والسفياني كما بيناّ سابقاً رجل من ذرية أبي سفيان حاقد على آل محمد ، كاره لدولتهم ، وهو خبيث وذكي ، فقد رصد الأحداث رصداً دقيقاً ، وقدَّر بأن الإمام الهاشمي المهدي سيظهر ، وسيحاول أن يبني لآل محمد ، فأراد السفياني أن يسبق المهدي ، ويبني ملكاً أموياً ، ليصرف شرف المهدي عن آل محمد ، كما حاول أجداده أن يصرفوا شرف النبوة والخلافة عن بني هاشم فيجمع حوله الناصبة وشانئي أهل البيت ، وطلاب الدنيا والمغامرين ويؤسس لنفسه قاعدة بالوادي اليابس ، ثم ينطلق منه إلى درعا وحوران ودمشق والعراق والحجاز ، ويرفع شعارات براقة كوحدة العرب ، ووحدة المسلمين ، ويصمم على تكوين إمبراطورية أموية فقط لغايات التصدي لآل محمد ، وبناء الملك الأموي الذي سيحول بين آل محمد وبين ما يريدون. يسابق الزمن ، ويحاول أن يستبق الأحداث ليواجه الإمام المهدي بملك قائم ومستقر ، وبأمر واقع فيجهض حركة المهدي عند ظهورها. ويئدها وهي في مهدها.

المرحلة السادسة

مبايعة الإمام المهدي وظهوره

بينما تكون جيوش السفياني مشتبكة بحروب ومعارك متعددة لبسط نفوذ السفياني على العالمين العربي والاسلامي ، وبالوقت الذي تكون فيه منطقة الحجاز في حالة ضعف وتفكك واسترخاء بسبب أزمة حكم تعصف بالنظام السائد فيه.

وفي ليلة مباركة ، وبين الركن والمقام ، أو بين زمزم والمقام يبايع الإمام المهدي ال‍ ٣١٣ رجلاً ، ويتلقى الإمام المهدي امراً الهياً بالظهور ، فيظهر بالفعل ،

٢٨٣

وتبدأ الآيات والمعجزات والعلامات المتزامنة مع ظهوره بالظهور.

وبمدة محدودة يبسط الإمام المهدي سلطنة على منطقة مكة ويبايعه أهلها ، وينضم إلى جيشه عشرة آلاف مقاتل منهم ، ثم يولي على مكة أحد أصحابه ، ويتوجه إلى المدينة ، قال الإمام الباقر : « يبايع القائم بمكة على كتاب الله وسنة رسوله ، ويستعمل على مكة ، ثم يسير نحو المدينة فيبلغه أن عامله على مكة قد قتل ، فيرجع اليهم ، فيقتل المقاتلة ولا يزيد على ذلك ».

ثم ينطلق فيدعو الناس بين المسجدين إلى كتاب الله وسنة رسوله والولاية لعلي بن أبي طالب والبراءة من عدوه [ راجع الحديث رقم ٨٣٤ ] ، ويبسط الإمام المهدي سلطانه على المدينة المنورة ، ويبايعه فيقيم أهلها فيها ما يشاء ، ثم يخرج متوجهاً إلى العراق ، وعندما يسير المهدي باتجاه العراق يكتب السفياني لأهل المدينة « إن لم تقتلوه » أي وإلي الإمام المهدي لأقتلن مقاتلكم ، ولاُسبيَّن ذراريكم » ، فيقتلونه فيأتي الخبر المهدي ، فيرجع اليهم ، ويقتل قريش ، حتى لا يبقى منهم إلا أكلة كبش ». [ الحديث رقم ٨٣٥ ] ، ويرتب الإمام المهدي أمور المدينة ، ويتابع استعداداته للذهاب إلى الكوفة.

آية الخسف أوضح علامات ظهور

الإمام المهدي وأدلها عليه

يسمع المسلمون كلهم بظهور الإمام المهدي ، وبمبايعته بين الركن والمقام وبإخضاعه مكة لسلطانه ، ومبايعة أهلها له ، وأنه قد كوّن جيشاً من أصحابه وممن اتبعه من أهل مكة قوامه عشرة آلاف مقاتل وأن جيش المهدي ينوي دعوة الناس بين المسجدين ، ثم الاتجاه إلى المدينة المنوّرة لاخضاعها لسلطانه أيضاً.

ويسمع السفياني ما سمعه الناس ، فيجن جنونه ، ويجهز جيشاً عظيماً من خيرة رجاله ، ويولي قيادة هذا الجيش لأحد أقربائه « سفياني آخر » ويأمره بأن يتوجه إلى مكة وان يفضى بكل العنف والقسوة والشدة على الإمام المهدي وحركته ، ويتوجه جيش السفياني إلى الحجاز بالفعل ، ويسمع المسلمون كلهم بهذا الجيش ، يصل جيش السفياني إلى الحجاز ، ويعتقد أنه لم يبق بينه وبين القضاء على الإمام

٢٨٤

المهدي ، يخسف الله الأرض بذلك الجيش فلا ينجو منه إلا اثنان أحدهما يبشر بالخسف ، والآخر يخبر السفياني بما حدث ، هناك يتيقن المسلمون أن الإمام المهدي قد ظهر بالفعل ، وان السفياني هو عدو الله الذي حذر منه رسول الله ، فتفيض عواطفهم الدينية نحو الإمام المهدي فالخسف آية ظهور يعلمها الخاصة والعامة ، والسفياني آية ظهور أخرى ، ونتيجة للخصف يجيش السفياني يتلقى ضربة معنوية قاتلة ، ويبدأ بلأقول السريع ، وترتفع الروح المعنوية لأنصار الإمام المهدي ، ويوقنون بأن الله معه ، وأن كل ما أخبرهم به رسول الله من أنباء الغيب حق لا ريب فيه.

المرحلة السابعة

الذهاب إلى العراق ، وإنشاء

قاعدة للعمليات ، واتخاذ الكوفة عاصمة له

بعد أن يخضع للإمام المهدي مكة والمدينة وما بينهما لسلطانه ، يتجه إلى العراق وإلى الكوفة بالذات ، وقد روى الإمام الباقر : « أن الإمام المهدي يدخل الكوفة ، وفيها رايات ثلاث قد اضطربت ، فتصفو له ، ويدخل حتى يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء » [ الحديث رقم ٨٣٨ ].

وروى الإمام الباقر أيضاً : « كأني بالقائم على نجف الكوفة قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن شماله والمؤمنون بين يديه وهو يفرق الجنود في البلاد ، [ الحديث رقم ٨٣٦ ]. وروى الإمام الباقر أيضاً « بأن الكوفة ستكون عاصمته ومنها يظهر عدل الله ، وفيها يكون قائمه ، والقوم من بعده ، وهي منازل الأنبياء والأوصياء والصالحين » [ الحديث رقم ٩٣٩ ].

لماذا اختار الإمام المهدي

العراق قاعدة للعمليات والكوفة عاصمة له؟

لأن العراق نقطة تجمع کبرى لشيعة أهل بيت النبوة ، ففيه أعوانه وأنصاره ولأن العراق مجاور لبلاد الشرق / فارس وما حولها ، تلك البلاد التي تضم نخبة

٢٨٥

شيعة أهل بيت النبوة ، ولأن في إيران آنذاك حكم موالي لأهل بيت النبوة وجند مجندة للمهدي وهم حملة الرايات السود ، ولأن الكوفة عاصمة ابيه التي شهدت انتصار الحق وهزائمه ، ويريدها الإمام المهدي أن تشهد انتصار الحق الأعظم ، وهزيمة الباطل الساحقة ، ثم ان الإمام المهدي يتصرف بتوجيه رباني ، وبعهد من رسول الله.

لمرحلة الثامنة

قاعدة الإمام المهدي وقيادة عملياته العسكرية

يفهم من الأحاديث النبوية ، ومن أحاديث أئمة أهل بيت النبوة ، بأن الإمام المهدي سيجعل من مدينة الكوفة قاعدة له ، ومنطلقاً لاعماله الحربية ، مقراً لقيادة عملياته العسكرية ، فمنها يسيّر الجيوش ، ومنها يصدر أوامره إلى أنصاره في مختلف البلاد.

القضاء على السفياني وحركته

يبدو من الأحاديث بأن السفياني سيخطط للاستيلاء على كافة البلاد العربية والإسلامية وتكوين أمبراطورية أموية تسخر كافة طاقاتها ومواردها لإجهاض حركة الإمام المهدي والقضاء عليه ، وتنفيذاً لهذا المخطط يسيِّر السفياني سراياه وجيوشه إلى فلسطين والأردن وسوريا والعراق والجزيرة ، ويشتبك عسكرياً مع الأتراك ويكتب إلى الإيرانيين للدخول في طاعته وإلا غزاهم!

وعندما يعلم السفياني بظهور الإمام المهدي ومبايعة أهل مكة وبعزم المهدي على المسير إلى المدينة ، ومنها إلى العراق ، عندها يجن جنون السفياني ويجهز جيشاً كبيراً من خيرة قواته ، ويأمره بالزحف على الحجاز والقضاء على المهدي وحركته ، ولكن الله تعالى يخسف الأرض بذلك الجيش لا ينجو منه غير اثنين ، ويتلقى السفياني بهذا الخسف ضربة معنوية ساحقة تقصم ظهره عملياً ، وتنهي امره ، وتبدأ جيوشه الأخرى بالتراجع ، وبفقد بعضها الاتصال بقيادته ، وتتفكك قواته ، وتنهار روحها المعنوية تماماً ، بالوقت الذي تكون فيه قوات الإمام المهدي وأنصاره يطاردون بقايا جيوش السفياني ويبدو أن السفياني ، قد يسلم قيادة أكثر من

٢٨٦

جيش من جيوشه إلى أمويين « سفيانيين » ، وأن الناس سيطلقون مصطلح السفياني على كل قائد من قادة تلك الجيوش ، لكن القادة الأمويين يخضعون في النهاية لقيادة كبيرهم عميد البيت الأموي ووارث أحفاده وهو المعروف بالسفياني وهو المقصود بالأحاديث النبوية ، تشير الأحاديث النبوية ، وأحاديث أئمة أهل بيت النبوة ، بأن الإمام المهدي وأنصاره سيقضون على حركة السفياني ، وعلى انصاره ، وأن السفياني نفسه سيبابع الإمام المهدي ، ثم ينقض البيعة وأن الإمام المهدي سيقتله. [ راجع الأحاديث رقم ٣٤٦ و ٣٤٨ و ٣٤٩ و ٣٥٠ و ٣٥٣ والحديث رقم ٦٥٨ ].

فتح كافة حصون الضلالة

والقضاء على الجبارين وابنائهم

وتطهير الشرق من الظلمة وأعداء الله

وتبين الأحاديث النبوية ، وأحاديث أئمة أهل بيت النبوة بأن الإمام المهدي بعد قضائه على السفياني وحركته وأثناء ذلك سيتابع عملياته الحربية ويفتح كافة حصون الضلالة في الشرق خاصة العالم الإسلامي ، وسيطهر العالم الإسلامي من أعداء الله ومن أئمة الضلالة ، [ راجع الأحاديث أرقام ٧٩ و ٣٤٠ و ٢٣ و ٤٧٩ ج‍ ١ و ٢٣٨ ]. وستكون أول ألويته موجهة إلى الترك. ويبدو واضحاً بان الإمام المهدي سينجح بتوحيد العالم الإسلامي ، كله ، وإخضاعه لسلطانه ، وخلال سعي الإمام المهدي لتوحيد العالم الإسلامي يعقد هدنة مع الروم تدوم سنين أو المدة التي يستغرقها الإمام المهدي لتوحيد العالم الاسلامي وإخضاعه لسلطانه. [ راجع الحديث رقم ٢٢٣ و ٢٢٣ ج‍ ١ ]. ويبذل المهدي جهده لاستمرار هذه الهدنة ، ويتغاضى في البداية عن نقض الروم لتلك الهدنة ، لأن غاية المهدي كما يبدو ستكون منصبة على توحيد العالم الإسلامي من خلفه قبل الدخول بحرب شاملة مع الروم ، ويفهم من الأحاديث والروايات المتعددة بأن الإمام المهدي سينجح بتوحيد الأمة الإسلامية قبل أن يصطدم على نطاق واسع مع الروم ، وتظهر تلك الروايات الإمام المهدي بصورة القوة الوحيدة في العالم الإسلامي ، فله وجود في العراق والجزيرة ، والشام وفلسطين والأردن وإيران ، واليمن ، ويتصرف في هذه

٢٨٧

المناطق تصرف السلطان الأوحد. راجع عصر الظهور ص ٢٠٧ وما فوق وأن التواجد الملحوظ للروم في ما بعد ناتج عن غزو شامل يقوم به الروم للعالم الإسلامي بعد أن تفهموا حجم المخاطر التي ستشكلها دولة الإمام المهدي على أنظمة الحكم السائدة في بلاد الغرب.

سعي الإمام المهدي

لتجنب المواجهة مع الغرب

بعد أن يوحد الإمام المهدي العالم الإسلامي ، ويقضي على جبابرته ، ويفتح كافة حصون الظلام فيه يبدأ الإمام المهدي بالاستعداد لمواجهة الغرب لفتح حصون الضلالة فيه ، والقضاء على جباريه وعلى حكم الظلمة فيه ، ونشر الإسلام في بلاد الغرب.

ويبدو أن خطة الإمام المهدي ستتركز على عزل ظالمي الغرب عن شعوبهم ، وإقناع شعوب الغرب بأنه لا مصلحة لها بالدخول في حرب مع الإمام المهدي ، لأن الإمام المهدي مهمته أن ينقذ العالم من قبضة الظاليمن الجبابرة ، وأن يطهر الأرض من وجودهم ، وأن الله والمهدي والشعوب المظلومة يقفون في معسكر واحد ضد الظلمة.

وعلى هذا وخدمة لهذا التوجه وبتوجيه الهي يقوم الإمام المهدي باستخراج تابوت السكينة من بحيرة طبرية ، ويستخرج النسخة الأصلية من الإنجيل والنسخة الأصلية من التوراة ، ويعلن الإمام المهدي وبكل وسائل الإعلان عن حيازته لهذه الأدلة المادية القاطعة ، والبراهين الساطعة ، ويلوح بعصا موسى وبحيازته لها ، وبكافة الآيات والمعجزات التي خصه الله تعالى بها ، ويفاخر بأن عيسى ابن مريم وزيره وتابعه ومن يصلي خلفه ، وسيحاول الإمام المهدي أن يفتح أبواب الحوار بينه وبين العالم الغربي ، وأن يتجنب الحرب معه ما وسعه الجهد طمعاً بتجنيب شعوب العالم الغربي ويلات حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل. [ راجع أحاديث استخراج التابوت ، والتوارة والانجيل ذوات الأرقام ٢٠٣ و ٢٢٦ و ٢٢٥ و ٢٢٧ ].

وخدمة لهذا التوجه يعقد الإمام المهدي معهم هدناً متعددة ، ويغض الطرف عن نقضهم لتلك الهدنة ، وتجري مبادلات تجارية بين دولة المهدي والعالم

٢٨٨

الغربي حيث يختلف التجار المسلمون إلى بلادهم ، وتجار الغرب إلى العالم الإسلامي ، ويحاول الإمام المهدي أن يفتح أبواب الحوار بين الشرق والغرب وأن يوظف حالة الهدنة لصالح السلام الهادف. [ راجع الحديث رقم ٢٢٤ ج‍ ١ ].

المواجهة المسلحة مع الغرب

يعقد الإمام المهدي مع الغرب هدنة ، [ الحديث رقم ٢٢١ ] ، فينقضوها ، ثم يعقد معهم أربع هدن فينقضونها أيضاً ، [ الحديث رقم ٢٢٢ ] ، ويعبر الإمام المهدي عشر سنين ، [ الحديث رقم ٢٢٣ و ٢٢٤ ] ، ويفسر قادة الغرب رغبة الإمام المهدي بتجنب المواجهة العسكرية تفسيرا خاطئاً ، أو يكتشفون ما يرمي اليه الإمام المهدي ، ويدركون خطورة الرجل ، وقدرته على التأثير على شعوبهم ، وقوة حجته ونجاعة الأدلة المادية التي يحوزها من تابوت وتوراة وإنجيل وعصا موسى ، والتأثير الساحق لوجود المسيح ابن مريم معه ، لذلك يتناسى أئمة الضلالة في الغرب كافة خلافاتهم ، ويوحدون جيوشهم ، ويسلمون قيادتهم لأحد ملوكهم ثم يتفقون على شن حرب شاملة على دولة الإمام المهدي ، ويستغلون هدنهم مع المهدي لإتمام استعدادتهم العسكرية ، ويبدو أن أئمة الضلالة في الغرب يجهزون جيشاً قوامه ٩٦٠ ألف مقاتل ، وثمانمائة سفينة. [ راجع الحديث رقم ٢٢٣ والحديث رقم ٢٣٢ ]. ويبدو أيضاً بان الطرفين سيتواجهان في أرض أفريقيا [ الحديث رقم ٢٣٢ ] ، وأن الكفة سترجح لصالح المهدي وجنده ، وأن قادة الغرب سينسحبون لإعادة تنظيم قواتهم ، ثم يقبلون حيث سترسوا سفن الروم الغازية من صور إلى عكا عندئذٍ تبدأ الملاحم. [ راجع الحديث رقم ٢٢٤ ] ، ويبدو أن نصارى المنطقة سيكتشفون خطورة الإمام المهدي ، وستجري بين قياداتهم وقيادة جيوش الغرب اتصالات ، وأن النصارى سيقدمون مساعدة للجيوش الغربية الغازية ، [ الحديث رقم ٢٣٥ ].

الملحمة العظمى بين الإمام المهدي وجنده

وبين الروم والترك واليهود

يبدو من الأحاديث النبوية أن قادة الغرب سيتحالفون مع الترك ومع اليهود

٢٨٩

ضد الإمام المهدي ، [ راجع الحديث رقم ٢١٥ و ٢١٦ و ٢١٧ ]. وأن القوات المتحالفة ستحصل على موضع قدم لها في أكثر من موقع وتشتبك مع المسلمين في اكثر من جهة ، ربما طمعاً بإجبار الجيش الاسلامي على تشتيت قواه ، ويبدو أيضاً بأن القوات المتحالفة ، جندت جيشاً عظيماً لم يَرَ الشرق في تاريخه له مثيلاً فقد روي عن النبي قوله ثم يأتيكم في ثمانين غاية تحت كل غاية اثني عشر ألفاً [ الحديث رقم ٢٢٣ والحديث رقم ٢٢٦ ] ، ويبدو أن قوات التحالف ستكون مصممة على هزيمة الإمام المهدي وجنوده ، لأن الأوامر المعطاة لقيادة تلك القوات بالقيام بحرق المراكب والسفن بعد رسوها في ساحل الشام ليشعر الجيش المتحالف أنه يُقاتل دفاعاً عن نفسه ويضطر إلى الثبات والاستبسال في القتال. [ راجع الحديث رقم ٢٣٦ ] ، وينجح الغزاة ويستولون بالفعل على أكثر بلاد الشام برها ، وبحرها ويخربون بيت المقدس ولا يبقى من بلاد الشام بأيدي المسلمين إلا دمشق والمقسق وهو جبل بأرض الشام ، ويبدو أن الإمام المهدي يطلب من عماله على بقية الولايات الإسلامية إمداده ، وأن هذه الإمدادات ستبدأ بالوصول ، فيصل من اليمن ٧٠ ألف مقاتل ، ويحاول الإمام المهدي أن يجمع الجزء الأكبر من قواته بالشام بعد أن تيقن من أن القوة الضاربة لقوات التحالف في الشام ، ويبدو أن المهدي ستكون قيادته الميدانية في اُنطاكية ، وهنالك ستنشب معركة کبرى بين الطرفين يستشهد فيها ثلاثون ألف مسلم منهم سبعون أميراً من أولياء الله ، ويتدفق الدم بغزارة من الطرفين حت تخوض الخيل بالدم. [ راجع الحديث رقم ٢٣٥ ] ، ويصب الله غضبه على الروم فيهزمون هزيمة ساحقة ، ويبدو أن هذه المعركة وذيولها ستقصم ظهر الروم وحلفائهم لأنهم عندما قرروا غزو البلاد الاسلامية جندوا كافة طاقاتهم ، ورجالهم القادرين على حمل السلاح ، وتركوا بلادهم مفتوحة.

وقد خسر الروم بهذه الملاحم قرابة ستمائة ألف مقاتل عدا الجرحي والمفقودين ، ويبدو أن الإمام المهدي سيعرف حقيقة الوضع العسكري في بلاد الغرب بدليل أنه وبعيد هذه الملاحم بقليل ، يجهز ألف وخمسمائة مركب ، لتحمل جيشه المؤلف من أربعة أجناد وهم جند المشرق ، وجند المغرب ، وجند الشام ،

٢٩٠

وجند الحجاز لغايات غزو بلاد الغرب المفتوحة أمامه. ويبدو بأن المحن ، واليقين سيصقلا جيش الإمام المهدي حيث تصف الأحاديث ذلک الجيش بأنه متماسك ، ومؤمن ، ومتعاضد ، وكأن أفراده أولاد رجل واحد ، وأن الله سيذهب عنهم الشحناء والتباغض من قلوبهم فيسيرون من عكاء إلى رومية ، ويسخر الله لهم الريح كما سخرها لسليمان.

وتؤكد الأحاديث النبوية بأن هذا الجيش سيفتح بلاد الغرب حتى يأتون مدينة يقال لها قاطع على البحر الأخضر المحدق بالدنيا ليس خلفه إلا أمر الله. [ راجع الحديث رقم ١٢٨ ] ، وتركز الأحاديث على فتح القسطنطنية خاصة ، [ راجع الحديث رقم ٤١٤ و ٤٠٨ ] ، ويفتح الصين أيضاً وجبال الديلم [ الحديث رقم ٦٦٣ ] ، ولا يمر بحصن إلا فتحه. [ الحديث ٦٦١ رقم ].

ولا تتوقف معارك الإمام المهدي

حتي يملك مشارق الأرض ومغاربها

وتؤكد الأحاديث النبوية أن الإمام المهدي سيحمل سيفه ، ولن يرميه حتى يملك العرب ، [ الحديث رقم ٦٨ ] ، ويملك مشارق الأرض ومغاربها : « يفتح له ما بين المشرق والمغرب » [ الحديث رقم ١٢٧ ] ، « يفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها » ، [ الحديث رقم ١٥٥ ] ويبلغ المغرب المشرق [ الحديث رقم ١٥٨ ] ، ولا يبقى على وجه الأرض الا من يقول لا آله الا الله ، [ الحديث رقم ٣٠٩ ] ، ويحكم بين أهل المشرق والمغرب ، [ الحديث رقم ٣٦١ ] ، ويشمل مُلك المهدي العالم كله ، [ الحديث رقم ٨٥٨ ] ، ويفتح الله له شرق الأرض وغربها ، [ الحديث رقم ٩٥٩ ].

نزول المسيح إلى الأرض

لا خلاف بين اثنين من المسلمين على نزول السيد المسيح ، وحتمية صلاته خلف الإمام المهدي ، وحتمية تأمر الإمام المهدي عليه ، وعلى كونه أحد وأبرز وزراء الإمام المهدي ، لكننا لا نعرف على وجه الجزم واليقين بأي مرحلة من المراحل سينزل السيد المسيح ، ويصلي خلف الإمام المهدي ، ويباشر مهام

٢٩١

وزارته في حكومة الإمام المهدي ، وغن كنا نرجح ان يكون نزول المسيح ، بعد دخر جيوش غزاة الغرب ، وخلال فترة استعدادات الإمام لفتح حصون الضلالة في العالم الغربي ، لأن عقلية الغرب آنذاك ستكون أكثر استعداداً وقابلية لسماع ما يقوله الإمام المهدي ، بعد أن تحطمت القوة العسكرية الضاربة في الغرب ، ويعد فشل تحالف أئمة الضلالة فيه.

٢٩٢

 الفصل الثامن

دولة الإمام المهدي هي دولة

آل محمد ، وستكون آخر الدول

نشوء دول التاريخ السياسي الاسلامي وحرمان

آل محمد من تكوين دولة خاصة بهم

لو استعرضنا تاريخ دولة الخلافة التاريخية ، والدول التي تعاقبت على حكم الأمة الإسلامية لتبين لنا بوضوح تام أن كافة الجماعات والأفراد الذين عرفوا رسول الله ، أو آمنوا به ، أو تظاهروا بهذا الايمان قد استفادوا من الملك العريض الذي بناه رسول الله ، فنالوا نصيباً من الجاه ، ونصيباً من النفوذ وبعض الأفراد والجماعات ، استولوا على ملك النبوة ، وكونوا في هذا الملك دولاً خاصة بهم ، تحمل أسماءهم ، أو اسماء عائلاتهم ، وعللوا ذلک بمبررات مختلفة وغير مقنعة ، ولكن تلك المبررات جميعاً تستند عملياً على القوة والقهر وكثرة الأتباع وتسخير موارد دولة الخلافة لتثبيت دعائم تلك الدول بعد إخراج تلک الموارد عن مصارفها الشرعية.

والفئة الوحيدة التي لم تستفد من ملك النبوة ، ولم تنل نصيباً من جاه ولا نفوذ هذا الملك ، ولم تتمكن من تكوين دولة خاصة بها هم عترة النبي أهل بيته أو آل محمد ، مع أنهم الأقرب للنبي والأولى به!!! وأعظم من ذلك أن الذين استولوا على هذا الملك النبوي حوَّلوه إلى سوط من عذاب جلدوا به عترة النبي أهل بيته

٢٩٣

وساموهم فيه سوء العذاب!!!

الإمام الحسن العسكري يعلل ذلك

علل الإمام الحسن العسكري أسباب نقمة مؤسسي وقادة دولة الخلافة التاريخية على آل محمد ، وحرمانهم من تكوين دولة خاصة بهم ، ويسوق الإمام العسكري الأمويين والعباسيين كمثال متاح على ذلك فيقول وبالحرف : « قد وضع بنو أمية وبنو العباس سيوفهم علينا لعلتين : ١ ـ أحدهما أنهم كانوا يعلمون انه ليس لهم في الخلافة حق ، فيخافون من ادعائنا اياها وتستقر في مركزها ، ٢ ـ وثانيهما أنهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أن زوال ملك الجبابرة والظلمة على يد القائم منا ، وكانوا لا يشكون أنهم من الجبابرة ، الظلمة ، فسعوا في قتل أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، طمعاً منهم في الوصول إلى منع توّلد القائم أو قتله فابى الله ان يكشف أمره لواحد منهم إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ». [ راجع الحديث رقم ١٢٦٢ ج‍ ٤ والمراجع المدونة تحته ]. وتحليل وتعليل الإمام العسكري من القوة والوضوح والإقناع بحيث أنه لا يحتاج إلى بيان.

مبررات تقدم الجميع على آل محمد

وقيام دول الجميع الا دولة آل محمد!!

١ ـ ورث الخليفة الأول ملك النبوة ، وكوّن دولة فعلية لنفسه ولرهطه بني تيم بحجة أنه صاحب النبي ، ووالد زوجته ، وأنه ومن قريش عشيرة النبي ولما قال له الإمام علي ، بأنه وأهل البيت أولى برسول الله حياً وميتاً ، والرسول مثل شجرة ، عترته أهل بيته فروعها وأغصانها ، وقريش ظلالها ، وأشار الإمام إلي الأحاديث النبوية التي صدعت بخلافته للنبي ، وبالترتيب الإلهي لعصر ما بعد النبوة. قال الخليفة الأول بأن الخلافة شأن خاص بالمسلين وأن المسلمين قد اختاروه بالشورى ، وأجمعوا عليه ، وما ذكره الرسول في غدير خم ومناسبات متعددة حول ولاية الإمام على من بعده ومكانة أهل بيت النبوة وآل محمد ، ليست ملزمة ، لأنها صادرة من الرسول كبشر وليست وحياً إلهياً!! وأن الخلافة مرهونة بشورى المسلمين وموافقتهم.

٢٩٤

 فأجابهم الإمام بأن الرسول لا ينطق عن الهوى ، وهو يتبع ما يُوحى اليه ، ولا يمكنه أن يتقول على الله ، أو يعلن أمراً بهذه الخطورة دون الموافقة الإلهية ، ثم لنفرض أن الامر شورى بين المسلمين فآل محمد عترته أهل بيته من المسلمين بل هم الناصية ، وعنوان الفخار ، فكيف تكون الخلافة دون استشارتهم ، لقد كانوا غيباً عن هذه الشورى؟!

فقالت بطون قريش التي كانت تقف خلف الخليفة بكل كثرتها وخيلائها وفخرها ونفوذها : يا على قد جادلتنا فأكثرت جدالنا ، فإما أن تبايع انت وعترة النبي أهل بيته واما ان تُقتلون!! فالتفت الإمام ولم يجد له معيناً إلا أهل بيته ، فضن بهم عن الموت ، فسلم لدولة بني تيم وبعد ستة شهور بايع وبايع معه أهل البيت.

٢ ـ ونظراً للجهود المضني التي بذلها عمر بن الخطاب بتوحيد بطون قريش وحلفائها ، وبإقامة دولة البطون الأولى عهد الخليفة الأول له بالخلافة فكانت مبررات استخلاف الثاني هي نفس مبررات استخلاف الأول وزادت عنها بعهد الأول وهكذا نشأت دولة فعلية لبني عدي وتقدم آل عدي على آل محمد.

٣ ـ والخليفة الثاني على فراش الموت عهد بالخلافة عملياً لعثمان بن عفان وهو حليف الأول والثاني ووزيرهما ، وصاحب الجهد الأعظم بإقامة دولتهما وهو عميد البيت الأموي وكان مبررات توليته هي نفس مبررات الخليفتين الأول والثاني ، والفارق أن الخليفة الثالث هو زوج ابنة النبي التي ماتت ولم تعقب وليس والد زوجة النبي وأن الثاني قد عهد إليه ، وهكذا قامت عملياً دولة بني أمية ولكن دون إعلان في البداية ، وفي مرحلة من مراحل الخليفة الثالث خاطب وزيره مروان بن الحكم المسلمين بقوله : « شاهت وجوهكم تريدون أن تسلبونا ملكنا »!!

٤ ـ لما آلت الخلافة إلى الإمام علي بن ابي طالب بنفس الوسائل والطرق التي أوجدتها بطون قريش ، ونفس المبررات التي تولى فيها الخلفاء الثلاثة الحكم وقفت بطون قريش وقفة رجل واحد ، ورفضت خلافة الإمام على ثم قتلته ، ثم رفضت خلافة ابنه لم تقبل الا بعد هزيمة آل محمد وعودة منصب الخلافة للبطون. لأنها لا تقبل بحكم آل محمد وترفض رفضاً أن تكون لهم دولة!!

٢٩٥

ولا مانع لدى بطون قريش من أن تتكون دولة للموالي ، وللأنصار ، ولأي مسلم لكنها لا تقبل بدولة آل محمد ، قال الخليفة الثاني وهو على فراش الموت : « لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لوليته واستخلفته » وسالم هذا من الموالي ولا يعرف له نسب في العرب ، فالخليفة الثاني يتمنى حياة الموالي الأموات ليوليهم الخلافة ، ويتجاهل وجود آل محمد تجاهلاً تاماً من الناحية العملية ، ولا يرى أن فيهم من هو أهل لتولي الخلافة »!!!

٥ ـ ومع أن معاوية بن أبي سفيان أبوه وأخوته هم الذين قادوا جبهة الشرك وقاوموا رسول الله وحاربوه طوال مدة ٢١ عاماً ، ولم يسلموا إلا بعد ان أحيط بهم فاضطروا مكرهين للتلفظ بالشهادتين إلا أنه وبعد أن وطد له الخلفاء الثلاثة استولى على منصب الخلافة بالقوة والقهر وأسس دولة خاصة بآل ابي سفيان وهم أعداء الله ورسوله الألداء وحجة معاوية ومبررات خلافته أنه القوي الغالب ، وأنه صحابي وأنه مسلم ، وأنه من عشيرة النبي ، وأن أخته هي إحدى زوجات النبي!!

٦ ـ بعد أن سقطت دولة آل أبي سفيان آلت الخلافة إلى ذرية عدو الله وعدو رسوله الحكم بن العاص ، الذي لعنه رسول الله ونفاه وحرم عليه أن يسكن معه في المدينة ، وحذر المسلمين من شروره ومع هذا كون دولة خاصة بآل الحكم بن العاص بحجة انه أموي ، وأنه أولى بمعاوية وأنه من قريش عشيرة النبي!! وصار المسلمون رعايا لهذه الدولة كما كانوا رعايا للدولة التي سبقتها ، وبايعوا خلفاءهم تماماً كما بايعوا الذين قبلهم.

٧ ـ وجمع العباسيون القوة ، وأعدوا وسائل الغلبة ، ورفعوا شعارات آل محمد ، فاستولوا على منصب الخلافة بالقوة والقهر كونوا دولة خاصة بآل العباس بحجة وبمبررات مفادها أنهم أحفاد العباس عم النبي ، لما قال لهم أهل بيت النبوة بأننا أحفاد النبي نفسه ، أحفاد عم النبي الشقيق ، وأنتم رفعتم شعاراتنا ، وتعرفون حقنا وأننا الأولى منكم ، وكنتم تتفرجون علينا ونحن نقتل ونسام سوء العذاب!! فيغضب العباسيون ويصبون على آل محمد فيضاً جارفاً من النقم والقتل والعذاب وكأنه ليس بين العباسيين وبين عترة النبي أية قرابة!!

٨ ـ وتتفكك الدولة العباسية ، ويغلب كل والٍ على ولايته ، ويؤسس له

٢٩٦

ولأسرته دولة خاصة به ، بحجة أنه مسلم ، وأن الخليفة غير قادر على إدارة شؤون الخلافة ، وليس في تلك الولاية من هو أصلح ولا أنسب منه لقيادة الرعية.

٩ ـ ثم تطلع عائلة تركية ، وتجمع حولها أسباب القوة وتستولي بالغلبة على كافة أقاليم العالم الإسلامي وتخضع جميع المسلمين لسلطانها ويعلن كبير العائلة التركية « العثمانية » بأنه خليفة رسول رب العالمين لأنه يوجد خليفة ، ولايوجد من هو أنسب للخلافة منه!!

ولأنه لا بد للمسلمين من خليفة!! ولأنه لا فرق بين عربي وعجمي!! وأن الأتقى هو الأكرم عند الله!! بمعنى أن كبير الأسرة العثمانية هو الأكرم عند الله!! والخلاصة أن العثمانيين قد تجاهلوا وجود أهل بيت النبوة كتجاهل الذين من قبلهم ، وتقدموا على أهل البيت كما تقدم الذين من قبلهم ، وقبل المسلمون بذلک أو تظاهروا بالقبول كما فعل آباؤهم من قبل. وبعد قرون تسقط دولة آل عثمان ، وبسقوطها يسقط نظام الخلافة التاريخية ، ولكن ثقافة تلك الخلافة ومناهجها التربوية والتعليمية قد استقرت نهائياً في النفوس ، فالملك لمن غلب ، والتبريرات الشكليه ما هي إلا ديكور. فرفعت الشرعية الإلهية من واقع الحياة ، وحل محلها التغلب والقوة ، وتفسحت أشداق المطامع ، وابواب ومنافذ التنافس ، وصار كل قوي يعتقد بأنه الأحق بالقيادة ، فتولى الأمر غير أهله ، وأهله ينظرون ، وقيل لكل إمام من أئمة بيت النبوة ، خاصة ولآل محمد عامة ، اما أن تقبلوا ما يرتبه الظلمة الجبارون أو تموتوا!! فآثر أهل بيت النبوة الحياة لا حياً فيها لأن الجبابرة قد أفسدوها بالفعل ، ولكن لينقلوا ما جرى للأجيال اللاحقة ، وليكشفوا التزييف والتضليل ، لعلّ جيل من الأجيال ينصفهم ، ويفهم عدالة قضيتهم ، ويفهم حجم الجريمة التي ارتكبها المجرمون بحق الله ورسوله وأهل بيته وخلاف قرون العذاب الألم كان أهل بيت النبوة يشكون بثهم وحزنهم إلى الله.

العلم الإلهي المسبق لحركة الأحداث

والوعد الإلهي القاطع بإقامة دولة آل محمد

الله سبحانه وتعالى يعلم بحركة الأحداث قبل وقوعها بداية وتفاصيل ونهاية

٢٩٧

فما من أمة من الأمم إلا ويعلم الله تفاصيل وكليات الحركة المستقبلية لأفرادها فرداً فرداً ولجماعتها جماعة جماعة ، ويعلم الخط العام الذي ستسير عليه الأمة كلها من البداية وحتى النهاية ، ولأن الله رحيم بعباده ، فإنه يتولى بتوجيهاته الإلهية ترشيد الحركتين الخاصة بکل فرد وجماعة ، والعامة التي تخص الأمة كلها ، لكنه تعالى لا يجبر الجماعة ، ولا يجبر الأمة على فعل شيء ، لأنه لو وقع الاجبار لما كان للثواب أو العقاب معنى ، ولاختلت قواعد الابتلاء الإلهي ونواميسه ، والله سبحانه وتعالى يريد لهذه القواعد والنوامس أن تشق طريقها بموضوعية بدون تأثيرات ، ليكون الثواب عادلاً والعقاب عادلاً ولتتکون المقومات الموضوعية للحكم الإلهي العادل.

لقد أكمل الله دينه ، وأتم نعمته ، ورضي الله بالإسلام ديناً للعرب ولكل خلق الله ونجح الرسول بتحويل العرب من دين الشرك إلى دين الإسلام ، وبإقامة دولة ايمانية وحدتهم ولأول مرة في التاريخ بكلفة بشرية لا تكاد أن تذكر ، وبلغهم الرسول كتاب الله كما أوحي اليه ، وبينه لهم كما أمره ، ولم يترك الرسول امراً من أمور الدنيا والآخرة فيه خير الا ورغبهم فيه ، ولا امراً فيه شر إلا وحذرهم منه ، واتسعت رحمة الرسول ورأفته بالجميع ، ولأن الرسول بشر فسيموت حتماً ، وحتى لا تفسد الأمور بعد موته وحتى لا ينهار ما بناه ، وضع الله سبحانه وتعالى ترتيبات الهية لعصر ما بعد النبوة ، فاختار الله اثني عشر إماماً ليحکموا الأمة من بعد النبي حتى قيام الساعة ، فأهلهم وأعدهم إعداداً إلهياً للقيادة والمرجعية بحيث يکون كل واحد منهم هو الوارث الوحيد لعلمي النبوة والكتاب في زمانه ، وهو المرجع الأوحد ليقول الناس في زمانه بحق ، أنه الأعلم والأفضل والأنقى والأقرب لله ولرسوله ، وأمر الله رسوله أن يعلن للامة أسماء القادة أو الأئمة أو الخلفاء أو النقباء والأمراء الذين اختارهم الله ، ولأن الرسول مأمور ، ويتبع ما يوحى اليه ، فقد سمى للامة قادتها من بعد وفاته ، وتسعة منهم لم يولدوا بعد ، وأمر الله رسوله بأن يعلن للناس بأن طاعة كل واحد من الاثني عشر هي طاعة لله ، ولرسوله ، وموالاتهم هي موالاة لله ولرسوله ، ومعاداتهم هي معاداة لله لرسوله ، والخروج على أي واحد منهم هو خروج على الله ورسوله ، وأكد الرسول كل ذلك وبكل

٢٩٨

وسائل الاعلان والبيان ليحكم الله امره ويقيم حجته أمر الله رسوله بأن ينصب أول أولئك الأئمة ولياً للمؤمنين والرسول حياً ، وأن ياخذ له البيعة من المسلمين ، كافة ، وفي غدير خم أعلن الرسول أن حجته تلك ستكون حجة الوادع ، وأنه سيموت بعد عودته إلى المدينة بقليل حيث سيمرض ، ويموت في مرضه وأنه لن يلقى المجتمعين بعد عامهم ذلك ، وسألهم من وليکم ، ومن مولاكم ، وهل حقيقة أني وليكم ومولاكم؟ فتعجب المسلمون وأجابوه بصوت واحد أنه الولي ، وأنه المولى فقال الرسول : من كنت وليه فهذا علي بن أبي طالب وليه ، ومن كنت مولاه فهذا علي مولاه ، ولخص الرسول للمسلمين الموقف بقوله : « تركت فيكم ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا ابدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي » حديث الثقلين بصيغه المتعددة ، ثم عمم علياً بن ابي طالب بعمامة ، وأجلسه ، وطلب من الجميع أن يبايعوه ، وبايعه الجيمع وعلى رأسهم الخلفاء الثلاثة الأول عرف المسلمون أن الخليفة الأول هو علي بن أبي طالب وأن الأحد عشر الأخرين من صلب على ومن ذرية النبي وأن آخرهم وخاتمهم محمد بن الحسن المهدي المنتظر ، وتفرق المسلمون وعادوا إلى منازلهم على هذا الأساس.

الإنقلاب والردة على الأعقاب

وتكوين حزب العدالة!!

ذهلت بطون قريش من هول ما سمعت ، فآل محمد وأهل بيته هم الذين قتلوا أبناء بطون قريش أثناء حربها للنبي ، وهم من بني هاشم ثم إن محمداً من بني هاشم ، فأي عدل هذا الذي يخص الهاشميين بالنبوة وبالخلافة إلى قيام الساعة ، ويحرم بقية البطون من الشرفين معاً!! إنه لمن المستحيل أن يأمر الله بذلك!! أو يرتب ذلك!! إنها مجرد أقوال لمحمد!! ومحمد بشر يتكلم في الغضب والرضي ، ولا ينبغي أن تُحمل كل أقواله على محمل الجد!! وحمل أقوال النبي المتعلقة بالخلافة من بعده على محمل الجد سيلحق ضرراً فاحشاً ببطون قريش ، ويجحف بحق المسلمين!!! والأصوب والأنسب والأوفق أن تکون النبوة لبني هاشم ، لا يشاركهم فيها احد والدولة والخلافة لبطون قريش لا يشارکهم فيها هاشمي قط ، ووقف المنافقون وقفه رجل واحد مع بطون قريش لأن المنافقين

٢٩٩

يكرهون الظلم ، ويحبون العدالة!!! ووفقت المرتزقة من الأعراب مع بطون قريش أيضاً ، ووقفت كل العناصر التي حاربت النبي حتى أحيط بها فاضطرت مكرهة لإعلان إسلامها مع بطون قريش ، ووقف طلاب الدنيا مع بطون قريش ، وتكون من الناحية العملية حزب كبير يضم الأكثرية الساحقة من المسلمين ، للدفاع عن حقوق البطون ، وفي الجانب الآخر يقف النبي وأهل بيته وفئة مؤمنة قليلة العدد لا قدرة لهم على مواجهة هذا التيار الجارف الذي أوجدته عدالة البطون!!!

الله يطلع رسوله على كل ما يجري

والرسول يعلن ذلك ويكشف أهل الفتن

حركة بطون قريش صارت علنية ، وغير خافية على أحد ، ونوايا البطون مكشوفة للجميع ، فالأكثرية الساحقة تعارض بشدة دولة آل محمد بتحريض من بطون قريش ولا بد للإسلام أن يقول رأيه بحركة البطون وأشياعهم ، فأوحى الله إلى نبيه بكل ما يجري ، وينطلق النبي من دائرة اليقين الوحي ليكشف ما تبيته البطون وليعلن أنها فتنة ، وأنها إن نجحت ستحل عرى الإسلام كلها ، ويسمى الرسول للمسلمين قادة الفتن كل باسمه ، ويبكي الرسول أمام المسلمين مخبراً إياهم بما أوحى الله اليه به ، من أنهم سينكلون بأهل بيته من بعده ، فيطردونهم ويشردونهم ويقتلونهم تقتيلاً ، وأنه سيسمون الحسن سبطه وسيقتلون الحسين وأهل بيته في كربلاء شر قتلة ، وسيلاحقون أهل بيته ويطاردونه طوال التاريخ ، ويتساءل النبي بحزن يدمي قلبه الشريف لم تفعلون ذلك ، وهل أستحق هذا منكم؟ وهل هذا هو الأجر الذي تقدمونه لي لقاء هدايتي لكن ، وإنقاذكم!!

أهل بيت النبوة والفئة المؤمنة القليلة كانوا موقنين بأن النبي يقول الحق ، وينشر ما أوحى اليه من ربه. وأن ما أخبر به النبي واقع لا محالة.

وبطون قريش وقادتها ، وحلفاؤها أيقنوا أيضاً بأن محمداً قد كشفهم وأنه قد عرف حقيقة نواياهم ، وموقفهم الصارم من عترة النبي أهل بيته والمفاجآت التي يعدونها لهم ، ومعارضتهم ورفضهم القاطع لدولة آل محمد وكانوا يتوقعون من النبي لأن هذا رأي الأكثرية أن يقوم بإجراء تعديلات جوهرية على ترتيباته السابقة ،

٣٠٠