دروس في الاخلاق

دروس في الاخلاق14%

دروس في الاخلاق مؤلف:
الناشر: نشر الهادي
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 279

دروس في الاخلاق
  • البداية
  • السابق
  • 279 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 69864 / تحميل: 7487
الحجم الحجم الحجم
دروس في الاخلاق

دروس في الاخلاق

مؤلف:
الناشر: نشر الهادي
العربية

دروس في الاخلاق

١

دروس في الاخلاق

المولف : اية الله المشكيني

٢

٣
٤

٥

٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

وبعد : الكتاب يشتمل على مقدمة ودروس وخاتمة.

أما المقدمة : ففي بيان أمور :

الأمر الأول : في الاشارة الاجمالية الى موضوع علم الأخلاق ومسائله والغرض منه.

أما الموضوع : فهو الإنسان لا من حيث أنه شيء واقع تحت عنوان الوجود ، فإن البحث عنه من هذه الجهة يقع في علم المعقول ، ولا من حيث جسمه وبدنه وعروض الصحة والمرض عليه مثلاً ، فإن البحث عنه من هذه الجهة ، محله علم الطب ، بل ولا من حيث سائر جهاته الموجودة فيه ، فإن الإنسان من حيث أنه حيوان ناطق ذو إدراك وشعور ، وتفكر وتعقل موجود عجيب ومكون غريب ، له حيثيات ذاتية

٧

وعرضيّه مختلفة وأبعاد وجودية متكثرة وقع البحث عن جلها لولا كلها في علوم مختلفة وفنون عديدة.

بل الموضوع في علم الأخلاق المرسوم لدى المتشرعة هو الإنسان من حيث نفسه وروحه ، وبعبارة أخرى هو نفس الإنسان من حيث اتصافها بصفات مختلفة ، حسنة أو قبيحة ، وملكات كثيرة ، مذمومة أو ممدوحة ، منها ما هو ذاتية موهوبية : ومنها ما هو عرضية إكتسابية.

ومسائله : الأبحاث الواقعة حول تلك الصفات والملكات ، وما يقع من الفحص والتحقيق في تبين حقائقها وروابطها ، وانشعاب بعضها عن بعض ، وعلل حصولها وطرق تحصيلها ، وكيفية زوالها وإزالتها ، وما يقع من الكلام في تمييز فضائلها عن رذائلها ، وحفظ كرائمها التي أودعها الله تعالى في الإنسان أو حصلها بنفسه ، وتحصيل مالم يكن واجداً له من الفضائل ، وإزالة ما اتصف به من الرذائل طبعاً أو اكتساباً.

والغرض منه : تكامل الإنسان وتعاليه ، وتمامية مكارم أخلاقه ونيله إلى مراتبه التي خلقه الله تعالى لأجل الوصول إليها ، وتخلقه بأخلاق الله تعالى ، وتأدبه بآداب رسله وأوصيائه لكي يتقرب إلى ربه ويسعد في الدنيا والآخرة بدونه وقربه لأن يبعثه ربه مقاماً محموداً ويلحقه بالأبرار والمتقين ، ويكون في الآخرة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ، فما أجل غاية هذا العلم وأعلاها ، وما أثمنها وأغلاها ، ألا وهي نهاية المنى والغاية القصوى ، وليس للانسان وراء ذلك منتهى ، ألا وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وليرغب

٨

الراغبون.

ثم ليعلم أنه ليس الغرض : تأليف كتاب في علم الأخلاق على وتيرة ما ألفه فيه علماؤنا الأخيار٥ فإنهم قد اهتموا ببيان أصول السجايا والطبائع ، وقسمتها قسمة أولية إلى أقسام أربعة ، ثم ذكر الانقسامات الثانوية الطارئة عليها وهكذا ، وبيان كيفية تولد بعضها عن بعض وانشعاب بعضها عن بعض. وقد أقلّ بعض المؤلفين عند ذكر نفس الصفة من إيراد الآيات والنصوص فيها ، أو ذكر فيما أورد ما لم يثبت عندنا صحته من الأخبار ، لكنا أعرضنا عن تلك المراحل فذكرنا عند بيان كل فضيلة ورذيلة بحثاً إجمالياً شارحاً لحقيقتها ، ثم أوردنا فيه من الكتاب الكريم والسنة المأثورة عن النبي الأقدس وأهل بيته المعصومينعليهم‌السلام مقداراً غير مخل للغرض لقلته ، وغير ممل لكثرته ، واعتمدنا في إيضاح حقيقة الصفة المبحوث عنها وعلل وجودها وآثارها الدنيوية والأخروية على ما تستفيده ألباب القارئين وأفكار الباحثين من النصوص الواردة فإن في قول الله تعالى وكتابه الناطق وكلام نبيه الصادق وأهل بيتهعليهم‌السلام غنىً وكفاية عن بحث الباحثين وتقريظ الواصفين ولذلك سميناه بـ « دروس في الأخلاق » لا تأليفاً في علم الأخلاق. ونشكره تعالى عدد ما يبلغ رضاه على أن عرّفنا نفسه بعرفان ما تيسر فهمه لعقولنا من صفات جلاله وجماله ، وعلى أن عرفنا ملائكته القائمين بتدبير أمر العالم من السماء إلى الأرض بإرادته ، وعرفنا أنبيائه ورسله ، ولا سيما خاتم رسله ، وألهمنا الأذعان بما أنزل عليهم من كتبه وشرائعه ، وعلمنا كتابه المصدق لما بين يديه من الكتب والمهيمن

٩

عليه ، وعرفنا أوصياء نبيه لا سيما خاتمهم وقائمهم والمستور عن عوالمهم ولم يجعل موتنا ميتة جاهليةً ، ورزقنا معرفة كلامه وسنة نبيه وأحاديث أوصيائه المعصومين ، كل ذلك بمقدار ما تيسر على عقولنا فهمه وعلى ألبابنا دركه ، فإنه تعالى أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها ، فحمداً له كثيراً على آلائه ، وشكراً له وافراً على نعمائه ، وأنى لنا بأداء شكره ، والشكر له يحتاج إلى شكر ، وكلما قلنا : له الحمد وجب أن نقول لذلك : له الحمد.

الأمر الثاني : أنه تتعسر أو تتعذر للانسان معرفة مسائل علم الأخلاق وتميز محاسن صفات الإنسان عن مساويها بتحصيلها من غير الطرق التي عينها خالقه وبارئه ومبدعه ومصوره ومودع الطبائع والسجايا فيه ، وهي الطرق التي أوحاها إلى أنبيائه : بإبلاغ دينه وشرائعه ، فقد بين فيها ما هو كمال النفوس الانسانية وما هو جمالها وجلالها ، وما يكون موصلاً لها إليه من الأصول الاعتقادية والفروع العملية ، وذلك لأنه لا يعرف الإنسان كما يليق بذاته واستعداده ، ولا يقدر على تربيته وإيصاله إلى كماله الحريّ بشأنه إلا أنبيائه وأوصيائه الذين خلقهم الله لرحمته واصطنعهم لنفسه ، واصطفاهم لسفارة خلقه وهداية عبادة ، ليكلموهم بتعليم الأصول والعلم بالفروع حتى تتم لهم مكارم الأخلاق.

وقد علم بذلك أن جميع ما تحويه الشرائع السماوية من القوانين الدخيلة في تربية الإنسان ترجع إلى أمور ثلاثة : الأصول الاعتقادية :

١٠

وهي الأحكام المتعلقة بالعقائد الباطنية ، وموضوعها النفس من حيث عقلها النظري. والأحكام الفرعية والشرائع العملية التكليفية والوضعية ، وموضوعها النفس من حيث عقلها العملي. والأحكام الأخلاقية والشرائع النفسية. وموضوعها النفس من حيث صفاتها وملكاتها كما عرفت. وهذا القسم ـ مضافاً إلى كونه ملحوظاً بالاستقلال في المراحل التربوية ـ يكون كالغرض والغاية للقسمين الآخرين أيضاً كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « بعثت لأتمم مكارم الأخلاق »(١) وهذا هو المبحوث عنه في المقام.

الأمر الثالث : أنه ينبغي أن نقول في توضيح موضوع البحث : إن هنا موجوداً غير هذا الجسم المرئي ينسب إليه الشعور والعقل والعزم والارادة ، ويشار إليه بكلمة « أنا » و « أنت » وتسند إليه أمور ليست من عوارض الجسم وصفاته في قول الشخص : علمت وفهمت وأردت وكرهت وأحببت وأبغضت ونحوها. وبتقارن هذا الجوهر للجسم وازدواجه به يتحقق مصداق لقوله تعالى :( وإذا النفوس زوجت ) (٢) في الدنيا ، كما يتحقق مصداق له أيضاً بازدواجه به بعد الحياة في عالم الآخرة. وبهذا التقارن يصير الجسم خلقاً آخر كما يشير إليه قوله تعالى( ثم أنشأناه خلقاً آخر ) (٣) أي : بعد تمام الأربعة الأشهر للجنين في

__________________

١ ـ نص النصوص : ص ٧١ ـ المحجة البيضاء : ج٤ ، ص ١٢١ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص ٣٧٢ ـ ج ٧١ ، ص ٣٧٣ و ٣٨٢ ـ مرآة العقول : ج٧ ، ص ٣٤٧.

٢ ـ التكوير : ٧.

٣ ـ المؤمنون : ١٤.

١١

الرحم نفخنا فيه الروح فصار بذلك خلقا آخر غير سابقه ، وهو صيرورته إنساناً ، ومن شأن هذا الموجود الحال أن له تسلطاً تاماً على الجسم ، تصدر حركاته بمشيئته وأفعاله بإرادته.

بل الإنسان في الحقيقة عبارة عن هذا الموجود المقارن الحال ، وأما المحل فهو كقرينه وجليسه ، ومن معدات بقائه في الدنيا ودوامه. ولذلك قال تعالى :( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ) (١) فإن المخاطب في الآية الشريفة هو الإنسان بحقيقته ، وهو الذي يتوفاه الملك ويأخذه إلى ربه ، والباقي بعده لباس خلعه ورماه وغلاف تركه وألقاه ، ومن هنا يمكن أن يقال : إن ما ذكر في الكتاب العزيز من عنوان الإنسان والبشر وبني آدم والناس وكذا أسماء إشاراتهم وضمائر الغيبة والخطاب الراجعة إليهم لا يراد به إلا هذا الموجود ، ولا ينطبق إلا عليه ، فيكون ما نسب إلى تلك العناوين من الأعمال والأفعال والصفات ونحوها منسوباً إليه.

وهذا الموجود وإن لم ينكشف لنا إلى الآن حقيقته وماهيته إلا أنّه قد أشير في الآيات والنصوص إلى جملة من أبعاده وأطرافه ، وشئونه وأوصافه فترى فيهما تعابير كثيرة ناطقة عن أحواله حاكية عن آثاره : كالروح والقلب والعقل والنفس وغيرها كما مر بعضها ويأتي بعضها الآخر.

الأمر الرابع : لابد أن نشير في المقام على حسب اقتضائه إلى شيء من الآيات الكريمة ونصوص أهل البيت : مما فيه تبيان لحقيقة النفس

__________________

١ ـ السجدة : ١١.

١٢

والقلب وبدء تكونها وكيفية خلقها ومما فيه إيضاح لصفاتها وأفعالها وآثارها ، ليكون الباحث الفاحص عن نفسه وملكاتها المريد لإصلاحها وتزكيتها وحيازة سعادتها وإزالة شقاوتها على بصيرة من أمره.

فنقول : قال الله تعالى :( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ) (١) . الآية الشريفة : إما مسوقة لبيان خلق جسم الإنسان بدنه كما عليه أكثر المفسرين فالمعنى : أن الله تعالى ابتدأ بخلق نوع الإنسان بإيجاد فرد منه أو أفراد ، فخلقه من أجزاء الأرض مخلوطة بالماء مسماة « بالسلالة » فقوله : ( من طين ) بيان لسلالة ، أي : من سلالة هي الطين ، وهذا المخلوق هو : آدم وحواء ، أو هما مع عدة ذكور وإناث ليكونوا أزواجاً لأول أولاد آدم وحواء ويتولد سائر الأفراد منهم بالزواج والتناسل ، ويتحقق معنى قوله :( ثم جعلناه نطفة ) .

وإما مسوقة لبيان خلق روحه التي هي الإنسان حقيقة ، فالمراد من الإنسان : روحه ، ومن السلالة : جسمه ، وكلمة « من » في الموردين نشوية ، ومعنى الآية الشريفة : إنا خلقنا الروح الانسانية من جسمه وخلقنا جسمه من طين. وعلى هذا فكلمة : « ثم » للتراخي في الذكر والاشارة إلى كيفية تكون الجسم من الطين والوساطة الواقعة بين الطين والجسم الحي ، وهذا في المثل نظير الدهن الصافي اللطيف الحاصل من الزيتون واللوز المخلوقين من الأرض بواسطة الشجر. ويشير إلى هذا النحو من خلقه الإنسان ما قد يقال : إن الروح جسمانية الحدوث وروحانية البقاء ، بمعنى : أنها موجود لطيف تكونت من الجسم ، وهي

__________________

١ ـ المؤمنون : ١٢ ـ ١٣.

١٣

باقية أبداً شبه المجردات ، فالآية الشريفة على هذا المعنى تبين معنا الروح والنفس الانسانية وتشير إلى مبدء خلقها.

وقال تعالى :( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً ) (١) .

النطفة في اللغة : الماء ، أو القليل منه أو الصافي منه ، والمراد هنا : نطفة الرجل والمرأة ، والأمشاج ـ جمع مشج بالفتح فالسكون أو بفتحتين ـ أي المختلط من شيئين أو أشياء ، فمقتضى كلمة الجمع تركب النطفة من أشياء كثيرة ، والابتلاء : نقل الشيء من حال إلى حال ، أو بمعنى : الامتحان والاختبار. والظاهر أن الآية الشريفة في مقام بيان كيفية خلق الإنسان ومبدئه ومنتهاه ، والمعنى : أن الله خلق الإنسان من مادة ممتزجة من عناصر كثيرة جداً ، لكل منها إقتضاء وتأثير يدعوا صاحبه للحركة نحوه ، ويقتضي جريه على وفقه ، فتتعارض وتتمانع العناصر في مقام اقتضائها وتجاذبها التكويني ، وحيث أنه قد أودع الله تعالى في وجوده قوة عاقلة مائزة بين الخير والشر يكون جريه على وفق أي مقتض وداع بإرادته واختياره فيحصل الابتلاء والامتحان. فقوله :( نبتليه ) في مقام التعليل لتركيب الأجزاء المختلطة ، وأن المزج لغرض ذلك الابتلاء.

وتفريع قوله :( فجعلناه سميعاً بصيراً ) لبيان أن مجرد وجود تلك القوة وكونها مستعدة للعلم والإدراك غير كاف في تحقق الابتلاء ، بل اللازم اهتداؤها من الخارج نحو ما تحتاج إليه ويصلحها من العلوم

__________________

١ ـ الدهر : ٢ ـ ٣.

١٤

والمعارف ، وحيث أن أوسع الطرق المجعولة لارتباطها مع الخارج السمع والبصر خصهما بالذكر.

وفي قوله :( إنا هديناه السبيل ) الخ ، بيان أن الله قد هداها إلى خيرها وشرها بإرائة شواهد الوجود وآيات الآفاق والأنفس ، وإبلاغ دعوة الأنبياء وعرض الكتاب والشريعة. فقد تحصل من الآية الشريفة : أن هنا موجوداً مخلوقاً من مواد مختلفة ( ولعلها هي السلالة من الطين ) قد أودع الله فيه صفات وملكات ووهبه قوة بها يدرك نفسه ويعرف صفاته وملكاته ، ويجري أينما جرى بإرادته واختياره فهو إما شاكر أوكفور. وهذا الموجود هو الجوهر اللطيف الذي كنا بصدد تعريفه وأخذه موضوعاً للعلم من حيث أوصافه وسجاياه.

وقال تعالى :( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ) (١) أي : أقسم بالنفس وبمن خلقها وصنعها وافهمها عصيانها وطاعتها ، فالآية تشير إلى أن هنا موجوداً مسمى بالنفس صنعه الله تعالى وأنشأه ، ومن شؤونه وأحواله أن الخالق أعلمها قبائح الأمور التي تخرجها عن الاستقامة ، وألهمها طريق تحفظها واتقائها عن القبائح.

وهذا الإلهام إما بإعطاء العقل المدرك للحسن والقبح ، أو إرسال الرسل والكتب والشرائع ، أو بكلا الأمرين كما قال تعالى :( وهديناه النجدين ) أي : الطريقين ، طريق الخير وطريق الشر ، فهداه إلى الطريقين بحجتين.

وقال تعالى :( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) (٢) . هذا

__________________

١ ـ الشمس : ٧ ـ ٨.

٢ ـ يوسف : ٥٣.

١٥

نقل كلام عن إمرأة العزيز بمصر أو عن يوسف النبيعليه‌السلام وفيه : توصيف النفس وتعريفها بأنها كثيرة الأمر بالسوء وذلك لأجل اقتضاء طبعها ووجود غرائز مختلفة فيها فتدل الآية على أن هنا موجوداً متسلطاً على الإنسان يأمره وينهاه. فالآمر هو النفس باعتبار اقتضاء غرائزها المودعة فيها والمأمور هو النفس أيضاً باعتبار جريها على طبق اقتضاء غرائزها.

وقال تعالى :( لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة ) .(١)

أقسم الله تعالى بالنفس ووصفها بكثرة اللوم. ولله تعالى أن يقسم بما أراد من خلقه وليس لعباده إلا أن يقسموا بذاته وصفاته ، ولكن أقسامه تعالى بأي شيء يكشف عن وجود قداسة وخير في المقسم به. فيمكن أن يراد بالنفس هنا : المتقية التي تلوم نفسها أبداً على تقصيرها في طاعة ربها وإن كانت عاملة ناصبة ، أو تلوم غيرها من الناس مخالفة الله تعالى وعصيانهم ، أو يراد بها : النفس المطمئنة التي تلوم النفوس اللوامة وغيرها وتهديها إلى كمالها اللائق بها. وعلى هذا فكلمة « لا » زائدة ، يؤتي بها غالباً فيما قبل القسم ، ويمكن أن يراد بها : النفس الخاطئة الفاجرة التي تلوم نفسها في الدنيا على ما لم تنل إليها من الأموال والشهوات ، أو تلومها يوم القيامة على كفرها ونفاقها وعصيانها وطغيانها وأنى لها الذكرى وعلى هذا فكلمة « لا » نافية لا زائدة.

ثم إن اتصاف النفس بصفة اللوامة لا يكون إلا بعد أن تهذب وتربى بآداب الدين وتزكىّ تطهرّ بتعاليم الشريعة حتى تتعود على

__________________

١ ـ القيامة : ٢ ـ ٣.

١٦

الأعمال الصالحة ويكون ذلك لها ملكة راسخة. فالصفة مرتبة كمال خاص تعرضها بالجهاد والرياضة وتحمل مشاق الطاعة والعبادة ، ولها مراتب أخر في رقاها وتكاملها ككونها مطمئنة وقدسية وهكذا.

ثم إن في ذكر النفس اللوامة بعد القسم بيوم القيامة إشارة إلى التشابه بين لوم الإنسان نفسه في الدنيا ومحاسبة الله إياها في القيامة ، فإن اللوم في الباطن لا يجري فيه إخفاء ذنب وإذهاب حق وعذر في الأمر وكذب في القضاء ، فهو واقع في باطن اللائم بأعدل طريق بعين الله تعالى وعلمه وإن لم يعلمه أحد ، والمحاسبة في القيامة كذلك ، فتبلى فيها السرائر ، فلا يتيسر لأحد العذر والإخفاء والستر ، ونعوذ بالله من سوء الحساب يوم التغابن والتناد ، ومن الفضيحة على رؤوس الأشهاد.

وقال تعالى :( قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً ) (١) . الشاكلة : اسم فاعل من شكل الشيء وشكله ، إذا قيده ، يقال : شكلت الدابة أي : قيدتها والمراد بها هنا : الطبيعة والسجية لأنها تقيد الإنسان بالعمل على طبق ميلها والجري على وفق هواها ، وتمنعه عن الانحراف عنه إلى غيره. فمفاد الآية الشريفة : أن الأعمال الصادرة من الانسان مبناها الطبائع والسجايا ، فهي تصدر عن اقتضائها وهواها ودعوته إلى مناها. فإن بين الملكات والصفات النفسية وبين الأعمال الخارجية رابطة خاصة يحكم بها العقل والتجربة ، فإن الصادر في الحرب ـ مثلاً ـ من الشجاع مناضلة الأبطال ومن الجبان الفرار عن القتال ، وكل يحكي عن ملكة خاصة. وكذا الفعل الصادر من السخي

__________________

١ ـ الإسراء : ٨٥.

١٧

والصادر من البخيل والعشرة الصادرة من التواضع والصادرة من المتكبر ونحوها. فالشاكلة هي : النفس الإنسانية المتصفة بصفات ، وهي التي يصدر منها الفعل بعزم وإرادة. والحامل لها على ذلك اقتضاء تلك الصفات. وينبغي أن يعلم أن دعوة الملكات نحو الفعل واقتضاءها له ليست بنحو العلة التامة حتى يستشكل بلزوم الجبر في الأفعال وسقوط الثواب والعقاب ، بل بنحو الاقتضاء والعلية الناقصة مع بقاء الاختيار في صاحب السجية وهذا كمن هو جائع أو عطشان وهنا غذاء وماء حرام مع عدم الإضطرار والإلجاء.

الأمر الخامس : قد عرفت فيما سبق أنه قد أطلق على حقيقة الإنسان وجوهر وجوده الذي هو نفسه وروحه أسماء وألقاب في الكتاب الكريم بملاحظة آثار وجودية كامنة فيه ، وخواص وحالات موجودة فيه : كعنوان النفس والقلب ونحوهما ، والتأمل في الآيات الكريمة يعطي أن إطلاق عنوان القلب عليه في الغالب بلحاظ الحالات والملكات الحاصلة له ، وإطلاق عنوان النفس بلحاظ وقوعه طرفاً للخطاب في التكاليف ولاستناد صدور الأفعال ورجوع نتائج الأعمال إليه. فهذا الموجود في اصطلاح الكتاب العزيز قلب من حيث اتصافه بمختلف الصفات والملكات ، ونفس من حيث وقوعه مخاطباً بالتكاليف مأموراً بامتثالها ومجزياً بها في دنياه وآخرته. فلاحظ ما أسند إلى القلب في الكتاب العزيز من كرائم الصفات نظير كتابة الإيمان فيه ، وسلامته من الأمراض ، وتقواه ، وتعقّله ، وسكينته وطمأنينة ، ورأفته ، ورحمته ، وطهارته ، ووجله

١٨

من ربه ، وإخباته لخالقه ، ولينه ، وخشوعه ، ونحو ذلك.

ولاحظ أيضاً ما أسند إليه من رذائل الأخلاق من : تكبره وختمه وطبعه وغلظته ، وشدة خصومته مع ربه ، وغفلته ، وغيظه ، وريبه ، ولهوه ، ورينه ، ونحو ذلك. وعلى هذا كان الأنسب أن يسمى موضوع علم الأخلاق : الإنسان بما هو قلبه.

ثم لاحظ ما أسند إلى النفس في الكتاب الكريم من تكليفها بمقدار وسعها ومقدار ما آتاها ، وقبولها الإيمان ، وظلمها لنفسها وغيرها ، وأمرها بالسوء وكسبها الحسنات والسيئات ، وإلهامها فجورها وتقواها ، وارتهانها بما كسبت حتى تفكها ، ووسوستها لنفسها ، وتسويلها أمرها ، واتباعها هواها ، ووقوعها تحت الحفظ والمراقبة من قبل ربها ، وأخذها وتوفيتها عند النوم والموت ، وإمساكها أو إرسالها بعدالأخذ ، وإماتتها ووجدانها ما عملت يوم القيامة محضراً ، وتوفيتها بما كسبت ومجازاتها بما عملت ونحو ذلك.

وبالجملة : كأن هنا شخصين : أحدهما متصف بصفات وملكات مختلفة قد وقع في معرض تعارضها وتزاحمها ويجره كل إلى مقتضاه ، فهو : إما من أكرم خلق الله وأشرف خليفته ، أو من أبعد مخلوقه وأشقى بريته ، والآخر مخاطب بتكاليف مختار بين الطاعة والمعصية ، مسؤول في الدنيا والآخرة ، مجزئ بالثواب والعقاب. ولعل في هذا إشارة إلى أن الصفات ليست متعلقة للتكاليف وإن كان لها دخل في متعلقها ، لا أن هنا شخصين حقيقة فتأمل.

١٩

الأمر السادس : قد أطلق على الجوهر اللطيف اسم الروح أيضاً ، وهو المراد في قوله تعالى :( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ) (١) .

ولعل وجه إعراض الرب تعالى عن الجواب لكون سؤالهم عن حقيقة الروح وماهيتها هو ظاهر اسم الجنس ، وكون إدراكها خارجاً عن استعداد عقولهم كما يشير إليه ذيل الآية.

والروح في اللغة بمعنى : سبب الحياة ومنشأها والعلة المحدثة لها. وبهذا الاعتبار أطلق هذا الاسم في الكتاب العزيز على تلك الجوهرة اللطيفة عندما أريد بها حدوث الحياة للجسم كقوله تعالى :( ثم سواه ونفخ فيه من روحه ) (٢) وقوله :( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ) (٣) . فيعلم من ذلك أن هذا الموجود في ابتداء تلاقيه مع البدن وفي حين تأثيره في حياته روح كما أنه بالقياس إلى اتصافه بصفات بعد الاستقرار قلب وبالاضافة إلى توجه التكاليف إليه والجزاء لها نفس. وإضافة الله تعالى روح آدم إلى نفسه في الآيتين وشبههما وقعت تشريفاً لآدم النبيعليه‌السلام وأولاده اصطفاء لهم لهذا الروح بين الأرواح نظير كون الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله خليله والكعبة بيته ، وإلا فكل روح محدث بإرادته ، مدبر بتدبيره. وفي الحديث : «إن الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف »(٤) . والمجندة : المؤلفة المنظمة ، وهي لا تنافي

__________________

١ ـ الاسراء : ٨٥.

٢ ـ السجدة : ٩.

٣ ـ الحجر : ٢٩ وص : ٧٢.

٤ ـ بحار الأنوار : ج٢ ، ص٢٦٥ ـ ج ٥ ، ص ٢٤١ ـ ج ٦ ، ص ٢٤٩ ـ ج ٦١ ، ص ١٠٦ ـ ج ٦٧ ، ص ١٦٦ ـ ج ٦٨ ، ص ٢٠٥ ـ ج ٧٧ ، ص ١٦٥ ـ ج ٩٩ ، ص ٢٢٠ ـ مراة العقول : ج ٧ ، ص ٣٨.

٢٠

كونها أصنافاً كثيرة مختلفة المراتب كجنود السلاطين ، والاختلاف هنا من حيث استعداد الذات ومختلف الصفات. فالمتجانس والمتشابه منها في الأوصاف يميل بعضها إلى بعض ، والمتخالف فيها يتباعد ويتباغض ، قال تعالى :( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات ) (١) .

وفي الحديث في أوصافها : «إن الروح حياتها علمها ، وموتها جهلها ، ومرضها شكها ، وصحتها يقينها ، ونومها غفلتها ، ويقظتها حفظها »(٢) .

وفيه أيضاً : « ألناس معادن كمعادن الذهب والفضة »(٣) أي : كما أن أجناس المعادن مختلفة في الصفات والخواص والآثار وبها تختلف قيمتها ورغبات الناس فيها فكذلك أرواح الناس فهم مختلفون في الصفات والحالات والملكات تتجلى أنوار الطيبات منها من أفق الأبدان وتظهر ثمراتها من أفنان الأعضاء. وتترائي كدورة الخبائث منها وظلماتها من وراء الأقوال والأفعال.

الأمر السابع : قال الصدوقرحمه‌الله : اعتقادنا في الروح أنها خلقت للبقاء لا للفناء ، لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما خلقتم للفناء ، بل خلقتم للبقاء ، وإنما تنقلون من دار إلى دار »(٤) . واعتقادنا فيها أنها إذا فارقت الأبدان فهي باقية ، منها منعمة ومنها معذبة إلى أن يردها الله إلى أبدانها ، قال الله تعالى :( ولا

__________________

١ ـ النور : ٢٦.

٢ ـ بحار الأنوار : ج٦١ ، ص٤٠.

٣ ـ بحار الأنوار : ج ٦١ ، ص ٦٥ ـ مرآة العقول : ج٩ ، ص ٢٥ ـ من لا يحضره الفقيه : ج ٤ ، ص ٣٨٠.

٤ ـ بحار الأنوار : ج ٦ ، ص ٢٤٩.

٢١

تحسبن الذين ...) .

وقال المفيدرحمه‌الله ما حاصله : إن الأرواح بعد الأجساد على ضربين : منها ما ينقل إلى الثواب أو العقاب ، ومنها ما يبطل فلا يشعر بثواب ولا عقاب. وقد روي عن الصادقعليه‌السلام ما ذكرنا ، وسئل عمن مات أين تكون روحه؟ فقالعليه‌السلام : «من مات وهو ماحض للايمان محضاً يجعل في جنان من جنان الله ، يتنعم فيها إلى يوم المآب »(١) .

وشاهد ذلك ما حكاه الله تعالى عن قول حبيب النجار بمجرد قتله ودخوله في عالم البرزخ :( قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ) (٢) ومن ماحض الكفر محضاً يجعل في النار فيعذب بها إلى يوم القيامة ، وشاهد ذلك قوله تعالى في آل فرعون بعد أن أهلكهم الله :( النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب ) (٣) والغدو والعشي من شؤون برزخ الدنيا. وقال تعالى في الضرب الاخر :( إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوماً ) (٤) . فبين أن قوماً عند الحشر لا يعلمون مقدار لبثهم في القبور حتى يظن بعضهم أن ذلك كان يوماً ، ولا يمكن ذلك في حق من لم يزل منعماً ، أو لم يزل معذباً إلى يوم القيامة.

وهل المنعم والمعذب بعد الموت ، الروح أو الجسد الذي فيه الحياة؟ الأظهر عندي أنه الجوهر المخاطب ، وهو الروح التي توجه اليها

__________________

١ ـ بحار الانوار : ج ٦١ ، ص ٨١.

٢ ـ يس : ٢٦.

٣ ـ غافر : ٤٦.

٤ ـ طه : ١٠٤.

٢٢

الأمر والنهي والتكليف. فيجعل الله للأرواح أجساماً كأجسامهم في دار الدنيا ، ينعم مؤمنيهم ويعذب كفارهم وفساقهم دون أجسامهم التي في القبور يشاهدها الناظرون وتتفرق وتندرس. وهذا مذهبي في النفس ، ومعنى الإنسان المكلف عندي ، ولا أعلم بيني وبين فقهاء الامامية وأصحاب الحديث فيه اختلافاً ، انتهى.

وقال المحقق الطوسي فيما يشير إليه الإنسان بقوله : أنا : ( فيكون جوهراً عالماً والبدن وسائر الجوارح آلاته في أفعاله ، ونحن نسميه هاهنا : الروح ).

الأمر الثامن : النفس سلطان الجوارح ، وتسلطها عليها من أنفذ السلطات ، فبإرادتها تتحرك الأعظاء وتسكن. ولا تخلف لإرادتها عن وقوع المراد ، وهذا من أحسن أمثلة تسلط الرب تعالى على خلقه ونفوذ مشيئته فيما شاء وأراد ، وإن كان بينهما فرق واضح فإن النفس فضلاً عن تسلطها ، حادثة. ووجودها مفاض من إرادة الرب ، وأنه قد يحدث للأعضاء خلل ونقص لا يؤثر فيها إرادة النفس ، ولا يكون ذلك في إرادة الله ، وبهذه الملاحظة أطلق على النفس والقلب : إمام الأعضاء ومرجعها وهاديها ورئيسها المتولي لأمرها.

ففي مباحثة هشام بن الحكم مع عمرو بن عبيد التي نقلها للصادقعليه‌السلام فأمضاها وأقسم بالله تعالى على كونها مكتوبة في صحف إبراهيم وموسى : ( قال : قلت له : ألك قلب؟ قال : نعم ، قلت : وما تصنع به؟ قال : أميز كل ما ورد على هذه الجوارح. قلت : أفليس في هذه الجوارح

٢٣

غنيً عن القلب؟ قال : لا ، قلت : وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة؟ قال : يا بني ، إن الجوارح إذا شكت في شيء شمته أو رأته أو ذاقته أو سمعته أو لمسته ردته إلى القلب فييقن اليقين ويبطل الشك ، قلت : إنما أقام الله القلب لشك الجوارح؟ قال : نعم ، قلت : فلا بد من القلب وإلا لم يستقم الجوارح قال : نعم ، فقلت : يا أبا مروان ، إن الله لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماماً يصحح لهم الصحيح وييقن ما شك فيه ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم إماماً يردون إليهم شكهم وحيرتهم. قال : فسكت ولم يقل شيئاً )(١) .

وفي خبر إبن سنان : (إعلم : أن منزلة القلب من الجسد بمنزلة الإمام من الناس الواجب الطاعة عليهم ، ألا ترى أن جميع جوارح الجسد شرط للقلب وتراجمة له مؤدية عنه )(٢) . الشرط كصرد جمع شرطة : أعوان الولاة.

وفي توحيد المفضل : (فكر يا مفضل في الأفعال التي جعلت في الإنسان من الطعم والنوم والجماع وما دبر فيها ، فإنه جعل لكل واحدٍ منها في انطباع نفسه محرك يقتضيه ويستحث به ، وقال : فانظر كيف جعل لكل واح من هذه الأفعال التي بها قوام الإنسان وصلاحه محرك من نفس الطبع يحركه كذلك ويحدوه عليه )(٣) ويحدوه أي : يحثه ويحركه.

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : (سبحان الذي جمع من حزن الأرض وسهلها وعذبها وسبخها فمثلت إنساناً ذا أذهان يجيلها ، وفكر يتصرف بها ، وجوارح

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ٦١ ، ص ٢٤٩.

٢ ـ علل الشرايع : ص ١٠٩ ـ بحار الأنوار : ج ٦١ ، ص٢٤٩ ـ ج٧٠ ، ص ٢٥٥.

٣ ـ توحيد المفضل : ص٧٥ ـ بحار الأنوار : ج٦١ ، ص٢٥٥.

٢٤

يختدمها وأدوات يقلبها ، ومعرفةٍ يفرق بها بين الحق والباطل ، والأذواق والمشام والألوان والأجناس )(١) .

ووصف عليعليه‌السلام في نهج البلاغة قلب الإنسان وروحه بأن له مواد من الحكمة وأضداد من خلافها ، فإن سنح له الرجاء أذله الطمع ، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص ، وإن ملكه اليأس قتله الأسف ، وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ ، وإن أسعده الرضا نسي التحفظ ، وإن غاله الخوف شغله الحذر ، وإن اتسع له الأمن استلبته الغرة ، وإن أفاد مالاً أطغاه الغنى ـ(٢) الخ ـ.

ثم إنه لا يخفى عليك أن الكلام في تشريح حقيقة الإنسان والنفس والروح رفيع المرقى صعب المنال ، والأقوال ـ في كيفية خلقه وتكوينه بجسمه وبدنه فضلاً عن روحه ونفسه وأن روحه مخلوقة قبل الأبدان بألفي عام أو أقل أو أكثر كما ورد بذلك نصوص كثيرة ، أو أنها مخلوقة من الأبدان ومكونة عنها كما أشرنا إليه ـ كثيرة مختلفة ، بل قد تنتهي إلى عشرة أو أكثر ، ولم يكن البحث في ذلك من أغراض هذا الكتاب. وكان ما ذكرنا من الآيات والنصوص وبعض الأقوال في ذلك إيضاحاً إجمالياً بالمقدار الميسور لموضوع علم الأخلاق وموضوع البحث.

__________________

١ ـ نهج البلاغة : الخطبة ١.

٢ ـ نهج البلاغة : الحكمة ١٠٨.

٢٥

 

٢٦

الدرس الأول

في بيان مما يدل على صلاح القلب وفساده

وليعلم أولاً : أن المقصد الأعلى والغرض الأسمى في هذا العلم السعي في إصلاح القلب وإكماله ، وتطهيره وتزكيته عن ذمائم الصفات ، وتزيينه وتحليته لفضائل السجايا وفواضل الملكات ، ليستعد على الاستفاضة من إنارة الألطاف الرحمانية وإضافة المعارف الالهية من حضرة ذي الجلال. فبالقلب شرف الإنسان وبه فضيلته على كثير من الخلق ، وبه ينال معرفة ربه التي هي في الدنيا شرفه وجماله ، وفي الآخرة مقامه وكماله. فالقلب هو العالم بالله ، والعامل لله ، والساعي إلى الله ، والمتقرب إلى جوار الله ، والجوارح أتباع وخدم يستعملها استعمال الملك للعبيد والصانع للآلة.

والقلب هو المقبول عند الله إذا سلم من الآفات ، والمحجوب عن الله تعالى إذا استغرق في الشهوات وهو الذي يفلح الإنسان إذا زكاه ويخيب ويشقى إذا دساه وهو المطيع لله على الحقيقة والمشرق على الجوارح أنواره وهو العاصي في الواقع

٢٧

والظاهر على الأعضاء آثاره وباستنارته وظلمته تظهر محاسن الظن ومساويه ، إذا كل إناء يترشح بما فيه.

وهو الذي إذا عرفه الإنسان فقد عرف نفسه ، وإذا عرف نفسه فقد عرف ربه ، وإذا جهله جهل نفسه ، واذا جهل نفسه فقد جهل ربه.

وهو الذي جهله أكثر الناس وغفلوا عن عرفانه ، وحيل بينهم وبينه بمعاصيهم والحائل هو الله ، فإنه يحول بين المرء وقلبه ، وينسى الإنسان نفسه ويضله ولا يهديه. ولا يوفقه لمشاهدته ومراقبته ومعرفة صفاته ، فمعرفة القلب وأحواله وأوصافه أصل الأخلاق وأساس طريق الكمال.

والقلب لطيفة ربانية روحانية لها تعلق بالبدن شبه تعلق الأعراض بالأجسام ، أو تعلق المستعمل بالآلة ، أو المكين بالمكان.

والروح أيضاً عبارة عن هذه اللطيفة الربانية العالمة المدركة ، وهو أمر عجيب رباني يعجز العقول عن إدراك كنهه.

والنفس أيضاً هي اللطيفة المذكورة ، وهي الإنسان في الحقيقة ، وتتصف بأوصاف مختلفة بحسب أحوالها ، فإذا سكنت تحت أمر الله وزال عنها الاضطراب لثقتها بالله ولم تتزلزل ولم تضطرب ولم تنحرف عن سبيل الله وطريق الحق عند معارضة الشهوات سميت بـ « النفس المطمئنة ». وإذا لم يتم سكونها ولكن كانت مدافعة عن نفسها معارضة مع ما تقتضيه شهواتها سميت بـ « النفس اللوامة ». وإن أذعنت وأطاعت للشهوات ودواعي الهوى والشياطين سميت بـ « النفس الأمارة بالسوء ».

ثم إن طريق تسلط الشيطان على القلب : الحواس الخمس الظاهرة والقوى الباطنة : كالخيال والشهوة والغضب. فالقلب يتأثر دائماً من هذه الجهات ، وأخص

٢٨

الآثار الحاصلة في القلب هي الخواطر ، والخواطر هي المحركات للإرادات ، فإن سند الأفعال الخواطر ، والخاطر يحرك الرغبة ، والرغبة تحرك العزم والنية ، والنية هي الإرادة التي تحرك العضلات والأعضاء.

والخواطر المحركة قسمان : قسم يدعوا إلى الخير ، وهو ما ينفع الإنسان في العاقبة ، وقسم يدعوا إلى الشر وهو ما يضره في العاقبة ، والخاطر المحمود إلهام ، والمذموم وسوسة ، وسبب الخاطر الداعي إلى الخير في الغالب هو الملك ، وإلى الشر هو الشيطان.

والملك خلق من خلق الله ، شأنه إفاضة الخير وإفادة العلم وكشف الحق والوعد بالمعروف. والشيطان خلق على ضد ذلك. شأنه الوعد بالشر والأمر بالفحشاء ، والتخويف بالفقر عند الهم بالخير ، ولعل المقام من مصاديق قوله تعالى :( ومن كل شيء خلقنا زوجين ) (١) فإن الموجودات متقابلة مزدوجة بمعان مختلفة. وقد ورد أنه للقلب لمتان : لمة من الملك ولمة من الشيطان ، واللمة : الخطوة والدنو والمساس. وورد أيضاً : إن قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمان(٢) ، أي : بين خلقين مقهورين بإرادة الله التكوينية كالإصبع من صاحبها وهما : الملك والشيطان ومعنى كونه بينهما أن الله يخلي بينه وبين أي منهما أراد حسب اقتضاء عمل الإنسان ورغبته ودعائه.

ثم إن القلب بأصل الفطرة صالح مستعد لقبول دعوات الملك والشيطان ويترجح أحدهما على الآخر باتباع الهوى والشهوات أو الإعراض عنها والميل إلى الطاعات ، فإن اتبع الإنسان مقتضى الأول تسلط عليه الشيطان وصار القلب عشاً له ، وصار صاحبه ممن باض الشيطان وفّرح في صدره ودب ودرج في حجره. وإن

__________________

١ ـ الذاريات : ٥١.

٢ ـ المحجة البيضاء : ج٥ ، ص ٨٥ ـ بحار الانور : ج ٧٠ ، ص ٣٩ ـ مرآة العقول : ج ١٠ ، ص ٣٩٤.

٢٩

جاهد في مخالفة الشهوات كان قلبه مستقر الملائكة ومهبطهم وعاد صاحبه ممن سبقت له من الله الحسنى ، وقد قال تعالى :( وقل رب أعوذ من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) (١) .

وذكرنا هذا ليسهل عليك فهم ما سوف نذكره من الأحاديث المقصودة واستفدنا ذلك من كلمات بعض المحققين على ما نقله عنه الفاضل المجلسيقدس‌سره في جعليه‌السلام ٠ من البحار.

وأما النصوص الواردة في بيان القلب وحالاته فعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «في الإنسان مضغة إذا هي سلمت وصحت سلم بها سائر الجسد ، فإذا سقمت سقم لها سائر الجسد وفسد ، وهي القلب »(٢) . والمراد بالقلب : الروح الإنساني التي لها تعلق خاص بالقلب الصنوبري ، والمراد من صحتها : حصول صفة التسليم لها ، ومن مرضها : عروض الطغيان عليها ، وسلامة سائر الجسد عدم صدور المعاصي منه ، وسقمه صدورها عنه. وهذا هو المراد من قولهعليه‌السلام :« إذا طاب قلب المرء طاب جسده ، وإذا خبث القلب خبث الجسد »(٣) . وكذا من قول عليعليه‌السلام : «أشد من مرض البدن مرض القلب ، وأفضل من صحة البدن تقوى القلوب »(٤) .

وفي صحيح أبان عن الصادقعليه‌السلام : «ما من مؤمن إلا لقلبه أذنان في جوفه : أذن ينفث فيها الوسواس الخناس ، وأذن ينفث فيها الملك ، فيؤيد الله المؤمن بالملك وذلك قوله : وأيدهم بروح منه »(٥) . وورد في النصوص : أن للقلب أذنين ، فإذا هم العبد

__________________

١ ـ المؤمنون : ٩٧ ـ ٩٨.

٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص ٥٠ ـ الخصال ص٣١.

٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٥٠ ـ الخصال ص ٣١ ـ نور الثقلين : ج٣ ، ص ٥٨٥.

٤ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٥١.

٥ ـ بحار الأنوار : ج٦٣ ، ص١٩٤ ـ ج٦٩ ، ص٢٦٧ ـ ج٧٠ ، ص٤٨ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٢٦٧ ـ مرآة العقول : ج٩ ، ص٣٩٢ ـ نور الثقلين : ج٥ ، ص٢٦٩.

٣٠

بذنب قال له روح الإيمان : لا تفعل ، وقال له الشيطان : إفعل(١) .

وأن بعض القلوب منكوس لا يعي الخير أبداً ، وبعضها فيه الخير والشر يعتلجان ، وبعضها مفتوح فيه مصباح يزهر ولا يطفأ نوره(٢) .

وأن من علائم الشقاء قسوة القلب والحرص على الدنيا والإصرار على الذنب وجمود العين(٣) .

وأنه إذا أراد الله بعبد خيراً فتح عيني قلبه فأبصر بهما الغيب وأمر آخرته وإذا أراد غير ذلك ترك القلب بما فيه(٤) .

وأن للقلب أذنين ، الملك وروح الإيمان يساره ويأمره بالخير ، والشيطان يساره ويأمره بالشر ، فأيهما ظهر على صاحبه غلب(٥) .

وأن قلوب المؤمنين مطوية بالأيمان طياً ، فإذا أراد الله إنارة ما فيها فتحها بالوحي(٦) .

وأن الخطيئة أفسد شيء للقلب. فما تزال به حتى تجعله منكوساً(٧) .

وأنه ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب ، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب(٨) .

وأن للقلب إعراباً كالحروف ، فرفع القلب اشتغاله بذكر الله ، وفتحه رضاه

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٤٤.

٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص ٥١.

٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٥٢.

٤ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص ٥٣.

٥ ـ نفس المصدر السابق.

٦ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٥٤.

٧ ـ نفس المصدر السابق.

٨ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٥٥.

٣١

عن الله ، وخفضه اشتغاله بغير الله ، ووقفه غفلته عن الله(١) .

وأن لله في عباده آنية وهو القلب ، فأحبها إليه أصفاها وأصلبها وأرقها أصفاها من الذنوب وأصلبها في دين الله وأرقها على الأخوان(٢) .

وأن القلوب مرة يصعب عليها الأمر فتحب الدنيا ، ومرة يسهل فترق وتسلوا عن الدنيا ويحقر عنده ما في أيدي الناس من الأموال حتى كأنها تعاين الآخرة والجنة والنار(٣) .

وأنه لو دامت على هذه الحالة لصافحت الملائكة ومشت على الماء(٤) .

وأن للقلب اضطراباً عند طلب الحق وخوفاً ، فإذا أصابه اطمأن به ، فإن من يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام. ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء(٥) .

وأن الله يحول بين المرء وقلبه ، والحيلولة : أن لا يأتي بشيء مما يشتيهيه من الحرام إلا وهو ينكره ويعلم أن ذلك باطل ، ولا يستيقن أن الحق باطل أبداً ، ولا يستيقن أن الباطل حق أبداً(٦) .

وأن لله خزانة أعظم من العرش وأوسع من الكرسي وأطيب من الجنة وهي القلب(٧) .

 وأنه يأتي عليه تارات أو ساعات ليس فيه إيمان ولا كفر شبه الخرقة

__________________

١ ـ نفس المصدر السابق.

٢ ـ بحار الأنوار : ج ٧٠ ، ص٥٦.

٣ ـ نفس المصدر السابق.

٤ ـ بحار الأنوار : ج ٧٠ ، ص٥٧.

٥ ـ نفس المصدر السابق.

٦ ـ بحار الأنوار : ج ٧٠ ، ص٥٨.

٧ ـ بحار الأنوار : ج ٧٠ ، ص٥٩.

٣٢

البالية(١) .

وأن قلب المؤمن أجرد فيه سراج يزهر(٢) .

وأن القلب السليم هو الذي يلقى ربه وليس فيه أحد سواه(٣) .

وأنه لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى الملكوت(٤) .

وأنه إذا نشطت القلوب فأودعوها ، وإذا نفرت فودعوها(٥) ، فإنه إذا أكره عمى(٦) .

__________________

١ ـ نفس المصدر السابق.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٣ ـ نفس المصدر السابق.

٤ ـ نفس المصدر السابق.

٥ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٦٠.

٦ ـ بحار الأنوار : ج ٧٠ ، ص٦١.

٣٣

٣٤

الدرس الثاني

في محاسبة النفس ومراقبتها

قال تعالى :( ولتنظر نفس ما قدمت لغدٍ ) .(١) المخاطب المأمور ، هو الإنسان أمر بالنظر إلى أعماله التي تحصّلها وتقدمها أمامه لآخرته ، ولازمه النظر إلى من تصدر عنه الأعمال ومعرفته وهو نفسه أيضاً ، فالناظر : النفس باعتبار قوتها العاقلة المدركة المميزة بين الحق والباطل ، الداعية إلى الصلاح والسعادة ، والمنظور إليه أيضاً ذاتها باعتبار صفاتها وغرائزها الداعية إلى الانحراف عن الحق واتباع الهوى والشهوات ، والأمر للارشاد ، فأرشد الله تعالى نفس كل إنسان إلى النظر في نفسها وما هي عليه من العقائد والملكات والأعمال ، فإن جميع ذلك مما يقدمه الإنسان لآخرته ، إيماناً أو كفراً ، فضيلة أو رذيلة ، طاعة أو عصياناً ، والجامع لجميعها سعادة أو شقاوة ، ولا يكون النظر إلا ممن عرف ذلك كله ، أصولها وفروعها ، وعلم بما هو النفس واجدة له أو فاقدة ، وهذه هي المحاسبة للنفس ، وتنتج ذلك القيام بإصلاحها

__________________

١ ـ الحشر : ١٨.

٣٥

وسوقها إلى مراحل تهذيبها.

والنصوص أيضاً في هذه الباب كثيرة. فقد ورد : أن العلم الذي طلبه فريضة على كل مسلم ومسلمة هو علم الأنفس(١) .

وأنه على العاقل أن يكون له ساعة يحاسب فيها نفسه(٢) .

وأنه لا يزال ابن آدم بخير ما كان له واعظ من نفسه وما كانت المحاسبة من همه(٣) .

وأن من لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوى(٤) .

وأن من رعى قلبه عن الغفلة ونفسه عن الشهوة وعقله عن الجهل فقد دخل في ديوان المتنبهين(٥) .

وأنه إذا رأيت مجتهداً أبلغ منك في الاجتهاد فوبخ نفسك ولمها وحثها على الازدياد(٦) .

وأن أكيس الكيّسين من حاسب نفسه(٧) .

وأنه يجب على كل إنسان أن يسأل نفسه في كل يوم عن عمل ذلك اليوم.

وأن من لم يجعل له من نفسه واعظاً فإن مواعظ الناس لن تغني عنه شيئاً(٨) .

وأنه لا يكمل إيمان العبد حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٦٨.

٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٦٤.

٣ ـ نفس المصدر السابق.

٤ ـ نفس المصدر السابق.

٥ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٦٨.

٦ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٦٩.

٧ ـ نفس المصدر السابق.

٨ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٧٠.

٣٦

شريكه والسيد عبده(١) .

وأن من حاسب نفسه ربح ، ومن غفل عنها خسر(٢) .

وأن الصادقعليه‌السلام قال : « حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا في مواقف القيامة(٣) .

وأن على العاقل ان يحصي على نفسه مساويها في الدين والرأي والأخلاق والأدب فيجمع ذلك في صدره أو في كتاب ويعمل في إزالتها »(٤) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٧٢.

٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٧٣.

٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٦٤.

٤ ـ بحار الأنوار : ج٧٨ ، ص٦.

٣٧

٣٨

الدرس الثالث

في مجاهدة النفس وبيان حدودها

قال تعالى :( وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباك ) (١) .

وقال تعالى :( ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ) (٢) .

وقال تعالى :( الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) (٣) .

الجهاد والمجاهدة : استفراغ الوسع في مدافعة العدو ونحوه ، وهو على ثلاثة أضرب : مجاهدة العدو الظاهر من إنسان وغيره ، ومجاهدة الشيطان ، ومجاهدة النفس وهواها ، والجميع داخل في المراد من الآيات الشريفة. والأمر بالجهاد والحث عليه في هذه الآيات بالنسبة إلى جهاد النفس إرشاد إلى ما يدركه العقل بنفسه ، فإن جهاد النفس في الحقيقة عبارة عن فعل الواجبات والمندوبات وترك المحرمات والمشتبهات ، والقيام بذلك شكر للمنعم وهو واجب عقلاً ، وتركها سبب

__________________

١ ـ الحج : ٧٨.

٢ ـ العنكبوت : ٦.

٣ ـ العنكبوت : ٦٩.

٣٩

للوقوع في ضرر الهلكة والعذاب الأليم ، ورفع الضرر واجب عقلاً ، فالأوامر في هذه الآيات كأوامر الاطاعة والتسليم والاتباع لله ورسوله من الآيات الكريمة وكذا النصوص الحاثة على ذلك من السنة كلها إرشادات الهية ونبوية وولوية يترتب على موافقتها سعادة الإنسان وعلى مخالفتها شقاوته.

والأخبار الواردة في هذا الباب عن النبي الأقدس واهل بيته المعصومين : كثيرة جداً.

فقد ورد أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث سرية فلما رجعوا قال : «مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر ، قيل : يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال : جهاد النفس ، ثم قال : أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه »(١) .

وورد : أن من جاهد نفسه عن الشهوات واللذات والمعاصي فإنما يجاهد لنفسه(٢) .

وأن جهاد المرء نفسه فوق جهاده بالسيف(٣) .

وأنه سئل الرضاعليه‌السلام عما يجمع خير الدنيا والآخرة؟ فقال : خالف نفسك(٤) .

وأن من جاهد نفسه وهزم جند هواه ظفر برضا الله(٥) .

وأنه لا حجاب أظلم وأوحش بين العبد وبين الرب من النفس والهوى(٦) .

وأن أحمق الحمقاء من اتبع نفسه هواه(٧) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٦٥ ـ مجمع البحرين : ج٢ ، ص٦٨ ـ الفصول المهمة : ص٣٢٨.

٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٦٥.

٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٦٨.

٤ ـ الفقه : ص٣٩٠.

٥ ـ المحجة البيضاء : ج٨ ، ص١٧٠ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٦٩ ـ مستدرك الوسائل : ج١١ ، ص١٣٩.

٦ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٦٩.

٧ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٧٠.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279