كشف الغطاء عن وجوه مراسم الاهتداء

كشف الغطاء عن وجوه مراسم الاهتداء0%

كشف الغطاء عن وجوه مراسم الاهتداء مؤلف:
المحقق: الشيخ محسن الاحمدي
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 700

كشف الغطاء عن وجوه مراسم الاهتداء

مؤلف: محمد حسن بن معصوم القزويني
المحقق: الشيخ محسن الاحمدي
تصنيف:

الصفحات: 700
المشاهدات: 91682
تحميل: 8742

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 700 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 91682 / تحميل: 8742
الحجم الحجم الحجم
كشف الغطاء عن وجوه مراسم الاهتداء

كشف الغطاء عن وجوه مراسم الاهتداء

مؤلف:
العربية

لصاحبها فيها غير حبّ الله موطّنا نفسه على الموت لرضاه بائعاً دنياه بأخراه ، لامجرّد القتل ظلماً أو بجهاد يكون لدنيا يصيبها أو امرأة يأخذها.

فقد بان أنّ ما ذكر من أسباب الختم مع تفاوت مراتبها في الخطر مشتركة في كونها من أحوال القلب وأنّ من زهق روحه على شيء من الخواطر المذمومة كالعقد الفاسدة وكراهة ما قدّر الله له والميل إلى الشهوات الدنيوية فقد ضلّ ضلالاً بعيداً ومن زهق روحه على شيء من الخواطر المحمودة بأن يكون قلبه متوجّهاً إلى الله سبحانهمع الميل إلى الأعمال الصالحة فقد فاز فوزاً عظيماً وظهر أنّه كان سعيداً ، فلابدّ لمن لا يأمن مكر الله ويخاف من سوء الخاتمة من استدامة الخواطر المحمودة في قلبه ، وصرف الهمّة نحو قلع حبّ الشهوات عن نفسه ، والمواظبة على تحصيل المعارف والحسنات حتّى يصير استحضار صورها والميل إليها ملكة راسخة في قلبه.

فصل

الرجاء ارتياح القلب لانتظار محبوب وتوقّع مطلوب ، وهو لترتّبه على قوّة القلب وبعثه إلى الفعل من حيث الرغبة أقرب إلى إفراط الغضبية ، كما أنّ الخوف الممدوح لترتّبه على ضعفه وبعثه إلى الترك من حيث الرهبة أقرب إلى تفريطها ، ولذا أمر بجمعهما معاً وتحصيل المساواة بينهما حتى تحصل ملكة الاعتدال التي هي فضيلة قوّة الغضب.

قال الله تعالى :( يدعون ربّهم خوفاً وطمعاً ) *(١) ( يدعوننا رغباً ورهباً ) .(٢)

وفي وصيّة لقمان لابنه : « خف الله خيفة لو جئته بعبادة الثقلين لعذّبك ، وارج الله رجاء لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك ».(٣)

__________________

١ ـ السجدة : ١٦.

٢ ـ الأنبيا : ٩٠.

٣ ـ الكافي : ٢ / ٦٧ ، كتاب الايمان والكفر ، باب الخوف والرجاء ، ح ١ ، وفيه : « لو جئته ببرّ الثقلين ».

١٨١

ونحوه في وصيّة أميرالمؤمنينعليه‌السلام لابنه الحسنعليه‌السلام .(١)

وقال الباقرعليه‌السلام : « ليس من عبد مؤمن الا وفي قلبه نوران ، نور خيفة ونور رجاء ، لو وزن هذا لم يزد على هذا ».(٢)

ثم إنّه يدلّ على فضل الرجاء ومدحه ظواهر لاتحصى ، مثل ماورد في النهي عن القنوط من رحمة الله تعالى : « لايتّكل العاملون على أعمالهم التي يعملونها لثوابي فإنّهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم في عبادتي كانوا مقصرّين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون من كرامتي ونعيم جنّاتي والدرجات العلى في جواري ، ولكن برحمتي فليثقوا وفضلي فليرجوا وإلى حسن الظنّ بي فليطمئنّوا ، فإنّ رحمتي عند ذلك يدركهم الحديث ».(٣)

وما ورد في استغفار الأنبياء ووالملائكة للمؤمنين كقوله تعالى :

( والملائكة يسبّحون بحمد ربّهم ويستغفرون لمن في الأرض ) .(٤)

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « حياتي خير لكم ومماتي خير لكم ، أمّا حياتي فاسنّ لكم السنن واشرّع لكم الشرائع ، وأمّا مماتي فإنّ أعمالكم تعرض عليّ فما رأيت منها حسناً حمدت الله على ذلك ، وما رأيت منها سيّئاً استغفرت لكم ».(٥)

وما ورد في تأخير كتابة السيّئة حتّى يستغفر ، ففي بعضه التأخير من الغدوة إلى العشية ، وفي بعضه إلى سبع ساعات.(٦)

وما ورد في شفاعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال الله تعالى :

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٧ / ٢٨٣ ، وفيه : « لبعض ولده » بدل الحسنعليه‌السلام .

٢ ـ الكافي : ٢ / ٦٧ ، كتاب الايمان والكفر ، باب الخوف والرجاء ، ح ١ ، وفي ذيلة : « ولو وزن هذا لم يزد على هذا ».

٣ ـ الكافي : ٢ / ٧١ ، كتاب الايمان والكفر ، باب حسن الظنّ بالله ، ح ١.

٤ ـ الشورى : ٥.

٥ ـ المحجة البيضاء : ٧ / ٢٦٠.

٦ ـ راجع الكافي : ج٢ ، كتاب الايمان والكفر ، باب الاستغفار من الذنب.

١٨٢

( ولسوف يعطيك ربّك فترضى ) .(١)

ففي الخبر : « لا يرضى وواحد من أمّته في النار ».(٢)

وما ورد في حصول النجاة بحبّ أهل البيتعليهم‌السلام وإن فعل ما فعل وما دل على كون النار معدّاً للكفّار ، وإنما يخوّف به المؤمنون.

قال الله تعالى :( ذلك يخوّف الله به عباده ) (٣) ( لايصليها الا الأشقى الّذي كذّب وتولّى ) .(٤)

وما ورد في سعة عفوه ومغفرته تعالى وجزيل رأفته ورحمته :( إنّ الله يغفر الذنوب جميعاً ) (٥) ( انّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) (٦) ( إنّ ربّك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ) .(٧)

وفي الحديث القدسي : « إنّما خلقت الخلق ليربحوا عليّ ولم أخلقهم لاربح عليهم ».(٨)

وما دلّ على أنّ البلايا التي يبتلي بها المؤمن في الدنيا كفّارة لذنوبه وأنّ الايمان أو حبّ أهل البيت لايضرّ معه عمل ، كما أنّ الكفر أو بغض أهل البيت لاينفع معه عمل.

وما دلّ على الحثّ في حسن الظنّ بالله ، وأنّه تعالى عند ظنّ المؤمن به.

وما دلّ على كون الكفّار أو النصّاب فدية للمؤمنين أو الشيعة يوم القيامة.(٩)

__________________

١ ـ الضحى : ٥.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٧ / ٢٥٨.

٣ ـ الزمر : ١٦.

٤ ـ الليل : ١٥ ـ ١٦.

٥ ـ الزمر : ٥٣.

٦ ـ النساء : ٤٨.

٧ ـ الرعد : ٦ ، وفي النسخ : « إنّ الله لذو مغفرة ».

٨ ـ المحجة البيضاء : ٧ / ٢٦٢.

٩ ـ المحجة البيضاء : ٧ / ٢٥٩.

١٨٣

وبالجملة فالأخبار كثيرة لاتحصى.

واعلم أنّ الدنيا مزرعة الآخرة ، كما ورد في الاخبار(١) ، فالقلب بمنزلة الأرض ، والايمان وسائر الفضائل النفسية بمنزلة البذر فيها ، والتخلّي عن الرذائل والمعاصي كتنقيتها عن الشوك والأحجار وغيرها ، والطاعات بمنزلة سقيها ، ويوم القيامة يوم حصادها ، فكما أنّ الزارع يرجو النماء بعد حصول ماذكر من الشرائط والمقدّمات ، وبدونها يكون رجاؤه حمقاً وغروراً ، فكذا العبد إنما يحسن منه رجاء تثبيته على القول الثابت عند مماته وحسن خاتمته وسعادته بعد وفاته مع حصول الشرائط المزبورة في حال حياته ، فمن لم يلق بذر الفضائل في نفسه ، بل جعلها مشحونة من الرذائل والمعاصي أو لم يسقها بماء الطاعات ، بل روّاها من ماء المعاصي والسيّئات كان توقّعه لما ذكر مقاً محضاً وتمنّياً باطلاً ، فلا يصلح الرجاء الا بعد تمهيد الأسباب الاختيارية التي تحت قدرته ، وانتظار ماليس بيده ، أعني فضل الله ورحمته وتوفيقه بصرف الموانع عنه وتنظيم ما يعينه عليه.

ويدلّ على التخصيص المذكور قوله تعالى :

( إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله ) .(٢)

وقيل للصادقعليه‌السلام : قوم يعملون المعاصي ويقولون نرجو فلايزالون كذلك حتّى يأتيهم الموت ، فقال : « هؤلاء قوم يترجّحون بالأماني ، كذبوا ، ليسوا براجين ، إنّ من رجا شيئاً طلبه ، ومن خاف من شيء هرب منه ».(٣)

وبهذا المضمون أخبار أخر.

وفي الخبر : « لايكون المؤمن مؤمناً حتّى يكون خائفاً راجياً ، ولايكون »

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٧ / ٣٦.

٢ ـ البقرة : ٢١٨.

٣ ـ الكافي : ٢ / ٦٨ ، كتاب الايمان والكفر ، باب الخوف والرجاء ، ح ٥.

١٨٤

خائفاً راجياً حتى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو ».(١)

فليحذر الانسان المسكين عن خدع الشيطان اللعين وتثبيطه إياه عن صالحات الأعمال بالتسويف والأماني والآمال ، وليعتبر بحال الأنبياء والأولياء والأبدال في اجتهاجهم في الطاعة ، والخضوع والابتهال ونهاية خوفهم وخشيتهم عن الملك المتعال مع كونهم أعرف بجسيم فضله ونعمه وأعلم بعظيم عفوه وكرمه وأدرى بعميم لطفه ورحمته وأحرى بشمول منه ورأفته تعالى.

تذنيب

إذ قد عرفت أن الخوف لكونه نقصاً في نفسه لا فضيلة له إلا إذا أدى إلى كمال ، فكذلك الرجاء أيضاً ، لاشتراكهما في كونهما ناشئين عن الجهل ، إذ من تيقن بحصول مطلوبه لا يعد راجياً له ، والكمال الذي هو غاية الرجاء هو بعثه على العمل على ما أشرنا إليه ، كما أن غاية الخوف ذلك أيضاً ، فمن كان تأثير الأول فيه أكثر كان أعماله له أصلح ، ومن كان تأثره من الثاني أكثر كان العمل عليه له أولى وأصح ، ومن تساوى حاله في أثرهما كان اعتداله فيهما له أصوب وأرجح.

ومنه يعلم أن الرجاء أصلح لمن ضعفت نفسه عن القيام بآثار الفضائل المستحبة مقتصراً على الفرائض الواجبة ، فينشطه الرجاء لما وعد الله به عباده على الطاعة ويشمره على العبادة وتحصيل المعرفة ، ولمن كان منهمكاً في المعصية متوغلاً في السيئة فيقنطه الشيطان عن رحمة الله ويمنعه عن الانابة والتوبة ، فيجب عليه حينئذ التذكر لما ورد في سعة رحمته وعفوه ومغفرته والنهي عن القنوط ، لكن مع التوبة فإن توقع المغفرة بدونها غرور محض.

قال الله تعالى :( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى ) (٢)

__________________

١ ـ الكافي : ٢ / ٧١ ، كتاب الايمان والكفر ، باب الخوف والرجاء ، ح ١١.

٢ ـ طه : ٨٢.

١٨٥

ولمن كان من شدّة الخوف على خطر من حفظ بدنه والاشتغال بما يلزم عليه أو يحسن من لوازم التمدّن.

واعلم أنّ الاعتماد على الرجاء وإن كان أعلى من الخوف لاستقائه من بحر الرحمة وترتّبه على المحبّة التي بها يحصل القرب بخلاف الخوف لابتنائه على الغضب ومن البيّن أن من يخدم مولاه شوقاً وحبّاً له أحسن ممّن يخدمه خوفاً منه ، لكنّه يختصّ بمن لم يغلب عليه المعاصي ولم يغترّ بخدع الشيطان ، ولم ينهمك في الشهوات ، فأمّا أغلب الخلق المغرورين بالمعاصي والمنهمكين في الشهوات فأدوية الرجاء بالنسبة إليهم كالسموم المهلكة والأصلح بحالهم غلبة الحوف بما لايؤدّي بهم إلى اليأس وقطع العمل ، بل يحثّهم على مقتضيات دار السرور ، ويزعجهم عن الركون إلى دار المغرور ، سيّما مع كثرة آفات الطاعات خفائها عنهم ، وكون طباعهم مجبولة على الشهوات وعظم خطر الخاتمة كما عرفت ، فلايمكن للعاقل مع ذلك غلبة الرجاء ، بل لو تفكّر في ماذكر غلب عليه الخوف إن كان ضعيفاً في قلبه ، واستوى لديه الخوف والرجاء إن كان ثابت الجأش كاملاً في المعرفة ، ولذا امر به فيما قدّمناه من الأخبار.

ثم اعلم أنّ ما ذكرناه يختصّ بحالة التمكّن ممّا يبعثان عليه من تدارك الأعمال والتوبة والابتهال ، وأمّا في حال الاشراف على الموت وانقطاع اليد عن التدبير والتدارك لما فاته فلا وجه للخوف حينئذ ، بل ربما أدّى إلى اليأس والقنوط أو سرعة الهلاك ، بل النافع له حينئذ هو الرجاء حتّى يتقوّى به قلبه ، ويحبّب إليه ربّه ، إذ الاختتام بالمحبّة أنفع شيء في تلك الحالة ، لأنّ من أحبّ لقاء الله أحبّ لقاءه ، ومن علم أنّه علم أنه تعالى بسبب حبّه له يحبّ لقاءه اشتاق إليه وفرح بالقدوم عليه ، وهو أوّل مايلقاه المحبّ لله تعالى من ملاذّ تلك النشأة بعد خروجه عن دار الدنيا التي كانت سجناً له لأن علائقها كانت حاجبة له عن الوصول إلى مطلوبه ، وحاجزة له عن القرب إلى محبوبه ،

١٨٦

فبالموت يحصل له الخلاص عن سجن دار الغرور والفرح العظيم من الوصول إلى دار الكرامة والأمن والسرور ، فضلاً عمّا اعدّ له بعد ذلك ممّا يعجز عن إدراكه الا الواصل إليه ، كما أنّ أوّل مايلقاه محبّ الدنيا والكاره للقاء الله تعالى هو الغمّ والهمّ والحسرة والألم من مفارقة محبوبة ، والخروج عن دار الدنيا التي هي جنّته ، فضلاً عما أعدّ له بعد ذلك من الخزي والوبال والسلاسل والأغلال.

ثم علاج من قنط عن رحمة ربّه التذكّر لما ورد في ذمّه من الآيات والأخبار ، والتفكّر في أنّه تعالى يحب صنائعه وآثاره التي هو من جملتها ، فإذا أعدّ له من عظائم نعمائه وجلائل آلائه في دار المحنة والفناء ما يعجز عن أحاطته عقول العقلاء ولم تقصر عنايته الكاملة ورحمته الشاملة في صرف وجوه الاحسان إليه وصنوف النعماء ، فبأن لايسوقه إلى الهلاك المؤبّد والعذاب المخلّد في دار البقاء أحقّ وأولى ، وبأن لايقطع عنه الفيض والجود في دار الدوام والخلود أجدر وأحرى ، وأنّه تعالى خير محض لا شرّ فيه أصلاً ، وأنه لم يخلق الخلق لينتفع منهم ، بل لينفعهم ويتمّم بهم جوده وفيضه وفضله ويفيض عليهم برّه وطوله.

من نكردم خلق تا سودى كنم

بلكه تا بر بندگان جودى كنم

فلا يفعل به الا ما هو أهله من الجود والعفو والغفران.

فصل

ومنها كبر النفس ، أي استحقار ما في الدنيا من المكاره والملاذّ ، فيتساوى لديه حالتا الشدّة والرخاء والسرّاء والضرّاء ، فلا يفرح من استيفاء لذّاتها ، كما لايجزع من فقدانها.

( قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتّقى ) .(١)

__________________

١ ـ النساء : ٧٧.

١٨٧

ولا يعجز عن تحمّل آلامها ، ولايفشل من مصابها وأحزانها ، لأنه ينظر إليها بعين الخساسة والحقارة.

وفي الخبر : « من كبرت عليه نفسه هانت عليه شهوته ».(١)

وفي كلام مولانا عليعليه‌السلام : « إنّ دنياكم هذه أهون عليّ من عفطة عنز ».(٢)

وفي الخبر : أنّ الحسن بن عليعليه‌السلام خطب الناس فقال : « أنا أخبركم عن أخ لي كان من أعظم الناس في عيني ، وكان رأس ما عظم به في عيني صغر الدنيا في عينه ».(٣)

وعن الباقرعليه‌السلام : « أعظم الناس قدراً من لايتناول(٤) الدنيا في يد من كانت ، فمن كبرت عليه نفسه صغرت الدنيا في عينيه ، ومن هانت عليه نفسه كبرت الدنيا في عينيه الحديث ».(٥)

وفي حديث همام في صفة المؤمن : « لايأسف على مافاته ، ولايحزن على ما أصابه ، ولايفشل في الشدّة ، ولايبطر في الرخاء ».(٦)

وعن الصادقعليه‌السلام : في صفته : « لا يرغب في عزّ الدنيا ولايجزع من ذلّها ».(٧)

وعن الباقرعليه‌السلام : « ما يبالي من عرفّه الله هذا الأمر أن يكون على قلّة جبل يأكل من نبات الأرض حتّى يأتيه الموت ».(٨)

وممّا ذكر ظهر أن تفسيره بملكة التحمّل للشائد وقوّة المقاومة للآلام

__________________

١ ـ نهج البلاغة : الحكمة ٤٤٩ ، وفيه : « كرمت عليه نفسه ».

٢ ـ راجع نهج البلاغة : الخطبة٣ ، وفي النسخ « عطفة ».

٣ ـ الكافي : ٢ / ٢٣٧ ، كتاب الايمان والكفر ، باب المؤمن وعلاماته ، ح ٢٦.

٤ ـ كذا ، والظاهر : « لايبالي ».

٥ ـ لم أجده.

٦ ـ الكافي : ٢ / ٢٣٠ ، كتاب الايمان والكفر ، باب المؤمن وعلاماته ، ح ١.

٧ ـ الكافي : ٢ / ٢٣١ ، كتاب الايمان والكفر ، باب المؤمن وعلاماته ، ح ٤.

٨ ـ الكافي : ٢ / ٢٤٥ ، كتاب الايمان والكفر ، باب الرضا بموهبة الايمان ، ح ٣.

١٨٨

والمصائب غلط(١) ، وإن كانت من فروعه وآثاره ، وإنّما يسمّى هذه الملكة ثباتاً وصبراً ، ويقابلها الاضطراب من حصولها المتفرّق على صغر النفس وضعفه ، كما أشرنا إليه سابقاً.

قال الله تعالى :

( وكأيّن من نبيّ قاتل معه ربّيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحبّ الصابرين ) .(٢)

وأمّا الثبات في الايمان أي طمأنينة النفس في عقائدها وعدم اضطرابها وتزلزلها بالشكوك والشبهات ، كما قال الله تعالى :

( يثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) ، فله جهتان :(٣)

إحديهما : كبر النفس باستحقار مايعرض عليه من الشكوك والشبهات ، فلا تعجز عن دفعها وتقوى على مقاومتها ومنعها ، فمن هذه الحيثية يكون من أفراد مطلق الثبات الذي هو من فضائل القوّة الغضبية.

والأخرى : كما المعرفة وشدّة اليقين ، ومن هذه الجهة يكون من لوازمها وفضائل القوّة العقلية.

وكيف ما كان هو من أركان تحصيل الكمال وفضائل الأعمال ، إذ مالم تستقرّ النفس على عقائدها في المبدأ والمعاد لم تعزم على تحصيل ما يتوقّف فائدته عليها ، ولذا تجد المتّصف بهذه الصفة شائقاً إلى تحصيلها راغباً إلى نيلها مواظباً عليها من دون كسل وفتور ، وأمّا من لم يتّصف به فهو كالّذي استهوته الشياطين في الأرض حيران لايهتدي سبيلاً إلى تلك الأمور.

__________________

١ ـ إشارة إلى ما في جامع السعادات ، ٢٦٢ ١ / ٢٦٠.

٢ ـ آل عمران : ١٤٦.

٣ ـ إبراهيم : ٢٧.

١٨٩

فصل

ومنها : علوّ الهمّة ، أي ملكة السعي في نيل المعالي وما به كمال النفس وعدم الكسل والفتور في تحصيلها وإن كان عسر الحصول محتاجاً إلى بذل مجهود ، ونيل كلفة ومشقّة ، ولا تحصل هذه الملكلة الا بكبر النفس وشدّة اليقين ، لأنك إذا نظرت إلى ملاذّ الدنيا بعين الحساسة والاحتقار واطّلعت على زوالها وفنائها وعدم وفائها بطالبيها في هذه الدار ، وعلمت أنّ نعماءها مشوبة بالذلّ والهوان ، ولذّاتها مكدّرة بالهموم والآلام والأحزان ، وعرفت أنّ اللذّة الحقيقية مقصورة في الكمالات النفسيّة ، وأنّها لاتحصل بعد حصولها الا في النشأة الاخروية وتيقّنت بأنك مالم ترفع اليد عن الاولى لم يتيسّر لك الوصول إلى الاخرى ، حصلت لك همّة عالية في الاعراض عن حطام الدنيا ، قليلها وجليها ، والشوق والاهتمام في طلب السعادة الحقيقية وتحصيلها ، ولم تبال بما يعرض عليك من شدائد الدنيا ومصائبها ولم تخف عمّا يعتريك في سلوك هذا الطريق من مكارهها ونوائبها ، بل كنت طالباً للقتل بقواطع السيوف ، راغباً في الموت باعظم الحتوف ، شائقاً للوصول إلى الملأ الأعلى والاستنارة بأنوار الحق تعالى قائلاً :

مرگ اگر مرد است گو نزد من آى

تا در آغوشش در آرم تنگ تنگ

من از او عمرى ستانم جاودان

او از من دلقى ستاند رنگ رنگ

 فهذه هي الشجاعة الحقيقية والسعادة الأبدية ، فلا تظنّ أنك تقدر على تحصيل الفضائل ونيل المعالي بدون هذه السجيّة ، أو يمكنك التشمّر لتحصيلها من غير حصول هذه الملكة القويّة.

ثم الشهامة فرد منه كما علم من تفسيرها سابقاً.

١٩٠

تنبيه

قد ظهر لك أنّ هذه الملكة من نتائج كبر النفس واليقين معاً ، فهي من فضائل القوّة العقلية لترتّبها على كمال المعرفة واليقين والقوّة الغضبية لتفرّعها على كبر النفس وقوّتها ، وضدّها أعني دناءة الهمّة مترتّبة على ضدّيهما أعني الجهل وصغر النفس. وعلجها بعد التذكّر لشرفها وكمالها برفع أسبابها وتحصيل أسباب ضدّها ممّا أشرنا إليه سابقاً.

فصل

ومنها : الغيرة والحميّة ، أي السعي في حفظ ما ينبغي حفظه عقلاً وشرعاً ، وهي من نتائج الشجاعة وقوّة النفس ومن شرائف الصفات ، وبها يتحقّق الفحليّة.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ سعداً لغيور ، وانّي لأغير من سعد ، والله أغير منّي ».(١)

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ الله لغيور ولأجل غيرته حرّم الفواحش ».(٢)

وعن الصادقعليه‌السلام : « إنّ الله تبارك وتعالى غيور يحب الغيرة ، ولأجل غيرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ».(٣)

ثم الغيرة في الدين حفظه عن بدع المبدعين وشبه الجاحدين والسعي في ترويجه ونشر أحكامه وإجرائها بين الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعدم المسامحة في ذلك بالخوف من لوم لائم وعذل عاذل.

وفي العيال عدم الغفلة عن المباديء التي يخشى غوائلها بحفظ الحريم عن الأجانب وما يحتمل أن يؤدي إلى فتنة أو فساد ، والسلوك معهن بما فصل

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٥ / ٢٩٨.

٢ ـ جامع السعادات : ١ / ٢٦٥.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ١٠٣ ، نقلاً عن الكافي : ٥ / ٥٣٥ ، وفيهما « لغيرته » و « ظاهرها وباطنها ».

١٩١

في علم تدبير المنزل ، ومراقبة الأولاد من أول الأمر ، واستعمال مايؤدّي إلى كمالهم وتحفظهم عمّا يورث إتلافهم وإظلالهم بما فصّل فيه أيضاً.

وفي المال بالاجتهاد في حفظه عن تغلّبات المتغلّبين ، وضبطه بعد تحصيله من المكاسب المحمودة والمداخل المستحسنة بعدم صرفه في مالا فائدة فيه لدنياه وعقباه ، كالانفاق رياء وتفاخراً وإسرفاً وغير ذلك ممّا ليست راجحة عقلاً. وسيجيء ما يزيدك إرشاداً إلى ذلك.

فصل

الوقار طمأنينة النفس وسكونها في الأقوال والأفعال قبل الدخول وبعده ، فيشمل التوقّف والتأنّي ، وهو من نتائج قوّة النفس وكبرها ، وقد مدح به الأنبياء ، وورد في صفات المؤمن أنّه وقور صبور ، وبديهة العقل تشهد بحسنها ، فلابدّ لكلّ عاقل من الاجتهاد في تكليف نفسه على آثاره من التأنّي في الحركات ، حتّى يصير له ملكة تدريجاً ، وتمتاز السكينة عنه باختصاصها بالباطن واختصاصه بالظاهر.

فصل

الحلم طمأنينة النفس بحيث لايزعجها الغضب بسهولة فهو المانع من حدوثه ابتداءاً ، ثم بعد هيجانه وظهور آثاره في جوارحه يسمّى المانع من سرايته إلى الغير تحلّماً وكظماً للغيظ ، فهما ضدّان له ، ولاشكّ في كون الحلم من شرائف الملكات ، وكفاه فضلاً كونه من صفاته تعالى الجمالية ، واقترانه بالعلم في الأدعية والآثار ومدحه تعالى أنبياءه في كتابه الكريم به.

والأخبار في الحثّ عليه ممّا لاتحصى ، وكذا كظم الغيظ ، وكفاه فخراً عدم حصول ملكة الحلم الا به.

١٩٢

ولذا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّما العلم بالتعلّم والحلم بالتحلّم ».(١)

ومدحه تعالى عباده به بقوله :( والكاظمين الغيظ ) .(٢)

وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا ».(٣)

وعن الصادقعليه‌السلام : « ما من عبد كظم غيظاً الا زاده الله عزّوجلّ عزّاً في الدنيا والآخرة ».(٤)

فصل

العفو إسقاط ما يستحقّه من قصاص أو غرامة ، والآيات والأخبار في مدحه أكثر من أن تحصى.

قال الله تعالى :( خذ العفو وأمر بالمعرف ) (٥) ( وإن تعفوا أقرب للتقوى ) .(٦)

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « والعفو لايزيد العبد الا عزّاً ، فاعفوا يعزّكم الله ».(٧)

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعقبة :« ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة؟ تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمّن ظلمك ».(٨)

وكفاه فضلاً أنه من أجمل صفاته تعالى.

قال سيّد العابدينعليه‌السلام : « أنت الّذي سميّت نفسك بالعفو ، فاعف عنّي ».(٩)

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٥ / ٣١١.

٢ ـ آل عمران : ١٣٤.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٥ / ٣٠٩.

٤ ـ الكافي : ٢ / ١١٠ ، كتاب الايمان والكفر ، باب كظم الغيظ ، ح ٥.

٥ ـ الأعراف : ١٩٩.

٦ ـ البقرة : ٢٣٧.

٧ ـ المحجة البيضاء : ٥ / ٣١٨.

٨ ـ المحجة البيضاء : ٥ / ٣١٩.

٩ ـ جامع السعادات : ١ / ٤٣٠٢.

١٩٣

فصل

الرفق هو اللين في الحركات والأقوال ، وقريب منه حسن الخلق ، وهما من نتائج الحلم ، والأخبار في فضلهما واتّصاف المؤمن بهما ممّا لاتحصى.

فعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنّ الله رفيق يحبّ الرفق ويعطي على الرفق [ مالا يعطي على العنف ] ».(١)

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما اصطحب اثنان الا كان أعظمهما أجراً وأحبّهما إلى الله تعالى أرفقهما بصاحبه ».(٢)

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أعطي حظّه من الرفق أعطي حظّه من خير الدنيا والآخرة ، ومن حرم حظّه من الرفق حرم حظه من خير الدنيا والآخرة ».(٣)

ويقرب من الرفق المداراة ، وربما يعتبر فيها تحمّل الأذى.

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما يوضع في ميزان امرء [ يوم القيامة ] أفضل من حسن الخلق ».(٤)

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « حسن الخلق الله الأعظم ».(٥)

وقيل لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيّ المؤمنين أفظلهم إيماناً؟ فقال : « أحسنهم خلقاً ».(٦)

وقال : « حسن الخلق ليذيب الخطيئة كما تذيب (تميت خ ل) النار الجليد ».(٧)

والأخبار لاتحصى ، والتجربة شاهدة بأنّ إنجاح الأمور والمقاصد في

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٥ / ٣٢٣.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٥ / ٣٢٤.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٥ / ٤٣٢٢.

٤ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٢٨٩ نقلاً عن الكافي : ٢ / ٩٩.

٥ ـ جامع السعادات : ١ / ٣٠٨ ، المحجة البيضاء : ٥ / ٩٠.

٦ ـ جامع السعادات : ١ / ٣٠٨ ، المحجة البيضاء : ٥ / ٩٠.

٧ ـ المحجة البيضاء : ٥ / ٩٢ ، وفيه : « كما تذيب الشمس ».

١٩٤

طبقات الناس بأسرهم لايتمّ الا بهما ، وهما من أظهر صفات المرسلين ، وأشرف أعمال الصدّقين ، ومن تتبّع كتب السير والتواريخ والأخبار اطّلع على قليل ممّا ظهر من أشرف الأنبياء وذرّيته البررة الأوصياء المصطفين سلام الله عليهم من غرائب آثار هاتين الصفتين.

فصل

ومنها هضم النفس واستحقارها ، وهو ضدّ العجب ، فكلّ من بلغ إلى مرتبة عالية فقد بلغها بهذه الصفة ، ومالم يعلم الانسان فقدانه لصفة كمال لم يرغب إلى تحصيلها ، ولم يحنّ إلى طلبها ، والأخبار في اتّصاف المؤمن به وأنّه تعالى يحبّ المنكسرة قلوبهم أكثر من أن تحصى وإن ضمّ إليه استعظام الغير كان تواضعاً ، وهو ضدّ الكبر ، وهو من أعظم صفات المؤمن.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ».(١)

وقال عيسى بن مريمعليه‌السلام : « طوبى للمتواضعين في الدنيا ، هم أصحاب المنابر يوم القيامة ».(٢)

وأوحى الله تعالى إلى داود : « يا داود! كما أنّ أقرب الناس إليّ المتواضعون كذلك أبعد الناس عنّي المتكبّرون ».(٣)

وقال الصادقعليه‌السلام : « التواضع أصل كلّ شرف نفيس ، ومرتبة رفيعة والتواضع مايكون لله وفي الله ، وماسواه مكر ، ومن تواضع لله شرّفه الله على كثير من عباده ـ إلى أن قال ـ وأصل التواضع من إجلال الله وعظمته وهيبته ، وليس لله عبادة يرضاها ويقبلها الا وبابها التواضع ، ولايعرف ما في حقيقة التواضع الا المقرّبون من عباده ، المتّصلون بوحدانيّته » قال الله

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٦ / ٢١٩.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٦ / ٢٢٠.

٣ ـ الكافي : ٢ / ١٢٣ ـ ١٢٤ ، كتاب الايمان والكفر ، باب التواضع ، ح ١١ ، وفيه : « إلى الله » ومن « من الله » « إلىّ » و « عنّي ».

١٩٥

عزّوجلّ :( وعباد الرحمن الّذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ) .(١) وقد أمر الله تعالى خير خلقه وسيّد بريّته محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتواضع فقال :( واخفض جناحك لمن اتّبعك من المؤمن ) ،(٢) والتواضع مزرعة الخضوع والخشوع والحياء والخشية ، وأنّهنّ لايأتين(٣) الا منها ، ولايسلم الشرف التامّ الحقيقي الا للمتواضع في ذات الله ».(٤)

ومنه يظهر أانّ ما شاع في عصرنا هذا من شدّة الخضوع الخشوع والتذلّل بالنسبة إلى أهل الدول والأغنياء والحكّام وغيرهم من أهل الدنيا ولاسيّما من العلماء وتسميتها تواضعاً [ خطأ و ](٥) تدليس ، بل هي مكر وتلبيس ، وهي التملّق والتذلّل المذموم الواقع في طرف التفريط من فضلية التواضع ، وإنّما التواضع الذي هوالعدل حقيقة إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه ، فتواضع العالم لمثله إذا ورد عليه القيام له وتخلية مجلسه وحفظ مراسم الأدب بالنسبة إليه ، ولو فعل ذلك للأغنياء وأهل الدول كان تملّقاً مذموماً ، ولو فعله للسوقي كان تخاسّاً وتذلّلاً ، وإنّما تواضع السوقي باليسر من الكلام واللين والرفق معه في المكالمة ، وإجابة دعوته والسعي في قضاء حاجته ، [ وأن لاينظر إليه بعين الحقارة ، وأنّ له مزيّة ](٦) وأمثال ذلك.

وتواضعه للمتكبّرين من أهل الدول بالكبر عليهم كما ورد في الخبر(٧) ، إذا الانكسار لهم مع كونه تملّقاً مذموماً إعانة لهم على عدوانهم وتثبيت لهم على تكبّرهم ومبالغتهم في صفتهم المذمومة ، فلعلّ في التكبّر عليهم يحصل لهم التنبّه على خطائهم الباعث على تركهم له.

__________________

١ ـ الفرقان : ٦٣٣.

٢ ـ الشعراء : ٢١٥.

٣ ـ كذا ، وفي مصابح الشريعة : « لاينتن الا منها وفيها ».

٤ ـ المحجة البيضاء : ٦ / ٢٥٥ نقلاً عن مصابح الشريعة (الباب ٥٨).

٥ ـ كما في « الف ».

٦ ـ كما في « ب ».

٧ ـ المحجة البيضاء : ٦ / ٢٢٢.

١٩٦

وبالجملة ؛ فهذا المقام من مزالق الاقدام ، حيث يشتبه فيه التكبّر بالتعزّز وترك التذلّل ، [ فيذمّ صاحبه ](١) ، والتملق بالتواضع ، وفيحمد عليه ، وإنّما القانون الكلّي في ذلك إخلاص النيّة بكون التواضع لله وفي الله تعالى من دون ملاحظة نفع دنيوي ، أو الاحتراز عن مكروه كذلك.

فصل

ومنها : الانصاف والاستقامة على الحقّ.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « سيّد الأعمال إنصاف الناس من نفسك »(٢)

وقال أميرالمؤمنينعليه‌السلام : « ألا إنّه من أنصف عن نفسه لم يزده الله الا عزّاً(٣)

وقال الصادقعليه‌السلام : « ألا أخبركم بأشدّ ما فرض الله على خلقه؟ فذكر ثلاثة أشياء أوّلها : إنصاف الناس من نفسك ».(٤)

وقالعليه‌السلام : « إنّ لله جنّة لايدخلها الا ثلاثة : أحدهم من حكم في نفسه بالحقّ ».(٥)

والأخبار في ذلك لاتحصى.

ومنها : التسليم والانقياد لمن يلزم إطاعته من الله والرسول والأئمّة عليهم الصلاة والسلام والعلماء والفقهاء والوالدين ومن يحذو حذوهما.

والآيات والأخبار الواردة في وجوب إطاعتهم ممّا لاتحصى ، مع أنّه بذلك يحصل الهداية والنجاة ، وينقذ من شفا جرف الهلكات. وسنذكر في باب العدالة ما يزيدك ترغيباً عليه.

__________________

١ ـ كما في « الف ».

٢ ـ الكافي : ٢ / ١٤٥ ، كتاب الايمان والكفر ، باب الإنصاف والعدل ، ح ٧.

٣ ـ الكافي : ٢ / ١٤٤ ، كتاب الايمان والكفر ، باب الإنصاف والعدل ، ح ٤ ، وفيه : « من ينصف ».

٤ ـ الكافي : ٢ / ١٤٥ ، كتاب الايمان والكفر ، باب الإنصاف ح ٦.

٥ ـ الكافي : ٢ / ١٤٨ ، كتاب الايمان والكفر ، باب الإنصاف ، ح ١٩.

١٩٧
١٩٨

الباب السابع

في بيان ما يتعلّق بالقوّة الشهوية

من الرذائل

ومعالجاتها والفضائل وما يحثّ عليها

ففيه أيضاً مقامان

١٩٩

المقام الأوّل

في ذكر الرذائل ومعالجاتها ، ولابدّ من ذكر جنسها مع ما هو من أعظم أنواعها ولوازمها في عدّة فصول :

فصل

قد تبيّن لك أنّ أحد الجنسين الشره من طرف الافراط وهو الانهماك في الشهوات الغير المحمودة عقلاً ونقلاً كما عرفت ، فيشمل رذائل القوّة الشهوية من طرف الافراط بأسرها.

وهذا المعنى هو الذي فسّره القوم به وجعلوه جنساً في مقام حصر أجناس الرذائل ، لكنّهم في مثل هذا المقام فسّروه بما هو أخصّ منه أعني شهوة البطن والفرج.

ولعلّه مبنيّ على كونها من أظهر أفراده وأشيعها لعموم البلوي بها ، وكونها بمنزلة الأصل ، والباقي بمنزلة الفروع واللوازم المترتّبة عليها.

ولو فسّروه هنا بحبّ الدنيا على ما سنذكره ، وذكروا جميع ما يذكر هناك في المقام ، ثم ذكروا بعد ذلك شهوة البطن والفرج في جملة الأنواع اللوازم كان أصوب.

ولكنّا نتبعهم في ذلك كسائر ما تبعناهم فيه لسهولة الخطب وقلّة الجدوى.

فنقول : أمّا شهوة البطن فصاحبها ذليل بالبطع ، قصير الهمّة ، مستفرغ وسعه في تدبير القوّة البهيميّة ، صارف فكرته وجهده في خدمتها ، فهو أخسّ من البهيمية ، ضرورة كون الخادم أخسّ من المخدوم. والاستكثار منها يورث البلادة ويولد الأمراض البدنيّة والأسقام المادّية كالهيضة والتخمة والعفونات الحادثة من السدّة الامتلائية وانصباب المواد المجتمعة من فضلات الأغذية إلى الأعضاء ، فإنّ المعدة بيت كلّ داء كما أنّ الحمية رأس كلّ دواء.

٢٠٠