كشف الغطاء عن وجوه مراسم الاهتداء

كشف الغطاء عن وجوه مراسم الاهتداء5%

كشف الغطاء عن وجوه مراسم الاهتداء مؤلف:
المحقق: الشيخ محسن الاحمدي
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 700

  • البداية
  • السابق
  • 700 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 96546 / تحميل: 9886
الحجم الحجم الحجم
كشف الغطاء عن وجوه مراسم الاهتداء

كشف الغطاء عن وجوه مراسم الاهتداء

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

بذلك تغليظاً في جرمه وجنايته ، وإن أضاف إلى ذلك الحمل والترغيب وتهيئة الأسباب للغير كان مضيفاً لمعصية رابعة إلى معصيته.

قال الصادقعليه‌السلام : « من جاءنا يلتمس الفقه والقرآن فدعوه ، ومن جاءنا يبدي عورة سترها الله عليه فنحّوه ».(١)

وسادسها : أن يكون ممّن يقتدى به ، فيفعل المعصية بحيث يطّلع عليه الناس ويتبّعونه فيبقى شرّه مستطيراً في العالم بعد موته.

قال الله تعالى :( ونكتب ما قدّموا وآثارهم ) .(٢)

فكما أنّ العالم مأمور بترك الذنب فكذا بإخفائه مع فعله وكما يتضاعف ثوابه على الحسنات إذا اتّبع ، فكذا وزره في السيّئات ، ولذا إنّ البدعة من أشدّ المعاصي وأعظمها.

وفي الاسرئيليات : « أنّ عالماً كان يضلّ الناس بالبدعة ثم تاب فأصلح دهراً فأوحى الله إلى نبيه أن قل له : لو كان ذنبك فيما بيني وبينك لغفرت لك ، ولكن كيف بمن أضللت من عبادي فأدخلتهم النار »(٣) فطوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه ».

فصل

الكراهة لأفعال الله تعالى والسخط لما يخالف هواه من الواردات الربّانية والتقديرات الالهيّة ونحوها الانكار والاعتراض عليه تعالى ممّا ينافي الإيمان والتوحيد ، فما للعبد الذليل العاجز الفقير والجاهل بموارد الحكم والمصالح ومواقع التقدير والانكار والسخط لما يفعله الحكيم الخبير؟!

قال الله تعالى : « إنّي خلقت الخير والشرّ فطوبى لمن خلقته للخير وأجريته على يده ، وويل لمن خلقته للشرّ وأجريته على يديه ، وويل ثم ويل

__________________

١ ـ الكافي : ٢ / ٤٤٢ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب اللّمم ، ح ٤.

٢ ـ يس : ١٢.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٧ / ٦٢.

٤٠١

لمن قال : لم وكيف؟ ».(١)

وقال أيضاً : « إنّي أنا الله لا إله الا أنا ، لم يصبر على بلائي ولم يرض بقضائي ولم يشكر على نعمائي فليتّخذ ربّاً سواي ».(٢)

وقال أيضاً : « قدّرت المقادير ودبّرت التدبير وأحكمت الصنع ، فمن رضي فله الرضا عنّي حين يلقاني ، ومن سخط فله السخط منّي حين يلقاني ».(٣)

وأوحى الله إلى داود : « تريد واريد وإنّما يكون ما اريد ، فإن سلّمت لما اريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلّم لما اريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لايكون الا ما اريد ».(٤)

وقال الباقرعليه‌السلام : « من سخط القضاء مضى عليه القضاء وأحبط الله أجره ».(٥)

وبالجملة : من عرف أنّ العالم بجميع أجزائه صادرة على وفق الحكمة المحضة والنظام الأصلح وعرف الله بالربوبيّة ونفسه بالعبودية عرف أنّ السخط والانكار على الله في أمر من الأمور من غاية الجهل والغرور ، وسيجيء تمام الكلام في فصل الرضا.

فصل

ترك الاعتماد على الله أو ضعف الثقة بالله فيما قدّر له من مجاري الأمور ناش إمّا من ضعف اليقين به تعالى ، أو ضعف القلب الذي هو من رذائل الغضبية من جانب التفريط ، وهو من المهلكات العظيمة المنافية

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٨ / ٨٩ ، الكافي : ١ / ١٥٤.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٨ / ٨٩.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٨ / ٨٩.

٤ ـ المحجة البيضاء : ٨ / ٩٠.

٥ ـ الكافي : ٢ / ٦٢ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الرضا بالقضاء ، ح ٩.

٤٠٢

للايمان ، بل من الشرك في الحقيقة.

قال الله تعالى :( إنّ الذين تعبدون من دون الله لايملكون لكم رزقاً فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه ) .(١)

وقال :( ولله خزائن السماوات والأرض ولكنّ المنافقين لايفقهون ) .(٢)

وفي أخبار داود : « ياداود ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي عرفت ذلك من نيّته الا قطعت أسباب السماوات من بين يديه والأرض من تحته ولم أبال بأيّ واد هلك ».(٣)

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من اغترّ بالعبيد أذلّه الله ».(٤)

وقيل : مكتوب في التوراة : « ملعون من كان ثقته بانسان مثله ».(٥)

فمن أيقن بأنّه لا فاعل الا الله ولا حول ولا قوّة الا بالله وأنّ له تمام العلم والقدرة والرحمة العناية وأنّ سواه عبيد مملو كون مضطرّون لايملكون خيراً ولا شرّاً ولا يستطيعون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً لم يلتفت إلى أحد سواه ولم يثق الا بالله ولم يطمع الا في عطاياه ، فالواجب على كلّ أحد تحصيل مراتب اليقين بالله وتقوية النفس بما ذكر سابقاً ، وسيجيء تمام الكلام في فصل التوكّل ، إن شاء الله تعالى.

تتمّه

ومن جملتها : كفران نعمة المنعم ، ويتبيّن لك حقيقته وما يترتّب عليه من المفاسد بمعرفة ضدّه ، أعني الشكر ، وسنفصّل الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

__________________

١ ـ العنكبوت : ١٧.

٢ ـ المنافقون : ٧.

٣ ـ الكافي : ٢ / ٦٣ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب التفويض إلي الله ، ح ١ ، مع اختلاف.

٤ ـ المحجة البيضاء : ٧ / ٤٠٨ ، وفيه : « من استعزّ ».

٥ ـ المحجة البيضاء : ٧ / ٤٠٨.

٤٠٣

المقام الثاني

في ذكر أنواع العدالة بالمعنى الأعم

أي القيام بالحقوق اللازمة مراعاتها ، وفيه أيضاً مقصدان :

المقصد الأول

في الحقوق اللازمة مراعاتها فيما بينه وبين الخلق ، وقد بيّنا لك أنّ لها مراتب مختلفة بحسب اختلاف الروابط الباعثة للخلطة وأنّ أخصّها القرابة وأعمّها الاسلام.

وفيما بينهما درجات متفاوتة ونحن نشير إلى جوامع الحقوق في هذه المراتب إجمالاً إن شاء الله تعالى في عدّة فصول :

فصل

قد أشار مولانا الصادقعليه‌السلام إلى حقوق المسلم في الخبر المروي في الكافي عن معلّي بن خنيس قال : قلت له ما حقّ المسلم على المسلم؟ فقالعليه‌السلام : « سبع حقوق واجبات ما منهنّ حقّ الا وهو عليه واجب إن ضيع منها حقّاً خرج من ولاية الله وطاعته ، ولم يكن لله فيه من نصيب ، قلت : له جعلت فداك وما هي؟ قال : يامعلّى إنّي عليك شفيق أخاف أن تضيّع ولاتحفظ وتعلم ولا تعمل ، قال : قلت له : لاقوّة الا بالله ، قال : أيسر حقّ منها أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك ، وتكره له ما تكره لنفسك.

والحقّ الثاني أن تجتنب سخطه وتتّبع مرضاته وتطيع أمره.

والحقّ الثالث أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك.

والحقّ الرابع أن تكون عينه ودليله ومرآته.

٤٠٤

والحقّ الخامس أن لاتشبع ويجوع ولاتروي ويظماً ولا تلبس ويعرى.

والحقّ السادس أن يكون لك خادم وليس لأخيك خادم ، فواجب أن تبعث خادمك فيغسل ثيابه ويصنع طعامه ويتعهّد فراشه.

والحقّ السابع أن تبرّ قسمه وتجيب دعوته وتعود مريضه وتشهد جنازته وإذا علمت أنّ له حاجة تبادر إلى قضائها ، ولا تلجئه إلى أن يسألكها ، ولكن تبادر مبادرة فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته [ وولايته بولايتك ] ».(١)

فأعظم حقوق المسلم على أخيه أن يحبّ له مايحبّ لنفسه ، ويكره له ما يكره لنفسه.

قال الصادقعليه‌السلام : « المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد إن اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده ، وأرواحهما من روح واحدة ، وإنّ روح المؤمن لأشدّ اتّصالاً بروح الله من اتّصال شعاع الشمس بها ».(٢)

وقالعليه‌السلام : « يحقّ على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاون عل التعاطف والمواساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض حتّى يكونوا كما أمركم الله عزّوجلّ رحماء بينهم متراحمين مغتمّين لما غاب عنكم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».(٣)

وعن الصادقعليه‌السلام : « أوحى الله إلى آدم : سأجمع لك الكلام في أربع كلمات ، قال : ياربّ وماهنّ؟ قال : واحدة لي وواحدة لك وواحدة فيما بيني وبينك وواحدة فيما بينك وبين الناس ، قال : ياربّ بيّنهنّ لي حتّى أعلمهنّ ، قال : أمّا التي لي فتعبدني لاتشرك بي شيئاً ، وأمّا التي لك فأجزيك بعملك أحوج ما تكون إليه ، وأمّا التي بيني وبينك فعليك الدعاء

__________________

١ ـ الكافي : / ١٩٦ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب حقّ المؤمن على أخيه ، ح ٢ ، وما بين المعقوفتين في المصدر.

٢ ـ الكافي : ٢ / ١٦٦ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب أخوة المؤمنين بعضهم لبعض ، ح ٤.

٣ ـ الكافي : ٢ / ١٧٥ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب التراحم والتعاطف ، ح ٤.

٤٠٥

وعليّ الإجابة ، وأمّا التي بينك وبين الناس فترضى للناس ما ترضى لنفسك ، وتكره لهم ما تكره لنفسك ».(١)

ثم أن لا يوذي أحداً من المسلمين بقول ولا فعل.

قال الباقرعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الا أنبّئكم بالمؤمن؟ من ائتمنه المؤمنون على أموالهم وأنفسهم ، الا انبّئكم بالمسلم؟ من سلم المسلمون من يده ولسانه ، والمهاجر من هجر السيّئات وترك ما حرّم الله ، والمؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو يغتابه أو يدفعه دفعة ».(٢)

« ثم التواضع وترك التكبّر ، فإنّ الله لايحبّ كلّ مختال فخور ».

فعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أوحى الله إليّ أن تواضعوا حتّى لايفخر أحد على أحد ».(٣)

وقد مضى مايكفيك في ذلك.

وترك النميمة بينهم كما أشير إليه فيما مضى ، وأن لايهجر من يعرفه فوق ثلاث كما أشير إليه. قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا هجرة فوق ثلاث ».(٤)

وأن يحسن إلى كلّ من قدر منهم إن استطاع.

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اصنع المعروف إلى أهله ، فإن لم تصب أهله فأنت أهله ».(٥)

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « رأس العقل بعد الدين التودّد إلى الناس ، واصطناع المعروف إلى كلّ برّ وفاجر ».(٦)

__________________

١ ـ الكافي : ٢ / ١٤٦ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الإنصاف والعدل ، ح ١٣.

٢ ـ الكافي : ٢ / ٢٣٥ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب المؤمن وعلاماته ، ح ١٩ ، وفيه : « من لسانه ويده ».

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٦٠.

٤ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٦٢ نقلاً عن الكافي : ٢ / ٣٤٤.

٥ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٦٣ ـ ٣٤٦.

٦ ـ المحجة البيضاء : ٣٣ / ٣٦٤.

٤٠٦

وأن لايدخل على أحد الا بإذنه بل يستأذن ثلاثاً ، فإن لم يؤذن له انصرف.

فعن عليعليه‌السلام : « كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستأذن ثلاثاً فإن أذن له والا انصرف ».(١)

وأن يخالق كلّ أحد على طريقته.

قال الصادقعليه‌السلام : « خالقوا الناس بأخلاقهم »(٢) فلقاء الجاهل بالعلم واللاهي بالفقه أو المعرفة تأذّ ».

وأن يوقّر المشايخ ويرحم الصبيان.

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من تمام إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم ».(٣)

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من عرف فضل كبير لسنّه فوقّره آمنه الله من فزع يوم القيامة ».(٤)

ومن جملة إتمامه أن لايتكلّم بين يديه الا بإذن.

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما وقّر شاب شيخاً الا قيّض الله له في سنّة من يوقّره ».(٥) وهو بشارة بدوام الحياة ، وكان من عادتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التلطّف بالصبيان.

وأن يكون مع الكافّة مستبشراً طلق الوجه.

فقد قيل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دلّنا على عمل يدخلنا الجنّة ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنّ من موجبات المغفرة بذل السلام وطيب الكلام ».(٦)

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أكرم أخاه المؤمن بكلمة يلفظه بها وفرّج عنه كربته لم يزل في ظلّ الله الممدود عليه الرحمة ما كان في ذلك ».(٧)

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٦٥ ، نقلاً عن الفقيه : / ٨٠.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٦٥.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٦٦.

٤ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٦٦ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٦٥٨.

٥ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٦٦.

٦ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٦٧.

٧ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٦٨ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٢٠٦ وفيها : « يلطفه » بدل « يلفظه ».

٤٠٧

وأن يفي بما يعده.

فعن الصادقعليه‌السلام : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليف إذا وعد ».(١)

وأن ينصف الناس من نفسه.

فعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لايستكمل العبد الايمان حتّى يكون فيه ثلاث خصال : النفاق من الإقتار ، والانصاف من نفسه ، وبذل السلام ».(٢)

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « طوبى لمن طاب خلقه ـ إلى أن قال ـ : وأنصف الناس من نفسه ».(٣)

وقال أميرالمؤمنينعليه‌السلام : « [ ألا إنّه ](٤) من ينصف الناس عن نفسه لم يزده الله الا عزّاً ».(٥)

وأن ينزل الناس منازلهم فيزيد في توقير من يدلّ هيئته وثيابه على علوّ رتبته.

« فقد روي أنّ جرير بن عبدالله البجلي أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومجلسه مملوء من أصحابه فقعد على الباب فلفصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رداءه وألقاه إليه وأمره بالجلوس عليه فأخذه ووضعه على وجهه وقبّله وبكى ثم قال : ماكنت لأجلس على ثوبك أكرمك الله كما أكرمتني ، فنظر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يميناً وشمالاً وقال : إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ».(٦)

وأن يصلح بين المسلمين مهما أمكنه.

وقد ورد فيه أخبار كثيرة كما ورد في ذمّ الإفساد.

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٦٩ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٣٦٤.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٧٠.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٧٠ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٤٤.

٤ ـ كما في المصدر.

٥ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٧٠ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٤٤.

٦ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٧١ ـ ٣٧٢.

٤٠٨

وعن أنس قال : « بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالس إذ ضحك حتى بدت ثناياه فقال عمر : ما الذي أضحكك يارسول الله؟ قال : رجلان ممن أمّتي جثيا بين يدي ربّ العزّة فقال أحدهما : ياربّ خذ مظلمتي من هذا ، فقال الله تعالى : رد على أخيك مظلمته ، فقال : ياربّ لم يببق من حسناتي شيء ، فقال الله للطالب : كيف تصنع ولم يبق من حسناته شيء؟ فقال : ياربّ فليحمل عنّي من أوزاري ، ثم فاضت عينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالبكاء ، فقال : إنّ ذلك اليوم عظيم ، يوم يحتاج الناس إلى أن يحمل من أوزارهم قال : فيقول الله تعالى للمظلوم : ارفع بصرك فانظر في الجنان ، فقال : ياربّ أرى مدائن من فضّة وقصوراً من ذهب مكللة باللؤلؤ ، لأيّ نبيّ هذا ولأيّ صدّيق أو لأيّ شهيد؟ قال الله تعالى : لمن أعطى الثمن ، قال : ياربّ ومن كان يملك ذلك؟ قال : أنت تملك ، قال : بماذا ياربّ؟ قال : بعفوك عن أخيك ، قال : ياربّ فقد عفوت منه ، قال الله تعالى : خذ بيد أخيك فادخل الجنّة ، ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاتّقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ، فإنّ الله يصلح بين المؤمنين يوم القيامة ».(١)

وأن يستر عورات المسلمين ، فإن الله يحبّ المتستّرين فإذا كان ستر عورته مطلوباً منه فكذا ستر عوره غيره ، فإن حقّ إسلامه عليه كحقّ اسلام غيره. وقد طلب الشارع ستر الفواحش فنيط الزنا وهو أفحشها بأربعة شهود يشاهدون المرود في المكحلة وهو أمر لايتّفق فانظر إلى الحكمة في سدّ باب الفواحش بإيجاب أعظم العقوبات أعني الرجم ، ثم إلى ستر الله الذي أسبله على العصاة بتضييق الطرق في كشفه ، فالمرجوّ من كرمه سبحانه أن لا يخرم ذلك يوم تبلى السرائر.

ففي الخبر : « أنّ الله إذا ستر على عبد في الدنيا فهو أكرم من أن يكشفها في الآخرة ، وإذا كشفها في الدنيا فهو أكرم من أن يكشفها مرّة

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٧٣.

٤٠٩

أخرى ».(١)

هذا ، والأخبار في مدح الستر لاتحصى ، وكذا في ذمّ إذاعة الستر وتتبّع عورات المسلمين ، وقد أشير إلى بعضها.

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة ».(٢)

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لايرى امرء من أخيه عورة فيسترها عليه الا دخل الجنة ».(٣)

وأن يتّقي مواضع التهم صيانة لقلوب الناس من سوء الظن ، ولألسنتهم عن الغيبة لأنّهم إذا عصوا الله بسببه كان شريكاً معهم فيه.

وقد قال الله تعالى :( ولا تسبّوا الّذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدواً بغير علم ) .(٤)

وفي الأخبار ما يشهد عليه.

وأن يهتمّ في قضاء حوائجهم بما يمكن له.

فعن الصادقعليه‌السلام : « قضاء حاجة المؤمن خير من عتق ألف رقبة وخير من حملان ألف فرس في سبيل الله ».(٥)

وعنهعليه‌السلام : « لقضاء حاجة امرىء مؤمن أحبّ إلى الله من عشرين حجّة كلّ حجّة ينفق فيها صاحبها مائة ألف ».(٦)

وقالعليه‌السلام : « تنافسوا في المعروف لإخوانكم وكونوا من أهله ، فإنّ للجنّة باباً يقال لها المعروف ولايدخله الا من اصطنع المعروف في الحياة الدنيا ، فإنّ العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن فيوكّل الله به ملكين واحداً

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٧٣.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٧٥.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٧٥.

٤ ـ الأنعام : ١٠٨.

٥ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٧٩ ، نقلاً عن الكافي : ١٩٣.

٦ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٧٩ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٩٣.

٤١٠

عن يمينه وأخرى عن شماله يستغفران له ربّه ويدعوان بقضاء حاجته ، ثم قال : والله لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسرّ بقضاء حاجة المؤمن إذا وصلت إليه من صاحب الحاجة ».(١)

وقال الكاظمعليه‌السلام : « إنّ الله عباداً يسعون في حوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة ، ومن أدخل على مؤمن سروراً فرّح الله قلبه يوم القيامة ».(٢)

وعن الصادقعليه‌السلام : « من سعى في حاجة أخيه المسلم طلب وجه الله كتب الله له ألف ألف حسنة يغفر فيها لأقاربه وجيرانه وإخوانه ومعارفه الحديث ».(٣)

والأخبار أكثر من أن تحصى.

وأن يبدأ بالسلام قبل الكلام ويصافحه عند السلام.

فعن الصادقعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه ».(٤)

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ابدؤوا بالسلام قبل الكلام ، فمن بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه ».(٥)

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ الله عزّوجلّ يحبّ إفشاء السلام ».(٦)

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا سلّم أحدكم فليجهر بسلامه ولايقول سلّمت فلم يردوا عليّ فلعلّه يكون قد سلّم ولم يسمعهم ، فإذا ردّ أحدكم فليجهر بردّه حتى لايقول المسلّم سلّمت فلم يردّوا عليّ ».(٧)

وقالعليه‌السلام : « ثلاثة لايسلّمون : الماشي مع الجنازة ، والماشي إلى

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨٠ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٩٣.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨٠ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٩٧.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨١ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٩٧ ـ ١٩٨.

٤ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨١ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٦٤٤.

٥ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨١ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٦٤٤.

٦ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨١ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٦٤٥.

٧ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨٤ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٦٤٥ مع اختلاف.

٤١١

الجمعة ، والماشي في بيت حمّام ».(١)

وقالعليه‌السلام : « من التواضع أن تسلّم من لقيت ».(٢)

وقالعليه‌السلام : « يسلّم الصغير على الكبير ، والمارّ على القاعد ، والقليل على الكثير ».(٣)

وقالعليه‌السلام : « يسلّم الراكب على الماشي والماشي على القاعد ».(٤)

وقال الباقرعليه‌السلام : « إنّ المؤمنين إذا التقيا وتصافحا أدخل الله يده بين أيديهما فصافح أشدّهما [ حبّاً ](٥) أو [ شوقاً ] لصاحبه ».(٦)

وقالعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا لقى أحدكم أخاه فليسلّم وليصافحه ، فإنّ الله أكرم بذلك الملائكة فاصنعوا صنع الملائكة ».(٧)

وقال الصادقعليه‌السلام : « إنّ المؤمنين إذا التقيا غمرتهما الرحمة ، فإذا التزما لايريدان بذالك الا وجه الله ولا يريدان غرضاً من أغراض الدنيا قيل لهما مغفوراً لكما ، فإذا أقبلا على المسائلة قالت الملائكة بعضها لبعض : تنحّوا عنهما ، فإنّ لهما سرّاً ، وقد ستر الله عليهما ، قال الراوي : فقلت : فلا يكتب عليهما لفظهما وقد قال الله تعالى :( ما يلفظ من قول إلًا لديه رقيب عتيد ) ؟(٨) قال : فتنفًس أبوعبداللهعليه‌السلام الصعداء ثم بكى حتًى اخضلًت دموعه لحيته وقال : يا إسحاق إنً الله أمر الملائكة أن تعتزل ع المؤمنين إذا

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨٥ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٦٤٦ ، وفيهما : « وفي بيت الحمام » بدل الأخيرة.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨٥ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٦٤٦.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨٥ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٦٤٦.

٤ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨٥ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٦٤٧.

٥ ـ كما في المصدر وليس في النسخ ، نعم في هامش « ج » استظهر الكاتب كون التميز « حباً » أو « شوقاً ».

٦ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨٨ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٧٩.

٧ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨٨ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٨١.

٨ ـ ق : ١٨.

٤١٢

التقيا إجلاً لهما ، وإنّه وإن كانت الملائكة لاتكتب لفظهما ولا تعرف كلامهما فإنّه يعرفه ويحفظه عليهما عالم السرّ وأخفى.(١)

واعلم أنّ أباحامد الغزالي منع عن الانحناء عند السلام ، وكذا القيام سيّما في المساجد لكونها موضع العبادة والقيام لله وحده فلا يشرك بعبادة ربّه أحداً.(٢)

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا رأيتموني فلا تقوموا كما يصنع الأعاجم ».(٣)

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من سرّه أن يتمثّل له الرجال قياماً فليتبوّء مقعده من النار ».(٤)

وقال الشهيد (ره) في قواعده : « يجوز تعظيم المؤمن بما جرت به عادة الزمان وإن لم يكن منقولاً عن السلف لدلالة العموما عليه ، قال تعالى :

( ومن يعظّم شعائر الله فإنّها من تقوى القلوب ) .(٥)

( ومن يعظّم حرمات الله فهو خير له عند ربّه ) .(٦)

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لاتباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً ».

فعلى هذا يجوز القيام والتعظيم بانحناء وشبهه ، وربّذما وجب إذا أدّى تركه إلى التباغض والتقاطع أو إهانة المؤمن.

وقد صحّ أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام إلى فاطمةعليه‌السلام وقام إلى جعفر لمّا قدم من الحبشة ، وقال للأنصار : قوموا إلى سيّدكم.

ونقل أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام إلى عكرمة بن أبي جهل لما قدم من اليمن فرحاً بقدومه.

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٨٩ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٨٤ مع اختلاف.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٩٠.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٩٠.

٤ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٩٠ ـ ٣٩١.

٥ ـ الحج : ٣٢.

٦ ـ الحج : ٣٠.

٤١٣

وأمّا قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أحبّ أن يتمثل له الرجال إلى آخره » ، وما نقل من أنّه كان يكره أن يقام له فكان إذا قام لايقومون له لعلمهم بكراهته ذلك فإذا فارقهم قاموا حتّى يدخل منزله لما يلزمهم من تعظيمه ، فلعلّه إشارة إلى ما يصنعه الجبابرة من إلزام الناس بالقيام حال قعودهم إلى انقضاء مجلسهم دون القيام المخصوص القصير مدّته ، أو يحمل على من أراد ذلك تجبّراً وعلوّاً على الناس ، فيؤاخذ من لا يقوم له بالعقوبة ، أمّا من يريده لدفع إهانة عنه أو نقيصة به فلا حرج عليه ، لأن دفع الضرر عن النفس واجب.

وأمّا كراهته فتواضع لله وتخفيف على أصحابه ، وكذا نقول : ينبغي للمؤمن أن لا يحبّ ذلك ، وأن يؤاخذ نفسه بمحبة تركه إذا مالت إليه ، [ و ] لأنّ الصحابة كانوا يقومون كما في الحديث ، ويبعد عدم علمه به مع أنّ فعلهم يدلّ على تسويغ ذلك ، انتهى.(١)

وأن يصون عرض أخيه ونفسه وماله عن ظلم غيره مهما أمكن وينصره ، وقد أشرنا إلى بعض ما يدلّ عليه في الغيبة.

وفي النبويصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من حمى عرض أخيه المسلم في الدنيا بعث الله ملكاً يحميه يوم القيامة من النار ».(٢)

وعن جابر قال : « سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ما من امرىء ينصر مسلماً في موضع ينهتك فيه عرضه ويستحلّ حرمته الا نصره الله في موطن يستحبّ نصره ، وما من امرىء خذل مسلماً في موطن ينتهك فيه حرمته الا خذله الله في موضع يستحبّ فيه نصره ».(٣)

وأن يسمّت العاطس ، فقد روي عن جماعة من أصحاب الصادقعليه‌السلام

__________________

١ ـ القواعد : ص ٢٦٢ مع اختلاف ، المحجة البيضاء : ٣ / ٣٩٢ ، نقلاً عن قواعد الشهيدرحمه‌الله .

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٩٤.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٩٤.

٤١٤

أنّه قال : إنّ من حقّ المسلم على المسلم أن يعوده إذا اشتكى ، وأن يجيبه إذا دعاه ، وأن يشهده إذا مات ، وأن يسمّته إذا عطس.(١)

وأن يجامل الأشرار ويتّقيهم.

قال الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى :( أولئك يؤتون أجرهم مرّتين بما صبروا ) (٢) على التقيّة ، وفي قوله تعالى :( ويدرؤن بالحسنة السيّئة ) (٣) : الحسنة التقيّة والسيئة الإذاعة ».(٤)

وقالعليه‌السلام : « لا دين لمن لا تقيّة له ».(٥)

وقال الباقرعليه‌السلام : « التقيّة في كلّ ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل به »(٦) « وأنّ التقيّة في كلّ شيء يضطر إليه ابن آدم ، فقد أحلّه الله » ،(٧)

وقالعليه‌السلام : « إنّما جعلت التقيّة ليحقن بها الدم ، فإذا بلغ الدم فليست تقيّة ».(٨)

« وفي التوراة مكتوب : ياموسى! اكتم مكتوم سرّي في سريرتك وأظهر في علانيتك المداراة عنّي لعدوك وعدوّي من خلقي ولا تستسبّ لي عندهم بإظهار مكتوم سرّي فتشرك عدوّك وعدوّي في سبّي ».(٩)

وأن يخالط المساكين ، ويحسن إلى الأيتام دون الأغنياء من أهل الدنيا.

فقد كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين ».(١٠)

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣٣ / ٣٩٦ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٦٥٣.

٢ ـ القصص : ٥٤.

٣ ـ القصص : ٥٤.

٤ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٩٨ ـ ٣٩٩ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٢١٧.

٥ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٩٩ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٢١٧.

٦ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٠ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٢١٩.

٧ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٠ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٢٢٠.

٨ ـ المحجة البيضاء : ٣٣ / ٤٠٠ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٢٢٠.

٩ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٠ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١١٧.

١٠ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٢.

٤١٥

وكان سليمان في ملكه إذا رأى مسكيناً جلس إليه وقال : « مسكين جالس مسكيناً ».(١)

وقال موسى : « إلهي أين أبغيك؟ فقال : عند المنكسرة قلوبهم ».(٢)

وعن الصادقعليه‌السلام : « ما من عبد يمسح يده على رأس يتيم ترحّماً له الا أعطاه الله عزّوجلّ بكل شعرة نوراً يوم القيامة ».(٣)

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أنكر منكم قساوة قلبه فليدن يتيماً فيلاطفه ويمسح رأسه يلن قلبه بإذن الله ، فإنّ لليتيم حقّاً ».(٤)

وقال الصادقعليه‌السلام : « إذا بكى اليتيم اهتزّ له العرش فقول الله تعالى : من هذا الذي أبكى عبدي الذي سلبته أبويه في صغره ، فوعزّتي وجلالي وارتفاع مكاني مكاني لايسكته عبد مؤمن الا وأوجبت له الجنّة ».(٥)

وأن ينصح المسلمين ويجتهد في إدخال السرور على قلوبهم.

فعن الصادقعليه‌السلام : « يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه ».(٦)

وقال الباقرعليه‌السلام في تفسير قوله تعالى :( وقولوا للناس حسنا ) : « أي أحسن ما تحبّون أن يقال فيكم ».(٧)

وقال الصادقعليه‌السلام : « إنّ أعظم الناس منزلة عند الله تعالى يوم القيامة أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه ».(٨)

وقال : « من أصبح لايهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم ».(٩)

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٢.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٢.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٣ ، نقلاً عن الفقيه : / ٤٩.

٤ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٤ ، نقلاً عن الفقيه : /

٥ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٤ ، نقلاً عن الفقيه : /

٦ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٥ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٢٠٨.

٧ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٦ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٦٥.

٨ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٦ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ٢٠٨.

٩ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٧ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٦٣.

٤١٦

وسئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحبّ الناس إلى الله تعالى؟ فقال : « أنفع الناس للناس ».(١)

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الخلق عيال الله فأحبّ الخلق إلى الله من نفع عيال الله وأدخل على أهل بيت سروراً ».(٢)

وقال : « ما عبدالله بشيء أحبّ إلى الله من إدخال السرور على المؤمن ».(٣)

والأخبار في ذلك لاتحصى.

وأن يعود مرضاهم ويشهد جنائزهم.

فقد قال الصادقعليه‌السلام : « أيّما مؤمن عاد مؤمناً حين يصبح شيّعه سبعون ألف ملك ، فإذا قعد غمرته الرحمة واستغفروا له حتى يمسي ، وإن عاده مساءاً كان له مثل ذلك حتّذى يصبح ».(٤)

وقالعليه‌السلام : « إذا دخل أحدكم على أخيه عائداً له فليدع له فإنّ دعاءه مثل دعاء الملائكة »(٥) و « من عاد مريضاً في الله لم يسأل المريض للعائد شيئاً الا استجيب له ».(٦)

وقالعليه‌السلام : « من تمام العيادة للمريض أن تدع يدك على ذراعه وتعجل القيام من عنده ».(٧)

وقال عليعليه‌السلام : « إنّ من أعظم العوّاد أجراً عند الله تعالى من إذا عاد خفّف الجلوس عنده ، الا أن يكون المريض يحبّ ذلك ويريده ويسأله عن

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٧ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٦٤.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٧ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٦٤.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٠٧ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٨٨ ، عن الباقرعليه‌السلام .

٤ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٠ ، نقلاً عن الكافي : ٣ / ١٢١.

٥ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١١ ، نقلاً عن مكارم الأخلاق / ٣٦١ ، الباب ١١ ، وفيه : « فليدع له وليطلب منه الدعاء ، فإنّ دعاءه ».

٦ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١١ ، نقلاً عن مكارم الأخلاق / ٣٦١ ، الباب ١١.

٧ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١١ ، نقلاً عن الكافي : ٣ / ١١٨.

٤١٧

ذلك ».(١)

وقالعليه‌السلام : « لا عيادة في وجع العين ، ولايكون عيادة [ في ] أقلّ من ثلاثة أيّام ، فإذا وجبت فيوم ويوم لا ».(٢)

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من شيّع جنازة فله قيراط من الأجر ، فإن وقف حتّى دفن فله قيراطان ».(٣)

وفي الخبر : « القيراط مثل جبل أحد ».(٤)

والقصد من التشييع قضاء حقّ المسلمين والعبرة ، فمن آدابه لزوم الخشوع وترك الحديث وملاحظة الميت والتفكّر في الموت والاستعداد له.

وعن الصادقعليه‌السلام : « من أخذ بقائمة السرير غفر الله له خمساً وعشرين كبيرة ، وإذا ربّع خرج من الذنوب »(٥) أي أخذ بجوانبه الأربعة.

والتعزية

فقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من عزّى حزيناً كسي في الموقف حلّة يجرّبها ».(٦)

وعن الصادقعليه‌السلام : « أنّها بعد الدفن وأنّه يكفيك أن يراك صاحب المصيبة ».(٧)

« وكان الكاظمعليه‌السلام يعزّي قبل الدفن وبعده ».(٨)

وهي بالمأثور أحسن ، فيقول : « جبر الله وهنكم وأحسن عزاءكم ورحم متوفّيكم ».(٩)

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٢ ، نقلاً عن الكافي : ٣ / ١١٨ ـ ١١٩.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٢ ، نقلاً عن الكافي : ٣ / ١١٧.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٣.

٤ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٣.

٥ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٥ ، نقلاً عن الفقيه : ١ / ١٦٢ ، باب الصلاة على الميّت.

٦ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٥ ، نقلاً عن الفقيه : ١ / ١٧٣ ، باب التعزية ، وفيه : « يحبربها ».

٧ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٦ ، نقلاً عن الفقيه : ١ / ١٧٤.

٨ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٥ ، نقلاً عن الفقيه : ١ / ١٧٣ ـ ١٧٤.

٩ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٧ ، نقلاً عن الفقيه : ١ / ١٧٤.

٤١٨

وينبغي لأولياء الميّت أن يعلموا بموته حتى يشهدوا جنازته ويصلّوا عليه ويستغفروا له ، فيكتب لهم الأجر وللميّت الاستغفار. كما عن الصادقعليه‌السلام (١)

وأن يقول إذا رأى جنازة : الله أكبر هذا ما وعدنا الله ورسوله.(٢)

وأن يزور قبورهم ، وقد عرفت أنّه مقلّل لطول الأمل ، ومذكّر للموت ، ومرقّق للقلب.

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « القبر أوّل منزل من منازل الآخرة. ، فإن نجا منه صاحبه فما بعده أيسر ، وإن لم ينج منه فما بعده أشدّ ».(٣)

وكان بعض الأكابر حفر في بيته قبراً فإذا وجد قساوة من قلبه دخل فيه واضطجع ومكث ساعة وقال : ربّ ارجعون لعلّي أعمل صالحاً فيما تركت ، ثم يقول : قد رجعت فاعمل الآن قبل أن لاترجع.(٤)

وكان عليعليه‌السلام إذا دخل المقابر يقول : « يا أهل التربة ويا أهل الغربة أمّا الدور فقد سكنت ، وأمّا الأزواج فقد نكحت ، وأمّا الأموال فقد قسمت ، هذا آخر ما عندنا فليت شعري ما عندكم ، ثم التفت إلى أصحابه فقال : لو أذن لهم في الجواب لقالوا : إنّ خير الزاد التقوى ».(٥)

وأن يصلّي صلاة الوحشة أو غيرها من الأدعية والاستغفار وسائر أعمال الخير.

فقد قال الصادقعليه‌السلام : « من عمل عن ميّت عملاً صالحاً أضعف له ونفع الله به الميّت ».(٦)

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٦ ، نقلاً عن الكافي : ٣٣ / ١٦٦.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٧ ، نقلاً عن الكافي : ٣ / ١٦٧ ، وفيه زيادة على ما ذكر.

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٧ ـ ٤١٨.

٤ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٨.

٥ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤١٩ ، نقلاً عن الفقيه : ١ / ١٧٩ ـ ١٨٠.

٦ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٢٠ ، نقلاً عن الفقيه : ١ / ١٨٥.

٤١٩

فهذه جملة آداب العشرة مع عامّة الخلق ، فصّلها أبوحامد الغزالي وغيره ، ثم قال : « والجملة الجامعة فيها أن لاتستحقر منهم أحداً حيّاً كان أم ميّتاً ، لأنّك لاتدري لعلّه خير منك ، فإنّه وإن كان فاسقاً فإنّه(١) يختم له بالصلاح ، ويختم لك بمثل حاله ، ولاتنظر إليهم بعين التعظيم لهم في دنياهم ، فإنّها صغيرة عند الله تعالى مع ما فيها ، ولاتبذل لهم دينك لتنال من دنياهم فتصغر في أعينهم وتحرم من دنياهم وتسقط من عين الله ، وإن لم تحرم مندنياهم فقد استبدلت الذي هو أدنى بالّذي هو خير ، ولا تعادهم فتظهر لهم العداوة فيطو لأمرك في المعاداة ويذهب بها دينك ودنياك ودينهم بك الا إذا رأيت منهم منكراً في الدين فتعاديهم في الله مع النظر إليهم بعين الرحمة لتعرّضهم لمقت الله وعقابه فحسبهم جهنّم يصلونها ، فما لك تحقد عليهم ولا تسكن إليهم في مودّتهم لك وثنائهم في وجهك ، فإنّك إن طلبت حقيقة ذلك لم تجد من المائة واحداً لا تشك إليهم أحوالك فيكلك الله إليهم ، ولا تطمع أن تكون حالهم فيك واحداً في السرّ والعلانية ، فإنّه طمع كاذب ولا تظفر به ، ولا تطمع في مافي أيديهم فتستعجل الذلّ ولا تنال الغرض ولاتتكّبر عليهم باستغنائك عنهم فيلجئك الله إليهم عقوبة على تكبّرك.

وإن سألت أخاك حاجة فقضاها فهو أخ مستفاد ، والا فلا تعاتبه فيعاديك.

ولا تعظ من لا ترى منه مخائل القبول ، فلا يسمع منك ويعاديك ، وإن وعظت فلا تنصّ على شخص خاص ، بل أرسل إرسالاً ، وإن أكرمك أحد فاشكر الله على تسخيره لك واستعذ به من شرور الناس ولا تكافئه فيزيد ضررك ويضيع عمرك ، ولاتقل : لم يعرفوا محلّي وما قدروني حقّ

__________________

١ ـ كذا ، والظاهر : فلعلّه.

٤٢٠

قدري ، فإنّك لو كنت مستحقاً له لسخّرهم ربّك لك ، فإنّه المؤلّف بين القلوب ومفرّقها واصمت عن باطلهم واحذر مصاحبتهم فإنّهم لايقيلون لك عثرة ولايسترون لك عورة ويحاسبونك على النقير والقطمير ويحسدونك على القليل والكثير ويؤاخذون على الخطا والنسيان ويعيّرون الإخوان بالنميمة والبهتان ، فصحبة أكثرهم ضرار وقطيعتهم رجحان ، إن رضوا فظاهرهم الملق ، وإن سخطوا فباطنهم الخنق ، واليؤمنون في خنقهم ولايرجون في ملقهم ، ظاهرهم ثياب ، وباطنهم ذئاب ، يستنصفون ولا ينصفون ويؤذونك ولا يعفون ، بل نيطقون بالظنون ويتربّصون بالصديق من الحسد ريب المنون ، يدّخرون عثراتك في صحبتهم ليحصوها عليك في وحشتهم.

ولا تعتمد بمودّة من لم تمتحنه حقّ الاختبار بالمصاحبة في محل واحد أو في الدار أو في الأسفار فتجرّبة في عزله وولايته وغناه وفقره أو معاملته أو تقع في شدّة فتحتاج إليه ، فإن رضيته في هذه الأحوال فاتّخذه أباً لك إن كان كبيرأً وابناً لك إن كان صغيراً ،وأخاً لك إن ساولك ، انتهى ملخّصاً ».(١)

تذنيب

قد بيّنا حقّ الجوار وحقّ الرحم ، ويدلّ على الثاني أخبار أكثر من أن تحصى ، وقد أشرنا إلى بعضها.

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يقول الله تعالى : أنا الرحمن وهذه الرحم قد اشتققت لها اسماً من اسمي ، فمن وصلها وصلته ، ومن قطعها قطعته ».(٢)

وقال الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى :( واتّقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) (٣) : « هي أرحام الناس إنّ الله أمر بصلتها وعظّمهما ، ألا ترى أنّه

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٢٠ ـ ٤٢٢.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٢٧ ـ ٤٢٨.

٣ ـ النساء : ١.

٤٢١

جعلها منه؟ ».(١)

وقال الباقرعليه‌السلام : « صلة الأرحام تزكّي الأعمال وتنمي الأموال وتدفع البلوى وتيسّر الحساب وتنسىء في الآجال وتوسّع في رزقه ».(٢)

وعن السجّادعليه‌السلام : « قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من سرّه أن يمدّ الله في عمره وأن يبسط له في رزقه فليصل رحمه ، فإنّ الرحم له لسان ذلق يوم القيامة ، يقول ربّ! صل من وصلني واقطع من قطعني ».(٣)

وقال الصادقعليه‌السلام : « إنّ صلة الرحم والبرّ يهوّنان الحساب ويعصمان الذنوب ، فصلوا أرحامكم وبرّوا بإخوانكم ولو بحسن السّلام وردّ الجواب ».(٤)

وقالعليه‌السلام : « صل رحمك ولو بشربة من ماء ، وأفضل ما توصل به الرحم كفّ الأذى عنها ، وصلة الرحم منسأة في الأجل ومحبّة في الأهل ».(٥)

وأفضلها وأحسنها الولادة.

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « برّ الوالدين أفضل من الصلاة والصوم والحجّ والعمرة والجهاد في سبيل الله ».(٦)

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « برّ الوالدة على الولد ضعفان ».(٧)

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الوالدة أسرع إجابة ، قيل : يارسول الله ولم ذاك؟ قال :

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٣٠ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٥٠.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٣٣٠ ، نقلاً عن الكافي : ٢ / ١٥٠ إلى « في الآجال » ثم قال في المحجّة : « وفي رواية : وتوسّع في رزقة وتحبّب في أهل بيته » والمصنّف كما ترى جمع بينهما وجعلهما رواية واحدة. والرواية الأخرى في الكافي : ٣ / ١٥٢.

٣ ـ الكافي : ٢ / ١٥٦ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب صلّة الرحم ، ح ٢٩.

٤ ـ الكافي : ٢ / ١٥٧ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب صلّة الرحم ، ح ٣١.

٥ ـ الكافي : ٢ / ١٥١ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب صلّة الرحم ، ح ٩.

٦ ـ المحجة البيضاء : ٣٣ / ٤٣٣٤.

٧ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٤٣٥ وفيه : « على الولد ».

٤٢٢

هي أرحم من الأب ، ودعوة الرحم لاتسقط ».(١)

وعن الصادقعليه‌السلام قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رحم الله والدين أعانا ولدهما على برّهما ».(٢)

[ وفي رواية اخرى ](٣) « قلت : كيف يعينه على برّه؟ قال : يقبل ميسوره ويتجاوز عن معسوره ولا يرهقه ولا يخرق به ، وليس بينه وبين أن يصير في حدّ من حدود الكفر الا أن يدخل في عقوق أو قطيعة رحم ».(٤)

وقال رجل من الأنصار للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أبرّ؟ فقال : والديك ، قال : قد مضيا ، قال : برّ ولدك.(٥)

وكلّ ما يذكر في حقوق الاخوة جار في حقوق الأبوين ، فإنّ هذه الرابطة آكد منها ويزيد عليها ما أشرنا إليه من وجوب إطاعتهما شرعاً فيما سوى الحرام المحض.

وحقّ الأمّ أظهر في الجسمانيات ، فلذا اكثر من الحثّ عليه ورجّح على حقّ الأب.

قال السجادعليه‌السلام : « وحقّ أمّك أن تعلم أنّنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحداً ، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحداً ، ووقتك بجميع جوارحها ، ولم تبال أن تجوع وتطمك ، وتعطش وتسقيك ، وتعرى وتكسوك وتضحى وتظلّك ، وتهجر النوم لأجلك ووقتك الحرّ والبرد لتكون لها ، فإنّك لاتطيق شكرها الا بعون الله وتوفيقه الحديث ».(٦)

فهذه الحقوق كلّها جسميّة والأب وإن كانت له حقوق جسميّة أيضاً ،

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٣٥ ، وفيه : « دعوة الوالدة ».

٢ ـ الكافي : ٦ / ٤٨ ، كتاب العقيقة ، باب حق الأولاد ، ح ٣٣.

٣ ـ هذه الزيادة لابدّ منها ، لأنّ المصنّف جمع بين روايتين من دون إشارة.

٤ ـ الكافي : ٦ / ٥٠ ، كتاب العقيقة ، باب برّ الأولاد ، ح ٦.

٥ ـ الكافي : ٦ / ٤٩ ، كتاب العقيقة ، باب برّ الأولاد ، ح ٢.

٦ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٥١ ، نقلاً عن الفقيه : ٢ / ٦٢١.

٤٢٣

بل قد تكون أكثر الا أنّ حقوقها أظهر وتعبها فيما تتحمّله من المشاقّ أبين.

نعم حقّ الأب أظهر من حيث المعنى والروحانية ، فإنّه أصل وجودك والنعمة عليك ومربّيك والراغب في استجماعك لما يظنّه كمالاً في حقّك ، والواصل بك إلى كلّ مرتبة تعجبك إن وصلت إليها ، فهو في الحقيقة أحقّ من الأم بالحقوق المقرّرة لهما عليك ، والفرق بينهما بقدر الفرق بين الجسم والروح ، فإنّ أمّك مربّية لجسمك خاصّة وحافظة له عن الآفات الجسمانية بالقدر الممكن لها وأبوك مربّ لنفسك وروحك ، مضافاً إلى جسمك.

ألا ترى أنّه يرضى عليك بما تكرهه ويشقّ عليك من الحرّ والبرد والجوع والعطش والسهر وغيرها في تحصيل مايراه كمالاً في حقّك ممّا لاترضى به أمّك.

قال السجّادعليه‌السلام : « وأمّا حقّ أبيك فأن تعلم أنّه أصلك فإنّك لو لاه لما تكن ، فمهما رأيت من نفسك ما يعجبك فاعلم أنّ أباك أصل النعمة عليك فيه الحديث ».(١)

فحقّه أعظم وأوجب حقيقة سيّما فيما يتعلّق بالروحانيّات كالإعظام والإكرام وطلب المغفرة والسعي في بقاء اسمه وأثره بعد موته وأضرابهما ، وهذا ممّا لا سترة فيه ، فاللازم توجيه ما ورد في ترجيح حقّ الأمّ وتقديمه بتخصيصه بالجسمانيات كالخدمة وحسن الإنفاق وأمثال ذلك ، فإنّها لكونها مرأة وهي قاصرة العقل في درك الكمالات والفضائل النفسانية قليلة الطاقة في تحمّل المكاره الجسمانيّة ، فمراعاة شأنها فيها أولى وأليق ، فافهم.

وممّا ذكر يظهر أنّ حقّ المعلّم أعظم لكونه روحانياً محضاً.

قال السجادعليه‌السلام : « وحقّ سائسك بالعلم التعظيم والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع إليه والإقبال عليه ، وأن لاترفع عليه صوتك ، ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب ، ولا تحدّث في مجلسه

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٥٠ ، نقلاً عن الفقيه : ٢ / ٦٢٢.

٤٢٤

أحداً ، ولا تغتاب عنده أحداً ، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء ، وأن تستر عيوبه وتظهر مناقبه ، ولاتجالس له عدوّاً ، ولا تعادي له وليّاً ، فإذا فعلت ذلك شهدت لك ملائكة الله بأنّك قصدته وتعلّمت علمه لله لا للناس ، إلى أن قالعليه‌السلام :

« وأما حقّ رعيّتك بالعلم فأن تعلم أنّ الله عزّوجلّ إنّما جعلك قيّماً لهم فيما أتاك من العلم ، وفتح لك من خزائنه ، فإن أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم زادك الله من فضله ، وإن أنت منعت الناس علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك كان حقّاً على الله عزّوجلّ أن يسلبك العلم وبهاءه ، ويسقط من القلوب محلّك الحديث ».(١)

« فالمتعلّم منك ولد روحاني لك ، كما أنّ معلمك والد روحاني لك ، والتفاوت بين حقوقهما وحقوق الوالد والولد الجسمانيين كالتفاوت بين الجسم والروح ، فإن اجتمعتا عظمت الحقوق وواجتمعت » ، وقد أشرنا إلى بعض آداب التعلّم والتعليم فيما سبق بما فيه كفاية.

فصل

وأمّا حقوق الزوجة ، فالحقوق الظاهرة الواجبة شرعاً مذكور في كتاب النكاح من علم الفقه ، ولا حاجة إلى إعادتها ، وقد أشار السيّد السجّادعليه‌السلام إليها إجمالاً ، فقال :

« وأمّا حقّ الزوجة فأن تعلم أنّ الله جعلها لك سكناً وأنساً ، فتعلم أنّ ذلك نعمة من الله تعالى عليك فتكرمها وترفق بها ، وإن كان حقّك عليها أوجب ، فإنّ لها عليك أن ترحمها لأنّها أسيرك وتطعمها وتكسوها ، وإذا

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٥٠ ، نقلاً عن الفقيه : ٢ / ٦٢٠ ـ ٦٢١.

٤٢٥

جهلت عفوت عنها ».(١)

وحقوق الزوج وإن كانت أعظم وأكثر كما أشار إليها السجّادعليه‌السلام وتكفّلت لبيانها مفصلّاً كتب الفقه ، الا أنّ الله تعالى يداقّ الناس على قدر عقولهم ، فإذا كان عقلك أتمّ وسلطنتك عليها أكثر كنت أولى بمراعاة جانبها ، وأحقّ بالاحسان إليها والمداراة معها.

فصل

وأمّا حقوق المملوك فقد أشير إليها أيضاً في كتب الفقه.

قال السجّادعليه‌السلام : « وأمّا حقّ مملوكك فأن تعلم أنّه خلق ربّك وابن أبيك وأمّك ولحمك ودمك ، لم تملكه لأنّك صنعته دون الله ولا خلقت شيئاً من جوارحه ولا أخرجت له رزقاً ، ولكّن الله كفاك ذلك ثم سخّره لك وائتمنك عليه واستودعك إيّاه ليحفظ لك ما يأتيك من خير إليه فأحسن إليه كما أحسن الله إليك ، وإن كرهته استبدلت به ولم تعذّب خلق الله ».(٢)

وكان من آخر ما أوصى به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن قال : « اتّقوا الله فيما ملكت أيمانكم أطعموهم ممّا تأكلون وألبسوهم مما تلبسون ، ولا تكلّفوهم من العمل ما لا يطيقون ، فما أحببتم فأمسكوا وما كرهتم فبيعوا ولا تعذّبوا خلق الله تعالى فإن الله ملّككم إيّاهم ولو شاء لملّكهم إيّاكم ».(٣)

فصل

وأما الصحبة والاخوّة فإنّ أحسنهما ما كان الله وفي الله وهو موقوف على معرفة حقيقة الحبّ والبغض وأقسامهما وسنذكرهما إن شاء الله تعالى

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٥٠ ، نقلاً عن الفقيه : ٢ / ٦٢١.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٥٠ ـ ٤٥١ ، نقلاً عن الفقييه : ٢ / ٦٢١ ، وفيهما : « ما يأتيه من خير إليه ».

٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٤٤٤.

٤٢٦

وساعدنا التوفيق.

ثم إنّ لمن يختار صحبته شروطاً فلا يصلح للصحبة كلّ أحد.

ففي النبويصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل ».(١)

وهي تظهر بحسب الغاية المطلوبة منها وهي دينية ودنيوية ، والثانية ليست من غرضنا ، والأولى مختلفة.

فمنها : استفادة العلم والعمل.

ومنها : استفادة الجاه دفعاً للأذية المشوّشة للقلب والصادّة عمّا هو مقصود لذاته ، أو المال احترازاً عن تضييع الأوقات في طلب الأقوات.

ومنها : الاستعانة في المهمّات والاستعداد للمصائب وسائر الحالات.

ومنها : التبرّك بالدعاء أو انتظار الشفاعة في العقبى.

فكلّ من هذه الفوائد تقتضي شروطاً لا تحصل الا بها ، وهي اجمالاً استجماعه لخمس خصال.

أن يكون عاقلاً فلا خير في صحبة الأحمق ، لأنّه يضرّك حال قصده لمنفعتك من حيث لايعلم ، ولذا قيل :

إنّي لآمن من عدوّ عاقل

وأخاف خلاً يعتريه جنون

فالعقل فنّ واحد وطريقه

أدرى وأرصد والجنون فنون

والمراد من العاقل من يفهم الأمور على ما هي عليها بنفسه ، أو بتفهيم الغير.

وأن يكون حسن الخلق ، إذ ربّ عاقل عاجز عن قهر شهوته وغضبه فيخالف ما يدركه عقله من غير شعور.

وأن لايكون فاسقاً ، فإنّ من لايخاف الله لا يوثق به ، بل يتغيّر بتغيّر الأغراض.

قال تعالى :( فأعرض عمّن تولّى عن ذكرنا ولم يرد الا الحياة

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٠٩.

٤٢٧

الدنيا ) .(١)

وقال :( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه ) (٢) مع أن مصاحبته تهوّن العصيان على القلب ، فلا تتنفّر عنه ، وقد سبق في صدر الكتاب ما يؤكّد ذلك.

ولا مبتدعاً ، إذ فيه خطر السراية وشمول العذاب واللعنة.

قال الصادقعليه‌السلام : « لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم فتصيروا عند الله كواحد منهم ».(٣)

ولا حيصاً على الدنيا ، فإنّ صحبته سمّ قاتل والطبع سارق من حيث لايدري.

ونقل بعضهم أنّه أوصى ابنه عند وفاته فقال : إن عرضت لك حاجة إلى صحبة الرجال فاصحب من إذا خدمته صانك ، وإذا صحبته زانك ، وإن نفدت مؤونتك مانك.

اصحب من إذا مددت يدك لخير مدّها ، وإن رأى منك حسنة عدّها ، وإذا رأى سيّئة سدّها.

اصحب من إذا سألته أعطاك ، وإذا سكت ابتداك ، وإذا سكتّ ابتداك ، وإذا نزلت بل نازلة واساك.

اصحب من إذا قلت صدّق قولك ، وإذا صلت شدّ صولك ، من لاتأتيك منه البوائق ، ولا تلتبس عليك منه الحقائق ، ولا يخذلك عند الطرائق وإن حاولتما أمراً أمّرك ، وإن تنازعتما آثرك.

ولمّا ذكرت للمأمون قال : من أين هذا؟ فقيل : أراد أن لايصحب

__________________

١ ـ النجم : ٢٩.

٢ ـ الكهف : ٢٨.

٣ ـ الكافي : ٢ / ٣٧٥ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب مجالسة أهل المعاصي ، ح ٣ ووفيه : « عند الناس » مكان « عند الله ».

٤٢٨

أحداً.(١)

وفي مصباح الشريعة عن الصادقعليه‌السلام قال : « احذر أن تواخي من أرادك لطمع أو خوف أو فشل أو أكل أو شرب ، واطلب مواخاة الأتقياء ولو في ظلمات الأرض وإن أفنيت عمرك في طلبهم ، فإنّ الله لم يخلق بعد النبيين على وجه الأرض أفضل منهم ، وما أنعم الله على العبد بمثل ما أنعم الله به من التوفيق لصحبتهم. قال الله تعالى :( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ الا المتّقين ) .(٢) »(٣)

ولنعم ما قيل : « لو طلب أحد في زماننا صديقاً كذلك بقي بلا صديق ، ألا ترى أنّ أكرم كرامة أكرم الله بها أنبياءه وأمناءه صحبة أنبيائه ، وهو يدلّ على أنّه ما من نعمة في الدارين أجلّ وأزكى من الصحبة والمواخاة لوجه الله تعالى. »(٤)

فإن وجدت من تستفيد به أحد هذه المقاصد فاعرف قدره ، ولا ترفع اليد عنه ، فإنّه من أعظم ما أنعم الله به عليك والا فالوحدة أولى لك وأسلم.

قال أبوذر : « الوحدة خير من جليس السوء ، والجليس الصالح خير من الوحدة ».(٥)

فصل

إذا عرفت حقيقة الاخوّة والصحبة وحصّلت من استجمع شرائطها فاعلم أنّ له بعد انعقاد اخوتّك معه عليك حقوقاً ثمانية :

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣١٤.

٢ ـ الزخرف : ٦٧.

٣ ـ مصباح الشريعة : الباب ٥٥ ، في المواخاة.

٤ ـ هذا بقيّة ما في مصباح الشريعة ، ففيه بعد ذكر الآية : « وأظنّ من طلب في زماننا هذا صديقاً » مع تغيير في بعض عباراته.

٥ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣١٨.

٤٢٩

أحدها : حقّ في مالك ، وأدناه تنزيله منزلة العبد والخادم فتعطيه من فضل مالك إن سنحت له حاجة بدون السؤال ، فإن أحوجته إليه كان تقصيراً في حقّه.

ثم تنزيله منزلة النفس فتشاركه فيه وتشاطره عليه بالسوية.

ثم إيثاره به مع حاجتك إليه ، وهو غاية درجات المتحابّين ، ومن تمامه الإيثار بالنفس أيضاً ، كما أنّ عليّاًعليه‌السلام بات على فراش النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآثره بنفسه فمن لم يصادف نفسه في إحداها كانت مصاحبته ضعيفة لا وقع لها في الدين والعقل ، بل الأولى ليست مرضية عند ذويهما كما لايخفى على متصفّح الآثار ومتتبّع الأخبار وإنّما المرضي عندهم المشار إليه بقوله :( وممّا رزقناهم ينفقون ) (١) ـ على ما قيل و ـ الاختلاط فيه بدون تمييز وهو المفضّل على الصدقات.

قال عليعليه‌السلام : « لعشرون درهماً اعطيها أخي في الله أحبّ إليّ من مائة درهم أتصدّق بها على المساكين ».(٢)

والثاني : حقّ في نفسك بقضاء حوائجه ومهامّه قبل سؤاله وتقديمها على حوائجك وأدناه القيام بها عند السؤال والقدرة مع البشاشة والاستبشار والامتنان.

وبالجملة من تمام الاخوّة أن تكون حاجته كحاجتك أو أهمّ منها فلا تغفل عنه كما لاتغفل عن نفسك ، ونفسك ، وتغنيه عن السؤال فتقوم بحوائجه كأنّك لاتدري به(٣) حيث لاترى لك حقّاً فيه وتجتهد في الاكرام بالزيارة والإيثار وتقديم جانبه على الأقارب والأولاد ، بل التنفر بمسّرة ولذّة دونه وتستوحش من فراقه.

__________________

١ ـ البقرة : ٣.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٢٠ و ٢ / ٩٢.

٣ ـ أي لاتدري بقيامك بحوائجه فالضمير يرجع إلى المصدر المؤوّل المذكور قبله.

٤٣٠

والثالث : حق في لسانك بالسكوت عن معايبه مع حضوره وغيبته ، بل تجاهل عنه ، ولا ترّد عليه فيما يتكلّم به ، وعن التجسس وعن أحواله أي تسكت عن أسراره التي ينهيها إليه دون غيره لأحد حتّى أخصّ أصدقائه ولو بعد الوحشة فإنّه من لؤم الطبع وخبث الباطن ، ولذا قيل :

وترى الكريم إذا اتصرّم وصله

يخفي القبيح ويظهر الإحسانا

وترى اللّئيم إذا تقضى وصله

يخفي الجميل ويظهر البهتان

بل من الجهل والحماقة.

فقد قال عليعليه‌السلام : « قلب الأحمق في فيه ولسان العاقل في قلبه ».(١)

ولذا وجب مقاطعة الحمقى ، قيل لبعضهم : كيف تحفظ السرّ؟ فقال : أستره وأستر أنّي أستره ، وقيل فيه :

ومستودعي سرّاً تبوّءت كتمه

فأودعته صدري فصار له قبرا

وزاد آخر فقال :

وما السرّ في صدري كثاو بقبره

لأني أرى المقبور ينتظر النشرا

ولكنّني أنساه حتى كأنّني

بما كان منه لم أحط ساعة خبرا

والقدح(٢) في أهله وولده وأحبّائه بل عن حكايته عن غيره ، فإنّ التأذّي يحصل أوّلاً منه ثم من القائل بخلاف المدح من نفسه أو غيره ، حيث ينبغي إظهاره وافشاؤه لحصول السرور منه أوّلاً ، ثم من القائل إن كان ناقلاً ، والحاصل يسكت عمّا يكرهه مطلقاً الا إذا وجب في أمر بمعروف أو نهي عن منكر ، ولم يكن له رخصة في السكوت فلا يبالي بكراهته ، لأنّه إحسان إليه واقعاً ، وإنّ ظن أنّه إساءة.

وممّا يهوّن عليك السكوت عن معايب أخيك أن تطالع في معايبك ، فإن وجدت لنفسك عيباً فقدّر انّ أخاك مثلك في العجز عن قهر نفسه عنها.

__________________

١ ـ نهج البلاغة : الحكمة ٤١.

٢ ـ عطف على التّجسس أي : بالسكوت عن القدح في أهله

٤٣١

وأن تعلم أن المبرى من كل عيب سيما في هذا الزمان كالكبريت الأحمر ، فلو طلبته لزمك الاحتراز والاعتزال عن كل الناس.

فغاية المنى في المصاحب من غلتب محاسنه على مساويه ، والمؤمن لابد أن ينظر إلى محاسن صاحبه لينبعث منه الود والاحترام والشوق إلى تحصيله(١) إن كان فاقداً لها دون المساوي حتى ينتح نقائضها كما هو هو دأب المنافق اللئيم ، وكما ينبغي السكوت لساناً فكذلك قلباً بأن لاتسيء به الظن وتحمل أفعاله على السهو والنسيان مهما أمكن سواء كانت فراسة أي مستندة إلى علامة محركة للظن تحركاً ضرورياً أو ناشة من سوء الاعتقاد فيه حتى إنه يصدر منه فعل ذووجهين فيحمله سوء العقيدة على تنزيله على الوجه الأردى من غير علامة مخصصة ، وإن كان الأخير شاملاً لكل مسلم كما أشير إليه سابقاً.

والباعث الغالب لكشف العيوب والامتناع عن سترها الحقد والحسد لامتلاء باطنه منهما ، فإذا اغتنم فرصة انحلت الرابطة ورشح الباطن بخبثه والانقطاع حينئذ أولى.

وكذا ينبغي السكوت عن مما راته في تكلماته ، فإنها مثيرة لنار الحقد ، مضافاً إلى كونها من رذائل الأعمال في نفسها مع كل أحد ، وكونها موجبة للتكبر بإظهار التميز بمزيد العقل والفضل وتحقير المسلم بنسبته إلى الجهالة أو الحماقة أو السهو أو الغفلة عن فهم الشيء كما هو حقه ، وهو مذموم ، ومناف للاخوة ، ومستلزم للنفرة والوحشة والمعاداة.

والرابع : حق فيه أيضاً بالنطق ، بأن تتودد إليه باللسان وتسأل عما لابد منه من أحواله وإظهار السرور مما يسره ، والكراهة مما يكرهه ، فإنه مما تزيد به المحبة المطلوبة بين المؤمنين شرعاً وإفشاء محامدة بين الناس في حضوره وغيبته والدفع عما يقدح فيه فيهما أيضاً ، والشكر له إن كان له حق عليك

__________________

١ ـ كذا ، والظاهر : تحصيلها.

٤٣٢

ولو بالقصد ، وتعليمه ونصحه حيث إنّ حاجته إلى العلم أكثر من المال ، فإن كنت غنيّاً فيه لزمتك مواساته بتعليمه وإرشاده ومع عدم عمله نصيحته بتذكيره لفوائده وتحذيره عن آفاته وتخويفه بما يزجره وتنبيهه على عيوبه وتقبيح القبيح في عينه وتحسين الحسن في نظره بحيث لايطّلع عليه أحد حتّى لايخجل ولايفتضح فيحمله على العداوة دون الإشفاق والنصيحة ، فإنّ من العلامات الفارقة بين النصيحة والتفضيح الاعلان والاسرار ، وذلك لأنّ « المؤمن مرآة المؤمن »(١) كما ورد في النبوي ، فيستفيد به من عيوب نفسه ما لايستفيد بنفسه والعاقل يمتنّ من صديقه بإعلامه لما لا يعلمه بنفسه من عيوبه كما تمتن من الذي ينبّهك على حيّة أو عقربة تحت ذيلك همّت بإهلاكك فعيوب المرء حيّات لادعة وتألّم روحه منها أكثر من تألّم جسمه منها.

نعم ، يستوحش بإعلام ما يعلمه سيّما إذا كان مخفياً له عنه فلا ينبغي له كشفه وإظهاره حينئذ أصلاً ، وأمّا مع إظهاره له فلابدّ من التلطّف في النصح تعريضاً وتصريحاً بحيث لايؤدّي إلى الإيحاش ومع العلم بعدم تأثيره فيه وكونه مقهوراً عليه طبعاً ، فالسكوت أولى ، هذا فيما يتعلّق به من مصالحه.

وأمّا ما يتعلّق بك من تقصيره في حقّك فالواجب العفو والتحمّل والتعامي عنه وإن كان بحيث يؤدّي إلى القطيعة فالعتاب سرّاً أولى من التفضيح والتعريض به خير من التصريح ، والاحتمال خير من الكلّ.

والخامس. عفوك عن زلّته ، وهي إمّا في دينه أو في حقّك ، والاولى إن أصرّ عليها وجب عليك التلطّف في نصحه بما يؤدّي به إلى الورع والصلاح فإن لم ينجع قيل : وجب انقطاعه ، لأنّ خير المحبّة والبغض ما كان لله وفي الله.

وقيل لاتتركه لأنّه يعوج مرّة ويستقيم أخرى ، وأنّه أحوج ماكان

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٣٤.

٤٣٣

إليك في هذا الوقت بأن تأخذ بيده وتتلطّف في نصحه والدعاء له بالعود إلى ما كان عليه ، وهذا الطف وأفقه ، وإن كان الأول أحسن وأسلم لما فيه من الاستمالة والرفق المفضي إلى الرجوع لاستمرار الحياء عند دوام الصحبة وإذا أيس منها أصرّ واستمرّ ، ولأنّه عقد نزل منزلة القرابة فيتأكّد به الحقّ ويجب الوفاء به.

ومن جملته(١) أن لا يهمله في أيّام فقره وفقر الدين أشدّ ، فينبغي مراعاته والتلطف به حتّى يعان على الخلاص ممّا وقع فيه ، لأنّ الاخوّة عدّة للنوائب والحوادث ، وهذا من أشدّها وهي لحمة كلحمة النسب.

قال الصادقعليه‌السلام : « مودّة يوم صلة ومودّة شهر قرابة ومودّة سنة رحم ماسّة ، من قطعها قطعه الله ».(٢)

ومنه يظهر سرّ عدم جواز مواخاة الفاسق ابتداء وحسن الاستدامة عليها انتهاء ، إذ لم يتقدّم في الأولى له حق بخلاف الثانية ، فنسبة قطع الاخوّة إلى تركها ابتداء كنسبة الطلاق إلى ترك النكاح ، فإن كانت مخالطة الكفّار من الممحذورات فمفارقة الأحبّة أيضاً من المحضورات ، وليس السالم عن المعارض كغيره.

والثانية لابدّ فيه من الصفح والتحمّل ، بل تنزيل أفعاله على الوجه الأحسن مهما أمكن ، وإن لم يمكن فضبط النفس عن الغضب المجبول عليه الطبع الزكي بكظم الغيظ والعمل بخلاف مقتضاه ممكن.

وقد قيل : الصبر على مضض الأخ خير من العتاب ، وهو خير من القطيعة ، وهي خير من الواقيعة ، ولاتبالغ في البغض مع الوقيعة عسى الله أن يجعل بينك وبينه مودّة.

والسادس : حقّ الدعاء له في حياته ومماته بما تحبّه لنفسك فإنّه في

__________________

١ ـ أي من جملة الوفاء به.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٣٨.

٤٣٤

الحقيقة دعاء لنفسك.

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا دعا الرجل لأخيه في ظهر الغيب قال الملك : ولك مثل ذلك. ».(١)

والأخبار بهذا المضمون أو ما يقرب منه كثيرة من الطريقين.

والسابع : الوفاء أي الثبات على الحب حتّى بعد الموت مع أولاده وأصدقائه لأنّه يراد للآخرة فقطيعته به إضاعة للسعي.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكرم عجوزاً لأنّها كانت تأتيه في أيّام خديجة(٢) ، والصديق يفرح بمراعاة صديقة لأجله أكثر ممّا يفرح بمراعاته ، إذ تدلّ على قوّة المحبّة ، والشيطان يجتهد في القطيعة فمعها يشمت بهما.

قال الله تعالى :( وقل لعبادي يقولوا الّتي هي أحسن ، إنّ الشيطان ينزغ بينهم ) .(٣)

ومن الوفاء أن لا يتغيّر حاله في التواضع مع أخيه وإن ارتفع شأنه وعظم جاهه.

إن الكرام إذا [ ما ] أسهلوا ذكروا

من كان يألفهم بالمنزل الخشن

ومن تمامه أن يكون شديد الجزع من فراقه ، نفور الطبع من أسبابه كما قيل :

وجدت مصيبات الزمان جميعها

سوى مفارقة الأحباب هيّنة الخطب

 وقال الآخر :

يقولون إنّ الموت صعب على الفتى

وإنّ مفارقة الأحباب والله أصعب

وأن لايسمع بلاغات الناس على صديقه ، فإنّ بها تنقطع المودّة ، وأن لايصدّق عدوّه.

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٤٠.

٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٤٢.

٣ ـ الأسرار : ٥٣٣.

٤٣٥

والثامن : تسهيل الأمور عليه وترك التكليف بما يشقّ عليه وترفيهه عن حمل شيء من أعبائك وأن لاتستمدّ منه بحاه أو مال ولا تكلفه التواضع والتفقّد والقيام بحقوقك ، بل لاتقصد بمحبتّه الا الله تعالى بالتبرّك بدعائه والاستيناس من لقائه والاستعانة على دينه والتقرّب إلى الله بتحمّل أعبائه وقضاء حوئجه.

ولذا قيل : من جعل نفسه عند الإخوان فوق قدره أثم وأثموا ، ومن جعل نفسه في قدره أتعب نفسه وأتعبهم ، ومن جعلها دون قدره سلم وسلموا ، بل من تمام التخفيف طيّ بساط التكليف حتّى لايستحيي منه.

ولذا قيل : إذا وقعت الالفة بطلت الكلفة.

وقال الآخر : بين الأحباب تسقط الآداب.

هذا ، وقد قيل : لاتصحب الا من يتوب عنك إن أذنبت ويعتذر عنك إن أسأت ، ويحمل عنك مؤونتك ويكفيك مؤونته.

قال الغزالي : « وهذا تضييق لطريق المواخاة على الناس ، بل ينبغي أن يواخي كلّ متديّن عاقل ويعزم على أن يقوم بهذه الشروط ، ولايكلّفه إيّاها حتّى يكثر إخوانه وتكون اخّوته في الله دون حظوظ نفسه خاصّة. ولذا قال رجل للجنيد : قد عزّ الاخوان في هذا الزمان ، أين أخ في الله؟ فأعرض عنه حتّى أعاده ثلاثاً ، فلمّا أكثر قال : إن أردت أخاً في الله تحمّل أنت مؤونته وتصبر على أذاه فعندي جماعة أعرفهم لك ، فسكت الرجل ».(١)

أقول : لعلّ مراد القائل أنّ الحري بالمواخاة من يكون متّصفاً بهذه الصفات في نفسه لا أن يكون المطلوب من مواخاته تكلّفه له ، فلابدّ لك أن لاتتواخى الا من يتّصف بها ، والا لما كان أخاً في الله ، ولما كان حرّياً من حيث الاخوّة بهذه الحقوق ، وقد مرّ نظائر ذلك من الأخبار وغيرها الدالّة

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٤٥.

٤٣٦

على أنّه لاينبغي المواخاة الا مع من يتّصف بهذه الصفات.

نعم ، ينبغي لك أن يكون قصدك من مواخاته الاخلاص والتقرّب إلى الله دون الحظوظ النفسانية ، فبعد ما واخيته لاتطلبها منه بل تعزم على قيامك بها مع عدم توقّعك منه شيئاً منها وإن كان فاعلاً لها ، حتى تكون مواخاتك له في الله دون حظوظ نفسك ، وهذا واضح.

قال الغزالي : « ومن ترك التكليف والتخفيف أن لاتعترض عليه في نوافل العبادات ، لأنّ طائفة من الصوفية كانوا يصحبون على شرط المساواة في أربعة : إن أكل أحدهم الدهر كلّه لم يقل صاحبه : صم ، وإن صام الدهر كلّه لم يقل له : لاتصم ، وإن نام الليل كلّه لم يقل له : قم ، وإن قام الليل كلّه لم يقل له : نم ـ إلى آخر ما قال ».(١)

أقول : بل من لوازم الوفاء بحقوق لاخوّة أن ينظر أنّ الباعث له على تركها ماذا؟ فإن كان من عذر أو اشتغال بما هو الأهمّ شرعاً أو عرفاً أو عقلاً سكت عنه ، وإن كان من كسل أو تكاهل أو عدم مبالاة منعه رفقاً ونصحه بما يرغّبه فيها ، نعم لايسيء به الظنّ ولا يتفاوت حاله عنده بزيادة ونقصان حتى يحرّكه ذلك إلى الرياء ونحوه الا من جهة الدين والشرع ، فافهم.

وبالجملة فالتكليف مذموم والنهي عنه في الشرع كثير.

قال الله تعالى :( قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلّفين ) .(٢)

فليس التكليف من أخلاق الصلحاء وشعار المتّقين ، ولايتمّ تركه إلا بأن يرى نفسه دون إخوانه ويحسن الظنّ بهم ويسيئه بنفسه وأن يشاورهم فيما يقصده ويقبل مشورتهم ، فهذه هي الحقوق الثابتة للاخوّة والصداقة ، وحاصلها أن تقيّد بحقوقهم جميع جوار حك.

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٤٦.

٢ ـ ص : ٨٦.

٤٣٧

أمّا النظر فبأن يكون مودّة فلا ترى منهم الا المحاسن ، ولا تصرفه عنهم حين إقبالهم عليك.

وأمّا السمع فبالاستماع لكلامهم والتلذّذ منه والتصديق لهم.

وأمّا اللسان ففيما ذكر ، وأن لاترفع صوتك عليهم وتفهّمهم مرادك.

وأمّا اليدان فبأن لاتقبضهما عن مؤونتهم فيما يتعاطى بهما وأمثال ذلك.

وأمّا الرجلان فأن تمشي وراءهم مشي الاتّباع والتعظيم لهم والسعي في قضاء حوائجهم فيما يتعاطى بهما وأمثال ذلك.

تتميم

قال بعض الحكماء : إذا أردت حسن المعيشة فالق صديقك وعدوّك بعين الرضا من غير ذلّة ولا وحشة وتوقّر في غير كبر وتواضع في غير مذلّة ، وكن في جميع أمورك متوسّطاً ، ولاتنظر في عطفيك ، ولاتكثر الالتفات ، ولاتقف على الجماعات وتحفّظ من تشبيك أصابعك والعبث بلحيتك وخاتمك وتخليل أسنانك وإدخال يدك في أنفك وكثرة بصاقك وتنخّمك وذبّ الذباب عن ووجهك وكثرة التمطّي والتّثاؤب في وجوه الناس وفي الصلاة وغيرها ، وليكن مجلسك هاوياً(١) وحديثك منظوماً ، وأصغ إلى الكلامالحسن ممّن حدّثك بغير إظهار تعجّب مفرط ، ولاتسأله إعادته ، واسكت عن المضاحك والحكايات ، ولاتحدّث عن الإعجاب بولدك ولا جاريتك ولا شعرك ولا تصنيفاتك وسائر ما يخصّك ، ولاتتزيّن كما تتزيّن المرأة ولاتبتذل تبذّل العبيد وتوقّ كثرة الكحل والاسراف في الدهن ولاتلحّ في الحاجات ولاتشجّع الظالم في ظلمه ، ولا تخبر أهلك وولدك فضلاً عن غيرهم بمقدار ما لك فإنّهم إن رأوه قليلاً وهنت عندهم وإن روه كثيراً لم يمكنك إرضاؤهم واجفهم(٢) من غير عنف ولن لهم من غير ضعف ولا

__________________

١ ـ كذا في النسخ ، وفي المحجة البيضاء : هادياً.

٢ ـ كذا في النسخ : وفي المحجة البيضاء : وأخفهم.

٤٣٨

تهازل العبيد والاماء فيسقط وقارك ، وإذا خاصمت فتوقّر وتحفّظ من جهلك وتفكّر في حجّتك ولا تكثر من الاشارة بيديك ولا تكثر الالتفات إلى ماوراءك ، وإذا هدأ غيظك فتكلم وإن تقرّبت إلى السلطان فكن منه على حدّ السنان ولاتأمن انقلابه عليك وارفق به رفقك بالصبي وكلّمه بما يشتهيه ولاتدخل بينه وبين أهله وولده وجيشه وإن كان معك في غاية اللطف.

وإيّاك وصديق العافية ، ولايكن مالك عندك أعزّ من عرضك ، وإذا دخلت مجلساً فسلّم على أهله ولاتتخطّ من سبقك واجلس حيث وسعك ، وكلّما كان أقرب إلى لتواضع كان أحسن ، ولاتجلس على الطريق وإن جلست فغضّ بصرك وانصر المظلوم وأغث الملهوف وأعن الضعيف وأرشد الضالّ وردّ السلام وأعط السائل وأمر بالمعروف وانه عن المنكر وارتد لموضع البصاق مايكون عن يسارك وتحتت قدمك اليسرى ولاتستقبل به وال تجالس الملوك ، وإن فعلت فلا تغتب ولا تكذب ، وأقلل حوائجك واحفظ أسرارهم وعذّب ألفاظك وإعرب في خطابك ، واذكر أخلاق الملوك وقلّل المداعبة وأكثر الحذر منهم وإن أظهروا المودّة ، ولا تجالس العامة ، فإن فعلت فلا تخض في حديثهم وقلّل الإصغاء إلى أراجيفهم ، وتجاهل عمّا يجري في سوء ألفاظهم.

واترك المزاح رأساً ، فإن اللبيب يحقد عليك والسفيه يجترىء عليك ، فإنّه مسقط لماء الوجه ومخرق للهيبة ، وهو يميت القلب ، ويباعد عن الربّ ، ويكسب الغفلة ، ويورث الذلّة ، والله المستعان.(١)

فصل

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الكفاية ، ويدلّ عليه الإجماع والكتاب والسنّة والاعتبار.

__________________

١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٥٠ ـ ٣٥٢.

٤٣٩

أمّا الأول : فمن المسلمين كافّة.

وأما الثاني : فقال تعالى :

( ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) .(١)

والأمر يدلّ على الوجوب ، والنسبة إلى الأمّة منكّرة تدلّ على كونه كفائياً.

وقال تعالى :

( ليسوا سواء من أهل الكتاب أمّة قائمة يتلون إلى آيات الله آناء اللّيل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين ) .(٢)

وقال :( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ) .(٣)

وقال :( كنتم خير أمّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) .(٤)

وقال :( الّذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ) .(٥) وغير ذلك.

وأما الثالث : فقد أشير إلى بعضها.

وقال الباقرعليه‌السلام في حديث طويل : « إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحلّ المكاسب وتردّ المظالم وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء

__________________

١ ـ آل عمران : ١٠٤.

٢ ـ آل عمران : ١١٣ ـ ١١٤.

٣ ـ التوبة : ٧١.

٤ ـ آل عمران : ١١٠.

٥ ـ الحج : ٤١.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700