مستدرك الوسائل خاتمة 1 الجزء ١٩

مستدرك الوسائل خاتمة 10%

مستدرك الوسائل خاتمة 1 مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 392

مستدرك الوسائل خاتمة 1

مؤلف: الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

الصفحات: 392
المشاهدات: 80767
تحميل: 4818


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26 الجزء 27
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80767 / تحميل: 4818
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل خاتمة 1

مستدرك الوسائل خاتمة 1 الجزء 19

مؤلف:
العربية

الى غير ذلك من الزخارف التي برئت ساحة الكتاب المذكور عنها، وما ألّف إلاّ على طريقة العلماء الإماميّة، بل هو من أجلّ ما ألّفوا، وأحسن ما دوّنوا، من تقديم ما يحتاج إليه الفقه من مسائل الإمامة، على أبدع نظم وترتيب، كما لا يخفى على الناظر اللّبيب.

وأمّا رابعا : فلأنّك تجد في كتب الرجال لكثير من الفرق الباطلة - كالزيدية التي هم أبعد الفرق عن الإماميّة. والناووسيّة، والواقفيّة، والفطحيّة - علماء فقهاء ثقات قد أكثروا من التأليف، والرواية وجمع الأحاديث وتدوينها، وتلقّوها عنهم أصحابنا بالرواية والقبول، ولا تجد في جميع الرواة رجلا إسماعيليّا وإن كان ضعيفا، فضلا عن كونه ثقة، أو فقيها، أو مؤلّفا، ومنه يظهر أنّهم كانوا في أوّل الأمر خارجين عن حدود الشرائع، وحفظ الأخبار وروايتها وتدوينها، غير معدودين من الرواة العلماء.

وقد أشار الى ذلك الشيخ المفيدقدس‌سره في الإرشاد، فقال: ولمّا مات إسماعيل رحمة الله عليه انصرف عن القول بإمامته بعد أبيه من كان يظنّ ذلك فيعتقده من أصحاب أبيه، وأقام على حياته شرذمة، لم تكن من خاصّة أبيه، ولا من الرواة عنه، وكانوا من الأباعد والأطراف، انتهى(١) .

وقال العالم الجليل عليّ بن يونس العاملي في كتابه الموسوم « بالصراط المستقيم » بعد ذكر جملة من الفرق الباطلة من الشيعة، ما لفظه: وهذه الاختلافات لا اعتداد بها لشذوذها، بل أكثرها لا وجود لها، وفي انقراضها بطلان قولها.

إن قلت هذا لا يتمّ في الإسماعيليّة، قلت سنبيّن أنّهم خارجون عن الملّة الحقيقيّة بالاعتقادات الرديّة، ثم ذكر بعضها(٢)

ويمكن إرجاع هذا الوجه إلى سابقه.

__________________

(١) الإرشاد ٢: ٢١٠.

(٢) الصراط المستقيم ٢: ٢٧٢.

١٤١

وأمّا خامسا : فلما أشار إليه في بعض المواضع، منها ما ذكره في آخر أدعية التعقيب ما لفظه: وروينا عن الأئمّةعليهم‌السلام أنّهم أمروا بعد ذلك بالتقرّب لعقب كلّ صلاة فريضة، والتقرب أن يبسط المصلّي يديه، إلى أن ذكر الدعاء، وهو:

اللهمّ إنّي أتقرّب إليك بمحمّد رسولك ونبيّك، وبعليّ - وصيّه - وليّك، وبالأئمّة من ولده الطاهرين الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمّد بن علي وجعفر بن محمّد، ويسمّي الأئمّة إماما إماما حتى يسمّي إمام عصرهعليهم‌السلام ، ثم يقول. إلى آخره(١) .

وغير خفيّ على المنصف أنّه لو كان إسماعيليّا لذكر بعده إسماعيل بن جعفر، ثم محمّد بن إسماعيل، إلى إمام عصره المنصور بالله، والمهدي بالله، ولم يكن له داع إلى الإبهام، أمّا باطنا فلكونه معتقده، وأمّا ظاهرا فلموافقته لطريقة خليفة عصره، وإنّما الإجمال لكونه إماميّا لا يمكنه إظهار إمامة الكاظم ومن بعدهعليهم‌السلام ، بل في ذكره الأسامي الشريفة إلى الصادقعليه‌السلام ، وعدم إجماله من أوّل الأمر بعد عليّعليه‌السلام ، تصريح بذلك لمن له دربة(٢) بمزايا الكلام.

ومنها روايته عن ابن أبي عمير، عن الجوادعليه‌السلام كما تقدم(٣) . وكذا عن حذيفة بن منصور، عن إسماعيل بن جابر، عن الرضاعليه‌السلام .

وقال الشيخ المفيدقدس‌سره في الإرشاد بعد ذكر فرق الإسماعيليّة: والمعروف منهم الآن من يزعم أنّ الإمامة بعد إسماعيل في ولده، وولد ولده إلى آخر الزمان(٤) .

__________________

(١) دعائم الإسلام ١: ١٧١ باختلاف.

(٢) الدربة: العادة والجرأة ( لسان العرب ١: ٣٧٤ )

(٣) مرّ التعليق عليهما في صحيفة: ١٣٢.

(٤) الإرشاد ٢: ٢١٠.

١٤٢

وفيه تأييد لما استظهرناه، وطبقته تقرب من عصر القاضي، فإنّ موت القاضي كان في شهر رجب سنة ٣٦٣ ه‍. ق بمصر.

ومنها ما رواه في ذكر العقائق، وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه نهى عن أربع كنى - إلى أن قال - وأبي القاسم إذا كان الاسم محمّدا، نهى عن ذلك سائر الناس ورخّص فيه لعليّعليه‌السلام ، وقال: « المهديّ من ولدي، يضاهي اسمه اسمي، وكنيته كنيتي »(١) .

ومنها مطابقة كثير من متون أخباره لما في الجعفريات، بحيث تطمئنّ النفس أخذها منها، وقد عرفت أنّ سند أخبارها ينتهي إلى موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، وحاله عند الإسماعيليّة يعرف ممّا تقدّم، وفي عصرنا هذا يأتون من هذه الطائفة من بلاد الهند إلى زيارة أمير المؤمنين، وأبي عبد اللهعليهما‌السلام ، وينزلون بغداد، ويسيرون منه الى كربلاء ولا يمرّون الى بلد الكاظمعليه‌السلام ، بل تواتر عنهم أنّ طاغوتهم حرّم عليهم النظر الى قبّته المباركة من بعيد، بل حدّثني جماعة أنّهم يسبّونه نعوذ بالله من الخسران.

ومن ذلك كلّه ظهر أنّ ما ذكره صاحب المقابس من النظر فيما ذكره السروي في محلّه، وأنّ احتمال كونه من الإسماعيليّة بمكان من الوهن(٢) .

الرابع : فيما ذكره صاحب المقابس وهو قوله: إلاّ أنّه مع ذلك خالف فيه الأصحاب في جملة من الأحكام المعلومة عندهم، بل بعض ضروريّات مذهبهم كحلّية المتعة. إلى آخره(٣) .

قلت : ما ذكره حقّ، فقد خالف القوم في جملة من المواضع في فروع الأحكام، إلاّ أنّه معذور في ذلك من وجوه:

__________________

(١) دعائم الإسلام ٢: ١٨٨ حديث ٦٨٣.

(٢) مقابس الأنوار: ٦٦.

(٣) مقابس الأنوار: ٦٦.

١٤٣

الأوّل : إنّه لم يخالف في موضع منها إلاّ لما ساقه الدليل، من ظاهر كتاب أو سنّة، ولم يتمسّك في موضع بالقياس، والاستحسان، والاعتبارات العقليّة، والمناطات الظنّية، ولم يبلغ اجتماع الأخبار في عصره الى حدّ يقف عليه كلّ مؤلّف مستنبط، فيسهل عليه معرفة مشهورها، وآحادها، وشواذها، ونوادرها، وربّما كان ما تمسّك به أكثر ممّا ذكره واطّلعنا عليه، وذهب فيما ذهب ممّا لم يصل إلينا.

وقال هورحمه‌الله بعد مسائل الشكّ واليقين، في الوضوء والحدث: فهذا هو الثابت ممّا روينا في هذا الباب، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعن الأئمّة الطاهرين من ذريّتهعليهم‌السلام دون ما اختلف فيه عنهمعليهم‌السلام ، وعلى ذلك تجري أبواب كتابنا هذا إن شاء الله لما قصدنا فيه من الاختصار وإلاّ فقد كان ينبغي لنا أن نذكر كلّ ما اختلف الرواة فيه عنهمعليهم‌السلام ، وندلّ على الثابت ممّا اختلفوا بالحجج الواضحة، والبراهين اللائحة، وقد ذكرنا ذلك في كتاب غير هذا كثير الأجزاء، لكن تعظم المئونة فيه، ويثقل أمره على طالبيه، وهذا لبابه ومحضه والثابت منه، ولولا ما وصفناه أيضا من التطويل بلا فائدة، لذكرنا قول كلّ قائل من العامّة يوافق ما قلنا وذهبنا اليه، وقول من خالف ذلك والحجّة عليه، ولكن هذا يكثر ويطول ولا فائدة فيه، لأنّ الله بحمده قد أظهر أمر أوليائه وأعزّ دينه، وجعل الأحكام على ما حكموا به وذهبوا اليه، والدّين على ما عرفوه ودلّوا عليه، فهم حجج الله على الخلق أجمعين(١) ، انتهى.

وما ذكرنا هو الوجه فيما نسب الى القدماء المقاربين عصره، ممّا لا ريب في جلالتهم، من الأقوال النادرة، حتى من مثل يونس بن عبد الرحمن، وفضل

__________________

(١) دعائم الإسلام ١: ١٠٣.

١٤٤

ابن شاذان، فلا تغفل.

الثاني : إنّه لم تكن الأحكام في تلك الأعصار بين فقهاء أصحابنا منقّحة متميّزة، يتبيّن لكلّ أحد المجمع عليه منها من غيره، والمشهور منها عمّا سواه، وهذا باب لو دخلنا فيه أخرجنا من وضع الكتاب، ولعلّه غير خفيّ على البصير النقّاد، ومعه لا طعن على من ساقه الدليل إلى ما خالف فيه أصحابه.

مع أنّ الشيخ المفيدقدس‌سره قال في المقالات: ولم يوحشني من خالف فيه، إذ بالحجّة لي أتمّ انس، ولا وحشة من حق(١) .

وقال السيد المرتضىرضي‌الله‌عنه في بعض رسائله: لا يوجب أن يوحش من المذهب قلّة الذاهب إليه والعاثر عليه، بل ينبغي أن لا يوحش منه إلاّ ما لا دلالة له تعضده، ولا حجّة تعمده.

الثالث : إنّه ما خالف في فرع غالبا إلاّ ومعه موافق معروف، ولولا خوف الإطالة لذكرنا نبذة من ذلك، نعم في مسألة المتعة لا موافق له، إلاّ أنّ بعد التأمّل ظهر لي أنّه ذكر ذلك على غير وجه الاعتقاد، وإن استند للحرمة إلى أخبار رواها تقيّة أو تحبّبا الى أهل بلاده، فإنّها عندهم من المنكرات العظيمة، والشاهد على ذلك، مضافا الى بعد خفاء حلّيتها عند الإماميّة عليه، أنّه ذكر في كتاب الطلاق في باب إحلال المطلقة ثلاثا ما لفظه: وعنه - يعني جعفر بن محمّدعليهما‌السلام - أنّه قال: « من طلّق امرأته ( أي ثلاثا )(٢) فتزوّجت تزويج متعة، لم يحلّها ذلك له »(٣) .

ولولا جوازها وعدم كونها الزنا المحض، لم يكن ليوردها في مقام ما اختاره من الأحكام الثابتة عنهم، بالأثر الصحيح، وهذا ظاهر والحمد لله.

__________________

(١) المقالات: ١٢٩، باب القول في الألم للمصلحة دون العوض، الظاهر أن الرواية نقلها عن جعفر بن محمدعليه‌السلام كما يظهر من عبارة المصدر.

(٢) لم ترد في المخطوطة ولا في المصدر.

(٣) دعائم الإسلام ٢: ٢٩٧ / ١١١٩.

١٤٥

ومثله ما ذكره في باب ذكر الحدّ في الزنا ما لفظه: وعن علي صلوات الله عليه: « ولا يكون الإحصان بنكاح متعة »(١) ، ودلالته على ما ادّعيناه أوضح.

الرابع : بعد محل إقامته عن مجمع العلماء والمحدّثين، والفقهاء الناقدين، وتعسّر اطّلاعه على زبرهم وتصانيفهم، وآرائهم وفتاويهم، لطول المسافة وصعوبة السير، وقلّة التردّد، خصوصا بعد تعدّد الخليفة، فإنّه كان في مصر، وكانت تحت ملوك الفاطميين، والأصحاب في أقطار العراق والعجم، وكانت في تصرّف العباسيّين، ومن جميع ذلك ظهر عذره في المخالفة في بعض الفروع.

وظهر الجواب عمّا أشار إليه بقوله: ولعدم اشتهاره. إلى آخره، فإنّه لعدم اطّلاعهم عليه وعدم حاجتهم إليه. فإنّ جلّ الفقهاء من بعد زمان الشيخ، إلى عصر صاحب البحار والوسائلقدس‌سرهم ، عكفوا على الكتب الأربعة التي عليها تدور رحى الإماميّة، ولم يتجاوزوا عنها، ولم يستندوا الى غيرها، إلاّ المحقّق، والشهيد، في مواضع نادرة، ينقلون عن بعض الأصول التي كانت عندهما، لا لإعراض منهم عن سائر الكتب وعدم اعتمادهم عليها، خصوصا مثل العلل، والأمالي، وثواب الأعمال، وغيرها من كتب الصدوق، وكتاب قرب الإسناد، والمحاسن، وغيرهما من الكتب المعتمدة، التي لا يحتمل ذو مسكة أنّ عدم النقل عنها لوهن في الكتاب، أو ضعف في صاحبه، بل هو لما ذكرناه، أو لعدم العثور عليها.

وأمّا صاحب الوسائل فلم يعلم أنّ عدم نقله عن الدعائم لعدم اعتماده عليه، بل الظاهر أنّه لعدم عثوره عليه، فإنّه قال في آخر كتاب الهداية - وهو مختصر الوسائل - في ذكر الكتب التي لم ينقل عنها: إمّا لقلّة ما فيها من النصوص وعدّ منها جملة، أو لعدم ثبوت الاعتماد عليه، وعدّ منها فقه الرضا، وطبّهعليه‌السلام ، أو ثبوت عدم اعتباره، وعدّ منها مصباح الشريعة(٢) .

__________________

(١) دعائم الإسلام ٢: ٤٥١ / ١٥٧٧.

(٢) الهداية: مخطوط.

١٤٦

وقال في أمل الآمل: وعندنا أيضا كتب لا نعرف مؤلّفيها، وعدّ منها عشرة(١) ، وليس لهذا الكتاب ذكر في الموضعين، ومن البعيد أنّه كان عنده ولم يشر إليه، لأنّه إن عرف صاحبه، وأنّه هو القاضي نعمان - فقد مدحه في أمله - فينبغي ذكره فيما اعتمد عليه ونقل عنه. وإن لم يعرفه فذكره في الكتب المجهولة أولى من ذكر طبّ الرضاعليه‌السلام ، والكشكول الذي ليس فيه حكم فرعيّ أصلا.

ثمّ إنّ ابن شهرآشوب وإنّ صرّح بكونه غير إماميّ، إلاّ أنّه قال: وكتبه حسان(٢) ، وقد نقل في مناقبه عن كتابه شرح الأخبار(٣) ، الذي هو من نفائس الكتب الدالّة على كثرة فضله، وطول باعه، وخلوص ولائه.

وفي السرائر في باب التيمّم: وذهب قوم من أصحابنا إلى المسح(٤) من أصول الأصابع إلى رؤوس الأصابع(٥) .

قال في الجواهر: وهو محجوج بجميع ما تقدّم من الأخبار ومحكيّ الإجماع، بل لعلّه كسابقه لا يقدح في المحصّل منه، وإن جهل نسبه عندنا، لكنّه مع عدم اعتبار ذلك في الإجماع عندنا معروف عند ناقله على الظاهر، وإنّه غير الإمام. إلى آخره(٦) .

وظنّي أنّ المراد منه صاحب الدعائم فإنّه مذهبه فيه(٧) ، والله العالم.

ومن الغريب من بعد ذلك كلّه، ما في روضات الجنات للسيد الفاضل

__________________

(١) أمل الآمل ٢: ٣٦٤.

(٢) معالم العلماء: ١٢٦ / ٨٥٣.

(٣) مناقب ابن شهرآشوب ٢: ١٦.

(٤) في المصدر هنا زيادة: على اليدين.

(٥) السرائر ١: ١٣٧.

(٦) جواهر الكلام ٥: ٢٠٣.

(٧) راجع دعائم الإسلام: ١: ١٢٠.

١٤٧

المعاصررحمه‌الله تعالى فإنّه بعد ما نقل في ترجمته ما في أمل الآمل، ومقدمة البحار، قال: ولكنّ الظاهر عندي أنّه لم يكن من الإماميّة الحقّة، وإن كان في كتبه يظهر الميل إلى طريقة أهل البيتعليهم‌السلام ، والرواية من أحاديثهم من جهة مصلحة وقته، والتقرّب الى السلاطين من أولادهم، وذلك لما حقّقناه مرارا في ذيل تراجم كثير ممّن كان يتوهّم في حقّهم هذا الأمر، بمحض ما يشاهد في كلماتهم من المناقب والمثالب، اللتين يجريهما الله تعالى على ألسنتهم الناطقة، لطفا منه بالمستضعفين من البريّة.

وأنت تعلم أنّه لو كان لهذه النسبة واقعا، لذكره سلفنا الصالحون وقد ماؤنا الحاذقون بأمثال هذه الشؤون، ولم يكن يخفى ذلك إلى زمان صاحب الأمل الذي من فرط صداقته يقول بشيعيّة أبي الفرج الأصبهاني الخبيث، كما قدّمنا ذلك في ذيل ترجمته، ثمّ نقل كلام السروي، وما ذكره العلامة الطباطبائي في رجاله، وقال بعده: وقد وافق في جميع ما ذكره خاله العلامة المعظم عليه، من نهاية حسن ظنّه به وبكلامه، انتهى(١) .

وفيه مواضع للنظر:

أمّا أولا : فلأنّ كتاب الدعائم كلّه في فقه الإماميّة، وفروعها وأحكامها، مستدلاّ عليها بأخبار أهل البيتعليهم‌السلام ، على أحسن نظم وترتيب، بل ليس في أيدينا من علماء تلك الأعصار ما يشبهه في الوضع والتنقيح، مفتتحا بمسائل في الإمامة وشروطها، وفضائل الأئمّةعليهم‌السلام ووصاياهم، وشرح عدم جواز أخذ الأحكام الدينيّة عن غيرهم، كسائر كتب أصحابنا في هذا الباب، وما ذكره من إظهار الميل في كتبه إنّما هو في مثل كتاب الراغب الأصبهاني وأضرابه، ممّن يظهر من بعض كلماتهم واسلوبهم ميلهم الى التشيّع، وأين هذا من كتاب بني أساسه على التشيّع، وعلى ما ذكره يفتح باب عظيم

__________________

(١) روضات الجنات ٨: ١٤٩.

١٤٨

للطعن على كثير من العلماء، الذين كانوا في عصر السلاطين الفاطميّة ( في مصر )، كالعلامة الكراجكي، أو الصفويّة وغيرها.

وظنّي أنّهرحمه‌الله لم يقف على الدعائم، ولا على شرح الأخبار، فصدر منه ما صدر، وقاس على ما ليس له أساس.

وأمّا ثانيا : فلأنّ سبب عدم ذكرهم له لا ينحصر فيما ذكره، بل لوجوه أشرنا إليها، مع أنّهم قد أهملوا جمّا من الأعلام، أرباب التصانيف الرائقة، والمؤلّفات الرشيقة، كجعفر بن أحمد القميرحمه‌الله ( المتقدّم ذكره )(١) وفرات ابن إبراهيم الكوفي صاحب التفسير، ومحمّد بن عليّ بن إبراهيم صاحب العلل، والحسن بن عليّ بن شعبة صاحب تحف العقول، والسيد عليّ بن الحسين بن باقي صاحب اختيار المصباح، والحسن بن أبي الحسن الديلمي صاحب إرشاد القلوب، وغرر الأخبار، وغيرها، وسبط الطبرسي صاحب مشكاة الأنوار، وغيرهم ممّن تقدّم عنهم أو تأخّر، وقد وقف على كتبهم وحالاتهم المتبحّرون من المتأخّرين، ولا يوجب سقوط قلم السلف عن ذكر أساميهم الشريفة للغفلة، أو لعدم الاطّلاع، أو للعجلة طعنا فيهم.

وأمّا ثالثا: فلأنّ القاضي قد ذكره في مجالسه(٢) قبل صاحب الأمل.

وفي الرياض، في ترجمة - معين الدين المصري - سالم بن بدران: وعندنا رسالة في الفرائض من مؤلّفات الشيخ معين الدين المصري هذا، قال: وهو ينقل مرارا من كتب القاضي نعمان المصري، مؤلّف كتاب دعائم الإسلام، وغيره فتدبّر(٣) .

وأمّا رابعا : فلما في رسالة شريفة، في فهرست كتب الشيخ الفقيه أبي

__________________

(١) لم ترد في المخطوطة.

(٢) مجالس المؤمنين ١: ٥٣٨.

(٣) رياض العلماء ٢: ٤١١.

١٤٩

الفتح محمد بن عثمان بن علي الكراجكي، عملها بعض معاصريه، فإنّ فيها ما لفظه: مختصر كتاب الدعائم للقاضي النّعمان، عمله وهو من جملة فقهاء الحضرة، كتاب الاختيار من الأخبار، وهو اختصار كتاب الأخبار للقاضي النعمان، يجري مجرى اختصار الدعائم، والظاهر أنّ المراد منه شرح الأخبار الآتي، وفيه من الدلالة على جلالة قدره ما لا يخفى، ولم أعرف صاحب الفهرست، إلاّ أنّ في موضع منه هكذا: كتاب غاية الإنصاف في مسائل الخلاف، يتضمّن النقض على أبي الصلاح الحلبي -رحمه‌الله - في مسائل خلف بينه وبين المرتضىرضي‌الله‌عنه ، نصر فيها رأي المرتضى، ونصر والديرحمه‌الله .

وفي موضع آخر: جواب رسالة الحازميّة في إبطال العدد وتثبيت الرؤية، وهي الردّ على أبي الحسن بن أبي حازم المصري، تلميذ شيخي رحمة الله عليه عقيب انتقالي من العدد، أربعون ورقة، ومن ذلك يظهر أنّه ووالده من فقهاء عصرهما، ولعلّي أقف على مؤلّفه ان شاء الله تعالى.

وأمّا خامسا : فقوله في حقّ صاحب الأمل: إنّه من فرط صداقته إلى آخره، فإنّه من غرائب الكلام، فإنّ أبا الفرج ما ترجمه أحد من الفريقين إلاّ وصرّح بتشيّعه، وإنّه كان زيديّا، والزيدية من فرق الشيعة، كما صرّح به كل من تعرّض لذكر المذاهب في كتاب الوقف، بل الفقهاء وغيره.

وذكره النجاشي(١) ، والعلامة في الخلاصة(٢) ، وابن شهرآشوب في معالم العلماء(٣) ، وتبعهم صاحب الأمل في ذكره في سلك الرّواة والعلماء، ولم يزد في

__________________

(١) لم نعثر في رجال النجاشي المطبوع على ترجمة لأبي الفرج الأصفهاني مستقلة وانما ذكره في ترجمة علي بن إبراهيم بن محمد الجواني: ٢٦٣ / ٦٨٧.

(٢) خلاصة الأقوال: ٢٦٧.

(٣) معالم العلماء: ١٤١ / ٩٨٦.

١٥٠

مقام تعيين مذهبه إلاّ أن قال: وكان شيعيّا(١) ، تبعا للعلاّمةقدس‌سره في الخلاصة.

فأيّ صداقة فيما فعله، وإنّما الصداقة فيما فعله هورحمه‌الله في كتابه، فقال ما لفظه: باب ما أوّله الطاء والظاء من أسماء فقهاء أصحابنا الأمجاد - رحمة الله عليهم أجمعين - السيّد طالب بن علي. إلى آخره(٢) ثم قال: الشيخ أبو عبد الرحمن طاوس بن كيسان الخولاني الهمداني اليماني، كان من أهل اليمن، ومن أبناء الفرس، وأحد الأعلام التابعين، سمع من ابن عبّاس، وأبي هريرة، وروى عنه مجاهد، وعمرو بن دينار، وهو في طبقة مالك بن دينار، والمنسلكين على طريقته، ثم نقل شرح حاله ومدائحه من كتاب تلخيص الآثار، ومن تاريخ ابن خلّكان، وذكر بعده حكاية ملاقاته للسجادعليه‌السلام في المسجد الحرام، في الحجر وتحت الميزاب(٣) ، ولم ينقل من أحد من العلماء في حقّه شيئا، ولم يذكر قرينة ولو ضعيفة تدلّ على ميلة إلى التشيّع، فضلا عن الإماميّة، فضلا عن كونه من فقهاء أصحابنا الأمجاد، وهذا منه مما لا ينقضي تعجّبه، فإنّ الرجل من فقهاء العامّة ومتصوّفيهم، لم يشكّ فيه أحد، ولم يذكره أحد من علماء الرجال في كتبهم الرجاليّة، ولم يسندوا إليه خبرا في مجاميعهم في الأحاديث، أصولا وفروعا، وكان من التابعين المعروفين، القاطنين في أرض الحجاز، معاصرا للسجّاد والباقرعليهما‌السلام .

نعم عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب السجّادعليه‌السلام (٤) ، ولعلّه للحكاية المتقدّمة، وإلاّ فليس في الكتب الأربعة خبر واحد أسند إليه، مع أنّه

__________________

(١) أمل الآمل ٢: ١٨١ / ٥٤٨.

(٢) روضات الجنات ٤: ١٣٨ / ٣٦٢.

(٣) روضات الجنات ٤: ١٤٢.

(٤) رجال الطوسي: ٩٤ / ٣.

١٥١

من الفقهاء الذين يذكرون أقواله في كتب الفروع، مع أنّ ما ذكره في ترجمته كاف في الدلالة على تسنّنه، فإنّ من كان شيخه أبا هريرة، وراويه مجاهد وعمرو ابن دينار، لحريّ بأن يعدّ من كلاب أصحاب النّار، بل في حكاية ملاقاته مع السجّادعليه‌السلام التي أوردها - وأورثت في قلبه حسن الظنّ به - ما يشعر بانحرافه، ففي أحدها عن طاوس، قال: كنت في الحجر ليلة إذ دخل عليّ ابن الحسين صلوات الله عليهما، فقلت: رجل من أهل بيت النبوّة ولأسمعنّ دعاءه الخبر.

وأنت خبير بأنّ قوله: رجل من أهل بيت النبوّة كلام من لم يعرفهعليه‌السلام إلاّ بالسيادة، وشطر من العلم والزهادة، ولو عرفهعليه‌السلام بالولاية والإمامة، مع ما يعتقدون في حقّه من الفقه والنّسك، لعبّر عنه لا محالة بقوله: سيّدي ومولاي، وما أشبه، أرأيت أحدا من أجلاّء أصحاب الأئمّةعليهم‌السلام يعبّر عن واحد منهم بهذا التّعبير السّخيف.

وفي حكاية أخرى عنه، قال: رأيت رجلا في المسجد الحرام تحت الميزاب، وهو يدعو ويبكي، فجئته وقد فرغ من الصلاة، فإذا هو عليّ بن الحسينعليه‌السلام ، فقلت له: يا ابن رسول الله رأيتك على حالة كذا وكذا، ولك ثلاثة أرجو أن يؤمنك من الخوف: أحدها أنّك ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والثاني شفاعة جدّك، والثالث رحمة الله، فقال: يا طاوس. وأجابه بما هو معروف، وهذا في الدلالة كسابقه، فإنّ من كان يعتقد فيهمعليهم‌السلام أدنى ما يجب اعتقاده في الإيمان، فكيف بمثله من أهل الفضل والعرفان، لا يشافهه بهذا الكلام وإن كان صادقا فيه.

وذكر الشيخ ورّام ابن أبي فراسقدس‌سره في تنبيه الخاطر: أنّه دخل على جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، فقال له: « أنت طاوس » قال: نعم، فقالعليه‌السلام : « طاوس طير مشوم، ما نزل بساحة قوم إلاّ آذنهم

١٥٢

بالرحيل ». ولا يخفى ما فيه من الإشارة إلى نكارته وخباثته(١) .

وقريب منه ما رواه الراوندي في قصص الأنبياء، بإسناده عن ابن بابويهقدس‌سره ، عن محمد بن ماجيلويه، عن محمد بن يحيى العطّار، عن الحسين ابن الحسن بن أبان، عن ابن أورمة، عن عمر بن عثمان، عن العبقري ( عن أسباط )(٢) عن رجل حدّثه عليّ بن الحسينعليهما‌السلام : أنّ طاووسا قال في المسجد الحرام: أوّل دم وقع على الأرض دم هابيل حين قتله قابيل، وهو يومئذ قتل ربع الناس، قال له عليّ زين العابدينعليه‌السلام : « ليس كما قلت، إنّ أوّل دم وقع على الأرض دم حوّاء حين حاضت، يومئذ قتل سدس الناس، كان يومئذ آدم، وحوّا، وهابيل، وقابيل، واختاه ». الخبر(٣) .

وفي البحار عن اعلام الدين للديلمي: روي أنّ طاوس اليماني دخل على جعفر بن محمد الصادقعليهما‌السلام ، وكان يعلم أنّه يقول بالقدر، فقال له: « يا طاوس من أقبل للعذر من الله ممّن اعتذر، وهو صادق في اعتذاره » فقال: لا أحد أقبل للعذر منه، فقال له: « من أصدق ممّن قال لا أقدر وهو لا يقدر » فقال طاوس: لا أجد أصدق منه، فقال الصادقعليه‌السلام له: « يا طاوس فما بال من هو أقبل للعذر، لا يقبل عذر من قال لا أقدر وهو لا يقدر »، فقام طاوس وهو يقول: ليس بيني وبين الحقّ عداوة، الله أعلم حيث يجعل رسالته، فقد قبلت نصيحتك(٤) .

وفيهما من الدلالة - على أنّه بمراحل عمّا نسبه إليه - ما لا يخفى.

وفي منتخب بصائر سعد بن عبد الله للحسن بن سليمان الحليّ: عن

__________________

(١) مجموعة ورام ١: ١٥.

(٢) لم يرد في المخطوطة.

(٣) قصص الأنبياء للراوندي: ٥٩ / ٣٦.

(٤) بحار الأنوار ٥: ٥٨ حديث ١٠٥، اعلام الدين: ٣١٧.

١٥٣

محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الكريم بن عمرو، عن محمد بن مسلم، قال: دخلت أنا وأبو جعفرعليه‌السلام مسجد الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا طاوس اليماني يقول لأصحابه: أتدرون متى قتل نصف الناس، فسمع أبو جعفرعليه‌السلام قوله: نصف الناس، فقال: « إنما هو ربع الناس، إنّما هو آدم وحوّا وقابيل وهابيل »، قال: صدقت يا ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . الخبر(١) .

ورواه الراوندي في القصص: بإسناده عن الصدوق، عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن موسى بن عمران النخعي، عن عمّه الحسين بن يزيد، عن عليّ بن سالم، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: كان أبو جعفر الباقرعليه‌السلام جالسا في الحرم، وحوله عصابة من أوليائه إذ أقبل طاوس اليماني في جماعة، فقال: من صاحب الحلقة، قيل: محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: إيّاه أردت، فوقف بحياله، وسلّم وجلس، ثم قال: أتاذن لي في السؤال، فقال الباقرعليه‌السلام : « قد آذنّاك فاسأل » قال: أخبرني بيوم هلك ثلث الناس، فقال: « وهمت يا شيخ أردت أن تقول ربع الناس، وذلك يوم قتل هابيل كانوا أربعة: هابيل، وقابيل، وآدم، وحوّا، فهلك ربعهم » قال: أصبت، ووهمت. الخبر(٢) .

هذا، ومن راجع الكتب الفقهيّة، وعدّهم قوله في قبال أقوال أصحابنا مع المخالفة، ومع الموافقة إدخالهم إيّاه فيمن وافقنا من فقهاء العامّة، لا يكاد يحتاج الى التجشّم في إبداء الامارة على انحرافه، وكأنّ الفاضل المذكور لم يكن له عهد بها.

__________________

(١) منتخب البصائر: ٦٠.

(٢) قصص الأنبياء للراوندي: ٦٦ / ٤٧.

١٥٤

ولنشر الى بعض المواضع، وباقيها موكول على همّة المراجع:

فمنها ما في المعتبر: وآخر وقت فضيلة الظهر إذا صار ظلّ كلّ شيء مثله، ثمّ يمتد وقت الإجزاء حتى يبقى للغروب قدر أربع ركعات، فيخلص الوقت للعصر، وبهذا قال علم الهدىقدس‌سره ، وابن الجنيدقدس‌سره ، وهو قول عطاء، وطاوس، إلى أن قال في ردّ أبي حنيفة - القائل بأنّ آخر وقته إذا صار ظلّ الشخص مثليه -: ولأنّ الحائض تؤدّي الظهر والعصر إذا طهرت قبل أن تغرب الشمس، ذهب إليه طاوس، ومجاهد، والنخعي، والزهري، وربيعة، ومالك، واللّيث، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وأحمد بن حنبل، ورواه الأثرم، وابن المنذر. إلى آخره(١) .

ومنها ما في التذكرة في مسألة آخر العشاء: وقال مالك: يمتدّ وقتها إلى طلوع الفجر، وبه قال عطاء، وطاوس، كما يقول في الظهر والعصر(٢) .

وفيها أيضا: لو وجد الماء بعد فراغه من الصلاة لم يعد، وهو قول عامّة العلماء - الى أن قال - وقال طاوس: يعيد ما صلّى بالتيمّم فإنّه بدل، فإذا وجد الأصل انتقض حكم البدل، كالحاكم إذا حكم بالقياس، ثمّ وجد النصّ بخلافه، وهو خطأ(٣) .

وفي المعتبر: واتّفق العلماء على أنّ ميقات أهل العراق العقيق، لكن اختلفوا في وجه ثبوته، فقال الأصحاب: ثبت نصّا، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة، وقال طاوس وابن سيرين: ثبت قياسا، لما روي عن ابن عمر قال: لمّا فتح المصران(٤) أتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين إنّ رسول الله صلّى الله

__________________

(١) المعتبر: ١٣٥.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢: ٣١٢ مسألة ٣١.

(٣) تذكرة الفقهاء ٢: ٢١٢ - ٢١٣ مسألة ٣١٤ - ٣١٥.

(٤) في هامش المخطوطة والحجرية: يعني الكوفة والبصرة.

١٥٥

عليه وآله حدّ لأهل نجد قرن المنازل، وإنّا إذا أردنا قرن المنازل شقّ علينا، قال: فانظروا حذوها فحدّ لهم ذات عرق، لنا ما رووه عن ابن عبّاس - الى أن قال - ومن طريق الأصحاب روايات. إلى آخره(١) .

وفيه: لو ائتمّ المسافر بالمقيم لم يتمّ، واقتصر على فرضه وسلّم منفردا، واتّفق الشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد على وجوب المتابعة، سواء أدركه في آخر الصلاة أو أوّلها، لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تخلفوا عن أئمّتكم » وقال الشعبي وطاوس: له القصر. إلى آخره(٢) وفي هذا القدر كفاية للناظر البصير.

وقال النقّاد الخبير الآميرزا عبد الله الأصفهاني في الصحيفة الثالثة: روى ابن شهرآشوب في مناقبه، عن طاوس اليماني، الفقيه من العامّة، أنّه قال: رأيت عليّ بن الحسينعليهما‌السلام (٣) الخبر.

ثمّ إنّهرحمه‌الله عكس الأمر في ترجمة القطب الرازي، فجعله من علماء العامّة(٤) ، خلافا لكلّ من تعرّض لحاله، وشرح ذلك يأتي ان شاء الله تعالى.

وأمّا سادسا: فقوله في حقّ العلاّمة الطباطبائي: إنّه وافق خاله - يعني العلامة المجلسيقدس‌سرهما - لحسن ظنّه به. فإنّه أجلّ قدرا، وأعظم شأنا، وأرفع مقاما من أن يظنّ في حقّه ذلك، كما لا يخفى على من وقف على حاله.

هذا وقال الفاضل الآميرزا عبد اللهقدس‌سره في رياض العلماء في ترجمته: واعلم أنّ من مؤلّفات القاضي نعمان هذا كتاب مختصر الآثار، وقد رأيت في

__________________

(١) المعتبر: ٣٤٢.

(٢) المعتبر: ٢٥٥.

(٣) الصحيفة السجادية الثالثة: ١٩١.

(٤) روضات الجنّات ٦: ٣٨ / ٥٥٩.

١٥٦

خطّة لار مجموعة عتيقة، مشتملة على نسخة صحيفة ابن أشناس البزاز، وفي تلك المجموعة أدعية كثيرة، منقولة من كتاب مختصر الآثار المذكور، وعندنا نسخة من تلك الأدعية، ويظهر من مطاويها أنّ ذلك الكتاب أيضا على نهج كتاب دعائم الإسلام، وإنّه أيضا في ذكر أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام ، وفقههم إلى آخر أبواب الفقه.

وقد تعرّض الكاتب أيضا في تلك الأدعية لاختلاف النسخ، التي كانت بين ما وقع في كتاب دعائم الإسلام، وفي كتاب مختصر الآثار المذكور.

ثمّ إنّ عندنا نسخة عتيقة جدّا من النصف الأخير من كتاب دعائم الإسلام له، وعلى حواشيها فوائد جليلة كثيرة، من كتاب مختصر الآثار له أيضا.

واعلم أنّ أصل كتاب الآثار النبويّة للقاضي النعمان المذكور أيضا في الفقه، ثمّ اختصر منه كتاب مختصر الآثار.

ثمّ نقل كلام ابن خلّكان، وما ذكره أستاذه في أوّل البحار، ثمّ تأمّل في كونه من الاثني عشريّة لعدم الدليل عليه، قال: من أين علم أنّه كان من أصحابنا، وأنّه اتّقى الخلفاء الإسماعيليّة؟ فهل هذا إلاّ مجرّد دعوى واحتمال. إذ ما الدليل على أنّه لم يكن إسماعيليّا حقيقة من بين مذاهب الإمامية؟ فتأمّل، انتهى(١) .

وقد عرفت بحمد الله القرائن على كونه اثنا عشريّا، والدليل على أنّه لم يكن إسماعيليّا.

تنبيه : ولا بدّ من ذكر ما صدّر به الكتاب، ليعرف أنّه ما أخرج فيه إلاّ الخبر الثابت الصحيح، عن الأئمة الأطيابعليهم‌السلام قال: فإنّه لمّا كثرت الدعاوي والآراء، واختلفت المذاهب والأهواء، واخترعت الأقاويل اختراعا،

__________________

(١) رياض العلماء ٥: ٢٧٥.

١٥٧

وصارت الأمة شيعا، وافترقوا افتراقا، ودرس أكثر السنن وانقطع، ونجم حادث البدع فارتفع، واتّخذت كلّ فرقة من فرق الضلال رئيسا لها من الجهّال، فاستحلّت بقوله الحرام، وحرّمت به الحلال، تقليدا له واتّباعا لأمره، بغير برهان من كتاب ولا سنّة، ولا بإجماع جاء من الأمّة، فذكرنا عند ذلك قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لتسلكنّ سبيل الأمم قبلكم حذو النعل بالنعل، والقذّة بالقذّة، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه، فكانت الأمّة - إلاّ من عصمه الله منها بطاعته، وطاعة رسوله وأوليائه، الذين افترض الله طاعتهم - في ذلك كمن حكى الله عزّ وجلّ نبأه من الأمم السالفة، بقوله جلّ وعزّ:( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ) (١) .

وروينا عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنّه تلا هذه الآية فقال: « والله ما صاموا لهم، ولا صلّوا إليهم، ولكنّهم أحلّوا لهم حراما فاستحلّوه، وحرّموا عليهم حلالا فحرّموه ».

وروينا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال: « إذا ظهرت البدع في أمّتي، فليظهر العالم علمه، فإن لم يفعل فعليه لعنة الله ».

وقد رأينا وبالله التوفيق عند ظهور ما ذكرناه، أن نبسط كتابا جامعا مختصرا، يسهل حفظه، ويقرب مأخذه، ويغني ما فيه من جمل الأقاويل، عن الإسهاب والتطويل، نقتصر فيه على الثابت الصحيح، ممّا رويناه عن الأئمّة من أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجمعين، من جملة ما اختلف فيه الرّواة عنهم، في دعائم الإسلام، وذكر الحلال والحرام، والقضايا والأحكام.

فقد روينا عن أبي جعفر محمد بن عليّعليهما‌السلام ، أنّه قال: « بني الإسلام على سبع دعائم: الولاية وهي أفضلها، وبها وبالوليّ يوصل إلى

__________________

(١) التوبة ٩: ٣١.

١٥٨

معرفتها، والطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم [ والحج ](١) والجهاد(٢) . إلى آخره.

وقال الچلبي في كشف الظنون: دعائم الإسلام: وفي سنة ست عشرة وأربعمائة أمر الظاهر، فأخرج من بمصر من الفقهاء المالكيّين، وأمر الدعاة الوعّاظ أن يعظوا من كتاب دعائم الإسلام، وجعل لمن حفظه مالا، انتهى(٣) .

فانظر إلى شدّة تعصّبه، حيث لم يذكر اسم مؤلّفه ومذهبه، مع طول باعه وبنائه عليه، وعلى ذكر تأريخ وفاته.

__________________

(١) ما بين معقوفين أثبتناه من المصدر.

(٢) دعائم الإسلام ١: ١ - ٢.

(٣) كشف الظنون ١: ٧٥٥.

١٥٩

٢٦ - كتاب شرح الأخبار:

للقاضي النعمان المذكور أيضا، وهو مقصور في الفضائل والمناقب، وشطر من المثالب، مشتمل على سبعة(١) أجزاء، ينبئ عن كثرة اطّلاعه، وطول باعه، وفضله وكماله.

عثرنا بحمد الله تعالى على نسخة عتيقة منه، إلاّ أنّه ناقص من أوّله وآخره، أظنّه أوراقا يسيرة، قال في آخر الجزء السادس: فهذه نكت قد ذكرناها كما شرطنا مختصرا، من مثالب معاوية وبني أميّة، وقد ذكرنا تمام القول في ذلك في كتاب المناقب والمثالب، فمن أراد استقصاء ذلك نظر فيه، انتهى.

وفي آخره تمّ الجزء السادس من كتاب شرح الأخبار، تأليف سيّدنا القاضي الأجلّ الأوحد الأفضل، النعمان بن محمد قدّس الله روحه والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمد خير بريّته، وعلى الأئمّة الطاهرين أبرار عترته، وسلّم تسليما.

ونقل ابن خلّكان، عن ابن زولاق في كتاب أخبار [ قضاة ](٢) مصر، في ترجمته: أنّه ألّف لأهل البيتعليهم‌السلام ، من الكتب آلاف أوراق،

__________________

(١) قوله: كتاب شرح الأخبار. مشتمل على سبعة أجزاء، اما ان تكون نسخته ناقصة كثيرا لا يسيرا كما قال أو ان يكون تقسيم الأجزاء فيها يختلف، إذ ان الكتاب يحتوي على ١٦ جزء كما صرح بذلك في فهرس مجذوع ٦٩ - ٧٣، انظر مقدمة شرح الأخبار - طبع جامعة المدرسين: ٧٢، وذكر فهرست موجز للأجزاء الستة عشر.

وقد خرج القسم الأول منه وهو يحتوي بين دفتيه على أربعة أجزاء من أصل الكتاب، تحقيق السيد محمد الحسيني الجلالي ونشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين، وطبع منه أيضا منفصلا الجزء الثالث عشر - في من قتل مع الحسين عليه‌السلام من أهل بيته - تحقيق السيد محمد الحسيني الجلالي.

(٢) زيادة أثبتناها من المصدر.

١٦٠