مستدرك الوسائل خاتمة 1 الجزء ١٩

مستدرك الوسائل خاتمة 110%

مستدرك الوسائل خاتمة 1 مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 392

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 86640 / تحميل: 6149
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل خاتمة 1

مستدرك الوسائل خاتمة ١ الجزء ١٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

٣٣ - كتاب لبّ اللباب أو اللباب:

للشيخ الفقيه، المحدّث النبيه، سعيد بن هبة الله، المدعو بالقطب الراوندي صاحب الخرائج، وشارح النهج، اختصره من كتاب فصول نور الدين عبد الوهاب الشعراني العامي، لخصه وألقى ما فيه من الزخارف والأباطيل. وقد رأيت المجلّد الثاني من الفصول في المشهد الرضويعليه‌السلام يقرب من تمام كتاب اللّباب، وهذا كتاب حسن كثير الفوائد، مشتمل على مائة وخمسة وخمسين مجلسا، في تفسير مثلها من الآيات على ترتيب القرآن.

وفي الرياض: وله كتاب تلخيص فصول عبد الوهاب في تفسير الآيات والروايات، مع ضمّ الفوائد والأخبار من طرق الإماميّة، قد رأيته في بلدة أردبيل، وهو كتاب حسن، انتهى(١) .

وهو داخل في فهرست البحار، قالقدس‌سره : وكتاب اللّباب المشتمل على بعض الفوائد(٢) . لكنّهرحمه‌الله غفل عنه فلم ينقل عنه في البحار، والظاهر أنّه لم يكن عنده وقت تأليفه، كما يظهر من المكتوب الذي أرسله إليه بعض تلامذته، وأدرجه في آخر إجازات البحار، في استدراك ما فاته من الكتب الموجودة وغير ذلك، ثمّ استدركرحمه‌الله بعضا وترك بعضا. وفي المكتوب: وشرحا النهج للراونديّين قد نقلتم عنهما في كتاب الفتن وغيره، من كتب البحار، وكتاب اللّباب للأوّل عند الأمير زين العابدين بن سيّد المبتدعين عبد الحسيب، حشره الله مع جدّه القمقام يوم الدين(٣) . إلى آخره.

وبالجملة فاعتبار الكتاب يعرف من اعتبار مؤلّفه، الذي هو في المقام فوق ما يصفه مثلي بالقلم، أو اللّسان.

__________________

(١) رياض العلماء ٢: ٤٢١.

(٢) بحار الأنوار ١: ٣١.

(٣) بحار الأنوار ١١٠: ١٦٨.

١٨١

٣٤ - كتاب الدعوات:

له أيضا سمّاه سلوة الحزين، قال في البحار: وجدنا منه نسخة عتيقة، وفيه دعوات موجزة شريفة، مأخوذة من الأصول المعتبرة، على أنّ الأمر في سند الدعاء هيّن(١) ، انتهى.

قلت: ليس هو مقصورا على الأدعية، بل فيه ممّا يتعلّق بحالتي الصحّة والمرض، وآداب الاحتضار، وما يتعلّق بما بعد الموت، وفوائد كثيرة، ونوادر عزيزة.

وممّا يجب التنبيه عليه في هذا المقام، انّني كنت معتقدا في سالف الزمان، أنّ هذا الكتاب من تأليف السيّد فضل الله الراوندي المتقدّم ذكره، ونسبته إليه في كلّ مقام نقلت منه فيما برز منّي، كدار السلام، والنجم الثاقب وغيرهما، وقد ظهر لي من بعد ذلك أنّه للقطب الراوندي وهذا اشتباه لا يترتّب عليه أثر، ولا يضعّف به خبر، لأنّ كلاهما من أجلّة المشايخ وأساتيذ العصر، إلاّ أنّه يوجد في النفس بعد التنبيه انكسار لا بدّ من جبره، ولا جابر إلاّ الالتفات الى ما وقع لمولانا العلامة المجلسيرحمه‌الله في هذا المقام من الاشتباه، واختلاط كتب هذين العالمين الراونديّين عليه، ونسبته تأليف أحدهما إلى الآخر.

ولحسن الظنّ به اعتمدنا عليه ولم نراجع المأخذ، فوقعنا فيما وقعنا مع إنّهرحمه‌الله جذيلها المحكّك وعذيقها المرجّب. فقال في الفصل الأوّل: وكتاب الخرائج والجرائح، للشيخ الإمام قطب الدين أبي الحسن سعيد بن هبة الله بن الحسن الراوندي، وكتاب قصص الأنبياء له أيضا، على ما يظهر من أسانيد الكتاب واشتهر أيضا، ولا يبعد أن يكون تأليف فضل الله بن عليّ بن عبيد الله الحسني الراوندي، كما يظهر من بعض أسانيد السيّد ابن طاوسقدس‌سره .

__________________

(١) بحار الأنوار ١: ٣١.

١٨٢

وقد صرّح بكونه منه في رسالة النجوم، وكتاب فلاح السائل، والأمر فيه هيّن لكونه مقصورا على القصص، وأخباره جلّها مأخوذة من كتب الصدوق. وكتاب فقه القرآن للأوّل أيضا. وكتاب ضوء الشهاب، شرح شهاب الأخبار للثاني فضل الله -رحمه‌الله - وكتاب الدعوات، وكتاب اللّباب، وكتاب شرح نهج البلاغة، وكتاب أسباب النزول له أيضا، انتهى(١) .

وظاهر العبارة بل صريحها أنّ الكتب الأربعة الأخيرة للسيّد الراوندي لا لقطبها، إذ عود ضمير « له » إليه مستهجن جدّا، إذ لا وجه لتوسيط ذكر كتاب ضوء الشهاب الذي هو من مؤلّفات السيد.

وقد تفطّن صاحب الرياض الى هذا الاشتباه، وأشار إليه في ترجمتهما، وصرّح هو وغيره بأنّ الكتب الأربعة للقطب لا له(٢) .

والعجب أنّ العلاّمة المذكور قال في الفصل الثاني في شرح حال الكتب المذكورة: وكتاب ضوء الشهاب كتاب شريف، مشتمل على فوائد جمّة، خلت عنها كتب الخاصّة والعامّة، وكتاب اللّباب المشتمل على بعض الفوائد، وشرح النهج مشهور معروف، رجع إليه أكثر الشرّاح، وكتاب أسباب النزول فيه فوائد، انتهى(٣) .

وفيه أيضا تأكيد لما ذكرنا، مع أنّ شرح النهج المتداول غير خفيّ أنّه للقطب، فراجع.

__________________

(١) بحار الأنوار ١: ١٢.

(٢) رياض العلماء ٢: ٤٢٩، و ٤: ٣٦٥.

(٣) بحار الأنوار ١: ٣١.

١٨٣

٣٥ - كتاب فقه القرآن:

وهو بعينه كتاب آيات الأحكام له أيضا، وهو من نفائس الكتب النافعة الجامعة، الكاشفة عن جلالة قدر مؤلّفها، وعلوّ مقامه في العلوم الدينيّة، وقد عثرنا - بحمد الله تعالى - على نسخة عتيقة منه، كتب في آخره: كتبه سعيد بن هبة الله بن الحسن، في محرّم سنة اثنتين وستّين وخمسمائة، حامدا لربّه، ومصلّيا على محمّد وآله - إلى هنا كلام المصنّفرحمه‌الله - وتمّ الكتاب على يد العبد الفقير الى الله تعالى، الحسن بن الحسين بن الحسن ( السدّ السوي )(١) ناقلا عن خطّ المصنّف إلاّ قليلا، أواسط صفر، ختم بالخير والظفر، شهور سنة أربعين وسبعمائة هجريّة، بمدينة قاشان. إلى آخره.

قال في الرياض: ثمّ إنّ القطب الراونديقدس‌سره هو أوّل من شرح نهج البلاغة، وأوّل من ألّف تفسير آيات الأحكام، فلاحظ(٢) .

قلت: أمّا الثاني فالظاهر أنّه كما ذكره، وأمّا النهج فأوّل من شرحه أبو الحسن البيهقي(٣) وهو حجّة الدين، فريد خراسان، أبو الحسن بن أبي القاسم زيد - صاحب لباب الألباب، وحدائق الحدائق، وغيرها - ابن محمد ابن عليّ البيهقي، من أولاد خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين.

قال في أوّل شرحه: قرأت كتاب نهج البلاغة على الإمام الزاهد الحسن ابن يعقوب بن أحمد القاري، وهو وأبوه في فلك الأدب قمران، وفي حدائق

__________________

(١) هكذا في الحجرية، وفي المخطوطة غير مقروءة وقد علم فيهما عليها ب: كذا.

(٢) رياض العلماء ٢: ٤٢١.

(٣) فيه تأمل، إذ الظاهر ان أول من شرحه هو علي بن الناصر - المعاصر للسيد الرضي - وهو من أخصر وأتقن الشروح، سماه أعلام نهج البلاغة، راجع الذريعة ٢: ٢٤٠.

١٨٤

الورع ثمران، في شهور سنة ستّ عشرة وخمسمائة، وخطّه شاهد لي بذلك - إلى أن قال - ولم يشرح قبلي من كان من الفضلاء السابقين هذا الكتاب بسبب موانع(١) . إلى آخره.

__________________

(١) معارج نهج البلاغة: ٢ - ٤.

١٨٥

٣٦ - كتاب التمحيص:

قال في البحار: هو لبعض قدماء أصحابنا، ويظهر من القرائن الجليّة أنّه من مؤلّفات الثقة الجليل أبي عليّ محمد بن همام(١) .

وقال في موضع آخر: وكتاب التمحيص، ومتانته تدلّ على فضل مؤلّفه، وإن كان مؤلّفه أبا عليّ كما هو الظاهر، ففضله وتوثيقه مشهوران(٢) .

قلت: ولم يشر إلى القرائن، والذي يظهر منها من الكتاب، قوله في أوّل الكتاب بعد الديباجة، باب سرعة البلاء إلى المؤمنين: حدّثنا أبو عليّ محمّد بن همام، قال: حدّثني عبد الله بن جعفر(٣) . إلى آخره، وهذا هو المرسوم في غالب كتب المحدّثين من القدماء، أنّ الرواة عنهم من تلاميذهم يخبرون عن روايتهم عنه في صدر كتبهم، فراجع الكافي، وكتب الصدوق، وغيرها، تجدها على ما وصفناه.

وبهذا يظنّ أنّ التمحيص له، ولكنّ الشيخ الجليل النبيل، الشيخ إبراهيم القطيفي، قال في خاتمة كتاب الفرقة الناجية، الحديث الأول: ما رواه الشيخ العالم، الفاضل العامل، الفقيه النبيه، أبو محمد الحسن بن عليّ بن الحسين بن شعبة الحرّاني قدّس الله روحه الزكيّة في كتابه المسمّى بالتمحيص، ثمّ أخرج منه خمسة أحاديث، وهو صاحب كتاب تحف العقول المتداول المعروف.

وفي الرياض: وأمّا قول الأستاذ الاستناد بأنّ كتاب التمحيص من مؤلّفات غيره - أي غير الحسن المذكور - فهو عندي محلّ تأمّل، لأنّ الشيخ

__________________

(١) بحار الأنوار ١: ١٧.

(٢) بحار الأنوار ١: ٣٤.

(٣) التمحيص: ٣٠.

١٨٦

إبراهيم أقرب وأعرف، مع أنّ عدم ذكر كتاب التمحيص في جملة مؤلّفاته، التي أوردها أصحاب الرجال في كتبهم مع قربهم إليه، يدلّ على أنّه ليس منه، فتأمّل(١) .

ووافقهما على ذلك الشيخ الجليل في أمل الآمل، إلاّ أنّه نسبه إلى القاضي في المجالس(٢) ، وفيه سهو ظاهر، فإنّ القاضي نقل في ترجمة القطيفي(٣) ما أخرجه من كتاب التمحيص بعبارته(٤) ، ولا يظهر منه اختياره ما اختاره من النسبة.

ثمّ إنّي إلى الآن ما تحقّقت طبقة صاحب تحف العقول(٥) ، حتّى استظهر منها ملاءمتها للرواية عن أبي عليّ محمد بن همام وعدمها.

والقطيفي من العلماء المتبحّرين، إلاّ أنّه لم يعلم أعرفيّته في هذه الأمور من العلامة المجلسيرحمه‌الله ، وهو في طبقة المحقّق الكركي، وهذا المقدار من التقدّم غير نافع في المقام.

نعم ما ذكره صاحب الرياض أخيرا يورث الشك في النسبة، إلا أنّه يرتفع بملاحظة ما ذكرنا.

ومع الغضّ عنه فالكتاب مردّد بين العالمين الجليلين الثقتين، فلا يضرّ الترديد في اعتباره، والاعتماد عليه.

__________________

(١) رياض العلماء ١: ٢٤٥.

(٢) أمل الآمل ٢: ٧٤ / ١٩٨.

(٣) بل في ترجمة أبو بكر الحضرمي.

(٤) مجالس المؤمنين ١: ٣٨٣.

(٥) ذكر الشيخ آغا بزرگ الطهراني في طبقات اعلام الشيعة القرن الرابع: ٩٣ ان الحسن بن علي ابن شعبة صاحب تحف العقول معاصر للصدوق المتوفى سنة ٣٨١، ويروي عن أبي علي محمد ابن همام بن سهيل الإسكافي المتوفى سنة ٣٣٦، ويروي عنه المفيد المتوفى سنة ٤١٣ كما ذكره حسين ابن علي بن صادق البحراني في رسالته في الأخلاق، ولعل كتاب التمحيص للحسن بن علي بن شعبة البحراني كما استظهره إبراهيم القطيفي والحر وصاحب الرياض، والاحتمال الآخر للمجلسي.

١٨٧

٣٧ - كتاب الهداية:

هو للصدوققدس‌سره ، صرّح به النجاشي(١) وغيره(٢) .

__________________

(١) رجال النجاشي: ٣٩٠ / ١٠٤٩.

(٢) بحار الأنوار: ١ / ٦ وروضات الجنات ٦: ١٣٦.

١٨٨

٣٨ - كتاب المقنع:

له أيضا، وهو داخل في فهرست مآخذ الوسائل(١) ، إلاّ أنّ المؤلّفرحمه‌الله لم ينقل منه إلاّ ما صرح فيه بالرواية، وترك باقيه لزعمه انّه من كلامه، والحقّ إنّ ما فيه عين متون الأخبار الصحيحة، بالمعنى الأخصّ الذي عليه المتأخّرون، لا لما اشتهر من أنّ فتاوى القدماء في كتبهم متون الأخبار، وإن كان حقّا، ولذا كانوا يرجعون إلى شرائع أبيه - وهو رسالته إليه - عند اعوزاز النصوص، بل لأمرين آخرين:

الأوّل : تصريحه بذلك في أوّل الكتاب، قالرحمه‌الله بعد الخطبة: قال محمد بن عليّ: ثمّ إنّي صنّفت كتابي هذا، وسمّيته كتاب المقنع لقنوع من يقرؤه بما فيه، وحذفت الإسناد منه لئلاّ يثقل حمله، ولا يصعب حفظه، ولا يملّه قارئه، إذ كان ما أبيّنه فيه في الكتب الأصوليّة موجودا، مبيّنا عن المشايخ العلماء، الفقهاء الثقاترحمهم‌الله أرجو بذلك ثواب الله، وأبتغي به مرضاته، وأطلب الأجر عنده(٢) ، وهذه العبارة كما ترى متضمّنة لمطالب:

الأوّل : إنّ ما في الكتاب خبر كلّه، إلاّ ما يشير إليه.

الثاني : إنّ ما فيه من الأخبار مسند كلّه، وعدم ذكر السند فيه للاختصار، لا لكونها من المراسيل.

الثالث : إنّ ما فيه من الأخبار مأخوذ من أصول الأصحاب، التي هي مرجعهم، وعليها معوّلهم، وإليها مستندهم، وفيها مباني فتاويهم.

الرابع : إنّ أرباب تلك الأصول ورجال طرقه إليها، من ثقات العلماء،

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣٠: ١٥٤ / ١٧، في ذكر الكتب المعتمدة.

(٢) المقنع: ٢.

١٨٩

وبذلك فاق قدره عن كتابه الفقيه، الذي عدّ من مآخذه كتاب نوادر الحكمة، وكتب المحاسن، وفيهما من ضعاف الأخبار بزعمه وزعم المتأخّرين ما لا يحصى، فإذا لا فرق فيما أدرجه فيه بين أن يقول: روي عن فلان وما أشبهه، أو يذكر حكم المسألة من غير استناد في الاعتبار والتعويل عليه.

الثاني : ما يظهر من مواضع من الكتاب أنّ ما يذكره متن الحديث.

ففي أحكام البئر: وإن وقعت في البئر فأرة، أو غيرها من الدواب فماتت، فعجن من مائها، فلا بأس بأكل ذلك الخبز إذا أصابته النار، وفي حديث آخر: أكلت النار ما فيه(١) . فلو لا أنّ الكلام الأوّل متن الخبر، لما كان لقوله: وفي حديث آخر محلّ.

ومثله في غسل الجنابة: وإن اغتسلت من الجنابة ووجدت بللا، فإن كنت بلت قبل الغسل فلا تعد الغسل، وإن كنت لم تبل قبل الغسل فأعد الغسل وفي حديث آخر: إن لم تكن بلت فتوضّأ(٢) .

ومثله في الخلل: وإن لم تدر اثنتين صلّيت أو خمسا، أو زدت أو نقصت، فتشهّد وسلّم، وصلّ ركعتين وأربع سجدات وأنت جالس بعد تسليمك. وفي حديث آخر تسجد سجدتين بغير ركوع، ولا قراءة(٣) .

ومثله في آخر الباب، وفي باب الصوم: اعلم أنّ الصوم على أربعين وجها، وساق الخبر المرويّ عن الزهري، عن السجادعليه‌السلام - الى أن قال - قال الزهري: وكيف يجزي صوم تطوّع عن صوم فريضة(٤) ، مع أنّه ما تعرّض للراوي، ولا المروي عنه في صدر الخبر.

__________________

(١) المقنع: ١٠.

(٢) المقنع: ١٣.

(٣) المقنع: ٣١.

(٤) المقنع: ٥٥ - ٥٧.

١٩٠

وفي كتاب النكاح: وإذا تزوّج الرجل المرأة فزنى قبل أن يدخل بها، لم تحلّ له لأنّه زان، ويفرّق بينهما، ويعطيها نصف الصداق، وفي حديث آخر: يجلد الحدّ، ويحلق رأسه. إلى آخره(١) .

وفيه: ولا تحلّ القابلة للمولود ولا ابنتها، وهي كبعض أمّهاته، وفي حديث آخر: إن قبّلت ومرّت فالقوابل أكثر من ذلك، وإن قبّلت وربّت حرمت عليه(٢) .

وهذا المقدار يكفي لإثبات ما أردناه، ومن هنا ظهر وجه نقل المجلسيرحمه‌الله ما فيه كنقله عن سائر كتب الأخبار، لكنّهرحمه‌الله فعل بكتاب الهداية ما فعل به، لظنّه أنّه أيضا مثله، والظاهر أنّه كذلك، ولكنّا ما اعتمدنا عليه، لعدم ما يدلّ على اعتباره، فاقتصرنا في النقل عنه بما أسنده إلى المعصومعليه‌السلام .

__________________

(١) المقنع: ١٠٩.

(٢) المقنع: ١٠٩.

١٩١

٣٩ - كتاب نزهة الناظر وتنبيه الخاطر:

في كلمات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّةعليهم‌السلام . للشيخ الأجلّ الشريف أبي يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري الطالبي(١) ، تلميذ الشيخ المفيدقدس‌سره ، والجالس مجلسه، وهو متكلّم فقيه، قائم بالأمرين جميعا، قاله النجاشي(٢) ، والعلاّمة(٣) .

وقال الأوّل في ترجمة السيّد المرتضى: تولّيت غسله ومعي الشريف أبي يعلى محمد بن الحسن الجعفري، وسلاّر بن عبد العزيز(٤) .

وهذا كتاب لطيف، صغير الحجم، عظيم القدر، أسقط أسانيد جميع ما فيه، إلاّ خبرا واحدا ذكره في آخر الكتاب، وهو الخبر المعروف في ذكر جماعة زهّاد ثلاثين، كانوا عند المستجار، وشاهدوا الصّاحبعليه‌السلام من غير أن يعرفوه، وعلّمهم بعض الدعوات، فقال: لمع ممّا روي عن مولانا صاحب الزمانعليه‌السلام : أخبرني الشيخ أبو القاسم عليّ بن محمد بن محمد المفيد

__________________

(١) لم نجد من صرح بأن الكتاب له، حتى ان النجاشي المعاصر له لم يصرح بأن كتاب النزهة من مصنفاته.

هذا، والاعتقاد إن مؤلفه هو الحسين بن الحسن بن نصر الحلواني المعاصر لأبي يعلى الجعفري كما هو مصرح به في صحيفة: ٧٦ من الكتاب إذ قال: قال الحسين بن محمد بن الحسن لما انتهى إلى هذا الفصل من كتابه.

كما وانه يروي عن أبي يعلى الجعفري في ذات الكتاب في صحيفة: ٤٧.

وقد نسب ابن شهرآشوب في معالمه ٤٢ / ٢٧٣ الكتاب إليه حيث قال: الحسين بن محمد بن الحسن له كتاب نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، فلاحظ.

(٢) رجال النجاشي: ٤٠٤ / ١٠٧٠.

(٣) رجال العلامة: ١٦٤ / ١٧٩.

(٤) رجال النجاشي: ٢٧١ / ٧٠٨.

١٩٢

رضي‌الله‌عنه قال: حدّث أبو محمد هارون بن موسى(١) . إلى آخره. وما رأينا ترجمة وذكرا لولد المفيد هذا(٢) ، إلاّ في هذا المقام.

__________________

(١) نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: ٧٤.

(٢) نقول: ان الشيخ في فهرسته: ١٥٨ / ٧٠٦ في ترجمته للشيخ المفيد عند ذكر مصنفاته قال: ورسالة في الفقه إلى ولده لم يتمها.

كما وان الحسين بن محمد الحلواني في كتابه الآخر الموسوم بنهج النجاة في فضائل أمير المؤمنين والأئمة الطاهرين من ذريته صلوات الله عليهم أجمعين روى عنه بقوله: حدثنا أبو القاسم بن المفيد، أنظر كتاب اليقين في إمرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام : ١٤٠ فإنه نقل ذلك عن النهج. وعليه فللمفيد ولد يكنى أبا القاسم وان لم يذكره علماء الرجال، فلاحظ.

١٩٣

٤٠ - كتاب مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة:

المنسوب إلى أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام ، على ما صرّح به جماعة من العلماء الأعلام، أوّلهم فيما أعلم السيّد الأجلّ رضيّ الدين عليّ بن طاوس، في الفصل السابع من الباب السادس، من كتاب أمان الأخطار قال: ويصحب - أي المسافر - معه كتاب الإهليلجة، وهو كتاب مناظرة مولانا الصادقعليه‌السلام للهندي، في معرفة الله جلّ جلاله، بطرق غريبة عجيبة ضروريّة، حتى أقرّ الهندي بالإلهيّة والوحدانيّة، ويصحب معه كتاب مفضّل ابن عمر، الذي رواه عن الصادقعليه‌السلام ، في معرفة وجوه الحكمة في إنشاء العالم السفلي، وإظهار إسراره، فإنّه عجيب في معناه، ويصحب معه كتاب مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة، عن الصادقعليه‌السلام ، فإنّه كتاب لطيف شريف، في التعريف بالتسليك الى الله جلّ جلاله، والإقبال عليه، والظفر بالأسرار التي اشتملت عليه، فإنّ هذه الثلاثة كتب تكون مقدار مجلّد واحد، وهي كثيرة الفوائد(١) .

والفاضل المتبحّر الشيخ إبراهيم الكفعميقدس‌سره - صاحب الجنّة - في كتاب مجموع الغرائب، قال: ومن كتاب مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة: قال الصادقعليه‌السلام : « إعراب القلوب أربعة. » إلى آخره. وقال الصادقعليه‌السلام : « سمّي المستراح مستراحا. » إلى آخره. وقال الصادقعليه‌السلام : « السخاء من أخلاق الأنبياءعليهم‌السلام . » إلى آخره، ثمّ نقل شيئا من فضل الحلم والتقوى(٢) .

وشيخ الفقهاء الشهيد الثاني قدس الله روحه، فإنّه اعتمد عليه غاية الاعتماد، ونسب ما فيه إلى الصادقعليه‌السلام من غير تردّد وارتياب، فقال

__________________

(١) الأمان: ٩١ - ٩٢.

(٢) مجموع الغرائب: ٤٩.

١٩٤

في كشف الريبة، في مقام ذكر علاج الغيبة ما لفظه: جملة ما ذكروه من الأسباب الباعثة على الغيبة عشرة أشياء، قد نبّه الصادقعليه‌السلام عليها بقوله: « أصل الغيبة عشرة » وذكر ما فيه، ثم قال: ونحن نشير إليها مفصّلة، ثمّ شرح الأصول العشرة المذكورة، ثمّ شرع في ذكر علاجها(١) .

وقالرحمه‌الله في منية المريد: وقال الصادقعليه‌السلام : « المراء داء دويّ، وليس في الإنسان خصلة شرّ منه » إلى آخر ما في المصباح. وقال في آخره: هذا كلّه من كلام الصادقعليه‌السلام (٢) .

وقالرحمه‌الله في مسكّن الفؤاد: فصل، قال الصادقعليه‌السلام : « البلاء زين المؤمن، وكرامة لمن عقل » إلى آخر ما في الباب التسعين من الكتاب. وقال في آخر الفصل: وهذا الفصل كلّه من كلام الصادقعليه‌السلام (٣) ، ثمّ قال: فصل، قال الصادقعليه‌السلام : « الصبر يظهر ما في بواطن العباد من النور » إلى آخر ما في الباب الذي بعده، ولم يذكر في هذا الفصل أيضا من غيره(٤) .

وفي كتاب أسرار الصلاة أخرج منه جميع ما له تعلّق بالصلاة، من مقدّماتها، وآدابها، وأفعالها إلى التسليم، مبتدئا في جميع المواضع بقوله: قال الصادقعليه‌السلام ، من دون أن يذكر اسم الكتاب، ودأبه في نقل سائر الأخبار أن يقول: روى فلان، أو عن فلان، وبذلك يظهر ما أشرنا إليه من شدّة اعتماده، لأنّهرحمه‌الله تعالى قال في شرح درايته: وإذا نقل من نسخة موثوق بها في الصحّة، بأن قابلها هو، أو ثقة، على وجه وثق به، لمصنف من

__________________

(١) كشف الريبة: ٦٩، ومصباح الشريعة: ٢٧٧.

(٢) منية المريد ٦٩، مصباح الشريعة: ٢٦٧.

(٣) مسكن الفؤاد: ٥٢ - ٥٣، ومصباح الشريعة: ٤٨٦.

(٤) مسكن الفؤاد: ٥٣، ومصباح الشريعة: ٤٩٨.

١٩٥

العلماء، قال فيه - أي في نقله من تلك النسخة: - قال فلان - يعني ذلك المصنّف - وألا يثق بالنسخة، قال: بلغني عن فلان أنّه ذكر كذا وكذا، أو وجدت في نسخة من الكتاب الفلاني وما أشبه ذلك من العبارات.

وقد تسامح أكثر الناس في هذا الزمان بإطلاق اللفظ الجازم في ذلك، من غير تجوّز وتثبّت، فيطالع أحدهم كتابا منسوبا إلى مصنّف معيّن، وينقل منه من غير أن يثق بصحة النسخة قائلا: قال فلان كذا، وذكر فلان كذا. وليس بجيّد، بل الصواب ما فصّلناه(١) . وهذا الكلام منهرحمه‌الله وإن كان في مقام علم انتساب النسخة إلى المؤلّف، ولم يطمئن بصحّة ما فيها، ولكنّه يدلّ فيما لم يعلم أصل النسبة بطريق أولى.

وقال المحقّق الدامادقدس‌سره في الرواشح، في ردّ من استدلّ على حجّيّة المراسيل مطلقا: بأنّه لو لم يكن الوسط الساقط عدلا عند المرسل، لما ساغ له إسناد الحديث إلى المعصوم سلام الله عليه، وكان جزمه بالإسناد الموهم لسماعة إيّاه من عدل تدليسا في الرواية، وهو بعيد من أئمّة النقل، قال: وإنّما يتمّ إذا كان الإرسال بالإسقاط رأسا والإسناد جزما، كما لو قال المرسل: قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو قال الإمامعليه‌السلام ذلك، وذلك مثل قول الصدوق، عروة الإسلامرضي‌الله‌عنه في الفقيه، قالعليه‌السلام : « الماء يطهّر ولا يطهّر(٢) » إذ مفاده الجزم، أو الظنّ بصدور الحديث عن المعصوم، فيجب أن تكون الوسائط عدولا في ظنّه، وإلاّ كان الحكم الجازم بالإسناد هادما لجلالته وعدالته، بخلاف ما لو التزم العنعنة وأبهم الواسطة، كقوله: عن رجل، أو عن صاحب لي، أو عن بعض أصحابه مثلا، انتهى(٣) .

__________________

(١) الدراية: ١٠٩.

(٢) الفقيه: ١: ٦ / ٢.

(٣) الرواشح السماوية: ١٧٤.

١٩٦

ومن هنا قيل: إنّ هذا الصنف من مراسيل الفقيه، إن لم يكن أقوى ممّا عرف إسناده، فلا يقصر عنه.

وبالجملة فهو -رحمه‌الله - أحقّ بأن يعمل بما قرّره، ومن سبر مؤلّفاته عرف شدّة إتقانه وضبطه في نقل الأخبار والآثار، ورعاية القوانين المودعة في كتب الدراية.

والسيّد الجليل، العالم المتبحّر النبيل، السيد حسين القزويني، قال في المبحث الخامس من كتاب جامع الشرائع، في بيان الاعتماد على مؤلّفي الكتب المنتزعة منها، قال: ومصباح الشريعة المنسوب إليه - يعني الصادقعليه‌السلام - بشهادة الشارح الفاضل - يعني الشهيد الثانيرحمه‌الله - والسيد ابن طاوس، والفاضل العارف مولانا محسن القاساني، وغيرهم، فلا وجه لتشكيك بعض المتأخّرين بعد ذلك، انتهى.

وقال العلاّمة المجلسي في البحار: وكتاب مصباح الشريعة فيه بعض ما يريب اللّبيب الماهر، وأسلوبه لا يشبه سائر كلمات الأئمّةعليهم‌السلام وآثارهم، وروى الشيخ في مجالسه بعض أخباره هكذا: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل الشيباني، بإسناده عن شقيق البلخي، عمّن أخبره من أهل العلم.

وهذا يدلّ على أنّه كان عند الشيخ -رحمه‌الله - وفي عصره، وكان يأخذ منه، ولكنّ لا يثق به كلّ الوثوق، ولم يثبت عنده كونه مرويّا عن الصادقعليه‌السلام ، وإنّ سنده ينتهي إلى الصوفيّة، ولذا اشتمل على كثير من اصطلاحاتهم، وعلى الرواية من مشايخهم، ومن يعتمدون عليه في رواياتهم، والله يعلم، انتهى(١) .

قلت : أمّا مغايرة الأسلوب فغير مضرّ، وسنشير ان شاء الله إلى وجهه.

وأمّا قوله: وروى الشيخ بعض أخباره. إلى آخره، ثمّ فرّع عليه

__________________

(١) بحار الأنوار ١: ٣٢.

١٩٧

وجود الكتاب عنده، وعدم اعتماده عليه، فهو في غاية الغرابة سيّما من مثله، إذ ليس فيه إلاّ حديث واحد غير مأخوذ عن هذا الكتاب يقينا، ونحن نذكر الخبرين حتّى يتبيّن للناظر صدق ما ادّعيناه.

ففي الباب الثامن والسبعين من المصباح وهو في تبجيل الإخوان، بعد التصدير بكلام الصادقعليه‌السلام ، على ما هو رسم الكتاب وظهور اختتام كلامهعليه‌السلام : قيل لعيسى بن مريمعليه‌السلام : كيف أصبحت؟ قال: « لا أملك نفع ما أرجوه، ولا أستطيع دفع ما أحذره، مأمورا بالطاعة، منهيّا عن المعصية، فلا أرى فقيرا أفقر منّي ».

وقيل لأويس القرني: كيف أصبحت؟ قال: كيف يصبح رجل إذا أصبح لا يدري أيمسي وإذا أمسى لا يدري أيصبح؟!

قال أبوذر -رضي‌الله‌عنه -: أصبحت أشكر ربي، وأشكو نفسي.

قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أصبح وهمّته غير الله فقد أصبح من الخاسرين المعتدين » انتهى(١) .

وفي مجالس الشيخ، في مجلس يوم الجمعة، الثاني من رجب سنة ٤٥٧: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل، قال: حدّثنا غياث بن مصعب بن عبدة أبو العباس الخجندي الرياطي، قال: حدّثنا محمد بن حمّاد الشّاسي(٢) ، عن حاتم الأصمّ، عن شقيق بن إبراهيم البلخي، عمّن أخبره من أهل العلم، قال: قيل لعيسى بن مريمعليه‌السلام : كيف أصبحت يا روح الله؟ قال: « أصبحت وربّي تبارك وتعالى من فوقي، والنار أمامي، والموت في طلبي، لا أملك ما أرجو، ولا أطيق دفع ما أكره، فأيّ فقير أفقر منّي؟! ».

وقيل للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كيف أصبحت؟ قال: « بخير من

__________________

(١) مصباح الشريعة: ٤٢٩.

(٢) في المصدر: الشاشي.

١٩٨

رجل لم يصبح صائما، ولم يعد مريضا، ولم يشهد جنازة ».

قال: وقال جابر بن عبد الله الأنصاري: لقيت عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ذات يوم صباحا، فقلت: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ قال: « بنعمة من الله، وفضل من رجل لم يزر أخا، ولم يدخل على مؤمن سرورا » قلت: وما ذلك السرور؟ قال: « يفرّج عنه كربا، أو يقضي عنه دينا، أو يكشف عنه فاقة ».

قال جابر: ولقيت عليّاعليه‌السلام يوما، فقلت: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ قال: « أصبحنا وبنا من نعم الله وفضله ما لا نحصيه مع كثير ما نحصيه، فما ندري أيّ نعمة نشكر، أجميل ما ينشر، أم قبيح ما يستر؟ ».

وقيل لأبي ذر -رضي‌الله‌عنه -: كيف أصبحت يا صاحب رسول الله؟ قال: أصبحت بين نعمتين، بين ذنب مستور، وثناء من اغترّ به فهو مغرور.

وقيل للربيع بن خيثم: كيف أصبحت يا أبا يزيد؟ قال: أصبحت في أجل منقوص، وعمل محفوظ، والموت في رقابنا، والنار من ورائنا، ثمّ لا ندري ما يفعل بنا.

وقيل لأويس بن عامر القرني: كيف أصبحت يا أبا عامر؟ قال: ما ظنّكم بمن يرحل الى الآخرة كل يوم مرحلة، لا يدري إذا انقضى سفره، أعلى جنّة يرد أم على نار؟! قال: وقال عبد الله بن جعفر الطيّار: دخلت على عمّي عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام صباحا، وكان مريضا، فقلت: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ قال: « يا بنيّ كيف أصبح من يفنى ببقائه، ويسقم بدوائه، ويؤتي من مأمنه ».

وقيل لعليّ بن الحسينعليهما‌السلام : كيف أصبحت يا ابن رسول الله؟ قال: « أصبحت مطلوبا بثمان: الله تعالى يطلبني الفرائض، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسنّة، والعيال بالقوت، والنفس بالشهوة، والشيطان باتّباعه،

١٩٩

والحافظان بصدق العمل، وملك الموت بالروح، والقبر بالجسد، فأنا بين هذه الخصال مطلوب ».

وقيل لابنه محمد بن عليّعليهما‌السلام : كيف أصبحت؟ قال: « أصبحنا غرقى في النعمة، موفورين بالذنوب، يتحبّب إلينا إلهنا بالنعم، ونتمقّت إليه بالمعاصي، ونحن نفتقر إليه، وهو غنيّ عنّا ».

وقيل لبكر بن عبد الله المزني: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت قريبا أجلي، بعيدا أملي، سيّئا عملي، ولو كان لذنوبي ريح ما جالستموني.

قال: وقيل لرجل من المعمّرين: كيف أصبحت؟ قال:

أصبحت لا رجلا يغدو لحاجته

و لا قعيدة بيت تحسن العملا

وقيل لأبي الرجاء العطاردي، وقد بلغ عشرين ومائة سنة: كيف أصبحت؟ قال:

أصبحت لا يحمل بعضي بعضا

كأنّما كان شبابي قرضا(١)

وأنت خبير بما بين الخبرين من الطول والاختصار، ولو كان ما في الأوّل أطول لأمكن احتمال أن يكون الثاني مختصرا منه، وأمّا العكس فغير متصوّر، مع أنّ في المقدار المتّفق منهما من الاختلاف ما لا يحتمل أن يكون أحدهما مأخوذا من الآخر.

ثمّ من أين علم أنّ الشيخ أخرج الخبر عنه؟ فلعلّه أخرجه من كتب بعض من ذكر في رجال السند كحاتم الأصمّ، وشقيق البلخي، وغيرهما، والتعبير عنهعليه‌السلام بقوله: عمّن أخبره من أهل العلم منه كما هو الظاهر لا من الشيخ، بل هذا غير معهود منه ومن غيره من المصنّفين، فإنّهم إذا أخرجوا خبرا من كتاب، ما كانوا ليغيّروا بعض ما في سنده أو متنه، إلاّ ان يقع منهم

__________________

(١) أمالي الشيخ الطوسي ٢: ٢٥٣.

٢٠٠

سهو فيهما.

ثمّ إنّ الذي يستظهر من العلماء من التأمّل في الكتاب، أنّ ما نسب إليه هو ما صدّر به الأبواب بقوله: قال الصادقعليه‌السلام ، وما فيه من الرواية ونقل الآثار من الجامع الذي كان يملى عليه، فلو أغمضنا من جميع ما ذكرنا، فالذي أخرجه الشيخ من كلام الجامع، والتعبير « عنه » بما عبّره، لا يدلّ على عدم الوثوق الذي استظهره، ولكنّ الظاهر من الشهيد في مسكّن الفؤاد بل صريحه، كون كلّه منهعليه‌السلام ، فلاحظ.

وقال الشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي، في آخر مقدّمة كتاب درر اللآلي العماديّة ما لفظه: وسأختم هذه المقدّمة بذكر أحاديث تتعلّق ببعض حقائق الدين، وشيء من حقائق العبادات، أكثر اسنادها عن الصادق الامام أبي عبد الله جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، محذوفة الأسانيد كما رؤيتها.

واعلم أنّي قد التزمت في هذه الأحاديث المرويّة في هذه الخاتمة - وفي جميع الأحاديث الواردة في الأقسام الثلاثة الآتية بعدها - أن أذكر بعض ما يتعلّق بها من الأحكام الشرعيّة، وما استدلّ بها عليه، وكيفيّة الاستدلال بها عليها، وبعض الفروع المأخوذة منها على سبيل الاختصار، ممّا نقلته عن مشايخنا السابقين، وعلمائنا الماضين - قدّس الله أرواحهم - ليكون الكتاب المشتمل على هذه الأحاديث المتعلّقة بالأحكام الفقهيّة تامّ النفع، مغنيا عن مطالعة غيره من الكتب، والله الموفّق.

قال الصادقعليه‌السلام : « بحر المعرفة يدور على ثلاثة: الخوف، والرجاء، والمحبة. إلى آخره »(١) .

ثمّ نقل كثيرا من مطالب هذا الكتاب، وفي جملة من المواضع ينقل كلامهعليه‌السلام بقوله: قال الصادقعليه‌السلام ، ثمّ يشرحه بقوله: قال العارف

__________________

(١) درر اللآلي ١: ٣٩، ومصباح الشريعة: ٨.

٢٠١

كذا، ولم أتحقّق أنّ المراد منه نفسه، أو شرح هذا الكتاب أحد قبله، وهذه المقدّمة طويلة نافعة، جامعة لفوائد شريفة.

وفي رياض العلماء، في ذكر الكتب المجهولة: فمن ذلك كتاب مصباح الشريعة في الأخبار والمواعظ، كتاب معروف متداول، وقد ينسب إلى هشام ابن الحكم(١) على ما رأيت بخطّ بعض الأفاضل، وهو خطأ. أمّا أوّلا: فلأنّه قد اشتمل على الرواية عن جماعة، هم متأخّرون عن هشام. وأمّا ثانيا: فلأنّه يحتوي على مضامين تنادي على أنّه ليس من مؤلّفاته، بل هو من مؤلّفات بعض الصوفيّة كما لا يخفى. لكن وصى به ابن طاوس، انتهى(٢) .

وقال شيخنا الحرّرحمه‌الله في آخر كتاب الهداية: تتمّة، قد وصل إلينا أيضا كتب كثيرة، قد ألّفت وجمعت في زمانهمعليهم‌السلام ، نذكرها هاهنا، وهي ثلاثة أقسام - إلى أن قالرحمه‌الله - الثالث: ما ثبت عندنا كونه غير معتمد، فلذا لم ننقل منه، فمن ذلك كتاب مصباح الشريعة المنسوب إلى الصادقعليه‌السلام ، فانّ سنده لم يثبت، وفيه أشياء منكرة مخالفة للمتواترات، وربّما نسب تأليفه إلى الشيخ زين الدين، وهذه النسبة باطلة لأنّه مذكور في أمان الأخطار لابن طاوسقدس‌سره (٣) . انتهى.

قلت : للصوفيّة مقصدان، أحدهما مقدّمة الأخرى:

الأوّل : تهذيب النفس، وتصفيتها عن الكدورات والظلمات، وتخليتها عن الرذائل والصفات القبيحة، وحفظها عمّا يظلمها ويفرّقها ويقسّيها، وتحليتها

__________________

(١) نسخة بدل: سالم.

(٢) رياض العلماء ٦: ٤٥. ولعلّه أراد به وصيّة ابن طاوس المتقدمة في أول التعريف بكتاب مصباح الشريعة فلاحظ.

(٣) هداية الأمة: مخطوط. الأمان: ٩١ - ٩٢.

٢٠٢

بالأوصاف الجميلة، والكمالات المعنويّة، وهذا يحتاج إلى معرفة النفس والقلب إجمالا، ومعرفة الصفات الحسنة والقبيحة، ومبادئها وآثارها، وما به يتوسّل الى التطهير والتزكية، والتنوير والتحلية.

وهذا مقصد عظيم يشاركهم أهل الشرع، وكافة العلماء على اختلاف مشاربهم وآرائهم، وكيف لا يشاركون فيما وضعت العبادات والآداب لأجله، وبعث الأنبياء لإكماله!

وكفى بما في الكتاب المجيد من الاهتمام بأمر القلب وتهذيبه، بما وصفه به من الرين والطبع، والغشاوة، والكبر، والضيق، والتحجر، وإرادة العلوّ، والصرف، والزيغ، والمرض، والقسوة، والظلمة، والغلف، والقفل، والجهل، والعمى، والموت، وأمثالها.

ومدحه الذين اتّصفوا بما يضادّها من الخشوع، واللّين، والرقّة، والعلم، والهداية، والسلامة، والاطمئنان، والربط، والحياة، والمحبّة، والصبر، والرضا، والتوكّل، والتقوى، واليقين، وأمثالها شاهدا في المقام.

وللقوم في هذا المقصد العظيم كتب ومؤلّفات فيها مطالب حسنة نافعة، وإن أدرجوا فيها من الأكاذيب والبدع خصوصا بعض الرياضات المحرّمة ما لا يحصى، ومن هنا فارقوا أهل الشرع المتمسكين بالكتاب والسنّة، والمتشبّثين بأذيال سادات الأمّة، فحصول هذا المقصد عندهم منحصر بالعمل، بتمام ما قرّروه لهم، والاجتناب عمّا نهوا عنه، دون ما أبدعوه في هذا المقام من الرياضات، ومتابعة الشيخ والمرشد على النحو الذي عندهم، وهذا هو مراد الشهيدقدس‌سره في الدروس، في بحث المكاسب، حيث قال: وتحرم الكهانة - إلى أن قال - وتصفية النفس، أي بالطرق الغير الشرعيّة(١) .

الثاني : ما يدعون من نتيجة تهذيب النفس، وثمرة الرياضات من المعرفة

__________________

(١) الدروس ٣: ١٦٣ - ١٦٤.

٢٠٣

وفوقها، من الوصول والاتّحاد والفناء، ومقامات لم يدّعيها نبيّ من الأنبياء ووصيّ من الأوصياء، فكيف بأتباعهم من أهل العلم والتقى! مع ما فيها ممّا لا يليق نسبته الى مقدّس حضرته جلّ وعلا، ويجب تنزيهه عنه سبحانه وتعالى عمّا يقوله الظالمون.

وأمّا المقصد الثاني فحاشا أهل الشرع والدين، فضلا عن العلماء الراسخين، أن يميلوا إليه أو يأملونه، أو يتفوّهون به، وأغلب ما ورد في ذمّ الجماعة ناظر الى هذه الدعوى ومدّعيها.

وأمّا الأوّل فقد عرفت مشاركتهم فيه، وإن فارقوا القوم في بعض الطرق، وحيث إنّهم بلغوا الغاية فيما القوة في هذا المقام، والحكمة ضالّة المؤمن حيث وجدها أخذها، ترى مشايخنا العظام، والفقهاء الكرام كثيرا ما يراجعون إليه، وينقلون عنه، ويشهدون بحقّيته، ويأمرون بالأخذ به، فصار ذلك سببا للطعن عليهم، ونسبتهم إلى الصوفيّة، أو ميلهم الى المتصوّفة، ظنّا منهم الملازمة بين المقصدين، وإنّ من يحضّ على تهذيب النفس، وتطهير القلب، ويستشهد في بعض المقامات، أو تفسير بعض الآيات بكلمات بعضهم، ممّا يؤيّده أخبار كثيرة، فهو منهم ومعهم في جميع دعاويهم.

وهذا من قصور الباع، وجمود النظر، وقلّة التدبّر في مزايا الكتاب والسنّة.

وآل أمرهم الى أن نسبوا مثل الشيخ الجليل، ترجمان المفسّرين أبي الفتوح الرازي، وصاحب الكرامات علي بن طاوس، وشيخ الفقهاء الشهيد الثاني - قدّس الله أرواحهم - إلى الميل الى التصوّف كما رأيناه، وهذه رزيّة جليلة، ومصيبة عظيمة لا بدّ من الاسترجاع عندها.

نعم يمكن أن يقال لهم تأدّبا لا إيرادا، إنّ فيما ورد عن أهل بيت العصمة سلام الله عليهم غنى ومندوحة عن الرجوع الى زبرهم وملفّقاتهم ومواعظهم، فإنّك إن غمرت في تيّار بحار الأخبار، لا تجد حقّا صدر منهم إلاّ

٢٠٤

وفيها ما يشير إليه، بل رأينا كثيرا من الكلمات التي تنسب إليهم، هي ممّا سرقوها من معادن الحكمة، ونسبوها إلى أنفسهم، أو مشايخهم.

قال تلميذ المفيدقدس‌سره ، أبو يعلى الجعفري، في أول كتاب النزهة(١) : إنّ عبد الملك بن مروان كتب الى الحجّاج: إذا سمعت كلمة حكمة فاعزها الى أمير المؤمنين - يعني نفسه - فإنّه أحقّ بها، وأولى من قائلها(٢) ، انتهى.

ولولا خوف الإطالة لذكرت شطرا من هذا الباب، بل قد ورد النهي عن الاستعانة بهم. فروى سبط الطبرسي في مشكاة الأنوار، عن الباقرعليه‌السلام أنّه قال لجابر: « يا جابر ولا تستعن بعدوّ لنا [ في ] حاجة، ولا تستطعمه، ولا تسأله شربة، أما إنّه ليخلّد في النار، فيمرّ به المؤمن، فيقول: يا مؤمن ألست فعلت بك كذا وكذا؟ فيستحيي منه، فيستنقذه من النار »(٣) .

الحجّة: هذا حال طعام الأجساد، فكيف بقوت الأرواح؟.

إذا عرفت ذلك فلنرجع الى ما في كلمات هؤلاء المشايخ العظام فنقول:

أمّا أوّلا : فما في البحار، والرياض، من أنّه لا يشبه سائر كلمات الأئمّةعليهم‌السلام ، وأنّه على أسلوب الصوفيّة، ومشتمل على مصطلحاتهم(٤) . ففيه: إنّ كلماتهمعليهم‌السلام وعباراتهمعليهم‌السلام في كشف المطالب المتعلّقة بالمعارف والأخلاق، مختلفة بحسب الألفاظ والتأدية، وإن لم تختلف بحسب المعنى والحقيقة، وهذا ظاهر لمن أجال الطرف في أكناف كلمات أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وسائر الأئمّةعليهم‌السلام في هذه المقامات، وليس لمن

__________________

(١) تقدم في صحيفة (١٩٢) كلام حول مؤلف الكتاب فراجع.

(٢) لم نعثر على هذا الكلام في النسخة المطبوعة من النزهة.

(٣) مشكاة الأنوار: ٩٩.

(٤) بحار الأنوار ١: ٣٢، ورياض العلماء ٦: ٤٥.

٢٠٥

تقدّم الصادقعليه‌السلام من الصوفيّة، كطاوس اليماني، ومالك بن دينار، وثابت البناني، وأيّوب السجستاني، وحبيب الفارسي، وصالح المري، وأمثالهم، كتاب يعرف منه أنّ المصباح على أسلوبه، ومن الجائز أن يكون الأمر بالعكس، فيكون الذين عاصروهعليه‌السلام منهم، أو تأخّروا عنه، سلكوا سبيلهعليه‌السلام في هذا المقصد، وأخذوا ضغثا من كلماته الحقّة، ومزجوها بضغث من أباطيلهم، كما هو طريقة كلّ مبدع مضلّ، ويؤيّده اتّصال جماعة منهم إليه، والى الأئمّة من ولده، كشقيق البلخي، ومعروف الكرخي، وأبي يزيد البسطامي طيفور السقّاء، كما يظهر من تراجمهم في كتب الفريقين، فيكون ما الّف بعده على أسلوبه ووتيرته.

ثم نقول: ليس في هذا الكتاب من عناوين أبوابه شيء لا يوجد في كثير من الأخبار مثله، سوى عناوين ثلاثة أبواب من أوّل الكتاب، ولكن ما شرحه وفصّله فيها كلّها ممّا عليه الكتاب والسنّة، مع أنّه يوجد في جملة من ادعيتهم، ومناجاتهم، وخطبهمعليهم‌السلام من العبارات الخاصة، والكلمات المختصّة، ما لا يوجد في سائر كلماتهم، فارجع البصر إلى المناجاة الإنجيليّة الكبرى والوسطى، وآخر دعاء كميل، والمناجاة الخمسة عشر، التي عدّها صاحب الوسائل في الصحيفة الثانية من أدعية السجادعليه‌السلام ، ونسبها إليه من غير تردد، مع أنّه لا يوجد لها سند، ولم يحتو عليها كتاب معتمد، وليس في تمام المصباح ما يوجد فيها من الألفاظ الدائرة في ألسنة القوم.

ثمّ نقول: إنّك بعد التأمّل في ملفّقات القوم في هذا الباب، تجد المصباح خاليا عن مصطلحاتهم الخاصّة، التي عليها تدور رحى تمويهاتهم، كلفظ العشق، والخمر، والسكر، والصحو، والمحو، والفناء، والوصل، والقطب، والشيخ، والطرب، والسماع، والجذبة، والإنيّة، والوجد، والمشاهدة، وغير ذلك ممّا ليس فيه شيء منه.

ثمّ نقول: وفي كتبهم أيضا أخبار معروفة متداولة، لا توجد فيه.

٢٠٦

وأمّا ثانيا : فما في الأوّل من أنّه يروي فيه عن مشايخهم - أي الصوفيّة - ففيه، بعد تسليم كون ما فيه من الرواية والحكاية، من تتمّة كلام الصادقعليه‌السلام - كما يظهر من الشهيدرحمه‌الله في مسكّن الفؤاد - لا لمن كان يملي عليه فيجمعه، ويردفه بها، أنّ تمام ما فيه من حكاية أقوالهم، والاستشهاد بكلامهم، لا يزيد على ستّة عشر موضعا(١) ، خمسة منها عن الربيع بن خثيم، وحكايتان عن أويس القرني، وهرم بن حيّان، وهؤلاء الثلاثة من الزهّاد الثمانية الذين كانوا مع أمير المؤمنينعليه‌السلام .

روى الكشيّ، عن عليّ بن محمد بن قتيبة، قال: سئل أبو محمد الفضل ابن شاذان عن الزهّاد الثمانية، فقال: الربيع بن خثيم، وهرم بن حيّان، وأويس القرني، وعامر بن عبد قيس، وكانوا مع عليّعليه‌السلام ومن أصحابه، وكانوا زهّادا أتقياء - إلى أن قال - وأويس القرني مفضّل عليهم كلهم(٢) .

وثلاثة عن أبي ذررضي‌الله‌عنه ، وحكاية عن عبد الله بن مسعود، واخرى عن أبيّ بن كعب، وحالهم غير خفيّ، وحكاية عن وهب بن منبه، واخرى عن زيد ابن ثابت، واخرى عن سفيان بن عيينة في ذمّ القرّاء، والفتيا لمن ليس من أهلها.

فإن كان المراد من قول المجلسيرحمه‌الله أنّه اشتمل على الرواية من مشايخهم، ومن يعتمدون عليه في رواياتهم، ما حكاه عن زيد بن ثابت، وسفيان في المقامين.

فلعمري إنّه طعن في غير محلّ، فإنّ الاستشهاد بكلامهما في المقامين، كالاستشهاد بمدائح الأعداء في إثبات فضائل الخلفاءعليهم‌السلام ، فإنّهما من رؤساء القرّاء، وأرباب الفتيا.

__________________

(١) مصباح الشريعة: على التوالي ١٠٦، ١٧٥، ٤٤٥، ٥٠٧، ٤٣١، ٤٨٠، ١٨١، ٤٣٢، ٤٦٢، ٢٤٤، ٤٦٤، ١٨٠، ٤٩٧، ٣٧٣، ٣٥٤.

(٢) اختيار معرفة الرجال: ٣١٣ / ١٥٤.

٢٠٧

وأمّا الذين سبق ذكرهم غير وهب، فقد سبقت لهم من الله، ورسوله، ووصيّه صلوات الله عليهما وآلهما الحسنى، وإن كان في ضعف معرفة الربيع كلام، لا يضرّ في المقام، وفي غير واحد من أخبارهمعليهم‌السلام الاستشهاد بكلمات سلمان وحكمه ونصائح أبي ذرّ وموعظته، فلاحظ.

وأمّا ثالثا : فما في الرياض من أنّه قد اشتمل على الرواية عن جماعة هم متأخّرون عن هشام(١) ، قد ظهر بما ذكرنا ضعفه وبطلانه، فإنّ الذين عددناهم غير سفيان متقدّمون على هشام بطبقات، وأمّا هو ففي طبقته، وهذا منهرحمه‌الله مع طول باعه عجيب.

وأمّا رابعا : فما في الهداية من أنّ سنده لم يثبت، ففيه إنّ المراد من السند إن كان هو المعنى المصطلح، والمراد من الثبوت هو أحد الأقسام الثلاثة منه، من الصحيح أو الحسن أو الموثّق، ففيه مع أنّه غير معترف به، وخارج من طريقته إنّه لم يدعه أحد، ولا حاجة إليه خصوصا على مسلكه.

وإن كان المراد مطلق الاطمئنان بثبوته، والوثوق بصدوره ففيه إنّه يكفي شهادة هؤلاء المشايخ العظام، الذين أشرنا إليهم في الوثوق به، وقد اكتفى هو بأقلّ من ذلك في إثبات اعتبار تمام ما اعتمد عليه من الكتب، ونقل عنه.

هذا كتاب تحف العقول، للحسن بن عليّ بن شعبة، قد اكتفى بمدحه ومدح الكتاب، ونسبته إليه في الأمل(٢) بما في مجالس المؤمنين(٣) ، وليس له ولا لكتابة ذكر في مؤلّفات أصحابنا قبله، إلاّ ما نقلناه عن الشيخ إبراهيم القطيفي في رسالته، في الفرقة الناجية، وقد أكثر من النقل عن التحف في الوسائل.

ومثله في عدم الذكر والجهالة الحسن بن أبي الحسن الديلمي وكتبه، سيّما

__________________

(١) رياض العلماء ٦: ٤٥.

(٢) أمل الأمل ٢: ٧٤.

(٣) مجالس المؤمنين ١: ٣٨٣.

٢٠٨

إرشاد القلوب، الذي قد أكثر من النقل عنه، وعدّه من الكتب المعتمدة، التي نقل منها، وشهد بصحّتها مؤلّفوها، وليس له أيضا ذكر فيما وصل إليه وإلينا من مؤلّفات أصحابنا، سوى ما نقله عنه الشيخ ابن فهد في عدّة الداعي، في بعض المواضع، بعنوان الحسن بن أبي الحسن الديلمي(١) ، فمن أين عرفه، وعرف وثاقته، وعرف نسبة الكتاب إليه وشهادته بصحّته؟ فهل هذا إلاّ تهافت في المذاق، وتناقض في المسلك! وإن كانت المسامحة فيهما لعدم اشتمالهما على فروع الأحكام، واقتصارهما غالبا على ما يتعلّق بالأخلاق والفضائل والمواعظ، فهلاّ كانت شهادة هؤلاء الأجلّة على صحّة المصباح، كافية في عدّه ثالثا لهما! فإنّه أيضا مثلهما. وكذا الكلام في صحّة نسبة كتاب الاختصاص الى المفيدرحمه‌الله ، وقد تسامح فيه بما لا يخفى على الناقد البصير.

وأمّا خامسا : فما في الهداية أيضا، إنّ فيه أشياء منكرة، مخالفة للمتواترات قلت: ليتهرحمه‌الله أشار الى بعضها، فإنّا لم نجد فيه ما يخالف المشهور، فضلا عن المتواتر، نعم فيه باب في معرفة الصحابة(٢) ، وذكر فيه ما

__________________

(١) عدة الداعي: ٢٣٧ و ٢٤١ و ٢٦٩ و.

(٢) جاء في هامش النسخة الحجرية من المستدرك ص ٣٣٢ ما نصه: « الباب في معرفة الصحابة، قال الصادقعليه‌السلام : لا تدع اليقين بالشك، والمكشوف بالخفي، ولا تحكم على ما لم تره بما تروى عنه، قد عظم الله عز وجلّ أمر الغيبة، وسوء الظن بإخوانك من المؤمنين، فكيف بالجرأة على إطلاق قول، واعتقاد، وزور، وبهتان، في أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال الله عز وجلّ: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ وما دمت تجد الى تحسين القول والفعل في غيبتك وحضرتك سبيلا، فلا تتخذ غيره، قال الله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً واعلم إنّ الله تبارك وتعالى اختار لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أصحابه طائفة أكرمهم بأجل الكرامة، وحلاهم بحلية التأييد والنصر والاستقامة، لصحبته على المحبوب والمكروه، وأنطق لسان نبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفضائلهم ومناقبهم وكراماتهم، واعتقد محبتهم، وذكر فضلهم. وأحذر مجالسة أهل البدع، فإنها تنبت في القلب كفرا وضلالا مبينا، وإن اشتبه عليك فضيلة بعضهم فكلهم إلى عالم الغيب، وقل: اللهم إني محب لمن أحببته أنت ورسولك، ومبغض لمن أبغضت أنت ورسولك، لم يكلفك فوق ذلك » انتهى. وفي قوله: من أصحابه طائفة. الى آخره، تصريح بما تقوله الإمامية فتأمل. ( منه قده )

٢٠٩

يوهم أنّ الأصل فيهم الحسن، والفضل، والعدالة، على طريقة أهل السنّة.

فأوّل ما يقال: إنّ هذا الباب من دسيس بعضهم في هذا الكتاب، ويشهد له أنّه بني على مائة باب على ما يظهر من النسخ، وما لها من الفهرست، والباب السبعون الذي يوجد فيها أنّه في معرفة الصحابة، هو في الفهرست في حرمة المؤمنين، وعليه يتم الأبواب، وليس في الفهرست عنوان لمعرفة الصحابة، وفي النسخة جعل الباب السبعين في معرفة الصحابة، والحادي بعده في حرمة المؤمنين، والثاني والسبعين في برّ الوالدين، ثمّ كرّر وقال: الباب الثاني والسبعون في الموعظة، فإن جعلناه من غلط النسّاخ يزيد باب على المائة، وهو خلاف ما في الفهرست والنسخ، وإلاّ فهو أيضا من تدليس المدسّس ويكشف عن أنّ الباب المذكور خارج عن الأصل، لاحق به، فلاحظ.

ولو سلّمنا كونه من أبوابه، فمن المحتمل أنّهعليه‌السلام لمّا كان في مقام تهذيب الأخلاق، ونشر الآداب والسنن، وشرح حقيقتها وحكمتها، وقد شاع في عصرهعليه‌السلام من صوفيّتهم، الذين أضلّوا الناس بمموهات كلماتهم، ألحقه في هذا المقام، وإن أرادوا بها جلب العوام، وكانوا يفتخرون بهم، ويعجبون من كلماتهم، وينقلونها في محافلهم وناديهم، ويذكرونها في زبرهم ومؤلّفاتهم، بل كان خلفاء عصرهم يشيّدون أركانهم إطفاء لهذا النور، الذي كان من الله جلّ جلاله في أهل بيت نبيّهم، وصرف القلوب التي كانت تهوى وتحنّ إليهم، بما شاهدوا من المقامات العالية من صفات قلوبهم عنهمعليهم‌السلام ، أراد صلوات الله عليه أن يريهم أنّهم حيث ما كانوا، وأينما بلغوا بفهمهم القاصر، وفكرهم الفاتر، فهم دون رتبته ومقامه، ومحتاجون الى

٢١٠

التوسّل بكلامه، والتمسّك بمرامه، فذكر في مقام حال الصحابة ما يصير سببا لاستئناسهم وألفتهم، ورغبتهم في النظر إليه والتدبّر فيه، الموجب لولوج علوّ شأنهعليه‌السلام وعظم مقامه في صدورهم وقلوبهم، ويهوّن عليهم مقام البصري، واليماني، ويصغر في أعينهم البلخي، والبناني.

ثمّ نقول بعد ذلك: إنّ ما فيه في مدح الصحابة دون ما في الصحيفة الكاملة، من الصلاة على أتباع الرسل، قالعليه‌السلام : « اللهم وأصحاب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، خاصّة الذين أحسنوا الصحابة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصرة، وكانفوه(١) ، وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا الى دعوته، واستجابوا له حيث أسمعهم حجّة رسالاته، وفارقوا ( الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا )(٢) الآباء والأبناء في تثبيت نبوّته، وانتصروا به، ومن كانوا منطوين على محبّته، يرجون تجارة لن تبور في مودّته، والذين هجرتهم العشائر وتعلّقوا بعروته، وانتفت منهم القرابات، إذ سكنوا في ظلّ قرابته، فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك، وأرضهم من رضوانك، وبما حاشوا(٣) الخلق عليك، وكانوا مع رسولك دعاة لك إليك، واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم، وخروجهم من سعة المعاش الى ضيقه، ومن كثّرت في إعزاز دينك من مظلومهم(٤) .

بل مدحهم أمير المؤمنينعليه‌السلام بما فوق ذلك، ففي حديث أبي أراكة، الذي رواه جماعة من المشايخ بطرق متعدّدة، ومتون مختلفة، بالزيادة والنقيصة، وهو على لفظ السيّد في النهج: « لقد رأيت أصحاب محمد صلّى الله

__________________

(١) كانفوه: عاونوه، والمكانفة: المعاونة. ( لسان العرب ٩: ٣٠٨.

(٢) لم ترد في المخطوطة.

(٣) حاشوا الخلق عليك: أي جمعوا الخلق على طاعتك. ( لسان العرب ٦: ٢٠٩ )

(٤) الصحيفة السجادية الكاملة: الدعاء الرابع.

٢١١

عليه وآله، فما أرى أحدا يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا، قد باتوا سجّدا وقياما، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأنّ بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتّى تبلّ جيوبهم، مادوا كما تميد الشجر يوم الريح العاصف، خوفا من العقاب، ورجاء للثواب »(١) .

والتحقيق : أن يقال في أمثال هذه الأخبار: إنّ أصحابه صلّى الله عليه وكانوا على هذه الصفات، فمن كان ممّن لقيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حاويا لها كان من أصحابه، ومن فقدها كان في زمرة المنافقين، خارجا عن اسم الصحابة، كما يشهد لذلك قوله تعالى:( وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) (٢) الآية، على ما حقّق في محلّه.

وما في المصباح أيضا إيماء إلى ذلك حيث قال: واعلم أنّ الله تعالى اختار لنبيّه من أصحابه طائفة أكرمهم بأجلّ الكرامة، إلى آخر ما ذكره، فلاحظ(٣) .

أو يقال: إنّ هذه المدائح للذين كانوا في عصره، لا لمن بقي بعده وأحدث، ولعلّ الأصل فيهم الصحّة والسلامة، إلاّ من عرف بالنفاق والخيانة.

ففي الخصال: بالسند الصحيح، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: « كان أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر ألف رجل، ثمانية آلاف رجل من المدينة، وألفان من مكة، وألفان من الطلقاء لم ير فيهم قدري، ولا مرجئ، ولا حروري، ولا معتزلي، ولا صاحب رأي، كانوا يبكون اللّيل والنهار، ويقولون: اقبض أرواحنا قبل أن نأكل خبز الخمير(٤) . ولعلّ فيه

__________________

(١) نهج البلاغة ١: ١٩٠ / ٩٣.

(٢) الفتح ٤٨: ٢٩.

(٣) مصباح الشريعة: ٣٨٨.

(٤) الخصال: ٦٤٠.

٢١٢

إشارة، أو دلالة على الاحتمال الأوّل.

وفي دعائم الإسلام: عن عليّ بن الحسين، ومحمد بن عليّعليهم‌السلام أنّهما ذكرا وصيّة عليّعليه‌السلام عند وفاته وفيها: « وأوصيكم بأصحاب محمد الذين لم يحدثوا حدثا، ولم يؤوا محدثا، ولم يمنعوا حقّا، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أوصانا بهم، ولعن المحدث منهم، ومن غيرهم »(١) .

هذا وفي رجال النجاشي: محمد بن ميمون، أبو نصر الزعفراني، عاميّ، غير أنّه روى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام نسخة، روى ذلك عبد الله بن أحمد ابن يعقوب بن البواب المقرئ، قال: حدّثنا محمد بن الحسين بن الحفص الخثعمي، قال: حدّثنا محمد بن عبيد المحاربي، قال: حدّثنا محمد بن ميمون، عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام (٢) .

وفيه: الفضيل بن عياض، بصري، ثقة، عاميّ، روى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام نسخة، أخبرنا علي بن أحمد، عن محمد بن الحسين، عن سعد، عن القاسم بن محمد الأصبهاني، قال: حدّثنا سليمان بن داود، عن فضيل، بكتابه(٣) .

وفيه: عبد الله بن أبي أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، حليف بني تيم بن مرّة، أبو أويس له نسخة عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أخبرنا القاضي أبو الحسين محمد بن عثمان، قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن عبيد الله، قال: حدّثنا أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الكسائي الرازي، قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس، قال: حدّثني أبي أبو أويس، عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، بكتابه(٤) .

__________________

(١) دعائم الإسلام ٢: ٣٥٠.

(٢) رجال النجاشي: ٣٥٥ / ٩٥٠.

(٣) رجال النجاشي: ٣١٠ / ٨٤٧.

(٤) رجال النجاشي: ٢٢٤ / ٥٨٦.

٢١٣

وفيه: سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي، كان جدّه أبو عمران عاملا من عمّال خالد القسري، له نسخة عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أخبرنا أحمد بن عليّ، قال: حدّثنا محمد بن الحسن، قال: حدّثنا الحميري.

وأخبرنا أحمد بن عليّ بن العباس، عن أحمد بن محمد بن يحيى، قال: حدّثنا الحميري، قال: حدّثنا محمد بن أبي عبد الرحمن، عنه(١) .

وفيه: إبراهيم بن رجاء الشيباني أبو إسحاق، المعروف بابن أبي هراسة - وهراسة امّه - عامّي روى عن الحسين بن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، وعبد الله بن محمد بن عمر بن عليّعليه‌السلام ، وجعفر بن محمدعليهما‌السلام ، وله عن جعفرعليه‌السلام نسخة، أخبرنا عليّ بن أحمد، عن محمد ابن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفّار، عن هارون بن مسلم، عن إبراهيم(٢) .

وفي فهرست الشيخ: جعفر بن بشير البجلي ثقة جليل القدر - إلى أن قال - وله كتاب ينسب الى جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، رواية عليّ بن موسى الرضاعليهما‌السلام (٣) .

فهذه ستّة نسخ منسوبة إلى الصادقعليه‌السلام ، غير الرسالة الأهوازيّة، والرسالة إلى أصحابه، المرويّة في أول روضة الكافي(٤) ، فمن الجائز أن تكون إحداها المصباح، خصوصا ما نسب الى الفضيل بن عيّاض، وهو من مشاهير الصوفيّة، وزهّادهم حقيقة، كما يظهر من توثيق النجاشي، ومدحه الشيخ بالزهد(٥) .

__________________

(١) رجال النجاشي: ١٩٠ / ٥٠٦.

(٢) رجال النجاشي: ٢٣ / ٣٤.

(٣) الفهرست: ٤٣ / ١٣١.

(٤) الكافي ٨: ٢.

(٥) رجال النجاشي: ٣١٠ / ٨٤٧، رجال الشيخ: ٢٧١ / ١٨.

٢١٤

وفي أمالي الصدوققدس‌سره : بإسناده عن الفضيل بن عيّاض، قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن أشياء من المكاسب، فنهاني عنها، وقال: « يا فضيل والله لضرر هؤلاء على هذه الأمّة أشدّ من ضرر الترك والديلم »، وسألته عن الورع من الناس، قال: « الذي يتورّع عن محارم الله، ويتجنّب هؤلاء، وإذا لم يتّق الشبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه، وإذا رأى منكرا فلم ينكره وهو يقدر عليه، فقد أحبّ أن يعصى الله [ ومن أحب أن يعصى الله ] فقد بارز الله بالعداوة، ومن أحبّ بقاء الظالمين فقد أحبّ أن يعصى الله، إنّ الله تبارك وتعالى حمد نفسه على هلاك الظالمين، فقال:( فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) (١) »(٢) .

وقال الأستاذ الأكبر في التعليقة: وفي هذه الرواية ربّما يكون إشعار بأنّ فضيلا ليس عاميّا، فتأمل. ثم ذكر خبرا من العيون فيه إشعار بعاميّته(٣) .

وقد أخرج الكلينيقدس‌سره عنه خبرا، في باب الحسد(٤) ، وآخر في آخر باب الإيمان والكفر(٥) ، وآخر في باب الكفالة والحوالة(٦) .

وبالجملة فلا أستبعد أن يكون المصباح هو النسخة التي رواها الفضيل، وهو على مذاقه ومسلكه، والذي اعتقده أنّه جمعه من ملتقطات كلماتهعليه‌السلام ، في مجالس وعظه ونصيحته، ولو فرض فيه شيء يخالف مضمونه بعض

__________________

(١) الأنعام ٦ آية ٤٥.

(٢) لم نقف على هذا الحديث في النسخ المطبوعة من الأمالي. ورواه الشيخ الكليني في الكافي ٥: ١٠٨ حديث ١١.

(٣) تعليقة الوحيد على منهج المقال: ٢٦١، وانظر عيون أخبار الرضا ١: ٨١ قطعة من حديث ٩.

(٤) الكافي ٢: ٢٣٢ حديث ٧.

(٥) الكافي ٢: ٣٣٤ حديث ٢.

(٦) لم نعثر على حديث للفضيل في الباب المذكور. وإنّما في الباب الذي يليه وهو باب « عمل السلطان وجوائزهم » الكافي ٥: ١٠٨ حديث ١١.

٢١٥

ما في غيره، وتعذّر تأويله فهو منه على حسب مذهبه، لا من فريته وكذبه، فإنّه ينافي وثاقته.

وقد أطنبنا الكلام في شرح حال المصباح مع قلّة ما فيه من الأحكام، حرصا على نشر المآثر الجعفريّة، والآداب الصادقيّة، وحفظا لابن طاوس، والشهيد، والكفعمي -رحمهم‌الله تعالى - عن نسبة الوهم والاشتباه إليهم، والله العاصم.

٢١٦

٤١ - صحيفة الرضاعليه‌السلام :

ويعبّر عنه أيضا بمسند الرضاعليه‌السلام ، كما في مجمع البيان(١) ، وبالرضويات كما في كشف الغمة(٢) ، وهو من الكتب المعروفة المعتمدة، الذي لا يدانيه في الاعتبار والاعتماد كتاب صنّف قبله، أو بعده، وهو داخل في فهرست كتاب الوسائل، إلاّ أنّ له نسخا متعدّدة، وأسانيد مختلفة، ويزيد متن بعضها على بعض، واقتصر صاحب الوسائل على نسخة الشيخ الطبرسيقدس‌سره وروايته، وكأنّه لم يلتفت إلى اختلافها، أو لم يعثر على باقيها، وقد عثرنا على بعضها، وأخرجنا منها ما ليس في نسخة الطبرسي، فرأيت إن أشير إلى الاختلاف، وأذكر الطرق، فربما وقف الناظر على خبر نقلته، أو نقل منها، ولا يوجد في النسخة المعروفة، فلا يبادر إلى التخطئة.

وقد جمعها الفاضل الآميرزا عبد الله في رياض العلماء، ونحن نسوقها بألفاظه قال:

فمن ذلك ما رأيته في بلدة أردبيل، في نسخة من هذه الصحيفة، وكان صدر سندها هكذا:

قال الشيخ الإمام الأجلّ العالم نور الملّة والدين، ظهير الإسلام والمسلمين، أبو أحمد أناليك العادل المروزي: قرأ علينا الشيخ القاضي الإمام الأجلّ الأعزّ الأمجد الأزهد، مفتي الشرق والغرب، بقيّة السلف، أستاذ الخلف، صفيّ الملّة والدين، ضياء الإسلام والمسلمين، وارث الأنبياء والمرسلين أبو بكر محمود بن عليّ بن محمد السرخسي، في المسجد الصلاحي بشاذياخ

__________________

(١) مجمع البيان: لم نعثر عليه فيه.

(٢) كشف الغمة ١: ٨٩.

٢١٧

نيسابور - عمّرها الله - غداة يوم الخميس، الرابع من ربيع الأوّل من شهور سنة عشر وستمائة، قال: أخبرنا الشيخ الإمام الأجلّ السيد الزاهد، ضياء الدين حجة الله على خلقه، أبو محمد الفضل بن محمد بن إبراهيم الحسيني - تغمّده الله بغفرانه، وأسكنه أعلى جنانه - في شهور سنة سبع وأربعين وخمسمائة، قراءة عليه، قال: أخبرنا أبو المحاسن أحمد بن عبد الرحمن اللبيدي، قال: أخبرنا أبو لبيد عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن لبيد، قال: حدّثنا الأستاذ الإمام أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب -رضي‌الله‌عنه - سنة خمس وأربعمائة، بنيسابور في داره، قال: حدّثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد - حافد العباس بن حمزة - سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، قال: حدّثنا أبو القاسم عبد الله. بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة، قال: حدّثني أبي في سنة ستين ومائتين، قال: حدّثنا عليّ بن موسى الرضاعليهما‌السلام ، إمام المتّقين، وقدوة أسباط سيّد المرسلين، ممّا أورده في مؤلّفه المعنون بصحيفة أهل البيتعليهم‌السلام ، سنة أربع وتسعين ومائة، قال: حدّثني أبي موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، قال. إلى آخره.

وبسند آخر: وبعد فيقول الفقير إلى الله تعالى الكريم الغنيّ، طاهر بن محمد الراونبزي - غفر له ولوالديه وأحسن في الدارين إليهما واليه -: أخبرني بالصحيفة المباركة الميمونة، الموسومة بصحيفة الرضاعليه‌السلام - إجازة بإجازته العامّة - شيخي ومخدومي، قدوة أرباب الهدى، أسوة أصحاب التقى، بقيّة كرام الأولياء، قطب دوائر المحقّقين، الشيخ سعد الحقّ والملّة والدين، يوسف بن الشيخ الكبير، والبدر المنير، خلف الأقطاب، الشيخ فخر الحقّ والملّة والدين، عبد الواحد الحموي -قدس‌سرهما ، وأكثر برّهما - قال: أخبرني إجازة شيخي ومخدومي، وعمّي وأستاذي، ومن عليه في أمور الدنيا اعتمادي، الشيخ غياث الحقّ والدين، هبة الله الحموي - تغمّده الله بغفرانه، بالإجازة العامّة - عن سيّده وجدّه، شيخ الإسلام والمسلمين، سلطان المحدّثين، الشيخ

٢١٨

صدر الحقّ والملّة والدين، إبراهيم الحموي -قدس‌سره - قال: أخبرني الشيخ السند، شرف الدين أبو الفضل أحمد بن هبة الله الدمشقي قراءة بها وأنا أسمع، يوم الأربعاء، الحادي عشر من ربيع الأوّل، سنة خمس وتسعين وستمائة، بالخانقاه الشّمياطي، قيل له: أخبرك الشيخ أبو روح عبد العزيز بن محمد الهروي، بروايته عن الشيخ أبي القاسم زاهر بن طاهر الشحامي إجازة، قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد السكاكي، قال: أخبرني الإمام أبو القاسم حبيب، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري الحفيد، قال: حدّثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة، قال: حدّثني أبي سنة ستين ومائتين، قال: حدّثني الإمام علي بن موسىعليهما‌السلام سنة أربع وتسعين ومائة قال: حدّثني أبي. إلى آخره.

وبسند آخر: حدّث القاضي مرشد الأزكياء، أبو منصور عبد الرحيم بن أبي سعيد المظفّر بن عبد الرحيم الحمدوني، قال: حدّثني القاضي الإمام فخر الإسلام أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني قراءة عليه، قال: أخبرنا الشيخ العالم أبو الفضل محمد بن عبد الرحمن بن محمد العريضي النيسابوري - بالريّ قدم حاجّا - قال: أخبرنا الأستاذ الإمام أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسّر(١) ، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد - حفدة العباس ابن حمزة، سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة - قال: حدّثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد ابن عامر الطائي بالبصرة، قال: حدّثني أبي سنة ستّين ومائتين، قال: حدّثني علي ابن موسى الرضاعليهما‌السلام سنة أربع وتسعين ومائة.

وبسند آخر: أخبرني الشيخ الفقيه أبو علي الحسن بن علي بن أبي طالب الفزاري(٢) - المعروف بخابوسة، سنة سبع وعشرين وخمسمائة - قال: أخبرني

__________________

(١) في نسخة: المفتي.

(٢) نسخة بدل: الفزري.

٢١٩

القاضي الزكيّ الكبير، أبو الفضل عبد الجبّار بن الحسين بن محمد الزبربري، قال: أخبرنا الشيخ الجليل عليّ بن أحمد بن عليّ بن أميرك الطريقي، قال: أخبرنا الشريف أبو عليّ الحسن بن محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد بن عبد الله ابن موسى(١) بن الحسن بن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام - نزله في المسجد الحرام، في قبّة الشراب، يوم الاثنين السابع والعشرين من ذي الحجّة، سنة أربع وتسعين وثلاثمائة - قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن حمدونة، أبو نصر البغدادي - بمرو الرود - قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي - بالبصرة - قال: حدّثني أبي - سنة ستّين ومائتين - قال: حدّثني أبو الحسن عليّ ابن موسى الرضاعليهما‌السلام ، قال: حدّثني أبي. إلى آخره.

وبسند آخر: قال الشيخ الإمام الأجلّ العالم، عماد الدين، جمال الإسلام، أبو المعالي، محمد بن محمد بن الحسين المرزباني القمي - مدّ الله في عمره -: أخبرني بهذه الصحيفة - من أوّلها إلى آخرها، وبالزيادة في آخرها - الشيخ الإمام نجم الدين، شيخ الإسلام، أبو المعالي، الحسن بن عبد الله بن أحمد البزّاز، قال: أخبرني بها الشيخ الإمام ركن الدين، علي بن الحسن بن العباس الصندلي، قال: أخبرني أبو القاسم يعقوب بن أحمد، قال: حدّثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد - حفدة العباس بن حمزة - قال: حدّثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي - بالبصرة - قال: حدّثني أبي - في سنة ستّين ومائتين - قال: حدّثني عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام - سنة أربع وتسعين ومائة - قال: حدّثني. إلى آخره.

وبسند آخر: أخبرنا الشيخ الفاضل، العالم الكامل، قطب السالكين، مؤيّد الإسلام والمسلمين، عبد العلي بن عبد الحميد(٢) بن محمد السبزواري،

__________________

(١) جاء في حاشية المخطوطة والحجرية: كذا والظاهر انه هنا سقط بعض الأسامي.

(٢) هامش الحجرية نسخة بدل: عبد المجيد.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392