عين الحياة

عين الحياة0%

عين الحياة مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 470

عين الحياة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
تصنيف:

الصفحات: 470
المشاهدات: 77738
تحميل: 9133

توضيحات:

عين الحياة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 470 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 77738 / تحميل: 9133
الحجم الحجم الحجم
عين الحياة

عين الحياة

مؤلف:
العربية

[ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي ذررحمه‌الله ] :

يا أباذر لا يزال العبد يزداد من الله بعداً ما ساء خلقه.

اعلم ان الخلق يطلق على صفة أصبحت ملكة للنفس وعادة لها ، وانّ الأخلاق الحسنة عند الله تعالى أفضل من الأعمال الحسنة ، وكذلك انّ الأخلاق السيّئة أقبح من الأعمال السيئة ، وربّما كانت عبادة ذي الخلق السيء أكثر من عبادة ذي الأخلاق الحسنة لكن درجة الأخير عند الله تعالى أرفع وأعلى من الأوّل.

و الاعتماد كل الاعتماد على الأخلاق دون الأعمال التي لا تنبعث من ملكات النفس الحسنة بل سرعان ما تتبدل.

واعلم ان الخلق قد يكون أمراً فطرياً وذلك ان الله تعالى فطر النفس وخلقها مجبولة على بعض الصفات ، وقد يكون بالكسب أيضاً وذلك بكثرة المداومة على الأعمال الصالحة ، كما في السخاء مثلاً فانّه يكون في البعض فطرياً بينما تجد البعض الآخر وقد أصبح الشح سيماءه.

فاذا أراد ازالته لابدّ من المداومة على الاحسان والانفاق لكي يميل الطبع البخيل نحو السخاء والكرم ويتجنب البخل فيصبح السخاء خلقه ، وقد يميل البعض بحسب أصل الخلقة نحو السخاء لكنّه يبّخل نفسه بإغواء الشيطان حتى يصبح البخل خلقه ، وكذلك الأمر في سائر الأخلاق الحسنة.

انّ صاحب الخلق الحسن أكمل من غيره لكن من يجتهد في تحصيل

٢٨١

الخلق الحسن يحتمل أن يكون ثوابه أكثر لتحمّله المشقّة ، وقد يطلق الخلق الحسن الوارد في الأحاديث على مطلق الصفات الحسنة التي أصبحت ملكة للنفس ، وقد يطلق على خصوص الخُلق الذي يعاشر به الخَلق وكذلك الخلق السيىء.

واعلم انّ الخلق السيىء من أقبح الصفات الذميمة ، وتجد الناس متأذّية من صاحبه بخلاف الخلق الحسن فانه من أحسن الصفات حيث يستر جميع المعايب بل هو من أعظم أركان الايمان كما روي بسند صحيح عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام انّه قال : انّ أكمل المؤمنين ايماناً أحسنهم خلقاً(١) .

وروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انّه قال : ما يوضع في ميزان امرىء يوم القيامة أفضل من حسن الخلق(٢) .

وروي عن أبي عبداللهعليه‌السلام انّه قال : ما يقدم المؤمن على الله عزّوجلّ بعمل بعد الفرائض أحبّ إلى الله تعالى من أن يسع الناس بخلقه(٣) .

وقالعليه‌السلام : انّ حسن الخلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم(٤) .

وروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انّه قال : أكثر ما تلج به أمتي الجنّة تقوى الله ، وحسن الخلق(٥) .

وروي عن أبي عبداللهعليه‌السلام انّه قال : انّ الخلق الحسن يميث(٦) الخطيئة

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ٩٩ ح ١ باب حسن الخلق ـ عنه البحار ٧١ : ٣٧٢ ح ١ باب ٩٢.

٢ ـ الكافي ٢ : ٩٩ ح ٢ باب حسن الخلق ـ عنه البحار ٧١ : ٣٧٤ ح ٢ باب ٩٢.

٣ ـ الكافي ٢ : ١٠٠ ح ٤ باب حسن الخلق ـ عنه البحار ٧١ : ٣٧٥ ح ٤ باب ٩٢.

٤ ـ الكافي ٢ : ١٠٣ ح ١٨ باب حسن الخلق ـ عنه البحار ٧١ : ٣٨١ ح ١٦ باب ٩٢.

٥ ـ الكافي ٢ : ١٠٠ ح ٦ باب حسن الخلق ـ عنه البحار ٧١ : ٣٧٥ ح ٦ باب ٩٢.

٦ ـ الميث والموث الاذابة.

٢٨٢

كما تميث الشمس الجليد(١) .

وقالعليه‌السلام : انّ البر وحسن الخلق يعمران الديار ، ويزيدان في الأعمار(٢) .

وقالعليه‌السلام : انّ الخلق منيحة يمنحها الله عزّوجلّ خلقه ، فمنه سجية ومنه نيّة ، [ قال الراوي : ] فقلت : فأيّتها أفضل؟ فقال : صاحب السجيّة هو مجبول لا يستطيع غيره ، وصاحب النية يصبر على الطاعة تصبّراً فهو أفضلهما(٣) .

وقالعليه‌السلام : انّه الله تبارك وتعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق كما يعطي المجاهد في سبيل الله يغدو عليه ويروح(٤) .

وروي بسند معتبر عن العلاء بن كامل انّه قال : قال أبو عبداللهعليه‌السلام : إذا خالطت الناس فإن استطعت أن لا تخالط أحداً من الناس الاّ كانت يدك العليا عليه فافعل ، فإنّ العبد يكون فيه بعض التقصير من العبادة ويكون له حسن الخلق ، فيبلغه الله بحسن خلقه درجة الصائم القائم(٥) .

وقالعليه‌السلام : بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم جالس في المسجد إذ جاءت جارية لبعض الأنصار وهو قائم فأخذت بطرف ثوبه ، فقام لها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم تقل شيئاً ولم يقل لها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً حتى فعلت ذلك ثلاث مرّات.

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ١٠٠ ح ٧ باب حسن الخلق ـ عنه البحار ٧١ : ٣٧٥ ح ٧ باب ٩٢.

٢ ـ البحار ٧١ : ٣٩٥ ح ٧٣ باب ٩٢.

٣ ـ الكافي ٢ : ١٠١ ح ١١ باب حسن الخلق ـ عنه البحار ٧١ : ٣٧٧ ح ٩ باب ٩٢.

٤ ـ الكافي ٢ : ١٠١ ح ١٢ باب حسن الخلق ـ عنه البحار ٧١ : ٣٧٧ ح ١٠ باب ٩٢.

٥ ـ الكافي ٢ : ١٠١ ح ١٤ باب حسن الخلق ـ عنه البحار ٧١ : ٣٧٨ ح ١٢ باب ٩٢.

٢٨٣

فقام لها النبي في الرابعة وهي خلفه ، فأخذت هدبة(١) من ثوبه ثم رجعت ، فقال لها الناس : فعل الله بك وفعل ، حبست رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث مرّات لا تقولين له شيئاً ولا هو يقول لك شيئاً ، ما كانت حاجتك إليه؟

قالت : انّ لنا مريضاً فأرسلني أهلي لآخذ هدبة من ثوبه ليستشفي بها ، فلمّا أردت أخذها رآني فقام فاستحييت منه أن آخذها وهو يراني وأكره أن أستأمره في أخذها ، فأخذتها(٢) .

وروي بأسانيد كثيرة عن أبي عبداللهعليه‌السلام انّه قال : انّ سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخلّ العسل(٣) .

وقالعليه‌السلام : من أساء خلقه عذّب نفسه(٤) .

وروي بسند معتبر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انّه قال : أبى الله لصاحب الخلق السيّىء بالتوبة لأنّه إذا تاب من ذنب وقع في اعظم من الذنب الذي تاب منه(٥) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : المؤمن ليّن هيّن ، سمح ، له خلق حسن ، والكافر فظّ ، غليظ ، له خلق سيّىء ، وفيه جبريّة(٦) .

وروي عن أبي عبداللهعليه‌السلام انّه قال : انّ الله تبارك وتعالى رضي لكم

__________________

١ ـ الهدبة : خمل الثوب أو طرفه.

٢ ـ الكافي ٢ : ١٠٢ ح ١٥ باب حسن الخلق ـ عنه البحار ٧١ : ٣٧٩ ح ١٣ باب ٩٢.

٣ ـ الكافي ٢ : ٣٢١ ح ١ باب سوء الخلق ـ عنه البحار ٧٣ : ٢٩٦ ح ١ باب ١٣٥.

٤ ـ أمالي الصدوق : ١٧١ ح ٣ مجلس ٣٧ ـ عنه البحار ٧٣ : ٢٩٦ ح ٢ باب ١٣٥.

٥ ـ البحار ٧٣ : ٢٩٩ ح ١٢ باب ١٣٥ ـ عن نوادر الراوندي.

٦ ـ أمالي الطوسي : ٣٦٦ ح ٢٨ مجلس ١٣ ـ عنه البحار ٧١ : ٣٩١ ح ٥٣ باب ٩٢.

٢٨٤

الإسلام ديناً فأحسنوا صحبته بالسخاء وحسن الخلق(١) .

وسئل أبو عبداللهعليه‌السلام ما حدّ حسن الخلق؟ قال : تلين جانبك ، وتطيب كلامك ، وتلقي أخاك ببشرٍ حسنٍ(٢) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : انّ جبرئيل الروح الامين نزل عليّ من عند ربّ العالمين ، فقال : يا محمد عليك بحسن الخلق ، فإنّ سوء الخلق يذهب بخير الدنيا والآخرة ، ألا وانّ أشبهكم بي أحسنكم خلقاً(٣) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أقربكم منّي مجلساً يوم القيامة أحسنكم خلقاً وخيركم لأهله(٤) .

وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام انّه قال : انكم لن تسعوا الناس بأموالكم ، فسعوهم بطلاقة الوجه وحسن اللقاء(٥) .

وقالعليه‌السلام لنوف : يا نوف حسن خلقك يخفّف الله حسابك(٦) .

وروي بسند معتبر عن أبي عبداللهعليه‌السلام انّه قال : أتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقيل له : انّ سعد بن معاذ قد مات ، فقام رسول الله وقام أصحابه ، فحمل فأمر بغسل سعد وهو قائم على عضادة الباب.

فلمّا ان حنّط وكفّن وحمل على سريره ، تبعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بلا

__________________

١ ـ أمالي الصدوق : ٢٢٣ ح ٣ مجلس ٤٦ ـ عنه البحار ٧١ : ٣٩١ ح ٥٠ باب ٩٢.

٢ ـ معاني الأخبار : ٢٥٣ ح ١ ـ عنه البحار ٧١ : ٣٨٩ ح ٤٢ باب ٩٢.

٣ ـ أمالي الصدوق : ٢٢٣ ضمن حديث ٥ مجلس ٤٦ ـ عنه البحار٧٣ : ٢٩٦ ح ٣ باب ١٣٥.

٤ ـ البحار ٧١ : ٣٨٧ ح ٣٤ باب ٩٢ ـ عن عيون أخبار الرضاعليه‌السلام .

٥ ـ البحار ٧١ : ٣٨٤ ح ٢٢ باب ٩٢ ـ عن عيون أخبار الرضاعليه‌السلام .

٥ ـ البحار ٧١ : ٣٨٣ ح ٢٠ باب ٩٢ ـ عن أمالي الصدوق.

٢٨٥

حذاء ولا رداء ، ثم كان يأخذ يمنة السرير مرّة ويسرة السرير مرّة حتى انتهى به إلى القبر ، فنزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى لحدّه وسوّى عليه اللبن ، وجعل يقول : ناولني حجراً ، ناولني تراباً رطباً ، يسدّ به ما بين اللبن.

فلمّا أن فرغ وحثا التراب عليه وسوّى قبره قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : انّي لأعلم انّه سيبلي ويصل إليه البلى ، ولكنّ الله عزّوجلّ يحب عبداً إذا عمل عملاً فأحكمه ، فلمّا أن سوّى التربة عليه قالت أمّ سعد من جانب : هنيئاً لك الجنّة ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أمّ سعد مه ، لا تجزمي على ربّك ، فإنّ سعداً قد أصابته ضمّة.

قال : فرجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورجع الناس ، فقالوا : يا رسول الله لقد رأيناك صنعت على سعد ما لم تصنع على أحد ، انّك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء ، فقال :صلى‌الله‌عليه‌وآله : انّ الملائكة كانت بلا حذاء ولا رداء ، فتأسّيت بها.

قالوا : وكيف تأخذ يمنة السريرة مرّة ويسرة السريرة مرّة؟ قال : كانت يدي في يد جبرئيل آخذ حيث ما أخذ ، فقالو : أمرت بغسله وصلّيت على جنازته ولحّدته ثم قلت : أن سعد أصابته صمّة ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم انّه كان في خلقه مع أهله سوء(١) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : خصلتان لا تجتمعان في مسلم : البخل وسوء الخلق(٢) .

__________________

١ ـ البحار ٧٣ : ٢٩٨ ح ١١ باب ١٣٥ ـ عن علل الشرائع ـ مثله أمالي الصدوق : ٣١٤ ح ٢ مجلس ٦١.

٢ ـ الخصال : ٧٥ ح ١١٧ ـ عنه البحار ٧٣ : ٢٩٧ ح ٥ باب ١٣٥.

٢٨٦

[ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي ذررحمه‌الله ] :

يا أباذر الكلمة الطيبة صدقة ، وكلّ خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة.

يا أباذر من أجاب داعي الله ، وأحسن عمارة مساجد الله كان ثوابه من الله الجنّة ، فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله كيف نعمر مساجد الله؟ قال : لا ترفع فيها الأصوات ، ولا يخاض فيها بالباطل ، ولا يشترى فيها ولا يباع ، واترك اللغو ما دمت فيها ، فإن لم تفعل فلا تلومنّ يوم القيامة إلاّ نفسك.

يا أباذر انّ الله تعالى يعطيك ما دمت جالساً في المسجد بكلّ نفس تنفّست فيه درجة في الجنة ، وتصلّى عليك الملائكة ، وتكتب لك بكلّ نفس تنفّست فيه عشر حسنات ، وتمحى عنك عشر سيّئات.

يا أباذر أتعلم في أيّ شيء نزلت هذه الآية( اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ ) (١) قلت : لا فداك أبي وأمي ، قال : في انتظار الصلاة.

يا أبا ذر اسباغ الوضوء في المكاره من الكفارات ، وكثرة الاختلاف إلى المسجد فذلكم الرباط.

يا أباذر يقول الله تبارك وتعالى : انّ احبّ العباد إليّ المتحابّون [ بحلالي ] من أجلي ، المتعلّقة قلوبهم بالمساجد ، والمستغفرون بالأسحار ، أولئك إذا أردت بأهل الأرض عقوبة ذكرتهم فصرت العقوبة عنهم.

يا أباذر كلّ جلوس في المسجد لغو الاّ ثلاثة : قراءة مصلّ ، أو ذكر الله ، أو سائل عن علم.

__________________

١ ـ آل عمران : ٢٠٠.

٢٨٧

اعلم انّ كلّ فقرة من هذا الكلام وردت فيه أحاديث كثيرة ومرّ ذكر بعضها سابقاً في ضمن بيان فضل المساجد وغيره ، وليعلم انّه لابد للممكنات المحتاجة من مكان كالدار والقصر والعرش والكرسي لكن الله الغنيّ بما انه لا يحدّه مكان ، وبما انّ نسبة جميع الأماكن إليه سواء جعل لطلاّب العبادة والمعرفة والقرب إليه أماكن ، كما في الملوك فإنّ لهم عرشاً يظهرون كمالهم وعظمتهم للناس عليه.

فكذلك الله تعالى ( من دون تشبيه بهم ) فإنّ له عروشاً ولم يحتج إلى أيّ منها ، فمن عروشه جميع الممكنات فإنّها مظهر قدرته وعظمته ومحل استقرارهما ، ولو نظرت في كلّ ذرّة من ذرّات الممكنات لتراءت لك صفات كماله تعالى ، فانّك ترى ظهور قدرته فيه وظهور علمه وحكمته ولطفه ورحمته ، لا بالمعنى الباطل الذي يذهب إليه الملحدون بانّه تعالى متحد مع جميع الأشياء وهو تعالى كلّ شيء ( تعالى شأنه عمّا يقولون ).

بل انّه أظهر آثار صفات كماله في كلّ الأشياء ، وانّك ترى في كلّ شيء آلاف الآثار من القدرة والعلم واللطف والرحمة ، وجعل تعالى من بين عروشه عرشاً أعظم من غيرها لظهور آثار قدرته فيه أكثر من غيره ، ودعا خواص أحبّائه إلى مشاهدته والاّ فنسبته تعالى إلى هذا العرش وإلى السماء والأرض والبحار والصحارى سواء.

ومن العروش أيضاً عرش محبته ومعرفته ، أي انّه اختار قلوب محبيه وجعلها محلّ عظمته ومعرفة صفات كماله وجلاله وجماله ، كما ورد من انّ ( قلب المؤمن عرش الرحمن ) ، وجعل أماكن أُخر لطالبي عبادته وقربه وجعلها مهبط فيضه اللامتناهي ورحمته الكثيرة ، انّ ديوانه الأعظم هو العرش الأعلى الذي أجاز لخاص الخاص الدخول فيه.

٢٨٨

وجعل في الأرض أيضاً دواوين ولم يزيّنها بالذهب والفضة والياقوت واللؤلؤ كدواوين العجزة الناقصين ، لأنّ الحَسَنَ ذاتاً لا يحتاج إلى تزيين ، انّ هؤلاء زينوا قصورهم المعيوبة بالحلي الزهيد ، وكلّما زادوا في تزيينها انجلى قبحها وشناعتها أكثر ، لكن القادر ذا الجلال يجعل الصخر الأسود واحدة فوق الأخرى ويعبّىء فيها مئات آلاف من الأنوار المعنوية وفيوضه اللامتناهية ويدعوا الناس من الأطراف والأكناف إليها.

فيذهبون ويتمرّغون على التراب وتلك الأحجار ، ويأخذون حظّهم من تلك الأنوار اللامتناهية ، ولو جعل في الكعبة ياقوتة واحدة لذهب الناس إليها لأجل الياقوت لا لأجل الحيّ الذي لا يموت ، فلم تظهر عظمته ونفاذ حكمته.

ثم جعل دواوين وأماكن أُخر من دون زينة وتجمّل لخواص المقربين ، وأظهر فيها من أنوار جلاله بحيث انّ الملوك مع شوكتهم ونخوتهم يقذفون أنفسهم عندها على التراب ، وذو البصيرة يعلم ما وضع فيها من أنوار وفيوضات روحانية بدل الذهب والياقوت واللؤلؤ حتى تحتار فيه أبصار القلوب.

ومن أماكن قربه المساجد حيث جعلها محلّ قربه وفيضه وقال تعالى فيها : « وانّ بيوتي في الأرض المساجد » ، وفرش لمحبيه ذوي البصائر الفرش المذهبة بالعزّة والكرامة واللطف والمرحمة على الحصران المندرسة.

وأشعل لهم في الليالي المظلمة مشاعل النور والهداية ومحاريب العبادة ، وجعل قلوبهم متعلّقة بتلك الأماكن بحيث لا يستبدلون سلك حصير منها بملك قيصر ، وإذا فارقوها لا يمكنهم الصبر عنها كالسمك الخارج من الماء.

ومن الفوائد العظيمة للمساجد الاجتماع ولقاء الاخوان المؤمنين حيث يجتمعون ويستفيدون ويعين كلّ واحد الآخر على سلوك طريق العبادة ، ويفوزون

٢٨٩

معاً بفضيلة الجماعة ، فإنّ اتيان الصلاة جماعة من سنن سيد المرسلين المؤكّدة ولها فوائد جمّة ، وتكون أقرب للقبول ، وذلك ظاهر لأنّ من ذهب وحده مثلاً إلى ملك من الملوك لا تكون حاجته مقضيّة كما ولو ذهب مع جماعة كثيرة ، ولم يكن من دأب الكبار والعظماء إذا جاءهم جمع أن يقبلوا عمل واحد منهم يدعوا الآخرين محرومين.

وكما انّ الانسان يحتاج في الصلاة أو في أيّ عمل آخر إلى الأُذن والعين واللسان وسائر الأعضاء والجوارح لأنّ كلّ واحد منها يعمل عملاً خاصّاً لا يصدر ذلك العمل من العضو الآخر ، فيحصل الانسان على المطلوب من مجموعها ، فكذلك الأمر في صلاة الجماعة.

لأنّ الانسان الكامل من جميع الوجوه نادر الوجود لذا كان من الأفضل اجتماع ثُلّة من الناس يتصف أحدهم بالعلم والآخر بالزهد أو حضور القلب وغير ذلك ، وجعل عبادتهم وعملهم موحداً جماعياً حيث يكون تام الأجزاء والشرائط ، ومن خواصه القبول والاستجابة في الدعاء والقرب وسائر الفوائد العظيمة.

ولقد علم بالتجربة والاختبار انّ هذا الاجتماع يوجب كسب الكمالات من الآخرين وربط القلوب ، فمن المجرب ان صاحب حضور القلب حين حضوره في صلاة الجماعة فانه يفيض على الآخرين من صفائه ، ومن الفوائد أيضاً رصّ الصفوف امام الشيطان وجنوده فلا يجترؤن على التسلّط عليهم ، كما ورد انّه لا يتجعلوا مجالاً فارغاً في الصفوف فيدخل الشيطان فيها ، وورد أيضاً انّه لا تقفوا خارج الصفوف فإنّ الذئب يفتك بالشاة الخارجة عن الشياة.

انّ فوائد صلاة الجماعة كثيرة ولو ذكرناها لطال بنا الكلام ، ونكتفي هنا بذكر أحاديث في فضل صلاة الجماعة والتعقيب.

٢٩٠

روي بسند معتبر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انّه قال : انّ صفوف أمتي في الأرض كصفوف الملائكة في السماء ، والركعة في جماعة أربعة وعشرون ركعة ، كلّ ركعة أحبّ إلى الله عزّوجلّ من عبادة أربعين سنة ، وأمّا يوم القيامة يجمع الله فيه الاوّلين والآخرين للحساب ، فما من مؤمن مشى إلى الجماعة الاّ خفف الله عليه عزّوجلّ أهوال يوم القيامة ثم يأمر به إلى الجنّة(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من صلّى صلاة الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله عزّوجلّ حتى تطلع الشمس ، كان له في الفردوس سبعون درجة بُعد ما بين كلّ درجتين كحضر(٢) الفرس الجواد المضمر(٣) سبعين سنة.

ومن صلّى الظهر في جماعة كان له في جنات عدن خمسون درجة بُعد ما بين كلّ درجتين كحضر الفرس الجواد خمسين سنة ، ومن صلّى العصر في جماعة كان له كأجر ثمانية من ولد إسماعيل كلّ منهم ربّ بيت يعتقهم ، ومن صلّى المغرب في جماعة كان له كحجّة مبرورة وعمرة متقبلة ، ومن صلّى العشاء في جماعة كان له كقيام ليلة القدر(٤) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه : ألا أدلّكم على شيء يكفّر الله به الخطايا ويزيد الحسنات؟ قيل : بلى يا رسول الله ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطى إلى هذه المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، وما منكم من أحد يخرج من بيته متطهّراً فيصلّي الصلاة في الجماعة مع المسلمين ، ثم يقعد

__________________

١ ـ البحار ٨٨ : ٦ ح ٨ باب ٨٣ ـ عن الخصال وأمالي الصدوق.

٢ ـ الحضر بالضم : العدو.

٣ ـ المضمر : الذي يضمر خيله لغزو أو سباق ، وتضمير الخيل أن يظاهر عليها بالعلف حتى تسمن ثم لا تعلف الاّ قوتاً لتخفّ.

٤ ـ البحار ٨٨ : ٦ ح ٧ باب ٨٣ ـ عن أمالي الصدوق.

٢٩١

ينتظر الصلاة الأُخرى الاّ والملائكة تقول : اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث معتبر آخر : من أمّ قوماً بإذنهم وهم به راضون ، فاقتصد بهم في حضوره ، وأحسن صلاته بقيامه وقراءته وركوعه وسجوده وقعوده ، فله مثل أجرالقوم ولا ينقص من أجورهم شيء ....

ألا ومن مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة كان له بكلّ خطوة سبعون ألف حسنة ، ويرفع له من الدرجات مثل ذلك ، وان مات وهو على ذلك وكلّ الله به سبعين ألف ملك يعودنه في قبره ، ويونسونه في وحدته ، ويستغرون له حتى يُبعث(٢) .

وجاء فيما أوصى به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام : يا عليّ ثلاث درجات : إسباغ الوضوء في السبرات ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، والمشي بالليل والنهار إلى الجماعات(٣) .

وروي بسند معتبر عن أبي عبداللهعليه‌السلام انّه قال : اشترط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على جيران المسجد شهود الصلاة ، وقال : لينتهينّ أقوام لا يشهدون الصلاة أو لآمرنّ مؤذّناً يؤذّن ثم يقيم ، ثم آمر رجلاً من أهل بيتي وهو عليّ فليحرقنّ على اقوام بيوتهم بحزم الحطب ، لأنّهم لا يأتون الصلاة(٤) .

وقالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من سمع النداء في المسجد فخرج منه من غير علّة فهو منافق الاّ أن يريد الرجوع إليه(٥) .

__________________

١ ـ البحار ٨٨ : ٧ ح ٩ باب ٨٣ ـ عن أمالي الصدوق.

٢ ـ البحار ٨٨ : ٨ ح ١١ باب ٨٣ ـ عن أمالي الصدوق.

٣ ـ البحار ٨٨ : ١٠ ح ١٦ باب ٨٣ ـ عن الخصال.

٤ ـ البحار ٨٨ : ٨ ضمن حديث ١١ باب ٨٣ ـ عن أمالي الصدوق.

٥ ـ البحار ٨٨ : ٩ ح ١٣ باب ٨٣ ـ عن أمالي الصدوق.

٢٩٢

وروي بسند معتبر عنهعليه‌السلام انّه قال : من صلّى خمس صلوات في اليوم والليلة في جماعة فظنّوا به خيراً ، وأجيزوا شهادته(١) .

وقالعليه‌السلام : من صلّى الغداة والعشاء الآخرة في جماعة فهو في ذمّة الله عزّوجلّ ، ومن ظلمه فانّما يظلم الله ، ومن حقّره فانّما يحقّر الله عزّوجلّ(٢) .

وروي بأسانيد معتبرة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام انّه قال : المنتظر وقت الصلاة بعد الصلاة من زوّار الله عزّوجلّ ، وحقّ على الله تعالى أن يكرم زائره وأن يعطيه ما سأل.

وقالعليه‌السلام اطلبوا الرزق فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فانّه أسرع في طلب الرزق من الضرب في الأرض [ للتجارة ](٣) .

وروي بسند معتبر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انّه قال : قال الله عزّ وجلّ : يا ابن آدم اذكرني بعد الغداة ساعة وبعد العصر ساعة اكفيك ما أهمّك(٤) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من صلّى الفجر ثم جلس في مجلسه يذكر الله عزّوجلّ حتى تطلع الشمس ستره الله عزّوجلّ من النار(٥) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث آخر : كان له من الأجر كحاجّ بيت الله ، وغفر له(٦) .

__________________

١ ـ البحار ٨٨ : ٨ ح ١١ باب ٨٣ ـ عن أمالي الصدوق.

٢ ـ الوسائل ٥ : ٣٧٨ ح ٢ باب ٣ ـ من لا يحضره الفقيه ١ : ٣٧٧ ح ١٠٩٨.

٣ ـ البحار ٨٥ : ٣١٨ ح ٢ باب ٥٨.

٤ ـ من لا يحضره الفقيه ١ : ٣٢٩ ح ٩٦٥ باب التعقيبات.

٥ ـ البحار ٨٥ : ٣٢٠ ح ٤ باب ٥٨ ـ عن أمالي الصدوق.

٦ ـ البحار ٨٥ : ٣٢٠ ح ٥ باب ٥٨ ـ عن أمالي الصدوق.

٢٩٣

وروي بسند معتبر عن أبي عبداللهعليه‌السلام انّه قال : انّ الله عزّوجلّ فرض عليكم صلوات الخمس في أفضل الساعات فعليكم بالدعاء في أدبار الصلوات(١) .

وروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انّه قال : التعقيب بعد الغداة وبعد العصر يزيد في الرزق(٢) .

وروي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله انّه قال : من أدّى فريضة فله عند الله دعوة مستجابة(٣) .

والأحاديث في فضل التعقيب كثيرة ، ووردت تعقيبات مخصوصة عن النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين لابد من تحصيلها والمداومة عليها ، ومن لم يجدها فَلِقراءة القرآن أو أيّ ذكر آخر ثواب وأجر التعقيب ، وليسأل الله تعالى حوائجه بعد الصلاة بأيّ لغة ولسان يعرفه.

__________________

١ ـ البحار ٨٥ : ٣٢٠ ح ٦ باب ٥٨ ـ عن الخصال.

٢ ـ البحار ٧٦ : ٣١٥ ضمن حديث ٢ باب ٦٠ ـ عن جامع الأخبار.

٣ ـ البحار ٨٥ : ٣٢١ ح ٧ باب ٥٨ ـ عن عيون أخبار الرضاعليه‌السلام .

٢٩٤

[ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي ذررحمه‌الله ] :

يا أباذر كن بالعمل بالتقوى أشدّ اهتماماً منك بالعمل فانّه لا يقل عمل بالتقوى ، وكيف يقلّ عمل يتقبل ، يقول الله عزّوجلّ :( اِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ ) .

يا أباذر لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه ، فيعلم من أين مطعمه ، ومن أين مشربه ، ومن أين ملبسه ، أمن حلّ ذلك أم من حرام؟

يا أباذر من يبال من أين اكتسب لم يبال الله عزّوجلّ من أين أدخله النار.

يا أباذر من سرّه أن يكون أكرم الناس فليتق الله عزّوجل.

يا أباذر انّ أحبكم إلى الله جلّ ثناؤه أكثركم ذكراً له ، وأكرمكم عند الله عزّوجلّ أتقاكم له ، وأنجاكم من عذاب الله أشدّكم له خوفاً.

يا أباذر انّ المتقين الذين يتقون الله عزّوجلّ من الشيء الذي لا يُتّقى منه خوفاً من الدخول في الشبهة.

يا أباذر من أطاع الله عزّوجلّ فقد ذكر الله ، وان قلّت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن.

يا أباذر أصل الدين الورع ، ورأسه الطاعة.

يا أباذر كن ورعاً تكن أعبد الناس ، وخير دينكم الورع.

يا أباذر فضل العلم خير من فضل العبادة ، واعلم انكم لو صلّيتم حتى تكونوا كالحنايا ، وصمتم حتى تكونوا كالأوتار ما ينفعكم الاّ بورع.

يا أباذر انّ أهل الورع والزهد في الدنيا هم أولياء الله حقّاً.

٢٩٥

اعلم انّ التقوى رأس مال جميع السعادات ، وهو شرط عظيم لقبول الطاعات كما يدلّ عليه نص القرآن ، والتقوى في الاصطلاح حفظ النفس وصيانتها من كلّ ما يضرّ بالآخرة ، وله مراتب كثيرة :

المرتبة الأولى : التقوى من الشرك والكفر الموجب للخلود في النار ، ولا تصح أيّ عبادة وعمل بدونه.

المرتبة الثانية : التقوى في ترك جميع المحرمات واتيان جميع الواجبات.

المرتبة الثالثة : التقوى في ترك المكروهات واتيان المستحبات ، وهذه المرتبة تكمل بشكل تدريجي بحيث يصبح الالتفات نحو غير المعبود الحقيقي منافياً لهذه الرتبة.

انّ هاتين المرتبتين تتكثّر إلى مراتب كثيرة لها دخل في الكمال وقبول الأعمال ، وكلّما كمل الانسان في هذه المراتب كان عمله أقرب للقبول ، وتترتب على أعماله حينئذٍ فوائد وآثار أكثر ، كالقرب والمحبّة والمعرفة والانصاف والأخلاق الحسنة ، وإلى هذه المرتبة الأخيرة يشير قوله تعالى :( اِتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ) (١) .

ان الورع يقرب في المعنى من التقوى ، وقد يطلق على ترك المحرّمات أو ترك المحرمات والشبهات ، وقد يطلق على معاني التقوى أيضاً.

فقد روي انّه سئل أبو عبداللهعليه‌السلام عن قوله تعالى :( اِتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ) قال : يُطاع فلا يُعصى ، ويُذكر فلا يُنسى ، ويُشكر فلا يُكفر(٢) .

__________________

١ ـ آل عمران : ١٠٢.

٢ ـ معاني الأخبار : ٢٤٠ ح ١ ـ عنه البحار ٧٠ : ٢٩١ ح ٣١ باب ٥٦.

٢٩٦

وسئل أمير المؤمنينعليه‌السلام أي الأعمال أفضل؟ قال : التقوى(١) .

وروي بسند معتبر عن أبي عبداللهعليه‌السلام انّه قال : انّ قليل العمل مع التقوى خير من كثير العمل بلا تقوى ، [ قال الراوي : ] قلت : كيف يكون كثير بلا تقوى؟

قال : نعم مثل الرجل يطعم طعامه ، ويرفق جيرانه ، ويوطىء رحله ، فاذا ارتفع له الباب من الحرام دخل فيه فهذا العمل بلا تقوى ، ويكون الآخر ليس عنده فاذا ارتفع له الباب من الحرام لم يدخل فيه(٢) .

وروي بسند معتبر عن عمرو بن سعيد ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال : قلت له : انّي لا ألقاك الاّ في السنين ، فأخبرني بشيء آخذ به ، فقال : أوصيك بتقوى الله والورع والاجتهاد ، واعلم انّه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه(٣) .

وقالعليه‌السلام : اتقوا الله وصونوا دينكم بالورع(٤) .

وقالعليه‌السلام : عليكم بالورع ، فانّه لا ينال ما عند الله الاّ بالورع(٥) .

وروي عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام انّه قال : انّ أشدّ العبادة الورع(٦) .

وروي عن أبي عبداللهعليه‌السلام انّه قال لأبي الصباح الكناني : ما أقلّ والله من يتبع جعفراً منكم ، انّما أصحابي من اشتدّ ورعه ، وعمل لخالقه ، ورجا ثوابه ، فهؤلاء أصحابي(٧) .

__________________

١ ـ البحار ٧٠ : ٢٨٨ ح ١٦ باب ٥٦ ـ عن أمالي الصدوق.

٢ ـ الكافي ٢ : ٧٦ ح ٧ باب الطاعة والتقوى.

٣ ـ الكافي ٢ : ٧٦ ح ١ باب الورع ـ عنه البحار ٧٠ : ٢٩٦ ح ١ باب ٥٧.

٤ ـ الكافي ٢ : ٧٦ ح ٢ باب الورع ـ عنه البحار ٧٠ : ٢٩٧ ح ٢ باب ٥٧.

٥ ـ الكافي ٢ : ٧٦ ح ٣ باب الورع ـ عنه البحار ٧٠ : ٢٩٧ ح ٣ باب ٥٧.

٦ ـ الكافي ٢ : ٧٧ ح ٥ باب الورع ـ عنه البحار ٧٠ : ٢٩٧ ح ٥ باب ٥٧.

٧ ـ الكافي ٢ : ٧٧ ح ٦ باب الورع ـ عنه البحار ٧٠ : ٢٩٨ ح ٦ باب ٥٧.

٢٩٧

وروي عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام انّه قال : قال الله عزّوجلّ : ابن آدم اجتنب ما حرّمت عليك تكن من أورع الناس(١) .

وروي عن أبي عبداللهعليه‌السلام انّه سئل عن الورع من الناس؟ فقال : الذي يتورّع عن محارم الله عزّوجلّ(٢) .

وقالعليه‌السلام : انّا لا نعد الرجل مؤمناً حتى يكون بجميع أمرنا متّبعاً مريداً ، ألاّ وانّ من اتباع أمرنا وارادته الورع ، فتزيّنوا به يرحمكم الله ، وكبّدوا أعداءنا به ينعشكم الله(٣) .

وقالعليه‌السلام : أورع الناس من وقف عند الشبهة ، أعبد الناس من أقام الفرائض ، أزهد الناس من ترك الحرام ، [ أشد الناس اجتهاداً من ترك الذنوب ](٤) .

وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام انّه قال : من أحبّنا فليعمل بعملنا ، وليستعن بالورع فانّه أفضل ما يُستعان به في أمر الدنيا والآخرة(٥) .

وقالعليه‌السلام : شكر كلّ نعمة الورع عمّا حرّم الله عزّوجلّ(٦) .

وروي عن أبي عبداللهعليه‌السلام انّه قال : عليكم بالورع ، فانّه الدين الذي نلازمه وندين الله به ، ونريده ممّن يوالينا ، لا تتعبونا بالشفاعة(٧) .

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ٧٧ ح ٧ باب الورع ـ عنه البحار ٧٠ : ٢٩٨ ح ٧ باب ٥٧.

٢ ـ الكافي ٢ : ٧٧ ح ٨ باب الورع ـ عنه البحار ٧٠ : ٢٩٩ ح ٨ باب ٥٧.

٣ ـ الكافي ٢ : ٧٨ ح ١٣ باب الورع ـ عنه البحار ٧٠ : ٣٠٢ ح ١٢ باب ٥٧.

٤ ـ الخصال : ١٦ ح ٥٦ باب ١ ـ عنه البحار ٧٠ : ٣٠٥ ح ٢٥ باب ٥٧.

٥ ـ البحار ٧٠ : ٣٠٦ ح ٣٠ باب ٥٧ ـ عن الخصال حديث الأربعمائة.

٦ ـ الخصال : ١٤ ح ٥٠ باب ١ ـ عنه البحار ٧٠ : ٣٠٧ ح ٣١ باب ٥٧.

٧ ـ أمالي الطوسي : ٢٨١ ح ٨٢ مجلس ١٠ ـ عنه البحار ٧٠ : ٣٠٦ ح ٢٩ باب ٥٧.

٢٩٨

[ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي ذررحمه‌الله ] :

يا أباذر من لم يأت يوم القيامة بثلاث فقد خسر ، قلت : وما الثلاث فداك أبي وأمي؟ قال : ورع يحجزه عمّا حرّم الله عزّوجلّ عليه ، وحلم يردّ به جهل السفيه ، وخلق يداري به الناس.

ا علم انّ الحلم وكظم الغيظ والعفو والصفح عن اساءة الناس من صفات الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم ، ومن صفات أولياء الله تعالى ، ويشهد العقل والشرع بحسن هذه الصفات الجميلة ، كما روي بسند معتبر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انّه قال في خطبته : ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة؟ العفو عمن ظلمك ، وتصل من قطعك ، والاحسان إلى من أساء إليك ، واعطاء من حرمك(١) .

وروي عن عليّ بن الحسينعليه‌السلام انّه قال : اذا كان يوم القيامة جمع الله تبارك وتعالى الأولين والآخرين في صعيد واحد ، ثم ينادي مناد ، أين أهل الفضل؟

قال : فيقوم عنق من الناس ، فتلقّاهم الملائكة فيقولون : وما كان فضلكم؟ فيقولون : كنّا نصل من قطعنا ، ونعطي من حرمنا ، ونعفو عمّن ظلمنا ، قال : فيقال لهم : صدقتم ادخلوا الجنّة(٢) .

وروي عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام انّه قال : الندامة على العفو أفضل وأيسر

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ١٠٧ ح ١٠ باب العفو ـ عنه البحار ٧١ : ٣٩٩ ح ١ باب ٩٣.

٢ ـ الكافي ٢ : ١٠٧ ح ٤ باب العفو ـ عنه البحار ٧١ : ٤٠٠ ح ٤ باب ٩٣.

٢٩٩

من الندامة على العقوبة(١) .

وروي عن علي بن الحسينعليهما‌السلام انّه قال : ما تجرّعت جرعة أحبّ إليّ من جرعة غيظ أُكافي بها صاحبها(٢) .

وقال أبو جعفر الباقرعليه‌السلام : قال لي أبي : يا بنيّ ما من شيء أقرّ لعين أبيك من جرعة غيظ عاقبتها صبر(٣) .

وروي عن أبي عبداللهعليه‌السلام انّه قال : ما من عبد كظم غيظاً الاّ زاده الله عزّوجلّ في الدنيا والآخرة ، وقد قال الله عزّوجلّ :( وَالكَاظِمينَ الغَيظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاس وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ ) (٤) واثابه الله مكان غيظه ذلك(٥) .

وروي عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام انّه قال : من كظم غيظاً وهو يقدر على إمضائه حشا الله قلبه أمناً وايماناً يوم القيامة(٦) .

وروي بسند معتبر عن أبي عبداللهعليه‌السلام انّه قال : اصبر على أعداء النعم ، فانّك لن تكافي من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله فيه(٧) .

وروي عن علي بن الحسينعليهما‌السلام انّه قال : انّه ليعجبني الرجل أن يدركه حلمه عند غضبه(٨) .

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ١٠٨ ح ٦ باب العفو ـ عنه البحار ٧١ : ٤٠١ ح ٦ باب ٩٣.

٢ ـ الكافي ٢ : ١٠٩ ح ١ باب كظم الغيظ ـ عنه البحار ٧١ : ٤٠٦ ح ٢٠ باب ٩٣.

٣ ـ الكافي ٢ : ١١٠ ح ١٠ باب كظم الغيظ ـ عنه البحار ٧١ : ٤١٢ ح ٢٨ باب ٩٣.

٤ ـ آل عمران : ١٣٤.

٥ ـ الكافي ٢ : ١١٠ ح ٥ باب كظم الغيظ ـ عنه البحار ٧١ : ٤٠٩ ح ٢٤ باب ٩٣.

٦ ـ الكافي ٢ : ١١٠ ح ٧ باب كظم الغيظ ـ عنه البحار ٧١ : ٤١١ ضمن حديث ٢٥ باب ٩٣.

٧ ـ أمالي الصدوق : ٨٨ ح ٥ مجلس ٢١ ـ عنه البحار ٧١ : ٤١٦ ح ٣٨ باب ٩٣.

٨ ـ الكافي ٢ : ١١٢ ح ٣ باب الحلم ـ عنه البحار ٧١ : ٤٠٤ ح ١٣ باب ٩٣.

٣٠٠