مستدرك الوسائل خاتمة 2 الجزء ٢٠

مستدرك الوسائل خاتمة 28%

مستدرك الوسائل خاتمة 2 مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 471

  • البداية
  • السابق
  • 471 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 4427 / تحميل: 4850
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل خاتمة 2

مستدرك الوسائل خاتمة ٢ الجزء ٢٠

مؤلف:
العربية

١

٢

٣

٤

الفائدة الثالثة

من خاتمة كتاب مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل

في ذكر طرقنا إلى أصحاب الكتب المتقدّمة وغيرها، ممّا ألّف وصنّف في الأحاديث والتفسير والأصولين والفقه وغيرها، منهم ومن غيرهم من سلفنا الصالحين، والعلماء الراشدين، وحملة علوم الحجج الطاهرينعليهم‌السلام .

ولنذكر قبل الشروع مقدمة، هي:

إنّه قد شاع بين أهل العلم - ويذكر في بعض الإجازات، وصرح به جماعة أوّلهم فيما أعلم الشهيد الثاني(١) - أنّ اتصال السلسلة إلى الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام ، وتحمّل الروايات بإحدى الطرق الثمانية(٢) - التي أسهلهذا وأكثرها الإجازة - لمجرّد التبرك والتيمن، وأنه لا حاجة إليه في العمل بالروايات، لتواتر الكتب عن مؤلفيها، أو قيام القرائن القطعية على صحتها، وثبوتها، وانتسابها إليهم.

والظاهر من بعض الأصحاب توقف العمل بها عليه، وذهب إليه شيخنا الجليل المبرور الحاج المولى علي بن الحاج ميرزا خليل الرازي الطهراني قدّس الله روحه.

وقال الشيخ إبراهيم القطيفي في إجازته لشاه محمود الخليفة:

لا يقال: إذا صحّ الكتاب، وتواتر واشتهر مصنفه، جاز نسبته إليه، فما

__________________

(١) انظر: الرعاية في شرح الدراية: ٢٦٣.

(٢) وهي: السماع، القراءة، الإجازة، المناولة، الكتابة، الإعلام، الوجادة، الوصيّة، هذا وهناك خلاف في عددها وترتيبها.

٥

فائدة الإجازة؟.

فنقول: الإجازة تفيد كون المجاز له يروي عنه الكتاب، وبين إسناده إليه وروايته عنه فرق، فإن ما شرطه الرواية لا يكفي فيه الإسناد، ومن شروط الاجتهاد إسناد الرواية(١) .

وقال في إجازته الكبيرة للشيخ شمس الدين محمّد بن تركي:

فلقائل أن يقول: لا فائدة في الإجازة من حيث هي، لأنّ الغالب عدم إجازة كتاب معين مشار إليه بالهاذيّة(٢) ، بل هو موصوف، وشرط صحة روايته صحته، وكونه مصححا تصحيحا يؤمن معه الغلط، حسب إمكان القوّة البشرية، ويعرف ذلك بأمور: منها مباشرة تصحيحه، ومنها نقل تصحيحه، ومنها سبرة أكثريا وأغلبيّا مع رؤية آثار الماضين وخطّهم وإجازتهم عليه، وتبليغهم عليه. إلى غير ذلك، ثمّ يثبت أنه من تصانيف الإمامية. وهذا القدر إذا كان حاصلا جازت روايته من غير إجازة، إذ لا يتوقف عاقل أن يسند كتاب القواعد - مثلا - إلى العلامة، والمبسوط إلى الشيخ، فانتفت فائدة الإجازة.

والجواب : أن إسناد ذلك إلى مصنفه ممّا لا يشك فيه عاقل، ولا يلزم منه أن يكون المسند إليه راويا له عنه، فيقول: رويت عن فلان أنه قال في كتابه كذا. وشرط الاجتهاد اتصال الرواية، لأن النقل من الكتب من أعمال الصحفيين(٣) .

__________________

(١) بحار الأنوار ١٠٨: ٨٧.

(٢) مصدر صناعي من اسم الإشارة « هذا » مصطلح لأهل الحديث مأخوذ من قولهم: أجزت هذا الكتاب.

(٣) لعلّه إشارة إلى الحديث المشهور: « إيّاكم وأهل الدفاتر ولا يغرنّكم الصحفيون »، انظر تحرير الأحكام: ٣ والعوالي ٤: ٧٨ / ٦٩.

٦

وأيضا: فلا يجوز لعامل أن يستدل أو يعمل برواية إذا سئل عن إسنادها قال: وجدتها مكتوبة في التهذيب للشيخ، لأن ذلك مع عدم التعرض له من أضعف المراسيل، بل هو من مقطوع الآخر بالنسبة إليه، فهو حينئذ ممّن لم تتصل به الرواية عن أهل البيتعليهم‌السلام ، فلا يجوز له العمل بما لم يرو له.

نعم، لو كان من الأحاديث ما هو متواتر بشرائط التواتر من تساوي الطرفين والواسطة، جاز العمل به مع معرفته، كما في محكمات الكتاب العزيز، كقول:( اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ) (١) ألا ترى أن ما ليس بمتواتر المعنى من الكتاب العزيز لا يجوز العمل به إلاّ بعد تصحيح النقل عن أئمّة الهدىعليهم‌السلام بالرواية الثابتة، فالمتوهم بعد هذا هو الراد على دين الله، العامل بغير سبيل الله( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ ) (٢) (٣) .

وقال أيضا في إجازة كبيرة أخرى فيها فوائد كثيرة: الخامسة:

لا يقال : ما فائدة الإجازة؟ فإن الكتاب تصحّ نسبته إلى قائله ومؤلّفه وكذا الحديث، لأنه مستفيض أو متواتر، وأيضا فالإجازة لا بدّ فيها من معرفة ذلك، وإلاّ لم يجز النقل، إذ ليس كلّ مجيز يعيّن الكتب وينسبها، بل يذكر ما صحّ له أنّه من كتب الإمامية، ونحو هذه العبارة.

لأنا نقول : نسبة الكتاب إلى مؤلفه لا إشكال في جوازها، لكن ليس من أقسام الرواية، والعمل والنقل للمذاهب يتوقف على الرواية، وأدناها الإجازة، فما لم تحصل لم تكن مرويّة، فلا يصح نقلها ولا العمل بها، كما لو وجد كتابا كتبه

__________________

(١) طه ٢٠: ٨.

(٢) آل عمران ٣: ٨٥.

(٣) انظر البحار ١٠٨: ١٠١ - ١٠٢.

٧

آخر، فإنه وإن عرف أنّه كتبه لا يصح أن يرويه عنه، فقد ظهرت الفائدة(١) .

وله في إجازة أخرى كلام يقرب من ذلك(٢) .

وفي إجازة المحقق الثاني للمولى عبد العلي الأسترآبادي - بعد الخطبة وبعض المقدمات - ما لفظه: وقد استخرت الله تعالى، وأجزت له أن يروي جميع ما للرواية فيه مدخل، مما يجوز لي وعني روايته - من معقول ومنقول، وفروع وأصول، وفقه وحديث وتفسير - رواية عامة في العلوم الإسلامية، والمصنفات المعتبرة العلميّة، مشترطا عليه رعاية ما يجب رعايته في الإجازة من الأمور المعتبرة عند علماء الحديث، آخذا عليه تحرّي جادة الاحتياط الموصلة إلى سواء الصراط، بأسانيده المعتبرة المتصلة بالمصنّفين والمنتهية إلى النبي والأئمة المعصومين صلوات الله عليهم. إلى آخره(٣) .

وظاهر قوله: ( ما للرواية فيه مدخل ) مدخليّته في الاجتهاد والعمل، وتوجد هذه العبارة أو ما يقرب منها في إجازة جملة من الأعلام.

وقال الشهيد الثاني في شرح درايته: وفي جواز العمل بالوجادة الموثوق بها قولان للمحدثين والأصوليين، فنقل عن الشافعي وجماعة من نظّار(٤) أصحابه جواز العمل بها، ووجهوه بأنه لو توقف العمل فيها على الرواية لانسد باب العمل بالمنقول، لتعذّر شرائط الرواية فيها. وحجة المانع واضحة حيث لم يحدث به لفظا ولا معنى، ولا خلاف بينهم في منع الرواية بها لما ذكرناه من عدم الإخبار.

__________________

(١) إجازة الشيخ إبراهيم القطيفي للشيخ شمس الدين الأسترآبادي، حكاها المجلسيقدس‌سره في البحار ١٠٨: ١١٢.

(٢) الظاهر إجازته للسيد الشريف التستري، انظر البحار ١٠٨: ١١٩ - ١٢٠.

(٣) أوردها الشيخ المجلسي في البحار ١٠٨: ٦٥.

(٤) في الحجريّة: نظائر، والمثبت من المصدر أصح.

٨

ولو اقترنت الوجادة بالإجازة، بأن كان الموجود خطّه حيّا وأجازه، أو أجازه غيره عنه ولو بوسائط، فلا إشكال في جواز الرواية، أو العمل حيث يجوز العمل بالإجازة(١) انتهى.

قلت : فإذا لم يكن العالم راويا، فربّما يشكل دخوله في عموم قولهعليه‌السلام في التوقيع المبارك: « وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله »(٢) .

وقولهعليه‌السلام في مقبولة عمر بن حنظلة: « ينظران إلى من كان منكم ممّن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا »(٣) إلى آخره.

وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللهمّ ارحم خلفائي » - ثلاثا - قيل: يا رسول الله، ومن خلفاؤك؟ قال: « الذين يأتون بعدي يروون حديثي »(٤) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « اعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم عنّا »(٥) .

وأمثال ذلك، مما هو عمدة أدلة وجوب الرجوع إلى المفتي والقاضي في الأحكام والخصومات وغيرها.

وقال بعض المعاصرين: المشهور بين العلماء أنه يشترط الإجازة بأحد الطرق الستة أو السبعة في نقل الخبر بقوله، والظاهر الاحتياج إليها في الكتب غير المتواترة كالكتب الأربعة للمحمدين الثلاثة رضي الله عنهم، وكالكتب المشهورة عند الأئمة الثلاثة، فلا يكون ذكر الطرق إليها حينئذ إلاّ لمجرّد التيمّن

__________________

(١) الدراية: ٣٠١، وانظر الباعث الحثيث: ١٣٣، ومقدّمة ابن الصلاح: ٢٩٤.

(٢) إكمال الدين ٢: ٤٨٣ / ٤، الغيبة للشيخ الطوسي: ١٧٦، الاحتجاج ١: ٤٦٩.

(٣) الكافي ٧: ٤١٢ / ٥، التهذيب ٦: ٣٠١ / ٨٤٥، الفقيه ٣: ٥ / ١٧.

(٤) صحيفة الإمام الرضاعليه‌السلام : ٥٦ / ٧٣، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ٧٣ / ٩٤، معاني الأخبار: ٣٧٤، وسائل الشيعة ١٨: ٦٥ / ٥٠، الفقيه ٤: ٣٠٢ / ٩١٥.

(٥) أصول الكافي ١: ٤٠ / ١٣ واللفظ له، اختيار معرفة الرجال ١: ٥.

٩

والتبرك.

مع أنّ في كلام هذا البعض نظر من جهة أنه ظنّ انحصار فائدة الإجازة في تصحيح النسبة، أو محض التيمّن والتبرّك، وهو في حيّز المنع، فإن الظاهر من كلمات القوم وفحاوي الأخبار الواردة في هذا المقام عدم جواز الرواية تعبدا، أو سدّا لثغور الشريعة المطهرة، إلاّ بعد حصول الرخصة فيها من المشايخ، بأحد من الوجوه المقررة، كما لا تجوز الفتوى إلاّ بعد حصول درجة الاجتهاد، وإن كان ممّا يطابق الواقع، مضافا إلى عدم انطباق لفظ( جاءَكُمْ ) المذكور في آية النبإ(١) على غير ما كان من الخبر منقولا بهذه النسبة، فيبقى العمل بما ألفاه الرجل من غير هذه الطرق تحت أصالة المنع عن العمل بمطلق الظن، انتهى.

وقال الشيخ شمس الدين محمّد بن المؤذن الجزيني في إجازته للشيخ علي ابن عبد العالي الميسي: وبعد، فلمّا كان الواجب على نوع الإنسان التفقّه في كل زمان، وذلك بالنسبة إلينا بدون الرواية متعذّر، وكان ممّن وسم بالعلم والفهم وحصل منه على أكبر سهم، الشيخ الصالح المحقق زين الدين علي ولد الشيخ الصالح عبد العالي الشهير بابن مفلح الميسي - زيد فضله وكثر في العلماء مثله - قد التمس من العبد إجازة متضمّنة ما أجيز لي من مشايخي قراءة وإجازة، لعلمه بأن الركن الأعظم في الدراية هو الرواية، فاستخرت الله وأجزت له. إلى آخره(٢) .

وغير ذلك مما يوجد في كلماتهم صريحا أو إشارة، ويستظهر منه الاحتياج إلى تحمّل الأحاديث ببعض طرقه في مقام العمل بها، وإن كان في المناقشة في جملة منها مجال إلاّ أن فيما ذكره الجماعة - من أن ذكر الطرق وأخذ الإجازة لمجرد

__________________

(١) الحجرات ٤٩: ٦.

(٢) انظر بحار الأنوار ١٠٨: ٣٥.

١٠

التبرك والتيمّن - تأمّلا من وجوه:

الأول : أنّ التيمّن الذي ذكروه هو دون المستحب الشرعي لعدم وجود نصّ صريح صحيح - أو غيره - يدلّ عليه، بل هو مجرّد حسن عرفي واستحسان عقلي لا يوجب كمالا في النفس ولا مزيّة في العمل، كما يوجبه أدنى المستحبات. ولا يقتضي هذه الدرجة من الاهتمام والمواظبة والولوع والرغبة من كافّة الأصحاب في جميع الأعصار، على اختلاف مشاربهم. وطريقتهم - فقيههم وأصوليّهم، ومحدّثهم وأخباريّهم، وحكميهم وصوفيّهم - منذ بني على تدوين الحديث وجمع الأخبار، وعدم القناعة بطريق واحد، والإجازة من شيخ واحد، بل بكلّ طريق تمكنوا منه، ومن كل شيخ وجدوا السبيل إليه، ولو بالمسافرة إلى البلاد البعيدة وقطع البراري والبحار، وبالمكاتبة وإرسال الرسل، والمفاخرة بالكثرة والعلوّ.

قال شيخنا الشهيد الثاني في شرح درايته: وذكر الشيخ جمال الدين السيبي قدّس سره أن السيد فخار الموسوي اجتاز بوالده مسافرا إلى الحج، قال: فاوقفني والدي بين يدي السيد، فحفظت منه أنّه قال لي: يا ولدي أجزت لك ما يجوز لي روايته، ثم قال: وستعلم فيما بعد حلاوة ما خصصتك به.

وعلى هذا جرى السلف والخلف، وكأنّهم رأوا الطفل أهلا لتحمّل هذا النوع من أنواع حمل الحديث النبوي، ليؤدّي به بعد حصول أهليّته، حرصا على توسع السبيل إلى بقاء الإسناد الذي اختصّت به هذه الأمة، وتقريبه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعلوّ الإسناد(١) .

قالرحمه‌الله : وقد رأيت خطوط جماعة من فضلائنا بالإجازة لأبنائهم عند ولادتهم مع تأريخ ولادتهم، منهم: السيد جمال الدين بن طاوس لولده

__________________

(١) الدراية: ٢٧٢.

١١

غياث الدين، وشيخنا الشهيد استجاز من أكثر مشايخه بالعراق لأولاده الذين ولدوا بالشام قريبا من ولادتهم، وعندي الآن خطوطهم لهم بالإجازة(١) .

ومن أجال الطرف في أكناف الصحف التي فيها إجازاتهم، لعلّه يتعجب من شدّة اهتمامهم واستكثارهم من المشايخ.

قال المحقق صاحب المعالم في إجازته الكبيرة للسيد نجم الدين العاملي - وهي أحسن وأتقن وأنفع ما دوّن في هذا الباب -: انّ السيد الأجل العلامة النسابة تاج الدين أبا عبد الله محمّد ابن السيد أبي القاسم بن معيّة الديباجي الحسيني، يروي عن جمّ غفير من علمائنا الذين كانوا في عصره، وأسماؤهم مسطورة بخطّهرحمه‌الله في إجازته لشيخنا الشهيد الأول - وهي عندي - فأنا أورد كلامه بعينه، وهذه صورته:

فمن مشايخي الّذين يروي عنّي عنهم:

مولانا الشيخ الرباني السعيد جمال الدين أبو منصور الحسن بن المطّهر قدس الله روحه.

والشيخ السعيد صفيّ الدين محمّد بن سعيد.

والشيخ السعيد المرحوم نجم الدين أبو القاسم عبد الله بن حملان(٢) .

والسيد الجليل السعيد جمال الدين يوسف بن ناصر بن حمّاد الحسيني.

والسيد الجليل السعيد جلال الدين جعفر بن علي بن صاحب دار الصخر الحسيني.

وشيخي السعيد المرحوم علم الدين المرتضى علي بن عبد الحميد بن فخار الموسوي.

__________________

(١) الدراية: ٢٧١.

(٢) كذا، وفي الأمل ٢: ١٦١ / ٤٦٧: حملات.

١٢

والسيد الجليل السعيد المرحوم رضيّ الدين علي بن السعيد غياث الدين عبد الكريم بن طاوس الحسني.

ووالدي السيد السعيد أبو جعفر القاسم بن الحسين بن معيّة الحسني.

والقاضي السعيد المرحوم تاج الدين أبو علي محمّد بن محفوظ بن وشاح.

والسيد السعيد المرحوم صفيّ الدين محمّد بن الحسن بن أبي الرضا العلوي.

والسيد السعيد المرحوم صفيّ الدين محمّد بن محمّد بن أبي الحسن الموسوي.

والعدل الأمين المرحوم جلال الدين محمّد بن السعيد(١) المرحوم شمس الدين محمّد بن أحمد بن(٢) الكوفي الهاشمي.

والسيد السعيد المرحوم كمال الدين الرضي الحسن بن محمّد الآوي(٣) الحسيني.

والشيخ الأمين زين الدين جعفر بن علي بن يوسف عروة الحلي(٤) .

والشيخ السعيد مهذّب الدين محمود بن يحيى بن محمود بن سالم الشيباني الحلي.

والسيد السعيد المرحوم ناصر الدين(٥) عبد المطلب بن باد شاه الحسيني الخرزي صاحب التصانيف السائرة.

والشيخ الزاهد السعيد المرحوم كمال الدين علي بن الحسين بن حمّاد

__________________

(١) في الحجريّة: سعيد.

(٢) جاء فوق لفظ بن: كذا.

(٣) في المستدرك: اللاوي، وما أثبتناه من أمل الآمل ٢: ٧٦، والبحار ١٠٩: ٩.

(٤) كذا في الحجريّة والمخطوط، وفي البحار والأمل ٢: ٥٣:. يوسف بن عروة الحلي.

(٥) في الحجريّة والمخطوط: تاج الدين، والمثبت من الحقائق الراهنة: ١٢٥، وأمل الآمل ٢: ١٦٤، وفيه: الحويزي الحلّي بدل الخرزي.

١٣

الواسطي.

والسيد السعيد المرحوم فخر الدين أحمد بن علي بن عرفة الحسيني(١) .

والسيد الإمام السعيد المرحوم مجد الدين أبو الفوارس محمد بن شيخنا السعيد المرحوم فخر الدين علي بن محمّد بن الأعرج الحسيني.

والسيد الإمام السعيد المرحوم ضياء الدين عبد الله بن السيد السعيد مجد الدين أبي الفوارس محمّد بن الأعرج الحسيني.

والشيخ العالم شمس الدين محمّد بن الغزال المضري الكوفي.

ومن مشايخي الذين استفدت منهم. إلى أن قال: درّة الفخر وفريدة الدهر، مولانا الإمام الرباني عميد الملّة والحقّ والدين، أبو عبد الله عبد المطلب ابن الأعرج أدام الله شرفه وخصّ بالصلاة والسلام سلفه.

ومنهم الشيخ الإمام العلامة، بقيّة الفضلاء وأنموذج العلماء، فخر الملّة والحق والدين، محمّد بن المطهّر حرس الله نفسه وأنمى غرسه.

ومنهم الشيخ الإمام العلامة أوحدي عصره، نصير الملّة والحق والدين، علي بن محمّد بن علي القاشي.

والشيخ الإمام الفقيه الفاضل علي بن أحمد المزيدي(٢) .

وممن صاحبته واستفدت منه، فرويت عنه وروى عني:

السيّد الجليل الفقيه العالم عزّ الدين الحسن بن أبي الفتح بن الدهان الحسيني.

والشيخ السعيد المرحوم جمال الدين أحمد بن محمّد بن الحدّاد.

والشيخ العالم الفاضل شمس الدين محمّد بن علي بن غني(٣) .

__________________

(١) في الحجرية: بن غرفة الحسيني، وما أثبتناه من المصدر وأمل الآمل ٢: ١٩.

(٢) في البحار: احمد بن المزيدي، وفي أمل الآمل ٢: ١٧٦ / ٥٣٠: أحمد بن يحيى المزيدي.

(٣) في الحجرية: علي عيسى، والمثبت من البحار وأمل الآمل ٢: ٢٨٨، والحقائق الراهنة: ١٩٣.

١٤

والفقيه السعيد المرحوم قوام الدين محمّد بن الفقيه رضيّ الدين علي بن مطهّر.

وممن رويت عنه من المشايخ أيضا، الفقيه السعيد المرحوم ظهير الدين محمّد بن محمّد بن مطهر(١) . انتهى.

ويقرب منه في كثرة المشايخ جماعة كثيرة، كابن شهرآشوب، والشيخ منتجب الدين، والشهيد. وأضرابهم.

وفي الإجازة المذكورة: إنّ إعطاء الحديث حقّه من الرواية والدراية أمر مهم لمن أراد التفقّه في الدين، إذ مدار أكثر الأحكام الشرعية عليه، وقد كان للسلف الصالح رضوان الله عليهم مزيد اعتناء بشأنه، وشدّة اهتمام بروايته وعرفانه، فقام بوظيفته منهم في كلّ عصر من تلك الأعصار أقوام بذلوا في رعايته جهدهم، وأكثروا في ملاحظته كدّهم ووكدهم، فلله درّهم إذ عرفوا من قدره ما عرفوا، وصرفوا إليه من وجوه الهمم ما صرفوا، ثم خلف من بعدهم خلف أضاعوا حقّه وجهلوا قدره، فاقتصروا من روايته على أدنى مراتبها، وألقوا حبل درايته على غاربها. إلى آخره(٢) .

وهذا الاهتمام والاعتناء وتحمّل المشاق، والعتاب على من قنع بالإجازة دون ما فوقها من المراتب لمجرّد التبرك - كالتبرّك بغسل الأكفان بماء الفرات، ومسّها بالضرائح المقدّسة، وغيرها ممّا لم يرد به نص، واتخذه بعضهم شعارا من دون أن يتفق عليه عوام الناس فضلا عن العلماء الأعلام - خلاف الإنصاف.

وهذا الاتفاق العملي، والتصريح من البعض، إن لم يوجب القطع بالاحتياج وعدم كونه للتيمّن، فلا أقلّ من الظن في مقام إثبات الحجيّة المخالفة

__________________

(١) نقلها الشيخ المجلسي في البحار ١٠٩: ٨ - ١٠.

(٢) بحار الأنوار ١٠٩: ٣ - ٤.

١٥

للأصل الكافي فيه الشك فيها فضلا عن الظن بالعدم.

ولقد حدّثني بعض العلماء قال: كنت حاضرا في محفل قطب رحى الفقاهة شيخنا الأعظم الشيخ مرتضى طاب ثراه فسأله الفقيه النبيه الشيخ مهدي النجفي - سبط(١) كاشف الغطاء - وقال ما معناه: إنّه بلغني أنّ جنابك تحتاط في ثلاث تسبيحات كبرى في الركوع والسجود، فما وجهه؟ فقالرحمه‌الله : أنت أدركت أباك الشيخ علي؟ قال: نعم، قال: كيف كان يصلّي؟ قال: بثلاثة تسبيحات كبرى، قال: أدركت عمّك الشيخ موسى؟ قال: نعم، قال: كيف كان يصلّي؟ قال: بالثلاثة، قال: أدركت عمّك الشيخ حسن؟ قال: نعم، قال: كيف كان يصلّي؟ فأجابه بمثل ذلك، فقالرحمه‌الله يكفي في مقام الاحتياط مواظبة ثلاثة من الفقهاء في العمل.

وممّا يستغرب من جملة من الأعلام - في هذه الأعصار - أنّهم يحتاطون في كثير من الفروع الجزئية لشبهة ضعيفة، كمخالفة قليل مع عدم ظهور دليل له، بل قيام الدليل المعتبر على خلافه، ولا يحتاطون في أخذ الإجازة، والدخول في عنوان الراوي كما دخله كلّ من تقدّم علينا، حتى من صرّح بكونه للتبرّك، لما مرّ ويأتي من الشبهات. مع أنّه في تركه - مع احتمال الاحتياج إليه - يهدم أساس فقهه من الطهارة إلى الديات، اللهم إلاّ أن يقطع بعدم الحاجة، ولا يخلو مدعيه من الاعوجاج واللجاجة، ويأتي إن شاء الله تعالى مزيد توضيح لذلك.

الوجه الثاني: إنّهم كما بنوا على الاستجازة والإجازة في كتب الأحاديث والأخبار المحتمل كونها للتبرّك - من جهة اتصال السند إلى الأئمة الطاهرينعليهم‌السلام - كذلك بنوا على الإجازة والاستجازة في كتب الفتاوى والاستدلال، والمسائل الأصوليّة وأمثالها، ممّا يحتاجون إلى النقل والنسبة وترتيب

__________________

(١) كذا، والصحيح هو حفيده، إذ هو الشيخ مهدي بن الشيخ علي بن الشيخ جعفر.

١٦

الآثار عليها، فتراهم في صدر الإجازات أو ذيلها يذكرون: إنّي أجزت لفلان أن يروي عنّي جميع مصنفاتي، ويعدّدونها، وربّما كان جميعها في الفقه والأصولين، وكذا مصنفات كثير ممّن تقدم عليهم من ذلك، بل رأينا إجازات جملة من الأساطين مخصوصة بها.

وعندي تبصرة العلاّمة بخط الشيخ أبي الفتوح أحمد بن أبي عبد الله الآبي - ابن عم صاحب كشف الرموز - وعلى ظهرها إجازة المصنفقدس‌سره له بخطه الشريف، وهذه صورته:

قرأ عليّ هذا الكتاب الشيخ العالم، الفقيه الفاضل، المحقق المدقق، ملك العلماء، قدوة الفضلاء، رئيس المحققين، جمال الملّة والدين، نجم الإسلام والمسلمين، أبو الفتوح أحمد بن السعيد المرحوم أبي عبد الله بلكو بن أبي طالب بن علي الآوي - أدام الله توفيقه وتسديده وأجلّ من كلّ عارفة حظّه ومزيده - قراءة مهذّبة تشهد بكماله، وتدلّ على فضله وتعرب عن جلاله، وقد أجزت له رواية هذا الكتاب عنّي لمن شاء وأحبّ. وكتب العبد الفقير إلى الله تعالى حسن بن يوسف بن المطهّر مصنّف الكتاب في شهر رجب من سنة خمس وسبعمائة، حامدا مصليا مستغفرا.

وفي آخره وجملة من مواضعه تبليغات بخطّه الشريف.

وعندي مسائل السيد المهنّا المدني عن العلاّمة، بخطّ السيد حيدر الآملي، قرأها على فخر المحققين، وعلى ظهرها بخطّه الشريف: هذه المسائل وأجوبتها صحيحة، سأل عنها والدي فأجابه بجميع ما ذكر فيها، ورؤيته(١) أنا على والدي قدس الله سرّه ورويته عنه، وقد أجزت لمولانا السيد الإمام العالم - إلى أن قال بعد الأوصاف والنسب -: أن يروي ذلك عني، عن والدي قدس

__________________

(١) كذا، ولعلّها وقرأته.

١٧

الله سره، وأن يعمل بذلك ويفتي به. وكتب محمّد بن الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي في أواخر ربيع الآخر لسنة إحدى وستين وسبعمائة، والحمد لله تعالى.

وعندي الشرائع بخط العالم الفاضل الشيخ محمّد بن إسماعيل الهرقلي - صاحب القضية المعروفة(١) - وقد قرئ على جماعة كثيرة من العلماء، وعليه خطوطهم وإجازاتهم، منها ما كتبه العالم الجليل الشيخ يحيى البحراني - تلميذ المحقق الثاني وشارح الجعفرية - قال بعد الحمد: فإن العبد الصالح والمحب الناصح المطيع لله المانح، محمّد بن صالح، قد قرأ على العبد الجاني هذا الكتاب وهو شرائع الإسلام - إلى أن قال -: وقد أجزت له روايته عني، عن شيخي وإمامي. وساق مناقب المحقق الثاني، والسند إلى أوّلهما(٢) .

وفي إجازة الشيخ شمس الدين محمّد بن المؤذّن الجزيني للشيخ علي بن عبد العالي الميسي: وأجزت له الرواية مع العمل بجميع ما تضمّنه كتاب التحرير - من جملة مقروءاتي - وما عليه من النقل، وما فيه من الفتاوى الخالية عن النقل - إلى أن قال -: عنّي، عن الشيخ جمال الدين بن الحاج علي، وعن الشيخ عزّ الدين حسن بن الفضل. وكذلك أجزته له ما نقلته عنهما من فتاوى فخر الدين، وفتاوى أبي القاسم نجم الدين بن سعيد، وجميع فتاوى ابن عمّي خاتمة المجتهدين محمّد بن مكي. وكذلك جميع ما في الدروس من الظاهر(٣) .

وكذلك جميع فتاوى كتاب القواعد للإمام البحر الحسن بن المطهّر.

__________________

(١) نقلها أغلب من ترجم له، انظر: الكنى والألقاب ٣: ٢٤١. وخلاصتها خروج توثة على فخذه الأيسر فوق العرق الأكحل وتعسر علاجها لذلك، ويأس الأطباء، ثم شفاؤه ببركة الإمام الحجّة ( عج )

(٢) أي المحقّق الأوّلقدس‌سره

(٣) المراد هنا هو استظهارات صاحب الدروس، أي ما اختاره فتوى ورجح عنده نقلا أو دليلا

١٨

وأجزت له رواية تذكرة الفقهاء عنّي، عن ابن عمي ضياء الدين، عن والده السعيد أبي عبد الله محمّد بن مكي، عن شيخه عميد الدين عن المصنّف.

وأجزت له رواية كتاب إرشاد الأذهان - الذي عندي - وما عليه(١) من الفتاوى ..

وأجزت له أن يعمل بجميع ما يجده بخط ابن عمّي الشهيد، أو بخطّي من خطّه، بشرط أن يعلم ذلك، فليرو ذلك ويعمل به، إذا صحّ عنده وتحقّقه، محتاطا في ذلك رواية وعملا. إلى آخره(٢) .

ويقرب من ذلك ما كتبه العلاّمة - على ظهر القواعد - للقطب الرازي وفيه: وقد أجزت له رواية هذا الكتاب بأجمعه، ورواية جميع مؤلفاتي ورواياتي، وما أجيز لي روايته، وجميع كتب أصحابنا السالفين(٣) . إلى آخره.

وفي إجازة الشيخ عبد العالي ابن المحقق الكركي لابن أخته المحقق الداماد: وإنّي أجزته أن ينقل ما وصل إليه وظهر لديه أنّه من أقوالي، وأن يعمل به، وأن يروي مصنّفات والدي المرحوم المغفور عليّ بن عبد العالي، وأن يروي جميع ما لي روايته عن مشايخي الإعلام(٤) . إلى آخره.

وفي إجازة مربّي العلماء المولى عبد الله التّستري لولده المولى حسن علي: وكذلك أجزت له - طوّل الله عمره، وأفاض على العالمين برّه - أن يروي عنّي جميع مؤلفاتي، وأن يفيدها لمن كان أهل ذلك. إلى أن قال: وكتب ذلك بقلمه وقاله بفمه أبوه الشفيق الفقير إلى رحمة الله(٥) ، إلى آخره.

__________________

(١) في البحار: علمته.

(٢) نقلها الشيخ المجلسي في بحاره ١٠٨: ٣٦ - ٣٧.

(٣) حكاها الشيخ المجلسي في البحار ١٠٧: ١٤٠.

(٤) حكاها الشيخ المجلسي في البحار ١٠٩: ٨٦.

(٥) حكاها الشيخ المجلسي في البحار ١١٠: ٢٠.

١٩

إلى غير ذلك، ممّا يوجب نقله الإطناب والخروج عن وضع الكتاب.

وأنت خبير بأن احتمال التيمّن والتبرّك في رواية الكتب الفقهية وما ماثلها عن أربابها شطط من الكلام، مع أنّ الإجازة بعد القراءة، التي هي أعلى وأتقن منها، والإذن في روايتها - كما نقلناه عن العلاّمة وغيره - مما ينبئ عن أمر عظيم، واحتياط شديد، في نقل الأقوال ونسبة الآراء إلى أصحاب التصانيف، وعدم القناعة بما يظهر من ألفاظهم الكاشفة عن آرائهم، مع حجّيته عند كافّتهم، بل بعد الإذن الرافع لما ربّما يحتمل في كلامهم وان كان بعيدا.

وبالجملة فلولا اعتقاد الحاجة أو الاحتياط - ولو لأمر تعبّدي وصل إليهم - لما كان لإجازاتهم في هذا الصنف من الكتب محمل صحيح يليق نسبته إلى مثل آية الله العلاّمة وأضرابه.

الوجه الثالث : انّهم كما استجازوا رواية الأحاديث ومصنّفات الأصحاب عن مشايخهم طبقة بعد طبقة، كذلك استجازوا عن علماء العامة - من الفقهاء والمحدّثين وأرباب العلوم الأدبية - جميع مؤلفاتهم ومصنّفاتهم التي قد يحتاجون إلى النقل منها، وذكروا مشايخهم منهم إلى أرباب الكتب - التي نسبتها إليهم معلومة مقطوعة بالتواتر والقرائن القطعية - في أواخر إجازاتهم، فلاحظ:

الإجازة الكبيرة من العلامة لبني زهرة(١) .

والشهيد الثاني للشيخ حسين والد شيخنا البهائي(٢) .

وصاحب المعالم للسيد نجم الدين العاملي(٣) .

بل استكثروا من الطرق، وتحملوا أعباء السفر، وضربوا آباط الإبل في

__________________

(١) حكاها الشيخ المجلسي في البحار ١٠٧: ٦٠.

(٢) المصدر المتقدّم ١٠٨: ١٤٦.

(٣) المصدر السابق ١٠٩: ٣.

٢٠

الوصول إليهم، وذكروا في ترجمة الشهيد الأول أنه يروي مصنفات العامة عن نحو أربعين شيخا من علمائهم.

وقال هورحمه‌الله في إجازته لأبي الحسن علي بن الحسن بن محمّد الخازن: وأمّا مصنّفات العامة ومرويّاتهم، فانّي أروي عن نحو من أربعين شيخا من علمائهم بمكة، والمدينة، ودار السلام بغداد، ومصر، ودمشق، وبيت المقدس، ومقام الخليل.(١) إلى آخره.

وقريب منه الشهيد الثاني كما يظهر من رسالة تلميذه ابن العودي(٢) .

وقال مروّج المذهب المحقق الثاني في آخر إجازته لصفي الدين: وأمّا كتب العامة ومصنفاتهم، فإنّ أصحابنا لم يزالوا يتناقلونها ويروونها، ويبذلون في ذلك جهدهم، ويصرفون في هذا المطلب نفائس أوقاتهم، لغرض صحيح دينيّ، فإنّ فيها من شواهد الحقّ، وما يكون وسيلة إلى تزييفات الأباطيل، ما لا يحصى كثرة. والحجّة إذا قام الخصم بتشييدها، عظم موقعها في النفوس، وكانت ادعى إلى إسكات الخصوم والمنكرين للحق، ودفع تعلّلاتهم، ومع ذلك ففي الإحاطة بها فوائد اخرى جمّة.

وقد اتفق لي - في الأزمنة السابقة - بذل الجهد واستفراغ الوسع مدّة طويلة في تتبّع مشاهير مصنّفاتهم في الفنون، خصوصا العلوم النقليّة من الفقه والحديث وما يتبعه والتفسير، وما جرى مجراها كاللغة وفنون العربية، فثبت لي حقّ الرواية بالقراءة لجملة كثيرة من المصنّفات الجليلة المعتبرة، وكذا ثبت لي حقّ الرواية ( بالسماع لجملة أخرى، وكذا في المناولة. وامّا الإجازة فقد ثبت لي

__________________

(١) نقلها في البحار ١٠٧: ١٩.

(٢) المطبوعة ضمن الدر المنثور من المأثور وغير المأثور ٢: ١٤٩ باسم ( رسالة بغية المريد في الكشف عن أحوال الشهيد ) ذكر ما عثر عليه فيها.

٢١

بها حقّ الرواية )(١) لما لا يكاد يحصى ولا يحصر من مصنّفاتهم في العلوم الإسلامية، إجازة خاصة وعامة من علمائنا رضوان الله عليهم، ومن علمائهم الّذين عاصرتهم وأدركت زمانهم، فأخذت عنهم، وأكثرت الملازمة لهم، والتردّد إليهم، بدمشق وبيت المقدس - شرّفه الله تعالى وعظّمه - وبمصر ومكة - زادها الله شرفا وتعظيما - وصرفت في ذلك سنين متعدّدة وأزمنة متطاولة، وجمعت أسانيد ذلك وأثبته في مواضع وكتبت مشيخة شيخنا الجليل أبي يحيى زكريا الأنصاري بمصر. وتتبعت جملة من أسانيد شيخنا الجليل العلاّمة كمال الدين أبي عبد الله محمّد بن أبي شرف(٢) المقدسي فكتبتها، وخطّه مكتوب على بعضها، وكذا خطّ زكريّا مكتوب على مواضع من مشيخته التي سبق ذكرها.

فأجزت له - أدام الله تعالى رفعته - رواية جميع ذلك بأسانيده، مضافا إلى ما سبق تفصيله وإجماله. انتهى(٣) .

ولا يخفى أن الغرض من رواية كتبهم، واتصال السند إلى أربابها:

إمّا التبرك المقطوع عدمه.

أو الحاجة إليه لإثبات الكتاب، وصحّة النسبة إلى من انتسب إليه، وهو كالأول، لكون أكثر ما عدّدوه منها ممّا تواتر عن صاحبه أو نقطع بها لقرائن قطعيّة.

أو للحاجة إليه في مقام النقل، ونسبة القول والرأي. وهو المطلوب الذي يمكن استظهاره من الرواة وأصحاب المجاميع السالفة أيضا.

توضيح ذلك : انّه لا فرق بيننا وبين الطبقات السابقة في الحاجة إلى

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من البحار. ثابت في المخطوط والحجري.

(٢) كذا، وهو كمال الدين أبو المعالي محمّد بن محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي شريف المقدسي الشافعي، المتوفّى: ٩٠٦، انظر البحار ١٠٨: ٧٩، وشذرات الذهب ٨: ٢٩.

(٣) رواها الشيخ المجلسي في البحار ١٠٨: ٧٩.

٢٢

الإجازة وعدمها، في صورة عدم تواتر الكتاب عن صاحبه، أو عدم قطعية الصدور ولو بالقرائن، وفي صورة التواتر والقطعية، لاتحاد وجه الحاجة وعدمها للجميع.

ونحن بعد السبر والتأمّل في كلمات القدماء، لم نجدهم يفرّقون في مقام الحاجة - إلى الطرق والأسانيد إلى الكتب المصنّفة - بين ما كان منها قطعي الصدور وعدمه.

ولم نجد لما ذكره بعض المتأخرين من كون ذكر السند في الأول لمحض التبرك في كلامهم عينا ولا أثرا.

ونحن نذكر أولا ما ذكره المتبركون ثم نتبعه بكلام الأقدمين.

قال العالم الجليل السيد جواد - صاحب مفتاح الكرامة - في إجازته للعالم العلاّم آغا محمّد علي ابن علاّمة عصره آغا باقر المازندراني: الإجازة على قسمين:

قسم للمحافظة على اليمن والبركة، والفوز بفضيلة الشركة في النظم في سلسلة أهل بيت العصمة وخزّان العلم والحكمة، لأنّ من انتظم فيها فاز بالمرتبة الفاخرة، وفاز بسعادة الدنيا والآخرة، وهذا هو المعروف المألوف في هذه الأزمان لا غير.

وقسم للمحافظة على الضبط وقوّة الاعتماد، والأمن من التحريف والتصحيف والسقط في المتن والإسناد، وهذا القسم يجري مجرى القراءة على الشيخ والسماع من فلق(١) فيه، وهذا أمر معروف أيضا بين الأقدمين لا شكّ فيه، ولذا ترى المجازين يقولون - حيث يستجيزون الكتاب الذي نظره المجيز وعرف صحته وشهد بالاعتماد عليه -: حدثني وأخبرني من دون أن يقول

__________________

(١) الفلق، بفتح الفاء وسكون اللام: الشق، وجئ بها هنا للتأكيد على صحّة السماع.

٢٣

إجازة.

واستوضح ذلك في المفيد، فإنّ علماء الرجال قد صرحوا بأنّ أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، وأحمد بن محمّد بن يحيى العطار، شيخا إجازة للمفيد، وهو يروي عنهما من دون أن يقول إجازة، فهو:

إمّا أن يكون قد سمع عنهما، وعن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه - لأنّه شيخه أيضا - جميع كتب أصحابنا مشافهين له بالخطاب، والاّ لما صحّ له أن يقول: أخبرني وحدثني، أو: عن أحمد، مثلا. ومن البعيد جدا أن يكون هؤلاء الثلاثة قرءوا عليه مخاطبين له كتاب الكافي، وكتب الحسين بن سعيد، وكتب محمد بن علي بن محبوب، وكتب محمد بن أحمد بن يحيى العطار(١) ، وأحمد بن إدريس، وهلمّ جرّا فصاعدا.

وإمّا أن يكون قد قرأ عليه أو على بعضهم بعض هذه، فيجب عليه حينئذ أن يقول: قراءة عليه.

ثم إنه من البعيد أيضا أن يكون قد قرأ عليهم جميع هذه الكتب.

سلّمنا، لكن لأي شيء قيل: إنّ الأحمدين شيخا إجازة له؟ فهلاّ قيل: شيخا إجازة وقراءة وسماع؟!

وأمّا شيخه الرابع وهو محمّد بن بابويه فلا ريب أنّه لم يقرأ عليه، ولم يسمع منه، اللهمّ إلاّ أن يكون يوم استجاز منه قرأ من أول كل كتاب أجازه حديثا، ومن وسطه حديثا، ومن آخره حديثا، كما ورد في الخبر.

فالمفيد في روايته عن هؤلاء الثلاثة، والشيخ في روايته عن مشايخه الخمسة - وهم المفيد، وأحمد بن عبدون، والحسين بن عبيد الله الغضائري،

__________________

(١) كذا، والظاهر إمّا زيادة ( العطار ) فهو الأشعري القمي حينئذ، أو زيادة ( أحمد بن ) فهو محمّد بن يحيى العطار أبو جعفر القمّي.

٢٤

وعلي بن أحمد بن أبي جيد، وعلم الهدى - إمّا أن يكونا قد سمعا جميع الكتب التي رويا عنها عن جميع مشايخهم الأربعة والخمسة، وهذا يكاد يكون مستحيلا، مع خلوه في الواقع عن فائدة يعتدّ بها.

أو يكونا قرءاها أو بعضها عليهم، فيكونان - مع بعده أيضا - مدلّسين والعياذ بالله عزّ وجلّ وإلاّ لقالا: أخبرني قراءة، أو عن فلان قراءة.

أو يكونا استجازاها، فيكونان أيضا مدلّسين - لا سيّما المفيد بالنسبة إلى الأحمدين - وإلاّ لقالا يوما: عنه إجازة، أو: أخبرني إجازة.

فتعين انّهما قرءا بعضا وسمعا بعضا، وأجيز لهما ما قرء أو سمعاه، وما لم يقرآه ولم يسمعاه، بمعنى أنّ مشايخهم عمدوا إلى كتاب معروف مقروء ومصحح، وأجازوا لهما روايته بمعنى أنّهم ضمنوا لهما صحّته، وأباحوا لهما روايته عنهم، كما أنّ المتأخرين جرت عادتهم بأن يقولوا قرأ عليّ المبسوط - مثلا - قراءة مهذبة، وأجزت له أن يروي عني، بمعنى أنّي ضمنت له صحة الكتاب الذي قرأه عليّ، وأبحت له روايته.

فهذه الإجازة بهذا المعنى تجري مجرى السماع والقراءة، بل ربّما قيل بأنّها أقوى منهما.

وقد نبّه على ذلك الأستاذ رضي الله تعالى عنه في عدّة مواضع من تعليقه على الرجال، قال في ترجمة العبيدي: إنّ أهل الدراية غير متفقين على المنع من الرواية إجازة من دون ذكر هذه اللفظة(١) . إلى آخره.

وكانت عادتهم في الإجازة بهذا المعنى، كعادتنا اليوم في الوجادة، نقول: قال الشيخ في المبسوط.

__________________

(١) تعليقة الوحيد البهبهاني على رجال الأسترآبادي الكبير: ٣١٣.

٢٥

وما في التهذيب(١) والمعالم(٢) وغيرهما من أنّ الأعلى السماع ثم القراءة ثم الإجازة. إلى آخره، فمبنيّ على مذهب بعض أهل الدراية، ولعلّه لتعدد نسخ الكتاب الواحد، وعدم الاعتناء بضبطه، أو عدم الاعتداد به، لمكان تقاصر الهمم باعتبار كبر الكتب وتعدّدها، أو لأمور أخر.

ومن لحظ ما قرّرناه، ولحظ كلام المعالم في تعريفه الإجازة، ظهر له أنّ كلامه غيره محرّر.

وامّا محمّد بن الحسن بن الوليد فإنّه يعتبر في الإجازة القراءة أو السماع، وأن يكون السامع فاهما لما يرويه.

وممّا ذكر أيضا يسهل معرفة مشايخ الإجازة، ولقد أعيت معرفتهم على ناس كثيرين، حتى أنّ شيخنا ومولانا ميرزا أبو القاسم(٣) صنّف في ذلك رسالة ما زاد فيها على أنهم يعرفون بنصّ علماء الرجال، ثمّ إنّه سرد من ظفر أنّهم نصّوا عليه بذلك، ولم يعين الوجه في النّص على هذا دون هذا، مع أنهما معا في وسط السند مثلا أو في أوّله.

وقد بيّنا فيما كتبناه في شرح طهارة الوافي - من تقرير الأستاذ الشريف رضي الله تعالى عنه - وغيره، أنّ لنا إلى معرفتهم طرقا أربعة.

وكيف كان فاحتفال رواتنا وعلمائنا بالاستجازة أشهر من أن يذكر.

هذا شيخ القميين وفقيههم ورئيسهم، والذي يلقى السلطان غير مدافع، أحمد بن محمّد بن عيسى، بل هو شيخ أعيان الفرقة: كسعد، ومحمّد ابن علي بن محبوب، وأحمد بن إدريس، والعطّار، وصاحب النوادر. وغيرهم

__________________

(١) تهذيب الأصول للعلامة: مخطوط.

(٢) معالم الدين: ٢٠٩.

(٣) هو الميرزا أبو القاسم القمي صاحب القوانين، والغنائم، وله رسالة في مشايخ الإجازات. انظر مصفى المقال: ٣٥.

٢٦

من المشايخ الكبار، شدّ الرحال من قم - على عظمته عند سلطان وقته وعدم أمنه منه - إلى الكوفة، فأتى الحسن بن علي ابن بنت إلياس الوشاء البغدادي، ليجيزه كتاب أبان بن عثمان الأحمر، وكتاب العلاء بن رزين القلاء، فلمّا أخرجهما له، قال له: أحبّ أن تجيزهما لي، فقال: ما عجلتك؟ اذهب فاكتبهما، واسمع من بعد، فقال له: لا آمن الحدثان، فقال: لو علمت أنّ هذا الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه، فإنّي أدركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ كلّ يقول: حدثني جعفر بن محمّدعليهما‌السلام .

وهذا شيخنا المفيد استجاز من الصدوق لما أتى بغداد وهو أعلم وأفضل منه، قال في الردّ عليه في بعض رسائله: من وفّق لرشده لا يتعرّض لما لا يحسنه.

وهذا شيخ علم الهدى أبو غالب الزراري كتب إجازة لابن ابنه وهو في المهد في رسالة طويلة وحكاية لطيفة(١) . انتهى(٢) .

وقال في شرحه على الوافي(٣) - الذي هو تقريرات بحث أستاذه العلاّمة الطباطبائي -: وليعلم أنّ الإجازة على أقسام:

إجازة الشيخ مقروّاته ومجازاته ومسموعاته لكل أحد.

وإجازته لواحد مخصوص.

وإجازة المخصوص منها لكلّ أحد.

وإجازة المخصوص منها المعيّن لشخص معيّن، وهذا لا بدّ فيه من توثيق

__________________

(١) رسالة أبي غالب الزراري: ٤١.

(٢) أي كلام السيد جواد صاحب مفتاح الكرامة في إجازته لآغا محمد علي بن آغا باقر المازندراني.

(٣) القائل: السيد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة.

٢٧

المجيز، لأنّه يكون ضامنا لصحّة ذلك الكتاب، وأمنه من الغلط والتحريف، وذلك يستلزم الوثاقة، ولذلك أتى ابن عيسى من قم ليستجيز من الوشاء كتابي أبان والعلاء.

وهذه الإجازة تجري مجرى القراءة على الشيخ، أو قراءة الشيخ عليه، بل ربما كانت أشدّ ضبطا، وعليه كان القدماء يعمد الشيخ منهم إلى كتاب مصحح مقروء مسموع له عن الشيوخ، ويجيز روايته لطالب الإجازة، ويأخذ [ ه‍ ] المجاز له إلى الشيخ الآخر فينظره ويجيز روايته(١) ، وهكذا.

هذا شيخ الطائفة له إلى الكليني طرق متعددة، ومن المعلوم أنه لم يقرأ الكافي عليه جميع أولئك المشايخ، ولا قرأ هو عليهم، وإنّما كان يقرأ بعضه على بعض أو كلّه، أو لا يقرأ منه عليه شيء - كما قدمنا - ويأتي به إلى الآخر فيعرضه عليه فيجيزه، بل كان الغالب منهم - كما في الأخبار - أن المستجيز يأتي إلى كتاب قد ضمن المجيز صحّته فيقرأ من أوّله حديثا، ومن وسطه حديثا، ومن آخره حديثا، ويجيزه له، فله أن يقول: أخبرني وحدثني، وهذه طريقة معروفة، وإلاّ فالمفيد دائما يقول: أخبرني أبو القاسم جعفر، أو أحمد بن الوليد أو أحمد بن العطار، وقد قالوا: إنّ الأخيرين شيخا إجازة، فإمّا أن يكون المفيد قرأ عليهما جميع الكتب، أو قرءاها عليه - وهو بعيد جدّا - أو يكونا عمدا إلى الكتب المقروءة المصحّحة وأجازاه ذلك، هذا هو الظاهر.

فالرواية بلفظ ( أخبرني ) معروفة مألوفة على النحو المذكور - ولا تصغ إلى ما في المعالم(٢) ، وما في ترجمة محمد بن عيسى العبيدي(٣) - وهذا ممّا لا يكاد

__________________

(١) كذا، ولعل الصحيح: ويجيز له روايته، أو: يجيزه بروايته. علما أنّ المخطوطة هنا مشوشة.

(٢) معالم الدين: ٢٠٩ وما بعدها.

(٣) انظر: رجال النجاشي: ٣٣٣ ت ٨٩٦، وتفصيل تنقيح المقال ج ٣: ١٦٩ ت ١١٢١١ ذيل

٢٨

وليس لك بعد ذلك أن تقول: إنّ الأصل الرواية بالسماع من الشيخ، لما عرفت، ولأنّه ينقض عليك بالقراءة، فإنّه لم يجزه(١) قطعا مع أنّه مألوف معروف

قال الأستاذ في حاشيته على كتاب الميرزا: إنّ القدماء كانوا لا يروون إلاّ بالإجازة أو القراءة وأمثالهما، ويلاحظون غالبا حتى في كتب الحسين بن سعيد. وأطال في بيان ذلك.

وقد جرت عادة السلف أيضا أن الشيخ أيضا بعد القراءة عليه يجيزه رواية ما قرأه عليه يمنا وبركة، أو زيادة وثوق بالأمن من التحريف، والإجازة بالمعنى الأول ليست إلاّ لليمن والبركة - كما هو الشأن في إجازاتنا اليوم غالبا - وأمّا حيث يجيزه رواية الكتاب المخصوص فلا بدّ من أن يكون الشيخ ثقة ولو كان الكتاب متواترا، فلا تلتفت إلى ما في المعالم(٢) أيضا من أنّه لا أثر لها إلاّ في غير المتواتر(٣) . انتهى.

وفي المعالم: فاعلم أنّ أثر الإجازة بالنسبة إلى العمل إنّما يظهر حيث لا يكون متعلّقها معلوما بالتواتر ونحوه، ككتب أخبارنا الأربعة، فإنّها متواترة إجمالا، والعلم بصحّة مضامينها تفصيلا يستفاد من قرائن الأحوال، ولا مدخل للإجازة فيه غالبا، وإنّما فائدتها حينئذ بقاء اتصال سلسلة الإسناد بالنبي والأئمة صلوات الله عليهم، وذلك أمر مرغوب إليه للتيمّن، كما لا يخفى. على أنّ الوجه في الاستغناء عن الإجازة ربّما أتى في غيرها من باقي وجوه الرواية،

__________________

ترجمته، وتعليقة الوحيد البهبهاني: ٣١٣ والمطبوعة بهامش المنهج ترجمة محمد بن عيسى بن عبيد.

(١) في نسخة بدل: يخبره. ( منهقدس‌سره )

(٢) المعالم: ٢١٢ - ٢١٣.

(٣) شرح الوافي، للسيد العاملي: مخطوط.

٢٩

غير أن رعاية التصحيح، والأمن من حدوث التصحيف - وشبهه من أنواع الخلل - يزيد في وجه الحاجة إلى السماع ونحوه(١) .

إلى غير ذلك من الكلمات التي تشبه بعضها الأخرى في انحصار فائدة الإجازة - في أمثال الكتب الأربعة - بالنسبة إلينا في التيمّن، إلاّ أن يكون متعلّقها كتابا خاصّا فتفيد الضمان، وتعهّد صحّته وحفظه من الغلط والتصحيف.

ونحن بعد المراجعة في كلمات الأقدمين لم نجد لهم شاهدا في تلك الدعوى، بل وجدناهم يظهرون الاحتياج إليها مطلقا، تواتر الكتاب عن صاحبه أم لا، علم بالنسبة - من جهة القرائن - أم لا.

قال شيخ الطائفة في أول مشيخة التهذيب: واقتصرنا من إيراد الخبر على الابتداء بذكر المصنف الذي أخذنا الخبر من كتابه، أو صاحب الأصل الذي أخذنا الحديث من أصله، واستوفينا غاية جهدنا. إلى أن قال: فحيث وفّق الله تعالى للفراغ من هذا الكتاب نحن نذكر الطريق التي يتوصّل بها إلى رواية هذه الأصول والمصنّفات، ونذكرها على غاية ما يمكن من الاختصار، لتخرج الأخبار بذلك عن حدّ المراسيل، وتلحق بباب المسندات.

فما ذكرته في هذا الكتاب عن محمّد بن يعقوب الكلينيرحمه‌الله فقد أخبرنا [ به ](٢) الشيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمانرحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويهرحمه‌الله عن محمّد بن يعقوب.

وأخبرنا به أيضا الحسين بن عبيد الله، عن أبي غالب أحمد بن محمّد الزراري، وأبي محمّد هارون بن موسى التّلعكبري، وأبي القاسم جعفر بن

__________________

(١) معالم الدين: ٢١٢.

(٢) زيادة من المصدر.

٣٠

محمّد بن قولويه، وأبي عبد الله أحمد بن أبي رافع الصيمري، وأبي المفضّل الشيباني، وغيرهم، كلّهم عن محمّد بن يعقوب الكليني.

وأخبرنا به أيضا أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر، عن أحمد بن أبي رافع، وأبي الحسين عبد الكريم بن عبد الله بن نصر البزّاز - بتنيس(١) وبغداد - عن أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني، جميع مصنّفاته وأحاديثه سماعا وإجازة، ببغداد بباب الكوفة بدرب السلسلة سنة سبع وعشرين وثلاثمائة.

وما ذكرته عن علي بن إبراهيم بن هاشم(٢) . وساق الطرق إلى المصنّفين - الّذين كثير منهم كأبي جعفر الكليني في الجلالة، وقطعيّة نسبة كتبهم إليهم بالتواتر وغيره كنسبة الكافي إلى مؤلّفه - كالصدوق، وجعفر بن قولويه، والصفار، وأحمد بن محمّد بن عيسى، والبرقي، والحسين بن سعيد، وغيرهم.

كل ذلك عند الشيخ الذي أخرج الأحاديث من مصنّفاتهم، فلو لا الحاجة لما اعتذر لذكر الطرق بقوله: لتخرج الأخبار بذلك عن حدّ المراسيل(٣) . ولو كان للتيمّن لكان ذكرها في هذا الكتاب غير مناسب، ولما استكثر الطرق إلى مثل الكافي الذي هو في وضوح النسبة كالشمس في رابعة النهار، وأبعد منه احتمال كونه للتعهد من احتمال الخلل، وضمان الصحّة والأمن من التحريف، فإنّه بعد التسليم إنّما هو في كتاب مخصوص لمعيّن أو لمن ينقل عنه.

__________________

(١) اختلفت المصادر الرجالية في ضبط هذه الكلمة فتارة ورد تفليس كما في مجمع الرجال ٤: ١٠٠، ٦: ٧٣، ٧: ٢١٨، ورياض العلماء ٣: ١٨٠، ومعجم رجال الحديث ١٨: ٥٢، وفهرست الشيخ: ١٣٦. وفي تنقيح المقال ٣: ٢٠١ والاستبصار ٤: ٣١٠ ورد: بتنيس. وشتّان ما بينهما إذ تفليس بفتح التاء وكسرها وسكون الفاء بلد بأرمينية وهي قصبة ناحية جرزان

وأمّا تنيس بكسرتين وتشديد النون جزيرة قريبة من البر بين الفرما ودمياط عند بحر مصر، انظر معجم البلدان ٢: ٣٥، ٥١، ومراصد الاطلاع ١: ٢٦٦، ٢٧٨.

(٢) مشيخة التهذيب ١٠: ٤ - ٢٩ بتصرف.

(٣) مشيخة التهذيب ١٠: ٥.

٣١

والظاهر أنّ المشيخة المذكورة لم توضع لذكر الطرق إلى كتب مخصوصة معيّنة للجماعة المذكورين فيها، بل ليس فيها إجازة وإذن لأحد كي يحتمل فيها التعهّد والضمان، وإنّما وضعها لبيان حال نفسه، وأنّه لم يذكر في كتابه المراسيل من الأخبار - التي هو مرسلها - بل ما أودع فيه إلاّ المسانيد، فلو جاز عنده العمل بما في الكافي من الأحاديث من دون اتصاله بمؤلّفه - بما ذكره من الطرق - لما كان فرق بين المسند منها والمرسل في الحجيّة، فيتجه التعليل بمجرّد التسمية أو إظهار الفضيلة، وساحة مؤلفه بريئة عن قذارة هذه النسبة.

وقالرحمه‌الله في مشيخة الاستبصار: وكنت سلكت في أوّل الكتاب إيراد الأحاديث بأسانيدها، وعلى ذلك اعتمدت في الجزء الأول والثاني، ثم اختصرت في الجزء الثالث، وعوّلت على الابتداء بذكر الراوي الذي أخذت الحديث من كتابه أو أصله، على أن أورد عند الفراغ من الكتاب جملة من الأسانيد يتوصل بها إلى هذه الكتب والأصول، حسبما عملته في كتاب تهذيب الأحكام(١) . إلى أن ساق الطرق كما في مشيخة التهذيب، وابتدأ بالكافي كما فيها.

فقوله: يتوصّل بها إلى هذه الكتب، إن كان الغرض تصحيح النسبة - كما لو كان الكتاب غير معلوم الانتساب إلى مؤلّفه - فيذكر الطريق ليتبيّن صدوره من مؤلفه، ويظهر جواز الاعتماد عليه، ولهذا يشترطون وثاقة كلّ من فيها، وإن كانوا مشايخ الإجازة، وإن لم يشترطوها فيهم في غير المقام، فهذا غير محتمل في أغلب الكتب المذكورة كالكافي، والمحاسن، وكتب الصدوق، وأمثالهم.

وإن كان المقصود التوصل بها إلى رواية هذه الكتب - أي يجوز لكلّ من

__________________

(١) الاستبصار ٤: ٣٠٥.

٣٢

يروي عن الشيخ وله منه إجازة عامّة أن يروي هذه الكتب - بهذه الطرق متيمّنا متبركا، فهو مع بعده عن كلامه غير مناسب لذكره في هذا المقام، وإنّما يناسب ذكره في الفهارست، وما يكتبونه من الإجازات، دون هذا الكتاب العلمي الفرعي الذي لا يليق أن يذكر فيه إلاّ ما كان من مقدمات ثبوت الحكم وكيفية العمل، فلا بد أن يكون الغرض التوصل إلى روايتها المحتاجة إليها في مقام العمل بما فيها.

والسيد المحقق الكاظميرحمه‌الله مع أنّه ممّن يرى التّبرك في الإجازات المعهودة، صرّح في عدّته بأن هذه الكتب التي أخرج منها الشيخ أخبار الكتابين نسبتها إليه كنسبة الكتابين وأمثالهما إلينا.

قالرحمه‌الله بعد كلام طويل فيما علّقه الصدوق والشيخ في الكتب الثلاثة، ما لفظه: وعلى هذا فضعف الطريق إلى تلك الأصول والكتب وجهالته غير مضرّ، لأنّ تلك الكتب - ولا سيّما الأصول - كانت في تلك الأيام معروفة مشهورة، وكيف لا تكون كذلك وفيها مدارستهم وعليها معوّلهم؟! إلاّ أن يشذّ شيء، ومن هنا قال الشيخ في أوائل كتاب الصوم من التهذيب: إنّ عدم وجدان الحديث في الأصول المصنفة يوجب الحكم بضعفه(١) ، وهل هي فيهم إلاّ كالجوامع الأربعة العظام بالنسبة إلينا؟! ألا ترى أنّ استمرار طريقة الأصحاب في هذه الجوامع الأربعة على الرواية والاستجازة لا يقضي(٢) بها إلى الجهالة بدونها؟ كلاّ، بل هي متواترة إلى أربابها، وإنّما تؤخذ بالإسناد للتيمّن باتصال السلسلة، والجري على طريقة السلف الصالح.

وما كانت الفاصلة بينهم وبين أرباب تلك الكتب كالفاصلة بيننا وبين المشايخ الثلاثة، بل أكثرها تعلم نسبته بالقرائن لشدة القرب، ولا تحتاج

__________________

(١) التهذيب ٤: ١٦٩.

(٢) في المصدر: والاستجازة يقضي.

٣٣

إلى دعوى الشهرة(١) كأصول أصحاب الصادقعليه‌السلام ونحوها(٢) ، لاستمرار طريقة القدماء المعاصرين للأئمةعليهم‌السلام على مدارستها، والعمل بما فيها، والمحافظة عليها(٣) . انتهى.

ولقد أجاد فيما أفاد في الحكم بالاتحاد، إلاّ أنّ كون الأخذ بالإسناد للتيمّن يوجب كون ذكر أغلب أسانيد الكتب الثلاثة لغوا، إذ التيمّن لا يقتضي هذه الدرجة من الولوع والحرص في ذكر الطرق، بل الشيخ لم يقنع بما ذكره في المشيختين حتى أحال الباقي إلى محالّه.

قال: فقد أوردت جملا من الطرق إلى هذه المصنّفات والأصول، ولتفصيل ذلك شرح يطول هو مذكور في الفهارست للشيوخ، فمن أراده وقف عليه هناك إن شاء الله تعالى(٤) .

وأبعد من الكتب الثلاثة في الحمل المذكور رابعها، فانظر إلى ما فعله ثقة الإسلام في الكافي، فإنّه مع تقدّمه على الصدوق والشيخ، وقرب عهده إلى أرباب الأصول والمصنّفات، المقتضي للوقوف على أكثر ممّا وقفا عليه من أسباب قطعية صدورها من مؤلفيها، مع معلومية أنه أيضا أخرج ما جمع فيه من تلك الأصول والمصنفات، وبنائه على الإيجاز والاقتصار على ذكر ما صحّ عنده منها، واختاره من بين الأخبار المختلفة، من باب التسليم المأمور به بعد إعمال المرجحات المنصوصة التي صرّح -رحمه‌الله - بعدم التمكن من الوصول إليها، ومع ذلك لم يذكر متنا إلاّ مع تمام طريقه إلى صاحب الأصل والكتاب، ومنه إلى حامل المتن، إلاّ في موارد قليلة. فلولا مسيس الحاجة لكان الأليق بحاله وجلالة مثله - ممّن لا يريد في التأليف إظهار الفضل، والإكثار من

__________________

(١) وردت هنا زيادة في المصدر: وما بعد في الجملة.

(٢) وردت هنا زيادة في المصدر: فبالشهرة.

(٣) العدة للمحقق الكاظمي: ١٨٤.

(٤) مشيخة الاستبصار ٤: ٣٤٢، وانظر مشيخة التهذيب ١٠: ٨٨.

٣٤

التصنيف - أن يقنع في النقل بقوله: فلان في أصله، أو في كتابه، أو ما يقرب منه، خصوصا في الكتب التي كانت في عصره أشهر من أن تحتاج في مقام النسبة إلى السند.

وبالجملة فاعتقاد كون جلّ أسانيد الكافي غير مفيد إلاّ التيمّن، الذي لم نجد له أصلا يوجب التمسك به كما هو نتيجة ما حقّقه هو وغيره، ممّا يأباه الذوق السليم، واحتمال كون ذكره للاحتياج إليه في مثل أعصارنا - التي خفي علينا فيها ما كان عندهم من القرائن - بعيد في حقّه، وإنّما هو آت في كلام من هو عالم بما يحدث بعده من الفتن.

وممّا يؤيّد ما ذكرنا قصّة ابن عيسى مع الوشاء، التي أشار إليها شارح الوافي كما تقدّم(١) واستشهد بها لمقصوده، وهي على خلافه أدلّ.

قال النجاشي في رجاله: أخبرني ابن شاذان، قال: حدثنا أحمد بن محمّد ابن يحيى، عن سعد، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، قال: خرجت إلى الكوفة في طلب الحديث فلقيت بها الحسن بن علي الوشاء، فسألته أن يخرج لي كتاب العلاء بن رزين القلاّء وأبان بن عثمان الأحمر، فأخرجهما إليّ، فقلت له: أحبّ أن تجيزهما لي، فقال لي: يرحمك الله وما عجلتك؟! اذهب فاكتبهما واسمع من بعد، فقلت: لا آمن الحدثان، فقال: لو علمت أنّ هذا الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه، فإنّي أدركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ كلّ يقول: حدثني جعفر بن محمّدعليهما‌السلام (٢) .

وأنت خبير بأنّ هذه الحكاية ظاهرة بل صريحة في أنّ ابن عيسى كان عالما بالنسبة إلاّ أنّه لم يجدهما(٣) وأنّه لمّا أتى بهما الوشاء لم يقنع بالعثور عليهما بل طلب

__________________

(١) تقدم في صحيفة: ٢٨.

(٢) رجال النجاشي: ٢٨.

(٣) أي: كتاب القلاّء - وقد طبع ضمن الأصول الستّة عشر - وكتاب الأحمر لا زال مخطوطا.

٣٥

منه الاذن في روايتهما، وظاهره الاحتياج إليها لا لمجرد التّبرك، ولا لضمان صحّة الكتابين وأمنهما من التحريف والغلط، لعدم وجود ما يدلّ عليه في الحكاية، وعدم ملاءمته لقوله: وما عجلتك؟ وقوله: واسمع من بعد. فإنّه كالصريح في أنّ غرضه تحمّل روايتهما، لا الاعتماد بصحة متنهما.

ومما يؤيّد ما ذكرنا ما ذكره الصدوق في أول الفقيه، قال: وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة، عليها المعوّل وإليها المرجع، مثل: كتاب حريز ابن عبد الله السجستاني، وكتاب عبيد الله بن علي الحلبي، وكتب علي بن مهزيار الأهوازي، وكتب الحسين بن سعيد، ونوادر أحمد بن محمّد بن عيسى، وكتاب نوادر الحكمة تصنيف محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري(١) ، وكتاب الرحمة لسعد بن عبد الله، وجامع شيخنا محمّد بن الحسن بن الوليد، ونوادر محمّد بن أبي عمير، وكتاب المحاسن لأحمد بن أبي عبد الله البرقي، ورسالة أبيرضي‌الله‌عنه إليّ، وغيرها من الأصول والمصنّفات، التي طرقي إليها معروفة في فهرست الكتب التي رؤيتها عن مشايخي وأسلافي رضي الله عنهم(٢) . انتهى.

وهذا القيد الأخير لو لم يكن من مقدّمات صحّة الاستناد إلى ما استخرجه من تلك الكتب المشهورة وشرائط حجّيّته لكان لغوا، لعدم احتمال التبرك والضمان، كما لا يخفى.

وقال شيخ الطبرسيّين ابن شهرآشوب في المناقب - بعد ما ذكر قصده في تأليفه -: وذلك بعد ما أذن لي جماعة من أهل العلم والديانة بالسماع والقراءة والمناولة والمكاتبة والإجازة، فصحّ لي الرواية عنهم بأن أقول: حدّثني،

__________________

(١) في الأصل والحجري: أحمد بن محمد - وهو خطأ قطعا.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١: ٣ - ٥.

٣٦

وأخبرني، وأنبأني، وسمعت: فأمّا طريق العامة فقد صحّ لنا طريق إسناد البخاري. وساق طرقه إلى كتبهم في كلام طويل بأقسامها السابقة، إلى أن قال: وأمّا أسانيد كتب أصحابنا فأكثرها عن الشيخ أبي جعفر الطوسي، حدّثنا بذلك. وساق طرقه إلى أن قال: وقد قصدت في هذا الكتاب من الاختصار على متون الأخبار، وعدلت عن الإطالة والإكثار، والاحتجاج من الظواهر والاستدلال على فحواها، وحذفت أسانيدها لشهرتها، ولإشارتي إلى رواتها وطرقها والكتب المنتزعة منها، لتخرج بذلك عن حدّ المراسيل وتلحق بباب المسندات(١) . انتهى.

وهو قريب من كلام الشيخ في التهذيب(٢) .

وقال العلاّمةرحمه‌الله في آخر الخلاصة: لنا طرق متعدّدة إلى الشيخ السعيد أبي جعفر الطوسيرحمه‌الله ، وكذا إلى الشيخ الصدوق أبي جعفر بن بابويه، وكذا إلى الشيخين أبي عمرو الكشي، وأحمد بن العباس النجاشي، ونحن نثبت منها هنا ما يتفق، وكلّها صحيحة. إلى أن قال: وقد اقتصرت من الروايات إلى هؤلاء المشايخ بما ذكرت، والباقي من الروايات إلى هؤلاء المشايخ وإلى غيرهم مذكور في كتابنا الكبير(٣) .

وظاهره أنه يعامل بالطرق إلى هؤلاء المشايخ معاملته بطرقهم إلى أرباب الأصول والمصنّفات، وحمله على التبرّك بعيد غايته.

ومثله ما قاله الشهيد في إجازته لابن الخازن - كما يأتي - من قوله: فليرو مولانا زين الدين علي بن الخازن جميع ذلك إن شاء، بهذه الطرق وغيرها - ممّا

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب ١: ٦ - ١٣ باختصار.

(٢) مشيخة التهذيب ١٠: ٤.

(٣) خلاصة الأقوال: ٢٨٢ - ٢٨٣.

٣٧

يزيد على الألف - والضابط أن يصحّ عنده السند في ذلك بعد الاحتياط التام لي وله(١) . إلى آخره وحمله عليه أبعد لوجوه لا تخفى.

هذا وفي الأخبار ما فيه إشارة أو دلالة عليه، فروى ثقة الإسلام في الكافي بإسناده عن أحمد بن عمر الحلاّل، قال: قلت لأبي الحسن الرضاعليه‌السلام : الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب ولا يقول: اروه عنّي، يجوز لي أن أرويه عنه؟ قال: فقال: « إذا علمت أنّ الكتاب له فاروه عنه »(٢) . وظاهره معهوديّة الحاجة إلى الرواية، وقرّرهعليه‌السلام على ذلك. وإنّما سؤاله عن كفاية المناولة التي هي أحد أقسام التحمل، فأجابهعليه‌السلام بالكفاية مع العلم بكون الكتاب له ومن مرويّاته.

وما قيل: بأنّ المراد أن العلم بأنّ الكتاب له ومن مرويّاته كاف للرواية عنه سواء أعطى الكتاب أم لا؟ ضعيف، بأنّه لا تجوز الرواية بدون التحمل بأحد الأقسام المعهودة إجماعا، كما صرّح به الشهيد في شرح درايته(٣) . وإنّما الكلام في العمل بما يجده العالم في الكتب المعلومة وإن لم يكن له طريق إليها.

فقولهعليه‌السلام : ( فاروه ) لا بدّ أن يكون بعد إحراز قابليّته، التي هي في المقام تحمّله بالمناولة، ولا يجوز أن يكون المراد العمل، لعدم كون السؤال عنه، وعدم دلالة اللفظ عليه، مع أنّه لو أراده لقالعليه‌السلام : فاعمل به، كما فعلوا بكتاب الفضل بن شاذان.

فروى الكشي في رجاله، بإسناده عن بورق البوشنجاني(٤) - وذكر أنّه من

__________________

(١) ذكرها الشيخ المجلسي في البحار ١٠٧: ١٩٢.

(٢) الكافي ١: ٤١ / ٦.

(٣) الدراية: ١٠٢.

(٤) البوشنجي: بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة وسكون النون وفي آخرها الجيم، هذه النسبة إلى بوشنج، وهي بلدة على سبعة فراسخ من هراة يقال لها: بوشنك، هذا وقال الشيخ المامقاني في ترجمة الرجل: والشين المعجمة المفتوحة على ما في كتاب الكشي. ولم أجد له محملا إلاّ كونه منسوبا إلى بوسنج معرب بوشنك بلدة من هراة على سبعة فراسخ منها، ومقتضى القاعدة أن تكون النسبة إليها البوسنجي، وإنّما أدخلوا عليه الألف والنون على خلاف القياس انظر: أنساب السمعاني ٢: ٣٣٢، وتنقيح المقال ١: ١٨٤ / ١٤٢٩.

٣٨

أصحابنا، معروف بالصدق والصلاح، والورع والخير - قال: خرجت إلى سرّ من رأى ومعي كتاب يوم وليلة، فدخلت على أبي محمّدعليه‌السلام وأريته ذلك الكتاب، فقلت له: جعلت فداك إني رأيت أن تنظر فيه، [ فلما نظر فيه ](١) وتصفّحه ورقة ورقة، فقالعليه‌السلام : « هذا صحيح ينبغي أن تعمل به »(٢) . الخبر.

وفي الكافي أيضا، بإسناده عن عبد الله بن سنان، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : يجيئني القوم فيسمعون منّي حديثكم، فأضجر ولا أقوى، قال: « فأقرأ عليهم من أوّله حديثا، ومن وسطه حديثا ومن آخره حديثا »(٣) . وظاهره أنّ مجيء القوم لمجرّد أخذ الحديث لا للاستفتاء وأخذ المسائل، والضمير في قوله: ( من أوّله ) راجع إلى الكتاب المفهوم من قوله: ( فاقرأ عليهم ).

وقال المجلسي: وحمل الأصحاب قراءة الأحاديث الثلاثة على الاستحباب، والأحوط العمل به قال: ويحتمل أن يكون المراد بالأول والوسط والآخر الحقيقي منها، أو الأعم منه ومن الإضافي، والثاني أظهر، وإن كانت رعاية الأول أحوط وأولى(٤) .

ومن عجيب الأوهام ما وقع لصاحب الوافي في هذا المقام، فإنّه قال: والمعنى أنّ الحديث إذا كان متعدّدا وضعفت عن قراءته وعجزت، جاز أن تقرأ

__________________

(١) ما بين المعقوفين زيادة من المصدر.

(٢) اختيار معرفة الرجال ٢: ٨١٨.

(٣) الكافي ١: ٤١ / ٥.

(٤) مرآة العقول ١: ١٧٦ - ١٧٨.

٣٩

عليهم من أوّل الكتاب حديثا، ومن وسطه آخر، ومن آخره آخر. والمعنى أنّ الحديث الواحد إذا كان طويلا فاقرأ عليهم كلاما مفيدا بالاستقلال من أوله، وآخر من وسطه، وآخر من آخره، يعني إذا اشتمل الحديث الواحد على جمل متعدّدة تكون كلّ منها مستقلة بالإفادة، كحديث هشام الطويل الذي مضى.

وأمّا إذا ارتبط بعض أجزاء الحديث ببعض، فلا يجوز فيه الاقتصار على نقل البعض، إذ ليس كلّ من تلك الأجزاء بحديث بل بعض منه.

قيل: ولعلّ الوجه في تخصيص الأول والوسط والآخر أنّ الجمل المتقاربة تكون في أكثر الأمر من نوع واحد، فليست الفائدة فيها كالتي تكون في الجمل المتباعدة، إذ الكلام فيها ينتقل من نوع إلى نوع يباينه، فالفائدة فيها لا محالة تكون أكثر، لاحتوائها على فنون مختلفة من الأحكام، كلّ منها نوع برأسه. انتهى(١) .

وليت شعري ما الداعي إلى إرجاع الضمير في ( أوّله ) إلى الحديث حتى يحتاج إلى هذه التمحّلات الباردة.

قال العالم الجليل الآميرزا رفيع النائيني في شرح الكافي: أي يجيئني القوم لسماع حديثكم منّي، فأقوم بقضاء حاجتهم ويستمعون مني حديثكم، ولا أقوى على ما يريدون من سماع كلّ ما رويته من حديثكم منّي، وأضجر لعدم الإتيان بمرادهم، فقالعليه‌السلام في جوابه: فاقرأ عليهم من أوّله - أي من أوّل كتاب الحديث - حديثا، ومن وسطه حديثا، ومن آخره حديثا. والمعنى أنّه إذا لم تقو على القيام بمرادهم وهو السماع على الوجه الكامل، فاكتف بما يحصل لهم فضل السماع في الجملة، وليعنعنوا بما به يجوز العمل والنقل من الإجازة، وإعطاء الكتاب وغيره - كما ورد في الأخبار والأحاديث(٢) - وبذلك صرّح أيضا

__________________

(١) الوافي ١: ٥٤.

(٢) شرح الكافي للنائيني: مخطوط.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471