مستدرك الوسائل خاتمة 2 الجزء ٢٠

مستدرك الوسائل خاتمة 212%

مستدرك الوسائل خاتمة 2 مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 471

  • البداية
  • السابق
  • 471 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 4361 / تحميل: 4684
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل خاتمة 2

مستدرك الوسائل خاتمة ٢ الجزء ٢٠

مؤلف:
العربية

١

٢

٣

٤

الفائدة الثالثة

من خاتمة كتاب مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل

في ذكر طرقنا إلى أصحاب الكتب المتقدّمة وغيرها، ممّا ألّف وصنّف في الأحاديث والتفسير والأصولين والفقه وغيرها، منهم ومن غيرهم من سلفنا الصالحين، والعلماء الراشدين، وحملة علوم الحجج الطاهرينعليهم‌السلام .

ولنذكر قبل الشروع مقدمة، هي:

إنّه قد شاع بين أهل العلم - ويذكر في بعض الإجازات، وصرح به جماعة أوّلهم فيما أعلم الشهيد الثاني(١) - أنّ اتصال السلسلة إلى الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام ، وتحمّل الروايات بإحدى الطرق الثمانية(٢) - التي أسهلهذا وأكثرها الإجازة - لمجرّد التبرك والتيمن، وأنه لا حاجة إليه في العمل بالروايات، لتواتر الكتب عن مؤلفيها، أو قيام القرائن القطعية على صحتها، وثبوتها، وانتسابها إليهم.

والظاهر من بعض الأصحاب توقف العمل بها عليه، وذهب إليه شيخنا الجليل المبرور الحاج المولى علي بن الحاج ميرزا خليل الرازي الطهراني قدّس الله روحه.

وقال الشيخ إبراهيم القطيفي في إجازته لشاه محمود الخليفة:

لا يقال: إذا صحّ الكتاب، وتواتر واشتهر مصنفه، جاز نسبته إليه، فما

__________________

(١) انظر: الرعاية في شرح الدراية: ٢٦٣.

(٢) وهي: السماع، القراءة، الإجازة، المناولة، الكتابة، الإعلام، الوجادة، الوصيّة، هذا وهناك خلاف في عددها وترتيبها.

٥

فائدة الإجازة؟.

فنقول: الإجازة تفيد كون المجاز له يروي عنه الكتاب، وبين إسناده إليه وروايته عنه فرق، فإن ما شرطه الرواية لا يكفي فيه الإسناد، ومن شروط الاجتهاد إسناد الرواية(١) .

وقال في إجازته الكبيرة للشيخ شمس الدين محمّد بن تركي:

فلقائل أن يقول: لا فائدة في الإجازة من حيث هي، لأنّ الغالب عدم إجازة كتاب معين مشار إليه بالهاذيّة(٢) ، بل هو موصوف، وشرط صحة روايته صحته، وكونه مصححا تصحيحا يؤمن معه الغلط، حسب إمكان القوّة البشرية، ويعرف ذلك بأمور: منها مباشرة تصحيحه، ومنها نقل تصحيحه، ومنها سبرة أكثريا وأغلبيّا مع رؤية آثار الماضين وخطّهم وإجازتهم عليه، وتبليغهم عليه. إلى غير ذلك، ثمّ يثبت أنه من تصانيف الإمامية. وهذا القدر إذا كان حاصلا جازت روايته من غير إجازة، إذ لا يتوقف عاقل أن يسند كتاب القواعد - مثلا - إلى العلامة، والمبسوط إلى الشيخ، فانتفت فائدة الإجازة.

والجواب : أن إسناد ذلك إلى مصنفه ممّا لا يشك فيه عاقل، ولا يلزم منه أن يكون المسند إليه راويا له عنه، فيقول: رويت عن فلان أنه قال في كتابه كذا. وشرط الاجتهاد اتصال الرواية، لأن النقل من الكتب من أعمال الصحفيين(٣) .

__________________

(١) بحار الأنوار ١٠٨: ٨٧.

(٢) مصدر صناعي من اسم الإشارة « هذا » مصطلح لأهل الحديث مأخوذ من قولهم: أجزت هذا الكتاب.

(٣) لعلّه إشارة إلى الحديث المشهور: « إيّاكم وأهل الدفاتر ولا يغرنّكم الصحفيون »، انظر تحرير الأحكام: ٣ والعوالي ٤: ٧٨ / ٦٩.

٦

وأيضا: فلا يجوز لعامل أن يستدل أو يعمل برواية إذا سئل عن إسنادها قال: وجدتها مكتوبة في التهذيب للشيخ، لأن ذلك مع عدم التعرض له من أضعف المراسيل، بل هو من مقطوع الآخر بالنسبة إليه، فهو حينئذ ممّن لم تتصل به الرواية عن أهل البيتعليهم‌السلام ، فلا يجوز له العمل بما لم يرو له.

نعم، لو كان من الأحاديث ما هو متواتر بشرائط التواتر من تساوي الطرفين والواسطة، جاز العمل به مع معرفته، كما في محكمات الكتاب العزيز، كقول:( اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ) (١) ألا ترى أن ما ليس بمتواتر المعنى من الكتاب العزيز لا يجوز العمل به إلاّ بعد تصحيح النقل عن أئمّة الهدىعليهم‌السلام بالرواية الثابتة، فالمتوهم بعد هذا هو الراد على دين الله، العامل بغير سبيل الله( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ ) (٢) (٣) .

وقال أيضا في إجازة كبيرة أخرى فيها فوائد كثيرة: الخامسة:

لا يقال : ما فائدة الإجازة؟ فإن الكتاب تصحّ نسبته إلى قائله ومؤلّفه وكذا الحديث، لأنه مستفيض أو متواتر، وأيضا فالإجازة لا بدّ فيها من معرفة ذلك، وإلاّ لم يجز النقل، إذ ليس كلّ مجيز يعيّن الكتب وينسبها، بل يذكر ما صحّ له أنّه من كتب الإمامية، ونحو هذه العبارة.

لأنا نقول : نسبة الكتاب إلى مؤلفه لا إشكال في جوازها، لكن ليس من أقسام الرواية، والعمل والنقل للمذاهب يتوقف على الرواية، وأدناها الإجازة، فما لم تحصل لم تكن مرويّة، فلا يصح نقلها ولا العمل بها، كما لو وجد كتابا كتبه

__________________

(١) طه ٢٠: ٨.

(٢) آل عمران ٣: ٨٥.

(٣) انظر البحار ١٠٨: ١٠١ - ١٠٢.

٧

آخر، فإنه وإن عرف أنّه كتبه لا يصح أن يرويه عنه، فقد ظهرت الفائدة(١) .

وله في إجازة أخرى كلام يقرب من ذلك(٢) .

وفي إجازة المحقق الثاني للمولى عبد العلي الأسترآبادي - بعد الخطبة وبعض المقدمات - ما لفظه: وقد استخرت الله تعالى، وأجزت له أن يروي جميع ما للرواية فيه مدخل، مما يجوز لي وعني روايته - من معقول ومنقول، وفروع وأصول، وفقه وحديث وتفسير - رواية عامة في العلوم الإسلامية، والمصنفات المعتبرة العلميّة، مشترطا عليه رعاية ما يجب رعايته في الإجازة من الأمور المعتبرة عند علماء الحديث، آخذا عليه تحرّي جادة الاحتياط الموصلة إلى سواء الصراط، بأسانيده المعتبرة المتصلة بالمصنّفين والمنتهية إلى النبي والأئمة المعصومين صلوات الله عليهم. إلى آخره(٣) .

وظاهر قوله: ( ما للرواية فيه مدخل ) مدخليّته في الاجتهاد والعمل، وتوجد هذه العبارة أو ما يقرب منها في إجازة جملة من الأعلام.

وقال الشهيد الثاني في شرح درايته: وفي جواز العمل بالوجادة الموثوق بها قولان للمحدثين والأصوليين، فنقل عن الشافعي وجماعة من نظّار(٤) أصحابه جواز العمل بها، ووجهوه بأنه لو توقف العمل فيها على الرواية لانسد باب العمل بالمنقول، لتعذّر شرائط الرواية فيها. وحجة المانع واضحة حيث لم يحدث به لفظا ولا معنى، ولا خلاف بينهم في منع الرواية بها لما ذكرناه من عدم الإخبار.

__________________

(١) إجازة الشيخ إبراهيم القطيفي للشيخ شمس الدين الأسترآبادي، حكاها المجلسيقدس‌سره في البحار ١٠٨: ١١٢.

(٢) الظاهر إجازته للسيد الشريف التستري، انظر البحار ١٠٨: ١١٩ - ١٢٠.

(٣) أوردها الشيخ المجلسي في البحار ١٠٨: ٦٥.

(٤) في الحجريّة: نظائر، والمثبت من المصدر أصح.

٨

ولو اقترنت الوجادة بالإجازة، بأن كان الموجود خطّه حيّا وأجازه، أو أجازه غيره عنه ولو بوسائط، فلا إشكال في جواز الرواية، أو العمل حيث يجوز العمل بالإجازة(١) انتهى.

قلت : فإذا لم يكن العالم راويا، فربّما يشكل دخوله في عموم قولهعليه‌السلام في التوقيع المبارك: « وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله »(٢) .

وقولهعليه‌السلام في مقبولة عمر بن حنظلة: « ينظران إلى من كان منكم ممّن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا »(٣) إلى آخره.

وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللهمّ ارحم خلفائي » - ثلاثا - قيل: يا رسول الله، ومن خلفاؤك؟ قال: « الذين يأتون بعدي يروون حديثي »(٤) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « اعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم عنّا »(٥) .

وأمثال ذلك، مما هو عمدة أدلة وجوب الرجوع إلى المفتي والقاضي في الأحكام والخصومات وغيرها.

وقال بعض المعاصرين: المشهور بين العلماء أنه يشترط الإجازة بأحد الطرق الستة أو السبعة في نقل الخبر بقوله، والظاهر الاحتياج إليها في الكتب غير المتواترة كالكتب الأربعة للمحمدين الثلاثة رضي الله عنهم، وكالكتب المشهورة عند الأئمة الثلاثة، فلا يكون ذكر الطرق إليها حينئذ إلاّ لمجرّد التيمّن

__________________

(١) الدراية: ٣٠١، وانظر الباعث الحثيث: ١٣٣، ومقدّمة ابن الصلاح: ٢٩٤.

(٢) إكمال الدين ٢: ٤٨٣ / ٤، الغيبة للشيخ الطوسي: ١٧٦، الاحتجاج ١: ٤٦٩.

(٣) الكافي ٧: ٤١٢ / ٥، التهذيب ٦: ٣٠١ / ٨٤٥، الفقيه ٣: ٥ / ١٧.

(٤) صحيفة الإمام الرضاعليه‌السلام : ٥٦ / ٧٣، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ٧٣ / ٩٤، معاني الأخبار: ٣٧٤، وسائل الشيعة ١٨: ٦٥ / ٥٠، الفقيه ٤: ٣٠٢ / ٩١٥.

(٥) أصول الكافي ١: ٤٠ / ١٣ واللفظ له، اختيار معرفة الرجال ١: ٥.

٩

والتبرك.

مع أنّ في كلام هذا البعض نظر من جهة أنه ظنّ انحصار فائدة الإجازة في تصحيح النسبة، أو محض التيمّن والتبرّك، وهو في حيّز المنع، فإن الظاهر من كلمات القوم وفحاوي الأخبار الواردة في هذا المقام عدم جواز الرواية تعبدا، أو سدّا لثغور الشريعة المطهرة، إلاّ بعد حصول الرخصة فيها من المشايخ، بأحد من الوجوه المقررة، كما لا تجوز الفتوى إلاّ بعد حصول درجة الاجتهاد، وإن كان ممّا يطابق الواقع، مضافا إلى عدم انطباق لفظ( جاءَكُمْ ) المذكور في آية النبإ(١) على غير ما كان من الخبر منقولا بهذه النسبة، فيبقى العمل بما ألفاه الرجل من غير هذه الطرق تحت أصالة المنع عن العمل بمطلق الظن، انتهى.

وقال الشيخ شمس الدين محمّد بن المؤذن الجزيني في إجازته للشيخ علي ابن عبد العالي الميسي: وبعد، فلمّا كان الواجب على نوع الإنسان التفقّه في كل زمان، وذلك بالنسبة إلينا بدون الرواية متعذّر، وكان ممّن وسم بالعلم والفهم وحصل منه على أكبر سهم، الشيخ الصالح المحقق زين الدين علي ولد الشيخ الصالح عبد العالي الشهير بابن مفلح الميسي - زيد فضله وكثر في العلماء مثله - قد التمس من العبد إجازة متضمّنة ما أجيز لي من مشايخي قراءة وإجازة، لعلمه بأن الركن الأعظم في الدراية هو الرواية، فاستخرت الله وأجزت له. إلى آخره(٢) .

وغير ذلك مما يوجد في كلماتهم صريحا أو إشارة، ويستظهر منه الاحتياج إلى تحمّل الأحاديث ببعض طرقه في مقام العمل بها، وإن كان في المناقشة في جملة منها مجال إلاّ أن فيما ذكره الجماعة - من أن ذكر الطرق وأخذ الإجازة لمجرد

__________________

(١) الحجرات ٤٩: ٦.

(٢) انظر بحار الأنوار ١٠٨: ٣٥.

١٠

التبرك والتيمّن - تأمّلا من وجوه:

الأول : أنّ التيمّن الذي ذكروه هو دون المستحب الشرعي لعدم وجود نصّ صريح صحيح - أو غيره - يدلّ عليه، بل هو مجرّد حسن عرفي واستحسان عقلي لا يوجب كمالا في النفس ولا مزيّة في العمل، كما يوجبه أدنى المستحبات. ولا يقتضي هذه الدرجة من الاهتمام والمواظبة والولوع والرغبة من كافّة الأصحاب في جميع الأعصار، على اختلاف مشاربهم. وطريقتهم - فقيههم وأصوليّهم، ومحدّثهم وأخباريّهم، وحكميهم وصوفيّهم - منذ بني على تدوين الحديث وجمع الأخبار، وعدم القناعة بطريق واحد، والإجازة من شيخ واحد، بل بكلّ طريق تمكنوا منه، ومن كل شيخ وجدوا السبيل إليه، ولو بالمسافرة إلى البلاد البعيدة وقطع البراري والبحار، وبالمكاتبة وإرسال الرسل، والمفاخرة بالكثرة والعلوّ.

قال شيخنا الشهيد الثاني في شرح درايته: وذكر الشيخ جمال الدين السيبي قدّس سره أن السيد فخار الموسوي اجتاز بوالده مسافرا إلى الحج، قال: فاوقفني والدي بين يدي السيد، فحفظت منه أنّه قال لي: يا ولدي أجزت لك ما يجوز لي روايته، ثم قال: وستعلم فيما بعد حلاوة ما خصصتك به.

وعلى هذا جرى السلف والخلف، وكأنّهم رأوا الطفل أهلا لتحمّل هذا النوع من أنواع حمل الحديث النبوي، ليؤدّي به بعد حصول أهليّته، حرصا على توسع السبيل إلى بقاء الإسناد الذي اختصّت به هذه الأمة، وتقريبه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعلوّ الإسناد(١) .

قالرحمه‌الله : وقد رأيت خطوط جماعة من فضلائنا بالإجازة لأبنائهم عند ولادتهم مع تأريخ ولادتهم، منهم: السيد جمال الدين بن طاوس لولده

__________________

(١) الدراية: ٢٧٢.

١١

غياث الدين، وشيخنا الشهيد استجاز من أكثر مشايخه بالعراق لأولاده الذين ولدوا بالشام قريبا من ولادتهم، وعندي الآن خطوطهم لهم بالإجازة(١) .

ومن أجال الطرف في أكناف الصحف التي فيها إجازاتهم، لعلّه يتعجب من شدّة اهتمامهم واستكثارهم من المشايخ.

قال المحقق صاحب المعالم في إجازته الكبيرة للسيد نجم الدين العاملي - وهي أحسن وأتقن وأنفع ما دوّن في هذا الباب -: انّ السيد الأجل العلامة النسابة تاج الدين أبا عبد الله محمّد ابن السيد أبي القاسم بن معيّة الديباجي الحسيني، يروي عن جمّ غفير من علمائنا الذين كانوا في عصره، وأسماؤهم مسطورة بخطّهرحمه‌الله في إجازته لشيخنا الشهيد الأول - وهي عندي - فأنا أورد كلامه بعينه، وهذه صورته:

فمن مشايخي الّذين يروي عنّي عنهم:

مولانا الشيخ الرباني السعيد جمال الدين أبو منصور الحسن بن المطّهر قدس الله روحه.

والشيخ السعيد صفيّ الدين محمّد بن سعيد.

والشيخ السعيد المرحوم نجم الدين أبو القاسم عبد الله بن حملان(٢) .

والسيد الجليل السعيد جمال الدين يوسف بن ناصر بن حمّاد الحسيني.

والسيد الجليل السعيد جلال الدين جعفر بن علي بن صاحب دار الصخر الحسيني.

وشيخي السعيد المرحوم علم الدين المرتضى علي بن عبد الحميد بن فخار الموسوي.

__________________

(١) الدراية: ٢٧١.

(٢) كذا، وفي الأمل ٢: ١٦١ / ٤٦٧: حملات.

١٢

والسيد الجليل السعيد المرحوم رضيّ الدين علي بن السعيد غياث الدين عبد الكريم بن طاوس الحسني.

ووالدي السيد السعيد أبو جعفر القاسم بن الحسين بن معيّة الحسني.

والقاضي السعيد المرحوم تاج الدين أبو علي محمّد بن محفوظ بن وشاح.

والسيد السعيد المرحوم صفيّ الدين محمّد بن الحسن بن أبي الرضا العلوي.

والسيد السعيد المرحوم صفيّ الدين محمّد بن محمّد بن أبي الحسن الموسوي.

والعدل الأمين المرحوم جلال الدين محمّد بن السعيد(١) المرحوم شمس الدين محمّد بن أحمد بن(٢) الكوفي الهاشمي.

والسيد السعيد المرحوم كمال الدين الرضي الحسن بن محمّد الآوي(٣) الحسيني.

والشيخ الأمين زين الدين جعفر بن علي بن يوسف عروة الحلي(٤) .

والشيخ السعيد مهذّب الدين محمود بن يحيى بن محمود بن سالم الشيباني الحلي.

والسيد السعيد المرحوم ناصر الدين(٥) عبد المطلب بن باد شاه الحسيني الخرزي صاحب التصانيف السائرة.

والشيخ الزاهد السعيد المرحوم كمال الدين علي بن الحسين بن حمّاد

__________________

(١) في الحجريّة: سعيد.

(٢) جاء فوق لفظ بن: كذا.

(٣) في المستدرك: اللاوي، وما أثبتناه من أمل الآمل ٢: ٧٦، والبحار ١٠٩: ٩.

(٤) كذا في الحجريّة والمخطوط، وفي البحار والأمل ٢: ٥٣:. يوسف بن عروة الحلي.

(٥) في الحجريّة والمخطوط: تاج الدين، والمثبت من الحقائق الراهنة: ١٢٥، وأمل الآمل ٢: ١٦٤، وفيه: الحويزي الحلّي بدل الخرزي.

١٣

الواسطي.

والسيد السعيد المرحوم فخر الدين أحمد بن علي بن عرفة الحسيني(١) .

والسيد الإمام السعيد المرحوم مجد الدين أبو الفوارس محمد بن شيخنا السعيد المرحوم فخر الدين علي بن محمّد بن الأعرج الحسيني.

والسيد الإمام السعيد المرحوم ضياء الدين عبد الله بن السيد السعيد مجد الدين أبي الفوارس محمّد بن الأعرج الحسيني.

والشيخ العالم شمس الدين محمّد بن الغزال المضري الكوفي.

ومن مشايخي الذين استفدت منهم. إلى أن قال: درّة الفخر وفريدة الدهر، مولانا الإمام الرباني عميد الملّة والحقّ والدين، أبو عبد الله عبد المطلب ابن الأعرج أدام الله شرفه وخصّ بالصلاة والسلام سلفه.

ومنهم الشيخ الإمام العلامة، بقيّة الفضلاء وأنموذج العلماء، فخر الملّة والحق والدين، محمّد بن المطهّر حرس الله نفسه وأنمى غرسه.

ومنهم الشيخ الإمام العلامة أوحدي عصره، نصير الملّة والحق والدين، علي بن محمّد بن علي القاشي.

والشيخ الإمام الفقيه الفاضل علي بن أحمد المزيدي(٢) .

وممن صاحبته واستفدت منه، فرويت عنه وروى عني:

السيّد الجليل الفقيه العالم عزّ الدين الحسن بن أبي الفتح بن الدهان الحسيني.

والشيخ السعيد المرحوم جمال الدين أحمد بن محمّد بن الحدّاد.

والشيخ العالم الفاضل شمس الدين محمّد بن علي بن غني(٣) .

__________________

(١) في الحجرية: بن غرفة الحسيني، وما أثبتناه من المصدر وأمل الآمل ٢: ١٩.

(٢) في البحار: احمد بن المزيدي، وفي أمل الآمل ٢: ١٧٦ / ٥٣٠: أحمد بن يحيى المزيدي.

(٣) في الحجرية: علي عيسى، والمثبت من البحار وأمل الآمل ٢: ٢٨٨، والحقائق الراهنة: ١٩٣.

١٤

والفقيه السعيد المرحوم قوام الدين محمّد بن الفقيه رضيّ الدين علي بن مطهّر.

وممن رويت عنه من المشايخ أيضا، الفقيه السعيد المرحوم ظهير الدين محمّد بن محمّد بن مطهر(١) . انتهى.

ويقرب منه في كثرة المشايخ جماعة كثيرة، كابن شهرآشوب، والشيخ منتجب الدين، والشهيد. وأضرابهم.

وفي الإجازة المذكورة: إنّ إعطاء الحديث حقّه من الرواية والدراية أمر مهم لمن أراد التفقّه في الدين، إذ مدار أكثر الأحكام الشرعية عليه، وقد كان للسلف الصالح رضوان الله عليهم مزيد اعتناء بشأنه، وشدّة اهتمام بروايته وعرفانه، فقام بوظيفته منهم في كلّ عصر من تلك الأعصار أقوام بذلوا في رعايته جهدهم، وأكثروا في ملاحظته كدّهم ووكدهم، فلله درّهم إذ عرفوا من قدره ما عرفوا، وصرفوا إليه من وجوه الهمم ما صرفوا، ثم خلف من بعدهم خلف أضاعوا حقّه وجهلوا قدره، فاقتصروا من روايته على أدنى مراتبها، وألقوا حبل درايته على غاربها. إلى آخره(٢) .

وهذا الاهتمام والاعتناء وتحمّل المشاق، والعتاب على من قنع بالإجازة دون ما فوقها من المراتب لمجرّد التبرك - كالتبرّك بغسل الأكفان بماء الفرات، ومسّها بالضرائح المقدّسة، وغيرها ممّا لم يرد به نص، واتخذه بعضهم شعارا من دون أن يتفق عليه عوام الناس فضلا عن العلماء الأعلام - خلاف الإنصاف.

وهذا الاتفاق العملي، والتصريح من البعض، إن لم يوجب القطع بالاحتياج وعدم كونه للتيمّن، فلا أقلّ من الظن في مقام إثبات الحجيّة المخالفة

__________________

(١) نقلها الشيخ المجلسي في البحار ١٠٩: ٨ - ١٠.

(٢) بحار الأنوار ١٠٩: ٣ - ٤.

١٥

للأصل الكافي فيه الشك فيها فضلا عن الظن بالعدم.

ولقد حدّثني بعض العلماء قال: كنت حاضرا في محفل قطب رحى الفقاهة شيخنا الأعظم الشيخ مرتضى طاب ثراه فسأله الفقيه النبيه الشيخ مهدي النجفي - سبط(١) كاشف الغطاء - وقال ما معناه: إنّه بلغني أنّ جنابك تحتاط في ثلاث تسبيحات كبرى في الركوع والسجود، فما وجهه؟ فقالرحمه‌الله : أنت أدركت أباك الشيخ علي؟ قال: نعم، قال: كيف كان يصلّي؟ قال: بثلاثة تسبيحات كبرى، قال: أدركت عمّك الشيخ موسى؟ قال: نعم، قال: كيف كان يصلّي؟ قال: بالثلاثة، قال: أدركت عمّك الشيخ حسن؟ قال: نعم، قال: كيف كان يصلّي؟ فأجابه بمثل ذلك، فقالرحمه‌الله يكفي في مقام الاحتياط مواظبة ثلاثة من الفقهاء في العمل.

وممّا يستغرب من جملة من الأعلام - في هذه الأعصار - أنّهم يحتاطون في كثير من الفروع الجزئية لشبهة ضعيفة، كمخالفة قليل مع عدم ظهور دليل له، بل قيام الدليل المعتبر على خلافه، ولا يحتاطون في أخذ الإجازة، والدخول في عنوان الراوي كما دخله كلّ من تقدّم علينا، حتى من صرّح بكونه للتبرّك، لما مرّ ويأتي من الشبهات. مع أنّه في تركه - مع احتمال الاحتياج إليه - يهدم أساس فقهه من الطهارة إلى الديات، اللهم إلاّ أن يقطع بعدم الحاجة، ولا يخلو مدعيه من الاعوجاج واللجاجة، ويأتي إن شاء الله تعالى مزيد توضيح لذلك.

الوجه الثاني: إنّهم كما بنوا على الاستجازة والإجازة في كتب الأحاديث والأخبار المحتمل كونها للتبرّك - من جهة اتصال السند إلى الأئمة الطاهرينعليهم‌السلام - كذلك بنوا على الإجازة والاستجازة في كتب الفتاوى والاستدلال، والمسائل الأصوليّة وأمثالها، ممّا يحتاجون إلى النقل والنسبة وترتيب

__________________

(١) كذا، والصحيح هو حفيده، إذ هو الشيخ مهدي بن الشيخ علي بن الشيخ جعفر.

١٦

الآثار عليها، فتراهم في صدر الإجازات أو ذيلها يذكرون: إنّي أجزت لفلان أن يروي عنّي جميع مصنفاتي، ويعدّدونها، وربّما كان جميعها في الفقه والأصولين، وكذا مصنفات كثير ممّن تقدم عليهم من ذلك، بل رأينا إجازات جملة من الأساطين مخصوصة بها.

وعندي تبصرة العلاّمة بخط الشيخ أبي الفتوح أحمد بن أبي عبد الله الآبي - ابن عم صاحب كشف الرموز - وعلى ظهرها إجازة المصنفقدس‌سره له بخطه الشريف، وهذه صورته:

قرأ عليّ هذا الكتاب الشيخ العالم، الفقيه الفاضل، المحقق المدقق، ملك العلماء، قدوة الفضلاء، رئيس المحققين، جمال الملّة والدين، نجم الإسلام والمسلمين، أبو الفتوح أحمد بن السعيد المرحوم أبي عبد الله بلكو بن أبي طالب بن علي الآوي - أدام الله توفيقه وتسديده وأجلّ من كلّ عارفة حظّه ومزيده - قراءة مهذّبة تشهد بكماله، وتدلّ على فضله وتعرب عن جلاله، وقد أجزت له رواية هذا الكتاب عنّي لمن شاء وأحبّ. وكتب العبد الفقير إلى الله تعالى حسن بن يوسف بن المطهّر مصنّف الكتاب في شهر رجب من سنة خمس وسبعمائة، حامدا مصليا مستغفرا.

وفي آخره وجملة من مواضعه تبليغات بخطّه الشريف.

وعندي مسائل السيد المهنّا المدني عن العلاّمة، بخطّ السيد حيدر الآملي، قرأها على فخر المحققين، وعلى ظهرها بخطّه الشريف: هذه المسائل وأجوبتها صحيحة، سأل عنها والدي فأجابه بجميع ما ذكر فيها، ورؤيته(١) أنا على والدي قدس الله سرّه ورويته عنه، وقد أجزت لمولانا السيد الإمام العالم - إلى أن قال بعد الأوصاف والنسب -: أن يروي ذلك عني، عن والدي قدس

__________________

(١) كذا، ولعلّها وقرأته.

١٧

الله سره، وأن يعمل بذلك ويفتي به. وكتب محمّد بن الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي في أواخر ربيع الآخر لسنة إحدى وستين وسبعمائة، والحمد لله تعالى.

وعندي الشرائع بخط العالم الفاضل الشيخ محمّد بن إسماعيل الهرقلي - صاحب القضية المعروفة(١) - وقد قرئ على جماعة كثيرة من العلماء، وعليه خطوطهم وإجازاتهم، منها ما كتبه العالم الجليل الشيخ يحيى البحراني - تلميذ المحقق الثاني وشارح الجعفرية - قال بعد الحمد: فإن العبد الصالح والمحب الناصح المطيع لله المانح، محمّد بن صالح، قد قرأ على العبد الجاني هذا الكتاب وهو شرائع الإسلام - إلى أن قال -: وقد أجزت له روايته عني، عن شيخي وإمامي. وساق مناقب المحقق الثاني، والسند إلى أوّلهما(٢) .

وفي إجازة الشيخ شمس الدين محمّد بن المؤذّن الجزيني للشيخ علي بن عبد العالي الميسي: وأجزت له الرواية مع العمل بجميع ما تضمّنه كتاب التحرير - من جملة مقروءاتي - وما عليه من النقل، وما فيه من الفتاوى الخالية عن النقل - إلى أن قال -: عنّي، عن الشيخ جمال الدين بن الحاج علي، وعن الشيخ عزّ الدين حسن بن الفضل. وكذلك أجزته له ما نقلته عنهما من فتاوى فخر الدين، وفتاوى أبي القاسم نجم الدين بن سعيد، وجميع فتاوى ابن عمّي خاتمة المجتهدين محمّد بن مكي. وكذلك جميع ما في الدروس من الظاهر(٣) .

وكذلك جميع فتاوى كتاب القواعد للإمام البحر الحسن بن المطهّر.

__________________

(١) نقلها أغلب من ترجم له، انظر: الكنى والألقاب ٣: ٢٤١. وخلاصتها خروج توثة على فخذه الأيسر فوق العرق الأكحل وتعسر علاجها لذلك، ويأس الأطباء، ثم شفاؤه ببركة الإمام الحجّة ( عج )

(٢) أي المحقّق الأوّلقدس‌سره

(٣) المراد هنا هو استظهارات صاحب الدروس، أي ما اختاره فتوى ورجح عنده نقلا أو دليلا

١٨

وأجزت له رواية تذكرة الفقهاء عنّي، عن ابن عمي ضياء الدين، عن والده السعيد أبي عبد الله محمّد بن مكي، عن شيخه عميد الدين عن المصنّف.

وأجزت له رواية كتاب إرشاد الأذهان - الذي عندي - وما عليه(١) من الفتاوى ..

وأجزت له أن يعمل بجميع ما يجده بخط ابن عمّي الشهيد، أو بخطّي من خطّه، بشرط أن يعلم ذلك، فليرو ذلك ويعمل به، إذا صحّ عنده وتحقّقه، محتاطا في ذلك رواية وعملا. إلى آخره(٢) .

ويقرب من ذلك ما كتبه العلاّمة - على ظهر القواعد - للقطب الرازي وفيه: وقد أجزت له رواية هذا الكتاب بأجمعه، ورواية جميع مؤلفاتي ورواياتي، وما أجيز لي روايته، وجميع كتب أصحابنا السالفين(٣) . إلى آخره.

وفي إجازة الشيخ عبد العالي ابن المحقق الكركي لابن أخته المحقق الداماد: وإنّي أجزته أن ينقل ما وصل إليه وظهر لديه أنّه من أقوالي، وأن يعمل به، وأن يروي مصنّفات والدي المرحوم المغفور عليّ بن عبد العالي، وأن يروي جميع ما لي روايته عن مشايخي الإعلام(٤) . إلى آخره.

وفي إجازة مربّي العلماء المولى عبد الله التّستري لولده المولى حسن علي: وكذلك أجزت له - طوّل الله عمره، وأفاض على العالمين برّه - أن يروي عنّي جميع مؤلفاتي، وأن يفيدها لمن كان أهل ذلك. إلى أن قال: وكتب ذلك بقلمه وقاله بفمه أبوه الشفيق الفقير إلى رحمة الله(٥) ، إلى آخره.

__________________

(١) في البحار: علمته.

(٢) نقلها الشيخ المجلسي في بحاره ١٠٨: ٣٦ - ٣٧.

(٣) حكاها الشيخ المجلسي في البحار ١٠٧: ١٤٠.

(٤) حكاها الشيخ المجلسي في البحار ١٠٩: ٨٦.

(٥) حكاها الشيخ المجلسي في البحار ١١٠: ٢٠.

١٩

إلى غير ذلك، ممّا يوجب نقله الإطناب والخروج عن وضع الكتاب.

وأنت خبير بأن احتمال التيمّن والتبرّك في رواية الكتب الفقهية وما ماثلها عن أربابها شطط من الكلام، مع أنّ الإجازة بعد القراءة، التي هي أعلى وأتقن منها، والإذن في روايتها - كما نقلناه عن العلاّمة وغيره - مما ينبئ عن أمر عظيم، واحتياط شديد، في نقل الأقوال ونسبة الآراء إلى أصحاب التصانيف، وعدم القناعة بما يظهر من ألفاظهم الكاشفة عن آرائهم، مع حجّيته عند كافّتهم، بل بعد الإذن الرافع لما ربّما يحتمل في كلامهم وان كان بعيدا.

وبالجملة فلولا اعتقاد الحاجة أو الاحتياط - ولو لأمر تعبّدي وصل إليهم - لما كان لإجازاتهم في هذا الصنف من الكتب محمل صحيح يليق نسبته إلى مثل آية الله العلاّمة وأضرابه.

الوجه الثالث : انّهم كما استجازوا رواية الأحاديث ومصنّفات الأصحاب عن مشايخهم طبقة بعد طبقة، كذلك استجازوا عن علماء العامة - من الفقهاء والمحدّثين وأرباب العلوم الأدبية - جميع مؤلفاتهم ومصنّفاتهم التي قد يحتاجون إلى النقل منها، وذكروا مشايخهم منهم إلى أرباب الكتب - التي نسبتها إليهم معلومة مقطوعة بالتواتر والقرائن القطعية - في أواخر إجازاتهم، فلاحظ:

الإجازة الكبيرة من العلامة لبني زهرة(١) .

والشهيد الثاني للشيخ حسين والد شيخنا البهائي(٢) .

وصاحب المعالم للسيد نجم الدين العاملي(٣) .

بل استكثروا من الطرق، وتحملوا أعباء السفر، وضربوا آباط الإبل في

__________________

(١) حكاها الشيخ المجلسي في البحار ١٠٧: ٦٠.

(٢) المصدر المتقدّم ١٠٨: ١٤٦.

(٣) المصدر السابق ١٠٩: ٣.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

وبالرغم من أن الله فتح أمامهم أبواب الرحمة ، ولو أردوا اغتنام الفرصة لاستطاعوا حتما إصلاح ماضيهم وحاضرهم ، ولكن لم يغتنم الظالمين من بني إسرائيل هذه الفرصة فحسب ، بل بدّلوا أمر الله ، وقالوا خلاف ما أمروا أن يقولوه :( فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ ) .

وفي المآل نزل عليهم بسبب هذا الطغيان والظلم للنفس وللآخرين عذاب من السماء( فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ ) .

ويجب الانتباه إلى أنّ مضمون هاتين الآيتين جاء أيضا ـ مع فارق بسيط ـ في سورة البقرة الآية (58) و (59) وقد أوردنا تفسيرا أكثرا تفصيلا هناك.

والفرق الوحيد بين هذه الآيات المبحوثة هنا ، وآيات سورة البقرة هو أنّه يقول هنا :( بِما كانُوا يَظْلِمُونَ ) ، وقال هناك :( بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ) ، ولعل الفارق بين هذين إنما هو لأجل أن الذنوب لها جانبان : أحدهما الجانب المرتبط بالله ، والجانب الآخر مرتبط بنفس الإنسان. وقد أشار القرآن إلى الجانب الأوّل في آية سورة البقرة بعبارة «الفسق» الذي مفهومه الخروج عن طاعة الله ، وإلى الثّاني في الآية الحاضرة بعبارة «الظلم».

ما هي «حطّة» وماذا تعني؟

الجدير بالذكر أن بني إسرائيل كانوا مكلّفين بأن يطهروا قلوبهم وأرواحهم عند دخولهم بيت المقدس من أدران الذنوب بتوبة خالصة وواقعية تتلخص في كلمة «حطّة» وأن يطلبوا من الله المغفرة لكل تلك الجرائم التي ارتكبوها ، وبخاصّة ما آذوا به نبيّهم العظيم موسى بن عمران قبل ورودهم بيت المقدس.

وكلمة «حطّة» التي كانت ـ في الحقيقة ـ شعارهم عند دخولهم بيت المقدس ، هي صورة اختصارية لعبارة «مسألتنا حطّة» يعني نطلب منك يا ربّ أن تحطّ عنّا ذنوبنا بإنزال شآبيب الرحمة والعفو علينا ، لأنّ «حطّة» معناها إنزال

٢٦١

الشيء من علو وهذا الشعار شأنه شأن جميع الشعارات الأخرى لا يكفي فيه أن يكون مجرّد لقلقة لسان ، بل يجب أن يكون اللسان ترجمان الروح ومرآة الوجدان ، ولكنّهم ـ كما سيأتي في الآية اللاحقة ـ مسخوا كثيرا من تلك الشعارات حتى هذا الشعار التربوي ، وجعلوه وسيلة للهو والاستهزاء والسخرية.

* * *

٢٦٢

الآيات

( وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (166) )

التّفسير

قصّة فيها عبرة :

في هذه الآيات يستعرض مشهدا آخر من تاريخ بني إسرائيل الزاخر بالحوادث ، وهو مشهد يرتبط بجماعة منهم كانوا يعيشون عند ساحل بحر. غاية ما في الأمر أن الخطاب موجه فيها إلى الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيقول له : اسأل يهود

٢٦٣

عصرك حول تلك الجماعة ، يعني جدّد هذه الخاطرة في أذهانهم عن طريق السؤال ليعتبروا بها ، ويجتنبوا المصير والعقاب الذي ينتظرهم بسبب طغيانهم وتعنتهم.

إنّ هذه القصّة ـ كما أشير إليها في الأحاديث الإسلامية ـ ترتبط بجماعة من بني إسرائيل كانوا يعيشون عند ساحل أحد البحار (والظاهر أنّه ساحل البحر الأحمر المجاور لفلسطين) في ميناء يسمى بميناء «أيلة» (والذي يسمى الآن بميناء ايلات) وقد أمرهم الله تعالى على سبيل الاختبار والامتحان أن يعطّلوا صيد الأسماك في يوم السبت ، ولكنّهم خالفوا هذا التعليم ، فأصيبوا بعقوبة موجعة مؤلمة نقرأ شرحها في هذه الآيات.

في البداية تقول الآية :( وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ ) . أي اسأل يهود عصرك عن قضية القرية التي كانت تعيش على ساحل البحر.

ثمّ تقول : وذكّرهم كيف أنّهم تجاوزوا ـ في يوم السبت ـ القانون الإلهي( إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ ) لأنّ يوم السبت كان يوم عطلتهم ، وكان عليهم أن يكفوا فيه عن الكسب ، وعن صيد السمك ويشتغلوا بالعبادة ، ولكنّهم تجاهلوا هذا الأمر.

ثمّ يشرح القرآن العدوان المذكور بالعبادة التالية :( إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً ) فالأسماك كانت تظهر على سطح الماء في يوم السبت ، بينما كانت تختفي في غيره من الأيّام.

و «السبت» في اللغة تعني تعطيل العمل للاستراحة ، وما نقرؤه في سورة النبأ( وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً ) أشارة ـ كذلك ـ إلى هذا الموضوع ، وسمّى «يوم السبت» بهذا الاسم لأنّ الأعمال العادية والمشاغل كانت تتعطل في هذا اليوم ، ثمّ بقي هذا الاسم لهذا اليوم علما له.

ومن البديهي أنّ صيد الأسماك يشكّل لدى سكنة ساحل البحر مورد كسبهم وتغذيتهم ، وكأنّ الأسماك بسبب تعطيل عملية الصيد في يوم السبت صارت

٢٦٤

تحس بنوع من الأمن من ناحية الصيادين ، فكانت تظهر على سطح الماء أفواجا أفواجا ، بينما كانت تتوغل بعيدا في البحر في الأيّام الأخرى التي كان الصيّادون فيها يخرجون للصيد.

إنّ هذا الموضوع سواء كان له جانب طبيعي عادي أم كان له جانب استثنائي وإلهي ، كان وسيلة لامتحان واختبار هذه الجماعة ، لهذا يقول القرآن الكريم : وهكذا اختبرناهم بشيء يخالفونه ويعصون الأمر فيه( كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ) .

وجملة( بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ) إشارة إلى أنّ اختبارهم كان بما من شأنه أن يجذبهم ويدعوهم إلى نفسه ، وإلى المعصية والمخالفة ، وجميع الاختبارات كذلك ، لأن الاختبار يجب أن يبيّن مدى مقاومة الأشخاص أمام جاذبية المعاصي والذنوب.

عند ما واجهت هذه الجماعة من بني إسرائيل هذا الامتحان الكبير الذي كان متداخلا مع حياتهم تداخلا كاملا ، انقسموا إلى ثلاث فرق :

«الفريق الأوّل» وكانوا يشكّلون الأكثرية ، وهم الذين خالفوا هذا الأمر الإلهي.

«الفريق الثّاني» وكانوا على القاعدة يشكلون الأقلية ، وهم الذين قاموا ـ تجاة الفريق الأوّل بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

«الفريق الثّالث» وهم الساكتون المحايدون الذين لم يوافقوا العصاة ، ولا قاموا بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وفي الآية الثّانية من الآيات المبحوثة هنا يشرح الحوار الذي دار بين العصاة ، وبين الذين نهوهم عن ارتكاب هذه المخالفة فيقول :( وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ

٢٦٥

مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً ) (1) .

فأجابهم الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر : بأنّنا ننهى عن المنكر لأنّنا نؤدي واجبنا تجاه الله تعالى ، وحتى لا نكون مسئولين تجاهه ، هذا مضافا إلى أنّنا نأمل أن يؤثر كلامنا في قلوبهم ، ويكفوا عن طغيانهم وتعنتهم( قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) .

ويستفاد من الجملة الحاضرة أنّ هؤلاء الواعظين كانوا يفعلون ذلك بهدفين : الأوّل : أنّهم كانوا يعظون العصاة حتى يكونوا معذورين عند الله.

والآخر : عسى أن يؤثروا في نفوس العصاة ، ويفهم من هذا الكلام أنّهم حتى مع عدم احتمال التأثير ، فإنّهم كانوا لا يحجمون عن الوعظ والنصيحة في حين أن المعروف هو أن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشروطين باحتمال التأثير.

ولكن لا بدّ من الانتباه إلى أنّه ربّما يجب بيان الحقائق والوظائف الإلهية حتى مع عدم احتمال التأثير ، وذلك عند ما يكون عدم بيان الأحكام الإلهية ، وعدم إنكار المنكر سببا لتناسي وتنامي البدع ، وحينما يعدّ السكوت دليلا على الرضا والموافقة. ففي هذه الموارد يجب إظهار الحكم الإلهي في مكان حتى مع عدم تأثيره في العصاة والمذنبين.

إنّ هذه النقطة جديرة بالالتفات ، وهي أنّ الناهين عن المنكر كانوا يقولون : نحن نريد أن نكون معذورين عند (ربّكم) وكأنّ هذا إشارة إلى أنّكم أيضا مسئولون أمام الله ، وإنّ هذه الوظيفة ليست وظيفتنا فقط ، بل هي وظيفتكم تجاه ربّكم في الوقت ذاته.

__________________

(1) التعبير بـ «أمّة منهم» يكشف عن أن الفريق الثّاني كانوا أقلّ من العصاة ، لأنّه عبّر عنهم بلفظة «قوما» بدون كلمة منهم) وتقرأ في بعض الآيات أنّ عدد نفوس هذه المدينة كان ثمانين ألف وبضعة آلاف ، وقد ارتكب 70 ألفا منهم هذه المعصية (راجع تفسير البرهان ، المجلد الثّاني ، الصفحة 42).

٢٦٦

ثمّ إنّ الآية اللاحقة تقول : وفي المآل غلبت عبادة الدنيا عليهم ، وتناسوا الأمر الإلهي ، وفي هذا الوقت نجينا الذين كانوا ينهون عن المنكر ، وعاقبنا الظالمين بعقاب أليم منهم بسبب فسقهم وعصيانهم( فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ) (1) .

ولا شك أنّ هذا النسيان ليس نسيانا حقيقيا غير موجب للعذر ، بل هو نوع من عدم الاكتراث والاعتناء بأمر الله ، وكأنّه قد نسي بالمرّة.

ثمّ يشرح العقوبات هكذا :( فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ ) (2) .

وواضح أن أمر «كونوا» هنا أمر تكويني مثل :( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (3) .

* * *

بحوث

وهنا نقاط عديدة يجب الالتفات إليها :

1 ـ كيف ارتكبوا هذه المعصية؟

وأمّا كيف بدأت هذه الجماعة عملية التجاوز على هذا القانون الإلهي؟ فقد وقع فيه كلام بين المفسّرين.

__________________

(1) بئيس مشتقة من مادة «بأس» يعني الشديد.

(2) «عتوا» من مادة عتّو على وزن «غلوّ» بمعنى الامتناع عن طاعة أمر ، وما ذكره بعض المفسّرين من تفسيره بمعنى الامتناع فقط يخالف ما قاله أرباب اللغة.

(3) سورة يس ، 28.

٢٦٧

ويستفاد من بعض الرّوايات أنّهم عمدوا في البداية إلى ما يسمى بالحيلة الشرعية ، فقد أحدثوا أحواضا إلى جانب البحر ، وفتحوا لها أبوابا إلى البحر ، فكانوا يفتحون هذه الأبواب في يوم السبت فتقع فيها أسماك كثيرة مع ورود الماء إليها ، وعند الغروب حينما كانت الأسماك تريد العودة إلى البحر يوصدون تلك فتحبس الأسماك في تلك الأحواض ، ثمّ يعمدون في يوم الأحد إلى صيدها ، وأخذها من الأحواض ، وكانوا يقولون : إنّ الله أمرنا أن لا نصيد السمك ، ونحن لم نصد الأسماك إنّما حاصرناها فقط(1) .

ويقول بعض المفسّرين : إنّهم كانوا يرسلون كلاليبهم وصناراتهم وشباكهم في البحر يوم السبت ، ثمّ يسحبونها يوم الأحد وقد علقت بها الأسماك ، وهكذا كانوا يصيدون السمك حتى في يوم السبت ولكن بصورة ما كرة.

ويظهر من بعض الرّوايات الأخرى أنّهم كانوا يصيدون السمك يوم السبت من دون مبالاة بالنهي الإلهي ، وليس بواسطة أية حيلة.

ولكن من الممكن أن تكون هذه الرّوايات صحيحة بأجمعها وذلك أنّهم في البداية استخدموا ما يسمى بالحيلة الشرعية ، وذلك بواسطة حفر أحواض إلى جانب البحر ، أو إلقاء الكلاليب والصنارات ، ثمّ لما صغرت هذه المعصية في نظرهم ، جرأهم ذلك على كسر احترام يوم السب وحرمته ، فأخذوا يصيدون السمك في يوم السبت تدريجا وعلنا ، واكتسبوا من هذا الطريق ثروة كبيرة جدا.

2 ـ من هم الذين نجوا؟

الظاهر من الآيات الحاضرة أنّ فريقا واحدا من الفرق الثلاثة (العصاة ، المتفرجون ، الناصحون) هو الذي نجى من العذاب الإلهي وهم افراد الفريق

__________________

(1) تفسير البرهان ، المجلد 2 ، الصفحة 22 ، وقد روي هذا الكلام عن ابن عباس في تفسير مجمع البيان في ذيل الآية.

٢٦٨

الثّالث.

وكما جاء في الرّوايات ، فإنّه عند ما رأى هذا الفريق أن عظاته ونصائحه لا تجدي مع العصاة انزعجوا وقالوا : سنخرج من المدينة ، فخرجوا إلى الصحراء ليلا ، واتفق أن أصاب العذاب الإلهي كلا الفريقين الآخرين.

وأمّا ما احتمله بعض المفسّرين من أنّ العصاة هم الذين أصيبوا بالعذاب فقط ، ونجى الساكتون أيضا ، فهو لا يتناسب مع ظاهر الآيات الحاضرة.

3 ـ هل أنّ كلا الفريقين عوقبوا بعقاب واحد

يظهر من الآيات الحاضرة أنّ عقوبة المسخ كانت مقتصرة على العصاة ، لأنّه تعالى يقول :( فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْه ) ولكن من جانب آخر يستفاد من الآيات الحاضرة ـ أيضا ـ أنّ الناصحين الواعظين فقط هم الذين نجوا من العقاب ، لأنّه تعالى يقول :( أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ ) .

من مجموع هاتين الآيتين يتبيّن أنّ العقوبة نالت كلا الفريقين ، ولكن عقوبة المسخ اختصت بالعصاة فقط ، وأمّا عقوبة الآخرين فمن المحتمل أنّها كانت الهلاك والفناء ، بالرغم من أن العصاة أيضا هلكوا بعد مدّة من المسخ حسب ما جاء في هذا الصدد من الرّوايات.(1)

4 ـ هل المسخ كان جسمانيا أو روحانيا؟

«المسخ» أو بتعبير آخر «تغيير الشكل الإنساني إلى الصورة الحيوانية» ومن المسلّم أنّه حدث على خلاف العادة والطبيعة.

على أنّه قد شوهدت حالات جزئية من (موتاسيون) والقفزة ، وتغيير الشكل

__________________

(1) وإذا كان يستفاد من بعض الرّوايات خلاف هذا الموضوع ، فإنّه مضافا إلى أنّه لا يمكن الاعتماد عليه في مقابل ظاهر الآيات فإنّما ضعيفة من حيث السند أيضا ، ويحتمل أن يكون الراوي قد أخطأ في نقل الرواية.

٢٦٩

والصورة في الحيوانات إلى أشكال وصور أخرى ، وقد شكّلت أسس فرضية التكامل في العلوم الطبيعية الحاضرة.

ولكنّ الموارد التي شوهدت فيها ال «موتاسيون» والقفزة إنّما هي في صفات الحيوانات الجزئية ، لا الصفات الكليّة ، يعني أنّه لم يشاهد إلى الآن نوعا من أنواع الحيوان تغيّر على أثر ال «موتاسيون» إلى نوع آخر ، بل يمكن أن تتغير خصوصيات معينة من الحيوان ، ناهيك عن أنّ هذه التغييرات إنّما تظهر في الأجيال التي توجد في المستقبل ، لا أن يحصل هذا التغيير في الحيوان يتولد من أمّه.

وعلى هذا الأساس ، يكون تغير صورة إنسان أو حيوان إلى صورة نوع آخر أمرا خارقا للعادة.

ولكن تقدم أنّ هناك أمورا تحدث على خلاف العادة والطبيعة ، وهذه الأمور ربّما تقع في صورة المعاجز التي يأتي بها الأنبياء ، وأحيانا تكون في صورة الأعمال الخارقة للعادة التي تصدر من بعض الأشخاص ، وإن لم يكونوا أنبياء (وهي تختلف عن معاجز الأنبياء طبعا).

وبناء على هذا ، وبعد القبول بإمكان وقوع المعاجز وخوارق العادة ، لا مانع من مسخ صورة إنسان إلى إنسان آخر. ولا يكون ذلك مستحيلا تأباه العقول.

ووجود مثل هذه الخوارق للعادة ـ كما قلنا في مبحث إعجاز الأنبياء ـ لا هو استثناء وخرق لقانون العلية ، ولا هو خلاف العقل ، بل هو مجرّد كسر قضية «عاديّة طبيعيّة» في مثل هذه الموارد ، ولها نظائر رأيناها في الأشخاص غير العاديين(1) .

__________________

(1) لقد جمع أحد الكتّاب المعاصرين نماذج كثيرة ـ من مصادر موثوقة ـ لأشخاص من البشر أو حيوانات استثنائيّة ، ملفتة للنظر ومثيرة للعجب ، ومن جملة ذلك : إنسان يستطيع قراءة السطور بأصابعه ، أو امرأة وضعت مرتين في خلال شهرين ، وفي كل مرة ولدت ولدا ، أو طفلا كان قلبه خارج صدره ، أو امرأة لم تكن تعرف أنّها حامل حتى لحظة وضعها لوليدها ، وما شابه ذلك.

٢٧٠

بناء على هذا لا مانع من قبول «المسخ» على ما هو عليه في معناه الظاهري الوارد في الآية الحاضرة وبعض الآيات القرآنية الأخرى ، وأكثر المفسّرين قبلوا هذا التّفسير أيضا.

ولكن بعض المفسّرين ـ وهم الأقليّة ـ قالوا : إنّ المسخ هو «المسخ الروحاني» والانقلاب في الصفات الأخلاقية ، بمعنى ظهور صفات مثل صفات القرود أو الخنازير في الطغاة والمتعنتين ، مثل الإقبال على التقليد الأعمى والتوجه الشديد إلى البطنة والشهوة ، التي هي صفات بارزة لهذين الحيوانين. وهذا الاحتمال نقل عن أحد المفسّرين القدامى وهو مجاهد.

وما أخذه البعض على مسألة المسخ ، وأنّه خلاف التكامل ، وأنّه يوجب العودة والرجوع والتقهقر في الخلقة غير صحيح ، لأنّ قانون التكامل يرتبط بالذين يسيرون في طريق التكامل ، لا أولئك الذين انحرفوا عن مسيرة التكامل ، وخرجوا عن دائره هذا القانون.

فعلى سبيل المثال : الإنسان السليم ينمو نموا منتظما في أعوام الطفولة ، ولكنّه إذا حصلت في وجوده بعض النقائص ، فيمكن أن لا يتوقف الرشد والنمو فحسب ، بل يتقهقر ويفقد نموه الفكري والجسماني تدريجا.

ولكن يجب الانتباه على كل حال إلى أنّ المسخ والتبدل والتحول الجسماني يتناسب مع الأعمال التي قام بها الشخص ، يعني أنّ بعض العصاة يسلكون سبيل الطغيان تحت ضغط من دوافع الهوى والشهوة ، وجماعة أخرى تتلوث حياتهم بأدران الذنوب أثر التقليد الأعمى ، ولهذا يظهر المسخ في كل فريق من هذه الفرق بصورة متناسبة مع كيفية أعمالهم.

على أنّه قد جرى الحديث في الآيات الحاضرة فقط عن «القردة» ولم يجر أي حديث عن «الخنازير» ولكن في الآية (60) من سورة المائدة يدور الحديث حول جماعة مسخ بعضهم في صورتين (بعض قردة وبعض خنازير) وهذه الآية

٢٧١

حسبما قال بعض المفسّرين : نزلت حول أصحاب السبت ، فالكبار منهم الذين أطاعوا أمر الشهوة والبطن مسخوا خنازير ، والشباب المقلد لهم تقليدا أعمى وكانوا يشكلون الأكثرية مسخوا قردة.

ولكن على كل حال يجب الالتفات إلى أنّ الممسوخين ـ حسب الرّوايات ـ بقوا على هذه الحالة عدة أيّام ثمّ هلكوا ، ولم يتولد منهم نسل أبدا.

5 ـ المخالفة تحت غطاء الحيلة الشّرعية

إنّ الآيات الحاضرة وإن كانت لا تتضمّن الإشارة إلى تحايل أصحاب السبت في صعيد المعصية ، ولكن ـ كما أسلفنا ـ أشار كثير من المفسّرين في شرح هذه الآيات إلى قصّة حفر الأحواض ، أو نصب الصنارات في البحر في يوم السبت ، ويشاهد هذا الموضوع نفسه في الرّوايات الإسلامية ، وبناء على هذا تكون العقوبة الإلهية التي جرت على هذا الفريق ـ بشدة ـ تكشف عن أن الوجه الحقيقي للذنب لا يتغير أبدا بانقلاب ظاهره ، وباستخدام ما يسمى بالحيلة الشرعية ، فالحرام حرام سواء أتي به صريحا ، أو تحت لفافات كاذبة ، ومعاذير واهية.

إنّ الذين تصوروا أنّه يمكن بالتغيير الصوري تبديل عمل حرام إلى حلال يخدعون أنفسهم في الحقيقة ، ومن سوء الحظ أن هذا العمل رائج بين بعض الغفلة الذين ينسبون أنفسهم إلى الدين وهذا هو الذي يشوّه وجه الدين في نظر الغرباء عن الدين ، ويكرّهه إليهم بشدّة.

إن العيب الأكبر الذي يتسم به هذا العمل ـ مضافا إلى تشويه صورة الدين ـ هو أن هذا العمل التحايلي يصغر الذنب في الأنظار ويقلّل من أهميته وخطورته وقبحه ، ويجرّئ الإنسان في مجال الذنب إلى درجة أنّه يتهيأ شيئا فشيئا لارتكاب الذنوب والمعاصي بصورة صريحة وعلينة. فنحن نقرأ في نهج البلاغة

٢٧٢

أنّ الإمام عليّاعليه‌السلام قال : «إنّ القوم سيفتنون بأموالهم ، ويمنون بدينهم على ربّهم ، ويتمنون رحمته ، ويأمنون سطوته ، ويستحلّون حرامه بالشبهات الكاذبة والأهواء الساهية ، فيستحلّون الخمر بالنّبيذ(1) والسحت بالهدية ، والربا بالبيع» (الخطبة 156).

ويجب الانتباه إلى الدافع وراء أمثال هذه الحيل ، إمّا إلباس الباطن القبيح بلباس قشيب وإظهاره بمظهر حسن أمام الناس ، وإمّا خداع الضمير ، واكتساب طمأنينة نفسية كاذبة.

6 ـ أنواع الابتلاء الإلهي المختلفة

صحيح أنّ صيد السمك من البحر لسكان السواحل لم يكن مخالفة ، ولكن قد ينهي الله جماعة من الناس وبصورة مؤقّتة ، وبهدف الاختبار والامتحان عن مثل هذا العمل ، ليرى مدى تفانيهم ، ويختبر مدى إخلاصهم ، وهذا هو أحد أشكال الامتحان الإلهي.

هذا مضافا إلى أنّ يوم السبت كان عند اليهود يوما مقدسا ، وكانوا قد كلّفوا ـ احتراما لهذا اليوم بالتفرغ للعبادة وممارسة البرامج الدينية ـ والكف ـ عن الكسب والإشتغال بالأعمال اليومية ، ولكن سكان ميناء «أيلة» تجاهلوا كلّ هذه الاعتبارات والمسائل ، فعوقبوا معاقبة شديدة جعلت منهم ومن حياتهم المأساوية ومصيرهم المشؤوم درس وعبرة للأجيال اللاحقة.

* * *

__________________

(1) كان النبيذ عبارة عن وضع مقدار من التمر أو الشعير أو الزبيب في الماء ، عدّة أيّام ، ثمّ شربه وهذا وإن لم يكن حراما شرعا ، ولكنّه على أثر سخونة الهواء تتبدل المواد السكرية فيه إلى مواد كحولية خفيفة.

٢٧٣

الآيتان

( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) )

التّفسير

تفرق اليهود وتشتتهم :

هذه الآيات إشارة إلى قسم من العقوبات الدنيوية التي أصابت جماعة من اليهود خالفت أمر الله تعالى ، وسحقت الحق والعدل والصدق.

فيقول في البداية : واذكروا يوم أخبركم الله بأنّه سيسلّط على هذه الجماعة العاصية المتمردة فريقا يجعلها حليفة العذاب والأذى إلى يوم القيامة( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ ) .

و «تأذّن» و «أذّن» كلاهما بمعنى الإخبار والإعلام ، وكذا جاء بمعنى الحلف والقسم ، وفي هذه الصورة يكون معنى الآية أنّ الله تعالى أقسم بأن يكون مثل

٢٧٤

هؤلاء الأشخاص في العذاب إلى يوم القيامة.

ويستفاد من هذه الآية أنّ هذه الجماعة المتمردة الطاغية لن ترى وجه الاستقرار والطمأنينة أبدا ، وإن أسّست لنفسها حكومة وشيّدت دولة ، فإنّها مع ذلك ستعيش حالة اضطراب دائم وقلق مستمر ، إلّا أن تغيّر ـ بصدق ـ سلوكها ، وتكفّ عن الظلم والفساد.

وفي ختام الآية يضيف تعالى قائلا :( إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) فبالنسبة إلى الكفار سريع العقاب ، وبالنسبة للمذنبين التائبين التائبين غفور رحيم.

وهذه الجملة تكشف عن أنّ الله قد ترك الباب مفتوحا أمامهم حتى لا يظن أحد أنّه قد كتب عليهم المصير المحتوم والشقاء الابدي الذي لا خلاص منه.

وفي الآية اللاحقة يشير تعالى إلى تفرق اليهود في العالم فيقول :( وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ ) فهم متفرقون منقسمون على أنفسهم بعضهم صالحون ، ولهذا عند ما سمعوا بنداء الإسلام وعرفوا دعوة النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آمنوا به ، وبعضهم لم يكونوا كذلك بل ألقوا الحق وراءهم ظهريا ، ولم يرتدعوا عن معصية في سبيل ضمان مصالحهم وحياتهم المادية.

ومرّة أخرى تتجلى هذه الحقيقة في هذه الآية وهي أنّ الإسلام لا يعادي العنصر اليهودي ، ولا يشجبهم لكونهم أتباع دين معيّن ، أو منتمين إلى عنصر وعرق معيّن ، بل يجعل أعمالهم هي مقياس تقييمهم.

ثمّ يضيف تعالى قائلا :( وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) .

أي ربّما نكرمهم ونجعلهم في رفاه ونعمة حتى نثير فيهم روح الشكر ، ويعودوا إلى طريق الحق. وربّما نغرقهم في الشدائد والمصاعب والمصائب حتى ينزلوا عن مركب الغرور والأنانية والتكبر ، ويقفوا على عجزهم ، لعلهم يستيقظون

٢٧٥

ويعودون إلى الله ، والهدف في كلتا الحالتين هو التربية والهداية والعودة إلى الحق.

وعلى هذا الأساس تشمل «الحسنات» كل نعمة ورفاه واستقرار ، كما تشمل «السيئات» كل نقمة وشدة ، وحصر هذين المفهومين في دائر ضيّقة معيّنة لا دليل عليه.

* * *

٢٧٦

الآيتان

( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) )

التّفسير

في الآيات الماضية دار الحديث حول أسلاف اليهود ، ولكن في الآية الحاضرة دار الكلام حول أبنائهم وأخلافهم.

وفي البداية يقول تعالى :( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى ) إنّهم ورثوا التوراة عن أسلافهم ، وكان عليهم أن ينتفعوا بها ويهتدوا ، ولكنّهم رغم ذلك فتنوا بمتاع هذه الدنيا وحطامها الرخيص التافه ، واستبدلوا الحق والهدى بمنافعهم الماديّة.

و «خلف» على وزن «حرف» يأتي غالبا في الأولاد غير الصالحين ـ كما

٢٧٧

ذهب إلى ذلك بعض المفسّرين ، في حين أنّ «الخلف» على وزن «شرف» يأتي بمعنى الولد الصالح(1) .

ثمّ يضيف قائلا : وعند ما وقعوا بين مفترق طريقين : بين ضغط الوجدان من جهة ، والرغبات والمنافع المادية من جهة أخرى عمدوا إلى الأماني والآمال الكاذبة وقالوا : لنأخذ المنافع الدنيوية فعلا سواء من حلال أو حرام ، والله سيرحمنا ويغفر لنا( وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا ) .

إنّ هذه الجملة تكشف عن أنّهم كانوا بعد القيام بمثل هذا العمل يتخذون حالة من الندم العابر والتوبة الظاهرية ، ولكن هذه الندامة ـ كما يقول القرآن الكريم ـ لم تكن لها أية جذور في أعماق نفوسهم ، ولهذا يقول تعالى :( وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ) .

و «عرض» على وزن «غرض» يعني الشيء الذي لاثبات له ولا دوام ، ومن هذا المنطق يطلق على متاع العالم المادي اسم العرض ، لكونه زائلا غير ثابت في الغالب ، فهو يقصد الإنسان يوما ويقبل عليه بوفرة بحيث يضيع الإنسان حسابه ولا يعود قادرا على عده وإحصائه ويبتعد عنه وجمعه وحصره ، يوما آخر بالكلية بحيث لا يملك منه إلّا الحسرة والتذكر المؤلم ، هذا مضافا إلى أن جميع نعم هذه الدنيا هي أساسا غير دائمة ، وغير ثابته(2) .

وعلى كل حال ، فإنّ هذه الجملة إشارة إلى عمليات الارتشاء التي كان يقوم بها بعض اليهود لتحريف الآيات السماوية ، ونسيان أحكام الله لمضادتها لمصالحهم ومنافعهم المادية.

ولهذا قال تعالى في عقيب ذلك :( أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا

__________________

(1) مجمع البيان ، وتفسير ابن الفتوح الرازي ، في ذيل الآية الحاضرة.

(2) يجب الانتباه ، إلى أن «عرض» على وزن «غرض» يختلف عن «عرض» على وزن (فرض) فالأول بمعنى كل رأس مال دنيوي ، والثاني بمعنى المال النقدي.

٢٧٨

يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ ) أي أنّهم أخذ عليهم الميثاق ـ بواسطة كتابهم السماوي التوراة ـ أن لا يفتروا على الله كذبا ، ولا يحرفوا كلماته ، ولا يقولوا إلّا الحق.

ثمّ يقول : لو كان هؤلاء الذين يرتكبون هذه المخالفات جاهلون بالآيات الإلهية ، لكان من الممكن أن ينحتوا لأنفسهم أعذارا ، ولكن المشكلة هي أنّهم رأوا التوراة مرارا وفهموا محتواها ومع ذلك ضيعوا أحكامها ، ونبذوا أمرها وراء ظهورهم( وَدَرَسُوا ما فِيهِ ) . و «الدرس» في اللغة يعني تكرار شيء ، وحيث أن الإنسان عند المطالعة ، وتلقي العلم من الأستاذ والمعلم يكرّر المواضيع ، لهذا أطلق عليه لفظ «الدرس» وإذا ما رأينا أنّهم يستعملون لفظة «درس والاندراس» على انمحاء أثر الشيء فإنّما هو لهذا السبب وبهذه العناية ، ولأنّ الأمطار والرياح والحوادث الأخرى تتوالى على الأبنية القديمة وتبليها.

وفي ختام الآية يقول : إنّ هؤلاء يخطئون في تقديرهم للأمور ، وإنّ هذه الأعمال لن تجديهم نفعا( وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ) .

ألا تفهمون هذه الحقائق الواضحة( أَفَلا تَعْقِلُونَ ) ؟؟

وفي مقابل الفريق المشار إليه سابقا يشير تعالى إلى فريق آخر لم يكتفوا بعدم اقتراف جريمة تحريف الآيات الإلهية وكتمانها فحسب ، بل تمسكوا بحذافيرها وطبقوها في حياتهم حرفا بحرف ، والقرآن يصف هذه الجماعة بأنّهم مصلحو العالم ، ويعترف لهم بأجر جزيل وثواب عظيم ، ويقول عنهم :( وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ) .

وقد وقع كلام بين المفسّرين حول المراد من «الكتاب» وهل أنّه التوراة أو القرآن الكريم؟ بعض ذهب إلى الأوّل ، وبعض إلى الثّاني. والظاهر أنّه إشارة إلى فريق من بني إسرائيل الذين انفصلوا عن الضالين الظالمين ، وعاكسوهم فى سلوكهم وموقفهم. ولا شك أن التمسك بالتوراة والإنجيل وما فيهما من بشائر

٢٧٩

بظهور نبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا ينفصل عن الإيمان بهذا النّبي.

إنّ في التعبير بـ «يمسّكون» الذي هو بمعنى الاعتصام والتمسك بشيء نكتة ملفتة للنظر ، لأنّ التمسك بمعنى الأخذ والالتصاق بشيء لحفظه وصيانته ، وهذه هي الصورة الحسيّة للكلمة ، وأمّا الصورة المعنوية لها فهي أن يلتزم الإنسان بالعقيدة بمنتهى الجدية والحرص ، ويسعى في حفظها وحراستها.

إنّ التمسك بالكتاب الإلهي ليس هو أن يمسك الإنسان بيده أوراقا من القرآن أو التوراة أو الإنجيل أو أي كتاب آخر ويشدّها عليه بقوة ، ويجتهد في حفظ غلافه وورقه من التلف ، بل التمسك الواقعي هو أن لا يسمح لنفسه بأن يرتكب أدنى مخالفة لتعاليم ذلك الكتاب ، وأن يجتهد في تحقيق وتطبيق مفاهيمه من الصميم.

إنّ الآيات الحاضرة تكشف لنا بوضوح عن أنّ الإصلاح الواقعي في الأرض لا يمكن من دون التمسك بالكتب السماوية ، ومن دون تطبيق الأوامر والتعاليم الإلهية ، وهذا التعبير يؤكّد ـ مرّة أخرى ـ هذه الحقيقة ، وهي أنّ الدين ليس مجرّد برنامج يرتبط بعالم ما وراء الطبيعة ، وبدار الآخرة ، بل هو برنامج للحياة البشرية ، ويهدف إلى حفظ مصالح جميع أفراد البشر ، وإجراء مبادئ العدل والسلام والرفاه والاستقرار ، وبالتالي كل مفهوم تشمله كلمة «الإصلاح» الواسعة المعنى.

وما نراه من التركيز على خصوص «الصلاة» من بين الأوامر والتعاليم الإلهية ، فإنّما هو لأجل أن الصلاة الواقعية تقوّي علاقة الإنسان بالله الذي يراه حاضرا وناظرا لجميع أعماله وبرامجه ، ومراقبا لجميع أفعاله وأقواله ، وهذا هو الذي عبر عنه في آيات أخرى بتأثير الصلاة في الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وارتباط هذا الموضوع بإصلاح المجتمع الإنساني أوضح من أن يحتاج إلى بيان.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471