كتاب سليم بن قيس الهلالي

كتاب سليم بن قيس الهلالي0%

كتاب سليم بن قيس الهلالي مؤلف:
المحقق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني
الناشر: نشر الهادي
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 638

كتاب سليم بن قيس الهلالي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: سليم بن قيس الهلالي العامري
المحقق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني
الناشر: نشر الهادي
تصنيف: الصفحات: 638
المشاهدات: 398121
تحميل: 7619

توضيحات:

كتاب سليم بن قيس الهلالي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 638 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 398121 / تحميل: 7619
الحجم الحجم الحجم
كتاب سليم بن قيس الهلالي

كتاب سليم بن قيس الهلالي

مؤلف:
الناشر: نشر الهادي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

متن كتاب سليم

العناوين والأرقام من المحقق

١٢١

١٢٢

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين المنتخبين

١

أسانيد الكتاب(١)

أربعة أسانيد إلى الشيخ الطوسي

* أخبَرَني الرئيس العفيف أبو البقاء هبة الله بن نما بن علي بن حمدون رضي الله عنه، قراءةً عليه بداره بحلة الجامعيّين في جمادى الأولى سنة خمس وستين وخمسمائة، قال: حدثني الشيخ الأمين العالم أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن طحال المقدادي المجاور، قراءةً عليه بمشهد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه سنةعشرين وخمسمائة، قال: حدثنا الشيخ المفيد أبو علي الحسن بن محمد الطوسي رضي الله عنه، في رجب سنة تسعين وأربعمائة.

* وأخبَرَني الشيخ الفقيه أبو عبد الله الحسن بن هبة الله بن رطبة، عن الشيخ المفيد أبي علي عن والده، فيما سمعته يُقرأ عليه بمشهد مولانا السبط الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي صلوات الله عليه، في المحرم من سنة ستين وخمسمائة.

* وأخبَرَني الشيخ المقرئ أبو عبد الله محمد بن الكال، عن الشريف الجليل نظام الشرف أبي الحسن العريضي، عن ابن شهريار الخازن، عن الشيخ أبي جعفر الطوسي.

____________________

١. سبق الكلام عن أسانيد الكتاب ومفردات رجالها في المقدمة.

١٢٣

* وأخبَرَني الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن علي بن شهرآشوب، قراءةً عليه بحلة الجامعيين في شهور سنة سبع وستين وخمسمائة، عن جده شهر آشوب، عن الشيخ السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي رضي الله عنه.

أربعة أسانيد من الشيخ الطوسي إلى سليم

قال: حدثنا ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ومحمد بن أبي القاسم الملقب بماجيلويه عن محمد بن علي الصيرفي عن حماد بن عيسى عن أبان بن أبي عياشعن سليم بن قيس الهلالي .(١)

قال: قال الشيخ أبو جعفر: وأخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري، قال: أخبرنا أبو محمد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري رحمه الله، قال: أخبرنا أبو علي ابن همام بن سهيل، قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن يعقوب بن يزيد ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب وأحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بنأبي عمير عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي .(٢)

____________________

١. في فهرست الشيخ الطوسي هكذا: ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن القاسم الملقب ماجيلويه عن محمد بن علي الصيرفي عن حماد بن عيسى وعثمان بن عيسى عن أبان بن أبي عياش عنه، ورواه حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عنه.

أقول: الظاهر توسط عمر بن أذينة بين أبان وحماد كما مر في المقدمة.

٢. الأسانيد المذكورة إلى هنا هي التي توجد في مفتتح نسخة «ألف»، وهناك سند آخر في مفتتح نسخة «ب» هكذا: «قال: حدثني أبو طالب محمد بن صبيح بن رجاء بدمشق سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، قال: أخبرني أبو عمرو عصمة بن أبي عصمة البخاري، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن المنذر الصنعاني بصنعاء - شيخ صالح مأمون، جار إسحاق بن إبراهيم الدَبري - قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن المنذر الصنعاني الحميري، قال: حدثنا أبو عروة مَعمَر بن راشد البصري، قال: دعاني أبان بن أبي عياش قبل موته ...». والظاهر توسط ابن أذينة بين معمر وأبان.

وهناك أيضاً سند آخر في مفتتح نسخة «د» هكذا: حدثنا الحسن بن أبي يعقوب الدينوري قال: حدثنا  =

١٢٤

٢

مسيرة الكتاب التاريخية

كيف تعرَّف ابن أذينة على أبان؟

قال عمر بن أذينة: دَعاني أبان بن أبي عياش قبل موته بنحو شهر فقال لي: رأيت البارحة رؤيا، أني خليق أن أموت سريعاً. إني رأيتك الغداة ففرحت بك.

إني رأيت الليلة سليم بن قيس الهلالي فقال لي: «يا أبان، إنك ميت في أيامك هذه. فاتَّق الله في وديعتي ولا تضيِّعها، وفِ لي بما ضمنت من كتمانها. ولا تَضَعْها إلا عند رجل من شيعة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه له دين وحَسَب ».

فلما بصرت بك الغداة فرحت برؤيتك وذكرت رؤياي سليم بن قيس.

كيف تعرَّف أبان على سليم؟

لما قَدِم الحجاج العراق (١) سأل عن سليم بن قيس ، فهرب منه فوقع إلينا بالنَوْبَنْدجان(٢) متوارياً، فنزل معنا في الدار. فلم أرَ رجلاً كان أشد إجلالاً لنفسه ولا أشد اجتهاداً ولا أطول حزناً منه، ولا أشد خمولاً لنفسه ولا أشد بغضاً لشهرة نفسه منه. وأنا يومئذٍ ابن أربع عشرة سنة، وقد قرأت القرآن، وكنت أسأله فيحدثني عن أهل بدر.

____________________

= إبراهيم بن عمر اليماني، قال: حدثني عمي عبد الرزاق بن همام الصنعاني عن أبيه عن أبان بن أبي عياش. ومر الكلام حول الأسناد في المقدمة.

١. قدم الحجاج العراق حاكماً عليها من قبل عبد الملك بن مروان فيسنة ٧٥ الهجرية .

٢. كانت مدينة كبيرة من أرض فارس من كورة سابور، قريبة من شعب بوّان الموصوف بالحسن والنزاهة، وقد تدعى نوبنجان. ذكرها في معجم البلدان: ج ٥ ص ٣٠٢، ونزهة القلوب: المقالة الثالثة، ص ١٢٨ وآثار العجم: ص ٩٠ و ٣٠٤.

وقد بقيت اليوم منها قرية صغيرة في جنوبي إيران بين مدينتي شيراز وفسا تدعى «نوبَندكان».

١٢٥

فسمعت منه أحاديث كثيرة عن عمر بن أبي سلمة(١) ابن أم سلمة زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن معاذ بن جبل وعن سلمان الفارسي وعن علي بن أبي طالبعليه‌السلام وأبي ذر والمقداد وعمار والبراء بن عازب. ثم استكتَمَنيها ولم يأخذ عليَّ فيها يميناً.

قراءة سليم كتابه على أبان وتسليمه إياه

فلم ألبث أن حضرَته الوفاة، فدعاني وخلابي وقال: يا أبان، إني قد جاورتك فلم أرَ منك إلا ما أُحب. وإن عندي كتباً سمعتها عن الثقات وكتبتها بيدي؛ فيها أحاديث لا أُحب أن تظهر للناس، لأن الناس ينكرونها ويعظِّمونها. وهي حق أخذتها من أهل الحق والفقه والصدق والبر،عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري والمقداد بن الأسود رضي الله عنهم .

وليس منها حديث أسمعه من أحدهم إلا سألت عنه الآخر حتى اجتمعوا عليه جميعاً، فتبعتهم عليه، وأشياء بعد سمعتها من غيرهم من أهل الحق. وإني هممت حين مرضت أن أحرقها، فتأثَّمت من ذلك وقَطَعت به.(٢) فإن جعلت لي عهد الله عز وجل وميثاقه أن لا تخبر بها أحداً ما دمت حياً؛ ولا تحدِّث بشيئ منها بعد موتي إلا من تثق به كثقتك بنفسك؛ وإن حدَث بك حدثٌ أن تدفعها إلى من تثق به من شيعة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ممن له دين وحسب.

فضمنت ذلك له،فدفعها إليَّ وقرأها كلها عليَّ . فلم يلبث سليم أن هلك، رحمه الله.

إقرار الحسن البصري بمحتوى كتاب سليم

فنظرت فيها بعده فقطعت بها(٣) وأعظمتها واستصعبتها(٤) ، لأن فيها هلاك جميع أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله من المهاجرين والأنصار والتابعين، غير علي بن أبي طالب وأهل بيته

____________________

١. عمر بن أبي سلمة هذا هو الذي قرء كتاب سليم على الإمام السجادعليه‌السلام كما سيجيئ.

٢. تأثَّم أي امتنع من الإثم، وقطع به أي امتنع منه ولم يره صواباً.

٣. أي جزمت بما فيها. في «د»: ففظعت بها.

٤. أي وجدتها صعباً.

١٢٦

صلوات الله عليهم وشيعته.

فكان أول من لقيت بعد قدومي البصرة الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو يومئذ متوارٍ من الحجاج. والحسن يومئذ من شيعة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ومن مفرطيهم(١) ، نادمٌ متلهِّف على ما فاته من نصرة عليعليه‌السلام والقتال معه يوم الجمل. فخلوت به في شرقي دار أبي خليفة الحجاج بن أبي عتاب الديلمي(٢) ؛ فعرضتها عليه، فبكى ثم قال: «ما في أحاديثه شيئ إلا حق، قد سمعته من الثقات من شيعة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وغيرهم ».

تقرير الإمام زين العابدينعليه‌السلام للكتاب

قال أبان: فحججت من عامي ذلك فدخلت على علي بن الحسينعليه‌السلام ، وعنده أبو الطفيل عامر بن واثلة صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - وكان من خيار أصحاب عليعليه‌السلام - ولقيت عنده عمر بن أبي سلمة ابن أم سلمة زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .(٣)

فعرضته عليه وعلى أبي الطفيل وعلى علي بن الحسينعليه‌السلام ذلك أجمع ثلاثة أيام - كل يوم إلى الليل - ويغدو عليه عمر وعامر. فقرآه عليه ثلاثة أيام، فقالعليه‌السلام لي(٤) : «صدق سليم، رحمه الله، هذا حديثنا كله (٥) نعرفه ». وقال أبو الطفيل وعمر بن أبي سلمة: «ما

____________________

١. إن الحسن البصري من المذبذبين المنافقين، وإن أبان يشير إلى نفاقه بقوله: «يومئذ»، أي كان في تلك الأيام يظهر الإفراط في التشيع. راجع عن أحوال الحسن البصري: بحار الأنوار: ج ٢ ص ٦٤، و ج ٤٢ ص ١٤١.

٢. هو الذي توارى عنده الحسن البصري كما يصرح بذلك أبان في الحديث ٥٨. وقد يذكر بعنوان «الحجاج بن عتاب العبدي البصري». وفي «د»: «الدئلي» مكان «الديلمي».

٣. أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني الأسقع ولد عام أحد وأدرك ثماني سنين من حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . كان له منزلة عند أمير المؤمنينعليه‌السلام وشهد صفين وكان يسكن الكوفة ثم انتقل إلى مكة. وهو من جملة من أراد الحجاج قتلهم لكنه نجا لأنه كانت له يد عند عبد الملك. مات سنة ١٠٠ وهو آخر من بقي من الصحابة.

وأبو حفص عمر بن أبي سلمة ربيب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان من أصحابه. كان والياً على البحرين من قبل عليعليه‌السلام وشهد معه صفين. توفي بالمدينة في سنة ٨٣.

٤. «ب»: فقرأته عليهم، فقالوا لي.

٥. «ب»: كلٌّ. «ب» خ ل: كلنا. وفي «د»: كله أعرفه.

١٢٧

فيه حديث إلا وقد سمعناه من علي صلوات الله عليه، ومن سلمان ومن أبي ذر ومن المقداد ».

فقلت لأبي الحسن علي بن الحسينعليه‌السلام : جعلت فداك، إنه ليضيق صدري ببعض ما فيه، لأن فيه هلاك أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله رأساً من المهاجرين والأنصار والتابعين، غيركم أهل البيت وشيعتكم.

فقالعليه‌السلام : يا أخا عبد القيس، أما بلغك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « إن مثل أهل بيتي في أمتي كمثل سفينة نوح في قومه، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق. وكمثل باب حطة في بني إسرائيل »؟(١) فقلت: نعم. قال: من حدثك؟ فقلت: قد سمعته من أكثر من مائة من الفقهاء. فقال: ممن؟ فقلت: سمعته من حنش بن المعتمر، وذكر أنه سمعه من أبي ذر وهو آخذ بحلقة باب الكعبة ينادي به نداءً ويرويه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .(٢) فقال: وممن؟ فقلت: ومن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه سمعه من أبي ذر ومن المقداد بن الأسود الكندي ومن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه. فقال: وممن؟(٣) فقلت: ومن سعيد بن المسيِّب وعلقمة بن قيس، ومن أبي ظبيان الجنبي، ومن عبد الرحمن بن أبي ليلى(٤) - كل هؤلاء حاجين - أخبروا أنهم سمعوا من أبي ذر.

____________________

١. « باب حطة » في بني إسرائيل كان علامة الخضوع أمام الأوامر الإلهية، ولذلك كان الوجب عليهم أن يدخلوا منها في حالة السجود ليعرف خضوعهم. فتشبيه أهل البيتعليهم‌السلام بباب حطة لأن الخلق بالتواضع والخضوع أمامهم يخضعون تجاه الأوامر الإلهية، فقد ورد في إثبات الهداة: ج ١ ص ٦١٨ ح ٦٥٧ أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل الذي من دخله غفرت ذنوبه واستحق الزيادة من خالِقه كما قال الله عز وجل: أدخلوا الباب سجِّداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين. راجع عن باب حطة: البحار: ج ١٣ ص ١٨٥ - ١٨٠.

٢. أوردنا هذا الحديث عن سليم في المستدركات: الحديث ٧٥.

٣. من هنا إلى آخر العبارة في «د» هكذا: قال: وممن نقلت؟ قلت: من سعيد بن المسيِّب وعلقمة بن قيس وأبي ظبيان الجنبي وأبي وائل أنهم سمعوه من أبي ذر، ومن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعاصم بن ضمرة وهبيرة بن مريم عن عليعليه‌السلام .

ثم إن أبا وائل هو شقيق بن سلمة مات في إمارة عمر بن عبد العزيز. وعاصم بن ضمرة السلولي من أصحاب عليعليه‌السلام . وهبيرة بن مريم الحميري الكوفي من أصحاب عليعليه‌السلام .

٤. أبو محمد سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي المتوفى سنة ٩٤؛ رباه أمير المؤمنينعليه‌السلام وقد عُدَّ في  =

١٢٨

وقال أبو الطفيل وعمر بن أبي سلمة: « ونحن والله سمعنا من أبي ذر، وسمعناه من علي بن أبي طالبعليه‌السلام والمقداد وسلمان ». ثم أقبل عمر بن أبي سلمة فقال: والله، لقد سمعته ممن هو خير من هؤلاء كلهم، سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، سمعتْه أذناي ووعاه قلبي.

فأقبل عليَّ علي بن الحسينعليه‌السلام فقال:أوَليس هذا الحديث وحده ينتظم جميع ما أفظعك وعظم في صدرك من تلك الأحاديث ؟ اتق الله يا أخا عبد القيس، فإن وضح لك أمر فاقبله وإلا فاسكت تسلم وردَّ علمه إلى الله، فإنك في أوسع مما بين السماء والأرض. قال أبان: فعند ذلك سألته عما يسعني جهله وعما لا يسعني جهله، فأجابني بما أجابني.

أبان وأبو الطفيل

قال أبان: ثم لقيت أبا الطفيل بعد ذلك في منزله، فحدثني في الرجعة عن أناس من أهل بدر وعن سلمان وأبي ذر والمقداد وأُبيِّ بن كعب.(١) وقال أبو الطفيل: فعرضت ذلك الذي سمعته منهم على علي بن أبي طالبعليه‌السلام بالكوفة، فقال لي: « هذا علم خاص يسع الأمة جهله وردُّ علمه إلى الله تعالى ». ثم صدَّقني بكل ما حدَّثوني فيها وقرأ عليَّ بذلك قرآناً كثيراً وفسَّره تفسيراً شافياً، حتى صرت ما أنا بيوم القيامة بأشد يقيناً مني بالرجعة.(٢)

____________________

= الخمس الذين كانوا حواري علي بن الحسينعليه‌السلام .

وعلقمة بن قيس كان فقيهاً في دينه قارئاً لكتاب الله عالماً بالفرائض وهو من كبار التابعين ورؤسائهم وزهادهم، وكان من ثقات أمير المؤمنينعليه‌السلام . شهد صفين وأصيبت إحدى رجليه فعرج منها.

وأبو ظبيان حصين بن جندب بن الحارث الجنبي من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام من اليمن؛ تابعي مشهور الحديث. مات سنة ٩٠.

وعبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، عربي كوفي من خواص أمير المؤمنينعليه‌السلام ومن أصحابه من اليمن. شهد مع عليعليه‌السلام مشاهده وهو الذي ضربه الحجاج حتى اسودَّ كتفاه. قتل سنة ٨٢.

١. أبو المنذر أبيَّ بن كعب بن قيس بن عبيد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . شهد العقبة مع السبعين وكان يكتب الوحي. شهد بدراً والعقبة وهو من الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر.

٢. راجع عن «الرجعة»: البحار: ج ٥٣ ص ٣٩ ب ٢٩.

١٢٩

وكان مما قلت: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن حوض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أفي الدنيا هو أم في الآخرة؟ فقال: بل في الدنيا.(١) قلت: فمن الذائد عنه؟ قال: أنا بيدي هذه، فليرِدَنَّه أوليائي وليصرفنَّ عنه أعدائي.

قلت: يا أمير المؤمنين، قول الله تعالى:( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ ... ) الآية (٢) ، ما الدابة؟ قال: يا أبا الطفيل، أُلْهُ(٣) عن هذا.

فقلت:يا أمير المؤمنين، أخبرني به جعلت فداك. قال: هي دابة تأكل الطعام وتمشي في الأسواق وتنكح النساء.

فقلت: يا أمير المؤمنين، من هو؟ قال: هو زرُّ الأرض(٤) الذي إليه تسكن الأرض.

قلت: يا أمير المؤمنين، من هو؟ قال: صديق هذه الأمة وفاروقها ورئيسها وذو قرنها.

قلت: يا أمير المؤمنين، من هو؟ قال: الذي قال الله عز وجل:( وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ ) (٥) ، والذي( عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) (٦) ،( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ ) (٧) ،والذي( صَدَّقَ بِهِ ) أنا،والناس كلهم

____________________

١. الظاهر - بقرينة كلمة «بل» - أنهعليه‌السلام يريد بذلك أن أصل الحوض في الدنيا وهو محبة محمد وآلهعليهم‌السلام وولايتهم وبغض أعدائهم كما يستفاد ذلك من أحاديث كثيرة. يراجع البحار: ج ٨ ص ١٦ الباب ٢٠.

٢. سورة النمل: الآية ٨٢. وبقية الآية هكذا:( أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ) . روى في البحار: ج ٣٩ ص ٢٤٣ ح ٣١ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: انتهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو نائم في المسجد قد جمع رملاً ووضع رأسه عليه. فحرَّكه برجله ثم قال: قم يا دابة الله! فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله، أيسمى بعضنا بعضاً بهذا الاسم؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا والله، ما هو إلا له خاصة وهو دابة الأرض الذي ذكر الله في كتابه:( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ) .

ثم قال: يا علي، إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسم تسم به أعداءك ....

٣. «ب»: إليك.

٤. زرُّ الأرض كناية عمّا به قوامها.

٥. سورة هود: الآية ١٧، وما قبل الآية هكذا:( أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ ) .

٦. سورة الرعد: الآية ٤٣، وما قبل الآية هكذا:( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) .

٧. سورة الزمر: الآية ٣٣. وتمام الآية هكذا:( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) .

١٣٠

كافرون غيري وغيره.(١)

قلت: يا أمير المؤمنين، فسمِّه لي. قال: قد سميته لك.

يا أبا الطفيل، والله لو دخلت على عامة شيعتي الذين بهم أقاتل، الذين أقروا بطاعتي وسموني «أمير المؤمنين» واستحلوا جهاد من خالفني، فحدثتهم شهراً ببعض ما أعلم من الحق في الكتاب الذي نزل به جبرئيل على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وببعض ما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لتفرَّقوا عني حتى أبقى في عصابة حقٍّ قليلة، أنت وأشباهك من شيعتي.

ففزعت وقلت: يا أمير المؤمنين، أنا وأشباهي نتفرَّق عنك أو نثبت معك؟ قال: لا، بل تثبتون.

ثم أقبل عليَّ فقال: إن أمرنا صعب مستصعب لا يعرفه ولا يَقِرُّ به إلا ثلاثة: ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن نجيب امتحن الله قلبه للإيمان. يا أبا الطفيل،إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبض فارتدَّ الناس ضُلالاً وجُهالاً (٢) ،إلا من عصمه الله بنا أهل البيت .

قراءة أبان كتاب سليم على ابن أذينة وتسليمه إياه

قال عمر بن أذينة: ثم دفع إليَّ أبان «كتاب سليم بن قيس الهلالي العامري »، ولم يلبث أبان بعد ذلك إلا شهراً(٣) حتى مات. فهذه نسخة كتاب سليم بن قيس العامري الهلالي، دفعه إليَّ أبان بن أبي عياش وقرأه عليَّ. وذكر أبان أنه قرأه على علي بن الحسينعليه‌السلام فقال: «صدق سليم، هذا حديثنا نعرفه ».(٤)

____________________

١. أي أنا الذي صدَّقت الصدق الذي جاء به، والناس كلهم كانوا كافرين به ومكذبين له غيري وغير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . وفي «د» هكذا: والذي جاء بالصدق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والذي صدق به (أنا) أيام كان الناس كلهم كافرين مكذبين غيري وغيره.

٢. في «د»: فارتدَّ الناس بعده كفاراً.

٣. «ب»: شهرين.

٤. في مختصر البصائر: «هذه أحاديثنا صحيحة»، والظاهر أنه نقل بالمعنى.

١٣١

١

كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في اللحظة الأخيرة من عمره المبارك

قال سليم: سمعت سلمان الفارسي يقول: كنت جالساً بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه الذي قبض فيه. فدخلت فاطمةعليها‌السلام ، فلما رأت ما برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الضعف خنقتها العبرة حتى جرت دموعها على خدَّيها.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا بنيَّة، ما يبكيك؟ قالت: يا رسول الله،أخشى على نفسي وولدي الضيعة من بعدك .

آل محمدعليهم‌السلام خيرة الله في أرضه

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - واغرورقت عيناه بالدموع -: يا فاطمة، أوَما علمت إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنه حتم الفناء على جميع خلقه وإن الله تبارك وتعالى اطَّلع إلى الأرض اطلاعة فاختارني منهم فجعلني نبياً. ثم اطَّلع إلى الأرض ثانية فاختار بعلك وأمرني أن أزوِّجك إياه، وأن أتَّخذه أخاً ووزيراً ووصياً وأن أجعله خليفتي فيأمتي.

فأبوك خير أنبياء الله ورسله، وبعلك خير الأوصياء والوزراء، وأنت أوَّل من يلحقني من أهلي. ثم اطَّلع إلى الأرض إطِّلاعة ثالثة فاختارك وأحد عشر رجلاً من ولدك وولد أخي بعلك منك.

بشارة النبي بالأئمة الإثني عشرعليهم‌السلام

فأنت سيِّدة نساء أهل الجنة وابناك الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنَّة، وأنا

١٣٢

وأخي والأحد عشر إماماً أوصيائي إلى يوم القيامة، كلهم هادون مهديون.

أول الأوصياء بعد أخي، الحسن ثم الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين في منزل واحد في الجنة . وليس منزل أقرب إلى الله من منزلي ثم منزل إبراهيم وآل إبراهيم.

إكرام الله لفاطمةعليها‌السلام

أما تعلمين - يا بنية - أن من كرامة الله إياك أن زوَّجك خير أمتي وخير أهل بيتي، أقدمهم سلماً وأعظمهم حلماً وأكثرهم علماً وأكرمهم نفساً وأصدقهم لساناً وأشجعهم قلباً وأجودهم كفاً وأزهدهم في الدنيا وأشدهم اجتهاداً. فاستبشرت فاطمةعليها‌السلام بما قال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفرحت.

ميزات أمير المؤمنينعليه‌السلام

ثم قال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن لعلي بن أبي طالبثمانية أضراس ثواقب نوافذ ، ومناقب ليست لأحد من الناس:

إيمانه بالله وبرسوله قبل كل أحد ولم يسبقه إلى ذلك أحد من أمتي، وعلمه بكتاب الله وسنتي وليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي غير بعلك، لأن الله علمني علماً لا يعلمه غيري وغيره، ولم يعلِّم ملائكته ورسله وإنما علمه إياي وأمرني الله أن أعلِّمه علياً ففعلت ذلك. فليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي وفهمي وفقهي كله غيره.وإنك - يا بنية - زوجته، وإن ابنيه سبطاي الحسن والحسين وهما سبطا أمتي. وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وإن الله جل ثناؤه علَّمه الحكمة وفصل الخطاب.

ميزات أهل البيتعليهم‌السلام الخاصة

يا بنية، إنا أهل بيت أعطانا اللهسبع خصال لم يعطها أحداً من الأولين ولا أحداً من الآخرين غيرنا: أنا سيد الأنبياء والمرسلين وخيرهم، ووصيي خير الوصيين، ووزيري بعدي خير الوزراء، وشهيدنا خير الشهداء أعني حمزة عمي.

١٣٣

قالت: يا رسول الله، سيد الشهداء الذين قتلوا معك؟ قال: لا، بل سيد الشهداء من الأولين والآخرين ما خلا الأنبياء والأوصياء.(١)

وجعفر بن أبي طالب ذو الهجرتين وذو الجناحين المضرَّجين يطير بهما مع الملائكة في الجنة.(٢) وابناك الحسن والحسين سبطا أمتي وسيدا شباب أهل الجنة.ومنا - والذي نفسي بيده - مهدي هذه الأمة الذي يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

قالت فاطمةعليها‌السلام : يا رسول الله، فأيُّ هؤلاء الذين سمَّيت أفضل؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أخي عليٌّ أفضل أمتي، وحمزة وجعفر هذان أفضل أمتي بعد علي وبعدك وبعد ابنيَّ وسبطيَّ الحسن والحسين وبعد الأوصياء من ولد ابني هذا - وأشار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيده إلى الحسينعليه‌السلام - منهم المهدي. والذي قبله أفضل منه؛ الأول خير من الآخر لأنه إمامه والآخر وصي الأول. إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا.

إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بتظاهر الأمة على عليعليه‌السلام من بعده

ثم نظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى فاطمة وإلى بعلها وإلى ابنيها فقال: يا سلمان، أشهد الله أني حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم. أما إنهم معي في الجنَّة.

ثم أقبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على عليعليه‌السلام فقال: يا علي، إنك ستلقي بعدي من قريش شدةً، من تظاهرهم عليك وظلمهم لك. فإن وجدت أعواناً عليهم فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك، فإن لم تجد أعواناً فاصبر وكفِّ يدك ولا تلق بيدك إلى التهلكة،

____________________

١. «ب»: ما خلا النبيين والوصيين. وبيان ذلك أن الأنبياء والأوصياء لا يقاسوا بغيرهم وخاصة المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم وقد تواترت الروايات بأن أبا عبد الله الحسين بن عليعليه‌السلام هو سيد الشهداء من الأولين والآخرين.

٢. ذكر حمزة وجعفر قبل أصحاب الكساء إنما هو للتقدم الزماني أو أن الكلام في بيان خير الشهداء كما ترى بيانه بعد ذلك بأسطر.

١٣٤

فإنك مني بمنزلة هارون من موسى، ولك بهارون أسوة حسنة. إنه قال لأخيه موسى(١) : ( إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي ) .

____________________

١. سورة الأعراف: الآية ١٥٠، وتمام الآية هكذا:( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) .

١٣٥

٢

تظاهر الأمة على عليعليه‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

قال سليم: وحدَّثني علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال: كنت أمشي مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض طرق المدينة. فأتينا على حديقة فقلت: يا رسول الله، ما أحسنها من حديقة! قال: ما أحسنها! ولك في الجنة أحسن منها.

ثم أتينا على حديقة أخرى، فقلت: يا رسول الله، ما أحسنها من حديقة! قال: ما أحسنها! ولك في الجنة أحسن منها. حتى أتينا على سبع حدائق، أقول: يا رسول الله، ما أحسنها! ويقول: لك في الجنة أحسن منها.

عليعليه‌السلام الشهيد الوحيد الفريد

فلما خلا له الطريق اعتنقني، ثم أجهش باكياً فقال:بأبي الوحيد الشهيد! فقلت: يا رسول الله، ما يبكيك؟ فقال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي، أحقاد بدر وتِرات أحد.

قلت: في سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك.

برنامج النبيعليه‌السلام لعليصلى‌الله‌عليه‌وآله

فأبشر يا علي، فإن حياتك وموتك معي، وأنت أخي وأنت وصيي وأنت صفيي ووزيري ووارثي والمؤدي عني، وأنت تقضي ديني وتنجز عداتي عني، وأنت تبرء ذمتي وتؤدي أمانتي وتقاتل على سنتي الناكثين من أمتي والقاسطين والمارقين، وأنت

١٣٦

مني بمنزلة هارون من موسى، ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه قومه وكادوا يقتلونه.

فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك، فإنك بمنزلة هارون من موسى ومن تبعه وهم بمنزلة العجل ومن تبعه. وإن موسى أمر هارون حين استخلفه عليهم: إن ضلوا فوجد أعواناً أن يجاهدهم بهم، وإن لم يجد أعواناً أن يكفَّ يده ويحقن دمه ولا يفرق بينهم.

اختلاف الأمة امتحان إلهي

يا علي، ما بعث الله رسولاً إلا وأسلم معه قوم طوعاً وقوم آخرون كرهاً، فسلط الله الذين أسلموا كرهاً على الذين أسلموا طوعاً فقتلوهم ليكون أعظم لأجورهم.

يا علي، وإنه ما اختلفت أمة بعد نبيِّها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقِّها،وإن الله قضى الفرقة والاختلاف على هذه الأمة ، ولو شاء لجمعهم على الهدى حتى لا يختلف اثنان من خلقه ولا يتنازع في شئ من أمره، ولا يجحد المفضول ذا الفضل فضله. ولو شاء عجَّل النقمة فكان منه التغيير(١) حتى يُكذَّب الظالم ويعلم الحق أين مصيره، ولكن جعل الدنيا دار الأعمال وجعل الآخرة دار القرار،( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) .(٢)

فقلت: الحمد لله شكراً على نعمائه وصبراً على بلائه وتسليماً ورضىً بقضائه.

____________________

١. أي لو شاء الله أن ينصر أوليائه لعجَّل النقمة على الظالمين وغيَّر النعمة عليهم.

٢. سورة النجم: الآية ٣١.

١٣٧

٣

قضايا السقيفة على لسان البراء بن عازب

وعن سليم، قال: سمعت البراء بن عازب يقول:

كنت أحب بني هاشم حباً شديداً في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد وفاته.

كيفية تغسيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

فلما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى علياًعليه‌السلام أن لا يلي غسله غيره، وأنه لا ينبغي لأحد أن يرى عورته غيره، وأنه ليس أحد يرى عورة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلا ذهب بصره.

فقال عليعليه‌السلام : يا رسول الله، فمن يعينني على غسلك؟ قال: جبرائيل في جنود من الملائكة.

فكان عليعليه‌السلام يغسِّله، والفضل بن العباس مربوط العينين يصبُّ الماء والملائكة يقلِّبونه له كيف شاء. ولقد أراد عليعليه‌السلام أن ينزع قميص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فصاح به صائح: « لا تنزع قميص نبيك، يا علي ». فأدخل يده تحت القميص فغسِّله ثم حنَّطه وكفَّنه، ثم نزع القميص عند تكفينه وتحنيطه.

مفاجأة أهل البيتعليهم‌السلام بعمل أصحاب السقيفة

قال البراء بن عازب: فلما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تخوفت أن تتظاهر قريش على إخراج هذا الأمر من بني هاشم.

فلما صنع الناس ما صنعوا من بيعة أبي بكر أخذني ما يأخذ الواله الثكول مع ما بي من الحزن لوفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

١٣٨

فجعلت أتردَّد وأرمق وجوه الناس، وقد خلا الهاشميون برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لغسله وتحنيطه. وقد بلغني الذي كان من قول سعد بن عبادة ومن اتَّبعه من جهلة أصحابه، فلم أحفل بهم وعلمت أنه لا يؤول إلى شيء.

فجعلت أتردَّد بينهم وبين المسجد وأتفقَّد وجوه قريش. فإني لكذلك إذ فقدت أبا بكر وعمر. ثم لم ألبث حتى إذا أنابأبي بكر وعمر وأبي عبيدة قد أقبلوا في أهل السقيفة وهم محتجزون بالأزر الصنعانيةلا يمرُّ بهم أحد إلا خبطوه ، فإذا عرفوه مدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر، شاء ذلك أم أبى!(١)

فأنكرت عند ذلك عقلي جزعاً منه، مع المصيبة برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فخرجت مسرعاً حتى أتيت المسجد، ثم أتيت بني هاشم، والباب مغلقٌ دونهم. فضربت الباب ضرباً عنيفاً وقلت: يا أهل البيت! فخرج إليَّ الفضل بن العباس، فقلت: قد بايع الناس أبا بكر! فقال العباس: « قد تَرِبَت أيديكم منها إلى آخر الدهر. أما إني قد أمرتكمفعصيتموني ».

ما جرى بين صالحي الصحابة ليلة السقيفة

فكمثت أكابد ما في نفسي. فلما كان الليل خرجت إلى المسجد، فلما صرت فيه تذكَّرت أني كنت أسمع همهمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالقرآن. فانبعثت من مكاني فخرجت نحو الفضاء - فضاء بني بياضة -، فوجدت نفراً يتناجون. فلما دنوت منهم سكتوا، فانصرفت عنهم، فعرفوني وما عرفتهم، فدعوني إليهم فأتيتهم فإذاً المقداد وأبو ذر وسلمان وعمار بن ياسر وعبادة بن الصامت وحذيفة بن اليمان والزبير بن العوام،

____________________

١. روى الشيخ المفيد في كتاب «الجمل»: ص ٥٩ عن أبي مخنف بأسناده قال: كان جماعة من الأعراب قد دخلوا المدينة ليتماروا منها، فشغل الناس عنهم بموت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فشهدوا البيعة وحضروا الأمر.

فأنفذ إليهم عمر واستدعاهم وقال لهم: «خذوا بالحظ من المعونة على بيعة خليفة رسول الله واخرجوا إلى الناس واحشروهم ليبايعوا، فمن امتنع فاضربوا رأسه وجبينه ». قال: والله، لقد رأيت الأعراب تحزَّموا واتشحوا بالأُزر الصنعانية وأخذوا بأيديهم الخشب وخرجوا حتى خبطوا الناس خبطاً وجاءوا بهم مكرهين للبيعة.

١٣٩

وحذيفة يقول: والله ليفعلنَّ ما أخبرتكم به. فوالله ما كذبت ولا كذبت.

وإذاً القوم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين والأنصار. فقال حذيفة: انطلقوا بنا إلى أبيِّ بن كعب فقد علم مثل ما علمت.

فانطلقنا إلى أبيِّ بن كعب فضربنا عليه بابه، فأتى حتى صار خلف الباب، ثم قال: من أنتم؟ فكلَّمه المقداد. فقال: ما جاء بكم؟ فقال: إفتح بابك، فإن الأمر الذي جئنا فيه أعظم من أن يجري وراء الباب. فقال: ما أنا بفاتح بابي، وقد علمت ما جئتم له. وما أنا بفاتح بابي، كأنَّكم أردتم النظر في هذا العقد.

فقلنا: نعم. فقال: أفيكم حذيفة؟ فقلنا: نعم. قال: القول ما قال حذيفة، فأما أنا فلا أفتح بابي حتى يجري على ما هو جار عليه،ولما يكون بعدها شر منها ، وإلى الله جل ثنائه المشتكى.

قال: فرجعوا. ثم دخل أبيِّ بن كعب بيته.

محاولة أصحاب السقيفة تطميع العباس في الخلافة

قال: وبلغ أبا بكر وعمر الخبر، فأرسلا إلى أبي عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة فسألاهما الرأي. فقال المغيرة بن شعبة: أرى أن تلقوا العباس بن عبد المطلب فتطمعوه في أن يكون له في هذا الأمر نصيب يكون له ولعقبه من بعده فتقطعوا عنكم بذلك ناحية علي بن أبي طالب، فإن العباس بن عبد المطلب لو صار معكم كانتالحجة على الناس وهان عليكم أمر علي بن أبي طالب وحده.

قال: فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة حتى دخلوا على العباس بن عبد المطلب فيالليلة الثانية من وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال: فتكلَّم أبو بكر فحمد الله جل وعز وأثنى عليه ثم قال: إن الله بعث لكم محمداً نبياً وللمؤمنين ولياً، فمنَّ الله عليهم بكونه بين ظهرانيهم، حتى اختار له ما عنده وترك للناس أمرهم ليختاروا لِأنفسهم مصلحتهم، متفقين لا مختلفين. فاختاروني عليهم

١٤٠