كتاب سليم بن قيس الهلالي

كتاب سليم بن قيس الهلالي0%

كتاب سليم بن قيس الهلالي مؤلف:
المحقق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني
الناشر: نشر الهادي
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 638

كتاب سليم بن قيس الهلالي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: سليم بن قيس الهلالي العامري
المحقق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني
الناشر: نشر الهادي
تصنيف: الصفحات: 638
المشاهدات: 398146
تحميل: 7619

توضيحات:

كتاب سليم بن قيس الهلالي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 638 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 398146 / تحميل: 7619
الحجم الحجم الحجم
كتاب سليم بن قيس الهلالي

كتاب سليم بن قيس الهلالي

مؤلف:
الناشر: نشر الهادي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) .(١) فقال سلمان: يا رسول الله، عامة هذا أم خاصة؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أمَّا المأمورون فعامة المؤمنين أُمروا بذلك، وأمَّا الصادقون فخاصة لأخي علي وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة »؟ قالوا: اللهمَّ نعم.

قال: أنشدكم الله، أتعلمون أني قلت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة تبوك: لمَ خلَّفتني؟ قال: «إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»؟ قالوا: اللهمَّ نعم.

قال: أنشدكم الله، أتعلمون أن الله أنزل في سورة الحج:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، وَجَاهِدُوا فِي اللَّـهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّـهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) .(٢) فقام سلمان فقال: يا رسول الله، من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد وهم شهداء على الناس، الذين اجتباهم الله ولم يجعل عليهم في الدين من حرج، ملة أبيهم إبراهيم؟ قال: عنى بذلك ثلاثة عشر رجلاً خاصة دون هذه الأمة. قال سلمان: بيِّنهم لنا يا رسول الله؟فقال: « أنا وأخي وأحد عشر من ولدي ». قالوا: اللهمَّ نعم.

فقال: أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قام خطيباً ثم لم يخطب بعد ذلك فقال: «يا أيها الناس، إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي. فتمسكوا بهما لن تضلوا، فإن اللطيف الخبير أخبرني وعهد إليَّ أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض». فقام عمر بن الخطاب - وهو شبه المغضب - فقال: يا رسول الله، أكل

____________________

١. سورة التوبة: الآية ١١٩.

٢. سورة الحج: الآية: ٧٨.

٢٠١

أهل بيتك؟ قال: «لا، ولكن أوصيائي منهم. أولهم أخي علي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي. هو أولهم، ثم ابني الحسن، ثم ابني الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد حتى يردوا عليَّ الحوض. شهداء الله في أرضه وحججه على خلقه وخزان علمه ومعادن حكمته. من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله»؟

فقالوا كلهم: نشهد أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال ذلك.

وصف مجلس المناشدة

ثم تمادى بعليعليه‌السلام السؤال، فما ترك شيئاً إلا ناشدهم الله فيه وسألهم عنه حتى أتى على آخر مناقبه وما قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كثيراً، كل ذلك يصدقونه ويشهدون أنه حق.

قال: فلم يدع شيئاً مما أنزل الله فيه خاصة أو فيه وفي أهل بيته في القرآن ولا على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلا ناشدهم الله فيه. فمنه ما يقولون جميعاً: «نعم» ومنه ما يسكت بعضهم ويقول بعضهم: «اللهمَّ نعم» ويقول الذين سكتوا للذين أقرَّوا: أنتم عندنا ثقاة، وقد حدثنا غيركم ممن نثق به أنهم سمعوه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثم قال حين فرغ: اللهمَّ اشهد عليهم. قالوا: اللهمَّ اشهد أنا لم نقل إلا حقاً وما قد سمعناه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد حدثنا من نثق به أنهم سمعوه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال: أتقرون بأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «من زعم أنه يحبني ويبغض علياً فقد كذب وليس يحبني» - ووضع يده على رأسي - فقال له قائل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: «لأنه مني وأنا منه، ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله»؟ فقال نحو من عشرين رجلاً من أفاضلالحيين: «اللهمَّ نعم»، وسكت بقيتهم.

فقال عليعليه‌السلام للسكوت: ما لكم سكوت؟ فقالوا: هؤلاء الذين شهدوا عندنا ثقاة

٢٠٢

في صدقهم وفضلهم وسابقتهم. فقال عليعليه‌السلام : اللهمَّ اشهد عليهم. فقالوا: اللهمَّ إنا لم نشهد ولم نقل إلا ما سمعنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وما حدثنا به من نثق به من هؤلاء وغيرهم أنهم سمعوه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٣

كلمات بين أمير المؤمنينعليه‌السلام وطلحة

سبعة أجوبة عن حديث أبي بكر المختلق في الخلافة

فقالطلحة بن عبيد الله - وكان يقال له «داهية قريش» -: فكيف نصنع بما ادَّعى أبو بكر وعمر وأصحابه الذين صدَّقوه وشهدوا على مقالته يوم أتوا بك تُعتلُّ وفي عنقك حبل، فقالوا لك: «بايع»، فاحتججت بما احتججت به من الفضل والسابقة، فصدقوك جميعاً. ثم ادعى أنه سمع نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «إن الله أبى أن يجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة»، فصدَّقهعمر وأبو عبيدة بن الجراح وسالم ومعاذ بن جبل ؟!

ثم أقبل طلحة فقال: كل الذي ذكرت وادعيت حق وما احتججت به من السابقة والفضل نحن نقرُّ به ونعرفه، وأما الخلافة فقد شهد أولئك الخمسة بما سمعت!

الجواب الأول: فضح تعاهدهم على الصحيفة الملعونة

فقام عند ذلك عليعليه‌السلام - وغضب من مقالة طلحة - فأخرج شيئاً قد كان يكتمه وفسَّر

٢٠٣

شيئاً قد كان قاله يوم مات عمر لم يدروا ما عنى به(١) ، وأقبل على طلحة - والناس يسمعون - فقال: يا طلحة،أما والله ما من صحيفة ألقى الله بها يوم القيامة أحب إليَّ من صحيفة هؤلاء الخمسة الذين تعاهدوا على الوفاء بها في الكعبة في حجة الوداع: «إن قتل الله محمداً أو مات أن يتوازروا ويتظاهروا عليَّ فلا أصل إلى الخلافة»!

الجواب الثاني: حديث الغدير

وقالعليه‌السلام : والدليل - يا طلحة - على باطل ما شهدوا عليه قول نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم: «من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه»، فكيف أكون أولى بهم من أنفسهم وهم أُمراء عليَّ وحُكّام؟!

الجواب الثالث: حديث المنزلة

وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة»، أفَلستم تعلمون أن الخلافة غير النبوة؟ ولو كان مع النبوة غيرها لَاستثناه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الجواب الرابع: حديث الثقلين

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إني تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وعترتي لا تتقدموهم ولا تتخلفوا عنهم ولا تعلِّموهم فإنهم أعلم منكم»، فينبغي أن لا يكون الخليفة على الأمة إلا أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه وقد قال الله:( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٢) ، وقال:( وَزَادَهُ بَسْطَةً

____________________

١. عن المفضل بن عمر قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن معنى قول أمير المؤمنينعليه‌السلام لما نظر إلى الثاني وهو مسجى بثوبه: «ما من أحد أحب إليَّ أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى». فقالعليه‌السلام : عنى بها صحيفته التي في الكعبة. راجع البحار: ج ٨ طبع قديم ص ٢٧. وروي في ص ٢٢ عن حذيفة بن اليمان أنه قال: وهي الصحيفة التي تمنى أمير المؤمنينعليه‌السلام لما توفي عمر فوقف به وهو مسجى بثوبه قال: «ما أحبَّ إليَّ أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجى»!

٢. سورة يونس: الآية ٣٥.

٢٠٤

فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ) (١) ، وقال:( أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (٢) وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما ولَّت أمة قط أمرها رجلاً وفيهم أعلم إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا»، فما الولاية غير الإمارة على الأمة؟!

الجواب الخامس: حديث التسليم عن عليعليه‌السلام بإمرة المؤمنين

والدليل على كذبهم وباطلهم وفجورهم أنهم سلموا علي بإمرة المؤمنين بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي الحجة عليهم وعليك خاصة وعلى هذا الذي معك - يعني الزبير - وعلى الأمة رأساً وعلى هذين - وأشار إلى سعد وابن عوف - وعلى خليفتكم هذا الظالم - يعني عثمان -.

الجواب السادس: الشورى التي أمر بها عمر

وإنا معشر الشورى الستة أحياء كلنا، فلِم جعلني عمر في الشورى إن كان قد صدق هو وأصحابه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ أجعلنا في الشورى في الخلافة أم في غيرها؟ فإن زعمتم أنه جعلها شورى في غير الإمارة فليس لعثمان إمارة علينا ولا بد من أن نتشاور في غيرها لأنه أمرنا أن نتشاور في غيرها؟ وإن كانت الشورى فيها فلِم أدخلني فيكم؟ فهلا أخرجني وقد قال: «إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخرج أهل بيته من الخلافة فأخبر أنه ليس لهم فيها نصيب»؟!

الجواب السابع: ما قال عمر عند موته

ولم قال عمر - حين دعانا رجلاً رجلاً - لابنه عبد الله - وها هو ذا(٣) - أنشدك بالله، ما قال لك حين خرجنا؟ فقال عبد الله: أما إذ ناشدتني فإنه قال: «إن بايعوا أصلع

____________________

١. سورة البقرة: الآية ٢٤٧.

٢. سورة الأحقاف: الآية ٤.

٣. كان عبد الله بن عمر حاضر المجلس كما مر في صدر الحديث فأشارعليه‌السلام إليه وصيِّر الخطاب إليه.

٢٠٥

بني هاشم حملهم على المحجة البيضاء، وأقامهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم»!

ثم قالعليه‌السلام : يا بن عمر، فما قلت أنت عند ذلك؟ قال: قلت له: فما يمنعك - يا أبه - أن تستخلفه؟ قال: فما ردَّ عليك؟ قال: ردَّ عليَّ شيئاً أكتمه! قالعليه‌السلام : فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أخبرني بكل ما قال لك وقلت له. قال: ومتى أخبرك؟! قالعليه‌السلام : أخبرني في حياته ثم أخبرني به ليلة مات أبوك في منامي، ومن رآى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام فقد رآه في اليقظة.

قال له ابن عمر: فما أخبرك؟ قالعليه‌السلام : أنشدك الله يا بن عمر، لئن حدثتك به لتصدِّقني. قال: أو أسكت! قال: فإنه قد قال لك - حين قلت له: «فما يمنعك أن تستخلفه؟» - قال:الصحيفة التي كتبناها بيننا والعهد الذي تعاهدنا عليه في الكعبة في حجة الوداع! فسكت ابن عمر فقال: أسألك بحق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما أمسكت عني!

قال سليم: فلقد رأيت ابن عمر في ذلك المجلس وقد خنقته العبرة وعيناه تسيلان دموعاً.

شورى عمر غير الشرعية

ثم أقبل عليعليه‌السلام على طلحة والزبير وابن عوف وسعد قال: والله إن كان أولئك الخمسة كذبوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فما يحل لكم ولايتهم، وإن كانوا صدقوا ما حل لكم - أيها الخمسة - أن تدخلوني معكم في الشورى لأن إدخالكم إياي فيه خلاف على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورغبة عنه.

الخلافة والإمامة فقط للأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام

ثم أقبل عليعليه‌السلام على الناس فقال: أخبروني عن منزلتي فيكم وما تعرفوني به، أصدوق أنا عندكم أم كذاب؟ فقالوا: بل صديق صدوق، لا والله ما علمناك كذبت في

٢٠٦

جاهلية ولا إسلام. قالعليه‌السلام : فوالله الذي أكرمنا أهل البيت بالنبوة فجعل منا محمداً وأكرمنا من بعده بأن جعلنا أئمة المؤمنين، لا يبلغ(١) عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله غيرنا ولا تصلح الإمامة والخلافة إلا فينا،ولم يجعل الله معنا أهل البيت لأحد من الناس فيها نصيباً ولا حقاً .

أما رسول الله، فخاتم النبيين ليس بعده رسول ولا نبي، ختم الأنبياء برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يوم القيامة، وختم بالقرآن الكتب إلى يوم القيامة، وجعلنا من بعد محمد خلفاء في أرضه وشهداء على خلقه وفرض طاعتنا في كتابه وقرننا بنفسه ونبيه في الطاعة في غير آية من القرآن. والله جعل محمداً نبياً وجعلنا خلفاء من بعده في خلقه وشهداء على خلقه وفرض طاعتنا في كتابه المنزل، ثم أمر الله جل وعز نبيه أن يبلغ ذلك أمته،فبلغهم كما أمره الله عز وجل.

من هو الأحق بمجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

فأيُّهما أحق بمجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبمكانه، وقد سمعتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين بعثني ببراءة فقال: «إنه لا يصلح أن يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني»؟ فأنشدكم الله، أسمعتم ذلك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قالوا: اللهمَّ نعم، نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين بعثك ببراءة.

قال: فلم يصلح لصاحبكم أن يبلغ عنه صحيفة قدر أربع أصابع ولم يصلح أن يكون المبلِّغ لها غيري! فأيُّهما أحق بمجلسه ومكانه؟ الذي سماه خاصة أنه من رسول الله أو من خص من بين هذه الأمة أنه ليس من رسول الله؟!(٢)

____________________

١. قوله «لا يبلغ ...» جواب للقسم.

٢. المراد أنا أحق بمقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو أبو بكر الذي علَّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمته في تبليغ سورة البراءة أنه خاصةً ليس من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢٠٧

ألم يقل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ليبلغ الشاهد الغائب؟

فقال طلحة: قد سمعنا ذلك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففسِّر لنا كيف لا يصلح لأحد أن يبلغ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد قال لنا ولسائر الناس: «ليبلغ الشاهد منكم الغائب »، وقال بعرفة حين حج حجة الوداع: «رحم الله امرء سمع مقالتي فوعاها ثم أبلغها عني، فربِّ حامل فقه ولا فقه له وربِّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاثة لا يغلُّ(١) عليهن قلب امرء مسلم: إخلاص العمل لله، والسمع والطاعة والمناصحة لولاة الأمر، ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم محيطة من ورائهم»؛ وقام في غير موطن فقال: «ليبلغ الشاهد الغائب »؟

فقال علي بن أبي طالبعليه‌السلام : إن الذي قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم ويوم عرفة في حجة الوداع ويوم قبض(٢) . فانظر في آخر خطبة خطبها حين قال: «إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما، كتاب الله وأهل بيتي. فإن اللطيف الخبير قد عهد إليَّ أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض كهاتين الأصبعين - وأشار بمسبحته والوسطى - فإن إحديهما قدام الأخرى فتمسكوا بهما لا تضلوا ولا تزلوا،ولا تقدموهم ولا تخلِّفوا عنهم ولا تعلِّموهم فإنهم أعلم منكم».

وإنما أمر العامة أن يبلغوا من لقوا من العامة بإيجاب طاعة الأئمة من آل محمد عليهم‌السلام وإيجاب حقهم، ولم يقل ذلك في شئ من الأشياء غير ذلك . وإنما أمر العامة أن يبلغوا العامة بحجة من لا يبلغ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جميع ما بعثه الله به غيرهم.

____________________

١. روي في البحار: ج ٢١ ص ١٣٨ ح ٣٣ عن الصادقعليه‌السلام قال: خطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجد الخيف: نضَّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يبلغه. يا أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب. فرب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله والنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم. المؤمنون إخوة، تتكافئ دماؤهم وهم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم.

والمراد من ذكر هذه الفقرة إيراد موارد قوله «ليبلغ الشاهد الغائب».

٢. معنى الجملة: أن قوله «ليبلغ الشاهد الغائب» كان في هذه المواضع الثلاثة.

٢٠٨

ألا ترى يا طلحة، إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي - وأنتم تسمعون -: يا أخي، إنه لا يقضي عني ديني ولا يبرئ ذمتي غيرك. أنت تبرئ ذمتي وتؤدي أمانتي وتقاتل على سنتي». فلما ولّى أبو بكر هل قضى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دينه وعداته؟ فأثبتُّهم جميعاً فقضيت دينه وعداته. وأخبرهم أنه لا يقضي عنه دينه وعداته غيري. ولم يكن ما أعطاهم أبو بكر بقضاء لدينه وعداته، وإنما كان قضاي دينه وعداته هو الذي أبرء ذمته وقضى أمانته.

الأئمةعليهم‌السلام هم مبلغوا أوامر الله إلى الناس

وإنما يبلغ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جميع ما جاء عن الله عز وجلالأئمة الذين فرض الله طاعتهم في كتابه وأمر بولايتهم ، الذين من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله.

فقال طلحة: فرجت عني، ما كنت أدري ما عنى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك حتى فسرته لي. فجزاك الله يا أبا الحسن خيراً عن جميع الأمة.

٤

كلمة عن جمع القرآن

جمع أمير المؤمنينعليه‌السلام للقرآن

يا أبا الحسن، شئ أُريد أن أسألك عنه: رأيتك خرجت بثوب مختوم عليه فقلت: «يا أيها الناس، إني لم أزل مشغولاً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بغسله وتكفينه ودفنه. ثم شغلت بكتاب الله حتى جمعته، فهذا كتاب الله مجموعاً لم يسقط منه حرف»؛ فلم أرَ ذلك الكتاب الذي كتبت وألَّفت.

٢٠٩

جمع عمر وعثمان للقرآن

ولقد رأيت عمر بعث إليك - حين استخلف - أن ابعث به إليَّ، فأبيت أن تفعل. فدعا عمر الناس، فإذا شهد اثنان على آية قرآن كتبها وما لم يشهد عليها غير رجل واحد رماها ولم يكتبه! وقد قال عمر - وأنا أسمع -: «إنه قد قتل يوم اليمامة رجال كانوا يقرؤون قرآناً لا يقرأه غيرهم فذهب»، وقد جاءت شاة إلى صحيفة - وكُتَاب عمريكتبون - فأكلَتْها وذهب ما فيها، والكاتب يومئذ عثمان! فما تقولون؟ (١)

وسمعت عمر يقول وأصحابه الذين ألَّفوا ما كتبوا على عهد عثمان: «إن الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة، والنور ستون ومائة آية، والحجرات تسعون آية»! فما هذا؟ وما يمنعك - يرحمك الله - أن تخرج إليهم ما قد ألفت للناس؟

وقد شهدت عثمان حين أخذ ما ألف عمر فجمع له الكتاب وحمل الناس على قراءة واحدة ومزَّق مصحف أبي بن كعب وابن مسعود وأحرقهما بالنار.(٢) فما هذا؟

____________________

١. لا يخفى أن هذا كله كلام طلحة في كيفية جمع القرآن كما يوجد مثله في كتب العامة أيضاً، أنظر: منتخب كنز العمال: ج ٢ ص ٤٢ و ٤٥. مسند أحمد: ج ٥ ص ١١٧. كنز العمال: ج ٢ ص ٥٦٩. الإتقان: ج ٢ ص ٢٥. الدر المنثور: ج ٦ ص ٣٧٨.

وروى الفضل بن شاذان في كتاب «الإيضاح»: ص ١١٢ عن العامة: أن أبا بكر وعمر جمعا القرآن من أوله إلى آخره من أفواه الرجال بشهادة شاهدين وكان الرجل الواحد منهم إذا أتى بآية سمعها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقبلا منه، وإذا جاء اثنان بآية قبلاها وكتباها. وأن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف كانا وضعا صحيفة فيها القرآن ليكتباها فجاءت شاة فأكلت الصحيفة التي فيها القرآن، فذهب من القرآن جميع ما كان في تلك الصحيفة. وأن عمر قال: لقد قتل باليمامة قوم يقرؤون قرآناً لا يقرؤه غيرهم، فذهب من القرآن ما كان عند هؤلاء النفر.

وأما كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام في تأييد القرآن الموجود فسيجئ بعد أسطر.

٢. روي في البحار: ج ٨ (طبع قديم) ص ٣٠٨: أن عثمان جمع الناس على قراءة زيد بن ثابت خاصة وأحرق المصاحف وكتب المصاحف السبعة على المشهور بين القراء، فبعث بواحد منها إلى الكوفة وبواحد إلى البصرة وإلى كل من الشام ومكة واليمن والبحرين بواحد وأمسك في المدينة مصحفاً كانوا يقولون له «الإمام».

٢١٠

إملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للقرآن على أمير المؤمنينعليه‌السلام

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : يا طلحة، إن كل آية أنزلها الله في كتابه على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله عندي بإملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخطي بيدي، وتأويل كل آية أنزلها الله على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وكل حلال أو حرام أو حد أو حكم أو أي شيئ تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة عندي مكتوب بإملاء رسول الله وخط يدي حتى أرش الخدش.

قال طلحة: كل شيئ من صغير أو كبير أو خاص أو عام، كان أو يكون إلى يوم القيامة فهو مكتوب عندك؟

قال: نعم، وسوى ذلك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أسرَّ إليَّ في مرضه مفتاح ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب.ولو أن الأمة منذ قبض الله نبيه اتبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم رغداً إلى يوم القيامة .

ما كتب في الكتف بإملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

يا طلحة، ألست قد شهدت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: «إن نبي الله يهجر»! فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم تركها؟ قال: بلى، قد شهدت ذاك.

قال: فإنكم لما خرجتم أخبرني بذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبالذي أراد أن يكتب فيها وأن يشهد عليها العامة. فأخبره جبرائيل: «أن الله عز وجل قد علم من الأمة الاختلاف والفرقة»، ثم دعا بصحيفة فأملى عليَّ ما أراد أن يكتب في الكتف وأشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان وأبا ذر والمقداد،وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة . فسماني أولهم ثم ابني هذا - وأدنى بيده إلى الحسن - ثم الحسين ثم تسعة من ولد ابني هذا - يعني الحسين -. كذلك كان يا أبا ذر وأنت يا مقداد؟

فقاموا وقالوا: نشهد بذلك على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقال طلحة: والله لقد سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لأبي ذر: «ما أظلت الخضراء ولا أقلَّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ولا أبر عند الله»، وأنا أشهد أنهما

٢١١

لم يشهدا إلا على حق، ولأنت أصدق وآثر عندي منهما.

ثم أقبلعليه‌السلام على طلحة فقال: إتق الله يا طلحة وأنت يا زبير وأنت يا سعد وأنت يا بن عوف، اتقوا الله وآثروا رضاه واختاروا ما عنده ولا تخافوا في الله لومة لائم.

سند القرآن الموجود في زماننا

قال طلحة: ما أراك - يا أبا الحسن - أجبتني عمّا سألتك عنه من أمر القرآن! ألا تظهره للناس؟ قالعليه‌السلام : يا طلحة، عمداً كففت عن جوابك.

قال: فأخبرني عما كتب عمر وعثمان، أقرآنٌ كله أم فيه ما ليس بقرآن؟ قالعليه‌السلام :بل هو قرآن كله ، إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنة، فإن فيه حجتنا وبيان أمرنا وحقنا وفرض طاعتنا. فقال طلحة: حسبي،أما إذا كان قرآناً فحسبي .

ثم قال طلحة: فأخبرني عما في يديك من القرآن وتأويله وعلم الحلال والحرام، إلى من تدفعه ومن صاحبه بعدك؟ قالعليه‌السلام : إلى الذي أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن أدفعه إليه.

قال: من هو؟ قال: وصيي وأولى الناس بالناس بعدي، ابني هذا الحسن، ثم يدفعه ابني الحسن عند موته إلى ابني هذا الحسين، ثم يصير إلى واحد بعد واحد من ولد الحسين، حتى يرد آخرهم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حوضه. وهم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم.

اثنا عشر إمام ضلالة من قبائل قريش

أما إن معاوية وابنه سيليان بعد عثمان، ثم يليهما سبعة من ولد الحكم بن أبي العاص، واحداً بعد واحد تكملة اثني عشر إمام ضلالة، وهم الذين رآهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على منبره يردون أمته على أدبارهم القهقرى؛ عشرة منهم من بني أمية ورجلان أسَّسا ذلك لهم، وعليهما مثل أوزار هذه الأمة.

فقالوا: يرحمك الله يا أبا الحسن وغفر لك وجزاك الله أفضل الجزاء عنا بنصحك وحسن قولك.

٢١٢

١٢

خطبة أمير المؤمنينعليه‌السلام في السنة الأخيرة من عمره المبارك

أبان عن سليم قال: كنا جلوساً حول أمير المؤمنينعليه‌السلام وعنده جماعة من أصحابه، فقال له قائل: يا أمير المؤمنين، لو استنفرت الناس.

فقام وخطب فقال: ألا إني قد استنفرتكم فلم تنفروا ونصحتكم فلم تقبلوا، ودعوتكم فلم تسمعوا. فأنتم شهود كغياب وأحياء كأموات وصم ذوو أسماع، أتلو عليكم الحكمة وأعظكم بالموعظة الشافية الكافية وأحثكم على الجهاد لأهل الجور، فما آتي على آخر كلامي حتى أراكم متفرقين حلقاً شتى، تتناشدون الأشعار وتضربونالأمثال وتسألون عن سعر التمر واللبن!

تبَّت أيديكم، لقد سئمتم الحرب والاستعداد لها، وأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها، شغلتموها بالأباطيل والأضاليل والأعاليل. ويحكم، أُغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غُزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا. وأيم الله ما أظن أن تفعلوا حتى يفعلوا ثم وددت أني قد رأيتهم فلقيت الله على بصيرتي ويقيني واسترحت من مقاساتكم ومنممارستكم. فما أنتم إلا كإبل جمة ضل راعيها، فكلما ضمت من جانب انتشرت من جانب. كأني بكم والله فيما أرى، لو قد حمس الوغى واستحرَّ الموت قد انفرجتم عن علي بن أبي طالب انفراج الرأس وانفراج المرأة عن ولدها لا تمنع يد لامس.

٢١٣

لماذا لم يفعل أمير المؤمنينعليه‌السلام ما فعل عثمان من السكوت؟

قال الأشعث بن قيس الكندي: فهلا فعلت كما فعل ابن عفان؟

فقال عليعليه‌السلام : يا عرف النار(١) ، أوَ كما فعل ابن عفان رأيتموني فعلت؟ أنا عائذ بالله من شر ما تقول، يا بن قيس، والله إن الذي فعل ابن عفان لمخزاة لمن لا دين له ولا الحق في يده، فكيف أفعل ذلك وأنا على بينة من ربي وحجته في يدي والحق معي؟!

والله إن امرء مكن عدوه من نفسه حتى يجزَّ لحمه ويفري جلده ويهشم عظمه ويسفك دمه وهو يقدر على أن يمنعه لعظيم وزره وضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره. فكن أنت ذلك يا بن قيس! فأما أنا فدون - والله - أن أعطي بيدي ضرب بالمشرفي تطير له فراش الهام وتطيح منه الكف والمعصم ويفعل الله بعد ما يشاء.

ويلك يا بن قيس، المؤمن يموت بكل موتة غير أنه لا يقتل نفسه، فمن قدر على حقن دمه ثم خلا بينه وبين قاتله فهو قاتل نفسه.

ويلك يا بن قيس، إن هذه الأمة تفترق على ثلاث وسبعين فرقة، فرقة واحدة منها في الجنة واثنتان وسبعون في النار. وشرها وأبغضها إلى الله وأبعدها منه السامرة الذين يقولون: «لا قتال»، وكذبوا. قد أمر الله عز وجل بقتال هؤلاء الباغين في كتابه وسنة نبيه وكذلك المارقة.

لماذا لم يقم أمير المؤمنينعليه‌السلام بالسيف في قضايا السقيفة

فقال الأشعث بن قيس - وغضب من قوله -: فما يمنعك يا بن أبي طالب حين بويع أخو تيم بن مرة وأخو بني عدي بن كعب وأخو بني أمية بعدهما، أن تقاتل وتضرب بسيفك؟ وأنت لم تخطبنا خطبة - منذ كنت قدمت العراق - إلا وقد قلت فيها قبل

____________________

١. خطاب إلى الأشعث بن قيس. روي في البحار: ج ٤١ ص ٣٠٦ أن أمير المؤمنينعليه‌السلام كان يسمي أشعثاً «عنق النار» فسُئل عن ذلك فقال: إن الأشعث إذا حضرته الوفاة دخل عليه عنق من النار ممدود من السماء فتحرقه وقت وفاته، فلا يدفن إلا وهو فحمة سوداء. فلما توفي نظر سائر من حضر إلى النار وقد دخلت عليه كالعنق الممدود حتى أحرقته وهو يصيح ويدعو بالويل والثبور.

٢١٤

أن تنزل عن منبرك: «والله إني لأولى الناس بالناس وما زلت مظلوما منذ قبض الله محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله ». فما منعك أن تضرب بسيفك دون مظلمتك؟

فقال له عليعليه‌السلام : يا بن قيس، قلت فاسمع الجواب: لم يمنعني من ذلك الجبن ولا كراهيّة للقاء ربي، وأن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لي من الدنيا والبقاء فيها، ولكن منعني من ذلك أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعهده إليَّ.

أخبرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما الأمة صانعة بي بعده، فلم أكُ بما صنعوا - حين عاينته - بأعلم مني ولا أشد يقيناً مني به قبل ذلك، بل أنا بقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أشد يقيناً مني بما عاينت وشهدت. فقلت: يا رسول الله، فما تعهد إليَّ إذا كان ذلك؟ قال: إن وجدت أعواناً فانبذ إليهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعواناً فاكفف يدك واحقن دمك حتى تجد على إقامة الدين وكتاب الله وسنتي أعواناً.

وأخبرنيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن الأمة ستخذلني وتبايع غيري وتتبع غيري.

وأخبرنيصلى‌الله‌عليه‌وآله أني منه بمنزلة هارون من موسى، وأن الأمة سيصيرون من بعده بمنزلة هارون ومن تبعه والعجل ومن تبعه، إذ قال له موسى:( يا هارونُ، ما مَنَعَكَ إذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ألّا تَتَّبِعَنِ أفَعَصَيْتَ أمْري قالَ يَا بْنَ أمَّ إن القَوْمَ اسْتَضْعَفُوني وَكادُوا يَقْتُلُونَني ) ، وقال:( يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ) .(١) وإنما يعني: إن موسى أمر هارون - حين استخلفه عليهم - إن ضلوا فوجد أعواناً أن يجاهدهم، وإن لم يجد أعواناً أن يكف يده ويحقن دمه ولا يفرق بينهم. وإني خشيت أن يقول لي ذلك أخي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لِم فرَّقت بين الأمة ولم ترقب قولي وقد عهدت إليك إن لم تجد أعواناً أن تكف يدك وتحقن دمك ودم أهل بيتك وشيعتك »؟

____________________

١. سورة الأعراف: الآية ١٥٠.(شبكة الإمامين الحسنين: طه:٩٢ - ٩٣ - ٩٤)

٢١٥

إقدام أمير المؤمنينعليه‌السلام لمحاربة أبي بكر وعمر

فلما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مال الناس إلى أبي بكر فبايعوه وأنا مشغول برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بغسله ودفنه. ثم شغلت بالقرآن، فآليت على نفسي أن لا أرتدي إلا للصلاة حتى أجمعه في كتاب، ففعلت.

ثم حملت فاطمة وأخذت بيد ابني الحسن والحسين، فلم أدع أحداً من أهل بدر وأهل السابقة من المهاجرين والأنصار إلا ناشدتهم الله في حقي ودعوتهم إلى نصرتي. فلم يستجب لي من جميع الناس إلا أربعة رهط: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير، ولم يكن معي أحد من أهل بيتي أصول به ولا أقوى به، أما حمزة فقتل يوم أحد، وأماجعفر فقتل يوم مؤتة، وبقيت بين جلفين جافيين ذليلين حقيرين عاجزين: العباس وعقيل، وكانا قريبي العهد بكفر.

فأكرهوني وقهروني ، فقلت كما قال هارون لأخيه: «يا بن أم، إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني». فلي بهارون أسوة حسنة ولي بعهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حجة قوية.

قالعليه‌السلام : فقال الأشعث: كذلك صنع عثمان، استغاث بالناس ودعاهم إلى نصرته فلم يجد أعواناً فكف يده حتى قتل مظلوماً.

قالعليه‌السلام : ويلك يا بن قيس، إن القوم - حين قهروني واستضعفوني وكادوا يقتلونني - لو قالوا لي: «نقتلك البتة» لامتنعت من قتلهم إياي ولو لم أجد غير نفسي وحدي، ولكن قالوا: «إن بايعت كففنا عنك وأكرمناك وقربناك وفضلناك وإن لم تفعل قتلناك». فلما لم أجد أحداً بايعتهم، وبيعتي إياهم لا يحق لهم باطلاً ولا يوجب لهم حقاً.

فلو كان عثمان - حين قال له الناس: «اخلعها ونكف عنك» - خلعها لم يقتلوه، ولكنه قال: «لا أخلعها». قالوا: «فإنا قاتلوك»، فكف يده عنهم حتى قتلوه. ولعمري لخلعه إياها كان خيراً له، لأنه أخذها بغير حق ولم يكن له فيها نصيب وادعى ما ليس له وتناول حق غيره.

٢١٦

عثمان أعان على قتل نفسه

ويلك يا بن قيس، إن عثمان لا يعدو أن يكون أحد رجلين: إما أن يكون دعا الناس إلى نصرته فلم ينصروه، وإما أن يكون القوم دعوه إلى أن ينصروه فنهاهم عن نصرته، فلم يكن يحل له أن ينهى المسلمين عن أن ينصروا إماماً هادياً مهتدياً لم يحدث حدثاً ولم يؤوِ محدثا. وبئس ما صنع حين نهاهم! وبئس ما صنعوا حين أطاعوه! وإماأن يكون جوره وسوء سريرته قضى أنهم لم يروه أهلاً لنصرته لجوره وحكمه بخلاف الكتاب والسنة.

وقد كان مع عثمان - من أهل بيته ومواليه وأصحابه - أكثر من أربعة آلاف رجل، ولو شاء أن يمتنع بهم لفعل. فلِم نهاهم عن نصرته؟ولو كنت وجدت يوم بويع أخو تيم تتمة أربعين رجلاً مطيعين لي لجاهدتهم ، وأما يوم بويع عمر وعثمان فلا، لأني قد كنت بايعت ومثلي لا ينكث بيعته.

مواقف أمير المؤمنينعليه‌السلام في الحروب

ويلك يا بن قيس، كيف رأيتني صنعت حين قتل عثمان إذ وجدت أعواناً؟ هل رأيت مني فشلاً أو تأخُّراً أو جُبناً أو تقصيراً في وقعتي يوم البصرة وهم حول جملهم. الملعون من معه، الملعون من قتل حوله، الملعون من رجع بعده لا تائباً ولا مستغفراً، فإنهم قتلوا أنصاري ونكثوا بيعتي ومثَّلوا بعاملي وبغوا عليَّ. وسرتُ إليهم فياثني عشر ألفاً وهم نيف على عشرين ومائة ألف، فنصرني الله عليهم وقتلهم بأيدينا وشفى صدور قوم مؤمنين.

وكيف رأيت - يا بن قيس - وقعتنا بصفين وما قتل الله منهم بأيدينا خمسين ألفاً في صعيد واحدٍ إلى النار.

٢١٧

وكيف رأيتنا يوم النهروان، إذ لقيت المارقين وهم مستمسكون يومئذ بدين الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً؟! فقتلهم الله بأيدينا في صعيد واحد إلى النار لم يبق منهم عشرة ولم يقتلوا من المؤمنين عشرة.

ويلك يا بن قيس، هل رأيت لي لواء ردَّ أو راية ردَّت؟ إياي تُعيِّر يا بن قيس؟! وأنا صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في جميع مواطنه ومشاهده والمتقدم إلى الشدائد بين يديه، لا أفر ولا أزول ولا أعيى ولا أنحاز ولا أمنح العدو دبري، لأنه لا ينبغي للنبي ولا للوصي إذا لبس لامَته وقصد لعدوه أن يرجع أو ينثني حتى يقتل أو يفتح الله له.

لو وجدت أربعين رجلاً مثل الأربعة!!

يا بن قيس، هل سمعت لي بفرار قط أو نَبوةٍ؟

يا بن قيس، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إني لو وجدت يوم بويع أخو تيم - الذي عيَّرتني بدخولي في بيعته - أربعين رجلاً كلهم على مثل بصيرة الأربعة الذين قد وجدت لما كففت يدي ولَناهضت القوم، ولكن لم أجد خامساً فأمسكت.

قال الأشعث: فمن الأربعة، يا أمير المؤمنين؟

قالعليه‌السلام :سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير بن صفية قبل نكثه بيعتي ، فإنه بايعني مرتين: أما بيعته الأولى التي وَفى بها فإنه لما بويع أبو بكر أتاني أربعون رجلاً من المهاجرين والأنصار فبايعوني وفيهم الزبير، فأمرتهم أن يصبحوا عند بابي محلقين رؤوسهم عليهم السلاح، فما وفى لي ولا صدَّقني منهم أحد غير أربعة: سلمان وأبو ذر والمقدادوالزبير.

وأما بيعته الأخرى إياي، فإنه أتاني هو وصاحبه طلحة بعد ما قتل عثمان فبايعاني طائعَين غير مكرهين، ثم رجعا عن دينهما مرتدَّين ناكثين مكابرين معاندين

٢١٨

خاسرين، فقتلهما الله إلى النار.وأما الثلاثة - سلمان وأبو ذر والمقداد - فثبتوا على دين محمد عليه‌السلام وعلى ملة إبراهيم حتى لحقوا بالله يرحمهم الله .

يا بن قيس، والذي فلق الحبة وبرء النسمة، لو أن أولئك الأربعين الذين بايعوا وفَوا لي وأصبحوا على بابي محلقين رؤوسهم قبل أن تجب لعتيق في عنقي بيعته لناهضته وحاكمته إلى الله عز وجل. ولو وجدت قبل بيعة عثمان أعواناً لَناهضتهم وحاكمتهم إلى الله، فإن ابن عوف جعلها لعثمان واشترط عليه فيما بينه وبينه أن يردها عليه عندموته، وأما بعد بيعتي إياهم فليس إلى مجاهدتهم سبيل.

الشيعة، النواصب، المستضعفون

فقال الأشعث: والله لئن كان الأمر كما تقول لقد هلكت أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله غيرك وغير شيعتك.

فقال له عليعليه‌السلام : فإن الحق والله معي يا بن قيس كما أقول. وما هلك من الأمة إلا الناصبون والناكثون والمكابرون والجاحدون والمعاندون؛ فأما من تمسك بالتوحيد والإقرار بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله والإسلام ولم يخرج من الملة ولم يظاهر علينا الظلمة ولم ينصب لنا العداوة وشك في الخلافة ولم يعرف أهلها ووُلاتها ولم يعرف لنا ولاية ولم ينصب لنا عداوة، فإن ذلك مسلم مستضعف يرجى له رحمة الله ويتخوف عليه ذنوبه.

قال أبان: قال سليم بن قيس: فلم يبق يومئذ من شيعة عليعليه‌السلام أحد إلا تهلل وجهه وفرح بمقالته، إذ شرح أمير المؤمنينعليه‌السلام الأمر وباح به وكشف الغطاء وترك التقية. ولم يبق أحد من القراء ممن كان يشك في الماضين ويكف عنهم ويدع البراءة منهم ورعاً وتأثُّماً إلا استيقن واستبصر وحسن رأيه وترك الشك يومئذ والوقوف. ولم يبق حوله ممن أبى بيعته إلا على وجه ما بويع عليه عثمان والماضون قبله إلا رُئيَ ذلك في

٢١٩

وجهه وضاق به أمره وكره مقالته. ثم إنه استبصر عامتهم وذهب شكهم.(١)

قال أبان عن سليم: فما شهدت يوماً قط على رؤوس العامة كان أقر لأعيُننا من ذلك اليوم، لما كشف أمير المؤمنينعليه‌السلام للناس من الغطاء وأظهر فيه من الحق وشرح فيه من الأمر والعاقبة وألقى فيه من التقية؛ وكثرت الشيعة بعد ذلك المجلس من ذلك اليوم وتكلموا؛ وقد كانوا أقل أهل عسكره وسائر الناس يقاتلون معه على غير علم بمكانه من الله ورسوله، وصارت الشيعة بعد ذلك المجلس أجل الناس وأعظمهم.

شهادة أمير المؤمنينعليه‌السلام

وذلك بعد وقعة أهل النهروان وهو يأمر بالتهيئة والمسير إلى معاوية. ثم لم يلبث أن قتل صلوات الله عليه، قتله ابن ملجم لعنه الله غيلةً وفتكاً، وقد كان سيفه مسموماً قد سمَّه قبل ذلك. وصلى الله على سيدنا أمير المؤمنين وسلَّم تسليماً.

____________________

١. المراد أن عدداً من الناس أبوا بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام إلا على وجه ما بويع أبو بكر وعمر وعثمان. وهؤلاء لما سمعوا هذه الخطبة والاحتجاج منهعليه‌السلام كرهوا مقالته ورُئي أثر الكراهة في وجوههم. وفي «ج» هكذا: ولم يبق أحد ممن أبى بيعته على وجه الأرض ممن بايع عثمان، بلغه ذلك إلا ضاق صدره وكره مقالته.

٢٢٠