كتاب سليم بن قيس الهلالي

كتاب سليم بن قيس الهلالي0%

كتاب سليم بن قيس الهلالي مؤلف:
المحقق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني
الناشر: نشر الهادي
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 638

كتاب سليم بن قيس الهلالي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: سليم بن قيس الهلالي العامري
المحقق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني
الناشر: نشر الهادي
تصنيف: الصفحات: 638
المشاهدات: 398152
تحميل: 7619

توضيحات:

كتاب سليم بن قيس الهلالي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 638 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 398152 / تحميل: 7619
الحجم الحجم الحجم
كتاب سليم بن قيس الهلالي

كتاب سليم بن قيس الهلالي

مؤلف:
الناشر: نشر الهادي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٣

إتمام الحجة على أبي بكر وعمر وعثمان في خلافة عليعليه‌السلام

وأعظم من ذلك كله أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع ثمانين رجلاً، أربعين من العرب وأربعين من العجم - وهما فيهم - فسلموا علي بإمرة المؤمنين. ثم قال: «إني أشهدكم أن علياً أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي ووصيي في أهلي وولي كل مؤمن بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا»، وفيهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعدوعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة وسالم ومعاذ بن جبل ورهط من الأنصار. ثم قال: «إني أشهد الله عليكم».

الانتخاب أو الانتصاب أو الشورى

ثم أقبل عليعليه‌السلام على القوم فقال:سبحان الله، مما أشربت قلوب هذه الأمة من بليتهما وفتنتهما، من عجلها وسامريها . إنهم أقروا وادعوا أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخلف أحداً وأنه أمر بالشورى وقال من قال: «إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخلف أحداً وإن نبي الله قال: «إن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت بين النبوة والخلافة»، وقد قال لأولئك الثمانين رجلاً: «سلموا على عليعليه‌السلام بإمرة المؤمنين» وأشهدهم على ما أشهدهم عليه.

والعجب أنهم أقروا ثم ادعوا أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخلف أحداً وأنهم أمروا بالشورى، ثم أقروا أنهم لم يشاوروا في أبي بكر وأن بيعته كانت فلتة.وأي ذنب أعظم من الفلتة .

ثم استخلف أبو بكر عمر ولم يقتد برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيدعهم بغير استخلاف! فقيل له في ذلك؛ فقال: «أدع أمة محمد كالنعل الخلق، أدعهم بغير أحد أستخلف عليهم»؟ طعناً منه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورغبة عن رأيه!!

٢٤١

ثم صنع عمر شيئاً ثالثاً. لم يدعهم على ما ادعى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخلف ولا استخلف كما استخلف أبو بكر، وجاء بشيء ثالث وجعلها شورى بين ستة نفر وأخرج منها جميع العرب. ثم حظى بذلك عند العامة، فجعلهم مع ما أشربت قلوبهم من الفتنة والضلالة أقراني!

ثم بايع ابن عوف عثمان فبايعوه، وقد سمعوا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في عثمان ما قد سمعوا من لعنه إياه في غير موطن.(١)

أبو بكر وعمر أسوء حالاً من عثمان

فعثمان على ما كان عليه خير منهما.

ولقد قال منذ أيام قولاً رققت له وأعجبتني مقالته. بينما أنا قاعد عنده في بيته إذ أتته عائشة وحفصة تطلبان ميراثهما من ضياع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمواله التي بيده، فقال: «لا والله ولا كرامة لكما ولا نعمت عنه ولكن أجيز شهادتكما على أنفسكما. فإنكما شهدتما عند أبويكما أنكما سمعتما من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «النبي لا يورث، ما ترك فهو صدقة». ثم لقَّنتما أعرابياً جلفاً يبول على عقبيه ويتطهَّر ببوله «مالك بن أوس بن الحدثان» فشهد معكما، ولم يكن في أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من المهاجرين ولا من الأنصار أحد شهد بذلك غيركما وغير أعرابي. أما والله، ما أشك أنه قد كذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكذبتما عليه معه. ولكني أجيز شهادتكما على أنفسكما فاذهبا فلا حق لكما.

فانصرفتا من عنده تلعنانه وتشتمانه . فقال: ارجعا، أليس قد شهدتما بذلك عند أبي بكر؟ قالتا: نعم. قال: فإن شهدتما بحق فلا حق لكما، وإن كنتما شهدتما بباطل فعليكما وعلى من أجاز شهادتكما على أهل هذا البيت لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

قالعليه‌السلام : ثم نظر إلي فتبسم ثم قال: يا أبا الحسن، أشفيتك منهما؟ قلت: نعم، والله

____________________

١. راجع عن لعن عثمان: الحديث ٤ من هذا الكتاب.

٢٤٢

وأبلغت وقلت حقاً، فلا يرغم الله إلا آنافهما.

فرققت لعثمان وعلمت أنه إنما أراد بذلك رضاي وأنه أقرب منهما رحماً وأكف عنا منهما،وإن كان لا عذر له ولا حجة بتأميره علينا وادعائه حقنا .

٢٤٣

١٥

من احتجاجات أمير المؤمنينعليه‌السلام حول أبي بكر وعمر وعثمان

وصف رجال الحرب

أبان عن سليم، قال: سمعت علي بن أبي طالبعليه‌السلام يقول قبل وقعة صفين:

إن هؤلاء القوم لن ينيبوا إلى الحق ولا إلى كلمة سواء بيننا وبينهم حتى يرموا بالعساكر تتبعها العساكر، وحتى يردفوا بالكتائب تتبعها الكتائب، وحتى يجر ببلادهم الخميس تتبعها الخميس، وحتى تشن الغارات عليهم من كل فج عميق، وحتى يلقاهم قوم صُدْق صُبُر لا يزيدهم هلاك من هلك من قتلاهم وموتاهم في سبيل الله إلاجداً في طاعة الله.

الصحبة الصادقون مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

والله لقد رأيتنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نقتل آبائنا وأبنائنا وأخوالنا وأعمامنا وأهل بيوتاتنا، ثم لا يزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليماً وجداً في طاعة الله واستقلالاً بمبارزة الأقران. وإن كان الرجل منا والرجل من عدونا ليتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس الموت. فمرة لنا من عدونا ومره لعدونا منا. فلما رآنا اللهصُدْقاً وصُبُراً أنزل الكتاب بحسن الثناء علينا والرضا عنا وأنزل علينا النصر.

فرار أبي بكر وعمر في الحروب وسوء أدبهما عند الصلح!

ولست أقول: إن كل من كان مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك، ولكن أعظمهم وجلُّهم وعامَّتهم كانوا كذلك. ولقد كانت معنا بطانة لا تألونا خبالاً. قال الله عز وجل:( قَدْ بَدَتِ

٢٤٤

الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ) (١) .

ولقد كان منهم بعض من تفضِّله أنت وأصحابك - يا ابن قيس - فارَين، فلا رمى بسهم ولا ضرب بسيف ولا طعن برمح(٢) . إذا كان الموت والنزال لاذ وتوارى واعتل، ولاذ كما تلوذ النعجة العوراء لا تدفع يد لامس، وإذا لقي العدو فر ومنح العدو دبره جبناً ولؤماً(٣) ، وإذا كان عند الرخاء والغنيمة تكلم، كما قال الله:( سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ

____________________

١. سورة آل عمران: الآية ١١٨. وقوله( لا تألونا خبالاً ) أي لا تقصرون في فساد الأمور.

٢. روي في البحار: ج ٢٩ ص ٥٦٤ خطبة أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي قال فيه:

يا معشر المجاهدين المهاجرين والأنصار! أين كانت سبقة تيم وعدي إلى سقيفة بني ساعدة خوف الفتنة؟! إلا كانت يوم الأبواء إذ تكاثفت الصفوف، وتكاثرت الحتوف، وتقارعت السيوف؟ أم هلا خشيا فتنة الإسلام يوم ابن عبد ودَّ وقد نفح بسيفه، وشمخ بأنفه، وطمح بطرفه؟! ولم لم يشفقا على الدين وأهله يوم بواط إذ اسودَّ لون الأفق، وأعوجَّ عظم العنق، وانحلَّ سيل الغرق؟ ولِم لم يشفقا يوم رضوى إذ السهام تطير، والمنايا تسير، والأُسد تزأَر؟ وهلا بادرا يوم العشيرة إذ الأسنان تصطك، والآذان تستك، والدروع تهتك؟ وهلا كانت مبادرتهما يوم بدر، إذ الأرواح في الصعداء ترتقي، والجياد بالصناديد ترتدي، والأرض من دماء الأبطال ترتوي؟ ولِم لم يشفقا على الدين يوم بدر الثانية، والرعابيب ترعب، والأوداج تشخب، والصدور تخضب؟ أم هلا بادرا يوم ذات الليوث، وقد أبيح المتولب، واصطلم الشوقب، وادلهمَّ الكوكب؟! ولِم لا كانت شفقَّتهما على الإسلام يوم الكدر، والعيون تدمع، والمنيَّة تلمع، والصفائح تنزع.

ثم عدَّد وقائع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كلها على هذا النسق، وقرعهما بأنَّهما في هذه المواقف كلها كانا من النظارة والخوالف والقاعدين، فكيف بادرا الفتنة بزعمهما يوم السقيفة وقد توطَّأ الإسلام بسيفه، واستقرَّ قراره، وزال حذاره.

٣. روي في البحار: ج ٢٠ ص ٢٢٨: أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر عمر بن الخطاب في يوم الخندق أن يبارز ضرار بن الخطاب؛ فلما برز إليه ضرار انتزع له عمر سهماً. فقال ضرار: ويلك يا بن صهاك، أرّميٌ في مبارزة؟! والله لئن رميتني لا تركت عدوياً بمكة إلا قتلته. فانهزم عنه عمر ومرَّ نحوه ضرار وضرب بالقناة على رأسه، ثم قال: احفظها يا عمر، فإني آليت أن لا أقتل قرشياً ما قدرت عليه. فكان عمر يحفظ له ذلك بعد ما ولي، وولّاه!!

وروي في البحار: ج ٢١ ص ١١ ح ٧ عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث سعد بن معاذ براية الأنصار إلى خيبر فرجع منهزماً. ثم بعث عمر بن الخطاب براية المهاجرين فأتي بسعد جريحاً، وجاء عمر يجبِّن أصحابه ويجبِّنونه.

٢٤٥

أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ) .(١)

فلا يزال قد استأذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ضرب عنق الرجل الذي ليس يريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قتله، فأبى عليه.(٢) ولقد نظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوماً وعليه السلاح تام،

____________________

١. سورة الأحزاب: الآية ١٩.

٢. روي في البحار: ج ١٩ ص ٢٧١ عن عبد الله بن مسعود أنه قال: لما كان يوم بدر وأسرت الأسارى قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما ترون في هؤلاء القوم؟ فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، هم الذين كذَّبوك وأخرجوك فاقتلهم!!

وروي في البحار: ج ٢١ ص ٩٤ و ١٢١، وصحيح البخاري: ج ٥ ص ٩، و ج ٨ ص ٥٤، والكشاف للزمخشري: ج ٤ ص ٥١١، وتاريخ اليعقوبي: ج ٢ ص ٥٨:

أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يتجهَّز لفتح مكة، فأتى حاطب بن أبي بلتعة إلى سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هشام وهي تريد مكة، فكتب معها كتاباً إلى أهل مكة وكتب في الكتاب: «من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة: إن رسول الله يريدكم فخذوا حذركم». فخرجت سارة.

ونزل جبرئيل فأخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بما فعل. فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله علياًعليه‌السلام فرجعوا بالكتاب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأرسل إلى حاطب فأتاه فقال له: هل تعرف الكتاب؟ قال: نعم. قال: فما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا رسول الله، والله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ صحبتك ولا أجبتهم منذ فارقتهم، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته وكنت عزيزاً فيهم - أي غريباً - وكان أهلي بين ظهرانيهم، فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ عندهم يداً. وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه وأن كتابي لا يغني عنهم شيئاً. فصدَّقه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعذَّره.

فقام عمر بن الخطاب وقال: دعني - يا رسول الله - أضرب عنق هذا المنافق! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «وما يدريك يا عمر، لعل الله اطلع على أهل بدر فغفر لهم، فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».

وروي في البحار: ج ٢١ ص ١٠٣ عند ذكر فتح مكة أنه لما أجار العباس أبا سفيان وأتى به إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دخل عمر فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد، فدعني أضرب عنقه!

وروي في البحار: ج ١٩ ص ٢٤١ و ٢٧١ و ٢٧٧ و ٢٨١، ج ٢١ ص ١٥٨ و ١٧٣، ودلائل النبوة للبيهقي: ج٣ ص ١٤٠: أن ابن الأكوع كان عيناً على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيام الفتح وأسر يوم حُنين. فمر به عمر بن الخطاب، فلما رآه أقبل على رجل من الأنصار وقال: هذا عدو الله الذي كان علينا عيناً، ها هو أسير فاقتله. فضرب الأنصاري عنقه، وبلغ ذلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فكره ذلك وقال: ألم آمركم أن لا تقتلوا أسيراً؟ وقُتل بعده جميل بن معمر بن زهير وهو أسير، فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الأنصار وهو مغضب فقال: ما حملكم على قتله =

٢٤٦

فضحك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال - يكنيه -: «أبا فلان، اليوم يومك»!!

فقال الأشعث: ما أعلمني بمن تعني! إن ذلك يفر منه الشيطان!(١) قالعليه‌السلام : يا بن قيس، لا آمن الله روعة الشيطان إذ قال!

إخبار أمير المؤمنينعليه‌السلام عن عاقبة أمر أصحابه

ثم قال: ولو كنا - حين كنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتصيبنا الشدائد والأذى والبأس - فعلنا كما تفعلون اليوم لما قام لله دين ولا أعز الله الإسلام. وأيم الله لتحتلبنَّها دماً وندماً وحسرة، فاحفظوا ما أقول لكم واذكروه. فليسلطنَّ عليكم شراركم والأدعياء منكم والطلقاء والطرداء والمنافقون، فليقتلنَّكم ثم لتدعن الله فلا يستجيب لكم ولا يرفعالبلاء عنكم حتى تتوبوا وترجعوا فإن تتوبوا وترجعوا يستنقذكم الله من فتنتهم وضلالتهم كما استنقذكم من شركم وجهالتكم.

التعجب من استخلاف أبي بكر وعمر وعثمان على الأمة!!

ألا إن العجب كل العجب من جهال هذه الأمة وضُلالها وقادتها وساقتها إلى النار! لأنهم قد سمعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول عوداً وبدءاً: «ما ولت أمة رجلاً قط أمرها وفيهم أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا»، فولوا أمرهم قبلي ثلاثة رهط ما منهم رجل جمع القرآن ولا يدعي أن له علماً بكتاب الله ولا سنة نبيه. وقد علموا يقيناً أني أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه وأفقههم وأقرأهم لكتاب الله،

____________________

= وقد جاءكم الرسول أن لا تقتلوا أسيراً؟ فقالوا: إنما قتلناه بقول عمر. فأعرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى كلمه عمير بن وهب في الصفح عن ذلك.

وروي في صحيح البخاري: ج ٨ ص ٥٢: بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقسم جاء عبد الله التميمي من ذي الخويصرة فقال: اعدل يا رسول الله! فقال: ويلك! من يعدل إذا لم أعدل. قال عمر بن الخطاب: دعني أضرب عنقه!! فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : دعه.

١. يريد بذلك عمر، وقد اختلقوا له حديثاً: «إن الشيطان يفر منه». راجع الغدير: ج ٥ ص ٣١١ و ج ٨ ص ٦٤ و ٩٤. وراجع الحديث ١٠ من هذا الكتاب.

٢٤٧

وأقضاهم بحكم الله.

وأنه ليس رجل من الثلاثة له سابقة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا عناء معه في جميع مشاهده، فلا رمى بسهم ولا طعن برمح ولا ضرب بسيف جبناً ولؤماً ورغبة في البقاء .

وقد علموا أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قاتل بنفسه فقتل أُبيَّ بن خلف وقتل مسجع بن عوف.(١) وكان من أشجع الناس وأشدهم لقاء وأحقهم بذلك.(٢)

وقد علموا يقيناً أنه لم يكن فيهم أحد يقوم مقامي، ولا يُبارز الأبطال ولا يفتح الحصون غيري، ولا نزلت برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شديدة قط ولا كرَبة أمر ولا ضيق ومستصعب من الأمر إلا قال: «أين أخي علي، أين سيفي، أين رمحي، أين المفرج غمي عن وجهي»، فيقدمني؛ فأتقدم فأفديه بنفسي ويكشف الله بيدي الكرب عن وجهه. ولله عز وجل ولرسوله بذلك المنّ والطول حيث خصّني بذلك ووفّقني له.

لم يكن لأبي بكر وعمر أي سابقة في الدين

وإن بعض من سميت ما كان ذا بلاء ولا سابقة ولا مبارزة قرن ولا فتح ولا نصر غير مرة واحدة، ثم فر ومنح عدوه دبره ورجع يجبن أصحابه ويجبنونه! وقد فر مراراً!(٣)

____________________

١. روي في البحار: ج ١٨ ص ٦٨ و ٦٩ و ٧٤ و ٩٥: أن أبيّ بن خلف قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكّة: إني أعلف العوراء - يعني فرساً له - أقتلك عليه. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لكن أنا إن شاء الله. فلقي يوم أحُد، فلما دنا تناول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحربة من الحارث بن الصمة، فمشى إليه فطعن وانصرف. فرجع إلى قريش وهو يقول: قتلني محمد. قالوا: ما بك بأس! قال: إنه قال لي بمكة: «إني أقتلك» ولو بصق عليَّ لقتلني. فمات بشرف. وقصة مسجع لم أعثر عليه.

٢. في البحار: ج ١٦ ص ١١٧: ومن أسمائهصلى‌الله‌عليه‌وآله «القتّال»، «سيفه على عاتقه»، سمي بذلك لحرصه على الجهاد ومسارعته إلى القراع ودؤوبه في ذات الله وعدم إحجامه. ولذلك قال عليعليه‌السلام : «كنا إذا احمرَّ البأس اتَّقيناه برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يكن أحد أقرب إلى العدو منه». وذلك مشهور من فعله يوم أحد إذ ذهب القوم في سمع الأرض وبصرها، ويوم حنين إذ ولوا مدبرين.

٣. روي في البحار: ج ٢٠ ص ١٠٧ ح ٢٤: أنَّه لما انهزم الناس يوم أحُد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انصرف إليهم بوجهه وهو يقول: «أنا محمَّد...». فالتفت إليه أبو بكر وعمر فقالا: الآن يسخر بنا أيضاً وقد هزمنا!!! وأورد في البحار: ج ٢١ ص ٧٠ انهزامهما في غزوة ذات السلاسل.

٢٤٨

فإذا كان عند الرخاء والغنيمة تكلم وتغيَّر وأمر ونهى.

ولقد نادى ابن عبد ود - يوم الخندق - باسمه، فحاد عنه ولاذ بأصحابه(١) حتىتبسَّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مما رآى به من الرعب وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أين حبيبي علي؟ تقدَّم يا حبيبي يا علي».

عبادتهما الأصنام بعد الإسلام!!

وهو القائل يوم الخندق لأصحابه الأربعة - أصحاب الكتاب والرأي -: «والله إن ندفع محمداً إليهم برمته نسلم من ذلك، حين جاء العدو من فوقنا ومن تحتنا» كما قال الله تعالى:( وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ) ، «وَظَنُّوا بِالله الظُّنونا»، «وقالالْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ».(٢) فقال له صاحبه: «لا، ولكن نتخذ صنماً عظيماً نعبده! لأنا لا نأمن أن يظفر ابن أبي كبشة فيكون هلاكنا! ولكن يكون هذا الصنم لنا ذُخراً فإن ظفرت قريش أظهرنا عبادة هذا الصنم(٣) وأعلمناهم أنا لن نفارق ديننا، وإن رجعت دولة ابن أبي كبشة كنا مقيمين على عباد ة هذا الصنم سراً».

فنزل جبرئيلعليه‌السلام فأخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك؛ ثم خبر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد قتلي ابن عبد ود. فدعاهما فقال: «كم صنم عبدتما في الجاهلية»؟ فقالا: يا محمد، لا تعيرنا بما مضى في الجاهلية. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لهما: «فكم صنم تعبدان يومكما هذا»؟ فقالا: والذي بعثك بالحق نبياً ما نعبد إلا الله منذ أظهرنا من دينك ما أظهرنا.

____________________

١. روى ابن شهرآشوب في المثالب (مخطوط) ص ٣٣٦: إن عمرو بن عبد ود رآى بيد عمر بن الخطاب (يوم الخندق) قوساً فقال: يا بن صهاك، واللات لئن نقل عن يدك سهم لأقطعنها فتناثَر النبل من يده ورجع القهقرى.

٢. سورة الأحزاب: الآيات ١٠ و ١١ و ١٢، وفي المصحف هكذا:( إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّـهِ الظُّنُونَا، هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا، وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ) .

٣. قد أورد قصة عبادتهما للصنم المرندي في «مجمع النورين»: ص ٢٢٩ عن كتاب المحتضر.

٢٤٩

فقال: يا علي، خذ هذا السيف، فانطلق إلى موضع كذا وكذا فاستخرج الصنم الذي يعبدانه فاهشمه. فإن حال بينك وبينه أحد فاضرب عنقه.

فانكبا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالا: استرنا سترك الله. فقلت أنا لهما: «اضمنا لله ولرسوله أن لا تعبدا إلا الله ولا تشركا به شيئاً». فعاهدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على ذلك.

وانطلقت حتى استخرجت الصنم من موضعه وكسرت وجهه ويديه وجذمت رجليه ، ثم انصرفت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فوالله لقد عرفت ذلك في وجههما علي حتى ماتا!

مخاصمة أبي بكر وعمر للأنصار بحجة عليعليه‌السلام

ثم انطلق هو وأصحابه - حين قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - فخاصموا الأنصار بحقي. فإن كانوا صدقوا واحتجوا بحق «أنهم أولى من الأنصار لأنهم من قريش ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قريش»، فمن كان أولى برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان أولى بالأمر، وإنما ظلموني حقي، وإن كانوا احتجوا بباطل فقد ظلموا الأنصار حقهم، والله يحكم بيننا وبين من ظلمنا حقنا وحمل الناس على رقابنا.

ابتلاء الأمة بحب مضليها وقصورها عن لعنهم

والعجب لما قد أشربت قلوب هذه الأمة من حبهم وحب من صدهم عن سبيل ربهم وردهم عن دينهم!

والله، لو أن هذه الأمة قامت على أرجلها على التراب ووضعت الرماد على رؤوسها وتضرعت إلى الله ودعت إلى يوم القيامة على من أضلهم وصدهم عن سبيل الله ودعاهم إلى النار وعرضهم لسخط ربهم وأوجب عليهم عذابه - بما أجرموا إليهم - لكانوا مقصرين في ذلك .

ما منع أمير المؤمنينعليه‌السلام عن إعلان الحقائق

وذلك أن المحق الصادق والعالم بالله ورسوله يتخوف إن غير شيئاً من بدعهم

٢٥٠

وسننهم وأحداثهم، وعادَتْه العامَّة؛ ومتى فعل شاقّوه وخالفوه وتبرؤا منه وخذلوه وتفرقوا عن حقه، وإن أخذ ببدعهم وأقرَّ بها وزيَّنها ودان بها أحبَّته وشرَّفته وفضَّلته.

والله لو ناديت في عسكري هذا بالحق الذي أنزل الله على نبيه وأظهرته ودعوت إليه وشرحته وفسرته - على ما سمعت من نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه - ما بقي فيه إلا أقله وأذله وأرذله ولاستوحشوا منه ولتفرقوا عني.

ولولا ما عاهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إليَّ وسمعته منه وتقدم إليَّ فيه لفعلت، ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد قال: «يا أخي، كل ما اضطر إليه العبد فقد أحله الله له وأباحه إياه»، وسمعته يقول: «إن التقية من دين الله، ولا دين لمن لا تقية له». ثم أقبلعليه‌السلام علي فقال:

أدْفَعُهُمْ بِالراحِ دَفْعاً عَنَي

ثُلْثانِ مِنْ حَيٍّ وَثُلْثٌ مِنّي

فَإنْ عَوَّضَني رَبّي فَأعْذَرَنّي

ابتلاء أمير المؤمنينعليه‌السلام بأخابث الناس

وقال عليعليه‌السلام للحَكَمين - حين بعثهما -: «أحكما بكتاب الله وسنة نبيه وإن كان فيهما حزُّ حلقي، فإنه من قادها إلى هؤلاء فإن نيتهم أخبثت».

فقال له رجل من الأنصار: ما هذا الانتشار الذي بلغني عنك؟ ما كان أحد من الأمة أضبط للأمر منك، فما هذا الاختلاف والانتشار؟ فقال علي بن أبي طالبعليه‌السلام : أنا صاحبك الذي تعرف، إلا أني قد بليت بأخابث من خلق الله، أريدهم على الأمر فيأبون، فإن تابعتهم على ما يريدون تفرقوا عني!

٢٥١

١٦

نبوءات نبي الله عيسىعليه‌السلام عن الرسول والأئمةعليهم‌السلام والأئمة المضلين

أبان عن سليم: قال: أقبلنا من صفين مع أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فنزل العسكر قريباً من دير نصراني. فخرج إلينا من الدير شيخ كبير جميل حسن الوجه حسن الهيئة والسمت ومعه كتاب في يده، حتى أتى أمير المؤمنينعليه‌السلام فسلم عليه بالخلافة. فقال له عليعليه‌السلام : مرحباً يا أخيشمعون بن حمون ، كيف حالك رحمك الله؟

فقال: بخير يا أمير المؤمنين وسيد المسلمين ووصي رسول رب العالمين. إني من نسل رجل من حواري أخيك عيسى بن مريمعليه‌السلام ، وأنا من نسل شمعون بن يوحنا وصي عيسى بن مريم. وكان من أفضل حواري عيسى بن مريمعليه‌السلام الاثني عشر وأحبهم إليه وآثرهم عنده وإليه أوصى عيسى بن مريمعليه‌السلام وإليه دفع كتبه وعلمه وحكمته، فلم يزل أهل بيته على دينه متمسكين بملته فلم يكفروا ولم يبدلوا ولم يغيروا.

النبي والأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام في كتب عيسىعليه‌السلام

وتلك الكتب عندي إملاء عيسى بن مريم وخط أبينا بيده، وفيها كل شئ يفعل الناس من بعده مَلكٌ مَلكٌ، وكم يملك وما يكون في زمان كل ملك منهم؛ حتى يبعث الله رجلاً من العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن من أرض تدعى «تهامة» من قرية يقال لها «مكة»، يقال له «أحمد »، الأنجل العينين، المقرون الحاجبين، صاحب الناقة والحمار والقضيب والتاج - يعني العمامة - له اثنا عشر اسماً.

٢٥٢

ثم ذكر مبعثه ومولده وهجرته ومن يقاتله ومن ينصره ومن يعاديه وكم يعيش وما تلقى أمته من بعده من الفرقة والاختلاف.

وفيه تسمية كل إمام هدى وإمام ضلالة إلى أن ينزل الله عيسى بن مريم من السماء.

فذكر في الكتابثلاثة عشر رجلاً (١) من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الله، هم خير من خلق الله وأحب من خلق الله إلى الله. وإن الله ولي من والاهم وعدو من عاداهم. من أطاعهم اهتدى ومن عصاهم ضل. طاعتهم لله طاعة ومعصيتهم لله معصية.

مكتوبة فيه أسمائهم وأنسابهم ونعتهم وكم يعيش كل رجل منهم واحداً بعد واحد، وكم رجل منهم يستسرُّ بدينه ويكتمه من قومه، ومن يظهر منهم ومن يملك وينقاد له الناس حتى ينزل الله عيسى بن مريمعليه‌السلام على آخرهم. فيصلي عيسى خلفه ويقول: «إنكم أئمة لا ينبغي لأحد أن يتقدمكم»، فيتقدم فيصلي بالناس وعيسى خلفه في الصف الأول. أولهم أفضلهم، وآخرهم له مثل أجورهم وأجور من أطاعهم واهتدى بهداهم.

نص ما في كتب عيسىعليه‌السلام

بسم الله الرحمن الرحيم،أحمد رسول الله واسمه محمد وياسين وطه ون والفاتح والخاتم والحاشر والعاقب والماحي، وهو نبي الله وخليل الله وحبيب الله وصفيه وأمينه وخيرته. يرى تقلبه في الساجدين - يعني في أصلاب النبيين - ويكلمه برحمته فيذكر إذا ذكر. وهو أكرم خلق الله على الله وأحبهم إلى الله، لم يخلق الله خلقاً - ملكاًمقرباً ولا نبياً مرسلاً، من آدم فمن سواه - خيراً عند الله ولا أحب إلى الله منه، يقعده الله يوم القيامة على عرشه ويشفعه في كل من شفع فيه. وباسمه جرى القلم في اللوح المحفوظ في أم الكتاب وبذكره، محمد رسول الله.

ثم أخوه صاحب اللواء يوم القيامة يوم الحشر الأكبر، وأخوه ووصيه ووزيره،

____________________

١. هم النبي والأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام .

٢٥٣

وخليفته في أمته، وأحب خلق الله إلى الله بعدهعلي بن أبي طالب ولي كل مؤمن بعده.

ثم أحد عشر إماماً من ولد أول الاثني عشر، اثنان سميا ابني هارون شبر وشبير وتسعة من ولد أصغرهما وهو الحسين، واحداً بعد واحد، آخرهم الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه».(١)

فيه تسمية كل من يملك منهم ومن يستسرُّ بدينه ومن يظهر. فأول من يظهر منهم يملأ جميع بلاد الله قسطاً وعدلاً، ويملك ما بين المشرق والمغرب حتى يظهره الله على الأديان كلها.

فلما بعث النبي - وأبي حي - صدق به وآمن به وشهد أنه رسول الله؛ وكان شيخاً كبيراً ولم يكن به شخوص. فمات أبي وقال لي: «إن وصي محمد وخليفته - الذي اسمه في هذا الكتاب ونعته - سيمرُّ بك إذا مضى ثلاثة أئمة من أئمة الضلالة والدعاة إلى النار المسمين بأسمائهم وقبائلهم فلان وفلان وفلان ونعتهم وكم يملك كل واحدمنهم؛ فإذا مر بك فاخرج إليه وبايعه وقاتل معه عدوه فإن الجهاد معه كالجهاد مع محمد، والموالي له كالموالي لمحمد والمعادي له كالمعادي لمحمد».

الأخبار عن أبي بكر وعمر وعثمان وسائر الغاصبين في كتب عيسىعليه‌السلام

وفي هذا الكتاب - يا أمير المؤمنين - إن اثني عشر إماماً من قريش من قومه يعادون أهل بيته ويمنعونهم حقهم ويقتلونهم ويطردونهم ويحرمونهم ويتبرؤون منهم ويخيفونهم، مسمون واحداً بعد واحد بأسمائهم ونعوتهم، وكم يملك كل رجل منهم وما يملك، وما يلقى منهم ولدك وأنصارك وشيعتك من القتل والخوف والبلاء.وكيف يُديلكم الله منهم ومن أوليائهم وأنصارهم وما يلقون من الذل والحرب والبلاء والخزي والقتل والخوف منكم أهل البيت.

____________________

١. هنا آخر النص الذي ينقله من كتاب الراهب.

٢٥٤

الراهب يبايع أمير المؤمنينعليه‌السلام

ثم قال: يا أمير المؤمنين، ابسط يدك أبايعك، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأشهد أنك خليفة رسول الله في أمته ووصيه وشاهده على خلقه وحجته في أرضه، وإن الإسلام دين الله وإني أبرء من كل دين خالف دين الإسلام، فإنه دين الله الذي اصطفاه لنفسه ورضيه لأوليائه، وإنه دين عيسى بن مريم ومن كان قبلهمن أنبياء الله ورسله، وهو الذي دان به من مضى من آبائي. وإني أتولاك وأتولى أوليائك، وأبرء من عدوك وأتولى الأحد عشر الأئمة من ولدك وأبرء من عدوهم وممن خالفهم وبرء منهم وادعى حقهم وظلمهم من الأولين والآخرين. ثم تناول يده وبايعه.

ثم قال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : ناولني كتابك؛ فناوله إياه. فقال عليعليه‌السلام لرجل من أصحابه: قم مع هذا الرجل فانظر ترجماناً يفهم كلامه، فلينسخه لك بالعربية مفسراً. فأتاه مكتوباً بالعربية.

فلما أتاه به قال لابنه الحسنعليه‌السلام : يا بني، ائتني بالكتاب الذي دفعته إليك. فأتاه به؛ فقال: أنت يا بني اقرأه، وانظر أنت يا فلان - الذي تستجهل - في نسخة هذا الكتاب، فإنه خطي بيدي وإملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله علي.

فقرأه فما خالف حرفاً واحداً ليس فيه تقديم ولا تأخير، كأنه إملاء رجل واحد على رجلين!

فحمد الله أمير المؤمنينعليه‌السلام وأثنى عليه وقال: «الحمد لله الذي لو شاء لم تختلف الأمة ولم تفترق، والحمد لله الذي لم ينسني ولم يضع أمري ولم يخمل ذكري عنده وعند أوليائه إذ صغر وخمل ذكر أولياء الشيطان وحزبه».

ففرح بذلك من حضر عند أمير المؤمنينعليه‌السلام من شيعته وشكر؛ وساء ذلك كثيراً ممن حوله حتى عرفنا ذلك في وجوههم وألوانهم.

٢٥٥

١٧

خطبة أمير المؤمنينعليه‌السلام محذرا من الفتن

أبان عن سليم بن قيس قال: صعد أمير المؤمنينعليه‌السلام المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال:

أيها الناس، أنا الذي فقأت(١) عين الفتنة ولم يكن ليجترئ عليها غيري. وأيم الله لو لم أكن فيكم لما قوتل أهل الجمل ولا أهل صفين ولا أهل النهروان . وأيم الله لولا أن تتكلموا وتدَعوا العمل لحدثتكم بما قضى الله على لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمن قاتلهم مستبصراً في ضلالتهم عارفاً بالهدى الذي نحن عليه.

ثم قالعليه‌السلام : سلوني عما شئتم قبل أن تفقدوني، فوالله إني بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض. أنا يعسوب المؤمنين وأول السابقين وإمام المتقين وخاتم الوصيين ووارث النبيين وخليفة رب العالمين. أنا ديان الناس يوم القيامة وقسيم الله بين أهل الجنة والنار، وأنا الصديق الأكبر والفاروق الذي أفرق بين الحق والباطل، وإن عنديعلم المنايا والبلايا وفصل الخطاب، وما من آية نزلت إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت.

أيها الناس، إنه وشيك أن تفقدوني، إني مفارقكم وإني ميت أو مقتول. ما ينتظر أشقاها أن يخضبها من فوقها؟ يعني لحيته من دم رأسه.

والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لا تسألوني من فئة تبلغ ثلاثمائة فما فوقها فيما

____________________

١. أي قلعت.

٢٥٦

بينكم وبين قيام الساعة إلا أنبأتكم بسائقها وقائدها وناعقها(١) ، وبخراب العرصات متى تخرب ومتى تعمر بعد خرابها إلى يوم القيامة.

فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن البلايا.

فقالعليه‌السلام : إذا سأل سائل فليعقل وإذا سئل مسؤول فليلبث. إن من ورائكم أموراً ملتجة مجلجلة(٢) وبلاء مكلحاً مبلحاً.(٣)

والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لو قد فقدتموني ونزلت عزائم الأمور وحقائق البلاء لقد أطرق كثير من السائلين واشتغل كثير من المسؤولين. وذلك إذا ظهرت حربكم ونصلت عن ناب وقامت عن ساق وصارت الدنيا بلاء عليكم حتى يفتح الله لبقية الأبرار.

فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين، حدثنا عن الفتن.

فقالعليه‌السلام : إن الفتن إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت أسفرت. وإن الفتن لها موج كموج البحر وإعصار كإعصار الريح، تصيب بلداً وتخطئ الآخر. فانظروا أقواماً كانوا أصحاب الرايات يوم بدر فانصروهم تنصروا وتؤجروا وتعذروا.

فتنة بني أمية أخوف الفتن

ألا إن أخوف الفتن عليكم من بعدي فتنة بني أمية. إنها فتنة عمياء صماء مطبقة مظلمة، عمت فتنتها وخصت بليتها. أصاب البلاء من أبصر فيها وأخطأ البلاء من عمي عنها. أهل باطلها ظاهرون على أهل حقها، يملؤون الأرض بدعاً وظلماً وجوراً. وأول من يضع جبروتها ويكسر عمودها وينزع أوتادها الله رب العالمين وقاصم الجبارين.

____________________

١. تشبيه بالراعي إذا نعق بغنمه أي صاح بها وزجرها.

٢. أي مضطربة مردَّدة.

٣. أي مُفزعة معجزة.

٢٥٧

ألا إنكم ستجدون بني أمية أرباب سوء بعدي كالناب الضروس تعض بفيها وتخبط بيديها وتضرب برجليها وتمنع درها.

وأيم الله، لا تزال فتنتهم حتى لا تكون نصرة أحدكم لنفسه إلا كنصرة العبد السوء لسيده، إذا غاب سبَّه وإذا حضر أطاعه. وأيم الله لو شردوكم تحت كل كوكب لجمعكم الله لشر يوم لهم.

فتن ما بعد بني أمية

فقال الرجل: فهل من جماعة - يا أمير المؤمنين - بعد ذلك؟ قالعليه‌السلام : إنها ستكونون جماعة شتى، عطاؤكم وحجكم وأسفاركم واحد والقلوب مختلفة.

قال: قال واحد: كيف تختلف القلوب؟ قالعليه‌السلام : هكذا - وشبَّك بين أصابعه - ثم قال: يقتل هذا هذا وهذا هذا، هرجاً هرجاً ويبقى طغام جاهلية ليس فيها منار هدى ولا علم يرى. نحن أهل البيت منها بمنجاة ولسنا فيها بدعاة.

قال: فما أصنع في ذلك الزمان يا أمير المؤمنين؟ قالعليه‌السلام : انظروا أهل بيت نبيكم، فإن لبدوا فالبدوا وإن استنصروكم فانصروهم تنصروا وتعذروا، فإنهم لن يخرجوكم من هدى ولن يدعوكم إلى ردى، ولا تسبقوهم بالتقدم فيصرعكم البلاء وتشمت بكم الأعداء.

يفرِّج الله عن الفتن بالإمام المهديعليه‌السلام

قال: فما يكون بعد ذلك يا أمير المؤمنين؟ قالعليه‌السلام : يفرج الله البلاء برجل من بيتي كانفراج الأديم من بيته. ثم يرفعون إلى من يسومهم خسفاً ويسقيهم بكأس مصبرة ولا يعطيهم ولا يقبل منهم إلا السيف، هرجاً هرجاً، يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر حتى تود قريش بالدنيا وما فيها أن يروني مقاماً واحداً فأعطيهم وآخذ منهمبعض ما قد منعوني وأقبل منهم بعض ما يرد عليهم حتى يقولوا: «ما هذا من قريش، لو

٢٥٨

كان هذا من قريش ومن ولد فاطمة لَرحمنا»!! يُغريه الله ببني أمية فيجعلهم تحت قدميه ويطحنهم طحن الرحى.( مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا، سُنَّةَ اللَّـهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا ) .(١)

أهل البيتعليهم‌السلام هم الملجأ في الفتن

أما بعد، فإنه لا بد من رحى تطحن ضلالة، فإذا طحنت قامت على قطبها. ألا وإن لطحنها روقاً وإن روقها حدها وعلى الله فلها.

ألا وإني وأبرار عترتي وأطائب أرومتي أحلم الناس صغاراً وأعلمهم كباراً. معنا راية الحق والهدى، من سبقها مرق ومن خذلها محق ومن لزمها لحق.

إنا أهل بيت من علم الله علمنا، ومن حكم الله الصادق قيلنا، ومن قول الصادق سمعنا. فإن تتبعونا تهتدوا ببصائرنا وإن تتولوا عنا يعذِّبكم الله بأيدينا أو بما شاء.

نحن أفق الإسلام ، بنا يلحق المبطئ وإلينا يرجع التائب.

والله لولا أن تستعجلوا ويتأخر الحق لنبَّأتكم بما يكون في شباب العرب والموالي، فلا تسألوا أهل بيت محمد العلم قبل إبانه، ولا تسألوهم المال على العسر فتبخلوهم، فإنه ليس منهم البخل.

وكونوا أحلاس البيوت، ولا تكونوا عجلاً بذراً. كونوا من أهل الحق تعرفوا به وتتعارفوا عليه، فإن الله خلق الخلق بقدرته وجعل بينهم الفضائل بعلمه وجعل منهم عباداً اختارهم لنفسه ليحتج بهم على خلقه. فجعل علامة من أكرم منهم طاعته وعلامة من أهان منهم معصيته. وجعل ثواب أهل طاعته النضرة في وجهه في دار الأمنوالخلد الذي لا يورع أهله، وجعل عقوبة أهل معصيته ناراً تأجج لغضبه، ( وَمَا ظَلَمَهُمُ

____________________

١. سورة الأحزاب: الآية ٦٢. وفي المتن: وأُخذوا.

٢٥٩

اللَّـهُ وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) .(١)

يا أيها الناس،إنا أهل بيت بنا ميَّز الله الكذب ، وبنا يفرج الله الزمان الكلب وبنا ينزع الله ربق الذل من أعناقكم وبنا يفتح الله وبنا يختم الله. فاعتبروا بنا وبعدونا وبهدانا وبهداهم وبسيرتنا وسيرتهم وميتتنا وميتتهم، يموتون بالدال والقرح والدبيلة، ونموت بالبطن والقتل والشهادة.

بلاء آل محمدعليهم‌السلام في الفتن

ثم التفتعليه‌السلام إلى بنيه فقال: يا بني، ليبرَّ صغاركم كباركم، وليرحم كباركم صغاركم، ولا تكونوا أمثال السفهاء الجفاة الجهال الذين لا يعطون في الله اليقين، كبيضٍ بيضَ في داح.(٢)

ألا ويحٌ للفراخ فراخ آل محمد من خليفة يستخلف، جبار(٣) عتريف مترف يقتل خلفي وخلف الخلف بعدي.

أما والله، لقد علمت تبليغ الرسالات وتنجيز العدات وتمام الكلمات وفتحت لي الأسباب وعلمت الأنساب وأجري لي السحاب، ونظرت في الملكوت فلم يعزب عني شيئ فات ولم يفتني ما سبقني ولم يشركني أحد فيما أشهدني ربي يوم يقوم الأشهاد. وبي يتم الله موعده ويكمل كلماته،وأنا النعمة التي أنعمها الله على خلقه، وأنا الإسلام الذي ارتضاه لنفسه ، كل ذلك منٌّ مَنَّ الله به عليَّ وأذل به منكبي.

وليس إمام إلا وهو عارف بأهل ولايته، وذلك قول الله عز وجل:( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) .(٤)

ثم نزل؛ صلى الله عليه وآله الطاهرين الأخيار وسلم تسليماً كثيراً.

____________________

١. سورة النحل: الآية ٣٣.

٢. الداح نقش يلَّوح به للصبيان يُعلَّلون به.

٣. العتريف بمعنى الخبيث الفاجر. وفي «د»: الغطريف، بمعنى المتكبِّر.

٤. سورة الرعد: الآية ٧.

٢٦٠