كتاب سليم بن قيس الهلالي

كتاب سليم بن قيس الهلالي0%

كتاب سليم بن قيس الهلالي مؤلف:
المحقق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني
الناشر: نشر الهادي
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 638

كتاب سليم بن قيس الهلالي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: سليم بن قيس الهلالي العامري
المحقق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني
الناشر: نشر الهادي
تصنيف: الصفحات: 638
المشاهدات: 398374
تحميل: 7630

توضيحات:

كتاب سليم بن قيس الهلالي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 638 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 398374 / تحميل: 7630
الحجم الحجم الحجم
كتاب سليم بن قيس الهلالي

كتاب سليم بن قيس الهلالي

مؤلف:
الناشر: نشر الهادي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢٣

الرسالة السريّة من معاوية إلى زياد بن أبيه

أبان عن سليم قال: كان لزياد بن سمية كاتب يتشيع وكان لي صديقاً، فأقرأني كتاباً كتبه معاوية إلى زياد جواب كتابه إليه:

سيرة معاوية في قبايل العرب

أما بعد، فإنك كتبت إليَّ تسألني عن العرب، من أكرم منهم ومن أهين ومن أقرِّب ومن أبعِّد، ومن آمن منهم ومن أحذر؟

وأنا - يا أخي - أعلم الناس بالعرب. انظر إلى هذا الحي من اليمن، فأكرمهم في العلانية وأهنهم في الخلاء فإني كذلك أصنع بهم، أقرِّب مجالسهم وأريهم أنهم آثر عندي من غيرهم ويكون عطائي وفضلي على غيرهم سراً منهم لكثرة من يقاتلني منهم مع هذا الرجل.

وانظر «ربيعة بن نزار»، فأكرم أشرافهم وأهن عامتهم، فإن عامتهم تبع لأشرافهم وساداتهم.

وانظر إلى «مضر» فاضرب بعضها ببعض فإن فيهم غلظة وكبراً وأبهَّة ونخوة شديدة، وإنك إذا فعلت ذلك وضربت بعضهم ببعض كفاك بعضهم بعضاً، ولا ترضَ بالقول منهم دون الفعل ولا بالظن دون اليقين.

٢٨١

سيرة معاوية في إهانة العجم والموالي

وانظر إلىالموالي ومن أسلم من الأعاجم ، فخذهم بسنة عمر بن الخطاب فإن في ذلك خزيهم وذلهم، أن تنكح العرب فيهم ولا ينكحوهم وأن ترثهم العرب ولا يرثوهم(١) وأن تقصر بهم في عطائهم وأرزاقهم، وأن يقدَّموا في المغازي يصلحون الطريق ويقطعون الشجر، ولا يؤمَّ أحد منهم العرب في صلاة ولا يتقدم أحد منهم في الصف الأول إذا حضرت العرب إلا أن يتموا الصف.

ولا تولِّ أحداً منهم ثغراً من ثغور المسلمين ولا مصراً من أمصارهم، ولا يلي أحد منهم قضاء المسلمين ولا أحكامهم فإن هذه سنة عمر فيهم وسيرته، جزاه الله عن أمة محمد وعن بني أمية خاصة أفضل الجزاء!!

كيف طمع معاوية في الخلافة وكيف نالها؟

فلعمري لولا ما صنع هو وصاحبه وقوَّتهما وصلابتهما في دين الله لَكنّا وجميع هذه الأمة لبني هاشم الموالي، ولَتوارثوا الخلافة واحداً بعد واحد كما يتوارث أهل كسرى وقيصر، ولكن الله أخرجها بأيديهما من بني هاشم وصيرها إلى بني تيم بن مرة، ثم خرجت إلى بني عدي بن كعب، وليس في قريش حيّان أقل وأذل منهما ولا أنذل(٢) ، فأطمعانا فيها وكنا أحق منهما ومن عقبهما، لأن فينا الثروة والعز ونحن أقرب إلى رسول الله في الرحم منهما. ثم نالها قبلنا صاحبنا عثمان بشورى ورضا من العامة بعد شورى ثلاثة أيام بين الستة، ونالها من نالها قبله بغير شورى. فلما قتل صاحبنا عثمانمظلوماً نلناها به لأن من قتل مظلوماً فقد جعل الله لوليه سلطاناً!

____________________

١. روي في البحار: ج ٨ طبع قديم ص ٢٨٧ أن عمر أطلق تزويج قريش في سائر العرب والعجم وتزويج العرب في سائر العجم، ومنع العرب من التزويج في قريش ومنع العجم من التزويج في العرب. فأنزل العرب مع قريش والعجم مع العرب منزلة اليهود والنصارى.

وروي في البحار: ج ٨ طبع قديم ص ٢٨٨ وفي الغدير: ج ٦ ص ١٨٧ عن موطأ مالك عن سعيد بن المسيِّب أنه قال: أبى عمر بن الخطاب أن يورِّث أحداً من الأعاجم إلا أحداً ولد في العرب.

٢. الأنذل: الأخس والأحقر والأسقط في الحسب.

٢٨٢

أمر معاوية بإهانة الأعاجم

ولعمري يا أخي، لو أن عمر سن دية المولى نصف دية العربي لكان أقرب إلى التقوى، ولو وجدت السبيل إلى ذلك ورجوت أن تقبله العامة لفعلت! ولكني قريب عهد بحرب فأتخوف فرقة الناس واختلافهم عليَّ.وبحسبك ما سنَّه عمر فيهم فهو خزي لهم وذل . فإذا جاءك كتابي هذا فأذل العجم وأهنهم وأقصهم ولا تستعن بأحد منهم ولا تقض لهم حاجة.

معاوية يستلحق زيادا بأبي سفيان

فوالله إنك لابن أبي سفيان خرجت من صلبه، وما تُناسب عبيداً نسباً دون آدم!(١)

____________________

١. قال العلامة الأميني في الغدير: ج ١٠ ص ٢١٦ ما ملخصه:

كان من ضروريات الإسلام إلى سنة ٤٤: «الولد للفراش وللعاهر الحجر»، ولكن سياسة معاوية المتهجمة تجاه الهتافات النبوية أصمَّته عن سماعها وجعلت للعاهر كل النصيب فوهب زياداً كله لأبي سفيان العاهر.

وقد كان زياد ولد على فراش عُبيد مولى ثقيف ورُبِّي في شرِّ حجر؛ فكان يقال له قبل الاستلحاق: «زياد بن عُبيد الثقفي» وبعده: «زياد بن أبي سفيان»!! ومعاوية نفسه كتب إليه في أيام الإمام الحسنعليه‌السلام : «من أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن عبيد، أما بعد فإنك عبد قد كفرت النعمة إنك لا أمَّ لك، بل لا أب لك»!

ولما انقضت الدولة الأموية صار يقال له: «زياد بن أبيه» و «زياد بن أُمِّه» و «زياد بن سمية». وأمه سمية كانت لدهقان من دهاقين الفرس بزندرود بكَسكَر، فمرض الدهقان فدعا الحارث بن الكلدة الطبيب الثقفي فعالجه فبرأ؛ فوهبه سمية وزوجها الحارث غلاماً له رومياً يقال له «عبيد»، فولدت زياداً على فراشه وكانت أمه من البغايا المشهورة بالطائف ذات راية.

أمر عمر زياداً أن يخطب يوماً فأحسن في خطبته وجوَّد، وعند أصل المنبر أبو سفيان بن حرب وعلي بن أبي طالبعليه‌السلام . فقال أبو سفيان لعليعليه‌السلام : أيعجبك ما سمعت من هذا الفتى؟ قال: نعم. قال: أما إنه إبن عمك. قال: وكيف ذلك؟ قال: أنا قذفته في رحم أمه سمية ...!

ولما بويع معاوية قدم زياد على معاوية فصالحه ورآى معاوية أن يستميل زياداً واستصفى مودته باستلحاقه. فاتفقا على ذلك وأحضر الناس وحضر من يشهد لزياد، وكان فيمن حضر أبو مريم =

٢٨٣

وقد كنت حدثتني - وأنت يا أخي عندي صدوق -: أنك قرأت كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري بالبصرة وكنت يومئذ كاتبه وهو عامل بالبصرة وأنت أنذل الناس عنده، وأنت يومئذ ذليل النفس تحسب أنك مولى لثقيف، ولو كنت تعلم يومئذ يقيناً - كيقينك اليوم - أنك ابن أبي سفيان لأعظمت نفسك وأنفتَ أن تكون كاتباً لدعيِّ الأشعريين. وأنت تعلم ونحن يقيناً أن أبا سفيان خرج معه جده أمية بن عبد شمس في بعض تجارته إلى الشام فمر بصفورية فاشترى قيناً وابنه عبد الله(١) وأن أبا سفيان كان يحذو حذو أمية عبد شمس.

سيرة عمر في إهانة الأعاجم وسبب ذلك

وحدثني ابن أبي معيط أنك أخبرته: إنك قرأت كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري وبعث إليه بحبل طوله خمسة أشبار، وقال له: «أعرض من قبلك من أهل البصرة. فمن وجدته من الموالي ومن أسلم من الأعاجم قد بلغ خمسة أشبار، فقدِّمه فاضرب عنقه»!(٢) فشاورك أبو موسى في ذلك، فنهيته وأمرته أن يراجع عمر. فراجعه وذهبت أنت بالكتاب إلى عمر، وإنما صنعت ما صنعت تعصباً للموالي وأنت يومئذ تحسب أنك منهم وأنك ابن عبيد. فلم تزل بعمر حتى رددته عن رأيه وخوَّفته فرقة الناس فرجع. وقلت له: «ما يؤمنك - وقد عاديت أهل هذا البيت - أن يثوروا إلى علي فينهضبهم فيزيل ملكك»، فكف عن ذلك.

____________________

= السلولي، فقال له معاوية: بِمَ تشهد يا أبا مريم؟ فقال: أنا أشهد أنَّ أبا سفيان حضر عندي وطلب مني بغياً، فقلت له: ليس عندي إلا سمية. فقال: ائتني بها على قذرها ووضرها. فأتيته بها فخلا معها ثم خرجت من عنده وإن اسكتيها ليقطران منياً. فقال له زياد: مهلا يا أبا مريم، إنما بعثت شاهداً ولم تبعث شاتماً!! فاستلحقه معاوية.

١. جاء في البحار: ج ١٩ ص ٢٦٠ و ج ٨ طبع قديم ص ٣٠٢: أن عقيل قال لوليد بن العقبة بن أبي معيط: يا بن أبي معيط، كأنك لا تدري من أنت وأنت علج من أهل صفورية، كان ذكر أن أباه كان يهودي منها. و «صفورية» قرية في فلسطين شمال غربي الناصرة.

٢. راجع الحديث ١٤ من هذا الكتاب.

٢٨٤

وما أعلم يا أخي إنه ولد مولود من آل أبي سفيان أعظم شؤماً عليهم منك حين رددت عمر عن رأيه ونهيته عنه!

وخبرني أن الذي صرفت به عن رأيه في قتلهم أنك قلت: إنك سمعت علي بن أبي طالب يقول: «لتضربنَّكم الأعاجم على هذا الدين عوداً كما ضربتموهم عليه بدءاً »؛ وقال: «ليملأنَّ الله أيديكم من الأعاجم ثم ليصيرنَّ أشداء لا يفرُّون، فليضربنَّ أعناقكم وليغلبنكم على فيئكم ». فقال لك عمر: «قد سمعت ذلك عن رسول الله، فذاك الذي حملني على الكتاب إلى صاحبك في قتلهم، وقد كنت عزمت على أن أكتب إلى عمالي في سائر الأمصار بذلك». فقلت لعمر: «لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإنك لن تأمنهم أن يدعوهم علي إلى نصرته وهم كثير وقد علمت شجاعة علي وأهل بيته وعداوته لكولصاحبك»، فرددته عن ذلك. فأخبرتني أنك لم ترده عن ذلك إلا عصبية وأنك لم ترجع عن رواية جبناً.

وحدثتني أنك ذكرت ذلك لعلي بن أبي طالب في إمارة عثمان فأخبرك «أن أصحاب الرايات السود التي تقبل من خراسان هم الأعاجم، وأنهم الذين يغلبون بني أمية على ملكهم ويقتلونهم تحت كل حجر وكوكب».

فلو كنت - يا أخي - لم ترد عمر عن رأيه لجرت سنة ولاستأصلهم الله وقطع أصلهم وإذاً لاستنت به الخلفاء من بعده حتى لا يبقى منهم شعر ولا ظفر ولا نافخ نار، فإنهم آفة الدين!

بدع عمر على لسان معاوية

فما أكثر ما قد سنَّ عمر في هذه الأمة بخلاف سنة رسول الله ، فتابعه الناس عليها وأخذوا بها، فتكون هذه مثل واحدة منهن.

فمنهن تحويله المقام من الموضع الذي وضعه فيه رسول الله، وصاع رسول الله ومده حين غيره وزاد فيه، ونهيه الجنب عن التيمم، وأشياء كثيرة سنَّها(١) أكثر من ألف

____________________

١. قد مر نماذج من بدع عمر في الأحاديث ١١ و ١٤ و ١٨ من هذا الكتاب.

٢٨٥

باب ، أعظمها وأحبها إلينا وأقرها لأعيننا زيلة الخلافة عن بني هاشم وهم أهلها ومعدنها، لأنها لا تصلح إلا لهم ولا تصلح الأرض إلا بهم.

سليم يستنسخ الرسالة السرية

فإذا قرأت كتابي هذا فاكتم ما فيه ومزِّقه.(١)

قال(٢) : فلما قرأ زياد الكتاب ضرب به الأرض، ثم أقبل عليَّ فقال: «ويلي مما خرجت وفيما دخلت! كنت والله من شيعة آل محمد وحزبه، فخرجت منها ودخلت في شيعة الشيطان وحزبه وفي شيعة من يكتب إليَّ مثل هذا الكتاب. إنما والله مثلي كمثل إبليس أبى أن يسجد لآدم كبراً وكفراً وحسداً.

قال سليم: فلم أمس حتى نسخت كتابه. فلما كان الليل دعا زياد بالكتاب فمزقه وقال: «لا يطلعنَّ أحد من الناس على ما في هذا الكتاب»؛ ولم يعلم أني قد نسخته.

____________________

١. هذا كلام معاوية في آخر كتابه يخاطب به زياداً.

٢. أي قال كاتب زياد لسليم.

٢٨٦

٢٤

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقيم الحجة على عائشة في حق عليعليه‌السلام

أبان عن سليم، قال: سمعت سلمان وأبا ذر والمقداد، وسألت علي بن أبي طالبعليه‌السلام عن ذلك فقال: صدقوا. قالوا:

دخل علي بن أبي طالبعليه‌السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعائشة قاعدة خلفه وعليها كساء والبيت غاصٌّ بأهله فيهم الخمسة أصحاب الكتاب والخمسة أصحاب الشورى. فلم يجد مكاناً فأشار إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «هاهنا»، يعني خلفه.

فجاء عليعليه‌السلام فقعد بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين عائشة، وأقعى كما يقعي الأعرابي. فدفعته عائشة وغضبت وقالت: أما وجدت لإستك موضعاً غير حجري؟!

فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: مه يا حميراء، لا تؤذيني في أخي علي، فإنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وصاحب لواء الحمد، وقائد الغر المحجلين يوم القيامة.يجعله الله على الصراط فيقاسم النار ، فيدخل أوليائه الجنة ويدخل أعدائه النار.

٢٨٧

٢٥

رسائل بين أمير المؤمنينعليه‌السلام ومعاوية أثناء حرب بصفين

أبان عن سليم، وزعم أبو هارون العبدي(١) أنه سمعه من عمر بن أبي سلمة:

١

رسالة من معاوية إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام

إن معاوية دعا أبا الدرداء(٢) ونحن مع أمير المؤمنينعليه‌السلام بصفين ودعا أبا هريرة فقال لهما: انطلقا إلى علي فاقرآه مني السلام وقولا له:

والله إني لأعلم أنك أولى الناس بالخلافة وأحق بها مني، لأنك من المهاجرين الأولين وأنا من الطلقاء وليس لي مثل سابقتك في الإسلام وقرابتك من رسول الله وعلمك بكتاب الله وسنة نبيه.

ولقد بايعك المهاجرون والأنصار بعد ما تشاوروا فيك قبل ثلاثة أيام. ثم أتوك فبايعوك طائعين غير مكرهين. وكان أول من بايعك طلحة والزبير، ثم نكثا بيعتك

____________________

١. هو عمارة بن جويرة (جوين)، مات سنة ١٣٤. فقوله «زعم أبو هارون...» من كلام أبان، لا سليم.

٢. أبو مسلم الخولاني. وكذا في سائر موارد الحديث جاء هذا الاسم مكان أبي الدرداء. وأبو الدرداء هو عويمر بن عامر بن زيد الخزرجي الأنصاري المدني الصحابي.

٢٨٨

وظلماك وطلبا ما ليس لهما، وأنا ابن عم عثمان والطالب بدمه. وبلغني أنك تعتذر من قتل عثمان وتتبرأ من دمه، وتزعم أنه قتل وأنت قاعد في بيتك، وأنك قلت حين قتل - واسترجعت -: «اللهمَّ لم أرضَ ولم أمالِئ»، وقلت يوم الجمل حين نادوا «يا لثارات عثمان» - حين ثار من حول الجمل - قلت: «كُبَّ قتلة عثمان اليوم لوجوههم إلى النار، أنحن قتلناه؟ وإنما قتله هما وصاحبتهما وأمروا بقتله وأنا قاعد في بيتي».

وأنا ابن عم عثمان ووليه والطالب بدمه، فإن كان الأمر كما قلت فأمكِنّا من قتلة عثمان وادفعهم إلينا نقتلهم بابن عمنا، ونبايعك ونسلم إليك الأمر.

لعن أمير المؤمنينعليه‌السلام لأبي بكر وعمر وعثمان وبراءته منهم

هذه واحدة، وأما الثانية فقد أنبأتني عيوني وأتتني الكتب من أولياء عثمان - ممن هو معك يقاتل وتحسب أنه على رأيك وراض بأمرك وهواه معنا وقلبه عندنا وجسده معك - أنك تظهر ولاية أبي بكر وعمر وتترحم عليهما، وتكف عن عثمان ولا تذكره ولا تترحم عليه ولا تلعنه.

وبلغني عنك: أنك إذا خلوت ببطانتك الخبيثة وشيعتك وخاصتك الضالة المغيرة الكاذبةتبرأت عندهم من أبي بكر وعمر وعثمان ولعنتَهم . وادعيت أنك خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أمته ووصيه فيهم، وأن الله فرض على المؤمنين طاعتك وأمر بولايتك في كتابه وسنة نبيه، وأن الله أمر محمداً أن يقوم بذلك في أمته، وأنه أنزل عليه:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (١) ، فجمع أمته بغدير خم فبلغ ما أمر به فيك عن الله، وأمر أن يبلغ الشاهد الغائب، وأخبرهم أنك أولى بهم من أنفسهم، وأنك منه بمنزلة هارون من موسى.

____________________

١. سورة المائدة: الآية ٦٧.

٢٨٩

غصب الخلافة على لسان معاوية

وبلغني عنك: أنك لا تخطب الناس خطبة إلا قلت قبل أن تنزل عن منبرك: «والله إني لأولى الناس بالناس، وما زلت مظلوماً منذ قبض رسول الله».

لئن كان ما بلغني عنك من ذلك حقاًفلظلم أبي بكر وعمر إياك أعظم من ظلم عثمان . لقد قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن شهود، فانطلق عمر وبايع أبا بكر وما استأمرك ولا شاورك، ولقد خاصم الرجلان بحقك وحجتك وقرابتك من رسول الله، ولو سلَّما لك وبايعاك لكان عثمان أسرع الناس إلى ذلك لقرابتك منه وحقك عليه لأنه ابن عمك وابن عمتك. ثم عمد أبو بكر فردها إلى عمر عند موته ما شاورك ولا استأمرك حيناستخلفه وبايع له.

ثم جعلك عمر في الشورى بين ستة منكم وأخرج منها جميع المهاجرين والأنصار وغيرهم؛ فوليتم ابن عوف أمركم في اليوم الثالث حين رأيتم الناس قد اجتمعوا واخترطوا سيوفهم وحلفوا بالله «لئن غابت الشمس ولم تختاروا أحدكم ليضربن أعناقكم ولينفذن فيكم أمر عمر ووصيته»، فوليتم أمركم ابن عوف، فبايععثمان فبايعتموه.

ثم حوصر عثمان فاستنصركم فلم تنصروه ودعاكم فلم تجيبوه، وبيعته في أعناقكم وأنتم يا معاشر المهاجرين والأنصار حضور شهود. فخليتم عن أهل مصر حتى قتلوه وأعانهم طوائف منكم على قتله وخذله عامتكم؛ فصرتم في أمره بين قاتل وآمر وخاذل.

ثم بايعك الناس وأنت أحق بهذا الأمر مني، فأمكنّي من قتلة عثمان حتى أقتلهم، وأسلِّم الأمر لك وأبايعك أنا وجميع من قبلي من أهل الشام.

٢٩٠

٢

رسالة من أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى معاوية

فلما قرأ عليعليه‌السلام كتاب معاوية وأبلغه أبو الدرداء وأبو هريرة رسالته ومقالته، قال عليعليه‌السلام لأبي الدرداء: قد أبلغتماني ما أرسلكما به معاوية، فاسمعا مني ثم أبلغاه عني كما أبلغتماني عنه وقولا له:

إن عثمان بن عفان لا يعدو أن يكون أحد رجلين: إما إمام هدى حرام الدم واجب النصرة لا تحل معصيته ولا يسع الأمة خذلانه، أو إمام ضلالة حلال الدم لا تحل ولايته ولا نصرته. فلا يخلو من إحدى الخصلتين.

والواجب في حكم الله وحكم الإسلام على المسلمين بعد ما يموت إمامهم أو يقتل - ضالاً كان أو مهتدياً، مظلوماً كان أو ظالماً، حلال الدم أو حرام الدم - أن لا يعملوا عملاً ولا يحدثوا حدثاً ولا يقدموا يداً ولا رِجلاً ولا يبدءوا بشيئ قبل أن يختاروا لأنفسهم إماماً عفيفاً عالماً ورعاً عارفاً بالقضاء والسنة، يجمع أمرهم ويحكم بينهم ويأخذللمظلوم من الظالم حقه ويحفظ أطرافهم ويجبي فيئهم ويقيم حجَّهم وجُمْعتهم ويجبي صدقاتهم. ثم يحتكمون إليه في إمامهم المقتول ظلماً ويحاكمون قتلته إليه ليحكم بينهم بالحق: فإن كان إمامهم قتل مظلوماً حكم لأوليائه بدمه، وإن كان قتل ظالماً نظر كيف الحكم في ذلك.

هذا أول ما ينبغي أن يفعلوه: أن يختاروا إماماً يجمع أمرهم -إن كانت الخيرة لهم - ويتابعوه ويطيعوه.وإن كانت الخيرة إلى الله عز وجل وإلى رسوله فإن الله قد كفاهم النظر في

٢٩١

ذلك والاختيار، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد رضي لهم إماماً وأمرهم بطاعته واتباعه وقد بايعني الناس بعد قتل عثمان، بايعني المهاجرون والأنصار بعد ما تشاوروا فيَّ ثلاثة أيام، وهم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان وعقدوا إمامتهم، ولّى ذلك أهل بدر والسابقة من المهاجرين والأنصار، غير أنهم بايعوهم قبلي على غير مشورة من العامة وإن بيعتي كانت بمشورة من العامة.

فإن كان الله جل اسمه قد جعل الاختيار إلى الأمة وهم الذين يختارون وينظرون لأنفسهم، واختيارهم لأنفسهم ونظرهم لها خير لهم من اختيار الله ورسوله لهم، وكان من اختاروه وبايعوه بيعته بيعة هدى وكان إماماً واجباً على الناس طاعته ونصرته، فقد تشاوروا فيَّ واختاروني بإجماع منهم،وإن كان الله عز وجل هو الذي يختار، له الخيرة فقد اختارني للأمة واستخلفني عليهم وأمرهم بطاعتي ونصرتي في كتابه المنزل وسنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله فذلك أقوى لحجتي وأوجب لحقي.

ولو أن عثمان قتل على عهد أبي بكر وعمر كان لمعاوية قتالهما والخروج عليهما للطلب؟

قال أبو هريرة وأبو الدرداء: لا.

قال عليعليه‌السلام : فكذلك أنا! فإن قال معاوية: «نعم»، فقولا: إذاً يجوز لكل من ظلم بمظلمة أو قتل له قتيل أن يشق عصى المسلمين ويفرق جماعتهم ويدعو إلى نفسه، مع أن ولد عثمان أولى بطلب دم أبيهم من معاوية.

قال: فسكت أبو الدرداء وأبو هريرة وقالا: لقد أنصفت من نفسك.

قال عليعليه‌السلام : ولعمري لقد أنصفني معاوية إن تمَّ على قوله وصدق ما أعطاني، فهؤلاء بنو عثمان رجال قد أدركوا ليسوا بأطفال ولا مولى عليهم، فليأتوا أجمع بينهم وبين قتلة أبيهم، فإن عجزوا عن حجتهم فليشهدوا لمعاوية بأنه وليهم ووكيلهم وحربهم في خصومتهم.

٢٩٢

وليقعدوا هم وخصمائهم بين يدي مقعد الخصوم إلى الإمام والوالي الذي يقرون بحكمه وينفذون قضائه، وأنظر في حجتهم وحجة خصمائهم. فإن كان أبوهم قتل ظالماً وكان حلال الدم أبطلت دمه، وإن كان مظلوماً حرام الدم أقَدْتُهم من قاتل أبيهم، فإن شاءوا قتلوه وإن شاءوا عفوا وإن شاءوا قبلوا الدية.

وهؤلاء قتلة عثمان في عسكري يقرون بقتله ويرضون بحكمي عليهم ولهم، فليأتني ولد عثمان أو معاوية - إن كان وليهم ووكيلهم - فليخاصموا قتلته وليحاكموهم حتى أحكم بينهم وبينهم بكتاب الله وسنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وإن كان معاوية إنما يتجني ويطلب الأعاليل والأباطيل فليتجنِّ ما بدا له فسوف يُعين الله عليه.(١)

قال أبو الدرداء وأبو هريرة:قد والله أنصفت من نفسك وزدت على النصفة، وأزحت علته وقطعت حجته، وجئت بحجة قوية صادقة ما عليها لوم.

ثم خرج أبو هريرة وأبو الدرداء، فإذاً نحو من عشرين ألف رجل مقنَّعين بالحديد فقالوا: «نحن قتلة عثمان ونحن مقرون راضون بحكم عليعليه‌السلام علينا ولنا، فليأتنا أولياء عثمان فليحاكمونا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام في دم أبيهم، فإن وجب علينا القود أو الدية اصطبرنا لحكمه وسلمنا».

فقالا: قد أنصفتم، ولا يحل لعليعليه‌السلام دفعكم ولا قتلكم حتى يحاكموكم إليه فيحكم بينكم وبين صاحبكم بكتاب الله وسنة نبيهعليه‌السلام .

____________________

١. يتجني أي يرمي بإثم لم نفعله.

٢٩٣

٣

رد فعل معاوية على رسالة أمير المؤمنينعليه‌السلام

فانطلق أبو الدرداء وأبو هريرة حتى قدما على معاوية فأخبراه بما قال عليعليه‌السلام وما قال قتلة عثمان وما قال أبو النعمان بن ضمان.(١)

فقال لهما معاوية: فما رد عليكما في ترحمه على أبي بكر وعمر وكفه عن الترحم على عثمان وبرائته منه في السر وما يدعي من استخلاف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إياه وأنه لم يزل مظلوماً منذ قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

قالا: بلى، قد ترحم على أبي بكر وعمر وعثمان عندنا ونحن نسمع. ثم قال لنا فيما يقول: إن كان الله جعل الخيار إلى الأمة فكانوا هم الذين يختارون وينظرون لأنفسهم - وكان اختيارهم لأنفسهم ونظرهم لها خيراً لهم وأرشد من اختيار الله واختيار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - فقد اختاروني وبايعوني، فبيعتي بيعة هدى وأنا إمام واجب على الناس طاعتي ونصرتي، لأنهم قد تشاوروا فيَّ واختاروني.

وإن كان اختيار الله واختيار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خيراً لهم وأرشد من اختيارهم لأنفسهم ونظرهم لها ، فقد اختارني الله ورسوله للأمة واستخلفاني عليهم وأمراهم بنصرتي وطاعتي في كتاب الله المنزل على لسان نبيه المرسل، وذلك أقوى لحجتي وأوجب لحقي.

____________________

١. لم نعرف الرجل ولا وجه ذكره هنا. ولعله تكلم نيابةً عن العشرين ألف المسمين أنفسهم بقَتَلة عثمان.

٢٩٤

٤

مناشدات أمير المؤمنينعليه‌السلام للمسلمين في صفين

ثم صعدعليه‌السلام المنبر في عسكره وجمع الناس ومن بحضرته من النواحي والمهاجرين والأنصار، ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال:

مناقب عليعليه‌السلام لا تحصى

يا معاشر الناس،إن مناقبي أكثر من أن تحصى أو تعدُّ ، ما أنزل الله في كتابه من ذلك وما قال فيَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أكتفي بها عن جميع مناقبي وفضلي.

أتعلمون أن الله فضَّل في كتابه الناطق، السابق إلى الإسلام - في غير آية من كتابه - على المسبوق وإنه لم يسبقني إلى الله ورسوله أحد من الأمة؟ قالوا: اللهمَّ نعم.

عليعليه‌السلام أفضل الأوصياء

قال: أنشدكم الله، سُئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن قوله:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولَـٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (١) فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنزلها الله في الأنبياء وأوصيائهم، وأنا أفضل أنبياء الله وأخي ووصيي علي بن أبي طالب أفضل الأوصياء؟

فقام نحو من سبعين بدرياً جلهم من الأنصار وبقيتهم من المهاجرين، منهم أبو الهيثم بن التيهان وخالد بن زيد أبو أيوب الأنصاري، ومن المهاجرين عمار بن ياسر وغيره، فقالوا: نشهد أنا قد سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ذلك.

____________________

١. سورة الواقعة: الآيتان ١٠ و ١١.

٢٩٥

إعلان الولاية في غدير خم

قال: أنشدكم الله في قول الله:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (١) ، وقوله:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢) ، ثم قال:( وَلَمْ يَتَّخِذْ مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) (٣) ؛ فقال الناس: «يا رسول الله، أخاص لبعض المؤمنين أم عام لجميعهم»؟ فأمر الله عز وجل رسوله أن يعلمهم فيمن نزلت الآيات وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم وصيامهم وزكاتهم وحجهم.

فنصبني بغدير خم وقال: «إن الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري وظننت أن الناس مكذبوني، فأوعدني لأبلغنها أو يعذبني. قم يا علي». ثم نادى بالصلاة جامعة؛ فصلى بهم الظهر، ثم قال: «أيها الناس، إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأولى بهم من أنفسهم. ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهمَّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر مننصره واخذل من خذله».

فقام إليه سلمان الفارسي فقال: يا رسول الله، ولاؤه كما ذا؟ فقال: «ولاؤه كولايتي ، من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه»، وأنزل الله تبارك وتعالى:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) .(٤) فقال سلمان الفارسي: يا رسول الله، أنَزلت هذه الآيات في علي خاصة؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بل فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة».

____________________

١. سورة النساء: الآية ٥٩.

٢. سورة المائدة: الآية ٥٥.

٣. سورة التوبة: الآية ١٦. وفي المصحف:وَلَمْ يَتَّخِذُوا .

٤. سورة المائدة: الآية ٣.

٢٩٦

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا سلمان، اشهد أنت ومن حضرك بذلك وليبلغ الشاهد الغائب». فقال سلمان الفارسي: يا رسول الله، بيِّنهم لنا. فقال: «علي أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي، وأحد عشر إماماً من ولده. أولهم ابنيالحسن ،ثم الحسين ،ثم تسعة من ولد الحسين واحداً بعد واحد. القرآن معهم وهم مع القرآن لا يفارقونه حتى يردوا عليَّ الحوض».

فقام اثنا عشر رجلاً من البدريين فقالوا: نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله كما قلت سواء لم تزد فيه ولم تنقص حرفاً، وأشهدَنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على ذلك. وقال بقية السبعين: قد سمعنا ذلك ولم نحفظ كله، وهؤلاء الاثنا عشر خيارنا وأفضلنا. فقالعليه‌السلام : صدقتم، ليس كل الناس يحفظ، بعضهم أحفظ من بعض.

فقام من الاثني عشر أربعة: أبو الهيثم بن التيهان وأبو أيوب الأنصاري وعمار بن ياسر وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين رحمهم الله، فقالوا: نشهد أنا قد سمعنا قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحفظناه أنه قال يومئذ وهو قائم وعلي قائم إلى جنبه.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا أيها الناس، إن الله أمرني أن أنصب لكم إماماً ووصياً يكون وصي نبيكم فيكم وخليفتي في أمتي وفي أهل بيتي من بعدي والذي فرض الله على المؤمنين في كتابه طاعته وأمركم فيه بولايته. فراجعت ربي خشية طعن أهل النفاق وتكذيبهم، فأوعدني لأبلِّغها أو ليعذِّبني».

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أيها الناس، إن الله - جل اسمه - أمركم في كتابه بالصلاة وقد بينتها لكم وسننتها، والزكاة والصوم والحج فبينتها وفسرتها لكم، وأمركم في كتابه بالولاية وإني أشهدكم أيها الناس أنها خاصة لعلي بن أبي طالب والأوصياء من ولدي وولد أخي ووصيي، علي أولهم ثم الحسن ثم الحسين ثم تسعة من ولد الحسين

٢٩٧

ابني، لا يفارقون الكتاب ولا يفارقهم حتى يردوا علي الحوض.

يا أيها الناس، إني قد أعلمتكم مفزعكم وإمامكم بعدي ودليلكم وهاديكم وهو أخي علي بن أبي طالب، وهو فيكم بمنزلتي فيكم، فقلدوه دينكم وأطيعوه في جميع أموركم،فإن عنده جميع ما علمني الله وأمرني الله أن أعلمه إياه وأعلمكم أنه عنده، فاسألوه وتعلَّموا منه ومن أوصيائه بعده، ولا تعلموهم ولا تتقدموهم ولا تتخلفوا عنهم، فإنهم مع الحق والحق معهم لا يزايلوه ولا يزايلهم».

حديث الكساء وآية التطهير

ثم قال عليعليه‌السلام لأبي الدرداء وأبي هريرة ومن حوله:

أيها الناس، أتعلمون أن الله تبارك وتعالى أنزل في كتابه( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) .(١) فجمعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفاطمة والحسن والحسين معه في كسائه وقال: «اللهمَّ هؤلاء عترتي وخاصتي وأهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً». فقالت أم سلمة: وأنا يا رسول الله؟ فقال: «إنك على خير،وإنما أنزلت فيَّ وفي أخي علي وابنتي فاطمة وفي ابنيَّ الحسن والحسين وفي تسعة أئمة من ولد الحسين ابني - صلوات الله عليهم - خاصة ليس معنا غيرنا ».

فقام كلهم فقالوا: نشهد أن أم سلمة حدثتنا بذلك، فسألنا عن ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فحدثنا به كما حدثتنا أم سلمة به.

الصادقون في القرآن هم الأئمةعليهم‌السلام

ثم قال عليعليه‌السلام : أنشدكم الله، هل تعلمون أن الله جل اسمه أنزل في كتابه:( يَا أَيُّهَا

____________________

١. سورة المائدة: الآية ٣.

٢٩٨

الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (١) ، فقال سلمان: يا رسول الله، أعامة هي أم خاصة؟ فقال: «أما المأمورون فعامة لأن جماعة المؤمنين أُمِروا بذلك، وأما الصادقون فخاصة لأخي علي بن أبي طالب وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة ».

قال عليعليه‌السلام : وقلت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة تبوك: يا رسول الله، لم خلفتني؟ فقال: يا علي، إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة فإنه لا نبي بعدي.

فقام رجال ممن معه من المهاجرين والأنصار فقالوا: نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة تبوك.

الشهداء على الناس في القرآن هم الأئمةعليهم‌السلام

فقالعليه‌السلام : أنشدكم الله، أتعلمون أن الله عز وجل أنزل في سورة الحج:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، وَجَاهِدُوا فِي اللَّـهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّـهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) (٢) ؛ فقام سلمان فقال: يا رسول الله، مَن هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد وهم شهداء على الناس، الذين اجتباهم الله وما جعل عليهم في الدين من حرج ملة أبيهم إبراهيم؟

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنما عنى بذلك ثلاثة عشر إنساناًأنا وأخي علي بن أبي طالب وأحد عشر من ولدي ، واحداً بعد واحد، كلهم أئمة، القرآن معهم وهم مع القرآن، لا يفترقون حتى يردوا عليَّ الحوض. قالوا: اللهمَّ نعم.

____________________

١. سورة التوبة: الآية ١١٩.

٢. سورة الحج: الآيتان ٧٧ و ٧٨.

٢٩٩

حديث الثقلين والنص على أسماء الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام

قال عليعليه‌السلام : أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قام خطيباً - ولم يخطب بعدها - وقال: «يا أيها الناس، إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنه قد عهد إليَّ اللطيف الخيبر أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»؟

فقالوا: اللهمَّ نعم، قد شهدنا ذلك كله من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فقالعليه‌السلام : حسبي الله.

فقام الاثنا عشر من الجماعة البدريين فقالوا: نشهد أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين خطب في اليوم الذي قبض فيه قام عمر بن الخطاب شبه المغضب فقال: يا رسول الله، أكلُّ أهل بيتك؟

فقال: لا ولكن أوصيائي، أخي منهم ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي وأحد عشر من ولده،هذا أولهم وخيرهم ثم ابناي هذان - وأشار بيده إلى الحسن والحسين - ثم وصي ابني يسمى باسم أخي علي وهو ابن الحسين، ثم وصي علي وهو ولَده واسمه محمد، ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم محمد بن الحسن مهدي الأمة . اسمه كاسمي وطينته كطينتي، يأمر بأمري وينهى بنهيي؛ يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. يتلو بعضهم بعضاً، واحداً بعد واحد حتى يردوا عليَّ الحوض، شهداء الله في أرضه وحججه على خلقه. من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله.

فقام باقي السبعين البدريين ومثلهم من الآخرين فقالوا: ذكَّرتنا ما كنا نسينا؛ نشهد أنا قد سمعنا ذلك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثم عادعليه‌السلام إلى السؤال فلم يدع شيئاً مما سأل عنه في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في خلافة عثمان(١) إلا ناشدهم فيه حتى أتىعليه‌السلام على آخر مناقبه وما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه، كل ذلك يصدِّقونه ويشهدون أنه حق سمعوه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

____________________

١. راجع عما قالهعليه‌السلام في خلافة عثمان: الحديث ١١ من هذا الكتاب.

٣٠٠