كتاب سليم بن قيس الهلالي

كتاب سليم بن قيس الهلالي0%

كتاب سليم بن قيس الهلالي مؤلف:
المحقق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني
الناشر: نشر الهادي
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 638

كتاب سليم بن قيس الهلالي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: سليم بن قيس الهلالي العامري
المحقق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني
الناشر: نشر الهادي
تصنيف: الصفحات: 638
المشاهدات: 398054
تحميل: 7619

توضيحات:

كتاب سليم بن قيس الهلالي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 638 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 398054 / تحميل: 7619
الحجم الحجم الحجم
كتاب سليم بن قيس الهلالي

كتاب سليم بن قيس الهلالي

مؤلف:
الناشر: نشر الهادي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٥

كتاب معاوية جوابا لأمير المؤمنينعليه‌السلام

فلما حدث أبو الدرداء وأبو هريرة معاوية بكل ذلك وبما رد عليه الناس وجم من ذلك وقال: يا أبا الدرداء ويا أبا هريرة، لئن كان ما تحدثاني عنه حقاً لقد هلك المهاجرون والأنصار غيره وغير أهل بيته وشيعته.

تقية أمير المؤمنينعليه‌السلام

ثم كتب معاوية إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام : لئن كان ما قلت وادعيت واستشهدت عليه أصحابك حقاًلقد هلك أبو بكر وعمر وعثمان وجميع المهاجرين والأنصار غيرك وغير أهل بيتك وشيعتك .

وقد بلغني ترحمك عليهم واستغفارك لهم؛ وإنه لعلى وجهين ما لهما ثالث: إما تقيةٌ إن أنت تبرأت منهم خفت أن يتفرق عنك أهل عسكرك الذين تقاتلني بهم، أو أن الذي ادعيت باطل وكذب. وقد بلغني وجائني بذلك بعض من تثق به من خاصتك بأنك تقول لشيعتك الضالة وبطانتك بطانة السوء: «إني قد سميت ثلاثة بنين لي أبا بكر وعمر وعثمان (١) ،فإذا سمعتموني أترحَّم على أحد من أئمة الضلالة فإني أعني بذلك بنيَّ ».

مشاهدات معاوية في السقيفة

والدليل على صدق ما أتوني به ورَقوه إليَّ: أنا قد رأيناك بأعيننا، فلا نحتاج أن نسأل

____________________

١. روي في البحار: ج ٣١ ص ٣٠٧ قال: كنا جلوساً عند عليعليه‌السلام فدعا ابنه عثمان فقال: يا عثمان! ثم قال: إني لم أُسمه باسم عثمان الشيخ الكافر، وإنما سميته باسم عثمان بن مظعون.

٣٠١

من ذلك غيرنا؛ رأيتك حملت امرأتك فاطمة على حمار وأخذت بيد ابنيك الحسن والحسين - إذ بويع أبو بكر - فلم تدع أحداً من أهل بدر وأهل السابقة إلا دعوتهم واستنصرتهم عليه فلم تجد منهم إنساناً غير أربعة:سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير . لعمري لو كنت محقاً لأجابوك وساعدوك ونصروك، ولكن ادعيت باطلاً وما لا يقرون به.

وسمعَتك أذناي وأنت تقول لأبي سفيان - حين قال لك: «غُلبت يا بن أبي طالب على سلطان ابن عمك، ومن غلبك عليه أذل أحياء قريش تيم وعدي» ودعاك إلى أن ينصرك - فقلت: «لو وجدت أعواناً أربعين رجلاً من المهاجرين والأنصار من أهل السابقة لناهضت هذا الرجل»، فلما لم تجد غير أربعة رهط بايعت مكرهاً.

٦

كتاب أمير المؤمنينعليه‌السلام جوابا لمعاوية

قال: فكتب إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام :

بسم الله الرحمان الرحيم، أما بعد، فقد قرأت كتابك فكثر تعجبي مما خطَّت فيه يدك وأطنبت فيه من كلامك، ومن البلاء العظيم والخطب الجليل على هذه الأمة أن يكون مثلك يتكلم أو ينظر في عامة أمرهم أو خاصته ، وأنت من تعلم وابن من تعلم وأنا من قد علمت وابن من قد علمت!

وسأجيبك فيما قد كتبت بجواب لا أظنك تعقله أنت ولا وزيرك ابن النابغة عمرو،

٣٠٢

الموافق لك كما وافَق شنٌّ طبقة(١) ، فإنه هو الذي أمرك بهذا الكتاب وزينه لك، وحضركما فيه إبليس ومردة أصحابه.

والله لقد أخبرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعرفني أنه رآى على منبره اثني عشر رجلاً، أئمة ضلال من قريش يصعدون منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وينزلون على صورة القرود، يردون أمته على أدبارهم عن الصراط المستقيم. قد خبرني بأسمائهم رجلاً رجلاً وكم يملك كل واحد منهم واحد بعد واحد. عشرة منهم من بني أمية ورجلان من حيين مختلفين من قريش، عليهما مثل أوزار الأمة جميعاً إلى يوم القيامة ومثل جميع عذابهم.فليس من دم يُهراق في غير حقه ولا فرج يغشى حراماً ولا حكم بغير حق إلا كان عليهما وزره .

وسمعته يقول: «إن بني أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين رجلاً جعلوا كتاب الله دخلاً وعباد الله خولاً ومال الله دولاً».

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أخي، إنك لست كمثلي. إن الله أمرني أن أصدع بالحق وأخبرني أنه يعصمني من الناس وأمرني أن أجاهد ولو بنفسي، فقال:( جاهدفِي سَبِيلِ اللَّـهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ) (٢) ، وقال:( حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ) (٣) ، فكنتُ أنا وأنت المجاهدَين. وقد مكثت بمكة ما مكثت لم أؤمر بقتال، ثم أمرني الله بالقتال لأنه لا يُعرف الدين إلا بي ولا الشرائع ولا السنن والأحكام والحدود والحلال والحرام.

وإن الناس يدَعون بعدي ما أمرهم الله به وما أمرتهم فيك من ولايتك وما أظهرت من حجتك،متعمدين غير جاهلين ولا اشتبه عليهم فيه ، ولا سيما لِما أتوك قبلُ(٤) مخالفة ما

____________________

١. قوله «واَفَق شنّ طبقة» مَثَلٌ يضرب للشيئين يتفقان.

٢. إشارة إلى سورة النساء: الآية ٨٤، والآية هكذا:( فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ... ) .

٣. سورة الأنفال: الآية ٦٥.

٤. لعل المراد من قوله «لما أتوك» أن لهم سابقة سوء معك في حياتي قبل غصب حقك بعد مماتي.

٣٠٣

أنزل الله فيك. فإن وجدت أعوانا عليهم فجاهدهم وإن لم تجد أعواناً فاكفف يدك واحقن دمك فإنك إن نابذتهم قتلوك، وإن تبعوك وأطاعوك فاحملهم على الحق وإلا فدَعْ، وإن استجابوا لك ونابذوك فنابذهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعواناً فكف يدك واحقن دمك(١) واعلم أنك إن دعوتهم لم يستجيبوا لك فلا تدَعنَّ أن تجعل الحجة عليهم.

إنك يا أخي لست مثلي، إني قد أقمت حجتك وأظهرت لهم ما أنزل الله فيك وإنه لم يُعلم أني رسول الله وأن حقي وطاعتي واجبان حتى أظهرت لك، فإني كنت قد أظهرت حجتك وقمت بأمرك، فإن سكتَّ عنهم لم تأثم وإن حكمت ودعوت لم تأثم، غير أني أحب أن تدعوهم وإن لم يستجيبوا لك ولم يقبلوا منك.

ويتظاهر عليك ظلمة قريش، فإني أخاف عليك إن ناهضت القوم ونابذتهم وجاهدتم من غير أن يكون معك فئةٌ أعوانٌ تُقَوّي بهم أن يقتلوك فيطفأ نور الله ولا يُعبد الله في الأرض، والتقية من دين الله ولا دين لمن لا تقية له.

وإن الله قد قضى الفرقة والاختلاف بين هذه الأمة، ولو شاء لجمعهم على الهدى ولم يختلف اثنان منهم ولا من خلقه ولم يتنازع في شيء من أمره ولم يجحد المفضول ذا الفضل فضله، ولو شاء عجَّل منهم النقمة وكان منه التغيير حتى يكذَّب الظالم ويعلم الحق أين مصيره. والله جعل الدنيا دار الأعمال وجعل الآخرة دار الثواب والعقاب، ( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) .(٢) فقلت: شكراً لله على نعمائه وصبراً على بلائه وتسليماً ورضىً بقضائه.

____________________

١. المراد من قوله «إن استجابوا لك ونابذوك فنابذهم...»، إن استجابوا لك ثم خالفوك فقم في وجوههم وذلك مثل أصحاب الجمل والنهروان.

٢. سورة النجم: الآية ٣١.

٣٠٤

ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أخي، أبشر فإن حياتك وموتك معي، وأنت أخي وأنت وصيي وأنت وزيري وأنت وارثي، وأنت تقاتل على سنتي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه أهله وتظاهروا عليه وكادوا أن يقتلوه. فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك فإنها ضغائن في صدور قوم، أحقاد بدر وتراتأحد.

وإن موسى أمر هارون حين استخلفه في قومه إن ضلوا فوجد أعواناً أن يجاهدهم بهم، وإن لم يجد أعواناً أن يكف يده ويحقن دمه ولا يفرق بينهم. فافعل أنت كذلك، إن وجدت عليهم أعواناً فجاهدهم وإن لم تجد أعواناً فاكفف يدك واحقن دمك، فإنك إن نابذتهم قتلوك؛ وإن تبعوك وأطاعوك فاحملهم على الحق.

واعلم أنك إن لم تكف يدك وتحقن دمك إذا لم تجد أعوانا أتخوف عليك أن يرجع الناس إلى عبادة الأصنام والجحود بأني رسول الله ، فاستظهر الحجة عليهم وادعهم ليهلك الناصبون لك والباغون عليك ويسلم العامة والخاصة. فإذا وجدت يوماً أعواناً على إقامة الكتاب والسنة فقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فإنما يهلك من الأمة من نصب نفسه لك أو لأحد من أوصيائك بالعداوة، وعادى وجحد ودان بخلاف ما أنتم عليه.

ولعمري يا معاوية، لو ترحمت عليك وعلى طلحة والزبير ما كان ترحمي عليكم واستغفاري لكم ليحق باطلاً، بل يجعل الله ترحمي عليكم واستغفاري لكم لعنة وعذاباً.وما أنت وطلحة والزبير بأحقر جرماً ولا أصغر ذنباً وأهون بدعة وضلالة ممن استنّا لك ولصاحبك الذي تطلب بدمه ووطئا لكم ظلمنا أهل البيت وحملاكم على رقابنا ، فإن الله يقول: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَـٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا، أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّـهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا، أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا، أَمْ يَحْسُدُونَ

٣٠٥

النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ ) (١) ، فنحن الناس ونحن المحسودون. قال الله عز وجل:( فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا، فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا ) (٢) ، فالملك العظيم أن جعل الله فيهم أئمة من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله والكتاب والحكمة النبوة. فلم تقرون بذلك في آل إبراهيم وتنكرونه في آل محمد؟

يا معاوية: فإن تكفر بها أنت وصاحبك ومن قبلك من طغاة الشام واليمن والأعراب، أعراب ربيعة ومضر جفاة الأمة،فقد وكل الله بها قوما ليسوا بها بكافرين !

يا معاوية: إن القرآن حق ونور وهدى ورحمة وشفاء للمؤمنين والذين لا يؤمنون في آذانهم وقرٌ وهو عليهم عمى.

يا معاوية، إن الله جل جلاله لم يدع صنفاً من أصناف الضلالة والدعاة إلى النارإلا وقد ردَّ عليهم واحتج عليهم في القرآن ونهى فيه عن اتباعهم ، وأنزل فيهم قرآناً قاطعاً ناطقاً عليهم قد علمه من علمه وجهله من جهله. وإني سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ليس من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن وما منه حرف إلا وإن له تأويل،( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (٣) ، الراسخون نحن آل محمد.

وأمر الله سائر الأمة أن يقولوا:( آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) (٤) ، وأن يسلموا لنا ويردوا علمه إلينا وقد قال الله:( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (٥) ، هم الذين يسألون عنه ويطلبونه.

____________________

١. سورة النساء: الآيات ٥٤ - ٥١.

٢. سورة النساء: الآيتان ٥٤ و ٥٥.

٣. سورة آل عمران: الآية ٧.

٤. سورة آل عمران: الآية ٧.

٥. سورة النساء: الآية ٨٣.

٣٠٦

آيتان نزلتا في معاوية

لعمري لو أن الناس - حين قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - سلَّموا لنا واتبعونا وقلَّدونا أمورهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولما طمعت فيها أنت يا معاوية!فما فاتهم منا أكثر مما فاتنا منهم .

ولقد أنزل الله فيَّ وفيك خاصة آية من القرآن تتلوها أنت ونظراؤك على ظاهرها ولا تعلمون تأويلها وباطنها، وهي في سورة الحاقة:( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ) إلى قوله:( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ ) (١) إلى آخر الآية، وذلك أنه يدعى بكل إمام ضلالة وإمام هدى ومع كل واحد منهما أصحابه الذين بايعوه فيدعى بي ويدعى بك.

يا معاوية، وأنتصاحب السلسلة الذي يقول:( يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ، وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ) إلى آخر القصص(٢) ، والله لقد سمعت ذلك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقوله فيك، وكذلك كل إمام ضلالة كان قبلك ويكون بعدك له مثل ذلك من خزي الله وعذابه.

آية نزلت في بني أمية

ونزل فيكم قول الله عز وجل:( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ

____________________

١. الآية الأولى في سورة الانشقاق: الآية ٦ وتمام الآيات هكذا:( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ، فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ، وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا ) . والآية الثانية في سورة الحاقة: الآيات ٣٧ - ١٩، وتمام الآيات هكذا:( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ، إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ، فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ، قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ، وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ، وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ، يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ، مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ، خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ، ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ) .

٢. سورة الحاقة: الآيات ٢٩ - ٢٥. وقوله «أنت صاحب السلسلة»، إشارة إلى قوله تعالى في الآية ٣٢ من هذه السورة:( ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ) .

٣٠٧

وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (١) ، وذلك حين رآى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اثني عشر إماماً من أئمة الضلالة على منبره يردون الناس على أدبارهم القهقرى، رجلان من حيين مختلفين من قريش وعشرة من بني أمية، أول العشرة صاحبك الذي تطلب بدمه وأنت وابنك وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص، أولهم مروان، وقد لعنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وطرده وما ولد حين استمع لنساء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .(٢)

يا معاوية، إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ولم يرض لنا الدنيا ثواباً.

وقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنت ووزيرك وصُويحبك، يقول: «إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتخذوا كتاب الله دخلاً وعباد الله خولاً ومال الله دولاً».(٣)

يا معاوية، إن نبي الله زكريا نشر بالمنشار ويحيى ذبح وقتله قومه وهو يدعوهم إلى الله عز وجل، وذلك لهوان الدنيا على الله. إن أولياء الشيطان قديماً حاربوا أولياء الرحمن؛ قال الله:( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) .(٤)

____________________

١. سورة الإسراء: الآية ٦٠.

٢. روى العلامة الأميني في الغدير: ج ٨ ص ٢٤٣ عن البلاذري أن الحكم بن أبي العاص كان جاراً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الجاهلية وكان أشد جيرانه أذىً له في الإسلام. وكان قدومه المدينة بعد فتح مكة وكان مغموصاً عليه في دينه. فكان يمر خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيغمز به ويحكيه ويخلج بأنفه وفمه، وإذا صلى قام خلفه فأشار بإصبعه. فبقي على تخليجه وأصابته خبلة. واطلع على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم وهو في بعض حجر نساءه، فعرفه وخرج إليه بعنزة وقال: مَن عذيري من هذه الوزغة اللعين؟ ثم قال: لا يساكنني ولا ولده. فغرَّبهم جميعاً إلى الطائف.

فلما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلَّم عثمان أبا بكر فيهم وسأله ردُّهم فأبى ذلك وقال: ما كنت لآوي طرداء رسول الله. ثم لما استخلف عمر كلمه فيهم فقال مثل قول أبي بكر. فلما استخلف عثمان أدخلهم المدينة.

٣. قوله «كتاب الله دخلاً» أي يتخذون كتاب الله خديعة وعباد الله عبيداً وإماءً ويتداولون مال الله بينهم.

٤. سورة آل عمران: الآية ٢١.

٣٠٨

يا معاوية، إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أخبرني أن أمته سيخضبون لحيتي من دم رأسي، وإني مستشهد،وستَلي الأمة من بعدي، وأنك ستقتل ابني الحسن غدراً بالسم، وأن ابنك يزيد لعنه الله سيقتل ابني الحسين، يلي ذلك منه ابن الزانية .

إخبارهعليه‌السلام عن تسلط بني أمية على الأمة

وأن الأمة سيليها من بعدك سبعة من ولد أبي العاص وولد مروان بن الحكم وخمسة من ولده تكملة اثني عشر إماماً قد رآهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتواثبون على منبره تواثب القردة، يردون أمته عن دين الله على أدبارهم القهقرى،وأنهم أشد الناس عذاباً يوم القيامة . وأن الله سيخرج الخلافة منهم برايات سود تقبل من الشرق، يذلهم الله بهم ويقتلهم تحت كل حجر.

إخبار أمير المؤمنينعليه‌السلام عن ظهور الإمام المهديعليه‌السلام

وأن رجلاً من ولدك مشوم ملعون جلف جاف منكوس القلب فظ غليظ قد نزع الله من قلبه الرأفة والرحمة، أخواله من كلب، كأني أنظر إليه ولو شئت لسميته ووصفته وابن كم هو.

فيبعث جيشاً إلى المدينة فيدخلونها فيسرفون فيها في القتل والفواحش، ويهرب منه رجل من ولدي زكي نقي، الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً. وإني لأعرف اسمه وابن كم هو يومئذ وعلامته. وهو من ولد ابني الحسين الذي يقتله ابنك يزيد، وهو الثائر بدم أبيه. فيهرب إلى مكة ويقتل صاحب ذلك الجيش رجلاً منولدي زكياً برياً عند أحجار الزيت.

ثم يسير ذلك الجيش إلى مكة، وإني لأعلم اسم أميرهم وعدتهم وأسمائهم وسمات خيولهم، فإذا دخلوا البيداء واستوت بهم الأرض خسف الله بهم. قال الله

٣٠٩

عز وجل:« وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ » (١) - قال: من تحت أقدامكم - فلا يبقى من ذلك الجيش أحد غير رجل واحد يقلب الله وجهه من قبل قفاه.

ويبعث اللهللمهدي أقواماً يجتمعون من أطراف الأرض قزع كقزع الخريف. والله إني لأعرف أسمائهم واسم أميرهم ومناخ ركابهم.فيدخل المهدي الكعبة ويبكي ويتضرع، قال الله عز وجل:( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ) (٢) هذا لنا خاصة أهل البيت.

هدف أمير المؤمنينعليه‌السلام من مراسلاته لمعاوية

أما والله يا معاوية، لقد كتبت إليك هذا الكتاب وإني لأعلم أنك لا تنتفع به، وأنك ستفرح إذا أخبرتك أنك ستلي الأمر وابنك بعدك، لأن الآخرة ليست من بالك وأنك بالآخرة لمن الكافرين.وستندم كما ندم من أسس هذا الأمر لك وحملك على رقابنا حين لم تنفعه الندامة .

ومما دعاني إلى الكتاب إليك بما كتبت به: إني أمرت كاتبي أن ينسخ ذلك لشيعتي ورؤوس أصحابيلعل الله أن ينفعهم بذلك ، أو يقرأه واحد ممن قبلك فيخرجه الله به وبنا من الضلالة إلى الهدى ومن ظلمك وظلم أصحابك وفتنتهم، وأحببت أن أحتج عليك.

٧

جواب معاوية الأخير إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام

فكتب إليه معاوية:

«هنيئاً لك يا أبا الحسن تملك الآخرة، وهنيئاً لنا نملك الدنيا»!

____________________

١. سورة سبأ: الآية ٥١.

٢. سورة النمل: الآية ٦٢.

٣١٠

٢٦

١

احتجاجات قيس بن سعد بن عبادة على معاوية

أبان عن سليم وعمر بن أبي سلمة - حديثهما واحد، هذا وذلك - قالا:

قدم معاوية حاجاً في خلافته المدينة بعد ما قتل أمير المؤمنينعليه‌السلام وصالَح الحسنعليه‌السلام . فاستقبله أهل المدينة(١) ، فنظر فإذاً الذي استقبله من قريش أكثر من الأنصار. فسأل عن ذلك، فقيل له: «إنهم محتاجون ليست لهم دواب»!

فالتفت معاوية إلى قيس بن سعد بن عبادة فقال: يا معشر الأنصار، ما لكم لا تستقبِلوني مع إخوانكم من قريش؟ فقال قيس - وكان سيد الأنصار وابن سيدهم -: أقعدَنا - يا أمير المؤمنين - أن لم تكن لنا دواب! فقال معاوية: فأين النواضح؟ فقال قيس:أفنَيناها يوم بدر ويوم أحُد وما بعدهما في مشاهد رسول الله حين ضربناك وأباك على الإسلام حتى ظهر أمر الله وأنتم كارهون .

قال معاوية: اللهمَّ غفراً. قال قيس: أما إن رسول الله قال: «إنكم سترون بعدي إثرة». فقال معاوية: فما أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر حتى نلقاه. فقال: فاصبروا حتى تلقوه!

____________________

١. في المثالب لابن شهر آشوب: فتَلَقَّته قريش بوادي القرى والأنصار بأبواء المدينة.

٣١١

ثم قال قيس: يا معاوية، تعيِّرنا بنواضحنا؟ والله لقد لقيناكم عليها يوم بدر وأنتم جاهدون على إطفاء نور الله وأن تكون كلمة الشيطان هي العليا.ثم دخلت أنت وأبوك كرهاً في الإسلام الذي ضربناكم عليه .

فقال له معاوية: كأنك تمن علينا بنصرتك إيانا، والله لقريش بذلك المن والطول. ألستم تمنون علينا - يا معشر الأنصار - بنصرتكم رسول الله وهو من قريش وهو ابن عمنا ومنا؟ فلنا المن والطول إذ جعلكم الله أنصارنا وأتباعنا فهداكم بنا.

سوابق أبي طالبعليه‌السلام في نصرة الإسلام

فقال قيس: إن الله عز وجل بعث محمداً رحمة للعالمين، فبعثه إلى الناس كافة، إلى الجن والأنس والأحمر والأسود والأبيض، واختاره لنبوته واختصه برسالته. فكان أول من صدقه وآمن به ابن عمه علي بن أبي طالب وكانأبو طالب عمه يذب عنه ويمنع منه ويحول بين كفار قريش وبينه أن يروِّعوه أو يؤذوه ويأمره بتبليغ رسالات ربه. فلم يزل ممنوعاً من الضيم والأذى حتى مات عمه أبو طالب وأمر ابنه علياً بموازرته ونصرته فوازره علي ونصره وجعل نفسه دونه في كل شديدة وكل ضيق وكل خوف، واختص الله بذلك علياً من بين قريش وأكرمه من بين جميع العرب والعجم .

فجمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جميع بني عبد المطلب فيهم أبو طالب وأبو لهب، وهم يومئذ أربعون رجلاً فدعاهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخادمه يومئذ عليعليه‌السلام ، ورسول الله يومئذ في حجر عمه أبي طالب، فقال: «أيكم ينتدب أن يكون أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي»؟

فسكت القوم حتى أعادها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث مرات. فقال عليعليه‌السلام : «أنا يا رسول الله، صلى الله عليك». فوضع رسول الله رأس علي في حجره وتفل في فيه

٣١٢

وقال: «اللهمَّ املأ جوفه علماً وفهماً وحكماً». ثم قال لأبي طالب: «يا أبا طالب، اسمع الآن لابنك علي وأطع، فقد جعله الله من نبيه بمنزلة هارون من موسى». وآخى بين الناس وآخى بين علي وبين نفسه.

فلم يدع قيس بن سعد شيئاً من مناقبه إلا ذكرها واحتج بها وقال: منهم أهل البيت جعفر بن أبي طالب الطيار في الجنة بجناحين، اختصه الله بذلك من بين الناس، ومنهم حمزة سيد الشهداء، ومنهم فاطمة سيدة نساء العالمين. فإذا وضعت من قريش رسول الله وأهل بيته وعترته الطيبين، فنحن والله خير منكم - يا معشر قريش - وأحبإلى الله ورسوله وإلى أهل بيته منكم.

لقد قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاجتمعت الأنصار إلى والدي سعد ثم قالوا: «لا نبايع غير سعد». فجاءت قريش بحجة علي وأهل بيته وخاصمونا بحقه وقرابته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فما يعدو قريش أن يكونوا ظلموا الأنصار أو ظلموا آل محمدعليهم‌السلام . ولعمري ما لأحد من الأنصار ولا لقريش ولا لأحد من العرب والعجم في الخلافة حق ولا نصيب مع علي بن أبي طالب وولده من بعده.

فغضب معاوية وقال: يا بن سعد، عمن أخذت هذا وعمن رويته وعمن سمعته؟ أبوك أخبرك بذلك وعنه أخذته؟ فقال قيس: سمعته وأخذته ممن هو خير من أبي وأعظم علي حقاً من أبي. قال: ومن هو؟ قال:ذاك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، عالم هذه الأمة وديانها وصديقها وفاروقها الذي أنزل الله فيه ما أنزل وهو قوله عز وجل: ( قُلْ كَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) .(١) فلم يدع قيس آية نزلت في عليعليه‌السلام إلا ذكرها.

____________________

١. سورة الرعد: الآية ٤٣.

٣١٣

فقال معاوية: فإن صديقها أبو بكر وفاروقها عمر، والذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام!

قال قيس: أحق بهذه الأسماء وأولى بها الذي أنزل الله فيه:( أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ ) (١) ؛ والذي أنزل الله جل اسمه فيه:( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٢) ، والله لقد نزلت: «وعلي لكل قوم هاد»، فأسقطتم ذلك؛ والذي نصبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بغدير خم فقال: «من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه»؛ وقال له رسول الله في غزوة تبوك: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي».

٢

بداية خطة معاوية في لعن عليعليه‌السلام

وكان معاوية يومئذ بالمدينة، فعند ذلك نادى مناديه وكتب بذلك نسخة إلى جميع البلدان إلى عماله: «ألا برئت الذمة ممن روى حديثاً في مناقب علي بن أبي طالب أو فضائل أهل بيته وقد أحلَّ بنفسه العقوبة ».

وقامت الخطباء في كل كورة ومكان وعلى كل المنابر بلعن علي بن أبي طالبعليه‌السلام والبراءة منه والوقيعة فيه وفي أهل بيتهعليهم‌السلام بما ليس فيهم، واللعنة لهم.

____________________

١. سورة هود: الآية ١٧.

٢. سورة الرعد: الآية ٧.

٣١٤

٣

احتجاجات ابن عباس على معاوية

ثم إن معاوية مر بحلقة من قريش، فلما رأوه قاموا له غير عبد الله بن عباس. فقال له: يابن عباس، ما منعك من القيام كما قام أصحابك إلا موجدة في نفسك عليَّ بقتالي إياكم يوم صفين. يا بن عباس، إن ابن عمي أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوماً.

قال له ابن عباس: فعمر بن الخطاب قد قتل مظلوماً، أفسلمتم الأمر إلى ولده، وهذا ابنه؟ قال: إن عمر قتله مشرك. قال ابن عباس: فمن قتل عثمان؟ قال: قتله المسلمون! قال: فذلك أدحض لحجتك وأحلّ لدمه!إن كان المسلمون قتلوه وخذلوه فليس إلا بحق .

قال معاوية: فإنا قد كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي وأهل بيته، فكف لسانك - يا بن عباس - وأربع على نفسك.

فقال له ابن عباس: أفتنهانا عن قراءة القرآن؟ قال: لا.

قال: أفتنهانا عن تأويله؟ قال: نعم.

قال: فنقرأه ولا نسأل عما عنى الله به؟ قال: نعم.

قال: فأيما أوجب علينا، قرائته أو العمل به؟ قال معاوية: العمل به.

قال: فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا؟ قال: سل عن ذلك من يتأوَّله على غير ما تتأوَّله أنت وأهل بيتك.

قال: إنما أنزل القرآن على أهل بيتي فأسأل عنه آل أبي سفيان أو أسأل عنه آل أبي معيط أو اليهود والنصارى والمجوس؟! قال له معاوية: فقد عدَلتنا بهم وصيَّرتنا منهم.

٣١٥

قال له ابن عباس: لعمري ما أعدلك بهم، غير أنك نهيتنا أن نعبد الله بالقرآن وبما فيه من أمر ونهي أو حلال أو حرام أو ناسخ أو منسوخ أو عام أو خاص أو محكم أو متشابه، وإن لم تسأل الأمة عن ذلك هلكوا واختلفوا وتاهوا.

قال معاوية: فاقرؤا القرآن وتأوَّلوه ولا ترووا شيئاً مما أنزل الله فيكم من تفسيره وما قاله رسول الله فيكم، وارووا ما سوى ذلك.

قال ابن عباس: قال الله في القرآن:( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) .(١)

قال معاوية: يا بن عباس، اكفني نفسك وكف عني لسانك، وإن كنت لا بد فاعلاً فليكن ذلك سراً ولا يسمعه أحد منك علانية.

ثم رجع إلى منزله، فبعث إليه بخمسين ألف درهم.

٤

اشتداد البلاء على الشيعة في عهد معاوية

ثم اشتد البلاء بالأمصار كلها على شيعة علي وأهل بيتهعليهم‌السلام ، وكان أشد الناس بلية أهل الكوفة لكثرة من بها من الشيعة. واستعمل عليهم زياداً أخاه وضم إليه البصرة والكوفة وجميع العراقين. وكان يتتبع الشيعة وهو بهم عالم لأنه كان منهم فقد عرفهم وسمع كلامهم أول شيء.

____________________

١. سورة التوبة: الآية ٣٢.

٣١٦

فقتلهم تحت كل كوكب وحجر ومدر، وأجلاهم وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل منهم وصلبهم على جذوع النخل وسمل أعينهم وطردهم وشردهم حتى انتزعوا عن العراق.فلم يبق بالعراقين أحد مشهور إلا مقتول أو مصلوب أو طريد أو هارب .

وكتب معاوية إلى قضاته وولاته في جميع الأرضين والأمصار: «أن لا تجيزوا لأحد من شيعة علي بن أبي طالب ولا من أهل بيته ولا من أهل ولايته الذين يرون فضله ويتحدثون بمناقبه شهادة».

تقريب معاوية جماعة عثمان واختلاق المناقب له

وكتب إلى عماله: «انظروا من قبلكم منشيعة عثمان ومحبيه وأهل بيته وأهل ولايته والذين يرون فضله ويتحدثون بمناقبه، فأدنوا مجالسهم وأكرموهم وقرِّبوهم وشرِّفوهم؛ واكتبوا إليَّ بكل ما يروي كل رجل منهم فيه واسم الرجل واسم أبيه وممن هو».

ففعلوا ذلك حتى أكثروا في عثمان الحديث وبعث إليهم بالصلات والكسي وأكثر لهم القطائع من العرب والموالي. فكثروا في كل مصر وتنافسوا في المنازل والضياع واتَّسعت عليهم الدنيا. فلم يكن أحد يأتي عامل مصر من الأمصار ولا قرية فيروي في عثمان منقبة أو يذكر له فضيلة إلا كتب اسمه وقرب وشفع. فلبثوا بذلك ما شاء الله.

سعي معاوية في إحياء اسم أبي بكر وعمر

ثم كتب بعد ذلك إلى عماله: «أن الحديث قد كثر في عثمان وفشا في كل قرية ومصر ومن كل ناحية، فإذا جاءكم كتابي هذافادعوا الناس إلى الرواية في أبي بكر وعمر ، فإن فضلهما وسوابقهما أحب إلي وأقر لعيني وأدحض لحجة أهل هذا البيت وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضائله».

٣١٧

فقرأ كل قاض وأمير من ولاته كتابه على الناس، وأخذ الناس في الروايات في أبي بكر وعمر وفي مناقبهم.

أمر معاوية بتعليم المناقب الكاذبة للأطفال والنساء

ثم كتب نسخة جمع فيها جميع ما روي فيهم من المناقب والفضائل ، وأنفذها إلى عماله وأمرهم بقرائتها على المنابر وفي كل كورة وفي كل مسجد. وأمرهم أن ينفذوا إلى معلمي الكتاتيب أن يعلموها صبيانهم حتى يرووها ويتعلموها كما يتعلمون القرآن(١) وحتى علموها بناتهم ونسائهم وخدمهم وحشمهم. فلبثوا بذلك ما شاء الله.(٢)

برنامج معاوية لإبادة الشيعة

ثم كتب معاوية إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: «انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته،فامحوه من الديوان ولا تجيزوا له شهادة ».

ثم كتب كتاباً آخر: «من اتهمتموه ولم تقم عليه بينة أنه منهم فاقتلوه ».

فقتلوهم على التهم والظن والشُّبه تحت كل كوكب، حتى لقد كان الرجل يغلط بكلمة فيضرب عنقه. ولم يكن ذلك البلاء في بلد أكبر ولا أشد منه بالعراق ولا سيما بالكوفة، حتى أنه كان الرجل من شيعة عليعليه‌السلام - وممن بقي من أصحابه بالمدينة وغيرها - ليأتيه من يثق به فيدخل بيته، ثم يلقي إليه سره فيخاف من خادمه ومملوكه، فلا يحدثه حتى يأخذ عليه الأيمان المغلظة ليكتمه عليه.

____________________

١. راجع عن المناقب المفتعلة بشأن أبي بكر وعمر وعثمان: الحديث ١٠ من هذا الكتاب.

٢. زاد هنا في الإحتجاج: وكتب زياد بن أبيه إليه في حق الحضرميين: «أنهم على دين علي وعلى رأيه». فكتب إليه معاوية: «اقتل كل من كان على دين علي ورأيه»، فقتلهم ومثَّل بهم.

روي في البحار: ج ٤٤ ص ٢١٢ من جملة ما كتبه الإمام الحسينعليه‌السلام إلى معاوية جواباً لرسالته: «... أوَلستَ صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية أنهم كانوا على دين علي صلوات الله عليه، فكتبت إليه أن اقتل كل من كان على دين علي، فقتلهم ومثَّل بهم بأمرك».

٣١٨

وجعل الأمر لا يزداد إلا شدة وكثر عندهم عدوهم وأظهروا أحاديثهم الكاذبة في أصحابهم من الزور والبهتان، فنشأ الناس على ذلك ولم يتعلموا إلا منهم ومضى على ذلك قضاتهم وولاتهم وفقهائهم.

وكان أعظم الناس في ذلك بلاء وفتنه القراء المراءون المتصنعون، الذين يظهرون لهم الحزن والخشوع والنسك، ويكذبون ويفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويدنوا بذلك مجالسهم ويصيبوا بذلك الأموال والقطائع والمنازل. حتى صارت أحاديثهم تلك ورواياتهم في أيدي من يحسب أنها حق وأنها صدق،فرووها وقبلوها وتعلَّموها وعلموها وأحبوا عليها وأبغضوا ، حتى جمعت على ذلك مجالسهم وصارت في أيدي الناس المتدينين الذين لا يستحلون الكذب ويبغضون عليه أهله.

فقبلوها وهم يرون أنها حق، ولو علموا أنها باطل لم يرووها ولم يتدينوا بها ولا تنقصوا من خالفهم. فصار الحق في ذلك الزمان باطلاً والباطل حقاً والصدق كذباً والكذب صدقاً. وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لتشملنكم فتنة يربو فيها الوليد وينشأ فيها الكبير، يجري الناس عليها ويتخذونها سنة. فإذا غيِّر منها شيء قالوا: أتى الناس منكراً، غيِّرت السنة»!

فلما مات الحسن بن عليعليه‌السلام لم يزل الفتنة والبلاء يعظمان ويشتدان،فلم يبق ولي لله إلا خائفاً على دمه أو مقتولاً أو طريداً أو شريداً ؛ ولم يبق عدوٌّ لله إلا مُظهراً حجته غير مستتر ببدعته وضلالته.

٣١٩

٥

مناشدات واحتجاجات الإمام الحسينعليه‌السلام بمكة

فلما كان قبل موت معاوية بسنة حجالحسين بن علي عليه‌السلام وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر معه. فجمع الحسينعليه‌السلام بني هاشم، رجالهم ونسائهم ومواليهم وشيعتهم من حج منهم، ومن الأنصار ممن يعرفه الحسينعليه‌السلام وأهل بيته.

ثم أرسل رسلاً: «لا تدعوا أحداً ممن حج العام من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المعروفين بالصلاح والنسك إلا أجمعوهم لي».

فاجتمع إليه بمنى أكثر منسبعمائة رجل (١) وهم في سرادقه، عامتهم من التابعين ونحو منمائتي رجل من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وغيرهم.

فقام فيهم الحسينعليه‌السلام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن هذا الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم، وإني أريد أن أسألكم عن شيء، فإن صدقت فصدِّقوني وإن كذبت فكذِّبوني. أسألكم بحق الله عليكم وحق رسول الله وحق قرابتي من نبيكم، لما سيَّرتم مقامي هذا ووصفتم مقالتي ودعوتمأجمعين في أنصاركم من قبائلكم من آمنتم من الناس ووثقتم به، فادعوهم إلى ما تعلمون من حقِّنا، فإني أتخوف أن يدرس هذا الأمر ويذهب الحق ويغلب ، والله متم نوره ولو كره الكافرون.

____________________

١. في الإحتجاج: ألف رجل.

٣٢٠