كتاب سليم بن قيس الهلالي

كتاب سليم بن قيس الهلالي12%

كتاب سليم بن قيس الهلالي مؤلف:
المحقق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني
الناشر: نشر الهادي
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 638

كتاب سليم بن قيس الهلالي
  • البداية
  • السابق
  • 638 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 416129 / تحميل: 8165
الحجم الحجم الحجم
كتاب سليم بن قيس الهلالي

كتاب سليم بن قيس الهلالي

مؤلف:
الناشر: نشر الهادي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

٦٣ ـ في من لا يحضره الفقيه وروى عبد العظيم بن عبد الله الحسنى عن أبي جعفر محمد بن علي الرضاعليه‌السلام عن أبيه قال: سمعت أبي موسى بن جعفرعليه‌السلام يقول: دخل عمرو بن عبيد البصري على أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فلما سلم وجلس تلا هذه الآية الذين يجتنبون كبائر الإثم ثم أمسك فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام : ما أمسكك؟ فقال: أحب أنْ أعرف الكبائر من كتاب اللهعزوجل فقال: يا عمرو! أكبر الكبائر الشرك بالله يقول الله تبارك وتعالى:( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ) ويقولعزوجل :( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ ) وبعده اليأس من روح الله لان اللهعزوجل يقول:( وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ ) ثم الأمن من مكر الله لان اللهعزوجل يقول:( فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ ) . ومنها عقوق الوالدين لان اللهعزوجل جعل العاق جبارا شقيا في قوله تعالى:( وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا ) وقتل النفس التي حرم الله إلّا بالحق لانّ اللهعزوجل يقول:( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها ) إلى آخر الاية. وقذف المحصنات لان اللهعزوجل يقول:( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) . وأكل مال اليتيم ظلما لقول اللهعزوجل :( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ) والفرار من الزحف لان اللهعزوجل يقول:( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) وأكل الربا لان اللهعزوجل يقول:( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ) ويقول اللهعزوجل :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ) والسحر لان اللهعزوجل يقول:( وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) . والزنا لان اللهعزوجل يقول: «( وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً إِلَّا

١٦١

مَنْ تابَ ) الآية واليمين الغموس(١) لان اللهعزوجل يقول:( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ) الآية والغلول(٢) قال اللهعزوجل :( وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) . ومنع الزكاة المفروضة لان اللهعزوجل يقول:( يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ) وشهادة الزور وكتمان الشهادة لان اللهعزوجل يقول:( وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) وشرب الخمر لان اللهعزوجل عدل بها عبادة الأوثان وترك الصلوة متعمدا أو شيئا مما فرض اللهعزوجل لان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من ترك الصلوة متعمدا فقد برىء من ذمة الله وذمة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونقض العهد وقطيعة الرحم لان اللهعزوجل يقول:( أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) قال: فخرج عمرو بن عبيد وله صراخ من بكائه وهو يقول: هلك من قال برأيه ونازعكم في الفضل والعلم.

٦٤ ـ في أصول الكافي يونس عن إسحق بن عمار عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ) قال: الفواحش الزنا والسرقة واللمم(٣) الرجل يلم بالذنب فيستغفر الله منه قلت: بين الضلال والكفر منزلة؟ فقال: ما أكثر عرى الايمان.

٦٥ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت له: أرايت قول اللهعزوجل :( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ) قال: هو الذنب يلم به الرجل فيمكث ما شاء الله ثم يلم به بعد.

٦٦ ـ أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن العلا عن محمد

__________________

(١) اليمين الغموس هي اليمين الكاذبة الفاجرة يقطع بها الحالف ما لغيره مع علمه أنّ الأمر بخلافه وليس فيها كفارة لشدة الذنب فيها سميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في الإثم.

(٢) الغلول: السرقة والخيانة. وقيل: الغلول في المغنم خاصة.

(٣) اللمم: مقاربة الذنب أو صفار الذنوب.

١٦٢

ابن مسلم عن أحدهماعليهما‌السلام قال: قلت:( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ) قال: الهنة بعد الهنة(١) أي الذنب، بعد الذنب يلم به العبد.

٦٧ ـ علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن إسحق بن عمار قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام ما من مؤمن إلّا وله ذنب يهجره زمانا(٢) ثم يلم به وذلك قول اللهعزوجل : «الا اللمم» وسألته عن قول اللهعزوجل :( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ) قال: الفواحش الزنا والسرقة واللمم الرجل يلّم بالذنب فيستغفر الله منه.

٦٨ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز عن إسحق بن عمار عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ما من ذنب إلّا وقد طبع عليه عبد مؤمن يهجره الزمان ثمّ يلّم به وهو قول اللهعزوجل :( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ) قال: اللمام العبد الذي يلم بالذنب بعد الذنب، ليس من سليقته أي من طبعه.

٦٩ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى إسحق القمّي قال: دخلت على أبي جعفر الباقرعليه‌السلام فقلت: جعلت فداك، لا يزني(٣) ولا يلوط ولا يرتكب السيئات فأى شيء ذنبه؟ فقال: يا إسحق قال الله تبارك وتعالى( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ) وقد يلم المؤمن بالشيء الذي ليس فيه مراد والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٧٠ ـ في مجمع البيان قال الفراء: اللمم أنْ يفعل الإنسان الشيء في الحين لا يكون له عادة ومنه إلمام الخيال، والإلمام الزيادة التي لا تمتد، وكذلك اللمام قال امية :

__________________

(١) الهن ـ على وزن أخ ـ كلمة كناية ومعناها شيء واصله هنو.

(٢) يهجره أي يتركه وقيل: العموم في هذا الكلام عرفي كناية عن الكثرة.

(٣) يعنى المؤمن المذكور في الحديث قبيل لذلك وتمام الحديث مذكور في الباب ٢٤٠ من كتاب العلل ج ٢ صفحة ١٧٥ ط قم فراجع ان شئت.

١٦٣

إنْ تغفر أللّهم تغفر جمّا

وأيُّ عبد لك لا ألما

وقد روى أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينشدهما ويقولهما أي لم يلم بمعصية.

٧١ ـ في عيون الأخبار في باب ما كتبه الرضاعليه‌السلام من محض الإسلام وشرايع الدين قالعليه‌السلام : واجتناب الكبائر وهي قتل النفس التي حرم اللهعزوجل والزنا والسرقة وشرب الخمر، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، وأكل مال اليتيم ظلما، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به من غير ضرورة، وأكل الربا بعد البينة والسحت، والميسر وهو القمار، والبخس في المكيال والميزان، وقذف المحصنات واللواط، وشهادة الزور ؛ واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله تعالى، والقنوط من رحمة الله تعالى، ومعونة الظالمين والركون إليهم واليمين الغموس وحبس الحقوق من غير عسر، والكذب، والكبر، والإسراف والتبذير والخيانة، والاستخفاف بالحج، والمحاربة لأولياء الله، والاشتغال بالمناهى، والإصرار على الذنوب.

٧٢ ـ في كتاب الخصال عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: وجدنا في كتاب عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام الكبائر خمس: الشرك بالله وعقوق الوالدين وأكل الربا بعد البينة ؛ والفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة.

٧٣ ـ وعن عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أخبرني عن الكبائر فقال: هو خمس وهن ما أوجب الله عليهن النار قال الله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ) وقال:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ) إلى آخر الاية، وقوله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا ) إلى آخر الاية، ورمى المحصنات الغافلات، وقتل المؤمن عمدا.

٧٤ ـ عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: الكبائر سبع فينا نزلت ومنا استحلت، فانها الشرك بالله العظيم، وقتل النفس التي حرم الله، وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين، وقذف المحصنة والفرار من الزحف وانكار

١٦٤

حقنا، فأما الشرك بالله فقد أنزل الله فينا ما أنزل، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما قال: فكذبوا الله وكذبوا رسوله وأشركوا بالله تعالى وأمّا قتل النفس التي حرم الله فقد قتلوا الحسين بن عليعليهما‌السلام وأصحابه، وأمّا أكل مال اليتيم فقد ذهبوا بفيئنا الذي جعله الله لنا وأعطوه غيرنا، وأمّا عقوق الوالدين فقد أنزل في كتابه:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ) فعقوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذريته، وعقوا أمّهم خديجة في ذريتها، وأمّا قذف المحصنة فقد قذفوا فاطمةعليها‌السلام على منابرهم ؛ وأمّا الفرار من الزحف فقد أعطوا أمير المؤمنينعليه‌السلام بيعتهم طائعين غير مكرهين ففروا عنه وخذلوه، وأمّا انكار حقنا فهذا لا يتنازعون فيه.

٧٥ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده إلى عباد بن كثير النوا قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن الكبائر فقال: كل شيء وعد الله عليه النار.

٧٦ ـ وباسناده إلى أحمد بن إسماعيل الكاتب قال: أقبل محمّد بن عليّعليهما‌السلام في المسجد الحرام فنظر إليه قوم من قريش فقالوا: هذا إله أهل العراق فقال بعضهم: لو بعثتم إليه بعضكم فسأله؟ فأتاه شاب منهم فقال له: يا عمّ ما أكبر الكبائر؟ فقال: شرب الخمر فأتاهم فأخبرهم فقالوا له: عد إليه فلم يزالوا به حتى عاد إليه فسأله فقال له: ألم أقل لك يا ابن أخ شرب الخمر؟ إنّ شرب الخمر يدخل صاحبه في الزنا والسرقة وقتل النفس التي حرم الله إلّا بالحق وفي الشرك وتالله أفاعيل الخمر تعلوا على كل ذنب كما تعلوا شجرتها على كل شجرة.

٧٧ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى ابن إسحاق الليثي عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام حديث طويل يذكر فيه خلق الله طينة الشيعة وطينة الناصب وان الله مزج بينهما إلى قوله: فما رأيته من شيعتنا من زنا أو لواط أو ترك صلوة أو صيام أو حج أو جهاد أو خيانة أو كبيرة من هذا الكبائر فهو من طينة الناصب وعنصره الذي قد مزج فيه، لان من سنخ الناصب وعنصره وطينته اكتساب المآثم والفواحش والكبائر، وما رأيت من الناصب ومواظبته على الصلوة والصيام والزكاة والحج

١٦٥

والجهاد وأبواب البر فهو من طينة المؤمن وسنخه الذي قد مزج فيه، لان من سنخ المؤمن وعنصره وطينته اكتساب الحسنات واستعمال الخير واجتناب المآثم وفي آخره قالعليه‌السلام : اقرأ يا إبراهيم:( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) يعنى من الأرض المنتنة( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى ) يقول: لا يفتخر أحدكم بكثرة صلوته وصيامه وزكوته ونسكه لان اللهعزوجل ، أعلم بمن اتقى منكم، فان ذلك من قبل اللمم وهو المزج وفي هذا الحديث إيضاح وفوائد وهو مذكور في سورة الفرقان عند قوله تعالى:( فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ ) (١) .

٧٨ ـ في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله عن قول اللهعزوجل :( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى ) قال: قول الناس صليت البارحة وصمت أمس ونحو هذا، ثمّ قالعليه‌السلام : إنّ قوما كانوا يصبحون فيقولون: صلينا البارحة وصمنا أمس، فقال عليٌّعليه‌السلام : لكني أنام الليل والنهار ولو أجد بينهما شيئا لنمته.

٧٩ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) وعن معمر بن راشد قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: أتى يهودي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقام بين يديه يحد النظر إليه(٢) فقال: يا يهودي ما حاجتك؟ فقال: أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلمه اللهعزوجل ، وأنزل عليه التوراة، والعصاء، وفلق له البحر وأظله بالغمام؟ فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّه يكره للعبد أنْ يزكى نفسه ولكني أقول: إنّ آدمعليه‌السلام لـمّا أصاب الخطيئة كانت توبته أنْ قال: أللّهم إني أسئلك بحقّ محمّد وآل محمّد لـمّا غفرت لي فغفر الله له، وإنّ نوحاعليه‌السلام لـمّا ركب السفينة وخاف الغرق قال: أللّهم إني أسئلك بحق محمّد وآل محمّد لـمّا أنجيتنى من الغرق فنجاه اللهعزوجل وانّ إبراهيمعليه‌السلام لـمّا ألقى في النار قال: أللّهم إني أسئلك بحقّ محمّد و

__________________

(١) راجع ج ٤ صفحة ٣٥ ـ ٤٠.

(٢) حد إليه النظر: بالغ في النظر اليه.

١٦٦

آل محمّد لـمّا أنجيتني منها، فجعلها الله عليه بردا وسلاما ؛ وأنّ موسىعليه‌السلام لـمّا ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال: أللّهم إني أسئلك بحقّ محمّد وآل محمّد لـمّا آمنتنى، قال اللهعزوجل :( لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى ) يا يهودي إنّ موسى لو أدركنى ثمّ لم يؤمن بى وبنبوّتي ما نفعه ايمانه شيئا، ولا نفعته النبوّة، يا يهودي ومن ذريتي المهدي إذا خرج نزل عيسى بن مريمعليه‌السلام لنصرته فقدّمه ويصلّي خلفه.

٨٠ ـ وفيه من كلام لعليٍّعليه‌السلام : ولو لا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين، ولا تمجها آذان السامعين(١) .

٨١ ـ في تفسير العياشي وقال سليمان قال سفيان لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ما يجوز أنْ يزكى المرء نفسه؟ قال: نعم إذا اضطر اليه، أما سمعت قول يوسف:( اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) وقول العبد الصالح:( وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ ) .

٨٢ ـ في كتاب مقتل الحسين (عليه السلام)لأبي مخنفرحمه‌الله من أشعار الحسينعليه‌السلام في موقف كربلاء

أنا ابن عليٍّ الحر من آل هاشم

كفاني بهذا مفخرا حين أفخر

بنا بيّن الله الهدى عن ضلاله

وينجز بنا دين الإ له ويظهر

علينا وفينا أنزل الوحي والهدى

ونحن سراج الله في الأرض نزهر

ونحن ولاة الحوض نسقي محبّنا

بكأس رسول الله ما ليس ينكر

وشيعتنا في الناس أكرم شيعة

ومبغضنا يوم القيامة يخسر

فطوبى لعبد زارنا بعد موتنا

بجنّة عدن صفوها لا يكدر

__________________

(١) هذا الكلام من جملة ما كتبه (عليه السلام)جوابا إلى معاوية وهو من محاسن الكتب وقد ذكره الشريف الرضى (قده) في نهج البلاغة بتمامه فمن أراد الوقوف على فليراجع رقم ٢٨ من الكتب والرسائل، وقوله (عليه السلام)«ولولا ما نهى الله اه» اشارة إلى نفسه عليه الصلوة والسلام. وقوله «ولا تمجها آذان السامعين» أي لا تقذفها يقال مج الرجل من فيه أي قذفه.

١٦٧

ومنها :

خيرة الله من الخلق أبي

بعد جدّي فأنا ابن الخيرتين

أمّي الزهراء حقّا وأبي

وارث العلم ومولى الثقلين

فضة قد صفيت من ذهب

فأنا الفضة وابن الذهبين

والدي شمس وأمّي قمر

فأنا الكوكب وابن القمرين

من له جد كجدّي في الورى

أو كامّي في جميع المشرقين

خصّه الله بفضل وتقى

فأنا الأزهر وابن الازهرين

جوهر من فضّة مكنونة

فأنا الجوهر وابن الدرتين

نحن أصحاب العبا خمستنا

قد ملكنا شرقها والمغربين

نحن جبرئيل لنا سادسنا

ولنا البيت ومولى الحرمين

كل ذا العالم يرجو فضلنا

غير ذا الرجس اللعين الوالدين

٨٣ ـ في مجمع البيان: أفرأيت الذي تولى نزلت الآيات السبع في عثمان بن عفان كان يتصدق وينفق فقال له أخوه من الرضاعة عبد الله بن سعد بن أبي سرح: ما هذا الذي تصنع؟ يوشك أنْ لا يبقى لك شيء فقال عثمان: إنّ لي ذنوبا وانى أطلب ما أصنع رضى الله وأرجو عفوه، فقال له عبد الله أعطني ناقتك برحلها وانا أتحمل عنك ذنوبك كلها، فأعطاه وأشهد عليه وأمسك عن النفقة فنزلت:( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى ) أي يوم أحد حين ترك المركز وأعطى قليلا ثمّ قطع النفقة إلى قوله:( وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ) فعاد عثمان إلى ما كان عليه عن ابن عباس والسدّي والكلبي وجماعة من المفسّرين أقول: ونقل أقوال أربعة أنها نزلت في غير عثمان.

٨٤ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى حفص بن البختري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل : وإبراهيم الذي وفي قال: انه كان يقول: إذا أصبح وامسى: أصبحت وربي محمود، أصبحت لا أشرك به شيئا ولا ادعو مع الله إلى آخر ولا اتخذ من دونه وليا وسمى بذلك عبدا شكورا.

١٦٨

٨٥ ـ في أصول الكافي علي بن محمد عن بعض أصحابه عن محمد بن سنان عن أبي سعيد المكاري عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قلت له: ما عنى بقوله: وإبراهيم الذي وفي قال: كلمات بالغ فيهن، قلت: وما هن؟ قال: كان إذا أصبح قال: أصبحت وربي محمود أصبحت لا أشرك بالله شيئا ولا أدعو معه إلها ولا اتخذ من دونه وليا ـ ثلاثا ـ وإذا أمسى قالها ثلاثا، قال: فأنزل اللهعزوجل في كتابه:( وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٨٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) قال: وفى بما أمره الله به من الأمر والنهى وذبح ابنه.

قال عز من قائل:( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى )

٨٧ ـ في الكافي أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن إسحق بن عمار عن أبي إبراهيمعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل يحج فيجعل حجته وعمرته أو بعض طوافه لبعض أهله وهو عنه غائب في بلد آخر قال: قلت: فينتقص ذلك من أجر قال: هي له ولصاحبه وله أجر سوى ذلك بما وصل، قلت: وهو ميت هل يدخل ذلك عليه؟ قال: نعم، حتى يكون مسخوطا عليه فيغفر له أو يكون مضيقا عليه فيوسع عليه، قلت: فيعلم هو في مكانه أنه عمل ذلك لحقه؟ قال: نعم قلت: وان كان ناصبا ينفعه ذلك؟ قال: نعم يخفف عنه.

٨٨ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رفع رأسه إلى السماء فتبسم فقيل له: يا رسول الله رأيناك رفعت رأسك إلى السماء فتبسمت؟ قال: نعم عجبت لملكين هبطا من السماء إلى الأرض يلتمسان عبدا صالحا مؤمنا في مصلى كان يصلّي فيه ليكتبا له عمل في يومه وليلته، فلم يجداه في مصلاه فعرجا إلى السماء فقالا: يا ربّ عبدك فلان المؤمن التمسناه في مصلّاه لنكتب عمله ليومه وليلته فلم نصبه فوجدناه في حبالك(١) ؟ فقال اللهعزوجل : أكتبا لعبدي مثل ما كان يعمله في صحته من الخير

__________________

(١) أي وجدناه مريضا.

١٦٩

في يومه وليلته ما دام في حبالى، فانّ عليَّ أنْ أكتب له أجر ما كان يعمله إذ حبسته عنه.

٨٩ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن عمرو بن عثمان عن المفضل بن صالح عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ المؤمن إذا غلبه ضعف الكبر أمر اللهعزوجل الملك أنْ يكتب له في حالته تلك مثل ما كان يعمل وهو شاب نشيط(١) صحيح ومثل ذلك إذا مرض وكل الله به ملكا يكتب له في سمعه ما كان يعمل من الخير في صحته حتى يرفعه الله ويقبضه، وكذلك الكافر إذا اشتغل بقسم في جسده كتب الله له ما كان يعمل من شر في صحته.

٩٠ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يقول اللهعزوجل للملك الموكل بالمؤمن إذا مرض: أكتب له ما كنت تكتب له في صحته، فإنّي انا الذي صيرته في حبالي.

٩١ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن عبد الحميد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا صعد ملكا العبد المريض إلى السماء عند كل مساء يقول الرب تبارك وتعالى: ما ذا كتبتما لعبدي في مرضه؟ فيقولان: الشكاية، فيقول: ما أنصفت عبدي أنْ حبسته في حبس من حبسي ثمّ أمنعه الشكاية، أكتبا لعبدي مثل ما كنتما تكتبان له من الخير في صحته ؛ ولا تكتبان عليه سيئة حتى أطلقه من حبسي.

٩٢ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن درست قال: سمعت أبا إبراهيمعليه‌السلام يقول: إذا مرض المؤمن أوحى اللهعزوجل إلى صاحب الشمال: لا تكتب على عبدي ما دام في حبسي ووثاقي ذنبا ويوحى إلى صاحب اليمين: أنْ أكتب لعبدي ما كنت تكتب له في صحته من الحسنات.

٩٣ ـ أبو علي الأشعري عن محمد بن حسان عن محمد بن علي عن محمد بن

__________________

(١) النشيط: ذو النشاط.

١٧٠

الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: حمى ليلة تعدل عبادة سنة، وحمى ليلتين تعدل عبادة سنتين ؛ وحمى ثلاث ليال تعدل عبادة سبعين سنة، قال: قلت: فان لم يبلغ سبعين؟ قال: فلامه وأبيه، قال: قلت: فان لم يبلغا؟ قال: فلقرابته قال: قلت :فان لم تبلغ قرابته؟ قال: فجيرانه.

٩٤ ـ في أصول الكافي باسناده إلى محمد بن مروان قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام ما يمنع الرجل منكم أنْ يبر والديه حيين أو ميتين يصلّي عنهما ويتصدّق عنهما ويحجّ عنهما ويصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك فيزيده الله جل وعز ببره وصلته خيرا كثيرا.

٩٥ ـ في كتاب الخصال عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلّا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته إلى يوم القيامة صدقة موقوفة لا تورث، وسنة هدى سنها وكان يعمل بها وعمل بها من بعده غيره، وولد صالح يستغفر له.

٩٦ ـ في من لا يحضره الفقيه وقال عمر بن يزيد: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام يصلّي عن الميت؟ فقال: نعم حتى انه يكون في ضيق فيوسع الله عليه ذلك الضيق، ثم يؤتى فيقال له: خفف الله عنك هذا الضيق بصلوة فلان أخيك عنك، قال: قلت له: فأشرك بين رجلين في ركعتين؟ قال: نعم.

وقالعليه‌السلام : إنّ الميت ليفرح بالترحم عليه والاستغفار له كما يفرح الحي بالهدية.

وقالعليه‌السلام : ستة تلحق المؤمن بعد وفاته: ولد يستغفر له، ومصحف يخلفه، وغرس يغرسه، وصدقة ماء يجريه، وقليب يحفره، وستة يؤخذ بها من بعده، وقالعليه‌السلام : من عمل (من ظ) المسلمين عن ميت عملا صالحا أضعف له أجره، ونفع الله به الميت.

وقالعليه‌السلام : يدخل الميت في قبره الصلوة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء ويكتب أجره للذي يفعله وللميت.

٩٧ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وأمّا قوله: وإنّ إلى ربك المنتهى قال :

١٧١

إذا انتهى الكلام إلى الله فأمسكوا وتكلموا فيما دون العرش ولا تكلموا فيما فوق العرش فتاهت عقولهم(١) حتى كان الرجل من بين يديه فيجيب من خلفه، وينادى من خلفه فيجيب من بين يديه.

وفيه حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا انتهى الكلام إلى الله وقال كالكلام السابق.

أقول: وكأنه الاول.

٩٨ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير عن عبد الرحمان بن الحجاج عن سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إنّ الله يقول:( وَأَنَّ إلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى ) فاذا انتهى الكلام إلى الله فأمسكوا.

٩٩ ـ وباسناده إلى زرارة بن أعين عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ ملكا عظيم الشأن كان في مجلس له، فتناول الرب تبارك وتعالى، ففقد فما يدرى اين هو؟ ١٠٠ ـ وباسناده إلى أبي عبيدة الحذاء قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : يا زياد إياك والخصومات فانها تورث الشك وتحبط العمل وتردى صاحبها، وعسى أنْ يتكلم بالشيء فلا يغفر له، انه كان فيما مضى قوم تركوا علم ما وكلوا به وطلبوا علم ما كفوه حتى انتهى كلامهم إلى الله فتحيروا، حتى كان الرجل يدعى من بين يديه فيجيب من خلفه، ويدعى من خلفه فيجيب من بين يديه، وفي رواية أخرى حتى تا هوا في الأرض.

١٠١ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى علي بن حسان الواسطي عن بعض أصحابنا عن زرارة قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام إنّ الناس قبلها قد أكثروا في الصفة(٢) فما تقول؟ فقال: مكروه اما تسمع اللهعزوجل يقول:( وَأَنَّ إلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى ) تكلموا فيما دون ذلك.

١٠٢ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى ) قال :

__________________

(١) تاه: تحير وضل.

(٢) وفي بعض النسخ «القصة» بدل الصفة والظاهر الموافق للمصدر هو المختار ويحتمل التصحيف أو أنّ اللفظ كناية عن البحث في الله والتفكر فيه جل شأنه العزيز.

١٧٢

أبكى السماء بالمطر وأضحك الأرض بالنبات قال الشاعر :

كل يوم باقحوان جديد

تضحك الأرض من بكاء السماء(١)

وقوله:( مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى ) قال: تتحول النطفة إلى الدم فتكون أو لا دما ثم تصير النطفة في الدماغ في عرق يقال له الورد، وتمر في فقار الظهر فلا تجوز فقرا فقرا حتى تصير في الحالين فتصير ابيض، وأمّا نطفة المرأة فانها تنزل من صدرها.

١٠٣ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله قال أبو محمد الحسن العسكريعليه‌السلام سأل عبد الله بن صوريا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: أخبرنى عمن لا يولد له ومن يولد له؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا اصفرت النطفة لم يولد له أي إذا احمرت وكدرت، وإذا كانت صافية ولد له ؛ والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٠٤ ـ في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى ) قال: اغنى كل إنسان معيشته: وأرضاه بكسب يده.

١٠٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم:( وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى ) قال: النجم في السماء يسمى الشعراء كانت قريش وقوم من العرب يعبدونه وهو نجم يطلع في آخر الليل.

وقوله: والمؤتفكة أهوى قال: المؤتفكة البصرة والدليل على ذلك قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : يا أهل البصرة ويا أهل المؤتفكة يا جند المرئة واتباع البهيمة رغا فأجبتم وعقر فهربتم مائكم زعاق وأحلامكم رقاق وفيكم ختم النفاق(٢) ولعنتم على لسان سبعين نبيا، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبرنى أنّ جبرئيلعليه‌السلام أخبره

__________________

(١) الأقحوان: نبات له زهر ابيض يشبهون بها الأسنان ويسمونه بالبابونج.

(٢) رغا البعير: صوت. وزعق الماء زعاقة: كان مرا لا يطاق شربه. وقوله (عليه السلام)«وأحلامكم رقاق» كذا في النسخ وتوافقه المصدر والرقاق ـ بضم الراء ـ: الرقيق وفي معجم البلدان «دقاق» بالدال المهملة وضمها وهو الظاهر: فتات كل شيء وفيه أيضا «دينكم النفاق» وفي البرهان «وفيكم النفاق».

١٧٣

انه طوى له الأرض فرأى البصرة أقرب الأرضين من الماء. وأبعدها من السماء، فيها تسعة أعشار الشر والداء العضال(١) المقيم فيها مذنب والخارج منها برحمة وقد ائتفكت بأهلها مرتين، وعلى الله تمام الثالثة، وتمام الثالثة في الرجعة.

١٠٦ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن علي بن الحسين عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت: «والمؤتفكة أهوى» قال: هم أهل البصرة هي المؤتفكة.

١٠٧ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: بنيّ الكفر على أربع دعائم إلى أنْ قال: والشك على أربع شعب على المرية والهوى والتردد والاستسلام، وهو قولهعزوجل :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٠٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثنا علي بن الحسين عن أحمد بن أبي عبد الله عن محمد بن علي عن علي بن أسباط عن علي بن معمر عن أبيه قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى ) قال: إنّ الله تبارك وتعالى لـمّا ذرأ الخلق في الذر الاول أقامهم صفوفا قدامه، وبعث اللهعزوجل محمدا حيث دعاهم فآمن به قوم وأنكره قوم، فقال اللهعزوجل :( هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى ) يعنى به محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث دعاهم إلى اللهعزوجل في الذر الاول.

١٠٩ ـ في بصائر الدرجات بعض أصحابنا عن محمد بن الحسين عن علي بن أسباط عن علي بن معمر عن أبيه قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله تبارك وتعالى:( هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى ) (قال ظ) يعنى محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث دعاهم إلى الإقرار بالله في الذر الاول.

١١٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم قال علي بن إبراهيم في قوله: أزفت

__________________

(١) العضال: الشديد.

١٧٤

الازفة: قال: قربت القيامة( أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ) يعنى ما قد تقدم ذكره من الاخبار.

١١١ ـ في مجمع البيان( أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ) يعنى بالحديث ما تقدم من الأخبار عن الصادقعليه‌السلام .

بسم الله الرحمن الرحيم

١ ـ في كتاب ثواب الأعمال عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من قرأ سورة اقتربت الساعة أخرجه الله من قبره على ناقة من نوق الجنة.

٢ ـ في مجمع البيان أبيّ بن كعب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ومن قرء سورة اقتربت الساعة في كل عشية بعث يوم القيامة ووجهه على صورة القمر ليلة البدر، ومن قرأها كل ليلة كان أفضل وجاء يوم القيامة ووجهه مسفر على وجوه الخلائق وانشق القمر قال ابن عباس: اجتمع المشركون إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا: إنْ كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنْ فعلت تؤمنون؟ قالوا: نعم، وكانت ليلة بدر فسأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه أنْ يعطيه ما قالوا فانشق القمر على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرقتين، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينادى يا فلان يا فلان اشهدوا.

وقال ابن مسعود: انشق القمر شقتين فقال لنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اشهدوا اشهدوا.

وروى أيضا عن ابن مسعود انه قال: والذي نفسي بيده لقد رأيت حراء بين فلكي القمر.

وعن حسين بن مطعم قال: انشق القمر على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى صار فرقتين على هذا الجبل، فقال أناس: سحرنا محمّد فقال رجل: إنْ كان سحركم فلم يسحر الناس كلهم.

وقد روى حديث انشقاق القمر جماعة كثيرة من الصحابة منهم عبد الله بن

١٧٥

مسعود، وأنس بن مالك، وحذيفة بن اليمان، وابن عمر، وجبير بن معطم، وابن عباس وعبد الله بن عمر، وعليه جماعة من المفسرين إلّا ما روى عن عثمان بن عطاء عن أبيه انه قال: معناه وسينشق القمر وروى ذلك عن الحسن وأنكره أيضا البلخي، وهذا أيضا لا يصح لان المسلمين أجمعوا على ذلك فلا يعتد بخلاف من خالف فيه ولان اشتهاره بين الصحابة يمنع من القول بخلافه.

٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم:( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ) قال: اقتربت القيامة فلا يكون بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا القيامة، وقد انقضت النبوة والرسالة وقوله:( وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) فان قريشا سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ان يريهم آية فدعا الله فانشق القمر نصفين حتى نظروا إليه ثم التأم، فقالوا هذا سحر مستمر أي صحيح.

٤ ـ وروى أيضا في قوله: اقتربت الساعة قال: خروج القائمعليه‌السلام . حدّثنا حبيب بن الحصين بن أبان الآجري قال: حدّثني محمد بن هشام عن محمد قال: حدّثني يونس قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : اجتمعوا أربعة عشر رجلا أصحاب العقبة ليلة أربع عشرة من ذي الحجة فقالوا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من نبي إلّا وله آية فما آيتك في ليلتك هذه؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما الذي تريدون؟ فقالوا: إنْ يكن لك عند ربك قد فأمر القمر أن ينقطع قطعتين، فهبط جبرئيلعليه‌السلام فقال: يا محمّد ربك يقرئك السّلام ويقول لك: إني قد أمرت كل شيء بطاعتك، فرفع رأسه فأمر القمر أنْ ينقطع قطعتين، فانقطع قطعتين فسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شكر الله وسجدت شيعتنا ثمّ رفع النبي رأسه ورفعوا رؤسهم فقالوا: تعيده كما كان فعاد كما كان، ثمّ قال: ينشق فرفع رأسه فأمره فانشق فسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شكرا لله وسجد شيعتنا، فقالوا: يا محمّد حين تقدم أسفارنا من الشام واليمن فنسألهم ما رأوا في هذه الليلة، فان يكونوا رأوا مثل ما رأينا علمنا أنه من ربك، وان لم يروا مثل ما رأينا علمنا أنّه سحر سحرتنا به، فأنزل الله:( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) إلى آخر السورة.

٥ ـ في إرشاد المفيدرحمه‌الله وروى أبو بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام في حديث طويل انه قال: إذا قام القائمعليه‌السلام سار إلى الكوفة فهدم فيها أربع مساجد، ولم يبق مسجد على وجه الأرض له شرف إلّا هدّمها وجعلها جماء(١) ووسع الطريق الأعظم ،

__________________

(١) ارض جماء: ملساء وهي المستوية.

١٧٦

وكسر كل جناح خارج في الطريق وأبطل الكنف والميازيب إلى الطرقات، ولا يترك بدعة إلّا أزالها ولا سنة إلّا أقامها، ويفتح قسطنطنية والصين وجبال الديلم، فيمكث على ذلك سبع سنين مقدار كل سنة عشر سنين من سنيكم، ثم يفعل الله ما يشاء قال: قلت: جعلت فداك كيف تطول السنون؟ قال: يأمر الله تعالى الفلك باللبوث وقلة الحركة فتطول الأيام لذلك والسنون، قال له: انهم يقولون إنْ الفلك إنْ تغير فسد؟ قال: ذاك قول الزنادقة فأمّا المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك وقد شق القمر لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورد الشمس من قبله ليوشع بن بنون، وأخبرنا بطول يوم القيامة وانه كألف سنة مما تعدّون.

٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إلى شَيْءٍ نُكُرٍ ) قال: الامام إذا خرج يدعوهم إلى ما ينكرون.

٧ ـ في روضة الكافي باسناده إلى ثوير بن أبي فاختة قال: سمعت علي بن الحسينعليهم‌السلام يحدث في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: حدّثني أبي انه سمع أباه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يحدث الناس قال: إذا كان يوم القيامة بعث الله تبارك وتعالى من حفرهم عز لا بهما جردا مردا في صعيد واحد يسوقهم النور وتجمعهم الظلمة(١) حتى يقفوا على عقبة المحشر فيركب بعضهم بعضا ويزدحمون دونها، فيمنعون من المضي فتشتد

__________________

(١) عز لا ـ بضم العين العين المهملة وسكون الزاء المعجمة كما في بعض النسخ والمصدر ـ جمع اعزل: أي لا سلاح لهم. وفي بعض النسخ «غر لا» ـ بالغين المعجمة والراء المهملة ـ وهو جمع الأغرل: الذي لم يختن وقد ورد بهذا المعنى أحاديث أخر في أحوال القيامة وقد مر في الكتاب أيضا. قوله (عليه السلام)«بهما» أي ليس معهم شيء «جردا» أي لا ثياب معهم «مردا» أي ليس معهم لحية قال الفيض (ره): وهذه كلها كناية عن تجردهم عما يباينهم ويغطيهم ويخفى حقائقهم مما كان معهم في الدنيا. وقال (ره) في قوله: «يسوقهم النور» أي نور الايمان والشرع فانه سبب ترقيهم طورا بعد طور «ويجمعهم الظلمة» أي ما يمنعهم من تمام النور والإيقان فانه سبب تباينهم الموجب لكثرتهم التي يتفرع عليها الجمعية، ويحتمل أنْ يكون المراد كلّما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا والمعنيان متقاربان «انتهى».

١٧٧

أنفاسهم ويكثر عرقهم، وتضيق بهم أمورهم ويشتد ضجيجهم وترفع أصواتهم، قال: وهو أول هول من أهوال يوم القيامة، قال: فيشرف الجبار تبارك وتعالى عليهم من فوق عرشه في ظلال من الملائكة(١) فيأمر ملكا من الملائكة فينادى فيهم يا معشر الخلايق أنصتوا واسمعوا منادى الجبار، قال: فيسمع آخرهم كما يسمع أو لهم قال: فتنكسر أصواتهم عند ذلك وتخشع أبصارهم وتضطرب فرائصهم(٢) وتفزع قلوبهم ويرفعون رؤسهم إلى ناحية الصوت مهطعين إلى الداع(٣) قال فعند ذلك يقول الكافر:( هذا يَوْمٌ عَسِرٌ ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٨ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان بن عثمان عن اسمعيل الجعفي عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: لبث فيهم نوح الف سنة إلّا خمسين عاما يدعوهم سرا وعلانية، فلما أبوا وعتوا قال: رب إني مغلوب فانتصر والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٩ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله كلام لعليٍّعليه‌السلام يقول فيه وقد قيل له: لم لا حاربت أبا بكر وعمر كما حاربت طلحة والزبير ومعاوية؟: إنّ لي أسوة بستّة من الأنبياء أوّلهم نوح حيث قال: «ربّ( أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ) فإنْ قال قائل: أنّه قال هذا لغير خوف فقد كفر، وإلّا فالوصيُّ أعذر.

١٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن صفوان عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: لـمّا أراد اللهعزوجل هلاك قوم نوح وذكر حديثا طويلا وفيه فصاحت امرأته لـمّا فار التنور، فجاء نوح إلى التنور فوضع عليها طينا وختمه حتى ادخل جميع الحيوان السفينة، ثم جاء إلى التنور ففض الخاتم(٤) ورفع الطين وانكسفت

__________________

(١) قال المجلسي (ره): يمكن أنْ يكون أشراف الله تعالى كناية عن توجهه إلى محاسبتهم فالاشراف في حقّه مجاز وفي الملائكة حقيقة.

(٢) الفريصة: اللحمة بين الجنب والكتف التي لا تزال ترعد.

(٣) أهطع: إذا مد عنقه، أي يمدون أعناقهم لسماع صوته.

(٤) فض ختم الكتاب: كسره وفتحه.

١٧٨

الشمس، وجاء من السماء ماء منهمر صبا بلا قطر، وتفجرت الأرض عيونا وهو قولهعزوجل :( فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ ) .

١١ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ نوحا لـمّا كان في أيام الطوفان دعا المياه كلها فأجابت الإماء الكبريت والماء المر فلعنهما.

١٢ ـ وباسناده إلى أبي سعيد عقيصا التيمي قال: مررت بالحسن والحسينعليهما‌السلام وهما في الفرات مستنقعان(١) في إزارين إلى قوله: ثم قالا: إلى أين تريد؟ فقلت: إلى هذا الماء ؛ فقالا: وما هذا الماء؟ فقلت: أريد دواءه اشرب منه لعلّة بى أرجو أنْ يخف له الجسد ويسهل البطن فقالا: ما نحسب أنّ الله جلّ وعز جعل في شيء قد لعنه شفاء، قلت: ولم ذاك؟ فقالا: لانّ الله تبارك وتعالى لـمّا آسفه(٢) قوم نوح فتح( السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ ) ، وأوحى إلى الأرض فاستعصت عليه عيون منها فلعنها وجعلها ملحا أجاجا.

١٣ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سنان عمن ذكره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كان أبي يكره أنْ يتداوى بالماء المر، وبماء الكبريت وكان يقول: إنّ نوحا لـمّا كان الطوفان دعا المياه فأجابت كلها إلّا الماء المر والماء الكبريت فدعا عليهما فلعنهما.

١٤ ـ في محاسن البرقي عنه عن أبيه عن محمد بن سنان عن أبي الجارود قال: حدّثني أبو سعيد دينار بن عقيصا(٣) التيمي قال: مررت بالحسن والحسينعليهما‌السلام

__________________

(١) استنقع فلان في النهر: دخله ومكث فيه يتبرد.

(٢) أي أغضبه. اشارة إلى قوله تعالى:( فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ ) وماء منهمر أي منصب بلا قطر.

(٣) كذا في النسخ وتوافقه المصدر والظاهر زيادة لفظة «ابن» لان دينارا كنية «أبو سعيد» ولقبه «عقيصا» كما في رواية الكليني (قده) في الكافي وقد مر آنفا.

١٧٩

وهما في الفرات مستنقعين في إزارهما فقالا: إنّ للماء سكانا كسكان الأرض ثمّ قالا: أين تذهب؟ فقلت: إلى هذا الماء قالا: وما هذا؟ قلت: ماء يشرب في هذا الحير(١) يخف له الجسد ويخرج الحر ويسهل البطن هذا الماء له سر، فقالا: ما نحسب أنّ الله تبارك وتعالى جعل في شيء مما قد لعنه شفاء، فقلت: ولم ذاك؟ فقالا إنّ الله تبارك وتعالى لـمّا آسفه قوم نوح فتح السماء، بماء منهمر، فأوحى إلى الأرض فاستعصت عليه عيون منها فلعنها فجعلها ملحا أجاجا.

١٥ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن ابن محبوب عن هشام الخراساني عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أخبرنى عن قول اللهعزوجل :( حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ ) فأنّى كان موضعه وكيف كان؟ فقال: كان التنور في بيت عجوز مؤمنة في دبر قبلة [المسجد] ميمنة المسجد فقلت له: فانّ ذلك موضع زاوية باب الفيل اليوم، ثمّ قلت له: وكان بدو خروج الماء من ذلك التنور؟ فقال: نعم إنّ اللهعزوجل أحبَّ أنْ يري قومه آية ثمّ إنّ الله تبارك وتعالى أرسل عليهم المطر يفيض فيضا، وفاض الفرات فيضا، والعيون كلّهنّ فيضا فغرقهم اللهعزوجل وأنجى نوحا ومن معه في السفينة.

١٦ ـ علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : لم تنزل قطرة من السماء من مطر إلّا بعدد معدود ووزن معلوم، إلّا ما كان من يوم الطوفان على عهد نوحعليه‌السلام فانه نزل ماء منهمر بلا وزن ولا عدد، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٧ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان بن عثمان عن أبي حمزة الثمالي عن أبي رزين الأسدي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام انه قال: إنّ نوحاعليه‌السلام لـمّا فرغ من السفينة وكان ميعاده فيما بينه وبين ربه في إهلاك قومه أنْ يفور التنور، ففار التنور فقالت امرأته: إنّ التنور قد فار؟ فقام إليه فختمه فقام الماء(٢) وادخل من أراد أنْ يدخل، وأخرج من أراد أنْ يخرج، ثمّ

__________________

(١) الحير: الموضع الذي يجتمع فيه الماء.

(٢) قام الماء: جمد.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

٥

كتاب معاوية جوابا لأمير المؤمنينعليه‌السلام

فلما حدث أبو الدرداء وأبو هريرة معاوية بكل ذلك وبما رد عليه الناس وجم من ذلك وقال: يا أبا الدرداء ويا أبا هريرة، لئن كان ما تحدثاني عنه حقاً لقد هلك المهاجرون والأنصار غيره وغير أهل بيته وشيعته.

تقية أمير المؤمنينعليه‌السلام

ثم كتب معاوية إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام : لئن كان ما قلت وادعيت واستشهدت عليه أصحابك حقاًلقد هلك أبو بكر وعمر وعثمان وجميع المهاجرين والأنصار غيرك وغير أهل بيتك وشيعتك .

وقد بلغني ترحمك عليهم واستغفارك لهم؛ وإنه لعلى وجهين ما لهما ثالث: إما تقيةٌ إن أنت تبرأت منهم خفت أن يتفرق عنك أهل عسكرك الذين تقاتلني بهم، أو أن الذي ادعيت باطل وكذب. وقد بلغني وجائني بذلك بعض من تثق به من خاصتك بأنك تقول لشيعتك الضالة وبطانتك بطانة السوء: «إني قد سميت ثلاثة بنين لي أبا بكر وعمر وعثمان (١) ،فإذا سمعتموني أترحَّم على أحد من أئمة الضلالة فإني أعني بذلك بنيَّ ».

مشاهدات معاوية في السقيفة

والدليل على صدق ما أتوني به ورَقوه إليَّ: أنا قد رأيناك بأعيننا، فلا نحتاج أن نسأل

____________________

١. روي في البحار: ج ٣١ ص ٣٠٧ قال: كنا جلوساً عند عليعليه‌السلام فدعا ابنه عثمان فقال: يا عثمان! ثم قال: إني لم أُسمه باسم عثمان الشيخ الكافر، وإنما سميته باسم عثمان بن مظعون.

٣٠١

من ذلك غيرنا؛ رأيتك حملت امرأتك فاطمة على حمار وأخذت بيد ابنيك الحسن والحسين - إذ بويع أبو بكر - فلم تدع أحداً من أهل بدر وأهل السابقة إلا دعوتهم واستنصرتهم عليه فلم تجد منهم إنساناً غير أربعة:سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير . لعمري لو كنت محقاً لأجابوك وساعدوك ونصروك، ولكن ادعيت باطلاً وما لا يقرون به.

وسمعَتك أذناي وأنت تقول لأبي سفيان - حين قال لك: «غُلبت يا بن أبي طالب على سلطان ابن عمك، ومن غلبك عليه أذل أحياء قريش تيم وعدي» ودعاك إلى أن ينصرك - فقلت: «لو وجدت أعواناً أربعين رجلاً من المهاجرين والأنصار من أهل السابقة لناهضت هذا الرجل»، فلما لم تجد غير أربعة رهط بايعت مكرهاً.

٦

كتاب أمير المؤمنينعليه‌السلام جوابا لمعاوية

قال: فكتب إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام :

بسم الله الرحمان الرحيم، أما بعد، فقد قرأت كتابك فكثر تعجبي مما خطَّت فيه يدك وأطنبت فيه من كلامك، ومن البلاء العظيم والخطب الجليل على هذه الأمة أن يكون مثلك يتكلم أو ينظر في عامة أمرهم أو خاصته ، وأنت من تعلم وابن من تعلم وأنا من قد علمت وابن من قد علمت!

وسأجيبك فيما قد كتبت بجواب لا أظنك تعقله أنت ولا وزيرك ابن النابغة عمرو،

٣٠٢

الموافق لك كما وافَق شنٌّ طبقة(١) ، فإنه هو الذي أمرك بهذا الكتاب وزينه لك، وحضركما فيه إبليس ومردة أصحابه.

والله لقد أخبرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعرفني أنه رآى على منبره اثني عشر رجلاً، أئمة ضلال من قريش يصعدون منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وينزلون على صورة القرود، يردون أمته على أدبارهم عن الصراط المستقيم. قد خبرني بأسمائهم رجلاً رجلاً وكم يملك كل واحد منهم واحد بعد واحد. عشرة منهم من بني أمية ورجلان من حيين مختلفين من قريش، عليهما مثل أوزار الأمة جميعاً إلى يوم القيامة ومثل جميع عذابهم.فليس من دم يُهراق في غير حقه ولا فرج يغشى حراماً ولا حكم بغير حق إلا كان عليهما وزره .

وسمعته يقول: «إن بني أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين رجلاً جعلوا كتاب الله دخلاً وعباد الله خولاً ومال الله دولاً».

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أخي، إنك لست كمثلي. إن الله أمرني أن أصدع بالحق وأخبرني أنه يعصمني من الناس وأمرني أن أجاهد ولو بنفسي، فقال:( جاهدفِي سَبِيلِ اللَّـهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ) (٢) ، وقال:( حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ) (٣) ، فكنتُ أنا وأنت المجاهدَين. وقد مكثت بمكة ما مكثت لم أؤمر بقتال، ثم أمرني الله بالقتال لأنه لا يُعرف الدين إلا بي ولا الشرائع ولا السنن والأحكام والحدود والحلال والحرام.

وإن الناس يدَعون بعدي ما أمرهم الله به وما أمرتهم فيك من ولايتك وما أظهرت من حجتك،متعمدين غير جاهلين ولا اشتبه عليهم فيه ، ولا سيما لِما أتوك قبلُ(٤) مخالفة ما

____________________

١. قوله «واَفَق شنّ طبقة» مَثَلٌ يضرب للشيئين يتفقان.

٢. إشارة إلى سورة النساء: الآية ٨٤، والآية هكذا:( فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ... ) .

٣. سورة الأنفال: الآية ٦٥.

٤. لعل المراد من قوله «لما أتوك» أن لهم سابقة سوء معك في حياتي قبل غصب حقك بعد مماتي.

٣٠٣

أنزل الله فيك. فإن وجدت أعوانا عليهم فجاهدهم وإن لم تجد أعواناً فاكفف يدك واحقن دمك فإنك إن نابذتهم قتلوك، وإن تبعوك وأطاعوك فاحملهم على الحق وإلا فدَعْ، وإن استجابوا لك ونابذوك فنابذهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعواناً فكف يدك واحقن دمك(١) واعلم أنك إن دعوتهم لم يستجيبوا لك فلا تدَعنَّ أن تجعل الحجة عليهم.

إنك يا أخي لست مثلي، إني قد أقمت حجتك وأظهرت لهم ما أنزل الله فيك وإنه لم يُعلم أني رسول الله وأن حقي وطاعتي واجبان حتى أظهرت لك، فإني كنت قد أظهرت حجتك وقمت بأمرك، فإن سكتَّ عنهم لم تأثم وإن حكمت ودعوت لم تأثم، غير أني أحب أن تدعوهم وإن لم يستجيبوا لك ولم يقبلوا منك.

ويتظاهر عليك ظلمة قريش، فإني أخاف عليك إن ناهضت القوم ونابذتهم وجاهدتم من غير أن يكون معك فئةٌ أعوانٌ تُقَوّي بهم أن يقتلوك فيطفأ نور الله ولا يُعبد الله في الأرض، والتقية من دين الله ولا دين لمن لا تقية له.

وإن الله قد قضى الفرقة والاختلاف بين هذه الأمة، ولو شاء لجمعهم على الهدى ولم يختلف اثنان منهم ولا من خلقه ولم يتنازع في شيء من أمره ولم يجحد المفضول ذا الفضل فضله، ولو شاء عجَّل منهم النقمة وكان منه التغيير حتى يكذَّب الظالم ويعلم الحق أين مصيره. والله جعل الدنيا دار الأعمال وجعل الآخرة دار الثواب والعقاب، ( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) .(٢) فقلت: شكراً لله على نعمائه وصبراً على بلائه وتسليماً ورضىً بقضائه.

____________________

١. المراد من قوله «إن استجابوا لك ونابذوك فنابذهم...»، إن استجابوا لك ثم خالفوك فقم في وجوههم وذلك مثل أصحاب الجمل والنهروان.

٢. سورة النجم: الآية ٣١.

٣٠٤

ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أخي، أبشر فإن حياتك وموتك معي، وأنت أخي وأنت وصيي وأنت وزيري وأنت وارثي، وأنت تقاتل على سنتي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه أهله وتظاهروا عليه وكادوا أن يقتلوه. فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك فإنها ضغائن في صدور قوم، أحقاد بدر وتراتأحد.

وإن موسى أمر هارون حين استخلفه في قومه إن ضلوا فوجد أعواناً أن يجاهدهم بهم، وإن لم يجد أعواناً أن يكف يده ويحقن دمه ولا يفرق بينهم. فافعل أنت كذلك، إن وجدت عليهم أعواناً فجاهدهم وإن لم تجد أعواناً فاكفف يدك واحقن دمك، فإنك إن نابذتهم قتلوك؛ وإن تبعوك وأطاعوك فاحملهم على الحق.

واعلم أنك إن لم تكف يدك وتحقن دمك إذا لم تجد أعوانا أتخوف عليك أن يرجع الناس إلى عبادة الأصنام والجحود بأني رسول الله ، فاستظهر الحجة عليهم وادعهم ليهلك الناصبون لك والباغون عليك ويسلم العامة والخاصة. فإذا وجدت يوماً أعواناً على إقامة الكتاب والسنة فقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فإنما يهلك من الأمة من نصب نفسه لك أو لأحد من أوصيائك بالعداوة، وعادى وجحد ودان بخلاف ما أنتم عليه.

ولعمري يا معاوية، لو ترحمت عليك وعلى طلحة والزبير ما كان ترحمي عليكم واستغفاري لكم ليحق باطلاً، بل يجعل الله ترحمي عليكم واستغفاري لكم لعنة وعذاباً.وما أنت وطلحة والزبير بأحقر جرماً ولا أصغر ذنباً وأهون بدعة وضلالة ممن استنّا لك ولصاحبك الذي تطلب بدمه ووطئا لكم ظلمنا أهل البيت وحملاكم على رقابنا ، فإن الله يقول: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَـٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا، أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّـهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا، أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا، أَمْ يَحْسُدُونَ

٣٠٥

النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ ) (١) ، فنحن الناس ونحن المحسودون. قال الله عز وجل:( فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا، فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا ) (٢) ، فالملك العظيم أن جعل الله فيهم أئمة من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله والكتاب والحكمة النبوة. فلم تقرون بذلك في آل إبراهيم وتنكرونه في آل محمد؟

يا معاوية: فإن تكفر بها أنت وصاحبك ومن قبلك من طغاة الشام واليمن والأعراب، أعراب ربيعة ومضر جفاة الأمة،فقد وكل الله بها قوما ليسوا بها بكافرين !

يا معاوية: إن القرآن حق ونور وهدى ورحمة وشفاء للمؤمنين والذين لا يؤمنون في آذانهم وقرٌ وهو عليهم عمى.

يا معاوية، إن الله جل جلاله لم يدع صنفاً من أصناف الضلالة والدعاة إلى النارإلا وقد ردَّ عليهم واحتج عليهم في القرآن ونهى فيه عن اتباعهم ، وأنزل فيهم قرآناً قاطعاً ناطقاً عليهم قد علمه من علمه وجهله من جهله. وإني سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ليس من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن وما منه حرف إلا وإن له تأويل،( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (٣) ، الراسخون نحن آل محمد.

وأمر الله سائر الأمة أن يقولوا:( آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) (٤) ، وأن يسلموا لنا ويردوا علمه إلينا وقد قال الله:( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (٥) ، هم الذين يسألون عنه ويطلبونه.

____________________

١. سورة النساء: الآيات ٥٤ - ٥١.

٢. سورة النساء: الآيتان ٥٤ و ٥٥.

٣. سورة آل عمران: الآية ٧.

٤. سورة آل عمران: الآية ٧.

٥. سورة النساء: الآية ٨٣.

٣٠٦

آيتان نزلتا في معاوية

لعمري لو أن الناس - حين قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - سلَّموا لنا واتبعونا وقلَّدونا أمورهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولما طمعت فيها أنت يا معاوية!فما فاتهم منا أكثر مما فاتنا منهم .

ولقد أنزل الله فيَّ وفيك خاصة آية من القرآن تتلوها أنت ونظراؤك على ظاهرها ولا تعلمون تأويلها وباطنها، وهي في سورة الحاقة:( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ) إلى قوله:( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ ) (١) إلى آخر الآية، وذلك أنه يدعى بكل إمام ضلالة وإمام هدى ومع كل واحد منهما أصحابه الذين بايعوه فيدعى بي ويدعى بك.

يا معاوية، وأنتصاحب السلسلة الذي يقول:( يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ، وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ) إلى آخر القصص(٢) ، والله لقد سمعت ذلك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقوله فيك، وكذلك كل إمام ضلالة كان قبلك ويكون بعدك له مثل ذلك من خزي الله وعذابه.

آية نزلت في بني أمية

ونزل فيكم قول الله عز وجل:( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ

____________________

١. الآية الأولى في سورة الانشقاق: الآية ٦ وتمام الآيات هكذا:( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ، فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ، وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا ) . والآية الثانية في سورة الحاقة: الآيات ٣٧ - ١٩، وتمام الآيات هكذا:( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ، إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ، فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ، قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ، وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ، وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ، يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ، مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ، خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ، ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ) .

٢. سورة الحاقة: الآيات ٢٩ - ٢٥. وقوله «أنت صاحب السلسلة»، إشارة إلى قوله تعالى في الآية ٣٢ من هذه السورة:( ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ) .

٣٠٧

وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (١) ، وذلك حين رآى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اثني عشر إماماً من أئمة الضلالة على منبره يردون الناس على أدبارهم القهقرى، رجلان من حيين مختلفين من قريش وعشرة من بني أمية، أول العشرة صاحبك الذي تطلب بدمه وأنت وابنك وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص، أولهم مروان، وقد لعنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وطرده وما ولد حين استمع لنساء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .(٢)

يا معاوية، إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ولم يرض لنا الدنيا ثواباً.

وقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنت ووزيرك وصُويحبك، يقول: «إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتخذوا كتاب الله دخلاً وعباد الله خولاً ومال الله دولاً».(٣)

يا معاوية، إن نبي الله زكريا نشر بالمنشار ويحيى ذبح وقتله قومه وهو يدعوهم إلى الله عز وجل، وذلك لهوان الدنيا على الله. إن أولياء الشيطان قديماً حاربوا أولياء الرحمن؛ قال الله:( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) .(٤)

____________________

١. سورة الإسراء: الآية ٦٠.

٢. روى العلامة الأميني في الغدير: ج ٨ ص ٢٤٣ عن البلاذري أن الحكم بن أبي العاص كان جاراً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الجاهلية وكان أشد جيرانه أذىً له في الإسلام. وكان قدومه المدينة بعد فتح مكة وكان مغموصاً عليه في دينه. فكان يمر خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيغمز به ويحكيه ويخلج بأنفه وفمه، وإذا صلى قام خلفه فأشار بإصبعه. فبقي على تخليجه وأصابته خبلة. واطلع على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم وهو في بعض حجر نساءه، فعرفه وخرج إليه بعنزة وقال: مَن عذيري من هذه الوزغة اللعين؟ ثم قال: لا يساكنني ولا ولده. فغرَّبهم جميعاً إلى الطائف.

فلما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلَّم عثمان أبا بكر فيهم وسأله ردُّهم فأبى ذلك وقال: ما كنت لآوي طرداء رسول الله. ثم لما استخلف عمر كلمه فيهم فقال مثل قول أبي بكر. فلما استخلف عثمان أدخلهم المدينة.

٣. قوله «كتاب الله دخلاً» أي يتخذون كتاب الله خديعة وعباد الله عبيداً وإماءً ويتداولون مال الله بينهم.

٤. سورة آل عمران: الآية ٢١.

٣٠٨

يا معاوية، إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أخبرني أن أمته سيخضبون لحيتي من دم رأسي، وإني مستشهد،وستَلي الأمة من بعدي، وأنك ستقتل ابني الحسن غدراً بالسم، وأن ابنك يزيد لعنه الله سيقتل ابني الحسين، يلي ذلك منه ابن الزانية .

إخبارهعليه‌السلام عن تسلط بني أمية على الأمة

وأن الأمة سيليها من بعدك سبعة من ولد أبي العاص وولد مروان بن الحكم وخمسة من ولده تكملة اثني عشر إماماً قد رآهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتواثبون على منبره تواثب القردة، يردون أمته عن دين الله على أدبارهم القهقرى،وأنهم أشد الناس عذاباً يوم القيامة . وأن الله سيخرج الخلافة منهم برايات سود تقبل من الشرق، يذلهم الله بهم ويقتلهم تحت كل حجر.

إخبار أمير المؤمنينعليه‌السلام عن ظهور الإمام المهديعليه‌السلام

وأن رجلاً من ولدك مشوم ملعون جلف جاف منكوس القلب فظ غليظ قد نزع الله من قلبه الرأفة والرحمة، أخواله من كلب، كأني أنظر إليه ولو شئت لسميته ووصفته وابن كم هو.

فيبعث جيشاً إلى المدينة فيدخلونها فيسرفون فيها في القتل والفواحش، ويهرب منه رجل من ولدي زكي نقي، الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً. وإني لأعرف اسمه وابن كم هو يومئذ وعلامته. وهو من ولد ابني الحسين الذي يقتله ابنك يزيد، وهو الثائر بدم أبيه. فيهرب إلى مكة ويقتل صاحب ذلك الجيش رجلاً منولدي زكياً برياً عند أحجار الزيت.

ثم يسير ذلك الجيش إلى مكة، وإني لأعلم اسم أميرهم وعدتهم وأسمائهم وسمات خيولهم، فإذا دخلوا البيداء واستوت بهم الأرض خسف الله بهم. قال الله

٣٠٩

عز وجل:« وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ » (١) - قال: من تحت أقدامكم - فلا يبقى من ذلك الجيش أحد غير رجل واحد يقلب الله وجهه من قبل قفاه.

ويبعث اللهللمهدي أقواماً يجتمعون من أطراف الأرض قزع كقزع الخريف. والله إني لأعرف أسمائهم واسم أميرهم ومناخ ركابهم.فيدخل المهدي الكعبة ويبكي ويتضرع، قال الله عز وجل:( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ) (٢) هذا لنا خاصة أهل البيت.

هدف أمير المؤمنينعليه‌السلام من مراسلاته لمعاوية

أما والله يا معاوية، لقد كتبت إليك هذا الكتاب وإني لأعلم أنك لا تنتفع به، وأنك ستفرح إذا أخبرتك أنك ستلي الأمر وابنك بعدك، لأن الآخرة ليست من بالك وأنك بالآخرة لمن الكافرين.وستندم كما ندم من أسس هذا الأمر لك وحملك على رقابنا حين لم تنفعه الندامة .

ومما دعاني إلى الكتاب إليك بما كتبت به: إني أمرت كاتبي أن ينسخ ذلك لشيعتي ورؤوس أصحابيلعل الله أن ينفعهم بذلك ، أو يقرأه واحد ممن قبلك فيخرجه الله به وبنا من الضلالة إلى الهدى ومن ظلمك وظلم أصحابك وفتنتهم، وأحببت أن أحتج عليك.

٧

جواب معاوية الأخير إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام

فكتب إليه معاوية:

«هنيئاً لك يا أبا الحسن تملك الآخرة، وهنيئاً لنا نملك الدنيا»!

____________________

١. سورة سبأ: الآية ٥١.

٢. سورة النمل: الآية ٦٢.

٣١٠

٢٦

١

احتجاجات قيس بن سعد بن عبادة على معاوية

أبان عن سليم وعمر بن أبي سلمة - حديثهما واحد، هذا وذلك - قالا:

قدم معاوية حاجاً في خلافته المدينة بعد ما قتل أمير المؤمنينعليه‌السلام وصالَح الحسنعليه‌السلام . فاستقبله أهل المدينة(١) ، فنظر فإذاً الذي استقبله من قريش أكثر من الأنصار. فسأل عن ذلك، فقيل له: «إنهم محتاجون ليست لهم دواب»!

فالتفت معاوية إلى قيس بن سعد بن عبادة فقال: يا معشر الأنصار، ما لكم لا تستقبِلوني مع إخوانكم من قريش؟ فقال قيس - وكان سيد الأنصار وابن سيدهم -: أقعدَنا - يا أمير المؤمنين - أن لم تكن لنا دواب! فقال معاوية: فأين النواضح؟ فقال قيس:أفنَيناها يوم بدر ويوم أحُد وما بعدهما في مشاهد رسول الله حين ضربناك وأباك على الإسلام حتى ظهر أمر الله وأنتم كارهون .

قال معاوية: اللهمَّ غفراً. قال قيس: أما إن رسول الله قال: «إنكم سترون بعدي إثرة». فقال معاوية: فما أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر حتى نلقاه. فقال: فاصبروا حتى تلقوه!

____________________

١. في المثالب لابن شهر آشوب: فتَلَقَّته قريش بوادي القرى والأنصار بأبواء المدينة.

٣١١

ثم قال قيس: يا معاوية، تعيِّرنا بنواضحنا؟ والله لقد لقيناكم عليها يوم بدر وأنتم جاهدون على إطفاء نور الله وأن تكون كلمة الشيطان هي العليا.ثم دخلت أنت وأبوك كرهاً في الإسلام الذي ضربناكم عليه .

فقال له معاوية: كأنك تمن علينا بنصرتك إيانا، والله لقريش بذلك المن والطول. ألستم تمنون علينا - يا معشر الأنصار - بنصرتكم رسول الله وهو من قريش وهو ابن عمنا ومنا؟ فلنا المن والطول إذ جعلكم الله أنصارنا وأتباعنا فهداكم بنا.

سوابق أبي طالبعليه‌السلام في نصرة الإسلام

فقال قيس: إن الله عز وجل بعث محمداً رحمة للعالمين، فبعثه إلى الناس كافة، إلى الجن والأنس والأحمر والأسود والأبيض، واختاره لنبوته واختصه برسالته. فكان أول من صدقه وآمن به ابن عمه علي بن أبي طالب وكانأبو طالب عمه يذب عنه ويمنع منه ويحول بين كفار قريش وبينه أن يروِّعوه أو يؤذوه ويأمره بتبليغ رسالات ربه. فلم يزل ممنوعاً من الضيم والأذى حتى مات عمه أبو طالب وأمر ابنه علياً بموازرته ونصرته فوازره علي ونصره وجعل نفسه دونه في كل شديدة وكل ضيق وكل خوف، واختص الله بذلك علياً من بين قريش وأكرمه من بين جميع العرب والعجم .

فجمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جميع بني عبد المطلب فيهم أبو طالب وأبو لهب، وهم يومئذ أربعون رجلاً فدعاهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخادمه يومئذ عليعليه‌السلام ، ورسول الله يومئذ في حجر عمه أبي طالب، فقال: «أيكم ينتدب أن يكون أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي»؟

فسكت القوم حتى أعادها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث مرات. فقال عليعليه‌السلام : «أنا يا رسول الله، صلى الله عليك». فوضع رسول الله رأس علي في حجره وتفل في فيه

٣١٢

وقال: «اللهمَّ املأ جوفه علماً وفهماً وحكماً». ثم قال لأبي طالب: «يا أبا طالب، اسمع الآن لابنك علي وأطع، فقد جعله الله من نبيه بمنزلة هارون من موسى». وآخى بين الناس وآخى بين علي وبين نفسه.

فلم يدع قيس بن سعد شيئاً من مناقبه إلا ذكرها واحتج بها وقال: منهم أهل البيت جعفر بن أبي طالب الطيار في الجنة بجناحين، اختصه الله بذلك من بين الناس، ومنهم حمزة سيد الشهداء، ومنهم فاطمة سيدة نساء العالمين. فإذا وضعت من قريش رسول الله وأهل بيته وعترته الطيبين، فنحن والله خير منكم - يا معشر قريش - وأحبإلى الله ورسوله وإلى أهل بيته منكم.

لقد قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاجتمعت الأنصار إلى والدي سعد ثم قالوا: «لا نبايع غير سعد». فجاءت قريش بحجة علي وأهل بيته وخاصمونا بحقه وقرابته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فما يعدو قريش أن يكونوا ظلموا الأنصار أو ظلموا آل محمدعليهم‌السلام . ولعمري ما لأحد من الأنصار ولا لقريش ولا لأحد من العرب والعجم في الخلافة حق ولا نصيب مع علي بن أبي طالب وولده من بعده.

فغضب معاوية وقال: يا بن سعد، عمن أخذت هذا وعمن رويته وعمن سمعته؟ أبوك أخبرك بذلك وعنه أخذته؟ فقال قيس: سمعته وأخذته ممن هو خير من أبي وأعظم علي حقاً من أبي. قال: ومن هو؟ قال:ذاك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، عالم هذه الأمة وديانها وصديقها وفاروقها الذي أنزل الله فيه ما أنزل وهو قوله عز وجل: ( قُلْ كَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) .(١) فلم يدع قيس آية نزلت في عليعليه‌السلام إلا ذكرها.

____________________

١. سورة الرعد: الآية ٤٣.

٣١٣

فقال معاوية: فإن صديقها أبو بكر وفاروقها عمر، والذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام!

قال قيس: أحق بهذه الأسماء وأولى بها الذي أنزل الله فيه:( أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ ) (١) ؛ والذي أنزل الله جل اسمه فيه:( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٢) ، والله لقد نزلت: «وعلي لكل قوم هاد»، فأسقطتم ذلك؛ والذي نصبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بغدير خم فقال: «من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه»؛ وقال له رسول الله في غزوة تبوك: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي».

٢

بداية خطة معاوية في لعن عليعليه‌السلام

وكان معاوية يومئذ بالمدينة، فعند ذلك نادى مناديه وكتب بذلك نسخة إلى جميع البلدان إلى عماله: «ألا برئت الذمة ممن روى حديثاً في مناقب علي بن أبي طالب أو فضائل أهل بيته وقد أحلَّ بنفسه العقوبة ».

وقامت الخطباء في كل كورة ومكان وعلى كل المنابر بلعن علي بن أبي طالبعليه‌السلام والبراءة منه والوقيعة فيه وفي أهل بيتهعليهم‌السلام بما ليس فيهم، واللعنة لهم.

____________________

١. سورة هود: الآية ١٧.

٢. سورة الرعد: الآية ٧.

٣١٤

٣

احتجاجات ابن عباس على معاوية

ثم إن معاوية مر بحلقة من قريش، فلما رأوه قاموا له غير عبد الله بن عباس. فقال له: يابن عباس، ما منعك من القيام كما قام أصحابك إلا موجدة في نفسك عليَّ بقتالي إياكم يوم صفين. يا بن عباس، إن ابن عمي أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوماً.

قال له ابن عباس: فعمر بن الخطاب قد قتل مظلوماً، أفسلمتم الأمر إلى ولده، وهذا ابنه؟ قال: إن عمر قتله مشرك. قال ابن عباس: فمن قتل عثمان؟ قال: قتله المسلمون! قال: فذلك أدحض لحجتك وأحلّ لدمه!إن كان المسلمون قتلوه وخذلوه فليس إلا بحق .

قال معاوية: فإنا قد كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي وأهل بيته، فكف لسانك - يا بن عباس - وأربع على نفسك.

فقال له ابن عباس: أفتنهانا عن قراءة القرآن؟ قال: لا.

قال: أفتنهانا عن تأويله؟ قال: نعم.

قال: فنقرأه ولا نسأل عما عنى الله به؟ قال: نعم.

قال: فأيما أوجب علينا، قرائته أو العمل به؟ قال معاوية: العمل به.

قال: فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا؟ قال: سل عن ذلك من يتأوَّله على غير ما تتأوَّله أنت وأهل بيتك.

قال: إنما أنزل القرآن على أهل بيتي فأسأل عنه آل أبي سفيان أو أسأل عنه آل أبي معيط أو اليهود والنصارى والمجوس؟! قال له معاوية: فقد عدَلتنا بهم وصيَّرتنا منهم.

٣١٥

قال له ابن عباس: لعمري ما أعدلك بهم، غير أنك نهيتنا أن نعبد الله بالقرآن وبما فيه من أمر ونهي أو حلال أو حرام أو ناسخ أو منسوخ أو عام أو خاص أو محكم أو متشابه، وإن لم تسأل الأمة عن ذلك هلكوا واختلفوا وتاهوا.

قال معاوية: فاقرؤا القرآن وتأوَّلوه ولا ترووا شيئاً مما أنزل الله فيكم من تفسيره وما قاله رسول الله فيكم، وارووا ما سوى ذلك.

قال ابن عباس: قال الله في القرآن:( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) .(١)

قال معاوية: يا بن عباس، اكفني نفسك وكف عني لسانك، وإن كنت لا بد فاعلاً فليكن ذلك سراً ولا يسمعه أحد منك علانية.

ثم رجع إلى منزله، فبعث إليه بخمسين ألف درهم.

٤

اشتداد البلاء على الشيعة في عهد معاوية

ثم اشتد البلاء بالأمصار كلها على شيعة علي وأهل بيتهعليهم‌السلام ، وكان أشد الناس بلية أهل الكوفة لكثرة من بها من الشيعة. واستعمل عليهم زياداً أخاه وضم إليه البصرة والكوفة وجميع العراقين. وكان يتتبع الشيعة وهو بهم عالم لأنه كان منهم فقد عرفهم وسمع كلامهم أول شيء.

____________________

١. سورة التوبة: الآية ٣٢.

٣١٦

فقتلهم تحت كل كوكب وحجر ومدر، وأجلاهم وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل منهم وصلبهم على جذوع النخل وسمل أعينهم وطردهم وشردهم حتى انتزعوا عن العراق.فلم يبق بالعراقين أحد مشهور إلا مقتول أو مصلوب أو طريد أو هارب .

وكتب معاوية إلى قضاته وولاته في جميع الأرضين والأمصار: «أن لا تجيزوا لأحد من شيعة علي بن أبي طالب ولا من أهل بيته ولا من أهل ولايته الذين يرون فضله ويتحدثون بمناقبه شهادة».

تقريب معاوية جماعة عثمان واختلاق المناقب له

وكتب إلى عماله: «انظروا من قبلكم منشيعة عثمان ومحبيه وأهل بيته وأهل ولايته والذين يرون فضله ويتحدثون بمناقبه، فأدنوا مجالسهم وأكرموهم وقرِّبوهم وشرِّفوهم؛ واكتبوا إليَّ بكل ما يروي كل رجل منهم فيه واسم الرجل واسم أبيه وممن هو».

ففعلوا ذلك حتى أكثروا في عثمان الحديث وبعث إليهم بالصلات والكسي وأكثر لهم القطائع من العرب والموالي. فكثروا في كل مصر وتنافسوا في المنازل والضياع واتَّسعت عليهم الدنيا. فلم يكن أحد يأتي عامل مصر من الأمصار ولا قرية فيروي في عثمان منقبة أو يذكر له فضيلة إلا كتب اسمه وقرب وشفع. فلبثوا بذلك ما شاء الله.

سعي معاوية في إحياء اسم أبي بكر وعمر

ثم كتب بعد ذلك إلى عماله: «أن الحديث قد كثر في عثمان وفشا في كل قرية ومصر ومن كل ناحية، فإذا جاءكم كتابي هذافادعوا الناس إلى الرواية في أبي بكر وعمر ، فإن فضلهما وسوابقهما أحب إلي وأقر لعيني وأدحض لحجة أهل هذا البيت وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضائله».

٣١٧

فقرأ كل قاض وأمير من ولاته كتابه على الناس، وأخذ الناس في الروايات في أبي بكر وعمر وفي مناقبهم.

أمر معاوية بتعليم المناقب الكاذبة للأطفال والنساء

ثم كتب نسخة جمع فيها جميع ما روي فيهم من المناقب والفضائل ، وأنفذها إلى عماله وأمرهم بقرائتها على المنابر وفي كل كورة وفي كل مسجد. وأمرهم أن ينفذوا إلى معلمي الكتاتيب أن يعلموها صبيانهم حتى يرووها ويتعلموها كما يتعلمون القرآن(١) وحتى علموها بناتهم ونسائهم وخدمهم وحشمهم. فلبثوا بذلك ما شاء الله.(٢)

برنامج معاوية لإبادة الشيعة

ثم كتب معاوية إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: «انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته،فامحوه من الديوان ولا تجيزوا له شهادة ».

ثم كتب كتاباً آخر: «من اتهمتموه ولم تقم عليه بينة أنه منهم فاقتلوه ».

فقتلوهم على التهم والظن والشُّبه تحت كل كوكب، حتى لقد كان الرجل يغلط بكلمة فيضرب عنقه. ولم يكن ذلك البلاء في بلد أكبر ولا أشد منه بالعراق ولا سيما بالكوفة، حتى أنه كان الرجل من شيعة عليعليه‌السلام - وممن بقي من أصحابه بالمدينة وغيرها - ليأتيه من يثق به فيدخل بيته، ثم يلقي إليه سره فيخاف من خادمه ومملوكه، فلا يحدثه حتى يأخذ عليه الأيمان المغلظة ليكتمه عليه.

____________________

١. راجع عن المناقب المفتعلة بشأن أبي بكر وعمر وعثمان: الحديث ١٠ من هذا الكتاب.

٢. زاد هنا في الإحتجاج: وكتب زياد بن أبيه إليه في حق الحضرميين: «أنهم على دين علي وعلى رأيه». فكتب إليه معاوية: «اقتل كل من كان على دين علي ورأيه»، فقتلهم ومثَّل بهم.

روي في البحار: ج ٤٤ ص ٢١٢ من جملة ما كتبه الإمام الحسينعليه‌السلام إلى معاوية جواباً لرسالته: «... أوَلستَ صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية أنهم كانوا على دين علي صلوات الله عليه، فكتبت إليه أن اقتل كل من كان على دين علي، فقتلهم ومثَّل بهم بأمرك».

٣١٨

وجعل الأمر لا يزداد إلا شدة وكثر عندهم عدوهم وأظهروا أحاديثهم الكاذبة في أصحابهم من الزور والبهتان، فنشأ الناس على ذلك ولم يتعلموا إلا منهم ومضى على ذلك قضاتهم وولاتهم وفقهائهم.

وكان أعظم الناس في ذلك بلاء وفتنه القراء المراءون المتصنعون، الذين يظهرون لهم الحزن والخشوع والنسك، ويكذبون ويفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويدنوا بذلك مجالسهم ويصيبوا بذلك الأموال والقطائع والمنازل. حتى صارت أحاديثهم تلك ورواياتهم في أيدي من يحسب أنها حق وأنها صدق،فرووها وقبلوها وتعلَّموها وعلموها وأحبوا عليها وأبغضوا ، حتى جمعت على ذلك مجالسهم وصارت في أيدي الناس المتدينين الذين لا يستحلون الكذب ويبغضون عليه أهله.

فقبلوها وهم يرون أنها حق، ولو علموا أنها باطل لم يرووها ولم يتدينوا بها ولا تنقصوا من خالفهم. فصار الحق في ذلك الزمان باطلاً والباطل حقاً والصدق كذباً والكذب صدقاً. وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لتشملنكم فتنة يربو فيها الوليد وينشأ فيها الكبير، يجري الناس عليها ويتخذونها سنة. فإذا غيِّر منها شيء قالوا: أتى الناس منكراً، غيِّرت السنة»!

فلما مات الحسن بن عليعليه‌السلام لم يزل الفتنة والبلاء يعظمان ويشتدان،فلم يبق ولي لله إلا خائفاً على دمه أو مقتولاً أو طريداً أو شريداً ؛ ولم يبق عدوٌّ لله إلا مُظهراً حجته غير مستتر ببدعته وضلالته.

٣١٩

٥

مناشدات واحتجاجات الإمام الحسينعليه‌السلام بمكة

فلما كان قبل موت معاوية بسنة حجالحسين بن علي عليه‌السلام وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر معه. فجمع الحسينعليه‌السلام بني هاشم، رجالهم ونسائهم ومواليهم وشيعتهم من حج منهم، ومن الأنصار ممن يعرفه الحسينعليه‌السلام وأهل بيته.

ثم أرسل رسلاً: «لا تدعوا أحداً ممن حج العام من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المعروفين بالصلاح والنسك إلا أجمعوهم لي».

فاجتمع إليه بمنى أكثر منسبعمائة رجل (١) وهم في سرادقه، عامتهم من التابعين ونحو منمائتي رجل من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وغيرهم.

فقام فيهم الحسينعليه‌السلام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن هذا الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم، وإني أريد أن أسألكم عن شيء، فإن صدقت فصدِّقوني وإن كذبت فكذِّبوني. أسألكم بحق الله عليكم وحق رسول الله وحق قرابتي من نبيكم، لما سيَّرتم مقامي هذا ووصفتم مقالتي ودعوتمأجمعين في أنصاركم من قبائلكم من آمنتم من الناس ووثقتم به، فادعوهم إلى ما تعلمون من حقِّنا، فإني أتخوف أن يدرس هذا الأمر ويذهب الحق ويغلب ، والله متم نوره ولو كره الكافرون.

____________________

١. في الإحتجاج: ألف رجل.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638