كتاب سليم بن قيس الهلالي

كتاب سليم بن قيس الهلالي9%

كتاب سليم بن قيس الهلالي مؤلف:
المحقق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني
الناشر: نشر الهادي
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 638

كتاب سليم بن قيس الهلالي
  • البداية
  • السابق
  • 638 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 416327 / تحميل: 8168
الحجم الحجم الحجم
كتاب سليم بن قيس الهلالي

كتاب سليم بن قيس الهلالي

مؤلف:
الناشر: نشر الهادي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

٤٢

احتجاجات عبد الله بن جعفر على معاوية

أبان عن سليم، قال: حدثني عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: كنت عند معاوية ومعنا الحسن والحسين وعنده عبد الله بن العباس والفضل بن العباس.

فالتفت إليَّ معاوية فقال: يا عبد الله بن جعفر، ما أشد تعظيمك للحسن والحسين! والله ما هما بخير منك ولا أبوهما خير من أبيك، ولولا أن فاطمة بنت رسول الله أمهما لقلت: ما أمك أسماء بنت عميس دونها!

فغضبت من مقالته وأخذني ما لم أملك معه نفسي، فقلت: والله إنك لقليل المعرفة بهما وبأبيهما وبأمهما. بل والله لهما خير مني ولأبوهما خير من أبي ولأمهما خير من أمي. يا معاوية، إنك لغافل عما سمعته أنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول فيهما وفي أبيهما وفي أمهما، قد حفظته ووعيته ورويته.

قال معاوية: هات ما سمعت - وفي مجلسه الحسن والحسين وعبد الله بن عباس والفضل بن عباس وابن أبي لهب - فوالله ما أنت بكذّاب ولا متَّهم. فقلت: إنه أعظم مما في نفسك. قال: وإن كان أعظم من أحد وحراء جميعاً؛ فلست أباليإذا لم يكن في المجلس أحد من أهل الشام وإذ قتل الله صاحبك وفرَّق جمعكم وصار الأمر في أهله ومعدنه! فحدِّثنا فإنا لا نبالي ما قلتم ولا ما ادعيتم.

٣٦١

بنو أمية الشجرة الملعونة في القرآن

قلت: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - وقد سُئل عن هذه الآية:( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (١) - فقال: «إني رأيت اثني عشر رجلاً من أئمة الضلالة يصعدون منبري وينزلون، يردون أمتي على أدبارهم القهقرى. فيهم رجلان من حيين من قريش مختلفين تيم وعدي، وثلاثة من بني أمية، وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص». وسمعته يقول: «إن بني أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين رجلاًجعلوا كتاب الله دخلاً وعباد الله خولاً ومال الله دولا».

نص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام

يا معاوية، إني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول - وهو على المنبر وأنا بين يديه وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد وسعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام - وهو يقول: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم»؟ فقلنا: بلى، يا رسول الله. قال: «أليس أزواجي أمهاتكم»؟ قلنا: بلى، يا رسول الله. قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه - وضرب بيديه على منكب عليعليه‌السلام - اللهمَّ وال من والاه وعاد من عاداه».

«أيها الناس، أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ليس لهم معي أمر. وعليٌّ من بعدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ليس لهم معه أمر. ثم ابني الحسن من بعد أبيه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر. ثم ابني الحسين من بعد أخيه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر».

إخبار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن شهادة نفسه والأئمةعليهم‌السلام

ثم عادصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: «أيها الناس، إذا أنا استشهدتفعلي أولى بكم من أنفسكم، فإذا استشهد علي فإبنيالحسن أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، فإذا استشهد ابني الحسن

____________________

١. سورة الأسراء: الآية ٦٠.

٣٦٢

فإبنيالحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، فإذا استشهد ابني الحسين فابنيعلي بن الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس لهم معه أمر». ثم أقبل على عليعليه‌السلام فقال: «يا علي، إنك ستدركه فاقرأه عني السلام. فإذا استشهد فإبنهمحمد أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، وستدركه أنت يا حسين فاقرأه مني السلام. ثم يكون في عقب محمد رجال واحد بعد واحد وليس لهم معهم أمر». ثم أعادها ثلاثاً ثم قال: «وليس منهم أحد إلا وهو أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس معه أمر، كلهم هادون مهتدون تسعة من ولد الحسين».

فقام إليه علي بن أبي طالبعليه‌السلام وهو يبكي، فقال: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، أتُقتل؟ قال: «نعم،أهلك شهيداً بالسم ، وتقتل أنت بالسيف وتخضب لحيتك من دم رأسك، ويقتل ابني الحسن بالسم، ويقتل ابني الحسين بالسيف، يقتله طاغي بن طاغي، دعيّ بن دعي، منافق بن منافق.

هلاك أبي بكر وعمر وعثمان بتقرير معاوية

فقال معاوية: يا بن جعفر، لقد تكلمت بعظيم!ولئن كان ما تقول حقاً لقد هلكت وهلك الثلاثة قبلي وجميع من تولاهم من هذه الأمة، ولقد هلكت أمة محمد وأصحاب محمد من المهاجرين والأنصار غيركم أهل البيت وأوليائكم وأنصاركم .

فقلت: والله إن الذي قلت حق سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقال معاوية: يا حسن ويا حسين ويا بن عباس، ما يقول ابن جعفر؟ فقال ابن عباس: إن لا تؤمن بالذي قال فأرسل إلى الذين سماهم فاسألهم عن ذلك. فأرسل معاوية إلى عمر بن أبي سلمة وإلى أسامة بن زيد فسأَلهما، فشهدا أن الذي قال عبد الله بن جعفر قد سمعناه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما سمعه. وكان هذا بالمدينة أول سنة جمعت الأمة على معاوية.

٣٦٣

قال سليم: وسمعت ابن جعفر يحدث بهذا الحديث في زمان عمر بن الخطاب.

الحجج المعصومين الأربعة عشرعليهم‌السلام

فقال معاوية: يا بن جعفر، قد سمعناه في الحسن والحسين وفي أبيهما، فما سمعت في أمهما؟ - ومعاوية كالمستهزء والمنكر -.

فقلت: بلى، قد سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «ليس في جنة عدن منزل أشرف ولا أفضل ولا أقرب إلى عرش ربي من منزلي. نحن فيه أربعة عشر إنساناً، أنا وأخي علي وهو خيرهم وأحبهم إليَّ، وفاطمة وهي سيدة نساء أهل الجنة، والحسن والحسين وتسعة أئمة من ولد الحسين.فنحن فيه أربعة عشر إنساناً في منزل واحد أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيراً، هداة مهديين .

أنا المبلغ عن الله وهم المبلغون عني وعن الله عز وجل. وهم حجج الله تبارك وتعالى على خلقه وشهدائه في أرضه وخزانه على علمه ومعادن حكمه. من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله.لا تبقى الأرض طرفة عين إلا ببقائهم، ولا تصلح الأرض إلا بهم . يخبرون الأمة بأمر دينهم وبحلالهم وحرامهم. يدلونهم على رضى ربهم وينهونهم عن سخطه بأمر واحد ونهي واحد، ليس فيهم اختلاف ولا فرقة ولا تنازع. يأخذ آخرهم عن أولهم إملائي وخط أخي علي بيده ، يتوارثونه إلى يوم القيامة. أهل الأرض كلهم في غمرة وغفلة وتيه وحيرة غيرهم وغير شيعتهم وأوليائهم. لا يحتاجون إلى أحد من الأمة في شيئ من أمر دينهم، والأمة تحتاج إليهم. وهم الذين عنى الله في كتابه(١) وقرن طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله فقال:( أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) .(٢)

____________________

١. «ج»: عنى الله في كتابه. فلم يدع آية نزلت فيهم من القرآن إلا ذكرها.

٢. سورة النساء: الآية ٥٩.

٣٦٤

قال: فأقبل معاوية على الحسن والحسين وابن عباس والفضل بن عباس وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد، فقال: كلكم على ما قال ابن جعفر؟ فقالوا: نعم. قال: يا بني عبد المطلب، إنكم لتدَّعون أمراً عظيماً وتحتجون بحجج قوية إن كانت حقاً. وإنكم لتضمرون على أمر تسرُّونه والناس عنه في غفلة عمياء.ولئن كان ما تقولون حقاً لقد هلكت الأمة وارتدت عن دينها وتركت عهد نبينا غيركم أهل البيت ومن قال بقولكم! فأولئك في الناس قليل.

٢

احتجاجات ابن عباس على معاوية

فأقبل ابن عباس على معاوية فقال: قال الله عز وجل في كتابه:( وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) (١) ، ويقول:( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) (٢) ، ويقول:( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ) (٣) ، ويقول لنوح:( وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ) .(٤)

وتعجب من ذلك يا معاوية؟! وأعجب من أمرنا أمر بني إسرائيل. إن السحرة قالوا لفرعون:( اقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّ العالَمينَ ) .(٥) فآمنوا بموسى وصدَّقوه واتبعوه. فسار بهم وبمن تبعه من بني إسرائيل فأقطعهم البحر

____________________

١. سورة سبأ: الآية ١٣.

٢. سورة يوسف: الآية ١٠٣.

٣. سورة ص: الآية ٢٤.

٤. سورة هود: الآية ٤٠. وقوله «يقول لنوح» أي قال لقصة نوح مع قومه لا أن الخطاب إلى نوح.

٥. سورة طه: الآية ٧٢.

٣٦٥

وأراهم الأعاجيب وهم يصدِّقون به وبالتوراة يقرون له بدينه، فمر بهم على قوم يعبدون أصناماً لهم، فقالوا:( يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ) (١) ، ثم اتخذوا العجل فعكفوا عليه جميعاً غير هارون وأهل بيته، وقال لهم السامري:( هَـٰذَا إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ ) (٢) ، ثم قال لهم بعد ذلك:( ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمْ ) .(٣) فكان من جوابهم ما قص الله في كتابه:( إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ) (٤) ، حتى قال موسى:( رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ) (٥) ؛ ثم قال:( فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ) .(٦)

فاحتذت هذه الأمة ذلك المثال سواء. وقد كانت لهم فضائل وسوابق مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومنازل منه قريبة، ومقرين بدين محمد والقرآن حتى فارقهم نبيهم فاختلفوا وتفرقوا وتحاسدوا وخالفوا إمامهم ووليهم حتى لم يبق منهم على ما عاهدوا عليه نبيهم غير صاحبنا الذي هو من نبينا بمنزلة هارون من موسى ونفر قليل لقوا الله عز وجل على دينهم وإيمانهم، ورجع الآخرون القهقرى على أدبارهم، كما فعلأصحاب موسى عليه‌السلام باتخاذهم العجل وعبادتهم إياه وزعمهم أنه ربهم وإجماعهم عليه غير هارون وولده ونفر قليل من أهل بيته.

ونبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله قد نصب لأمته أفضل الناس وأولاهم وخيرهم بغدير خم وفي غير موطن . واحتج عليهم به وأمرهم بطاعته، وأخبرهم أنه منه بمنزلة هارون من موسى، وأنه ولي كل مؤمن بعده، وأن كل من كان هو وليه فعلي وليه ومن كان هو أولى به من نفسه فعلي

____________________

١. سورة الأعراف: الآية ١٣٨.

٢. سورة طه: الآية ٨٨.

٣. سورة المائدة: الآية ٢١.

٤. سورة المائدة: الآية ٢٢.

٥. سورة المائدة: الآية ٢٥.

٦. سورة المائدة: الآية ٢٦.

٣٦٦

أولى به من نفسه؛ وأنه خليفته فيهم ووصيه؛ وأن من أطاعه أطاع الله ومن عصاه عصى الله ومن والاه والى الله ومن عاداه عادى الله. فأنكروه وجهلوه وتولوا غيره.

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يرض بانتخاب الناس في الخلافة

يا معاوية(١) ، أما علمت أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين بعث إلى مؤتة أمَّر عليهم جعفر بن أبي طالب، ثم قال: «إن هلك جعفر بن أبي طالب فزيد بن حارثة، فإن هلك زيد فعبد الله بن رواحة»، ولم يرض لهم أن يختاروا لأنفسهم،أفكان يترك أمته لا يبين لهم خليفته فيهم ؟ بلى والله، ما تركهم في عمياء ولا شبهة، بل ركب القوم ما ركبوا بعد البينة وكذبوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهلكوا وهلك من شايعهم وضلوا وضل من تابعهم، فبعداً للقوم الظالمين.

فقال معاوية: يا بن عباس، إنك لتتفوَّه بعظيم، والاجتماع عندنا خير من الاختلاف، وقد علمت أن الأمة لم تستقم على صاحبك.

____________________

١. من هنا إلى قوله: «شهادة أن لا إله إلا الله ...» في «ج» هكذا: وبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جعفراً إلى مؤتة فقال: «وليت عليكم جعفراً، إن هلك جعفر بن أبي طالب فزيد بن حارثة، فإن هلك زيد فعبد الله بن رواحة»، فقُتلوا جميعاً. ثم يترك أمته لا يبيِّن لهم من خلفائه من بعده؟ يأمرهم باتباع خيرهم وأعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه ويتركهم يختارون لأنفسهم؟ إذاً لكان رأيهم لأنفسهم أهدى لهم وأرشد من رأيه واختياره لهم!! وما ركب القوم ما ركبوا إلا بعد البينة والحجة، وما تركهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في عمياء ولا شبهة. وإنما هلك أولئك الأربعة الذين تظاهروا على عليعليه‌السلام وكذبوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: «لم يكن الله ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة»، فشبهوا على الناس بشهادتهم وكذبهم.

فقال معاوية: ما تقول يا حسن؟ فقالعليه‌السلام : يا معاوية، قد سمعت ما قال ابن جعفر وما قال ابن عباس. والعجب منك يا معاوية ومن قلة حيائك وجرأتك على الله أن تقول: «قد قتل الله طاغيتكم ورد الأمر إلى معدنه»! فأنت يا معاوية معدن الخلافة دوننا؟ الويل لك ولثلاثة قبلك الذين أجلسوك هذا المجلس وسنوا لك هذه السنة. لأقولن لك قولاً ما أريد بذلك إلا أن يسمعه هؤلاء الذين حولي: إن الناس قد اجتمعوا على أشياء كثيرة وليس بينهم فيها اختلاف. اجتمعوا على شهادة أن لا إله إلا الله ....

٣٦٧

فقال ابن عباس: إني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «ما اختلف أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها »، وإن هذه الأمة اجتمعت على أمور كثيرة ليس بينها اختلاف ولا منازعة ولا فرقة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله والصلوات الخمس والزكاة المفروضة وصوم شهر رمضان وحج البيت وأشياء كثيرة من طاعة الله، واجتمعوا على تحريم الخمر والزنا والسرقة وقطع الأرحام والكذب والخيانة وأشياءكثيرة من معاصي الله. واختلفت في شيئين: أحدهما اقتتلت عليه وتفرقت فيه وصارت فرقاً يلعن بعضها بعضاً ويبرء بعضها من بعض، والثاني لم تقتتل عليه ولم تتفرق فيه ووسع بعضهم فيه لبعض وهو كتاب الله وسنة نبيه، وما يحدث زعمت أنه ليس في كتاب الله ولا سنة نبيه. وأما الذي اختلفت فيه وتفرقت وتبرأت بعضها من بعض فالملك والخلافة زعمت أنها أحق بهما من أهل بيت نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فمن أخذ بما ليس فيه بين أهل القبلة اختلاف وردَّ علم ما اختلفوا فيه إلى الله فقد سلم ونجا من النار ولم يسأله الله عما أشكل عليه من الخصلتين اللتين اختلفت فيهما. ومن وفقه الله ومنَّ عليه ونوَّر قلبه وعرَّفه ولاة الأمر ومعدن العلم أين هو، فعرف ذلك كان سعيداً ولله ولياً. وكان نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «رحم الله عبداً قال حقاً فغنم، أو سكت فسلم».

جميع العلم عند أهل البيتعليهم‌السلام

فالأئمة من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومنزل الكتاب ومهبط الوحي ومختلف الملائكة، لا تصلح إلا فيها لأن الله خصها وجعلها أهلاً في كتابه وعلى لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فالعلم فيهم وهم أهله، وهو عندهم كله بحذافيره، باطنه وظاهره ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه.

٣٦٨

جمع وحفظ القرآن

يا معاوية، إن عمر بن الخطاب أرسلني في إمارته(١) إلى علي بن أبي طالبعليه‌السلام : «إني أريد أن أكتب القرآن في مصحف، فابعث إلينا ما كتبت من القرآن».

فقالعليه‌السلام :تضرب والله عنقي قبل أن تصل إليه . فقلت: ولِم؟ قالعليه‌السلام (٢) : لأن الله يقول: ( لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) (٣) ، يعني لا يناله كله إلا المطهرون. إيانا عنى، نحن الذين أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيراً. وقال:( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) (٤) ، فنحن الذين اصطفانا الله من عباده ونحن صفوة الله ولنا ضربت الأمثال وعلينا نزل الوحي.

قال: فغضب عمر وقال: إن ابن أبي طالب يحسب أنه ليس عند أحد علم غيره! فمن كان يقرأ من القرآن شيئاً فليأتنا به! فكان إذا جاء رجل بقرآن فقرأه ومعه آخر كتبه، وإلا لم يكتبه.

فمن قال - يا معاوية - إنه ضاع من القرآن شيئ فقد كذب، هو عند أهله مجموع محفوظ.

أول إعلان رسمي عن إعمال الرأي في دين الله

ثم أمر عمر قضاته وولاته فقال: «اجتهدوا رأيكم واتبعوا ما ترون أنه الحق »! فلم يزل هو وبعض ولاته وقد وقعوا في عظيمة، فكان علي بن أبي طالبعليه‌السلام يخبرهم بما يحتج به عليهم. وكان عماله وقضاته يحكمون في شيئ واحد بقضايا مختلفة فيجيزها لهم، لأن الله لم يؤته الحكمة وفصل الخطاب.

____________________

١. راجع عن طلب عمر قرآن أمير المؤمنينعليه‌السلام : الحديث ٤ من هذا الكتاب.

٢. زاد في الإحتجاج هنا: قال: لأن الله تعالى قال:( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) ، إيانا عنى ولم يعنك ولا أصحابك.

٣. سورة الواقعة: الآية ٧٩.

٤. سورة فاطر: الآية ٣٢.

٣٦٩

وزعم كل صنف من أهل القبلة أنهم معدن العلم والخلافة دونهم! فبالله نستعين على من جحدهم حقهم وسنَّ للناس ما يحتج به مثلك عليهم. حسبنا الله ونعم الوكيل.

الناس تجاه أهل البيتعليهم‌السلام ثلاثة

إنما الناس ثلاثة:مؤمن يعرف حقنا ويسلِّم لنا ويأتم بنا، فذلك ناج نجيب لله ولي؛ وناصب لنا العداوة يتبرأ منا ويلعننا ويستحل دمائنا ويجحد حقنا ويدين بالبراءة منا، فهذا كافر به مشرك ملعون؛ورجل آخذ بما لا يختلفون فيه ورد علم ما أشكل عليه إلى الله من ولايتنا ولم يعادنا، فنحن نرجو له فأمره إلى الله.

فلما سمع ذلك معاوية أمر للحسن والحسينعليهما‌السلام بألف ألف درهم، لكل واحد بخمسمائة ألف.

٣٧٠

٤٣

خطبة أمير المؤمنينعليه‌السلام في وصف المتقين

وعن أبان بن أبي عياش عن سليم، قال: قام رجل من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام يقال له «همام»(١) - وكان عابداً مجتهداً - فقال: يا أمير المؤمنين، صف ليالمؤمنين كأني أنظر إليهم.

فتثاقل أمير المؤمنينعليه‌السلام عن جوابه، ثم قال: يا همام، اتق الله وأحسن، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. فقال له همام: أسألك بالذي أكرمك وخصك وحباك وفضلك بما آتاك لما وصفتهم لي.

فقام أمير المؤمنينعليه‌السلام على رجليه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم، ثم قال:

أما بعد، فإن الله خلق الخلق حين خلقهم غنياً عن طاعتهم آمناً من معصيتهم، لأنه لا تضرُّه معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه منهم. فقسَّم بينهم معايشهم ووضعهم من الدنيا مواضعهم. وإنما أهبط آدم إليها عقوبة لما صنع حيث نهاه الله فخالفه وأمره فعصاه.

المؤمن في الدنيا

فالمؤمنون فيها هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب وملبسهم الاقتصاد ومشيهم التواضع.خضعوا لله بالطاعة فمضوا غاضين أبصارهم عما حرم الله عليهم، واقفين

____________________

١. هو همام بن شريح بن زيد بن مرة بن عمرو. راجع البحار: ج ٦٧ ص ٣١٧، ج ٦٨ ص ١٩٢ و ١٩٦.

٣٧١

أسماعهم على العلم. نزلت أنفسهم منهم فيالبلاء كالذي نزلت فيالرخاء ، رضى عن الله بالقضاء.

لولا الآجال التي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين، شوقاً إلى الثواب وخوفاً من العقاب. عظم الخالق في أنفسهم وصغر ما دونه في أعينهم.

المؤمن والجنة والنار

فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذَّبون. قلوبهم محزونة، وحدودهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة، وحوائجهم خفيفة وأنفسهم عفيفة، ومعونتهم في الإسلام عظيمة.

صبروا أياماً قصاراً أعقبتهم راحة طويلة. تجارة مربحة يسَّرها لهم رب كريم. أرادتهم الدنيا فلم يريدوها وطلبتهم فأعجزوها.

المؤمن في يومه ليلته

أماالليل فصافون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن يرتِّلونه ترتيلاً يُحزنون به أنفسهم ويستثيرون به دواء دائهم، وتهيج أحزانهم بكاء على ذنوبهم ووجع كلوم(١) جوانحهم. فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً وتطلعت إليها أنفسهم شوقاً فظنوا أنها نصب أعينهم، حافين على أوساطهم، يمجِّدون جباراً عظيماً، مفترشين جباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم، يجأرون إلى الله فيفكاك رقابهم من النار. وإذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وأبصارهم، واقشعرت منها جلودهم ووجلت منها قلوبهم وظنوا أن صهيل جهنم وزفيرها وشهيقها في أصول آذانهم.

____________________

١. جمع الكلم بمعنى الجرح.

٣٧٢

وأماالنهار فحلماء علماء بررة أتقياء، برأهم الخوف فهم أمثال القداح(١) ، ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض، أو قد خولطوا، قد خالط القوم أمر عظيم.

إذا ذكرواعظمة الله وشدة سلطانه مع ما يخالطهم من ذكر الموت وأهوال القيامة، فزع ذلك قلوبهم وطاشت له حلومهم وذهلت عنهم عقولهم واقشعرت منها جلودهم. وإذا استفاقوا من ذلك بادروا إلى الله بالأعمال الزكية، لا يرضون لله بالقليل ولا يستكثرون له الجزيل.

علامات المؤمن الظاهرية

فهم لأنفسهم متهمون ومن أعمالهم مشفقون. إن زكِّي أحدهم خاف مما يقولون وقال: «أنا أعلم بنفسي من غيري، وربي أعلم بي من غيري. اللهمَّ لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون، فإنك علام الغيوب وساتر العيوب».

ومن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين، وحزماً في لين، وإيماناً في يقين، وحرصاً على علم، وفهماً في فقه، وعلماً في حلم، وشفقة في نفقة، وكيساً في رفق، وقصداً في غنى، وخشوعاً في عبادة، وتحملاً في فاقة، وصبراً في شدة، ورحمة للمجهود(٢) ، وإعطاء في حق، ورفقاً في كسب، وطيباً في الحلال، ونشاطاً في الهدى، وتحرُّجاً عن الطمع، وبراً في استقامة، واعتصاماً عند شهوة.

علامات المؤمن الباطنية

لا يغرُّه ثناء من جهله ولا يدَع إحصاء عمله؛ مستبطأ لنفسه في العمل، يعمل الأعمال الصالحة.

____________________

١. برأهم الخوف كالقداح أي جعلهم الخوف كالسهام، والقداح هو السهم قبل أن يُنصل ويُراش.

٢. المجهود: الطاقة والاستطاعة.

٣٧٣

وهو رجل يمسي وهمه الشكر ويصبح وشغله الذكر. يبيت حذراً ويصبح فرحاً، حذراً لما حذِّر وفرحاً لما أصاب من الفضل والرحمة. وإن استصعب عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما إليه بشره. ففرحه فيما يخلد ويطول، وقرَّة عينه فيما لا يزول. رغبته فيما يبقى وزهادته فيما يفنى.

يمزج الحلم بالعلم والعلم بالعقل. تراه بعيداً كسله، دائماً نشاطه، قريباً أمله، قليلاً زلله، متوقعاً أجله، خاشعاً قلبه، قانعة نفسه، متغيباً جهله، سهلاً أمره، حريزاً لدينه، ميتة شهوته، مكظوماً غيظه، صافياً خلقه، آمناً منه جاره، ضعيفاً كبره، قانعاً بالذي قدِّر له، متيناً صبره، محكماً أمره، كثيراً ذكره.

لا يحدِّث بما اؤتمن عليه الأصدقاء، ولا يكتم شهادة الأعداء، ولا يعمل شيئاً من الحق رياء ولا يتركه حياء. الخير منه مأمول، والشر منه مأمون.

يعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه ويصل من قطعه. لا يعزب حلمه ولا يعجل فيما يريبه، ويصفح عما تبين له. بعيد جهله، ليِّن قوله، عائب منكره، قريب معروفه، صادق قوله، حسن فعله، مقبل خيره، مدبر شره.

وهو في الزلازل وقور، وفي المكاره صبور، وفي الرخاء شكور.

المؤمن والناس

لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم فيما يحب، ولا يدعى ما ليس له، ولا يجحد حقاً هو عليه. يعترف بالحق قبل أن يُشهد به عليه.

لا يضيع ما استحفظ عليه، ولا يُنابز بالألقاب، ولا يبغي على أحد، ولا يُهم بالحسد، ولا يضارُّ بالجار، ولا يشمت بالمصائب.

مؤدٍّ للأمانات، سريع إلى الصلوات، بطيئ عن المنكرات، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. لا يدخل في الأمور بجهل ولا يخرج من الحق بعجز.

٣٧٤

إن صمت لم يغمه الصمت، وإن نطق لم يقل خطأ، وإن ضحك لم يعلُ صوته. قانع بالذي قدِّر له. لا يجمح به الغيظ ولا يغلبه الهوى، ولا يقهره الشح، ولا يطمع فيما ليس له.

يخالط الناس ليعلم، ويصمت ليسلم، ويسأل ليفهم، ويتَّجر ليغنم، ويبحث ليعلم. لا ينصت للخير ليفخر به، ولا يتكلم ليتجبَّر على من سواه.

نفسه منه في عناء، والناس منه في راحة. أتعب نفسه لآخرته، وأراح الناس من نفسه. إن بغي عليه صبر حتى يكون الله هو المنتصر له. بُعده عمَّن تباعد عنه زهد ونزاهة، ودنوُّه ممن دنا منه لين ورحمة. ليس تباعده تكبراً ولا عظمة، ولا دنوه خديعة ولا خلابة، بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير. فهو إمام لمن خلفه من أهلالبر.

تأثير خطبة أمير المؤمنينعليه‌السلام في همام

قال:فصاح همام صيحة ، ثم وقع مغشياً عليه. فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : أما والله لقد كنت أخافها عليه؛ وقال: «هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها». فقال له قائل: فما بالك أنت يا أمير المؤمنين؟ قال: لكلٍّ أجلٌ لن يعدوه وسببٌ لا يجاوزه. فمهلاً لا تعد، فإنما نفث على لسانك الشيطان.

ثم رفع همام رأسه فصعق صعقة وفارق الدنيا، رحمه الله.

٣٧٥

٤٤

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «سلوني عما بدا لكم»

أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس، عن سلمان وأبي ذر والمقداد:

إن نفراً من المنافقين اجتمعوا فقالوا: إن محمداً ليخبرنا عن الجنة وما أعدَّ الله فيها من النعيم لأوليائه وأهل طاعته، وعن النار وما أعد الله فيها من الأنكال والهوان لأعدائه وأهل معصيته. فلو أخبرنا عن آبائنا وأمهاتنا ومقعدنا في الجنة والنار، فعرفنا الذي يبنى عليه في العاجل والآجل!

فبلغ ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأمر بلالاً فنادى بالصلاة جامعة. فاجتمع الناس حتى غصَّ المسجد وتضايَق بأهله. فخرج مغضباً حاسراً عن ذراعيه وركبتيه حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

أيها الناس، أنا بشر مثلكم أوحى إليَّ ربي، فاختصَّني برسالته واصطفاني لنبوته وفضلني على جميع ولد آدم وأطلعني على ما شاء من غيبه. فاسألوني عما بدا لكم. فوالذي نفسي بيده لا يسألني رجل منكم عن أبيه وأمه وعن مقعده من الجنة والنار إلا أخبرته. هذا جبرئيل عن يميني يخبرني عن ربي فاسألوني.

سؤال الناس عن أنسابهم وعن الجنة والنار

فقام رجل مؤمن يحب الله ورسوله، فقال: يا نبي الله، من أنا؟ قال: أنتعبد الله بن جعفر ، فنسبه إلى أبيه الذي كان يدعى به؛ فجلس قريرة عينه.

٣٧٦

ثم قام منافق مريض القلب مبغض لله ولرسوله فقال: يا رسول الله، من أنا؟ قال: أنت فلان بن فلان راع لبني عصمة وهم شر حي في ثقيف، عصوا الله فأخزاهم. فجلس وقد أخزاه الله وفضحه على رؤوس الأشهاد، وكان قبل ذلك لا يشك الناس أنه صنديد من صناديد قريش وناب من أنيابهم!

ثم قام ثالث منافق مريض القلب، فقال: يا رسول الله، أفي الجنة أنا أم في النار؟ قال: في النار ورغماً!! فجلس وقد أخزاه الله وفضحه على رؤوس الأشهاد.

فقام عمر بن الخطاب فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبك يا رسول الله نبياً، ونعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله. اعف عنا يا رسول الله عفا الله عنك، واستر سترك الله. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : عن غير هذا - أو تطلب سواه(١) - يا عمر. فقال: يا رسول الله، العفو عن أمتك.

خلق رسول الله وعليعليهما‌السلام

فقام علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال: يا رسول الله، انسبني من أنا، ليعرف الناس قرابتي منك.

فقال: يا علي،خُلقت أنا وأنت من عمودين من نور معلقين من تحت العرش، يقدسان الملك(٢) من قبل أن يخلق الخلق بألفي عام. ثم خلق من ذينك العمودين نطفتين بيضاوين ملتويتين. ثم نقل تلك النطفتين في الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الزكية الطاهرة، حتى جعل نصفها في صلب عبد الله ونصفها في صلب أبي طالب. فجزء أنا وجزء أنت، وهو قول الله عز وجل:( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَـرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا

____________________

١. الظاهر أن المراد: عن غير هذا كنت تسأل، أو قال: «كنت تطلب سواه». ولعل كلا الجملتين معطوفتان للتوضيح لا من ترديد الراوي.

٢. أي الله تعالى.

٣٧٧

وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ) .(١)

عليعليه‌السلام السبب بين الله وخلقه

يا علي، أنت مني وأنا منك. سيط(٢) لحمك بلحمي ودمك بدمي.وأنت السبب فيما بين الله وبين خلقه بعدي . فمن جحد ولايتك قطع السبب الذي فيما بينه وبين الله وكان ماضياً في الدركات.

يا علي، ما عرف الله إلا بي ثم بك.من جحد ولايتك جحد الله ربوبيته !

يا علي، أنت علم الله بعدي الأكبر في الأرض، وأنت الركن الأكبر في القيامة.فمن استظل بفيئك كان فائزاً ، لأن حساب الخلائق إليك ومآبهم إليك، والميزان ميزانك والصراط صراطك والموقف موقفك والحساب حسابك. فمن ركن إليك نجا، ومن خالفك هوى وهلك. اللهمَّ اشهد، اللهمَّ اشهد.

ثم نزلصلى‌الله‌عليه‌وآله .

____________________

١. سورة الفرقان: الآية ٥٤.

٢. أي اختلط.

٣٧٨

٤٥

كلمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن علي والأئمةعليهم‌السلام

أبان عن سليم عن سلمان، قال: كانت قريش إذا جلست في مجالسها فرأت رجلاً من أهل البيت قطعت حديثها. فبينما هي جالسة إذ قال رجل منهم: «ما مثل محمد في أهل بيته إلا كمثل نخلة نبتت في كناسة »!

فبلغ ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فغضب، ثم خرج فأتى المنبر فجلس عليه حتى اجتمع الناس، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، من أنا؟ قالوا: أنت رسول الله.

قال: أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، ثم مضى في نسبه حتى انتهى إلى نزار.(١)

خلق أهل البيتعليهم‌السلام ونسبهم

ثم قال: ألا وإني وأهل بيتي كنا نوراً نسعى بين يدي الله قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام، وكان ذلك النور إذا سبح سبحت الملائكة لتسبيحه.

فلما خلق آدم وضع ذلك النور في صلبه ثم أهبط إلى الأرض في صلبآدم . ثم حمله في السفينة في صلبنوح ، ثم قذفه في النار في صلبإبراهيم . ثم لم يزل ينقلنا في أكارم الأصلاب حتى أخرجنا من أفضل المعادن محتداً(٢) وأكرم المغارس منبتاً بين الآباء والأمهات، لم يلتق أحد منهم على سفاح قط.

____________________

١. راجع عن نسب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأسماء آبائه: الحديث ١٤ من هذا الكتاب.

٢. أي أخلصهما أصلاً.

٣٧٩

ألا ونحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة: أنا وعلي وجعفر وحمزة والحسن والحسين وفاطمة والمهدي.

اختار الله محمداً وعلياً والأئمةعليهم‌السلام حججاً

ألا وإن الله نظر إلى أهل الأرض نظرة فاختار منهم رجلين: أحدهما أنا فبعثني رسولاً ونبياً، والآخر علي بن أبي طالب، وأوحى إليَّ أن أتخذه أخاً وخليلاً ووزيراً ووصياً وخليفة.

ألا وإنه ولي كل مؤمن بعدي،من والاه والاه الله ومن عاداه عاداه الله . لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا كافر. هو زر الأرض بعدي وسكنها، وهو كلمة الله التقوى وعروته الوثقى.( يُريدُونَ أنْ يُطْفِؤوا نُورَ الله بأفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) .(١)

ألا وإن الله نظر نظرة ثانية فاختار بعدنا اثني عشر وصياً(٢) من أهل بيتي، فجعلهم خيار أمتي واحداً بعد واحد، مثل النجوم في السماء، كلما غاب نجم طلع نجم. هم أئمة هداة مهتدونلا يضرهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم .

هم حجج الله في أرضه، وشهدائه على خلقه، وخزان علمه، وتراجمة وحيه، ومعادن حكمته. من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله. هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه حتى يردوا عليَّ الحوض.

فليبلغ الشاهد الغائب. اللهمَّ اشهد، اللهمَّ اشهد - ثلاث مرات -.

____________________

١. إشارة إلى سورة الصف: الآية ٨، وفي القرآن:( لِيُطْفِئُوا ) .

٢. إن التصحيف إما في «بعدنا» وأنه كان في الأصل «بعدي»، أو في «اثني عشر» وأنه كان في الأصل «أحد عشر».

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

ماءا عذبا وماءا مالحا أجاجا(١) فامتزج الماءان فأخذ طينا من أديم الأرض فعركه عركا شديدا(٢) فقال لأصحاب اليمين وهم كالذر يدبون: إلى الجنة بسلام وقال لأصحاب الشمال: إلى النار ولا أبالي، ثم قال:( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ ) ثم أخذ الميثاق على النبيين فقال: ألست بربكم وان هذا محمد رسولي وان هذا على أمير المؤمنين؟ فقالوا: بلى، فثبتت لهم النبوة، وأخذ الميثاق على اولى العزم اننى ربكم ومحمد رسولي وعلى أمير المؤمنين، وأوصيائه من بعده ولاة أمري وخزان علميعليهم‌السلام ، وان المهدي انتصر به لديني وأظهر به دولتي. وأنتقم به من أعدائى وأعبد به طوعا وكرها؟ قالوا: أقررنا يا رب وشهدنا ولم يجحد آدم ولم يقر، فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي ولم يكن لادم عزم على الإقرار به، وهو قولهعزوجل :( وَلَقَدْ عَهِدْنا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) قال: إنّما هو فترك، ثم أمر نارا فأججت فقال لأصحاب الشمال: ادخلوها فهابوها، وقال لأصحاب اليمين: ادخلوها فدخلوها فكانت عليهم بردا وسلاما فقال أصحاب الشمال: يا رب أقلنا فقال: قد أقلتكم اذهبوا فادخلوها، فهابوها فثم ثبتت الطاعة والولاية والمعصية.

١٥٢ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وقوله:( وَلَقَدْ عَهِدْنا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) قال: فيما نهاه عنه من أكل الشجرة.

١٥٣ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد وعلى بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن ابن محبوب عن أبي جعفر الأحول عن سلام بن المستنير عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( وَلَقَدْ عَهِدْنا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) قال: فقال: إنّ اللهعزوجل لما قال لادم:( اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ) قال له: يا آدم لا تقرب هذه الشجرة، قال: وأراه إياها فقال آدم لربه: كيف أقربها وقد نهيتني عنها أنا وزوجتي؟ قال: فقال لهما: لا تقرباها، يعنى لا تأكلا منها فقال آدم وزوجته: نعم يا ربنا

__________________

(١) الأجاج: الشديد الملوحة من الماء.

(٢) أديم الأرض: وجهها. وعرك الأديم: دلكه.

٤٠١

لا نقربها ولا نأكل منها، ولم يستثنيا في قولهما: نعم، فوكلهما الله في ذلك إلى أنفسهما والى ذكرهما.

١٥٤ ـ في روضة الكافي عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن محمد ابن الفضل عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنّ الله تبارك وتعالى عهد إلى آدمعليه‌السلام أن لا يقرب هذه الشجرة. فلما بلغ الوقت الذي كان في علم الله أن يأكل منها نسي فأكل منها، وهو قول الله تعالى:( وَلَقَدْ عَهِدْنا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٥٥ ـ في مصباح الشريعة قال الصادقعليه‌السلام : والصادق حقا هو الذي يصدق كل كاذب بحقيقة صدق ما لديه، وهو المعنى الذي لا يسع معه سواه أو ضده، مثل آدمعليه‌السلام صدق إبليس في كذبه حين أقسم له كاذبا لعدم ما به الكذب، في آدمعليه‌السلام قال اللهعزوجل :( وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) ولان إبليس كان أول من ابتدأ بالكذب، وهو غير معهود وأظهره وهو غير مشروع، ولا يعرف عند أهل السماوات والأرض ظاهرا وباطنا فحشر هو بكذبه على معنى لم ينتفع به من صدق آدمعليه‌السلام على بقاء الأبد، وأفاد آدم بتصديق كذبه شهادة اللهعزوجل بنفي عزمه عما يضاد عهده في الحقيقة، على معنى لم ينتقض من اصطفائه بكذبه شيئا.

١٥٦ ـ في تفسير العيّاشي عن موسى بن محمد بن عليّ عن أخيه أبي الحسن الثالثعليه‌السلام قال: الشجرة التي نهى آدم وزوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد. عهد إليهما، ان لا ينظرا إلى من فضله الله عليه وعلى خلائقه بعين الحسد ولم يجد له عزما.

١٥٧ ـ عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهماعليهما‌السلام قال: سألته كيف أخذ الله آدم بالنسيان؟ فقال: إنّه لم ينس وكيف ينسى وهو يذكره ويقول له إبليس:( ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ ) .

١٥٨ ـ في كتاب المناقب لابن شهر آشوب: الباقرعليه‌السلام في قوله( وَلَقَدْ عَهِدْنا

٤٠٢

إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ ) كلمات في محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين والائمة من ذريتهم» كذا نزلت على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

١٥٩ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى الحسين بن أبي العلا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حديث طويل يقول فيهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لما ان وسوس الشيطان إلى آدم دنا من الشجرة ونظر إليها ذهب ماء وجهه، ثم قام ومشى إليها وهي أول قدم مشت إلى الخطيئة، ثم تناول بيده مما عليها فأكل فطار الحلي والحلل عن جسده.

١٦٠ ـ في عيون الاخبار باسناده إلى علي بن محمد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضاعليه‌السلام فقال له المأمون: يا بن رسول الله أليس من قولك ان الأنبياء معصومون؟ قال: بلى قال فما معنى قول اللهعزوجل :( وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ) ؟ قالعليه‌السلام : إنّ الله تعالى قال لادم:( اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ ) وأشار لهما إلى شجرة الحنطة( فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ ) ولم يقل: ولا تأكلا من هذه الشجرة ولا مما كان من جنسها، فلم يقربا من تلك الشجرة وانما أكلا من غيرها لما أن وسوس الشيطان إليهما، وقال:( ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ ) وانما نهاكما ان تقربا غيرها ولم ينهكما عن الاكل منها( إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ ) ولم يكن آدم وحوا شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا «فدليهما بغرور فأكلا منها» ثقة بيمينه بالله وكان ذلك من آدم قبل النبوة، ولم يكن بذنب كبير استحق به دخول النار، وانما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم، فلما اجتباه الله تعالى وجعله نبيا كان معصوما لا يذنب صغيرة ولا كبيرة، قال الله تعالى:( وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى ) وقالعزوجل :( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ) .

١٦١ ـ وفيه في باب ما كتبه الرضاعليه‌السلام للمأمون من محض الإسلام وشرايع الدين: إنّ ذنوب الأنبياءعليهم‌السلام صغائر موهوبة.

٤٠٣

١٦٢ ـ وباسناده إلى أبي الصلت الهروي قال: لما جمع المأمون لعليِّ بن موسى الرضاعليه‌السلام أهل المقالات من أهل الإسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وساير المقالات، فلم يقم أحد إلّا وقد ألزمه حجته كأنه ألقم حجرا قام إليه علي بن جهم فقال له: يا ابن رسول الله أتقول بعصمة الأنبياء؟ فقال: نعم قال: فما تعمل في قول اللهعزوجل :( وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ) ؟ فقالعليه‌السلام : إنّ اللهعزوجل خلق آدم حجته في أرضه وخليفته في بلاده، لم يخلقه للجنة، وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض لتتم مقادير اللهعزوجل ، فلما اهبط إلى الأرض وجعل حجة وخليفة عصم بقولهعزوجل :( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ) .

١٦٣ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي رحمه‌الله عن أمير المؤمنين حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام مجيبا لبعض الزنادقة وقد قال ذلك الزنديق: وأجده قد شهر هفوات أنبيائه بقوله:( وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ) : واما هفوات الأنبياءعليهم‌السلام وما بينه الله في كتابه فان ذلك من أدل الدلائل على حكمة اللهعزوجل الباهرة وقدرته القاهرة وعزته الظاهرة، لأنه علم ان براهين الأنبياءعليهم‌السلام تكبر في صدور أممهم، وان منهم يتخذ بعضهم إلها، كالذي كان من النصارى في ابن مريم، فذكرها دلالة على تخلفهم عن الكمال الذي انفرد بهعزوجل .

١٦٤ ـ عن داود بن قبيصة عن الرضا عن أبيهعليهما‌السلام أنّه قال: واما ما سئلت هل نهى عما أراد فلا يجوز ذلك ولو جاز ذلك لكان حيث نهى آدم عن أكل الشجرة، أراد منه أكلها ولو أراد منه أكلها ما نادى عليه صبيان الكتائب( وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٦٥ ـ في تهذيب الأحكام الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّه قال وقد ذكر النوافل اليومية: وانما هذا كله تطوع وليس بمفروض ان تارك الفريضة كافر وان تارك هذا ليس بكافر ولكنها معصية، لأنه يستحب

٤٠٤

إذا عمل الرجل عملا من الخيران يدوم عليه.

١٦٦ ـ في أصول الكافي الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن السياري عن علي بن عبد الله قال: سأله رجل عن قوله تعالى:( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى ) قال: من قال بالأئمة واتبع أمرهم ولم يجز طاعتهم. قال عز من قائل: و( مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي ) .

١٦٧ ـ في روضة الكافي خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام وهي خطبة الوسيلة يقول فيهاعليه‌السلام : ولئن تقمصها دوني الأشقيان، ونازعاني فيما ليس لهما بحق، وركباها ضلالة واعتقداها جهالة، فلبئس ما عليه وردا، ولبئس ما لأنفسهما مهدا، يتلاعنان في دورهما، ويتبرأ كل منهما من صاحبه، يقول لقرينه إذا التقيا:( يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ) فيجيبه الأشقى على رثونة: «يا ليتني لم أتخذك خليلا لقد أضللتني( عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً ) فأنا الذي عنه ضل.

١٦٨ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم أخبرنا أحمد بن إدريس قال: حدّثنا أحمد بن محمد عن عمر بن عبد العزيز عن إبراهيم بن المستنير عن معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : قول الله:( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ) قال: هي والله للنصاب، قال: قلت: جعلت فداك قد تراهم دهر هم الأطول في كفاية حتّى ماتوا؟ قال: ذاك والله في الرجعة يأكلون العذرة.

١٦٩ ـ في مجمع البيان ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ) أي عيشا ضيقا إلى قوله: وقيل هو عذاب القبر عن ابن مسعود وأبي سعيد الخدري والسدي، ورواه أبو هريرة مرفوعا.

١٧٠ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب عن الحسين بن عبد الرحمن عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ) قال: يعنى ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام قلت:( وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى ) ؟ قال: يعنى أعمى البصر في الآخرة أعمى القلب في الدنيا عن ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: وهو متحير في القيمة يقول:( لِمَ حَشَرْتَنِي

٤٠٥

أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها ) قال الآيات الائمة( وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى ) يعنى تركتها وكذلك اليوم تترك في النار كما تركت الائمةعليهم‌السلام ، فلم تطع أمرهم ولم تسمع قولهم.

١٧١ ـ في من لا يحضره الفقيه وروى عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل لم يحج قط وله مال؟ فقال: هو ممن قال اللهعزوجل :( وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى ) فقلت: سبحان الله أعمى! فقال: أعماه الله عن طريق الخير.

١٧٢ ـ في الكافي حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن أحمد بن الحسن الميثمي عن أبان بن عثمان عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: من مات وهو صحيح موسر لم يحج فهو ممن قال اللهعزوجل :( وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى ) قال: قلت: سبحان الله أعمى! قال: نعم أعماه الله عن طريق الحق.

١٧٣ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن فضالة عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن رجل لم يحج قط وله مال؟ قال :

هو ممن قال الله:( وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى ) قلت: سبحان الله أعمى! قال: أعماه الله عن طريق الجنة.

١٧٤ ـ في أصول الكافي متصل بقولهعليه‌السلام سابقا ولم تسمع قولهم قلت: و( كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ ) الآخرة أشد وأبقى قال: يعنى من أشرك بولاية أمير المؤمنين غيره، ولم يؤمن بآيات ربه ترك الائمة معاندة، فلم يتبع آثارهم ولم يتولهم، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٧٥ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وقولهعزوجل : أولم يهد لهم يقول: يبين لهم قوله: إنّ في ذلك لآيات لاولى النهى قال: نحن أولوا النهى، وقوله:( وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى ) قال: كان ينزل بهم العذاب، ولكن قد أخرهم إلى أجل مسمى.

١٧٦ ـ وفيه أيضا وقوله: لكان لزاما قال: اللزام الهلاك.

٤٠٦

١٧٧ ـ في كتاب الخصال عن إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله:( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها ) فقال: فريضة على كل مسلم أن يقول قبل طلوع الشمس عشر مرات وقبل غروبها عشر مرات: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحكم يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير قال: فقلت: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد يحيى ويميت ويميت ويحيى، فقال: يا هذا لا شك في ان الله يحيى ويميت ويميت ويحيى، ولكن قل كما قلت.

١٧٨ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى الحسن بن عبد الله عن آبائه عن جده الحسن بن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد سأله بعض اليهود عن مسائل: وأما صلوة الفجر فان الشمس إذا طلعت تطلع على قرني شيطان، فأمرنى اللهعزوجل ان أصلى صلوة الغداة قبل طلوع الشمس وقبل أن يسجد لها الكافر فتسجد أمتي للهعزوجل .

١٧٩ ـ وباسناده إلى سليمان بن جعفر الجعفري عن الرضاعليه‌السلام حديث طويل يقول فيه: لا ينبغي لأحد أن يصلى إذا طلعت الشمس لأنها تطلع بقرني شيطان.

١٨٠ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم قوله و( مِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ ) قال: بالغداة والعشى.

١٨١ ـ في الكافي عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قلت له:( وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى ) قال: يعنى تطوع بالنهار.

١٨٢ ـ في تهذيب الأحكام الحسين بن سعيد عن صفوان عن ابن بكير عن زرارة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل وفيه بعد ان ذكرعليه‌السلام ما جرت به السنّة في الصلوة فقال أبو الخطّاب: أفرأيت إنْ قوى فزاد؟ قال: فجلس وكان متكيا فقال: إنْ قويت فصلّها كما كانت تصلّى وكما ليست في ساعة من النهار فليست في ساعة

٤٠٧

من الليل إنّ اللهعزوجل يقول:( وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ ) (١) .

١٨٣ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وقوله:( وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى ) قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : لما نزلت هذه الآية استوى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جالسا ثم قال: من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، ومن أتبع بصره ما في أيدى الناس طال همه ولم يشف غيظه، ومن لم يعرف ان الله عليه نعمة لا في مطعم ولا في مشرب قصر أجله ودنا عذابه.

١٨٤ ـ في روضة الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن أبي المغرا عن زيد الشحام عن عمرو بن سعيد بن هلال عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال: إياك وان تطمح نفسك إلى من فوقك وكفى بما قال اللهعزوجل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ ) وقال اللهعزوجل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٨٥ ـ في عوالي اللئالى وروى عن الباقرعليه‌السلام في قوله تعالى: وأمر أهلك بالصلوة واصطبر عليها قال: امر الله نبيه ان يخص أهل بيته وأهله دون الناس، ليعلم الناس ان لأهله عند الله منزلة ليست لغيرهم، فأمرهم مع الناس عامة ثم أمرهم خاصة.

١٨٦ ـ في عيون الاخبار في باب ذكر مجلس الرضاعليه‌السلام مع المأمون في الفرق بين العترة والامة حديث طويل وفيه: قالت العلماء: فسرنا هل فسر الله تعالى الاصطفاء في الكتاب؟ فقال الرضاعليه‌السلام : فسر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثنى عشر

__________________

(١) قال المحدث الكاشاني (ره): يعنى ان كانت لك زيادة قوة فاصرفها في كيفية الصلوة من الإقبال عليها والخشوع فيها ثم المداومة عليها ثم تفريق صلوة الليل على آناته كتفريق صلوة النهار على ساعاته كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يفعله، ومرادهعليه‌السلام تنبيهه على أنّه لن يقدر على الإتيان بهذا العدد أيضا كما ينبغي، ثم نبهعليه‌السلام على تفريق صلوة الليل بما معناه أنّه كما ان الصلوة ليست مختصة بساعة من النهار بل مفرقة على أجزاء النهار فكذلك ليست مختصة بساعة من الليل بل مفرقة على اجزائها، وآناء الليل ساعاته، وأبو الخطاب هذا هو محمد بن مقلاص الغالي الملعون.

٤٠٨

موطنا وموضعا، فأول ذلك إلى أن قال: وأما الثاني عشر فقولهعزوجل :( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها ) فخصنا الله تعالى بهذه الخصوصية إذ أمرنا مع الامة بإقامة الصلوة، ثم خصنا من دون الامة فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يجيء إلى باب على وفاطمةعليهما‌السلام بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر كل يوم عند حضور كل صلوة خمس مرات فيقول: الصلوة رحمكم الله، وما أكرم الله أحدا من ذراري الأنبياءعليهم‌السلام بمثل هذه الكرامة التي أكرمنا بها، وخصنا من دون جميع أهل بيتهم، فقال المأمون والعلماء: جزاكم الله أهل بيت نبيكم عن الامة خيرا، فما نجد الشرح والبيان فيما اشتبه علينا إلّا عندكم.

١٨٧ ـ في الكافي عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن أبي حمزة عن عقيل الخزاعي ان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان إذا حضر الحرب وصّى المسلمين بكلمات: يقول: تعاهدوا الصلوة وحافظوا عليها وتقربوا بها إلى أن قالعليه‌السلام : وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منصبا لنفسه بعد البشرى له بالجنة من ربه فقالعزوجل :( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها ) الآية فكان يأمر بها أهله ويصبر عليها نفسه والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٨٨ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وقوله:( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها ) فان الله أمره أن يخص اهله دون الناس ليعلم الناس ان لأهل محمد عند الله منزلة خاصة ليست للناس إذ أمرهم مع الناس، ثم أمرهم خاصة، فلما أنزل الله هذه الآية كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يجيء كل يوم عند صلوة الفجر حتّى يأتى باب على وفاطمة، فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فيقول على وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام : وعليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثم يأخذ بعضادتي الباب فيقول: الصلوة الصلوة يرحمكم الله،( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، فلم يزل يفعل ذلك كل يوم إذا شهد المدينة حتّى فارق الدنيا، وقال أبو حمراء خادم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا شهدته يفعل ذلك.

٤٠٩

١٨٩ ـ وفيه أيضا( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ ) أي أمتك( وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى ) قال: للمتقين.

١٩٠ ـ في نهج البلاغة كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصبا(١) بالصلوة بعد التبشير له بالجنة، لقول الله سبحانه وأمر أهلك بالصلوة واصطبر عليها فكان يأمر بها ويصبر عليها نفسه.

١٩١ ـ في مجمع البيان روى أبو سعيد الخدري قال: لما نزلت هذه الآية كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يأتى باب فاطمة وعلىعليهما‌السلام تسعة أشهر عند كل صلوة فيقول: الصلوة رحمكم الله،( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) رواه ابن عقدة باسناده من طرق كثيرة عن أهل البيت وعن غيرهم مثل أبي بردة وأبي رافع.

١٩٢ ـ في أمالي شيخ الطائفة قدس‌سره باسناده إلى أبي الحميراء قال: شهدت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أربعين صباحا يجيء إلى باب على وفاطمة فيأخذ بعضادتي الباب ثم يقول: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، الصلوة يرحمكم الله،( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

قال عز من قائل:( لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى ) .

١٩٣ ـ في كتاب الخصال عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إنّ أول ما يدخل به النار أمتي الأجوفان، قالوا: يا رسول الله وما الأجوفان؟ قال: الفرج والفم، وأكثر ما يدخل به الجنة تقوى الله وحسن الخلق.

١٩٤ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى الأصبغ بن نباته قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : قال الله تبارك وتعالى لموسىعليه‌السلام : يا موسى احفظ وصيتي لك بأربعة إلى أن قال: والثانية ما دمت لا ترى كنوزي قد نفدت فلا تغتم بسبب رزقك.

١٩٥ ـ وباسناده إلى الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : أما بعد فان الاهتمام بالدنيا غير زائد في الموظوف، وفيه تضييع الزاد. والإقبال على

__________________

(١) أي تعبا.

٤١٠

الاخرة غير ناقص في المقدور، وفيه إحراز المعاد وانشد يقول :

لو كان في صخرة في البحر راسية

صماء ملموسة ملس نواحيها(١)

رزق لنفس يراها الله لانفلقت

عنه فأدت كل ما فيها

أو كان بين طباق السبع مجمعة

يسهل الله في المرقى مراقيها

حتى يوفى الذي في اللوح خط له

ان هي أتته والا فهو آتيها

١٩٦ ـ في كشف المحجة لابن طاوسرحمه‌الله حديث طويل عن أمير المؤمنينعليه‌السلام وفيه قيل: فمن الولي يا رسول الله؟ قال: وليكم في هذا الزمان أنا، ومن بعدي وصيي، ومن بعد وصيي لكل زمان حجج الله، لكيلا يقولون كما قال الضلال من قبلكم فارقهم نبيهم( رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى ) وانما كان تمام ضلالتهم جهالتهم بالآيات، وهم الأوصياء، فأجابهم الله:( قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى ) وانما كان تربصهم ان قالوا: نحن في سعة في معرفة الأوصياء حتّى يعلن امام علمه.

١٩٧ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم واما قوله:( قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا ) أي انتظروا امرا( فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى ) فانه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال: والله نحن السبيل الذي أمركم الله باتباعه، ونحن والله الصراط المستقيم، ونحن والله الذين أمر الله بطاعتهم، فمن شاء فليأخذ هنا، ومن شاء فليأخذ هنا لا تجدون والله عنا محيصا.

__________________

(١) الصخرة الصماء الغليظة الشديدة.

٤١١

بسم الله الرحمن الرحيم

١ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من قرأ سورة الأنبياء حبا لها كان كمن رافق النبيين أجمعين في جنات النعيم، وكان مهيبا في أعين الناس حيوة الدنيا.

٢ ـ في مجمع البيان أبي بن كعب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من قرأ سورة الأنبياء حاسبه الله حسابا يسيرا، وصافحه وسلم عليه كل نبي ذكر اسمه في القرآن.

٣ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم ( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ) قال: قربت القيمة والساعة والحساب.

٤ ـ في مجمع البيان وانما وصف بالقرب لان أحد أشراط الساعة مبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد قال: بعثت أنا والساعة كهاتين.

٥ ـ في جوامع الجامع وفي كلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: إنّ الدنيا قد ولت حذاء(١) ولم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الإناء.

٦ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي رحمه‌الله وروى عن صفوان بن يحيى قال :قال أبو الحسن الرضاعليه‌السلام لأبي قرة صاحب شبرمة: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وكل كتاب انزل كان كلام الله أنزله للعالمين نورا وهدى، وهي كلها محدثة، وهي غير الله حيث يقول:( أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً ) وقال: و( ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ) والله أحدث الكتب كلها الذي أنزلها، فقال أبو قرة: فهل يفنى؟ فقال أبو الحسنعليه‌السلام : أجمع المسلمون على ان ما سوى الله فعل الله، والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان فعل الله، ألم تسمع الناس يقولون: رب القرآن، وأن

__________________

(١) الحذاء: السريعة.

٤١٢

القرآن يقول يوم القيامة: يا رب هذا فلان وهو اعرف به منه، قد أظمأت نهاره وأسهرت ليله، فشفعني فيه وكذلك التوراة والإنجيل والزبور كلها محدثه مربوبة أحدثها من ليس كمثله شيء هدى لقوم يعقلون، فمن زعم انهن لم يزلن فقد أظهر ان الله ليس بأول قديم ولا واحد وأن الكلام لم يزل معه وليس له بدو، وليس باله، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٧ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم لاهية قلوبهم قال: من التلهي.

٨ ـ في روضة الكافي علي بن محمد عن علي بن العباس عن علي بن حماد عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: وقال:( إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ) يقول: بما ألقوه في صدورهم من العداوة لأهل بيتك والظلم بعدك، وهو قول اللهعزوجل :( وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٩ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم ما آمنت قبلهم قرية أهلكناها أفهم يؤمنون قال: كيف يؤمنون ولم يؤمن من كان قبلهم بالآيات حتّى هلكوا.

١٠ ـ حدّثنا محمد بن جعفر قال: حدّثنا عبد الله بن محمد عن أبي داود سليمان بن سفيان عن ثعلبة عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) من المعنون بذلك؟ قال: نحن، قلت فأنتم المسئولون؟ قال: نعم قلت: ونحن السائلون؟ قال: نعم، قلت: فعلينا أن نسألكم؟ قال: نعم، قلت: وعليكم أن تجيبونا؟ قال: لا ذاك إلينا ان شئنا فعلنا وان شئنا تركنا، ثم قال:( هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ) .

قال مؤلف هذا الكتاب عفى عنه: قد بسطنا الأحاديث في تفسير هذه الآية في النحل فلتراجع ثمة.

١١ ـ في مجمع البيان وفي تفسير أهل البيتعليهم‌السلام بالإسناد عن زرارة ومحمد بن مسلم وحمران بن أعين عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام قالا: تبدل بالأرض

٤١٣

خبزة نقية يأكل الناس منها حتّى يفرغ من الحساب، قال الله تعالى:( وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ ) .

١٢ ـ في تفسير العيّاشي زرارة عن أبي جعفر قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله:( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ) يعنى تبدل خبزة نقية يأكل الناس منها حتّى يفرغ من الحساب؟ قال الله:( وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ ) .

١٣ ـ في روضة الكافي كلام لعليِّ بن الحسينعليهما‌السلام في الوعظ والزهد في الدنيا يقول فيهعليه‌السلام : ولقد أسمعكم الله في كتابه ما قد فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال:( وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً ) وانما عنى بالقرية أهلها حيث يقول:( وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ ) فقالعزوجل :( فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ ) يعنى يهربون قال:( لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ ) فلما أتاهم العذاب( قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ ) وأيم الله ان هذه عظة لكم وتخويف ان اتعظتم وخفتم.

١٤ ـ عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن فضال عن ثعلبة بن ميمون عن بدر بن الخليل الأسدي قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: في قول اللهعزوجل :( فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ ) قال: إذا قام القائم وبعث إلى بني أميّة بالشام هربوا إلى الروم، فتقول لهم الروم: لا ندخلكم حتّى تنتصروا فيعلقون في أعناقهم الصلبان فيدخلونهم، فاذا نزل بحضرتهم أصحاب القائم طلبوا الامان والصلح، فيقول أصحاب القائم: لا نفعل حتّى تدفعوا إلينا من قبلكم منا فيدفعونهم إليهم، فذلك قوله:( لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ ) قال: يسألهم الكنوز وهو أعلم بها، قال: فيقولون:( يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ ) بالسيف وهو سعيد بن عبد الملك الأموي صاحب نهر سعيد بالرحبة.

٤١٤

١٥ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وقال عليّ بن إبراهيم في قولهعزوجل :( وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ) يعنى أهل قرية كانت( ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا ) يعنى بني أميّة إذا أحسوا بالقائم من آل محمد صلوات الله عليه( إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ ) يعنى الكنوز التي كنزوها، قال: فيدخل بنو امية إلى الروم إذا طلبهم القائمعليه‌السلام ، ثم يخرجهم من الروم ويطالبهم بالكنوز التي كنزوها، فيقولون كما حكى اللهعزوجل :( يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى ) جعلنا هم حصيدا خامدين» قال: بالسيف وتحت ظلال السيوف، وهذا كله مما لفظه ماض ومعناه مستقبل، وهو مما ذكرناه مما تأويله بعد تنزيله(١) .

١٦ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن يونس ابن يعقوب عن عبد الأعلى قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الغنا وقلت: انهم يزعمون

__________________

(١) في هامش بعض النسخ هكذا: «في كتاب الرجعة لبعض المعاصرين حديث طويل عن أمير المؤمنينعليه‌السلام يذكر فيه أيام ظهور القائمعليه‌السلام وفيه: ويخرج رجل من أهل نجران راهب مستجيب للإمام فيكون أهل النصارى أنصاري احابة ويهدم بيعته ويذر صليبها ويخرج من الموالي إلى موضعها الناس والخيل فيسيرون إلى النخلة باعلام هذا فيكون مجتمع الناس جميعا من الأرض كلها بالفاروق وهي محجة أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو ما بين البرس والفرات فيقتل يومئذ ما بين المشرق والمغرب ثلاثة آلاف من اليهود والنصارى يقتل بعضهم بعضا، فيومئذ تأويل هذه الاية: «فما زالت تلك دعوتهم( حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ ) بالسيف وتحت ظل السيف ويختلف من بنى الأشهل الزاجر اللحظ في أناس من غير أبيه هرابا حتّى يأتون سبطرى عوذا بالشجر فيومئذ تأويل هذه الاية: «فلما أحسوا بأسنا إذا هم( مِنْها يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا ) وارجعوا( إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ ») ومساكنهم الكنوز التي غلبوا من أموال المسلمين. «منه عفى عنه» أقول: ولا يخلو مواضع من هذا الحديث من التصحيف لكن لم أظفر على المنقول منه فتركتها على حالها.

٤١٥

ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رخص في ان يقال: جيناكم جيناكم جيئونا جيئونا، فقال: كذبوا ان اللهعزوجل يقول: وما خلقنا السموات( وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ) ثم قال: ويل لفلان مما يصف، رجل لم يحضر المجلس.

١٧ ـ في محاسن البرقي عنه عن أبيه عن يونس بن عبد الرحمن رفعه قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ليس من باطل يقوم بإزاء حق الأغلب الحق الباطل، وذلك قول الله:( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ ) .

١٨ ـ عنه عن يعقوب بن يزيد عن رجل عن الحكم بن مسكين عن أيوب بن الحر بياع الهروي قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : يا أيوب ما من أحد إلّا وقد يرد عليه الحق حتّى يصدع قلبه، قبله أم تركه، وذلك ان الله يقول في كتابه:( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ) .

١٩ ـ في عيون الاخبار في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام في هاروت وماروت حديث طويل وفيه يقولعليه‌السلام : إنّ الملائكة معصومون محفوظون من الكفر والقبائح بألطاف الله تعالى، قال الله تعالى فيهم:( لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) وقالعزوجل : وله من في السموات والأرض ومن عنده يعنى الملائكة( لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ ) .

٢٠ ـ في كتاب التوحيد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: إنّ لله تبارك وتعالى ملائكة ليس شيء من طباق أجسادهم إلّا وهو يسبح اللهعزوجل ويحمده من ناحيته بأصوات مختلفة، لا يرفعون رؤسهم إلى السماء، ولا يخفضونها إلى أقدامهم من البكاء والخشية للهعزوجل .

٢١ ـ وعن علي بن الحسينعليهما‌السلام حديث طويل في صفة خلق العرش يقول فيه: له ثمانية أركان، على كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصى عددهم

٤١٦

الا اللهعزوجل ،( يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ ) .

٢٢ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى داود بن فرقد العطار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه سئل عن الملائكة أينامون؟ فقال: ما من حي إلّا وهو ينام خلا الله وحده، والملائكة ينامون، فقلت: يقول اللهعزوجل :( يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ ) قال: أنفاسهم تسبح.

٢٣ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم حديث طويل عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذكر ما راى في المعراج وفيه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ثم مررنا بملائكة من ملائكة اللهعزوجل خلقهم الله كيف شاء، ووضع وجوههم كيف شاء، ليس شيء من أطباق أجسادهم إلّا وهو يسبح الله ويحمده من كل ناحية بأصوات مختلفة، أصواتهم مرتفعة بالتحميد والبكاء من خشية الله، فسألت جبرئيل عنهم فقال: كما ترى خلقوا، ان الملك منهم إلى جنب صاحبه ما كلمه قط، ولا رفعوا رؤسهم إلى ما فوقها، ولا حفظوها! إلى ما تحتها خوفا وخشوعا، فسلمت عليهم فردوا على إيماء برؤسهم، ولا ينظرون إلى من الخشوع، فقال لهم جبرئيل: هذا محمد نبي الرحمة أرسله الله إلى العباد رسولا ونبيا، وهو خاتم النبيين وسيدهم أفلا تكلموه؟ قال: فلما سمعوا ذلك من جبرئيل أقبلوا على بالسلام وأكرمونى وبشروني بالخير لي ولامتى.

٢٤ ـ في نهج البلاغة قالعليه‌السلام في وصف الملائكة: ومسبحون لا يسأمون ولا يغشاهم نوم العيون ولا سهو العقول، ولا فترة الأبدان ولا غفلة النسيان.

٢٥ ـ وفيه أيضا يقول فيهمعليه‌السلام : ولم تجر الفترات فيهم على طول دؤبهم(١) .

٢٦ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبد اللهعليه‌السلام وكان من قول أبي عبد الله له: لا يخلو قولك: إنهما اثنان من أن يكونا قديمين قويين أو يكونا ضعيفين أو يكون أحدهما قويا والاخر ضعيفا، فان

__________________

(١) الدؤوب: الجد والاجتهاد.

٤١٧

كانا قويين فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبه وينفرد بالتدبير، وان زعمت ان أحدهما قوى والاخر ضعيف ثبت أنّه واحد كما تقول، للعجز الظاهر في الثاني، وان قلت: انهما اثنان لا يخلو من أن يكونا متفقين من كل جهة أو متفرقين من كل جهة، فلما رأينا الخلق منتظما، والفلك جاريا واختلاف الليل والنهار والشمس والقمر دل صحة الأمر والتدبير وايتلاف الأمر أن المدبر واحد، ثم يلزمك ان ادعيت اثنين فلا بد من فرجة بينهما حتّى يكونا اثنين، فصارت الفرجة ثالثا بينهما قديما معهما، فيلزمك ثلاثة، فان ادعيت ثلاثة لزمك ما قلنا في الاثنين حتّى يكون بينهما فرجتان فيكون خمسا، ثم يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية في الكثرة.

٢٧ ـ حدّثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه قال: حدّثنا محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن الحكم قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ما الدليل على أن الله واحد؟ قال: اتصال التدبير وتمام الصنع كما قالعزوجل :( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ) .

٢٨ ـ وباسناده إلى الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسنعليه‌السلام حديث طويل وفي آخره قلت: جعلت فداك بقيت مسئلة، قال: هات لله أبوك، قلت: يعلم القديم الشيء الذي لم يكن ان لو كان كيف كان يكون؟ قال: ويحك ان مسائلك لصعبة أما سمعت الله يقول:( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ) وقوله:( لَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ) وقال يحكى قول أهل النار: «ارجعنا( نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ) وقال:( وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ ) فقد علم الشيء الذي لم يكن ان لو كان كيف كان يكون.

٢٩ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم : واما الرد على الثنوية فقوله:( مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ ) الآية قال: لو كان الهين لطلب كل واحد منهما العلو، وإذا شاء واحد أن يخلق إنسانا شاء الاخر أن يخالفه فيخلق بهيمة، فيكون الخلق منهما على مشيتهما، واختلاف ارادتهما إنسانا وبهيمة في حالة واحدة، فهذا من أعظم المحال غير موجود ،

٤١٨

وإذا بطل هذا ولم يكن بينهما اختلاف بطل الاثنان وكان واحدا، فهذا التدبير واتصاله وقوام بعضه ببعض واختلاف الأهواء والإرادات والمشيات يدل على صانع واحد، وهو قول اللهعزوجل :( مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ) وقوله:( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ) .

٣٠ ـ في كتاب الاهليلجة قال الصادقعليه‌السلام : وانه لو كان معه اله لذهب كل اله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض، ولا فسد كل واحد منهما على صاحبه.

٣١ ـ في كتاب مصباح الزائر لابن طاوسرحمه‌الله في دعاء الحسينعليه‌السلام يوم عرفة( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ) وتفطرتا.

٣٢ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى ابن أذينة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت له: جعلت فداك ما تقول في القضاء والقدر؟ قال: أقول: إنّ الله تبارك وتعالى إذا جمع العباد يوم القيامة سألهم عما عهد إليهم ولم يسألهم عما قضى عليهم.

٣٣ ـ وباسناده إلى عمرو بن شمر عن جابر بن يزيد الجعفي قال: قلت لأبي جعفر محمد بن عليّ الباقرعليهما‌السلام : يا بن رسول الله انا نرى الأطفال منهم من يولد ميتا ومنهم من يسقط غير تام، ومنهم من يولد أعمى وأخرى وأصم، ومنهم من يموت من ساعته إذا سقط إلى الأرض، ومنهم من يبقى إلى الاحتلام، ومنهم من يعمر حتّى يصير شيخا، فكيف ذلك وما وجهه؟ فقالعليه‌السلام : إنّ الله تبارك وتعالى أولى بما يدبره من أمر خلقه منهم، وهو الخالق والمالك لهم فمن منعه التعمير فانما منعه ما ليس له ومن عمره فانما أعطاه ما ليس له، فهو المتفضل بما أعطى، وعادل فيما منع، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون قال جابر: فقلت له: يا ابن رسول الله وكيف لا يسأل عما يفعل؟ قال: لأنه لا يفعل إلّا ما كان حكمة وصوابا، وهو المتكبر الجبار والواحد القهار فمن وجد في نفسه حرجا في شيء مما قضى كفر، ومن أنكر شيئا من أفعاله جحد.

٣٤ ـ عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: قال الله تبارك وتعالى: يا بن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبقوتي أديت إلى فرائضي، وبنعمتي قويت

٤١٩

على معصيتي جعلتك سميعا بصيرا قويا( ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ، وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) ، وذلك أنّي أولى بحسناتك منك، وأنت أولى بسيئاتك منى، وذلك أنّي لا أُسأل عما أفعل وهم يسألون.

٣٥ ـ في عيون الاخبار باسناده إلى محمد بن أبي يعقوب البلخي قال: سألت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام فقلت: لأي علة صارت الامامة في ولد الحسين دون ولد الحسن؟ فقال: لان الله تعالى جعلها في ولد الحسين ولم يجعلها في ولد الحسن، والله لا يسأل عما يفعل.

٣٦ ـ في كتاب الخصال عن المفضل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام حديث طويل وفيه: قال: فقلت له: يا بن رسول الله كيف صارت الامامة في ولد الحسين دون ولد الحسن وهما جميعا ولدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسبطاه وسيدا شباب أهل الجنة؟ فقالعليه‌السلام : إنّ موسى وهارون كانا نبيين مرسلين أخوين، فجعل الله النبوة في صلب هارون دون صلب موسى، ولم يكن لأحد أن يقول: لم فعل الله ذلك، فان الامامة خلافة اللهعزوجل ليس لأحد أن يقول: لم جعلها في صلب الحسين دون صلب الحسن، لان الله هو الحكيم في أفعاله( لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ ) .

٣٧ ـ في كتاب علل الشرائع عن عليٍّعليه‌السلام حديث طويل يقول فيه في أثنائه وقد ذكر خلقة آدم فاغترف تبارك وتعالى غرفة من الماء العذب الفرات، فصلصلها فجمدت ثم قال لها: منك أخلق النبيين والمرسلين وعبادي الصالحين، والائمة المهتدين الدعاة إلى الجنة وأتباعهم إلى يوم القيامة، ولا أبالى ولا اسأل عما افعل وهم يسألون، يعنى بذلك خلقه انهم يسألهم.

٣٨ ـ في إرشاد المفيد قالرحمه‌الله وقد ذكر أبا عبد الله جعفر بن محمدعليهما‌السلام : ومما حفظ عنهعليه‌السلام من موجز القول في العدل قوله لزرارة بن أعين: يا زرارة أعطيك جملة في القضاء والقدر؟ قال له زرارة: نعم جلت فداك، قال: إذا كان يوم القيامة، وجمع الله الخلائق سألهم عما عهد إليهم ولم يسألهم عما قضى عليهم.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638