كتاب سليم بن قيس الهلالي

كتاب سليم بن قيس الهلالي0%

كتاب سليم بن قيس الهلالي مؤلف:
المحقق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني
الناشر: نشر الهادي
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 638

كتاب سليم بن قيس الهلالي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: سليم بن قيس الهلالي العامري
المحقق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني
الناشر: نشر الهادي
تصنيف: الصفحات: 638
المشاهدات: 398077
تحميل: 7619

توضيحات:

كتاب سليم بن قيس الهلالي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 638 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 398077 / تحميل: 7619
الحجم الحجم الحجم
كتاب سليم بن قيس الهلالي

كتاب سليم بن قيس الهلالي

مؤلف:
الناشر: نشر الهادي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٤٢

احتجاجات عبد الله بن جعفر على معاوية

أبان عن سليم، قال: حدثني عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: كنت عند معاوية ومعنا الحسن والحسين وعنده عبد الله بن العباس والفضل بن العباس.

فالتفت إليَّ معاوية فقال: يا عبد الله بن جعفر، ما أشد تعظيمك للحسن والحسين! والله ما هما بخير منك ولا أبوهما خير من أبيك، ولولا أن فاطمة بنت رسول الله أمهما لقلت: ما أمك أسماء بنت عميس دونها!

فغضبت من مقالته وأخذني ما لم أملك معه نفسي، فقلت: والله إنك لقليل المعرفة بهما وبأبيهما وبأمهما. بل والله لهما خير مني ولأبوهما خير من أبي ولأمهما خير من أمي. يا معاوية، إنك لغافل عما سمعته أنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول فيهما وفي أبيهما وفي أمهما، قد حفظته ووعيته ورويته.

قال معاوية: هات ما سمعت - وفي مجلسه الحسن والحسين وعبد الله بن عباس والفضل بن عباس وابن أبي لهب - فوالله ما أنت بكذّاب ولا متَّهم. فقلت: إنه أعظم مما في نفسك. قال: وإن كان أعظم من أحد وحراء جميعاً؛ فلست أباليإذا لم يكن في المجلس أحد من أهل الشام وإذ قتل الله صاحبك وفرَّق جمعكم وصار الأمر في أهله ومعدنه! فحدِّثنا فإنا لا نبالي ما قلتم ولا ما ادعيتم.

٣٦١

بنو أمية الشجرة الملعونة في القرآن

قلت: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - وقد سُئل عن هذه الآية:( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (١) - فقال: «إني رأيت اثني عشر رجلاً من أئمة الضلالة يصعدون منبري وينزلون، يردون أمتي على أدبارهم القهقرى. فيهم رجلان من حيين من قريش مختلفين تيم وعدي، وثلاثة من بني أمية، وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص». وسمعته يقول: «إن بني أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين رجلاًجعلوا كتاب الله دخلاً وعباد الله خولاً ومال الله دولا».

نص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام

يا معاوية، إني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول - وهو على المنبر وأنا بين يديه وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد وسعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام - وهو يقول: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم»؟ فقلنا: بلى، يا رسول الله. قال: «أليس أزواجي أمهاتكم»؟ قلنا: بلى، يا رسول الله. قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه - وضرب بيديه على منكب عليعليه‌السلام - اللهمَّ وال من والاه وعاد من عاداه».

«أيها الناس، أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ليس لهم معي أمر. وعليٌّ من بعدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ليس لهم معه أمر. ثم ابني الحسن من بعد أبيه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر. ثم ابني الحسين من بعد أخيه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر».

إخبار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن شهادة نفسه والأئمةعليهم‌السلام

ثم عادصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: «أيها الناس، إذا أنا استشهدتفعلي أولى بكم من أنفسكم، فإذا استشهد علي فإبنيالحسن أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، فإذا استشهد ابني الحسن

____________________

١. سورة الأسراء: الآية ٦٠.

٣٦٢

فإبنيالحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، فإذا استشهد ابني الحسين فابنيعلي بن الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس لهم معه أمر». ثم أقبل على عليعليه‌السلام فقال: «يا علي، إنك ستدركه فاقرأه عني السلام. فإذا استشهد فإبنهمحمد أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، وستدركه أنت يا حسين فاقرأه مني السلام. ثم يكون في عقب محمد رجال واحد بعد واحد وليس لهم معهم أمر». ثم أعادها ثلاثاً ثم قال: «وليس منهم أحد إلا وهو أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس معه أمر، كلهم هادون مهتدون تسعة من ولد الحسين».

فقام إليه علي بن أبي طالبعليه‌السلام وهو يبكي، فقال: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، أتُقتل؟ قال: «نعم،أهلك شهيداً بالسم ، وتقتل أنت بالسيف وتخضب لحيتك من دم رأسك، ويقتل ابني الحسن بالسم، ويقتل ابني الحسين بالسيف، يقتله طاغي بن طاغي، دعيّ بن دعي، منافق بن منافق.

هلاك أبي بكر وعمر وعثمان بتقرير معاوية

فقال معاوية: يا بن جعفر، لقد تكلمت بعظيم!ولئن كان ما تقول حقاً لقد هلكت وهلك الثلاثة قبلي وجميع من تولاهم من هذه الأمة، ولقد هلكت أمة محمد وأصحاب محمد من المهاجرين والأنصار غيركم أهل البيت وأوليائكم وأنصاركم .

فقلت: والله إن الذي قلت حق سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقال معاوية: يا حسن ويا حسين ويا بن عباس، ما يقول ابن جعفر؟ فقال ابن عباس: إن لا تؤمن بالذي قال فأرسل إلى الذين سماهم فاسألهم عن ذلك. فأرسل معاوية إلى عمر بن أبي سلمة وإلى أسامة بن زيد فسأَلهما، فشهدا أن الذي قال عبد الله بن جعفر قد سمعناه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما سمعه. وكان هذا بالمدينة أول سنة جمعت الأمة على معاوية.

٣٦٣

قال سليم: وسمعت ابن جعفر يحدث بهذا الحديث في زمان عمر بن الخطاب.

الحجج المعصومين الأربعة عشرعليهم‌السلام

فقال معاوية: يا بن جعفر، قد سمعناه في الحسن والحسين وفي أبيهما، فما سمعت في أمهما؟ - ومعاوية كالمستهزء والمنكر -.

فقلت: بلى، قد سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «ليس في جنة عدن منزل أشرف ولا أفضل ولا أقرب إلى عرش ربي من منزلي. نحن فيه أربعة عشر إنساناً، أنا وأخي علي وهو خيرهم وأحبهم إليَّ، وفاطمة وهي سيدة نساء أهل الجنة، والحسن والحسين وتسعة أئمة من ولد الحسين.فنحن فيه أربعة عشر إنساناً في منزل واحد أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيراً، هداة مهديين .

أنا المبلغ عن الله وهم المبلغون عني وعن الله عز وجل. وهم حجج الله تبارك وتعالى على خلقه وشهدائه في أرضه وخزانه على علمه ومعادن حكمه. من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله.لا تبقى الأرض طرفة عين إلا ببقائهم، ولا تصلح الأرض إلا بهم . يخبرون الأمة بأمر دينهم وبحلالهم وحرامهم. يدلونهم على رضى ربهم وينهونهم عن سخطه بأمر واحد ونهي واحد، ليس فيهم اختلاف ولا فرقة ولا تنازع. يأخذ آخرهم عن أولهم إملائي وخط أخي علي بيده ، يتوارثونه إلى يوم القيامة. أهل الأرض كلهم في غمرة وغفلة وتيه وحيرة غيرهم وغير شيعتهم وأوليائهم. لا يحتاجون إلى أحد من الأمة في شيئ من أمر دينهم، والأمة تحتاج إليهم. وهم الذين عنى الله في كتابه(١) وقرن طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله فقال:( أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) .(٢)

____________________

١. «ج»: عنى الله في كتابه. فلم يدع آية نزلت فيهم من القرآن إلا ذكرها.

٢. سورة النساء: الآية ٥٩.

٣٦٤

قال: فأقبل معاوية على الحسن والحسين وابن عباس والفضل بن عباس وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد، فقال: كلكم على ما قال ابن جعفر؟ فقالوا: نعم. قال: يا بني عبد المطلب، إنكم لتدَّعون أمراً عظيماً وتحتجون بحجج قوية إن كانت حقاً. وإنكم لتضمرون على أمر تسرُّونه والناس عنه في غفلة عمياء.ولئن كان ما تقولون حقاً لقد هلكت الأمة وارتدت عن دينها وتركت عهد نبينا غيركم أهل البيت ومن قال بقولكم! فأولئك في الناس قليل.

٢

احتجاجات ابن عباس على معاوية

فأقبل ابن عباس على معاوية فقال: قال الله عز وجل في كتابه:( وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) (١) ، ويقول:( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) (٢) ، ويقول:( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ) (٣) ، ويقول لنوح:( وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ) .(٤)

وتعجب من ذلك يا معاوية؟! وأعجب من أمرنا أمر بني إسرائيل. إن السحرة قالوا لفرعون:( اقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّ العالَمينَ ) .(٥) فآمنوا بموسى وصدَّقوه واتبعوه. فسار بهم وبمن تبعه من بني إسرائيل فأقطعهم البحر

____________________

١. سورة سبأ: الآية ١٣.

٢. سورة يوسف: الآية ١٠٣.

٣. سورة ص: الآية ٢٤.

٤. سورة هود: الآية ٤٠. وقوله «يقول لنوح» أي قال لقصة نوح مع قومه لا أن الخطاب إلى نوح.

٥. سورة طه: الآية ٧٢.

٣٦٥

وأراهم الأعاجيب وهم يصدِّقون به وبالتوراة يقرون له بدينه، فمر بهم على قوم يعبدون أصناماً لهم، فقالوا:( يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ) (١) ، ثم اتخذوا العجل فعكفوا عليه جميعاً غير هارون وأهل بيته، وقال لهم السامري:( هَـٰذَا إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ ) (٢) ، ثم قال لهم بعد ذلك:( ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمْ ) .(٣) فكان من جوابهم ما قص الله في كتابه:( إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ) (٤) ، حتى قال موسى:( رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ) (٥) ؛ ثم قال:( فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ) .(٦)

فاحتذت هذه الأمة ذلك المثال سواء. وقد كانت لهم فضائل وسوابق مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومنازل منه قريبة، ومقرين بدين محمد والقرآن حتى فارقهم نبيهم فاختلفوا وتفرقوا وتحاسدوا وخالفوا إمامهم ووليهم حتى لم يبق منهم على ما عاهدوا عليه نبيهم غير صاحبنا الذي هو من نبينا بمنزلة هارون من موسى ونفر قليل لقوا الله عز وجل على دينهم وإيمانهم، ورجع الآخرون القهقرى على أدبارهم، كما فعلأصحاب موسى عليه‌السلام باتخاذهم العجل وعبادتهم إياه وزعمهم أنه ربهم وإجماعهم عليه غير هارون وولده ونفر قليل من أهل بيته.

ونبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله قد نصب لأمته أفضل الناس وأولاهم وخيرهم بغدير خم وفي غير موطن . واحتج عليهم به وأمرهم بطاعته، وأخبرهم أنه منه بمنزلة هارون من موسى، وأنه ولي كل مؤمن بعده، وأن كل من كان هو وليه فعلي وليه ومن كان هو أولى به من نفسه فعلي

____________________

١. سورة الأعراف: الآية ١٣٨.

٢. سورة طه: الآية ٨٨.

٣. سورة المائدة: الآية ٢١.

٤. سورة المائدة: الآية ٢٢.

٥. سورة المائدة: الآية ٢٥.

٦. سورة المائدة: الآية ٢٦.

٣٦٦

أولى به من نفسه؛ وأنه خليفته فيهم ووصيه؛ وأن من أطاعه أطاع الله ومن عصاه عصى الله ومن والاه والى الله ومن عاداه عادى الله. فأنكروه وجهلوه وتولوا غيره.

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يرض بانتخاب الناس في الخلافة

يا معاوية(١) ، أما علمت أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين بعث إلى مؤتة أمَّر عليهم جعفر بن أبي طالب، ثم قال: «إن هلك جعفر بن أبي طالب فزيد بن حارثة، فإن هلك زيد فعبد الله بن رواحة»، ولم يرض لهم أن يختاروا لأنفسهم،أفكان يترك أمته لا يبين لهم خليفته فيهم ؟ بلى والله، ما تركهم في عمياء ولا شبهة، بل ركب القوم ما ركبوا بعد البينة وكذبوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهلكوا وهلك من شايعهم وضلوا وضل من تابعهم، فبعداً للقوم الظالمين.

فقال معاوية: يا بن عباس، إنك لتتفوَّه بعظيم، والاجتماع عندنا خير من الاختلاف، وقد علمت أن الأمة لم تستقم على صاحبك.

____________________

١. من هنا إلى قوله: «شهادة أن لا إله إلا الله ...» في «ج» هكذا: وبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جعفراً إلى مؤتة فقال: «وليت عليكم جعفراً، إن هلك جعفر بن أبي طالب فزيد بن حارثة، فإن هلك زيد فعبد الله بن رواحة»، فقُتلوا جميعاً. ثم يترك أمته لا يبيِّن لهم من خلفائه من بعده؟ يأمرهم باتباع خيرهم وأعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه ويتركهم يختارون لأنفسهم؟ إذاً لكان رأيهم لأنفسهم أهدى لهم وأرشد من رأيه واختياره لهم!! وما ركب القوم ما ركبوا إلا بعد البينة والحجة، وما تركهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في عمياء ولا شبهة. وإنما هلك أولئك الأربعة الذين تظاهروا على عليعليه‌السلام وكذبوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: «لم يكن الله ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة»، فشبهوا على الناس بشهادتهم وكذبهم.

فقال معاوية: ما تقول يا حسن؟ فقالعليه‌السلام : يا معاوية، قد سمعت ما قال ابن جعفر وما قال ابن عباس. والعجب منك يا معاوية ومن قلة حيائك وجرأتك على الله أن تقول: «قد قتل الله طاغيتكم ورد الأمر إلى معدنه»! فأنت يا معاوية معدن الخلافة دوننا؟ الويل لك ولثلاثة قبلك الذين أجلسوك هذا المجلس وسنوا لك هذه السنة. لأقولن لك قولاً ما أريد بذلك إلا أن يسمعه هؤلاء الذين حولي: إن الناس قد اجتمعوا على أشياء كثيرة وليس بينهم فيها اختلاف. اجتمعوا على شهادة أن لا إله إلا الله ....

٣٦٧

فقال ابن عباس: إني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «ما اختلف أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها »، وإن هذه الأمة اجتمعت على أمور كثيرة ليس بينها اختلاف ولا منازعة ولا فرقة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله والصلوات الخمس والزكاة المفروضة وصوم شهر رمضان وحج البيت وأشياء كثيرة من طاعة الله، واجتمعوا على تحريم الخمر والزنا والسرقة وقطع الأرحام والكذب والخيانة وأشياءكثيرة من معاصي الله. واختلفت في شيئين: أحدهما اقتتلت عليه وتفرقت فيه وصارت فرقاً يلعن بعضها بعضاً ويبرء بعضها من بعض، والثاني لم تقتتل عليه ولم تتفرق فيه ووسع بعضهم فيه لبعض وهو كتاب الله وسنة نبيه، وما يحدث زعمت أنه ليس في كتاب الله ولا سنة نبيه. وأما الذي اختلفت فيه وتفرقت وتبرأت بعضها من بعض فالملك والخلافة زعمت أنها أحق بهما من أهل بيت نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فمن أخذ بما ليس فيه بين أهل القبلة اختلاف وردَّ علم ما اختلفوا فيه إلى الله فقد سلم ونجا من النار ولم يسأله الله عما أشكل عليه من الخصلتين اللتين اختلفت فيهما. ومن وفقه الله ومنَّ عليه ونوَّر قلبه وعرَّفه ولاة الأمر ومعدن العلم أين هو، فعرف ذلك كان سعيداً ولله ولياً. وكان نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «رحم الله عبداً قال حقاً فغنم، أو سكت فسلم».

جميع العلم عند أهل البيتعليهم‌السلام

فالأئمة من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومنزل الكتاب ومهبط الوحي ومختلف الملائكة، لا تصلح إلا فيها لأن الله خصها وجعلها أهلاً في كتابه وعلى لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فالعلم فيهم وهم أهله، وهو عندهم كله بحذافيره، باطنه وظاهره ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه.

٣٦٨

جمع وحفظ القرآن

يا معاوية، إن عمر بن الخطاب أرسلني في إمارته(١) إلى علي بن أبي طالبعليه‌السلام : «إني أريد أن أكتب القرآن في مصحف، فابعث إلينا ما كتبت من القرآن».

فقالعليه‌السلام :تضرب والله عنقي قبل أن تصل إليه . فقلت: ولِم؟ قالعليه‌السلام (٢) : لأن الله يقول: ( لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) (٣) ، يعني لا يناله كله إلا المطهرون. إيانا عنى، نحن الذين أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيراً. وقال:( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) (٤) ، فنحن الذين اصطفانا الله من عباده ونحن صفوة الله ولنا ضربت الأمثال وعلينا نزل الوحي.

قال: فغضب عمر وقال: إن ابن أبي طالب يحسب أنه ليس عند أحد علم غيره! فمن كان يقرأ من القرآن شيئاً فليأتنا به! فكان إذا جاء رجل بقرآن فقرأه ومعه آخر كتبه، وإلا لم يكتبه.

فمن قال - يا معاوية - إنه ضاع من القرآن شيئ فقد كذب، هو عند أهله مجموع محفوظ.

أول إعلان رسمي عن إعمال الرأي في دين الله

ثم أمر عمر قضاته وولاته فقال: «اجتهدوا رأيكم واتبعوا ما ترون أنه الحق »! فلم يزل هو وبعض ولاته وقد وقعوا في عظيمة، فكان علي بن أبي طالبعليه‌السلام يخبرهم بما يحتج به عليهم. وكان عماله وقضاته يحكمون في شيئ واحد بقضايا مختلفة فيجيزها لهم، لأن الله لم يؤته الحكمة وفصل الخطاب.

____________________

١. راجع عن طلب عمر قرآن أمير المؤمنينعليه‌السلام : الحديث ٤ من هذا الكتاب.

٢. زاد في الإحتجاج هنا: قال: لأن الله تعالى قال:( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) ، إيانا عنى ولم يعنك ولا أصحابك.

٣. سورة الواقعة: الآية ٧٩.

٤. سورة فاطر: الآية ٣٢.

٣٦٩

وزعم كل صنف من أهل القبلة أنهم معدن العلم والخلافة دونهم! فبالله نستعين على من جحدهم حقهم وسنَّ للناس ما يحتج به مثلك عليهم. حسبنا الله ونعم الوكيل.

الناس تجاه أهل البيتعليهم‌السلام ثلاثة

إنما الناس ثلاثة:مؤمن يعرف حقنا ويسلِّم لنا ويأتم بنا، فذلك ناج نجيب لله ولي؛ وناصب لنا العداوة يتبرأ منا ويلعننا ويستحل دمائنا ويجحد حقنا ويدين بالبراءة منا، فهذا كافر به مشرك ملعون؛ورجل آخذ بما لا يختلفون فيه ورد علم ما أشكل عليه إلى الله من ولايتنا ولم يعادنا، فنحن نرجو له فأمره إلى الله.

فلما سمع ذلك معاوية أمر للحسن والحسينعليهما‌السلام بألف ألف درهم، لكل واحد بخمسمائة ألف.

٣٧٠

٤٣

خطبة أمير المؤمنينعليه‌السلام في وصف المتقين

وعن أبان بن أبي عياش عن سليم، قال: قام رجل من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام يقال له «همام»(١) - وكان عابداً مجتهداً - فقال: يا أمير المؤمنين، صف ليالمؤمنين كأني أنظر إليهم.

فتثاقل أمير المؤمنينعليه‌السلام عن جوابه، ثم قال: يا همام، اتق الله وأحسن، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. فقال له همام: أسألك بالذي أكرمك وخصك وحباك وفضلك بما آتاك لما وصفتهم لي.

فقام أمير المؤمنينعليه‌السلام على رجليه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم، ثم قال:

أما بعد، فإن الله خلق الخلق حين خلقهم غنياً عن طاعتهم آمناً من معصيتهم، لأنه لا تضرُّه معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه منهم. فقسَّم بينهم معايشهم ووضعهم من الدنيا مواضعهم. وإنما أهبط آدم إليها عقوبة لما صنع حيث نهاه الله فخالفه وأمره فعصاه.

المؤمن في الدنيا

فالمؤمنون فيها هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب وملبسهم الاقتصاد ومشيهم التواضع.خضعوا لله بالطاعة فمضوا غاضين أبصارهم عما حرم الله عليهم، واقفين

____________________

١. هو همام بن شريح بن زيد بن مرة بن عمرو. راجع البحار: ج ٦٧ ص ٣١٧، ج ٦٨ ص ١٩٢ و ١٩٦.

٣٧١

أسماعهم على العلم. نزلت أنفسهم منهم فيالبلاء كالذي نزلت فيالرخاء ، رضى عن الله بالقضاء.

لولا الآجال التي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين، شوقاً إلى الثواب وخوفاً من العقاب. عظم الخالق في أنفسهم وصغر ما دونه في أعينهم.

المؤمن والجنة والنار

فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذَّبون. قلوبهم محزونة، وحدودهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة، وحوائجهم خفيفة وأنفسهم عفيفة، ومعونتهم في الإسلام عظيمة.

صبروا أياماً قصاراً أعقبتهم راحة طويلة. تجارة مربحة يسَّرها لهم رب كريم. أرادتهم الدنيا فلم يريدوها وطلبتهم فأعجزوها.

المؤمن في يومه ليلته

أماالليل فصافون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن يرتِّلونه ترتيلاً يُحزنون به أنفسهم ويستثيرون به دواء دائهم، وتهيج أحزانهم بكاء على ذنوبهم ووجع كلوم(١) جوانحهم. فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً وتطلعت إليها أنفسهم شوقاً فظنوا أنها نصب أعينهم، حافين على أوساطهم، يمجِّدون جباراً عظيماً، مفترشين جباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم، يجأرون إلى الله فيفكاك رقابهم من النار. وإذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وأبصارهم، واقشعرت منها جلودهم ووجلت منها قلوبهم وظنوا أن صهيل جهنم وزفيرها وشهيقها في أصول آذانهم.

____________________

١. جمع الكلم بمعنى الجرح.

٣٧٢

وأماالنهار فحلماء علماء بررة أتقياء، برأهم الخوف فهم أمثال القداح(١) ، ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض، أو قد خولطوا، قد خالط القوم أمر عظيم.

إذا ذكرواعظمة الله وشدة سلطانه مع ما يخالطهم من ذكر الموت وأهوال القيامة، فزع ذلك قلوبهم وطاشت له حلومهم وذهلت عنهم عقولهم واقشعرت منها جلودهم. وإذا استفاقوا من ذلك بادروا إلى الله بالأعمال الزكية، لا يرضون لله بالقليل ولا يستكثرون له الجزيل.

علامات المؤمن الظاهرية

فهم لأنفسهم متهمون ومن أعمالهم مشفقون. إن زكِّي أحدهم خاف مما يقولون وقال: «أنا أعلم بنفسي من غيري، وربي أعلم بي من غيري. اللهمَّ لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون، فإنك علام الغيوب وساتر العيوب».

ومن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين، وحزماً في لين، وإيماناً في يقين، وحرصاً على علم، وفهماً في فقه، وعلماً في حلم، وشفقة في نفقة، وكيساً في رفق، وقصداً في غنى، وخشوعاً في عبادة، وتحملاً في فاقة، وصبراً في شدة، ورحمة للمجهود(٢) ، وإعطاء في حق، ورفقاً في كسب، وطيباً في الحلال، ونشاطاً في الهدى، وتحرُّجاً عن الطمع، وبراً في استقامة، واعتصاماً عند شهوة.

علامات المؤمن الباطنية

لا يغرُّه ثناء من جهله ولا يدَع إحصاء عمله؛ مستبطأ لنفسه في العمل، يعمل الأعمال الصالحة.

____________________

١. برأهم الخوف كالقداح أي جعلهم الخوف كالسهام، والقداح هو السهم قبل أن يُنصل ويُراش.

٢. المجهود: الطاقة والاستطاعة.

٣٧٣

وهو رجل يمسي وهمه الشكر ويصبح وشغله الذكر. يبيت حذراً ويصبح فرحاً، حذراً لما حذِّر وفرحاً لما أصاب من الفضل والرحمة. وإن استصعب عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما إليه بشره. ففرحه فيما يخلد ويطول، وقرَّة عينه فيما لا يزول. رغبته فيما يبقى وزهادته فيما يفنى.

يمزج الحلم بالعلم والعلم بالعقل. تراه بعيداً كسله، دائماً نشاطه، قريباً أمله، قليلاً زلله، متوقعاً أجله، خاشعاً قلبه، قانعة نفسه، متغيباً جهله، سهلاً أمره، حريزاً لدينه، ميتة شهوته، مكظوماً غيظه، صافياً خلقه، آمناً منه جاره، ضعيفاً كبره، قانعاً بالذي قدِّر له، متيناً صبره، محكماً أمره، كثيراً ذكره.

لا يحدِّث بما اؤتمن عليه الأصدقاء، ولا يكتم شهادة الأعداء، ولا يعمل شيئاً من الحق رياء ولا يتركه حياء. الخير منه مأمول، والشر منه مأمون.

يعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه ويصل من قطعه. لا يعزب حلمه ولا يعجل فيما يريبه، ويصفح عما تبين له. بعيد جهله، ليِّن قوله، عائب منكره، قريب معروفه، صادق قوله، حسن فعله، مقبل خيره، مدبر شره.

وهو في الزلازل وقور، وفي المكاره صبور، وفي الرخاء شكور.

المؤمن والناس

لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم فيما يحب، ولا يدعى ما ليس له، ولا يجحد حقاً هو عليه. يعترف بالحق قبل أن يُشهد به عليه.

لا يضيع ما استحفظ عليه، ولا يُنابز بالألقاب، ولا يبغي على أحد، ولا يُهم بالحسد، ولا يضارُّ بالجار، ولا يشمت بالمصائب.

مؤدٍّ للأمانات، سريع إلى الصلوات، بطيئ عن المنكرات، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. لا يدخل في الأمور بجهل ولا يخرج من الحق بعجز.

٣٧٤

إن صمت لم يغمه الصمت، وإن نطق لم يقل خطأ، وإن ضحك لم يعلُ صوته. قانع بالذي قدِّر له. لا يجمح به الغيظ ولا يغلبه الهوى، ولا يقهره الشح، ولا يطمع فيما ليس له.

يخالط الناس ليعلم، ويصمت ليسلم، ويسأل ليفهم، ويتَّجر ليغنم، ويبحث ليعلم. لا ينصت للخير ليفخر به، ولا يتكلم ليتجبَّر على من سواه.

نفسه منه في عناء، والناس منه في راحة. أتعب نفسه لآخرته، وأراح الناس من نفسه. إن بغي عليه صبر حتى يكون الله هو المنتصر له. بُعده عمَّن تباعد عنه زهد ونزاهة، ودنوُّه ممن دنا منه لين ورحمة. ليس تباعده تكبراً ولا عظمة، ولا دنوه خديعة ولا خلابة، بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير. فهو إمام لمن خلفه من أهلالبر.

تأثير خطبة أمير المؤمنينعليه‌السلام في همام

قال:فصاح همام صيحة ، ثم وقع مغشياً عليه. فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : أما والله لقد كنت أخافها عليه؛ وقال: «هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها». فقال له قائل: فما بالك أنت يا أمير المؤمنين؟ قال: لكلٍّ أجلٌ لن يعدوه وسببٌ لا يجاوزه. فمهلاً لا تعد، فإنما نفث على لسانك الشيطان.

ثم رفع همام رأسه فصعق صعقة وفارق الدنيا، رحمه الله.

٣٧٥

٤٤

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «سلوني عما بدا لكم»

أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس، عن سلمان وأبي ذر والمقداد:

إن نفراً من المنافقين اجتمعوا فقالوا: إن محمداً ليخبرنا عن الجنة وما أعدَّ الله فيها من النعيم لأوليائه وأهل طاعته، وعن النار وما أعد الله فيها من الأنكال والهوان لأعدائه وأهل معصيته. فلو أخبرنا عن آبائنا وأمهاتنا ومقعدنا في الجنة والنار، فعرفنا الذي يبنى عليه في العاجل والآجل!

فبلغ ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأمر بلالاً فنادى بالصلاة جامعة. فاجتمع الناس حتى غصَّ المسجد وتضايَق بأهله. فخرج مغضباً حاسراً عن ذراعيه وركبتيه حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

أيها الناس، أنا بشر مثلكم أوحى إليَّ ربي، فاختصَّني برسالته واصطفاني لنبوته وفضلني على جميع ولد آدم وأطلعني على ما شاء من غيبه. فاسألوني عما بدا لكم. فوالذي نفسي بيده لا يسألني رجل منكم عن أبيه وأمه وعن مقعده من الجنة والنار إلا أخبرته. هذا جبرئيل عن يميني يخبرني عن ربي فاسألوني.

سؤال الناس عن أنسابهم وعن الجنة والنار

فقام رجل مؤمن يحب الله ورسوله، فقال: يا نبي الله، من أنا؟ قال: أنتعبد الله بن جعفر ، فنسبه إلى أبيه الذي كان يدعى به؛ فجلس قريرة عينه.

٣٧٦

ثم قام منافق مريض القلب مبغض لله ولرسوله فقال: يا رسول الله، من أنا؟ قال: أنت فلان بن فلان راع لبني عصمة وهم شر حي في ثقيف، عصوا الله فأخزاهم. فجلس وقد أخزاه الله وفضحه على رؤوس الأشهاد، وكان قبل ذلك لا يشك الناس أنه صنديد من صناديد قريش وناب من أنيابهم!

ثم قام ثالث منافق مريض القلب، فقال: يا رسول الله، أفي الجنة أنا أم في النار؟ قال: في النار ورغماً!! فجلس وقد أخزاه الله وفضحه على رؤوس الأشهاد.

فقام عمر بن الخطاب فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبك يا رسول الله نبياً، ونعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله. اعف عنا يا رسول الله عفا الله عنك، واستر سترك الله. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : عن غير هذا - أو تطلب سواه(١) - يا عمر. فقال: يا رسول الله، العفو عن أمتك.

خلق رسول الله وعليعليهما‌السلام

فقام علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال: يا رسول الله، انسبني من أنا، ليعرف الناس قرابتي منك.

فقال: يا علي،خُلقت أنا وأنت من عمودين من نور معلقين من تحت العرش، يقدسان الملك(٢) من قبل أن يخلق الخلق بألفي عام. ثم خلق من ذينك العمودين نطفتين بيضاوين ملتويتين. ثم نقل تلك النطفتين في الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الزكية الطاهرة، حتى جعل نصفها في صلب عبد الله ونصفها في صلب أبي طالب. فجزء أنا وجزء أنت، وهو قول الله عز وجل:( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَـرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا

____________________

١. الظاهر أن المراد: عن غير هذا كنت تسأل، أو قال: «كنت تطلب سواه». ولعل كلا الجملتين معطوفتان للتوضيح لا من ترديد الراوي.

٢. أي الله تعالى.

٣٧٧

وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ) .(١)

عليعليه‌السلام السبب بين الله وخلقه

يا علي، أنت مني وأنا منك. سيط(٢) لحمك بلحمي ودمك بدمي.وأنت السبب فيما بين الله وبين خلقه بعدي . فمن جحد ولايتك قطع السبب الذي فيما بينه وبين الله وكان ماضياً في الدركات.

يا علي، ما عرف الله إلا بي ثم بك.من جحد ولايتك جحد الله ربوبيته !

يا علي، أنت علم الله بعدي الأكبر في الأرض، وأنت الركن الأكبر في القيامة.فمن استظل بفيئك كان فائزاً ، لأن حساب الخلائق إليك ومآبهم إليك، والميزان ميزانك والصراط صراطك والموقف موقفك والحساب حسابك. فمن ركن إليك نجا، ومن خالفك هوى وهلك. اللهمَّ اشهد، اللهمَّ اشهد.

ثم نزلصلى‌الله‌عليه‌وآله .

____________________

١. سورة الفرقان: الآية ٥٤.

٢. أي اختلط.

٣٧٨

٤٥

كلمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن علي والأئمةعليهم‌السلام

أبان عن سليم عن سلمان، قال: كانت قريش إذا جلست في مجالسها فرأت رجلاً من أهل البيت قطعت حديثها. فبينما هي جالسة إذ قال رجل منهم: «ما مثل محمد في أهل بيته إلا كمثل نخلة نبتت في كناسة »!

فبلغ ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فغضب، ثم خرج فأتى المنبر فجلس عليه حتى اجتمع الناس، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، من أنا؟ قالوا: أنت رسول الله.

قال: أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، ثم مضى في نسبه حتى انتهى إلى نزار.(١)

خلق أهل البيتعليهم‌السلام ونسبهم

ثم قال: ألا وإني وأهل بيتي كنا نوراً نسعى بين يدي الله قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام، وكان ذلك النور إذا سبح سبحت الملائكة لتسبيحه.

فلما خلق آدم وضع ذلك النور في صلبه ثم أهبط إلى الأرض في صلبآدم . ثم حمله في السفينة في صلبنوح ، ثم قذفه في النار في صلبإبراهيم . ثم لم يزل ينقلنا في أكارم الأصلاب حتى أخرجنا من أفضل المعادن محتداً(٢) وأكرم المغارس منبتاً بين الآباء والأمهات، لم يلتق أحد منهم على سفاح قط.

____________________

١. راجع عن نسب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأسماء آبائه: الحديث ١٤ من هذا الكتاب.

٢. أي أخلصهما أصلاً.

٣٧٩

ألا ونحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة: أنا وعلي وجعفر وحمزة والحسن والحسين وفاطمة والمهدي.

اختار الله محمداً وعلياً والأئمةعليهم‌السلام حججاً

ألا وإن الله نظر إلى أهل الأرض نظرة فاختار منهم رجلين: أحدهما أنا فبعثني رسولاً ونبياً، والآخر علي بن أبي طالب، وأوحى إليَّ أن أتخذه أخاً وخليلاً ووزيراً ووصياً وخليفة.

ألا وإنه ولي كل مؤمن بعدي،من والاه والاه الله ومن عاداه عاداه الله . لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا كافر. هو زر الأرض بعدي وسكنها، وهو كلمة الله التقوى وعروته الوثقى.( يُريدُونَ أنْ يُطْفِؤوا نُورَ الله بأفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) .(١)

ألا وإن الله نظر نظرة ثانية فاختار بعدنا اثني عشر وصياً(٢) من أهل بيتي، فجعلهم خيار أمتي واحداً بعد واحد، مثل النجوم في السماء، كلما غاب نجم طلع نجم. هم أئمة هداة مهتدونلا يضرهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم .

هم حجج الله في أرضه، وشهدائه على خلقه، وخزان علمه، وتراجمة وحيه، ومعادن حكمته. من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله. هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه حتى يردوا عليَّ الحوض.

فليبلغ الشاهد الغائب. اللهمَّ اشهد، اللهمَّ اشهد - ثلاث مرات -.

____________________

١. إشارة إلى سورة الصف: الآية ٨، وفي القرآن:( لِيُطْفِئُوا ) .

٢. إن التصحيف إما في «بعدنا» وأنه كان في الأصل «بعدي»، أو في «اثني عشر» وأنه كان في الأصل «أحد عشر».

٣٨٠