كتاب سليم بن قيس الهلالي

كتاب سليم بن قيس الهلالي9%

كتاب سليم بن قيس الهلالي مؤلف:
المحقق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني
الناشر: نشر الهادي
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 638

كتاب سليم بن قيس الهلالي
  • البداية
  • السابق
  • 638 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 416596 / تحميل: 8170
الحجم الحجم الحجم
كتاب سليم بن قيس الهلالي

كتاب سليم بن قيس الهلالي

مؤلف:
الناشر: نشر الهادي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

الفائدة الحادية عشر

٣٠١

٣٠٢

في إنجاز ما وعدناه في أبواب جهاد النفس ، في ذيل باب وجوب طاعة العقل، من بيان أنّ ما نسب إلى أصحابنا الأخباريين(١) من إنكارهم

__________________

(١) لا بأس بالإشارة إلى المحاور المهمة التي صارت محلا للخلاف بين الأخباريين والأُصوليين وهي:

١ ـ استقلالية علم الأُصول ووضعه أساساً للفقه.

وذهب الأخباريون إلى عدم الحاجة إليه.

٢ ـ اعتماد المجتهدين في إثبات الأحكام الشرعية على الظنون.

أمّا الأخباريون فقالوا: نحن نعمل بالأخبار دون الظنون.

٣ ـ اعتماد المجتهدين أحياناً في إثبات الحكم الشرعي على مقدّمات عقلية.

بينما قال الأخباريون: إنّ دين الله لا يصاب بالعقول، والعمل بالرأي والقياس ممنوع في مدرسة أهل البيت قدس‌سره .

٤ ـ اعتماد المجتهدين على ظواهر الكتاب ولو لم يرد فيه تفسير عن أئمّة أهل البيت قدس‌سره .

وهو عند الأخباريين مصداق التفسير بالرأي الممنوع عنه في الروايات.

٥ ـ عدم التزام الأُصوليين بحجية الرواية بمجرّد وجودها في إحدى الكتب الروائية، وإنّما يرون لحجّيتها شروطاً بلحاظ الرواة، أو بلحاظ عمل المشهور وعدم إعراضهم عنها.

وفي قبالهم يعتقد الأخباريّون: حجّية كل الروايات الموجودة في الكتب الأربعة وما يماثلها، وبعضهم ادعى قطعيتها.

٦ ـ اعتناء المجتهدين بعلم الرجال، باعتباره متصدياً لتمييز آحاد السند من الجرح والتعديل، والذي هو دخيل في اعتبار الرواية وعدمه.

وأما الأخباريون، فلاعتقادهم حجّية كل الروايات الموجودة في الجوامع الحديثية، وجدوا أنفسهم في غنى عن علم الرجال وعلم الرواية الذي يبحث عن أصول الحديث.

٧ ـ المشهور بين المجتهدين جريان البراءة في الشبهات التحريمية.

٣٠٣

حجّية القطع الحاصل من العقل خلاف ما يظهر من كلماتهم(١) .

فنقول: قد اشتهرت هذه النسبة إليهم في عثرنا بطبقات أهل العلم، والأصل في هذا الاشتهار كلام الشيخ الأعظم الأنصاري أعلى الله تعالى مقامه في رسالة حجيّة القطع.

فقالرحمه‌الله في التنبيه الثاني منها: إنّك عرفت أنّه لا فرق فيما يكون فيه العلم كاشفاً محضاً بين أسباب العلم، ويُنسبُ إلى غير واحد من أصحابنا الأخباريين عدمُ الاعتماد على القطع الحاصل من المقدّمات العقليّة القطعيّة الغير الضرورية، لكثرة وقوع الغلط والاشتباه فيها، فلا يمكن الركون إلى شيء منها.

فإن أرادوا عدم جواز الركون بعد حصول القطع؛ فلا يعقل ذلك بعد(٢) في مقام اعتبار العلم من حيث الكشف، ولو أمكن الحكم بعدم اعتباره لجرى مثله في القطع الحاصل من المقدّمات الشرعيّة حذو(٣) النّعل

__________________

وخالفهم الأخباريون وقالوا: بوجوب الاحتياط فيها، أخذاً بظاهر الأدلة الآمرة بالتوقف والاحتياط في الشبهات.

نقول: لقد تمكنت المدرسة الأُصولية من دحر المسلك الأخباري وعزله وإضماره وذلك بنقض أدلتهم وتزييف مبانيهم وتضعيف آرائهم.

انظر في ذلك كله: هداية الأبرار للشيخ حسين الكركي: ٢٣٤، رجال السيد الخوئي ١: ٢٢ ٣٦، الأُصول الأصيلة للفيض الكاشاني: ٣٦ ٣٧، اجتهاد الأخبار للوحيد البهبهاني (الفصل الثامن)، رجال السيد بحر العلوم ٤: ٧٣ الفائدة الرابعة، ألحق المبين لكاشف الغطاء: ٣٤، كشف القناع للتستري: ٢٠٣ ٢٠٤، المبسوط ١: ٢، المعتبر ١: ٢٩، الحدائق الناظرة ١: ١٧٠.

(١) مستدرك الوسائل ١١: ٢١١، ذيل الحديث ١٢٧٦٧.

(٢) بعد: لم ترد في المصدر.

(٣) في المصدر بدل حذو: طابق.

٣٠٤

بالنّعل.

وإن أرادوا عدم جواز الخوض في المطالب العقليّة لتحصيل المطالب الشرعية لكثرة وقوع الغلط والاشتباه فيها، فلو سُلِّم ذلك، وأُغمض عن المعارضة لكثرة ما يحصل من الخطأ في فهم المطالب من الأدلة الشرعية فله وجه، وحينئذٍ فلو خاض فيها، وحصّل القطع بما لا يوافق الحكم الواقعيّ لم يُعذَر في ذلك، لتقصيره في مقدمات التحصيل، إلاّ أن الشأن في ثبوت كثرة الخطأ أزيد ممّا يقع في فهم المطالب من الأدلّة الشرعية.

وقد عثرتُ بعد ما ذكرت هذا على كلام يُحكى عن المحدّث الأسترآباديّ في فوائده المدنيّة، قال في عداد ما استدلّ به على انحصار الدليل في غير الضروريات الدينيّة بالسماع عن الصادقينعليهم‌السلام ، قال:

« الدليل التاسع: مبني على مقدمة دقيقة شريفة، تفطّنتُ لها بتوفيق الله تعالى، وهي أنّ العلوم النظرية قسمان:

قسم ينتهي إلى مادّة هي قريبة من الإحساس، ومن هذا القسم علم الهندسة، والحساب، وأكثر أبواب المنطق، وهذا القسم لا يقع فيه الخلاف بين العلماء والخطأ في نتائج الأفكار، والسبب في ذلك أنّ الخطأ في الفكر إمّا من جهة الصورة أو من جهة المادة، والخطأ من جهة الصورة لا يقع من العلماء، لأنّ معرفة الصورة من الأُمور الواضحة عند الأذهان المستقيمة، والخطأ من جهة المادة لا يتصور في هذه العلوم، لقرب المواد من الإحساس.

وقسم ينتهي إلى مادّة هي بعيدة عن الإحساس، ومن هذا القسم

٣٠٥

الحكمة الإلهية، والطبيعيّة، وعلم الكلام، وعلم أُصول الفقه، والمسائل النظرية الفقهية، وبعض القواعد المذكورة في كتب المنطق، ومن ثَمّ وقع الاختلافات والمشاجرات بين الفلاسفة في الحكمة الإلهية والطبيعيّة، وبين علماء الإسلام في أُصول الفقه، وعلم الكلام، وغير ذلك.

والسبب في ذلك أنّ القواعد المنطقية إنّما هي عاصمة عن الخطأ من جهة الصورة، لا من جهة المادة، وليست في المنطق قاعدة بها يعلم أنّ كلّ مادة مخصوصة داخلة في أيّ قسم من الأقسام، ومن المعلوم امتناع وضع قاعدة تكفل بذلك ».

ثم استظهر ببعض الوجوه تأييداً لما ذكره وقال بعد ذلك:

« فإن قلت: لا فرق في ذلك بين العقليّات والشرعيّات، والشاهد على ذلك ما نشاهده من كثرة الاختلافات الواقعة بين أهل الشرع في أصول الدين، وفي الفروع الفقهية.

قلت: إنّما نشأ ذلك من ضمّ مقدمة عقليّة باطلة بالمقدمة النقلية الظنيّة أو القطعية.

ومن الموضحات لما ذكرناه من أنّه ليس في المنطق قانون يعصم من الخطأ في مادّة الفكر أنّ المشّائين(١) ادّعوا البداهة في أنّ

__________________

(١) المشّائين: طائفة من الحكماء، رئيسهم أرسطو.

وقيل في وجه تسميتهم بالمشّائين أُموراً:

منها: أنّ بناء المعلّم الأول أرسطو كان على التدريس حين مشيه ذهاباً إلى خدمة الإسكندر وإياباً.

ومنها: أنّ بناءهم كان على التعلّم والمشي إلى منزل الأُستاذ.

والاتجّاه السائد عموماً لدى أبناء هذه الطائفة في المقام الأول من البحث هو الطريقة العقلية للوصول إلى الكشف عن الحقائق، وهذا ما يجعلها منسجمةً تماماً مع المقام الثاني من البحث، وهو المنهج المتّبع لإيصال هذه المعارف والحقائق إلى الآخرين.

ومن أبرز أفراد هذه الطائفة في المشرق الإسلامي: الفارابي، المحقّق الطوسي، المحقّق الداماد وغيرهم. وفي المغرب الإسلامي: ابن رشد، ابن ماجة، ابن صانع وغيرهم.

انظر بحر الفوائد للاشتياني: ٣٠، بحث في مناهج المعرفة: ٤٢.

٣٠٦

تفرّق(١) ماء كوز إلى كوزين إعدامٌ لشخصه، وإحداثٌ لشخصين آخرين، وعلى هذه المقدّمة بنو إثبات الهيولي.

والإشراقيين(٢) ادّعوا البداهة في أنّه ليس إعداماً للشخص الأول، وإنّما انعدمت صفة من صفاته وهو الاتصال ».

__________________

(١) في المصدر: تفريق.

(٢) الإشراقيين: طائفة من الحكماء، يعدّ شيخ الإشراق السهروردي زعيمهم في العصر الإسلامي، على خلافٍ في أنّ هذا الاتجاه هل هو امتدادٌ للاتّجاه الأفلاطوني في الفكر اليوناني أم لا؟

وكيف كان، الأُصول والمباني الأساسية التي تنطلق منها هذه المدرسة للتعرّف على الحقائق الوجودية والوقوف عليها هي:

١ ـ المشاهدة والمكاشفة.

٢ ـ العقل والاستدلال.

٣ ـ ظواهر الكتاب والسنة.

وقال المحقّقون في وجه تسميتهم بالإشراقيين: إنّ سبب ذلك هو أنّ العلم نورٌ يشرق في قلب العارف؛ لأنّ هؤلاء يعتقدون أنّ مثل القلب مثل المرآة المجلوة المصقولة محاذياً للّوح المحفوظ وما عليه من العلوم والحقائق الإلهية، فكما لا يمكن أن يكون شيء محاذياً للمرآة المصقولة ولا يؤثر فيها، فكذلك لا يمكن شيءٌ أن يكون محاذياً للّوح المحفوظ، وهو لا يرى في المرآة القلبية الصافية.

راجع بحر الفوائد للاشتياني: ٣٠، بحث في مناهج المعرفة: ٨٣ ٩٦.

٣٠٧

ثمّ قال: « إذا عرفت ما مهّدناه من المقدّمة الشريفة، فنقول:

إن تمسّكنا بكلامهمعليهم‌السلام فقد عُصمنا من الخطأ، وإن تمسّكنا بغيرهم لم نعصم عنه »(١) انتهى.

والمستفاد من كلامه: عدم حجيّة إدراكات العقل في غير المحسوسات، وما تكون مبادئه قريبةً من الإحساس، إذا لم يتوافق عليه العقول.

وقد استحسن ما ذكره غير واحد ممّن تأخّر عنه، منهم: السيّد المحدّث الجزائري في أوائل شرح التهذيب على ما حكي عنه، قال بعد ذكر كلام المحدّث المتقدم بطوله ـ: « وتحقيق المقام يقتضي ما ذهب إليه.

فإن قلت: قد عزلت العقل عن الحكم في الفروع والأُصول، فهل يبقى له حكم في مسألة من المسائل؟

قلت: أمّا البديهيّات فله وحده، وهو الحاكم فيها؛ وأمّا النظريات فإن وافقه النقل وحكم بحكمه قُدّم حكمه على النقل؛ وأمّا لو تعارضا هو والنقلي فلا شكّ عندنا في ترجيح النقل، وعدم الالتفات إلى ما حكم به العقل، قال: وهذا أصل تبنى(٢) عليه مسائل كثيرة، ثم ذكر جملة من المسائل المتفرّعة »(٣) .

أقول: لا يحضرني شرح التهذيب حتى أُلاحِظ ما فرّع على ذلك،

__________________

(١) الفوائد المدنية: ١٢٩ ١٣١.

(٢) في المصدر: يبتني.

(٣) شرح تهذيب الأحكام (مخطوط)، كتابه لم يتوفر لدينا، وانظر الأنوار النعمانيّة ٣: ١٢٩ ١٣٢.

٣٠٨

فليت شعري إذا فرض حكم العقل على وجه القطع بشيء كيف يجوز حصول القطع أو الظنّ من الدليل النقلي على خلافه!؟ وكذا لو فرض حصول القطع من الدليل النقلي كيف يجوز حكم العقل بخلافه على وجه القطع!؟.

وممّن وافقهما على ذلك في الجملة المحدّث البحراني في مقدّمات الحدائق(١) ، حيث نقل كلاماً للسّيد المتقدّم واستحسنه »(٢) . إلى آخره، انتهى ما أردنا نقله من كلامه الشريف.

وظاهرٌ أنّ مورد كلام السيّد الجزائري، والمحدّث البحراني، ما ذكره المحدّث الأسترآبادي، فإن ظهر من كلماته في الفوائد المدنيّة: انّ مراده ممّا نفاه من حجيّة إدراكات العقل هو الإدراك الظنّي والاستنباطات الظنّية في نفس الأحكام الشرعية، يكون مرادهما أيضاً ذلك، فلا أصل لهذه النسبة(٣) ، ولا محل لما أورد عليهم، واستغرب منهم.

فنقول: في كلماته في الفوائد مواضع عديدة يستفاد منها ما ذكرنا:

الأول: المواضع الساقطة من العبارة المنقولة، فإنّه قال: الدليل التاسع مبني على مقدمة وساق كما نقلهقدس‌سره إلى قوله ـ: ومن المعلوم عند اولي الألباب امتناع وضع قاعدة تكفل بذلك، قال: « وممّا يوضح ما ذكرنا من جهة النقل: الأحاديث المتواترة معنىً الناطقة بأنّ الله أخذ ضغثاً(٤) من

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١: ١٢٦ ١٣٢، المقدّمة العاشرة.

(٢) فرائد الأُصول ١: ١٥ ١٧.

(٣) أي ما نسبه الشيخ الأنصاريقدس‌سره إليهم من إنكارهم حجية القطع الحاصل من العقل.

(٤) قال الفراء: الضغث ما جمعته من شيء، لسان العرب ٢: ١٦٤ (ضغث)

٣٠٩

الحقّ، وضغثاً من الباطل، فمغثهما(١) ، ثم أخرجهما إلى الناس، ثم بعث أنبياء يفرّقون بينهما، ففرّقهما الأنبياء والأوصياء، فبعث الله الأنبياء ليفرّقوا ذلك، وجعل الأنبياء قبل الأوصياء ليعلم الناس من يفضّل الله ومن يختص، ولو كان الحق على حدّه، والباطل على حدّه، كل واحد منهما قائم بشأنه، ما احتاج الناس إلى نبيّ ولا إلى وصيّ، ولكنّ الله خلطهما وجعل تفريقهما إلى الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام من عباده.

وممّا يوضحه من جهة العقل ما في الشرح العضدي للمختصر الحاجبي حيث قال في مقام ذكر الضروريات القطعية:

« منها المشاهدات الباطنية، وهي: ما لا يفتقر إلى عقل كالجوع والألم.

ومنها الأوليات: وهي ما تحصل بمجرّد العقل، كعلمك بوجودك، وأنّ النقيضين يصدق أحدهما.

ومنها المحسوسات: وهي ما يحصل بالحس.

ومنها التجربيّات: وهي ما تحصل بالعادة، كإسهال المسهل والإسكار.

ومنها المتواترات(٢) : وهي ما تحصل بالإخبار تواتراً، كبغداد ومكّة.

وحيث قال في مقام ذكر الضروريات الظنيّة: أنّها أنواع:

الحدسيات: كما نشاهد نور القمر يزداد وينقص بقربه وبعده من الشمس، فنظنّ أنه مستفاد منها.

__________________

(١) المغث: الضرب ليس بالشديد، وأصله المرس والدلك بالأصابع. انظر لسان العرب ٢: ١٩١ (مغث)

(٢) بالطبع هناك اختلاف بين أرباب الفن في هذه التقسيمات.

٣١٠

والمشهورات كحسن الصدق والعدل وقبح الكذب والظلم؛ وكالتجربيات الناقصة، وكالمحسوسات الناقصة.

والوهميات مثل ما يتخيّل بمجرّد الفطرة بدون نظر العقل أنّه من الأوليات، مثل كلّ موجود متحيّز.

والمسلّمات: ما سلّمه الناظر من غيره »(١) .

وحيث قال في مقام ذكر أصناف الخطأ في مادّة البرهان: « الثالث: جعل الاعتقاديات، والحدسيّات، والتجربيّات الناقصة، والظنيّات، والوهميّات؛ ممّا ليس بقطعيّ كالقطعي، وإجراؤها مجراه، وذلك كثير(٢) ».

وحيث قال في مبحث الإجماع: « والجواب: إنّ إجماع الفلاسفة على قدم العالم عن نظر عقلي، وتعارض الشبهة واشتباه الصحيح بالفاسد فيه كثير.

وأمّا في الشرعيات: فالفرق بين القطع والظن بيّن، لا يشتبه على أهل المعرفة والتميز »(٣) . انتهى كلامه.

فإن قلت: لا فرق في ذلك بين العقليات والشرعيات وساق كما في الرسالة(٤) إلى قوله ـ: وهو الاتصال.

ثم قال: ومن الموضحات لما ذكرناه أنّه: لو كان المنطق عاصماً عن الخطأ من جهة المادة لم يقع بين فحول العلماء العارفين بالمنطق اختلاف،

__________________

(١) شرح العضدي ١: ١٩.

(٢) شرح العضدي ١: ٣٤.

(٣) شرح العضدي ١: ١٢٥ ١٢٦.

(٤) راجع فرائد الأُصول (الرسائل) ١: ١٦.

٣١١

ولم يقع غلط في الحكمة الإلهية، وفي الحكمة الطبيعية، وفي علم الكلام، وعلم أُصول الفقه، والفقه، كما لم يقع في علم الحساب، وفي علم الهندسة.

وإذا عرفت ما مهّدناه من الدقيقة الشريفة فنقول: إن تمسّكنا بكلامهمعليهم‌السلام فقد عُصمنا من الخطأ، وإن تمسّكنا بغيرهمعليهم‌السلام لم نُعصم عنه، ومن المعلوم أنّ العصمة من الخطأ أمر مطلوب مرغوب فيه شرعاً وعقلاً؛ ألا ترى أنّ الإمامية استدلّت على وجوب عصمة الإمام بأنّه لولا العصمة للزم أمره تعالى باتّباع الخطأ، وهو قبيح عقلاً.

وأنت إذا تأمّلت في هذا الدليل علمت أنّ مقتضاه أنّه لا يجوز الاعتماد على الدليل الظنّي في أحكامه تعالى أصلاً، سواء كان ظنّي الدلالة، أو ظنّي المتن، أو ظنّيهما.

والعجب كلّ العجب أنّ جمعاً من الأفاضل القائلين بصحّة هذا الدليل رأيتهم قائلين بجواز العمل بالدليل الظنّي، ونبّهتهم على تنافي لازميهما فلم يقبلوا، فقلت في نفسي:

إذا لم يكن للمرء عين صحيحة

فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر

ثم قال: فائدة شريفة نافعة، فيها توضيح لما اخترناه، من أنّه لا عاصم عن الخطأ في النظريات التي مبادئها بعيدة عن الإحساس إلاّ التمسّك بأصحاب العصمة (صلوات الله عليهم) وهي أن يقال: إنّ الاختلافات الواقعة بين الفلاسفة في علومهم، والواقعة بين علماء الإسلام في العلوم الشرعية، السبب فيها. إلى أن قال: وبالجملة سبب الاختلاف إمّا إجراء الظنّ مجرى القطع، أو الذهول والغفلة عن بعض الاحتمالات،

٣١٢

أو التردّد والحيرة في بعض المقدّمات، ولا عاصم عن الكلّ إلاّ التمسّك بأصحاب العصمة (صلوات الله عليهم)(١) . انتهى كلامه.

وصريح كلامه: أنّ الذي نفاه من الحجيّة إدراكه الظنّي، بل لا يرى للعقل إدراكاً قطعياً في استنباط الأحكام الفرعية، كما يظهر من استشهاده بكلام العضدي وارتضائه به.

أرأيت من يجعل حسن الصدق والعدل وقبح الكذب والظلم من الظنّيات التي منشؤها الشهرة مع أنّه من المصاديق الواضحة للمستقلاّت العقلية القطعية يعتقد له إدراكاً قطعياً في ما دونه؟! فالنزاع في الحقيقة صغروي، ويؤيّده ما يأتي من كلماتهم ما هو صريح في حجّية إدراكه القطعي.

والعجب أنّه يصرّح بأنّ مقتضى هذا الدليل عدم جواز الاعتماد على الدليل الظنّي في أحكامه تعالى، ثم ينسب إليه أنّ مقتضاه عدم حجّية حكم العقل القطعي، بل يجعل مقالته أصلاً لكلمات من تبعه، ولكنّه (أعلى الله مقامه)(٢) معذور؛ لأنّه لم يكن عنده كتاب الفوائد، وإنّما نقله عن حاشية محمد تقي الأصفهاني(٣) على المعالم(٤) ، وكذا ما نقله عن السيد الجزائري،

__________________

(١) الفوائد المدنية: ١٢٩ ١٣١.

(٢) أي الشيخ الأنصاريقدس‌سره .

(٣) في الأصل والحجرية: فخر المحققين، وما أثبتناه من حاشية الحجرية.

إذا أُطلق فخر المحققين فالمراد به ابن العلامة الحلي، وكيف تكون حاشية لفخر المحققين على كتاب مؤلفه توفي بعده بأكثر من مائتي سنة؟! نعم هناك حواشي على المعالم منها حاشية الأصفهاني المذكور.

(٤) انظر هداية المسترشدين: ٤٤٣.

٣١٣

كما لا يخفى على من راجعهما، وصريح صاحب الحاشية أنّه نقله من أصل الكتاب.

الثاني: قوله في أول هذا الفصل: الأول: عدم ظهور دلالة قطعية وإذن في جواز التمسّك في نظريات الدين بغير كلام العترة الطاهرةعليهم‌السلام ولا ريب في جواز التمسّك بكلامهمعليهم‌السلام ، فتعيّن ذلك، والأدلّة المذكورة في كتب العامّة وكتب متأخّري الخاصّة على جواز التمسّك بغير كلامهم مدخولة، أجوبتها واضحة ممّا مهدناه ونقلناه.(١) إلى آخره.

ولو لم يكن حكم العقل القطعي عنده حجّة لما قال: « عدم ظهور دلالة قطعيّة » فإنّه إشارة إلى الدليل العقلي، وقوله: « وإذن ». إلى آخره، إشارة إلى الدليل النقلي، والذي قدّمه وأطال الكلام فيه هو أيضاً في نفي حجّية الاستنباطات الظنّية.

الثالث: قوله: الدليل الرابع: إنّ كلّ مسلك غير ذلك المسلك إنّما يعتبر من حيث إفادته الظنّ بحكم الله تعالى، وقد أثبتنا سابقاً أنّه لا اعتماد على الظنّ المتعلّق بنفس أحكامه تعالى أو بنفيها(٢) .

وهو أيضاً نصّ في عدم اعتقاده الإدراك القطعي للعقل في أحكامه تعالى، وإنّ إدراكه فيها لا يتجاوز حدّ الظنّ الذي ليس بحجّة.

الرابع: قوله: الدليل السادس: إنّ العقل والنقل قاضيان بأنّ المصلحة في بعث الرسل وإنزال الكتب: دفع الاختلاف والخصومات بين العباد؛ ليتمّ نظم معايشهم ومعادهم، فإذا كان من القواعد الشرعية جواز العمل بالظنّ

__________________

(١) الفوائد المدنية: ١٢٨.

(٢) الفوائد المدنية: ١٢٩.

٣١٤

المتعلّق بنفس أحكامه تعالى أو بنفيها، لفاتت المصلحة؛ لحصول الاختلاف والخصومات كما هو المشاهد(١) . انتهى.

وفيه أيضاً من الدلالة على المبطلين ما لا يخفى.

الخامس: قوله في الفصل الأول وهو في إبطال التمسّك بالاستنباطات الظنّية في نفس أحكامه تعالى في الوجه العاشر: واعلم أنّ انحصار طريق العلم بنظريات الدين في الرواية عنهم، وعدم جواز التمسك بالاستنباطات الظنّية من كتاب الله، ومن سنّة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو من الاستصحاب، أو من البراءة الأصلية، أو من القياس، أو من إجماع المجتهدين، وأشباهها، كان من شعار متقدّمي أصحابنا أصحاب الأئمةعليهم‌السلام حتى صنّفوا في ذلك كتباً(٢) . انتهى.

ولو كان ممّن يرى للعقل إدراكاً قطعياً لعدّه، بل قدّمه على الاستصحاب وما يليه.

السادس: قوله فيه بعد ذكر الأخبار الدالّة على تقسيم الناس على ثلاثة باختلاف في مضمونها ما لفظه في الحاشية: في هذه الأحاديث الشريفة إشارة إلى تصويب طريقة الأخباريين من الإمامية(٣) .

وفي شرح المقاصد، وشرح المواقف: انّ طائفة من العلماء ذهبوا إلى أنّه يجب أَخذ أُصول الدين وفروعه من أصحاب العصمةعليهم‌السلام وإلى أنّه لا يستقلّ العقل بتحصيلها كما ينبغي.

__________________

(١) الفوائد المدنية: ١٢٩.

(٢) الفوائد المدنية: ١٢٢.

(٣) الفوائد المدنية: ١٢٠.

٣١٥

السابع: قوله فيه أيضاً: الوجه العاشر: الخطب والوصايا المنقولة عن أمير المؤمنين وأولادهعليهم‌السلام الصريحة في أنّ كلّ طريق يؤدّي إلى اختلاف المعاني من غير ضرورة التقيّة مردودٌ غير مقبول عند الله تعالى؛ من حيث إنّه يؤدّي إلى الاختلاف. ومن المعلوم أنّ هذا المعنى كما يشمل القياس، والاستحسان، والاستصحاب، وأشباهها، يشمل الاستنباطات الظنّية من كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

على أنّ الظنّ غير حاصل على مذهب الخاصّة في كثير من تلك المواضع، وإنّما يحصل على مذهب العامّة؛ والصريحة(١) في أنّه لا يجوز الإفتاء والقضاء إلاّ لرجل يعضّ في العلم بضرس قاطع(٢) . إلى آخره.

الثامن: قوله في بعض فوائد مقدّمة الكتاب بعد نقل كلام الشيخ في الاستبصار(٣) ، انتصاراً لما هو بصدده من حجّية مطلق الأخبار ما لفظه: فأقول: ملخص كلامه: إنّ الأخبار المسطورة في الكتب [التي(٤) ] انعقد إجماع [قدماء(٥) ] الطائفة المحقّة على ورودها عن المعصومينعليهم‌السلام وكانت مرجعاً لهم فيما يحتاجون إليه من عقائدهم وأعمالهم تنحصر في أقسام ثلاثة:

الأول: أن تكون صحّة مضمونه متواترة، فذلك لا يجوز فيه التناقض.

__________________

(١) عطف على قوله السابق: الصريحة في أن كل طريق يؤدي.

(٢) الفوائد المدنية: ٩٤.

(٣) الاستبصار ١: ٣.

(٤) ما بين المعقوفتين لم يرد في الأصل والحجرية، أضفناهما من المصدر.

(٥) ما بين المعقوفتين لم يرد في الأصل والحجرية، أضفناهما من المصدر.

٣١٦

والثاني: أن توجد قرينة دالّة على صحّة مضمونه، ومن القرائن: أن يكون مضمونه مطابقاً لدليل العقل القطعي؛ كالخبر الدالّ على أنّ التكليف لا يتعلّق بغافل عنه ما دام غافلاً، والخبر الدالّ على أنّ الفعل الواجب الذي حجب الله العلم بوجوبه عن العباد موضوع عنهم ما داموا كذلك؛ لا الدليل العقلي الظنّي، كالاستصحاب، وكجعل عدم ظهور المدرك على حكم شرعي مدركاً على عدم ورود ذلك الحكم في الواقع.(١) إلى آخره.

التاسع: قوله في الفصل السادس: وأمّا التمسّك بالترجيحات الاستحسانيّة الظنّية، المسطورة في كتب العامّة، وكتب(٢) جمع من متأخّري أصحابنا، وهو أيضاً باطل؛ لأدلةٍ: الدليل الأول: أنّه لا إذن بذلك من جهة الشارع، ولم يظهر دلالة قطعية عقلية عليه.(٣) إلى آخره.

ولا يخفى صراحته وصراحة ما قبله في حجّية إدراك(٤) العقل وحكمه إذا كان قطعياً، وذكر مثل هذا في الوجه الأول من الوجوه التي استدلّ بها على عدم جواز التمسّك بالاستنباطات الظنّية في نفس أحكامه تعالى.

العاشر: قوله في الفوائد المكيّة وهي أجوبة مسائل سألها عنه الشيخ العالم الفاضل حسين بن حسن بن ظهير الدين العاملي، وهي عندي بخطّهرحمه‌الله

__________________

(١) الفوائد المدنية: ٦٦ ٦٧، اكتفى المصنف هنا بنقل القسم الأوّل والثاني دون الثالث والذي هو: ما لا يكون هذا ولا ذاك.

(٢) في المصدر:. وكتب جمع من متأخري الخاصة عند تعارض الأدلة الظنية، فقد قال به جمع من متأخري أصحابنا، وهو أيضاً باطل.

(٣) الفوائد المدنية: ١٣٦، والأدلة هي أربعة كما في المصدر.

(٤) لاحظ استفادة المحدث النوريقدس‌سره من قول الأسترآبادي الثالث المتقدم واستفادته هنا من قوله الثامن والتاسع من حيث التنافي والتعارض بين حجية الإدراك العقلي القطعي هنا وعدمها هناك.

٣١٧

ما لفظه: قوله أيده الله تعالى: ما وجه اختلاف أصحابنا الإمامية في المسائل الشرعية سيّما المتأخّرين منهم، حتى أنّ الواحد منهم ربّما خالف نفسه مرتين أو مرارا. إلى آخره.

أقول: أمّا اختلاف قدمائنا (قدّس الله أرواحهم) فهو ناشٍ عن اختلاف أصحاب العصمة (صلوات الله عليهم) في فتاويهم، صرّح بذلك رئيس الطائفة في كتاب العدّة(١) .

وأمّا اختلاف المتأخّرين فقد يكون من هذا القبيل، وكثيراً ما يكون ناشئاً عن عدم الاطّلاع على نصٍّ من أصحاب العصمة (صلوات الله عليهم) وذلك في الوقائع النادرة الوقوع، بل المعدومة الوقوع أو ظنّ بعضهم ضعف بعض النصوص المنقولة في الكتب الأربعة عن أُصول قدمائنا المجمع على ورودها عن أصحاب العصمة (صلوات الله عليهم) وعن تمسّكهم بأمارات عقليّة، وخيالات ظنّية كأصل البراءة، والاستصحاب، وكالتمسّك بإطلاق أو عموم أو بإجماع خرصي، والحقّ أنّ القسم الأول من الاختلاف مرضي دون الثاني(٢) . انتهى.

إلى غير ذلك من كلماته التي توجد في كتابه متفرّقاً، ممّا لا حاجة إلى نقلها بعد التأمّل فيما نقلناه، ممّا هو صريح في أنّ مراده ممّا نفاه: إدراك العقل الظنّي الذي يعبّر عنه بالاستنباطات الظنّية، وأنّه لا يرى له إدراكاً قطعياً في استنباط الأحكام الفرعية، ولو فرض وجوده فيها فهو حجّة عنده.

__________________

(١) انظر عدة الأُصول: ٥١ ٥٢.

(٢) الفوائد المكّية (مخطوط)

٣١٨

وأمّا السيّد المحدّث الجزائري فلا يخفى على من راجع شرحه على التهذيب والأنوار النعمانية، أنّه تبعه في أقواله، ونسج على منواله، حتى في عناوين المطالب، فقال في الأول: المسألة السابعة: في الدلائل المذكورة عندهم على إبطال التمسّك بالاستنباطات الظنّية، وهي أُمور(١) . وذكر جملة ممّا في الفوائد وزاد اخرى.

ثم قال: المسألة الثامنة: في بيان انحصار مدرك ما ليس من ضروريات الدين من المسائل الشرعية أصليّة كانت أو فرعية في السماع عن الصادقينعليهم‌السلام (٢) . ثم ذكر بعض الوجوه التي في الفوائد، وزاد عليها اخرى، ويظهر من جميعها أنّ المقصد واحد، والمراد متّحد، مضافاً إلى تصريحه في بعض الموارد.

فقال في الأنوار: وأمّا المسائل الفرعية فمدارهم على طرح الدلائل النقلية، والقول بما أدّت إليه الاستحسانات العقلية، وإذا عملوا بالدلائل النقلية يذكرون أولاً الدلائل العقلية، ثم يجعلون دليل النقل مؤيّداً لها، وعاضداً إيّاها، فيكون المدار والأصل إنّما هو العقل، وهذا منظورٌ فيه.(٣) إلى آخره.

وهذا نصّ في أنّ مراده من دليل العقل هو الاستحسان، الذي قد يعبّر عنه بالاستنباط الظنّي.

وأصرح منه ما ذكره في شرح الدعاء الثاني من الصحيفة الكاملة، قال: وقد استدلّوا على بطلان الإحباط بدلائل عقلية أبطلناها في شرحنا

__________________

(١) شرح التهذيب (مخطوط)

(٢) شرح التهذيب (مخطوط)

(٣) الأنوار النعمانيّة ٣: ١٣١.

٣١٩

الكبير(١) ، ولعمري إنّ جلّ ما حداهم على هذا ما استفاض بينهم: من أنّه إذا تعارض الدليلان العقلي والنقلي وجب تأويل الثاني أو طرحه، إن لم يمكن التأويل.

وقد ضقت بهذه المسألة ذرعاً، حتى ظهر لي بفضل الله أنّ هذا لا يتمشّى إلاّ فيما إذا كانت مقدّماته بديهية، أو ما إذا كانت مقدّماته مأخوذة من الدليل النقلي، أمّا في غيرها فلا ينبغي لعاقل فضلاً عن فاضل أن يرتاب في بطلان ما اشتهر، بل يجب عليه أن يجزم بعكسه؛ لأنّها عند التحقيق لا تفيد إلاّ ظنا(٢) . إلى آخره.

وممّا يؤيد ما ذكرنا أنّ الشيخ الأجلّ الحرّ العاملي الذي هو أصلب في الأخبارية من المحدّث الجزائري صرّح في الوسائل بحجيّة حكم العقل إذا كان قطعياً، فقال في الفائدة الثامنة في ذكر القرائن التي تقترن بالخبر، ممّا يدل على ثبوته عنهمعليهم‌السلام أو على صحّة مضمونة ما لفظه: ومنها موافقته لدليل عقلي قطعي، وهو راجع إلى موافقة النصّ المتواتر، لأنّه لا ينفكّ منه أصلاً(٣) .

وقال في كتاب الجهاد؛ باب وجوب طاعة العقل ومخالفة الجهل(٤) . وساق جملة من الأخبار المعروفة، التي منها: « أنّ لله على الناس حجّتين: حجّة ظاهرة وحجّة باطنة، فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء

__________________

(١) وهو شرح كبير للصحيفة السجادية، وهو غير شرحه الآخر المسمّى بنور الأنوار والذي يكون ملخصاً للشرح الكبير هذا، راجع الذريعة ١٣: ٣٥٨.

(٢) نور الأنوار (شرح الصحيفة)

(٣) وسائل الشيعة ٢٠: ٩٥.

(٤) وسائل الشيعة ١١: ١٦٠ باب ٨.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

قاتل أخيه هابيل وفرعون الفراعنة والذي حاجَّ إبراهيم في ربه ورجلين من بني إسرائيل بدَّلا كتابهم وغيَّرا سنتهم. ثمَّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :ورجلين من أمتي .

خطايا أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله عليهما

ثم قالعليه‌السلام :إن عليهما خطايا أمة محمد. إن كل دم سفك إلى يوم القيامة ومال يؤكل حراماً وفرج يغشى حراماً وحكم يجار فيه عليهما، من غير أن ينقص من إثم من عمل به شيئ .

قال عمار: يا أمير المؤمنين، سمِّهما لنا فنلعنهما. قال: يا عمار، ألست تتولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتبرء من عدوه؟ قال: بلى. قال: وتتولاني وتبرء من عدوي؟ قال: بلى. قال: حسبك يا عمار،قد برئت منهما ولعنتهما وإن لم تعرفهما بأسمائهما .

قال: يا أمير المؤمنين لو سميتهما لأصحابك فبرءوا منهما كان أمثل من ترك ذلك. قال:رحم الله سلمان وأبا ذر والمقداد، ما كان أعرفهم بهما وأشد برائتهم منهما ولعنتهم لهما !!

قال: يا أمير المؤمنين جعلت فداك، فسمِّهما فإنا نشهد أن نتولى من تولَّيت ونتبرء ممن تبرأت منه. قال: يا عمار، إذاً يقتل أصحابي وتتفرق عني جماعتي وأهل عسكري وكثير ممن ترى حولي!

قاعدة عامة في الولاية والبراءة

يا عمار، من تولى موسى وهارون وبرئ من عدوهما فقد برئ من العجل والسامري، ومن تولى العجل والسامري وبرئ من عدوهما فقد برئ من موسى وهارون من حيث لا يعلم. يا عمار،ومن تولى رسول الله وأهل بيته وتولاني وتبرَّء من عدوي

____________________

= راجع مناقب ابن المغازلي: ص ٩. وأورده في البحار: ج ٣٢ ص ٣١٢ ح ٢٧٦ عن الطرائف عن الفائق للخوارزمي. وأورده في الغدير: ج ٦ ص ٣٣٤ أيضاً.

٤٤١

فقد برئ منهما؛ ومن برئ من عدوهما فقد برئ من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حيث لا يعلم .(١)

محمد بن أبي بكر نجيب قومه

فقال محمد بن أبي بكر: يا أمير المؤمنين،لا تسمِّهما فقد عرفتهما! ونشهد الله أن نتولاك ونبرء من عدوك كلهم، قريبهم وبعيدهم وأولهم وآخرهم وحيهم وميتهم وشاهدهم وغائبهم.(٢)

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : يرحمك الله يا محمد، إن لكلِّ قوم نجيباً وشاهداً عليهم وشافعاً لأماثلهم، وأفضل النجباء النجيب من أهل السوء وإنك يا محمد لنجيب أهل بيتك.(٣)

تحذير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر وعمر من غصب الخلافة!

أما إني سأخبرك: دعاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده سلمان وأبو ذر والمقداد، ثم أرسل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عائشة إلى أبيها وحفصة إلى أبيها وأمر ابنته فأرسلت إلى زوجها عثمان، فدخلوا.

فحمد الله وأثنى عليه وقال:يا أبا بكر ،يا عمر ،يا عثمان ، إني رأيت الليلة اثني عشر رجلاً على منبري يردون أمتي عن الصراط القهقرى. فاتقوا الله وسلِّموا الأمر لعلي بعديولا تنازعوه في الخلافة ، ولا تظلموه ولا تظاهروا عليه أحداً. قالوا: يا نبي الله، نعوذ بالله من ذلك! أماتنا الله قبل ذلك!!

____________________

١. يعني أن مَن برء مِن عدو أبي بكر وعمر فقد برئ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حيث لا يعلم

٢. روي في الإختصاص: ص ٦٥ عن أبي جعفرعليه‌السلام : إن محمد بن أبي بكر بايع علياًعليه‌السلام على البراءة من أبيه.

٣. روي في «الإختصاص»: ص ٦٥ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كانت النجابة (في محمد بن أبي بكر) قد أتته من قبل أمه أسماء بنت عميس لا من قِبَل أبيه. وروي في البحار: ج ٢٢ ص ٣٤٣ عن الصادقعليه‌السلام : أنجب النجباء من أهل بيت سوء محمد بن أبي بكر.

٤٤٢

النص على الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام بحضور أبي بكر وعمر وعثمان

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : فإني أشهدكم جميعاً ومن في البيت من رجل وامرأة: «أن علي بن أبي طالب خليفتي في أمتي، وإنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فإذا مضى فابني هذا - ووضع يده على رأس الحسنعليه‌السلام - فإذا مضى فابني هذا - ووضع يده على رأس الحسينعليه‌السلام - ثم تسعة من ولد الحسينعليه‌السلام واحد بعد واحد. وهم الذين عنى الله بقوله: «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم»(١) ثم لم يدع آية نزلت في الأئمة إلا تلاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

رؤيا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الغاصبين

فقام أبو بكر وعمر وعثمان، وبقيت أنا وأصحابي أبو ذر وسلمان والمقداد وبقيت فاطمة والحسن والحسين، وقمن نساءه وبناته غير فاطمة، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «رأيت هؤلاء الثلاثة وتسعة من بني أمية وفلان من التسعة من آل أبي سفيان (٢) وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص بن أمية يردون أمتي على أدبارها القهقرى ».

قال ذلك عليعليه‌السلام وبيت زياد ملآن من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . ثم أقبل عليهم فقال:

«اكتموا ما سمعتم إلا من مسترشد. يا زياد، اتق الله في شيعتي بعدي»! فلما خرج من عند زياد أقبل علينا فقال: «إن معاوية سيدَّعيه، ويقتل شيعتي، لعنه الله ».

____________________

١. سورة النساء: الآية ٥٩.

٢. المراد به معاوية، أي معاوية أحد التسعة من بني أمية.

٤٤٣

٦٨

إبراهيم النخعي يقر بالأئمةعليهم‌السلام

وفي كتاب سليم(١) عن الأعمش عن خيثمة، قال:

لما حضرت إبراهيم النخعي(٢) الوفاة قال لي: «ضمني إليك»، ففعلت. فقال: «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله رسول الله، وأن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وصي محمد، وأن الحسن وصي علي، وأن الحسين وصي الحسن، وأن علي بن الحسين وصي الحسين».

قال: ثم أغمي عليه فسقط، فقلت: هِيْ هِيْ! ثم أفاق فقال: سمعني غيرك؟ فقلت: لا. فقال: «على هذا أحيي وعليه أموت، وعليه كان علقمة والأسود(٣) ،ومن لم يكن على هذا فليس على شيئ ».

____________________

١. هكذا في النسخ، والظاهر أنه من رواية أبان بن أبي عياش يرويها عن الأعمش.

٢. إبراهيم النخعي هو أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن الأسود بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن سعد بن مالك بن النخع من مذحج. توفي سنة ٩٦ بالكوفة. وكان علقمة والأسود المذكوران في آخر هذا الحديث عمه وخاله.

٣. هما تلميذا ابن مسعود. أما علقمة فهو علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة. ولد في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومات سنة ٦٢ أو ٧٣ بالكوفة. ولعل هذا هو الذي شهد صفين وخضب سيفه دماً وأصيبت إحدى رجليه فعرج منها. وكان فقيهاً في دينه قارئاً لكتاب الله وهو من ثقات أمير المؤمنينعليه‌السلام ومن كبار التابعين ورؤسائهم وزهادهم.

والأسود هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي من أصحاب عليعليه‌السلام مات في سنة ٧٤.

٤٤٤

٦٩

وصية أمير المؤمنينعليه‌السلام في الساعات الأخيرة

سليم بن قيس الهلالي قال(١) : شهدت وصية علي بن أبي طالب صلوات الله عليه حين أوصى إلى ابنهالحسن عليه‌السلام ، وأشهد على وصيته الحسينعليه‌السلام ومحمداً وجميع ولده وأهل بيته ورؤساء شيعته.

النص على الأئمةعليهم‌السلام وتسليم ودائع الإمامة

ثم دفععليه‌السلام الكتب والسلاح إليه، ثم قال: يا بني، أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن أوصي إليك وأدفع كتبي وسلاحي إليك ، كما أوصى إليَّ رسول الله ودفع كتبه وسلاحه إليَّ، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيكالحسين .

ثم أقبل على الحسينعليه‌السلام فقال له: «وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك هذا» - وأخذ بيد ابن ابنهعلي بن الحسين عليه‌السلام وهو صغير(٢) - فضمَّه إليه وقال له: «وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنكمحمد ، فاقرأه من رسول الله السلام ومني».

____________________

١. ورد هذا الحديث في كتاب «الغيبة» للشيخ الطوسي بالإسناد عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ، وفي أوله هذه الزيادة:

عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: هذه وصية أمير المؤمنينعليه‌السلام وهي نسخة كتاب سليم بن قيس الهلالي دفعها إلى أبان وقرأها عليه. قال أبان: وقرأتها على علي بن الحسينعليهما‌السلام ، فقال: صدق سليم، رحمه الله.

٢. إنهعليه‌السلام كان ابن سنتين آنذاك.

٤٤٥

ثم أقبل على ابنه الحسنعليه‌السلام فقال: يا بني، أنت ولي الأمر وولي الدم بعدي، فإن عفوت فلك، وإن قتلت فضربة مكان ضربة ولا تمثِّل. ثم قال: أكتب:

نص وصية أمير المؤمنينعليه‌السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب: أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.

ثم إني أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغه كتابي من المؤمنين بتقوى الله ربكم، فلا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون. واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، فإني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصوم، وإن البغضة حالقة الدين وفساد ذات البين»(١) ، ولا قوة إلا بالله.

انظرواذوي أرحامكم فصلوهم يهوِّن الله عليكم الحساب.

والله الله فيالأيتام فلا تغيِّروا أفواههم ولا تضيِّعوا من بحضرتكم(٢) ، فقد سمعت

____________________

١. في الكافي: وإن المبيرة الحالقة للدين فساد ذات البين.

٢. في الكافي والتهذيب: فلا تَغبُّوا أفواههم، أي لا تكونوا تصلوهم يوماً وتتركوهم يوماً. وفي الفقيه: فلا تعرَّ أفواههم ولا يضيِّعوا بحضرتكم، أي لا ترفع أصواتهم.

٤٤٦

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «من عال يتيماً حتى يستغني أوجب الله له بذلك الجنة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار».

والله الله فيالقرآن ، لا يسبقكم إلى العمل به غيركم.

والله الله فيجيرانكم ، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى بهم.

والله الله فيبيت ربكم ، فلا يخلونَّ منكم ما بقيتم فإنه إن يترك لم تناظروا. وإن أدنى ما يرجع به من أمَّه أن يغفر له ما قد سلف.

والله الله فيالصلاة ، فإنها خير العمل وإنها عمود دينكم.

والله الله فيالزكاة ، فإنها تطفئ غضب ربكم.

والله الله فيشهر رمضان ، فإن صيامه جُنة من النار.

والله الله فيالفقراء والمساكين ، فشاركوهم في معيشتكم.

والله الله فيالجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، فإنما يجاهد في سبيل الله رجلان: إمام هدى، ومطيع له مقتد بهداه.

والله الله فيذرية نبيكم ، فلا يظلمن بين أظهركم وأنتم تقدرون على الدفع عنهم.

والله الله فيأصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثاً ولم يؤوا مُحدثاً، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى بهم ولعن المحدث منهم ومن غيرهم والمؤوي للمحدث.

والله الله فيالنساء (١) وما ملكت أيمانكم، لا تخافنَّ في الله لومة لائم فيكفيكهم الله وقولوا للناس حسناً كما أمركم الله.

ولا تتركنالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي الله الأمر أشراركم وتدعون فلا يستجاب لكم.

____________________

١. ورد هذه الفقرة في الكافي هكذا: الله الله في النساء وفيما ملكت أيمانكم، فإن آخر ما تكلم به نبيكم أن قال: «أوصيكم بالضعيفين: النساء وما ملكت أيمانكم. الصلاة الصلاة الصلاة، لا تخافوا في الله لومة لائم، يكفيكم الله من آذاكم وبغي عليكم. قولوا للناس حسناً كما أمركم الله عز وجل ولا تتركوا الأمر بالمعروف و ...».

٤٤٧

عليكم يا بنيَّبالتواصل والتباذل والتبارِّ ، وإياكم والنفاق والتقاطع والتدابر والتفرق. وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب.

حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيكم. أستودعكم الله وأقرء عليكم السلام.

ثم لم يزل يقول «لا إله إلا الله» حتى قبضعليه‌السلام في أول ليلة من العشر الأواخر من شهر رمضان ليلةإحدى وعشرين ، ليلة الجمعة،سنة أربعين من الهجرة.(١)

____________________

١. زاد في التهذيب هذه العبارة في آخر الحديث: قال أبان: قرأتها على علي بن الحسينعليه‌السلام ، فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : صدق سليم.

٤٤٨

٧٠

أقل ما يجب على المؤمن لحفظ عقيدته

وعن سليم بن قيس، قال: قلت لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام : يا أمير المؤمنين، ما الأمر اللازم الذي لا بد منه والأمر الذي إذا أخذت به وسعني الشك فيما سواه؟

فقالعليه‌السلام : من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأقرَّ بما أنزل الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان وحج البيت والولاية لنا أهل البيت والبراءة من عدونا واجتنب كل مسكر.

الولاية والبراءة إجمالاً وتفصيلاً

قلت: جعلت فداك، الإقرار بما جاء من عندكم جملة أو مفسَّراً؟ قال: لا، بل جملة.

قلت: جعلت فداك، فما المسكر؟ قال: كل شراب إذا أكثر منه صاحبه سكر، فالجرعة منه بل القطرة حرام .

قلت: جعلت فداك، ليس شيئ مما قلت إلا وقد صح غير الولاية، أعامة لجميع بني هاشم أو خاصة لفقهائكم وعلمائكم؟ البراءة من عدوكم، من عادى جميعكم أو من عادى رجلاً منكم؟(١)

____________________

١. معناه: إن في مسألة «البراءة من عدوكم»، هل هذا العدو من عادى جميعكم أو يكفي عداوته لرجل منكم؟

٤٤٩

فقالعليه‌السلام : لقد سألت - يا أخا بني هلال - فافهم.إذا أتيت بولايتنا أهل البيت في الجملة وبرئت من أعدائنا في الجملة فقد أجزأك .

فإن عرَّفك الله الأئمة منا الأوصياء العلماء الفقهاء، فعرفتهم وأقررت لهم بالطاعة وأطعتهم فأنت مؤمن بالله وأنت من أهل الجنة،فهم الذين يدخلون الجنة بغير حساب .

وإن وحَّدت الله وشهدت أن محمداً رسول الله وأخذت بما ليس بين جميع أهل القبلة فيه اختلاف - مما قد أجمعوا عليه أن الله قد أمر به ونهى عنه - وأشكل عليك موضع الإمامة والوصية والعلم والفقه، فرددت علمه إلى الله ولم تعادهم ولم تبرء منهم ولم تنصب لهم العداوة، فأنت جاهل بما جهلت ضال عما اهتدى إليه أهل الفضلوالولاية. للهِ فيك المشية، إن عذبك فبذنبك وإن تجاوز عنك فبرحمته .

وأماالناصب لنا والمعادي لنا فمشرك كافر عدو لله.

والعارفون بحقنا المؤمنون بنا مؤمنون مسلمون أولياء الله.

٤٥٠

المستدرك من أحاديث سليم

نذكر في هذا الفصل ٢٨ حديثاً رُويت في الموسوعات الحديثية

نقلاً عن سليم بن قيس، وتعطي القرائن أنها كانت جزءً من كتابه.

٤٥١

٤٥٢

٧١

من لم يعرف إمامه مات ميتة جاهلية

الصدوق في كمال الدين قال: حدثنا أبي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما، قالا: حدثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري جميعاً عن محمد بن عيسى ويعقوب بن يزيد وإبراهيم بن هاشم جميعاً عن حماد بن عيسى عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي:

أنه سمع من سلمان ومن أبي ذر ومن المقداد رحمة الله عليهم حديثاً عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: «من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية ».

ثم عرضه(١) على جابر وابن عباس فقالا: صدقوا وبرُّوا، قد شهدنا ذلك وسمعناه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن سلمان قال: يا رسول الله، إنك قلت: «من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية»، من هذا الإمام يا رسول الله؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أوصيائي يا سلمان. فمن مات من أمتي وليس له إمام يعرفه مات ميتة جاهلية.فإن جهله وعاداه فهو مشرك، وإن جهله ولم يعاده ولم يوال له عدواً فهو جاهل وليس بمشرك.

____________________

١. أي عرضه سليم عليهما.

٤٥٣

٧٢

أمير المؤمنينعليه‌السلام يكلم الشمس بأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

الحسين بن عبد الوهاب في عيون المعجزات قال: حدثني ابن عياش الجوهري، قال: حدثني أبو طالب عبد الله بن محمد الأنباري: قال: حدثني أبو الحسين محمد بن زيد التستري، قال: حدثني أبو سمينة محمد بن علي الصيرفي، قال: حدثني إبراهيم بن عمر اليماني عن حماد بن عيسى المعروف بغريق الجحفة، قال: حدثني عمر بنأذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي قال:

سمعت أبا ذر جندب بن جنادة الغفاري، قال:

رأيت السيد محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد قال لأمير المؤمنينعليه‌السلام ذات ليلة: إذا كان غداً اقصد إلى جبال البقيع وقف على نشز(١) من الأرض، فإذا بزغت الشمس فسلِّم عليها، فإن الله تعالى قد أمرهاأن تجيبك بما فيك .

فلما كان من الغد خرج أمير المؤمنينعليه‌السلام ومعه أبو بكر وعمر وجماعة من المهاجرين والأنصار، حتى وافى البقيع ووقف على نشز من الأرض. فلما أطلعَت الشمس قرنيها قالعليه‌السلام : «السلام عليك يا خلق الله الجديد المطيع له». فسمعوا دوياً من السماء وجواب قائل يقول: «وعليك السلام يا أول، يا آخر، يا ظاهر، يا باطن، يا من هو بكل شيء عليم ».

____________________

١. أي مكان مرتفع.

٤٥٤

فلما سمع أبو بكر وعمر والمهاجرون والأنصار كلام الشمس صعقوا. ثم أفاقوا بعد ساعات وقد انصرف أمير المؤمنينعليه‌السلام عن المكان! فوافوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع الجماعة وقالوا: أنت تقول إن علياً بشر مثلناوقد خاطبته الشمس بما خاطب به الباري نفسه! ؟

تفسير كلام الشمس مع عليعليه‌السلام

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وما سمعتموه منها؟ فقالوا: سمعناها تقول: «السلام عليك يا أول»! قال: صدقَت،هو أول من آمن بي .

فقالوا: سمعناها تقول: «يا آخر». قال: صدقَت،هو آخر الناس عهداً بي ، يغسِّلني ويكفِّنني ويدخلني قبري.

فقالوا: سمعناها تقول: «يا ظاهر». قال: صدقَت،ظهر علمي كله له .

قالوا: سمعناها تقول: «يا باطن». قال: صدقَت،بطن سري كله .

قالوا: سمعناها تقول: «يا من هو بكل شيئ عليم». قال: صدقَت،هو العالم بالحلال والحرام والفرائض والسنن وما شاكل ذلك .

فقاموا كلهم وقالوا: «لقد أوقعَنا محمد في طخياء»! وخرجوا من باب المسجد.

٤٥٥

٧٣

هل ينفعني حب عليعليه‌السلام ؟

الكراجكي في كنز الفوائد قال: أخبرني أبو المرجا البلدي، قال: أخبرني أبو المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني الكوفي، قال: حدثني الحسن بن علي بن نعيم بن سهل بن أبان بن محمد البغدادي، قال: حدثنا علي بن الحسين بن بشير الكوفي، قال: حدثنا محمد بن سنان عن مفضل بن عمر الجعفي عن أبي خالدالكابلي عن سليم بن قيس الهلالي عن عبد الله بن عباس قال:

جاء رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال:هل ينفعني حب علي عليه‌السلام ؟! فقال: ويحك، من أحبه أحبني ومن أحبني أحب الله، ومن أحب الله لم يعذبه.

فقال الرجل: زدني من فضل محبة عليعليه‌السلام . فقال: أسأل لك عن ذلك جبرئيل. فهبط جبرئيل لوقته، فسأله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخبره بقول الرجل. فقال جبرئيل: «سأسأل عن ذلك رب العزة»، وارتفع.

فأوحى الله إليه: إقرأ محمداً خيرتي مني السلام وقل له: «أنت مني بحيث شئت أنا، وعلي منك بحيث أنت مني،ومحبو علي مني بحيث علي منك ».

قال الكراجكي: وللحديث تمام(١) ، وفيه: أن السائل كان أبو ذر.

____________________

١. من الـمؤسِف عدم وصول تمام الحديث إلينا.

٤٥٦

٧٤

عليعليه‌السلام سيد السابقين المقربين

محمد بن العباس في تفسيره: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد بإسناده عن رجاله عن سليم بن قيس عن الحسن بن علي عن أبيهعليهما‌السلام في قوله عز وجل( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولَـٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (١) ، قال:

إنيأسبق السابقين إلى الله وإلى رسوله، وأقرب المقربين إلى الله وإلى رسوله.

____________________

١. سورة الواقعة: الآيتان ١٠ و ١١.

٤٥٧

٧٥

أبو ذر ينادي بالولاية في موسم الحج

الطبرسي في الإحتجاج قال:

قال سليم بن قيس: بينما أنا وحَنَش بن المعتمر بمكة إذ قام أبو ذر وأخذ بحلقة الباب، ثم نادى بأعلى صوته في الموسم:

أيها الناس، من عرفني فقد عرفني ومن جهلني فأناجندب بن جنادة ، أنا أبو ذر. أيها الناس، إني سمعت نبيكم يقول: «مثل أهل بيتي في أمتي كمثل سفينة نوح في قومه، من ركبها نجا ومن تركها غرق، ومثل باب حطة في بني إسرائيل». أيها الناس، إني سمعت نبيكم يقول: «إني تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب اللهوأهل بيتي...» إلى آخر الحديث.

عثمان يؤاخذ أبا ذر

فلما قدم(١) المدينةبعث إليه عثمان فقال: ما حملكَ على ما قمت به في الموسم؟ قال: عهد عهده إليَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمرني به.

فقال: من يشهد بذلك؟ فقام عليعليه‌السلام والمقداد فشهدا، ثم انصرفوا يمشون ثلاثتهم. فقال عثمان: إن هذا وصاحبيه يحسبون أنهم في شيئ.

____________________

١. أي فلما قدم أبو ذر.

٤٥٨

٧٦

خطبة الإمام الحسنعليه‌السلام عند الصلح مع معاوية

الطبرسي في الإحتجاج وابن المطهر في العدد القوية عن سليم بن قيس، قال:

قام الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام على المنبر - حين اجتمع مع معاوية - فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

أيها الناس، إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلاً ولم أر نفسي لها أهلاً،وكذب معاوية . أنا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبي الله.

فأقسم بالله، لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصرونيلأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها ، ولما طمعت فيها يا معاوية. وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما ولَّت أمة أمرها رجلاً قط وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ملة عبدة العجل». وقد ترك بنو إسرائيل هارون واعتكفوا على العجل وهم يعلمون أن هارون خليفة موسى.

وقد تركت الأمة علياً وقد سمعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليعليه‌السلام : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة فلا نبي بعدي».

وقد هرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قومه وهو يدعوهم إلى الله حتى فرَّ إلى الغار، ولو وجد عليهم أعواناً ما هرب منهم.ولو وجدت أعواناً ما بايعتك يا معاوية .

٤٥٩

وقد جعل الله هارون في سعة حين استضعفوه، وكادوا يقتلونه ولم يجد عليهم أعواناً، وقد جعل الله النبي في سعة حين فرَّ من قومه لما لم يجد أعواناً عليهم. وكذلك أنا وأبي في سعة من الله حين تركتنا الأمة وبايعت غيرنا ولم نجد أعواناً . وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضاً.

أيها الناس، إنكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب لم تجدوا رجلاً من ولد النبي غيري وغير أخي.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638