قواعد الحديث

قواعد الحديث0%

قواعد الحديث مؤلف:
تصنيف: علم الدراية
الصفحات: 263

قواعد الحديث

مؤلف: محي الدين الموسوي الغريفي
تصنيف:

الصفحات: 263
المشاهدات: 98806
تحميل: 6732

توضيحات:

قواعد الحديث
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 263 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 98806 / تحميل: 6732
الحجم الحجم الحجم
قواعد الحديث

قواعد الحديث

مؤلف:
العربية

الثالث : أن مباني الفقهاء مختلفة في العمل بالأخبار على ما سبق.

فلا نعرف الوجه الذي دعا الى العمل بخبره ، ولعله رواية أصحاب الاجماع أو ابن أبي عمير ، وصاحبيه عنه ، أو بعض المباني الأخرى التي لا يرى الفقيه حجيتها.

الرابع : أن الشيخ الطوسي ادعى اجماع الطائفة على العمل بالأخبار التي رووها في تصانيفهم ، ودونوها في أصولهم. وادعى عمل الطائفة بالمراسيل اذا لم يعارضها من المسانيد الصحيحة(1) . ومقتضى ذلك لزوم العمل بجميع أخبار تلك التصانيف والأصول ، بلا حاجة الى النظر في أسنادها ولزوم العمل بجميع المراسيل السالمة عن معارضة المسند الصحيح ، مع أن الفقهاء لم يقبلوا ذلك. ودعوى الشيخ في محل البحث نظير ذينك الدعويين فلا وجه لردهما ، والأخذ بها.

الخامس : أن ما سبق ما أدلة ضعف البطائني ، وسقوط أخباره عن الاعتبار لا يبقي مجالاً للأخذ بهذه الدعوى والعمل بها.

حديث البطائني حال استقامته

يبقى البحث في أن البطائني له حال استقامة حدّث فيها قبل موت الامام الكاظم (ع). فيمكن القول : بأن دعوى الشيخ عمل الطائفة بأخباره كاشفة عن قيام قرائن لديهم أورثتهم وثوقاً بصدور رواياته حال استقامته. والجواب عنه.

أولاً : وهن تلك الدعوى في نفسها ، فلا تصلح للكشف عن ذلك.

وثانياً : أن عبارة الشيخ ظاهرة في استمرار اعتماد الطائفة عليه ،

__________________

1 ـ عدة الأصول ص 51 ـ 63

١٠١

لا في خصوص حال استقامته. وصدور بعض أخباره في تلك الحال غير مجدي ، لعدم حجية البعض الآخر الصادر بعد انحرافه ، ولا تمييز بينهما ، والعلم الاجمالي بعدم حجية بعض اخباره مانع من الركون اليها مطلقاً.

وثالثاً : أن القدماء كثيراً ما يعتمدون على الخبر المحفوف بقرائن تفيدهم الوثوق بصدوره عن المعصوم (ع) وإن كان راويه ضعيفاً. فلا يكشف عملهم بأخبار البطائني عن صدورها حال استقامته. وقد نبه على ذلك الشيخ الأصبهاني في ( الفصول )(1) ، وصرح : بأنه لا وجه لتخصيص رواية أصحابنا عن بعض الفرق المخالفة كالواقفة بحال استقامتهم ولذا رووا عن النوفلي ، والسكوني ، وليس لهما حال استقامة.

وعلى تقدير حصول الوثوق لشخص بصدور جميع أخبار البطائني حال استقامته ، من دعوى الشيخ ، أو غيرها ، تكون حجة في حقه دون من لم ينكشف له ذلك.

وخلاصة البحث أنه لم يقم دليل يمكن الركون اليه في توثيق البطائني أو اعتبار أخباره. وإنما المرجع تلك الأدلة الصريحة في ضعفه ، وسقوطه عن الاعتبار. وهو المشهور بين الفقهاء ، وأرباب التراجم. ويوهن به القول بأن أصحاب الاجماع أو ابن أبي عمير ، والبزنطي ، وصفوان لا يروون إلا عن ثقة.

وبهذا ينتهي البحث عن الطريق الأول لتصحيح الحديث الضعيف السند ، وهو كون الراوي له من أصحاب الاجماع وجاء دور الطريق الثاني. فنقول.

__________________

1 ـ انظر فصل معرفة توثيق المزكي للراوي.

١٠٢

١٠٣

١٠٤

 ـ 4 ـ

الحديث وَشهرة الفتوى

١٠٥

 آراء الفقهاء

اشتهر بين الفقهاء المتأخرين أن الخبر الضعيف السند ينجبر بشهرة العمل له ، أي بفتوى أكثر الفقهاء بمضمونه ، واستنادهم اليه في مقام استنباط الحكم ، فيكون حجة لذلك. كما اشتهر أن الخبر الصحيح السند يوهن بشهرة الاعراض عنه ، أي باعراض أكثر الفقهاء ، وهجرهم له بالفتوى على خلافه.

قال الشهيد الثاني : إن جماعة كثيرة أجازوا العمل بالخبر الضعيف اذا اعتضد بشهرة الفتوى بمضمونه في كتب الفقه. بتعليل أن ذلك يوجب قوة الظن بصدق الراوي ، وإن ضعف الطريق ، فان الطريق الضعيف قد يثبت به الخبر مع اشتهار مضمونه(1) .

يعني صدق الراوي في خصوص ذلك الحديث الذي اشتهر العمل بمضمونه لا مطلقاً ، وإلا لكان موثقاً ، وزال ضعف الطريق الذي فرض ثبوته. ولذا لا يعامل ذلك الراوي معاملة الثقات في بقية أحاديثه التي لم يشتهر العمل بها. فيكون المراد حصول قوة الظن بصدور ذلك الحديث عن المعصوم (ع).

نعم لو اشتهر العمل بجميع أحاديثه ، ولم ينصّوا على ضعفه أمكن القول : بأن منشأ ذلك كونه ثقة لكن يضعّفه احتمال احتفاف أحاديثه لديهم بقرائن أفادتهم وثوقاً بصدورها عن المعصوم (ع).

وقال اليخ المامقاني عندما عدّ الأخبار المعتبرة : « ومنهم من زاد على ذلك الضعيف المنجبر بالشهرة نظراً الى كشفها عن قرينة شاهدة بصدوره

__________________

1 ـ الدراية ص 27.

١٠٦

من مصدر الحق ، وأن الشهرة القائمة على طبق الخبر لا تقصر في إيراث الوثوق عن التوثيق الرجالي »(1) . يعني كشف الشهرة عن قرينة قائمة لدى أولئك الذين تحققت الشهرة بفتواهم.

واختاره المحقق الحلي قائلاً : « والتوسط أصوب. فما قبله الأصحاب أو دلت القرائن على صحته عُمل به. وما أعرض الأصحاب عنه ، أو شذ يجب إطراحه لوجوه الخ »(2) . وقال عند ذكر خبر رفعه محمد بن احمد بن يحيى : « وهذا وإن كان مرسلاً إلا أن فضلاء الأصحاب أفتوا بمضمونه »(3) .

كما اختاره المحقق الهمداني بقوله : « فلا يكاد يوجد رواية(4) يمكننا إثبات عدالة رواتها على سبيل التحقيق ، لولا البناء على المسامحة في طريقها ، والعمل بظنون غير ثابتة الحجية ، بل المدار على وثاقة الراوي أو الوثوق بصدور الرواية وإن كان بواسطة القرائن الخارجية التي عمدتها كونها مدوّنة في الكتب الأربعة ، أو مأخوذة من الأصول المعتبرة ، مع اعتناء الأصحاب بها ، وعدم إعراضهم عنها ولأجل ما تقدمت الاشارة اليه جرت سيرتي على ترك الفحص عن حال الرجال ، والاكتفاء في توصيف الرواية بالصحة كونها موصوفة بها في ألسنة مشايخنا المتقدمين الذين تفحّصوا عن حالهم »(5) .

وخالف في ذلك جماعة من المحققين ، وبنوا على أن شهرة العمل بحديث لا تجبر ضعف سنده ، وشهرة الاعراض عنه لا توهن صحته. منهم

__________________

1 ـ مقباس الهداية ص 37.

2 ـ المعتبر ص 6.

3 ـ المعتبر ص 286.

4 ـ المذكور في النسخة المطبوعة ( خبر ) لكن الضمائر المؤنثة العائدة عليه تقتضي بأن الصحيح ( رواية ). ويناسبه السياق.

5 ـ مصباح الفقيه ، الصلاة ص 12.

١٠٧

الشهيد الثاني. فقال : « ووجهه على نحو الايجاز أنا نمنع من كون الشهرة التي ادعوها مؤثرة في جبر الخبر الضعيف ، فان هذا إنما يتم لو كانت الشهرة متحققة قبل زمن الشيخ ، والأمر ليس كذلك ، فان من قبله من العلماء كانوا بين مانع من خبر الواحد مطلقاً ، كالسيد المرتضى. والأكثر على ما نقله جماعة ، وبين جامع للأحاديث من غير التفات ( الى )(1) تصحيح ما يصح ، ورد ما يرد. وكان البحث عن الفتوى مجردة لغير الفريقين قليلاً جداً ، على من اطلع على حالهم. فالعمل بمضمون الخبر الضعيف قبل زمن الشيخ على وجه يجبر ضعفه ليس بمتحقق. ولما عمل الشيخ بمضمونه في كتبه الفقهية ، جاء مَن بعده من العلماء ، واتبعه منهم عليها الأكثر تقليداً له إلا من شذ منهم. ولم يكن فيهم من يسبر الأحاديث وينقّب عن الأدلة بنفسه سوى الشيخ المحقق ابن إدريس ، وقد كان لا يجيز العمل بخبر الواحد مطلقاً. فجاء المتأخرون بعد ذلك ، ووجدوا الشيخ ، ومن تبعه قد عملوا بمضمون ذلك الخبر الضعيف لأمر ما رأوه في ذلك ، لعل اللّه يعذرهم فيه ، فحسبوا العمل به مشهوراً ، وجعلوا هذه الشهرة جابرة لضعفه ، ولو تأمل المنصف ، وحرر المنقّب لوجد مرجع ذلك كله الى الشيخ ، ومثل هذه الشهرة لا تكفي في جبر الخبر الضعيف وممن اطلع على هذه القاعدة التي بينتها ، وحققتها ، ونقبتها من غير تقليد ، الشيخ الفاضل المحقق سديد الدين محمود الحمصي ، والسيد رضي الدين بن طاووس ، وجماعة. قال السيد في كتاب ( البهجة لثمرة المهجة ) : أخبرني جدي الصالح ورّام بن أبي فراس ، أن الحمصي حدّثه أنه لم يبق للامامية مفتي على التحقيق ، بل كلهم حاكٍ. وقال السيد عقيبه : والآن فقد ظهر أن الذي يفتى به ، ويجاب عنه على سبيل ما حفظ من كلام

__________________

1 ـ لم توجد كلمة ( الى ) في المصدر ، لكنه غلط.

١٠٨

العلماء المتقدمين »(1) .

وقال الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني « وبأن الشهرة التي تحصل معها قوّة الظن هي الحاصلة قبل زمن الشيخ ـ رحمة اللّه ـ لا الواقعة بعده وأكثر ما يوجد مشهوراً في كلامهم حدث بعد زمان الشيخ ، كما نبه عليه والدي في كتاب ( الرعاية ) الذي ألّفه في دراية الحديث الخ » ثم ساق كلام والده الشهيد ملخصاً(2) .

وقال المحقق الأصبهاني في ( شرح الكفاية ) : « نعم الانصاف أن استناد المشهور اذا كشف عن ظفر الكل بموجب الوثوق كان ذلك مفيداً للوثوق نوعاً. لكنه غالباً ليس كذلك ، بل الغالب في تحقق الشهرة تبعية المتأخر للمتقدم في الاستناد الى ما استند اليه لحسن ظنه به واللّه أعلم »(3) واختاره استاذنا المحقق الخوئي.

الشهرة بين المتأخرين

وصرح جماعة ، منهم الشهيد الثاني وولده في كلامهما السابق ، والشيخ الأنصاري(4) ، بأن الشهرة الصالحة للجبر والتوهين هي الشهرة لدى قدماء الأصحاب ، فلا عبرة بما اشتهر بين المتأخرين منهم.

وبهذا يقضي استدلالهم على اعتبار الشهرة بأنها تكشف عن قرينة شاهدة بصدور الحديث عن المعصوم (ع) ، فان القرائن الشاهدة بذلك توفرت لدى القدماء ، وخفت على المتأخرين ، كما سبق في مبحث ( تنويع

__________________

1 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 27 ، وما بعدها.

2 ـ معالم الأصول ص 168 ـ 169.

3 ـ نهاية الدراية ج 2 ص 166.

4 ـ المكاسب ص 8.

١٠٩

الحديث ). ولذا قال الشيخ المامقاني في الايراد على من لم يعتبر الشهرة « إن هذا المنع مما لا وجه له ، فان من لاحظ كثرة القرائن للمقاربين لعهد الأئمةعليهم‌السلام واختفاءها علينا اطمأن من اشتهار العمل بالخبر الضعيف بصدوره من مصدر الحق الخ ».

ومع ذلك صرح بكفاية الشهرة الحاصلة بعد زمن الشيخ. فقال : « ضرورة أن المدار على الوثوق والاطمئنان ، فاذا حصل من الشهرة الحاصلة بعد زمن الشيخ فما المانع من جعلها بمنزلة توثيق الشيخ ، ومن تأخر عنه »(1) .

وتعدى بعضهم عن ذلك الى كفاية الشهرة ولو في آخر طبقة من طبقات الفقهاء فقط ، فتكون حجة لمن يأتي بعدها. فقال : « ثم إنه هل المراد بالأصحاب خصوص القدماء منهم ، أو كل طبقة بالنسبة لمن تأخر عنها احتمالان. والذي يظهر من تعليلات الجابرية في كلامهم هو الأول ولكن الظاهر عدم الخصوصية ، لاتحاد المناط ، أعني الوثوق ، فانه متى حصل كل مشمولاً لآية النباء والمستفاد منه مطلق الوثوق من مطلق السبب لا وثوق خاص ».

ويورد عليه بأن مراده بالوثوق الحاصل من تلك الشهرة ، إن كان شخصياً فمن المستبعد جداً حصوله لشخص في كل مورد ، وعلى فرض حصوله يكون حجة بالنسبة اليه دون غيره. وإن كان نوعياً ، كما هو الظاهر من قياس الشهرة في كلام بعضهم بالتوثيق الرجالي المفيد للوثوق نوعاً فسيأتي النقاش فيه من أجل اختلاف مباني الفقهاء في العمل بالأخبار مع أن المفروض هنا اختصاص الشهرة ببعض العصور المتأخرة ، فلا يصح القول : بأنها تكشف عن قرينة تشهد بصدور الخبر عن المعصوم (ع) بحيث خفت على جميع الفقهاء القدامى والمتأخرين دون أولئك الجماعة الذين عملوا به. واحتمال وجودها لا يجدي نفعاً. واستدلاله بآية النباء على كفاية

__________________

1 ـ مقباس الهداية ص 37.

١١٠

الوثوق بالصدور ـ على فرض حصوله ـ سيأتي البحث عنه.

على أن ما اختاره ينافي قوله في صدر كلامه : « وهذا النوع من الأخبار يحصل الوثوق بصدوره ، لأن سلفنا الصالح ـ رضوان اللّه عليهم ـ كانوا أقرب منا عهداً ، وأعرف بالأخبار ، ورواتها ، فعملهم بالضعيف لا بد وأن يكون من جهة احتفافه بقرائن كانت عندهم موجبة للأخذ به ».

وقال : « ولا سيما بعد ملاحظة ما كان عليه السلف من الورع ، والتثبت وقرب العهد الخ ».

وهو صريح في أن الوثوق إنما يحصل من عمل القدماء ، لقرب عهدهم بعصر المعصومين (ع).

ومع ذلك يقول في تمهيد كتابه ، عند ذكر وهن الخبر بإعراض المشهور : « ويعللها ضعفاء المدرّسين بأن الأصحاب أقرب عهداً ، وأعرف بالأخبار ، وهو ـ كما تراه ـ استدلال على الظني بمثله ، وعلى حجية الشيء بما لا حجية فيه »(1) . وهذا تهافت ظاهر ، حيث ندّد بما استدل به. والعصمة لأهلها.

تحقيق البحث

وتحقيق البحث يستدعي النظر أولاً : في شهرة العمل بالحديث ، وجبرها لضعف سنده. وثانياً : في شهرة الاعراض عنه ، وتوهينها لصحته.

أما شهرة العمل فالبحث عنها في جهات. الأولى : في إمكان إحرازها الثانية : في حصول الوثوق منها بصدور الحديث عن المعصوم (ع) الثالثة : في حجية الحديث الموثوق بصدوره لأجلها.

__________________

1 ـ انظر قواعد الفقيه ص ح ـ 26 ـ 34 ـ 35.

١١١

أ ما الأولى فقد سبق نقاش الشهيد الثاني فيها ، لأن العبرة بعمل القدماء بمضمون الخبر ، ولم يحرز ، لأنهم بين مانع من العمل بخبر الواحد مطلقاً كالسيد المرتضى ، فلا نحتمل استناد فتياه اليه ، خصوصاً مع ضعف سنده. ولذا ادعى السيد الاجماع في كثير من فتاواه. واحتمال كون الخبر متواتراً لديه لا يثبت استناد فتياه اليه. وبين جامع للأحاديث بدون فتوى ، وبلا تمييز بين ما يصح منها عن غيره ، ولو للبناء على صحة جميعها عنده ، كالكليني في كتابه ( الكافي ). وبين جامع لفتاوى مجردة عن الدليل ، فلم يعلم مستنده غالباً فيها ، مثل الشيخ المفيد في كتابه ( المقنعة ).

و محض موافقة الفتوى لمضمون الحديث لا تصلح لجبر ضعفه حتى عند القائلين بالجبر ، وإنما العبرة في ثبوت الاستناد اليه. ولذا قال المحقق الهمداني : « الشهرة تصلح جابرة للضعف من جميع الجهات ولكن بشرط استناد المشهور اليه في فتاواهم ، وعملهم به ، لا مجرد موافقة قولهم لمضمونه ، فانه خارجي غير مجدٍ في جبر ضعف الخبر ، كما تقرر في محله الخ »(1) . وقال المحقق النائيني : « والشهرة العملية عبارة عن اشتهار الرواية من حيث العمل ، بأن يكون العامل بها كثيراً. ويعلم ذلك من استناد المفتين اليها في الفتوى الخ »(2) .

نعم إن القديمين من فقهائنا ، وهما ابن أبي عقيل الحسن بن علي العماني الحذّاء ، وابن الجنيد محمد بن أحمد الاسكافي الكاتب ، المعاصرين للشيخ الكليني ، قد كتبا في الفروع الفقهية ، واستدلا عليها. فكتب ابن أبي عقيل كتابه ( المتمسك بحبل آل الرسول (ص) ) ، وهو على ما ذكره الشيخ النجاشي « كتاب مشهور في الطائفة ، وقيل : ما ورد الحاج من خراسان

____________

1 ـ مصباح الفقيه ـ الصوم ص 181.

2 ـ أجود التقريرات ج 2 ص 99.

١١٢

إلا طلب ، واشتري منه نسخ الخ »(1) . وكتب ابن الجنيد كتابه الكبير ( تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة ) المشتمل على عدة كتب ، عدها النجاشي عند ترجمته(2) ، واختصره في كتابه ( الأحمدي في الفقه المحمدي ).

قال السيد بحر العلوم في ابن أبي عقيل : « وهو أول من هذّب الفقه ، واستعمل النظر ، وفتق البحث عن الأصول ، والفروع في ابتداء الغيبة الكبرى. وبعده الشيخ الفاضل ابن الجنيد ، وهما من كبار الطبقة السابقة ، وابن أبي عقيل أعلى منه طبقة الخ »(3) .

ولكن كتب هذين العلمين لم تصل الينا ، وإنما نقل القدماء عنهما فتاوى خالية من الدليل غالباً. وكثير منها نادر انفردا به. بالاضافة لما اشتهر من عمل ابن الجنيد بالقياس ، فلا يركن الى قوله. قال النجاشي : « وسمعت شيوخنا الثقات يقولون عنه إنه كان يقول بالقياس »(4) . وقال الشيخ الطوسي فيه : « كان يرى القول بالقياس ، فتركت لذلك كتبه ، ولم يعوّل عليها الخ »(5) .

وعليه فأقدم كتاب استدلال وصل الينا هو المبسوط للشيخ الطوسي بل تشير مقدمته الى أنه أول كتاب ألف لهذا الغرض ، بعد الغض عما كتبه الشيخان القديمان ، حيث ورد فيها « فاني لا أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقهين ، والمنتسبين الى علم الفروع يستحقرون فقه أصحابنا الامامية ، ويستنزرونه ، وينسبونه الى قلة الفروع ، وقلة المسائل. ويقولون إنهم أهل حشو ، ومناقضة ، وإن من ينفي القياس ، والاجتهاد لا طريق له الى كثرة المسائل ، ولا التفريع على الأصول وكنت على قديم

__________________

1 ـ رجال النجاشي ص 35 ـ 36.

2 ـ رجال النجاشي ص 273.

3 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 2 ص 220.

4 ـ رجال النجاشي ص 276.

5 ـ الفهرست للشيخ الطوسي ص 134.

١١٣

الوقت وحديثه متشوق النفس الى عمل كتاب يشتمل على ذلك الخ. »

فالسابقون على الشيخ الطوسي من الفقهاء لم يحرز عملهم بالأخبار ، والمتأخرون عنه قلده الأكثر في ذلك ، كما اتبع الصدوق شيخه محمد بن الحسن بن الوليد في شأن تصحيح الخبر ، وعدمه. وعليه فلا تبقى شهرة يركن اليها في جبر ضعف سند الحديث.

ويمكن القول بامكان إحراز تلك الشهرة.

إما لأن فتاوى القدماء كانت مضمون روايات ، فيفهم من الفتوى وإن تجردت عن الدليل أن المفتي قد استند فيها الى الخبر الوارد بمضمونها ولذا نقل عمل قدامى الفقهاء بفتاوى الشيخ أبي الحسن علي بن بابويه الواردة في رسالته ( الشرائع ) « عند إعواز النصوص تنزيلاً لفتاواه منزلة رواياته »(1) . بل يمكن ان يستفاد من قول الصدوق في مقدمة كتابه ( المقنع ) : « وحذفت الاسناد منه لئلا يثقل حمله ، ولا يصعب حفظه ، ولا يمله قاريه ، إذا كان ما أبينه في الكتب الأصولية موجوداً الخ ». أن ما أورده فيه من فتاوى عين متون الأحاديث. ولذا قال المحقق الهمداني : « ووقوع التصريح بخروج مؤونة القرية ، وخراج السلطان في عبارة ( الرضوي ) و ( الهداية ) و ( المقنع ) ، وغيرها مما يغلب على الظن كونه تعبيراً عن متون الأخبار لا يبقى مجال للتشكيك فيه »(2) . كما وأن تعقيب بعض الروايات بالفتاوى موجود كما في ( الفقيه ) فمن هذا وذاك يمكن القول باحراز شهرة العمل في عصر الشيخ الطوسي ، ومن قبله.

وإما لكفاية عمل الشيخ الطوسي ، ومن تأخر عنه ، فأنه بمنزلة عمل السابقين عليه ودعوى تقليد المتأخرين له في العمل بالأخبار سوء ظن بحملة

__________________

1 ـ فرائد الأصول ص 98.

2 ـ مصباح الفقيه ـ الزكاة ص 67.

١١٤

 الشرع ، على حد تعبير البعض(1) .

و أما الجهة الثانية ، وهي حصول الوثوق بصدور الحديث عن المعصومعليه‌السلام من تلك الشهرة التي فرضنا ثبوتها ، فالنقاش فيها من أجل اختلاف مباني الفقهاء في العمل بالأخبار. فمنها البناء على حجية خبر كل مسلم لم يظهر منه فسق ، وإن لم يوثق. ومنها تصحيح جميع أخبار كتبنا الأربعة ، بل جميع أخبار الكتب المعتبرة. ومنها الاكتفاء بالظن بالوثاقة لانسداد باب العلم فيها. ومنها الاعتماد على مشايخ الاجازة بلا توثيق لهم ونحوها كما سبق تفصيله(2) . وعليه كيف يحصل الوثوق النوعي بصدور الحديث من العمل المبتني على وجوه اختلف الفقهاء في حجيتها.

وأما الوثوق الشخصي فيختص حكمه بالواثق سواء حصل له من شهرة العمل ، أو غيرها من الطرق التي قد يحصل الوثوق لشخص منها.

وأما الجهة الثالثة ، وهي حجية الحديث الضعيف السند الموثوق بصدوره لشهرة العمل به ، أو غيرها مما يفيد الوثوق فالبحث عنها يستدعي النظر أولاً في معنى الوثوق ، وهل أنه الاطمئنان ، أو غيره. فنقول.

حول الاطمئنان

فسر الاطمئنان في اللغة بالسكون ، فيقال : اطمأن الرجل الى كذا أي سكن اليه. وزاد في ( أقرب الموارد ) « وآمن له ». وفسر الوثوق بالايتمان. فقال : وثق به. أي ائتمنه.

وعليه فالوثوق ، والاطمئنان يشتركان في سكون النفس ، وركونها

____________

1 ـ مقباس الهداية ص 37.

2 ـ انظر ص 55 ، وما بعدها.

١١٥

للشيء ، ولذا قال الزمخشري : « اطمأن اليه سكن اليه ، ووثق به »(1) وقال صاحب ( أقرب الموارد ) في وثق : « رأيته متعدياً بالى في عبارة واردة في ( التاج ) هذا نصها : من العلماء الموثوق اليهم ، كأنه على معنى اطمأن اليهم ».

فوثق يتعدى بالباء. فيقال : وثق به. واطمأن يتعدى بالى. فيقال اطمأن اليه. وتعديته بالباء في الألسن لتضمنه معنى وثق المتعدي بها ، كما في تعدية وثق بالى لتضمنه معنى اطمأن المتعدي بها.

والاطمئنان حجة ببناء العقلاء الذي لم يردع عنه الشرع ، لأن احتمال الخلاف فيه موهون جداً لا يلتفت اليه إلا بعد التأمل ، ولأجله عّبر عن الاطمئنان بالعلم العادي. وحجيته مشهورة لدى الفقهاء.

 لحديث المطمأن بصدوره

وعليه فلا إشكال في حجية الحديث المطمأن بصدوره عن المعصومعليه‌السلام من أجل شهرة العمل به ، أو غيرها مما أورث الاطمئنان. ولذا استدل الشيخ المامقاني على كفاية الشهرة الحاصلة بعد زمن الشيخ الطوسي : بأن العبرة بالوثوق ، والاطمئنان الحاصل منها ، كما سبق.

وعلى فرض النقاش في حجية الاطمئنان كما فعله البعض ، فلا مناص من الالتزام بحجيته هنا ، لقيام سيرة القدماء المتصلة بعصر المعصومين (ع) على حجية الاخبار الضعيفة السند إذا احتفت بقرائن الصدور. وقد عملوا بها لذك ، ومن المستبعد جداً أن تكون تلك القرائن مفيدة للقطع بصدور جميع تلك الأخبار المحفوفة بها ، وإنما أفادت الاطمئنان بصدورها. ولذا

__________________

1 ـ أساس البلاغة ، مادة طمن

١١٦

حكم الكليني ، والصدوق بصحة جميع الأخبار المثبتة في كتابيهما. فالاطمئنان حجة في محل البحث.

وليس من المجازفة دعوى الاطمئنان في عصرنا الحاضر بصدور الحديث الذي تسالم جميع الفقهاء على العمل به ، والاستناد اليه ، وإن كان ضعيف السند ، كالنبوي الشريف « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » حيث استند اليه الفقهاء في كثير من الفتاوي ، وأثبتوه في عدة مباحث من الفقه ، وبسطوا القول فيهه عند البحث عن ضمان اليد.

فبناء على أن الوثوق هو الاطمئنان ، وانه حجة مطلقاً ، أو في محل البحث خاصة يثبت حجية الخبر الذي حصل الوثوق بصدوره عن المعصومعليه‌السلام من تلك الشهرة ، أو غيرها.

أما لو نوقش في اتحاد المعنى بين الاطمئنان ، والوثوق. فقيل : بأن الثاني أضعف من الأول ، أو نوقش في حجية الاطمئنان حتى في محل البحث ، أو لم يحصل الوثوق بالصدور من تلك الشهرة ، وإنما ظن به ، فلا دليل على حجية ذلك الخبر بعد فرض ضعف سنده ، فان خبر الواحد كسائر الامارات الظنية لا يكون حجة ما لم يقم عليه دليل بالخصوص. ولذا نفى حجيته السيد المرتضى ، وابن إدريس ، وغيرهما ، واعتبروا فيها ان يكون متواتراً. وخص الحجية بعض الفقهاء بما رواه الامامي العدل فلم يعمل بأخبار الثقات ، والحسان اقتصاراً على المتيقن في الخروج عن قاعدة عدم حجية الظنون ، وأنها لا تغني من الحق شيئاً.

وأدلة حجية خبر الواحد لا تشمل ضعيف السند الذي لم يُطمأن صدوره ، فيبقى تحت الظنون التي لم يقم على حجيتها دليل. ويظهر ذلك بالنظر البسيط في تلك الأدلة ، ومؤداها.

١١٧

مفاد أدلة حجية خبر الواحد

فان الأخبار الآمرة بالرجوع الى ثقات الرواة مثل قوله (ع) : « فانه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا »(1) . ونحوه صريحة في أن العبرة بصفات الراوي ، لا المروي ، فلا تشمل محل البحث.

وكذا آية النبأ حيث علق فيها وجوب التبين على مجيء الفاسق. فتدل بالمفهوم على أن الجائي بالخبر اذا كان عادلاً قُبل خبره ، فيكون العبرة بصفات الراوي أيضاً. بل يدل الأمر بالتبين عند إخبار الفاسق على عدم حجية الخبر المبحوث عنه ، لفرض عدم وثاقة راويه فضلاً عن عدالته.

لكنه قيل : إن منطوق الآية الكريمة دال على حجية الخبر الضعيف الذي اشتهر عمل الفقهاء به ، لأن المراد بالتبين فيها ما يعم تحصيل الظن بصدق الفاسق في خبره ، وذلك يتحقق بتحصيل تلك الشهرة.

وأجاب عنه الشيخ الأنصاري بأن « التبين ظاهر في العلمي فمادة التبين ، ولفظ الجهالة ، وظاهر التعليل كلها آبية من إرادة مجرد الظن. نعم يمكن دعوى صدقه على الاطمئنان الخارج عن التحير ، والتزلزل الخ »(2) .

وهو في غاية الجودة ، فان التبين لغة بمعنى الوضوح ، والظهور ، ويستعمل لازماً ، فيقال : تبين الشيء. بمعنى اتضح ، ومتعدياً ، فيقال : تبينته. بمعنى أوضحته ، وفهمته(3) ، كما في الآية الكريمة ، ولا يصدق

__________________

1 ـ الوسائل ، ح 41 ، ب‍‌ 11 ـ أحكام القضاء.

2 ـ فرائد الأصول ص 77 ـ 78.

3 ـ أقرب الموارد ، مادة بين.

١١٨

ذلك إلا مع العلم به ، أو الاطمئنان. فتدل الآية الكريمة على حجية الحديث المطمأن بصدوره ، وصدق راويه ، فضلاً عن كون الاطمئنان في نفسه حجة عقلائية. وعليه فالظن بصدق الراوي لشهرة العمل ليس بتبين ليجبر به ضعف سند الحديث.

وأما السيرة ، وبناء العقلاء فموردهما الخبر الذي حصل الاطمئنان بصدوره ، أو كان راويه ثقة في نقله ، أما الخبر الفاقد لهذين الوصفين معاً فلا يشملانه ، كما هو شأن كل دليل لبي لا إطلاق له ، فلا عبرة بالظن بالصدور مع ضعف الراوي.

وأما الاجماع الذي استدل به على حجية خبر الواحد ، فقيل : بشموله لما اشتهر العمل به. وأنه لا منافاة بين ثبوت الاجماع على حجية مطلق الخبر ليشمل المورد ، وعدم ثبوته في هذا الصنف من الخبر بخصوصه. لكن يوهنه.

أولاً : اشتهار الخلاف في حجية خبر الواحد ين قدامى الفقهاء ، حيث أنكرها السيد المرتضى ، وأتباعه ، وحصروا الحجة بالمتواتر من الأخبار وإنما نقل الشيخ الطوسي الاجماع على حجيته.

على أن هناك جماعة فهموا من كلام الشيخ الطوسي دعواه الاجماع على حجية الأخبار التي اشتهر نقلها ، وتدوينها في الكتب الدائرة بين الأصحاب ، وهي المحفوفة بقرائن الصحة ، لا كل خبر يرويه إمامي عدل فيكون الخلاف بين السيد المرتضى ، والشيخ الطوسي لفظياً ، حكي هذا عن المحقق الحلي في ( المعارج ) والشيخ حسن ابن الشهيد الثاني في ( المعالم ) والمحدّث الاسترابادي في ( الفوائد المدنية ). لكن ناقشهم الشيخ الانصاري في ذلك(1) . وسبق في البحث عن ( تنويع الحديث ) صراحة كلام

__________________

1 ـ فرائد الأصول ص 91 ـ 92.

١١٩

الشيخ الطوسي في عمل الطائفة بأخبار الثقات ، وإن لم تحتف بقرائن الصحة.

وثانياً : عدم الاطلاق في دعوى الشيخ الطوسي ، وأتباعه الاجماع على حجية خبر الواحد بحيث يشمل كل خبر ، وإنما اختص بالخبر الواجد لشرائطه ، كوثاقة راويه ، ونحوها. ولذا نقل الشيخ في كتاب ( العدة ) رد الأصحاب لأخبار كثير من الطوائف لما لم يحرزوا أمانتهم في النقل. فيكون الغرض من تلك الدعوى مخالفة السيد المرتضى المانع من العمل بخبر الواحد بما أنه خبر واحد.

وقد نبّه الشيخ الأنصاري على ذلك بقوله : « والحاصل أن معنى الاجماع على العمل بها عدم ردها من جهة كونها أخبار آحاد ، لا الاجماع على العمل بكل خبر خبر منها »(1) .

ومن هنا ظهر وهن قول المحقق الخراساني في ( كفايته ) : « فلا يبعد جبر ضعف السند في الخبر بالظن بصدوره ، أو بصحة مضمونه ، ودخوله بذلك تحت ما دل على حجية ما يوثق به »(2) .

فان تلك الأدلة القائمة على حجية خبر الثقة لا تشمل ضعيف السند وإن حصل الظن بصدوره. وكيف يحكم بدخول مظنون الصدور تحت ما دل على حجية ما يوثق به ، وهما متغايران. وقد فرض في صدر كلامه أن الظن « لم يقم على حجيته دليل » فيكون وجوده كعدمه فكيف يصلح جابراً لضعف سند الخبر ، فان ضم ما ليس بحجة الى ما ليس بحجة لا ينتج حجة؟.

وسبق الاستدلال على جبر الشهرة لضعف سند الخبر بحسن الظن بفقهائنا الأقدمين ، فيكشف عملهم به عن احتفافه لديهم بقرائن الصحة ، والوثوق بصدوره عن المعصوم (ع).

__________________

1 ـ فرائد الأصول ص 93

2 ـ كفاية الأصول ج 2 ص 217

١٢٠