قواعد الحديث

قواعد الحديث0%

قواعد الحديث مؤلف:
تصنيف: علم الدراية
الصفحات: 263

قواعد الحديث

مؤلف: محي الدين الموسوي الغريفي
تصنيف:

الصفحات: 263
المشاهدات: 98779
تحميل: 6732

توضيحات:

قواعد الحديث
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 263 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 98779 / تحميل: 6732
الحجم الحجم الحجم
قواعد الحديث

قواعد الحديث

مؤلف:
العربية

وحيث عرفت صحة تنويع الحديث ، فقد عرفوا كل نوع بما يميزه عن الآخر.

تعريف أنواع الحديث :

1 ـ فالصحيح : « مااتصل سنده الى المعصوم (ع) بنقل الإمامي العدل عن مثله في جميع الطبقات.

2 ـ والموثق : « ما دخل في طريقه من نص الأصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته ، ولم يشتمل باقيه على ضعف ».

3 ـ والحسن : ما اتصل سنده الى المعصوم (ع) بامامي ممدوح من غير نص على عدالته ، مع تحقق ذلك في جميع مراتبه أو في بعضها ، مع كون الباقي من رجال الصحيح.

4 ـ والضعيف « مالا يجتمع فيه شروط أحد الثلاثة المتقدمة ، بأن يشتمل طريقه على مجروح بالفسق ونحوه ، أو مجهول الحال ».

ذكر الشهيد الثاني هذه التعاريف في ( درايته )(1) . فاشترط في الخبر الموثق أن لا يشتمل باقي طريقه على ضعف فقط. ومقتضاه عدم المانع من اشتماله على راوي حسن. كما اشترط في الخبر الحسن أن يكون جميع رواته إماميين ممدوحين ، او بعضهم مع كون الباقي من الصحاح ، ومقتضاه أنه لو كان فيهم موثق ألحق الخبر به.

وهذا إنما يتم بناء على رأي الشهيد في أن الموثق أخس من الحسن والخبر يتبع أخس ما فيه من الصفات. أما بناء على ما اشتهر من كون الحسن أخس من الموثق ينقلب الاتصاف في محل البحث ، حيث يتصف

__________________

1 ـ الدراية ص 19 ، وما بعدها.

٢١

 الخبر بالحسن لو عرض في طريقه راوي حسن وإن كان باقي رواته ثقاتاً فضلاً عن الصحاح ، لقاعدة تبعية الخبر لاخس صفاته. وعليه فلابد أن يضاف الى تعريف الموثق : عدم اشتمال طريقه على راوي حسن ، ويكتفي في تعريف الحسن بكون الراوي إمامياً ممدوحاً ، وعدم اشتمال باقي السند على ضعف. ولذا قال الشيخ الأصبهاني في ( الفصول )(1) : « ولو تركب من القسمين الأخيرين [ أي الحسن والموثق ] ولو بمشاركة القسم الأول [ أي الصحيح ] ففي إلحاقه بالحسن أو الموثق قولان مبنيان على الخلاف في تعيين المرجوح منهما ، لأن حال السند تتبع لحال أخس رجاله ».

و قد أورد الشيخ حسن بن الشهيد الثاني على والده : بأنه لا حاجة الى قيد « الإمامي » في تعريف الخبر الصحيح ، فان أخذ قيد العدل مغنٍ عنه ، لعدم اتصاف فاسد المذهب بالعدالة حقيقة(2) .

لكن الحق صحبة هذا القيد حيث حكي عن جماعة القول : بأن العدالة عبارة عن الإسلام مع عدم ظهور الفسق ، على ما سيأتي بيانه عند البحث عن اختلاف مباني الفقهاء في العمل بالأخبار ، وعليه فالتقييد بكون الراوي عدلاً لا يغني عن التقييد بكونه إمامياً. نعم بناء على اعتبار الايمان في العدالة كما هو المشهور يكون قيد « الإمامي » لغواً ، لكن وجود القول الاول يكفي في صحة التقييد به.

سلامة الخبر من العلة والشذوذ

ثمّ إن الشهيد الثاني نقل عن العامة : أنهم اعتبروا في صحة الخبر

____________

1 ـ انظر مبحث تقسيم الخبر الى أقسامه الاربعة.

2 ـ منتقى الجمان ج 1 ص 5.

٢٢

سلامته من الشذوذ والعلة.

وفسّر الشذوذ : بمخالفة الخبر لما رواه الناس. وفسّر العلة : بما يكون في الخبر « من أسباب خفيّة قادحة يستخرجها الماهر في الفن(1) .

وعقبّه ولده بقوله : « كالارسال فيما ظاهره اتصال ، ولا ينتهي المعرفة بها الى حد القطع ، بل تكون مستفادة من قرائن يغلب معها الظن ، أو يوجب التردد ، والشك »(2) .

ثمّ قال الشهيد : « وأصحابنا لم يعتبروا في حد الصحيح ذلك. والخلاف في مجرد الاصطلاح ، وإلا فقد يقبلون [ أي العامة ] الخبر الشاذ والمعلل ، ونحن قد لا نقبلهما ، وإن دخلا في الصحيح بحسب العوارض »(3) .

وقوّى ولد الشهيد اشتراط سلامة الخبر من العلة ، فقال : « وأما عدم منافاة العلة فموضع تأمل ، من حيث أن الطريق الى استفادة الاتصال ونحوه من أحوال الأسانيد ، قد انحصر عندنا بعد انقطاع طريق الرواية من جهة السماع ، والقراءة في القرائن الحالية الدالة على صحة ما في الكتب ولو بالظن ولا شك أن فرض غلبة الظن بوجود الخلل ، او تساوي احتمالي وجوده وعدمه ، ينافي ذلك ، وحينئذ يقوى اعتبار انتفاء العلة في مفهوم الصحة الخ »(4) .

ومراده بتساوي احتمالي وجود الخلل وعدمه هو الشك في وجوده ، فلم يترجح جانب عدمه ، ليحصل الظن بالعدم ، وتثبت الصحة ولو ظناً. ولذا صرح ب‍‌ « أن المناسب في تعريف الصحيح أن يقال : هو متصل السند بلا علة الى المعصوم (ع) برواية العدل الضابط عن مثله في جميع المراتب »(5) .

__________________

1 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 20.

2 ـ منتقى الجمان ج 1 ص 6.

3 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 20.

4 ـ منتقى الجمان ج 1 ص 8.

5 ـ منتقى الجمان ج 1 ص 11.

٢٣

 و نبّه الشهيد الثاني على أنه ينبغي أن يزاد الى تعريف الحسن كون المدح مقبولاً ، فيقال في تعريفه : « ما اتصل سنده بامامي ممدوح مدحاً مقبولاً ، او غير معارض بذم ، ونحو ذلك »(1) . إذ عند عدم قبول المدح يكون وجوده كعدمه ، وعند معارضته بالذم يتساقطان. ولذا كان المناسب العطف بالواو ، فيقول : مدحاً مقبولاً ، وغير معارض بذم.

ولا يخفى أن اعتبار هذه الزيادة لا تختص بتعريف الحسن ، بل تجري في تعريف الصحيح ، والموثق أيضاً ، حيث يعتبر فيهما أن يكون التوثيق مقبولاً وغير معارض بذم. فلا وجه لتخصيص الحسن به ، كما فعله الشهيد.

الحجة من هذه الأنواع

وبعد ثبوت صحة تنويع الحديث ، وتعريف كل نوع بما يميّزه عن الآخر ، بحث عن الحجة من تلك الانواع.

فالصحيح منها حجة بلا خلاف بين القائلين بحجية خبر الواحد ، وهو القدر المتيقن ارادته من دليل الحجية ، بشرط أن لا يكون شاذاً ، او معارضاً بغيره من الأخبار المعتبرة ، حيث يطلب المرجح عند التعارض وربما عمل بالشاذ كما اتفق للشيخين في بعض الموارد(2) .

وأما الموثق والحسن ، فالمشهور حجيتهما. وخالف فيها جماعة ، فاشترطوا في اعتبار خبر الواحد أن يكون جميع رواته اماميين عدولاً ، ولذا قال الشهيد الثاني : « واختلفوا في العمل بالحسن. فمنهم من عمل به مطلقاً كالصحيح ، وهو الشيخ على ما يظهر من عمله ، وكل من اكتفى في العدالة بظاهر الإسلام ، ولم يشترط ظهورها. ومنهم من رده مطلقاً ،

____________

1 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 24.

2 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 25 ـ 26.

٢٤

 و هم الأكثرون ، حيث اشترطوا في قبول الرواية الايمان والعدالة ، كما قطع به العلامة في كتبه الاصولية وغيره وكذا اختلفوا في العمل بالموثق نحو اختلافهم في الحسن. فقبله قوم مطلقاً. ورده آخرون وفصّل ثالث بالشهرة وعدمها الخ »(1) .

والحق حجيتهما معاً ، لقيام السيرة العقلائية على قبول كل خبر كان المخبر به موثوقاً به في نقله ، او حسن الظاهر ممدوحاً ، ولم يثبت ردع عنها من قبل الشرع. وسبق(2) نقل الشيخ الطوسي اعتبار الطائفة للمدوح وللموثوق به من الرواة ، واهتمامها بأمر المدح والذم. ودلت الروايات العديدة على اعتبار خبر الثقة.

فروى عبد العزيز بن المهتدي ، والحسن بن علي بن يقطين جميعاً عن الرضا (ع) قال : « لا أكاد أصل اليك أسألك عن كل ما أحتاج اليه من معالم ديني ، أفيونس بن عبد الرحمان ثقة آخذ عنه ما أحتاج اليه من معالم ديني؟ فقال (ع) : نعم »(3) فيكشف هذا السؤال عن أن

____________

1 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 26.

2 ـ انظر ص 21.

3 ـ الوسائل ـ ح 34 ـ ب‍‌ 11 ـ صفات القاضي ـ رواه عن الكشي في رجاله ، عن محمد بن مسعود ، وهو العياشي ، عن محمد بن نصير ، عن محمد بن عيسى ، عن عبد العزيز بن المهتدي ، والحسن بن علي بن يقطين ، عن الرضا (ع). والرواية ضعيفة السند ، لان محمد بن نصير مشترك بين النميري الضعيف ، وبين الذي هو من أهل ( كش ) الثقة الجليل ، وكلاهما في طبقة واحدة ، ولم يعلم أن المراد هنا ايهما ، وذلك كافٍ في ضعف الرواية. على انهم ذكروا : أن الذي يروي عنه الكشي هو الثقة الذي من أهل ( كش ) ، والذي يروي عنه العياشي هو النميري الضعيف. والراوي عنه في هذه الرواية هو العياشي رواها عنه ، عن محمد بن عيسى وعين هذا السند ورد في روايتين ذكرا في ( جامع الرواة ) وجاء في التعليقة عليه :

٢٥

حجية خبر الثقة مفروغ عنه لدى السائل ، وانما كان السؤال عن الصغرى وهي وثاقة يونس ، وقد أقرّه الإمام (ع) على ذلك. وروى أحمد بن اسحاق عن ابي الحسن (ع) ، قال : « سألته وقلت : من أعامل ، وعمن آخذ ، وقول من أقبل؟ فقال (ع) : العمري ثقتي فانه الثقة المأمون قال : وسألت ابا محمد (ع) عن مثل ذلك فقال : العمري وابنه ثقتان فانهما الثقتان المأمونان »(1) .

وفي التوقيع الشريف الصادر عن الإمام المهدي (ع) « فانه لا عذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا الخ »(2) . وعن الحسين بن روح ـ رضوان الله عليه ـ : أن الحسن العسكري (ع) سئل عن كتب بني فضّال. فقال (ع) : « خذوا بما رووا وذروا ما رأوا »(3) .

__________________

أن الذي يروي عنه العياشي هو الثقة لا النميري ولكن مراعاة الطبقة لا تأبى كونه النميري الخ. انظر ( جامع الرواة ج 2 ص 208 ).

1 ـ الوسائل ـ ح 4 ـ 5 ـ ب‍‌ 11 ـ صفات القاضي ـ رواه عن الكليني عن محمد بن عبد الله الحميري ، ومحمد بن يحيى جميعاً ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن اسحاق ، عن ابي الحسن (ع). والسند صحيح.

2 ـ الوسائل ح 41 ـ ب‍‌ 11 ـ صفات القاضي ، رواه عن الكشي ، عن علي بن محمد بن قتيبة المعروف بالقتيبي النيسابوري ، عن احمد بن ابراهيم المراغي قال : « ورد على القسم بن العلا ، وذكر توقيعاً شريفاً يقول فيه : « فانه لا عذر لاحد الخ ». وقد اختلفوا في اعتبار القتيبي والمراغي ، ولكن العلامة أدرجهما في القسم الاول من كتاب ( خلاصة الرجال ص 11 ـ 46 ) ، ووصف القتيبي بالفاضل كما ذكرهما ابن داود في القسم الاول من كتاب ( رجاله ص 23 ـ 250 ). وقال في المراغي : « ممدوح عظيم الشأن ».

3 ـ الوسائل ح 14 ـ ب‍‌ 11 ـ صفات القاضي ، رواه عن الشيخ الطوسي

٢٦

مع أنهم من الفطحية.

واستدل الشيخ الأنصاري بهذا الحديث على لزوم الأخذ بما رواه بنو فضّال بلا حاجة الى النظر في حال رجال السند بعدهم(1) .

ونقل الشيخ الطوسي : أن الطائفة قد عملت بأخبار الفطحية ، والواقفه ، ونظائرهم إذا كان الراوي منهم موثوقاً به ، ولا يوجد في اخبارنا ما يخالف خبره ، ولم يعرف من الطائفة العمل على خلافه(2) . فيكشف عن حجية خبر الموثق.

وهنا أمران ينبغي التنبيه عليهما.

حول مدح الراوي

الأول : إن مدح الراوي لما كان موجباً لاعتباره ، والاخذ بحديثه ، كالتوثيق ، فلماذا خصّوه بالامامي ، ولم يتعدوا عنه ، وهّلاً كان المدح بمنزلة التوثيق في اعتبار الراوي ، وعدّ حديثه حسناً وإن لم يكن امامياً.

ويمكن الجواب عنه بأن اعتبار الإمامي الممدوح من أجل ثبوت عدالته بالمدح ، لانها عبارة عن حسن الظاهر ـ المفسّر بعدم ظهور ما ينافي العدالة ـ المقرون بالمدح. وهذا مختص بالإمامي ، لعدم اتصاف غيره بالعدالة وإن مدح او وثق. فالمدح إذن بنفسه لا يوجب اعتبار الراوي ، وانما إمارة عدالته ، بخلاف التوثيق ، فانه موجب لاعتبار الموثق بنفسه وإن لم

__________________

في كتاب ( الغيبة ) ، عن ابي الحسين بن تمام ، عن عبد الله الكوفي خادم الحسين بن روح ، عن الحسين بن روح. والسند ضعيف ، لعدم وثاقة ابي الحسن بن تمام ، وعبد الله الكوفي.

1 ـ كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري ص 2.

2 ـ عدة الأصول ص 61.

٢٧

يكن عدلاً ، فلا يختص بالإمامي.

وبهذا اجاب السيد بحر العلوم عن ايراد آخر ، وهو أن اشتراط عدالة الراوي ينفي حجية الحسن مطلقاً. فقال : « التحقيق أن الحسن يشارك الصحيح في أصل العدالة ، وإنما يخالفه في الكاشف عنها ، فانه في الصحيح هو التوثيق ، او ما يستلزمه بخلاف الحسن ، فان الكاشف فيه هو حسن الظاهر المكتفى به في ثبوت العدالة على أصح الاقوال »(1) .

ولكن يورد عليه اولاً : بأنه منافي لما صرح به جماعة في مبحث العدالة من عدم ثبوتها بذلك ، فيتم هذا الجواب على بعض المباني ، كما أشار اليه السيد. وثانياً : بأنه منافي لما أخذوه في تعريف كل من الصحيح والحسن ، حيث اعتبروا في الصحيح كون الراوي امامياً عدلاً ، واعتبروا في الحسن كونه امامياً ممدوحاً من غير نصٍ على عدالته ، وهذا صريح في أن اعتبار الحسن ليس من أجل ثبوت العدالة بالمدح. على أن جعله قسيماً للصحيح يقضي بذلك ، وإلا لكان قسماً منه. وثالثاً : بمنافاته الاستدلال على حجية الحسن ببناء العقلاء على قبول خبر المخبر الممدوح الذي لم يظهر منه كذب او دس ، فان مقتضاه عدم دخل عقيدته في قبول خبره.

نعم سبق(2) ان الشيخ الطوسي نقل عن أصحابنا : أنهم ميّزوا الرجال الناقلة للأخبار ، ووثّقوا الثقات منهم ، وضعّفوا الضعفاء ومدحوا الممدوح ، وذموا المذموم ، وقالوا فلان متهم في حديثه ، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد ، وفلان واقفي ، وفلان فطحي ، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها الخ. ومقتضاه ان مدحهم للراوي ، واعتمادهم على حديثه لذلك مشروط بكونه امامياً حيث ذموا غيره ، وطعنوا فيه ، ولا

____________

1 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 1 ص 460.

2 ـ انظر ص 21.

٢٨

يجتمع المدح والذم بالنسبة لشخص واحد. وعليه فتكون سيرة الطائفة الممضاة من قبل الشرع دليلاً على أن مدح الراوي لا يجدي في قبول خبره إلا إذا كان إمامياً. ولا يجري ذلك في التوثيق ، لنقل(1) الشيخ الطوسي عمل الطائفة بأخبار الثقة وإن لم يكن إمامياً مثل عبد الله بن بكير فيختلف المدح عن التوثيق.

هل تثبت العدالة بالتوثيق

الثاني : إن الرجاليين كالنجاشي ، والشيخ الطوسي قد وثقوا كثيراً من الرواة غير الامامية وإن كانوا من الشيعة ، كالواقفة والفطحية ، كما وثقوا بعض الرواة من العامة مثل السكوني ، ولا شك في ان هذا التوثيق شهادة منهم بأمانة الموثق ، وصدقه في الحديث فحسب ، فلا تثبت به عدالته ، وعلى هذا السنخ نراهم وثقوا كثيراً من رواة الامامية ، فكيف يصح البناء على أنه شهادة بعدالتهم ، ولماذا لا يكون شهادة بتحرزهم عن الكذب وصدقهم في الحديث كغيرهم ، وما الفرق بين قول النجاشي في سماعة بن مهران : ثقة ثقة. مكرراً ، وبين قوله بعده في سري بن عبد الله السلمي : ثقة ، ليكون الأول : شهادة بصدق سماعة. والثاني : شهادة بعدالة سري. مع أن الشهادة الاولى اقوى وآكد بالتكرار.

نعم يمكن القول. بأن توثيق الإمامي ، مع السكوت عن جرحه بما بخل بالعدالة يقضي بأنه عادل ، اذ لو كان هناك ما يجرحه لذكر. لكن الاعتماد على مثل هذا السكوت في اثبات العدالة مشكل.

هذا كله في أنواع الحديث الثلاثة ، الصحيح ، والحسن ، والموثق.

__________________

1 ـ عدة الأصول ص 61.

٢٩

وأما الضعيف وهو المرسل ، او المسند الذي لم يكن راويه موثقاً ، أو إمامياً ممدوحاً ، سواء كان مجهولاً ، او مجروحاً ، فليس بحجة ، لعدم الدليل على جواز العمل به ، فلم يخرج عن حد الظنون التي لا يجوز العمل بها.

نعم ذكروا طريقين لجواز العمل بمثل هذا الحديث. احدهما كون الراوي له من أصحاب الاجماع اذا صح السند اليه ، وإن ضعف من بعده من الرواة. الثاني اشتهار العمل به لدى قدماء الفقهاء.

وعليه يلزمنا البحث عن كلا الطريقين. ونقدم البحث عن الأول ، ونردفه بالبحث عن الثاني فنقول.

٣٠

٣١

(2)

احَاديثُ اصحابِ الأجماع

٣٢

٣٣

هناك جماعة من وجوه رواة أحاديث أهل البيت (ع) ، وثقاتهم ادعى الشيخ الكشي الاجماع على ( تصحيح ما يصح عنهم ) ، فسمّوا ب‍‌ ( أصحاب الاجماع ).

ويعّد البحث عن ذلك من أهم أبحاث أصول الحديث ، وقواعده ، حيث يبتني عليه حكم مجموعة كبيرة من أحاديث الفقه الإمامي. ولذا قال الشيخ النوري : « فانه من مهمات هذا الفن اذ على بعض التقادير تدخل آلاف من الاحاديث الخارجة عن حريم الصحة الى حدودها ، او يجري عليها حكمها »(1) . فالجدير بالفقيه أن يرعى هذا البحث بمزيد اهتمامه.

تصحيح أحاديث أصحاب الاجماع

فقد بنى جماعة من أكابر الفقهاء على قبول كل حديث صح عن احد اصحاب الاجماع ، من غير لحاظ حال الواسطة بينه وبين المعصوم (ع) فالعبرة بصحة السند من أوله الى ذلك الراوي ، فمسانيده ، ومراسيله ، ومرافيعه ، ومقاطيعه ، كلها معدودة من صحاح الاحاديث ، تفسيراً لجملة ( تصحيح ما يصح عنهم ) بذلك.

وصرح الشيخ محمد بن اسماعيل المعروف بابي علي في ( رجاله ) : بأن هذا المعنى ، والتفسير ، هو الظاهر المنساق الى الذهن من تلك الجملة. ونقل عن استاذه العلامة أنه اختاره ، وعزاه الى المشهور ، كما نقل عن بعض اجلاّء عصره دعوى الشهرة عليه ، وحكى عن المحقق الداماد في كتابه ( الرواشح السماوية ) نسبته الى الاصحاب مؤذناً بدعوى الاجماع عليه

__________________

1 ـ مستدرك الوسائل ج 2 ص 757.

٣٤

كما حكاه عن امين الدين الكاظمي(1) . واختاره الشيخ المامقاني(2) .

ونقل الفيض الكاشاني عن جماعة من المتأخرين : أنهم فهموا من تلك الجملة الحكم بصحة الحديث المنقول عن احد اولئك الجماعة ، اذا صح عنهم ، حتى اذا رووا عمن هو معروف بالفسق والوضع فضلاً عما لو ارسلوا الحديث(3) . واختاره الشيخ محمد بن الحسن الحر(4) .

وخالف في ذلك جماعة من المحققين ، فقالوا : بعدم الفرق بين اصحاب الاجماع ، وغيرهم في لزوم احراز وثاقة الواسطة بينهم وبين المعصومين (ع) ، كما يلزم احراز وثاقة الواسطة بيننا وبينهم. فلذا اضطررنا الى تفصيل البحث فنقول.

تعريف بأصحاب الاجماع

إن الجماعة الذين ادعى الشيخ الكشي الاجماع على ( تصحيح ما يصح عنهم ) ، أو ( تصديقهم ) ثمانية عشر رجلاً. قسّمهم الى طوائف ثلاث كل ستة منهم طائفة.

فقال تحت عنوان ( تسمية الفقهاء من أصحاب ابي جعفر (ع) ، وابي عبد الله (ع) : « اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الاولين من أصحاب ابي جعفرعليه‌السلام ، وأصحاب ابي عبد اللهعليه‌السلام ، وانقادوا لهم بالفقه. فقالوا : افقه الاولين ستة ، زرارة ، ومعروف بن خربوذ وبريد ، وأبو بصير الاسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطايفي. قالو : وأفقه الستة زرارة. وقال بعضهم مكان ابو بصير

__________________

1 ـ منتهى المقال ص 9 ـ 10.

2 ـ مقباس الهداية ص 72.

3 ـ الوافي ج 1 ص 12.

4 ـ وسائل الشيعة ج 3 ـ الفائدة 7.

٣٥

الاسدي : ابو بصير المرادي ، وهو ليث بن البختري ».

ثمّ قال تحت عنوان ( تسمية الفقهاء من اصحاب ابي عبد الله (ع) « اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح من هؤلاء ، وتصديقهم لما يقولون ، وأقرّوا لهم بالفقه ، من دون اولئك الستة الذين عددناهم ، وسمّيناهم ، ستة نفر ، جميل بن دراج ، وعبد الله بن مسكان ، وعبد الله بن بكير ، وحماد بن عثمان ، وحماد بن عيسى ، وابان بن عثمان. قالوا : وزعم ابو اسحاق الفقيه ـ وهو ثعلبة بن ميمون ـ : ان أفقه هؤلاء جميل بن دراج وهم أحداث اصحاب ابي عبد الله (ع) ».

ثمّ قال تحت عنوان ( تسمية الفقهاء من اصحاب ابي ابراهيم (ع) ، وأبي الحسن الرضا (ع) : « أجمع اصحابنا على تصحيح ما يصح من هؤلاء ، وتصديقهم ، واقروا لهم بالفقه ، والعلم. وهم ستة نفر اخر ، دون الستة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب ابي عبد الله (ع). منهم يونس بن عبد الرحمان ، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري ، ومحمد بن ابي عمير ، وعبد الله بن المغيرة ، والحسن بن محبوب ، واحمد بن محمد بن ابي نصر. وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب : الحسن بن علي بن فضّال ، وفضالة بن أيوب. وقال بعضهم مكان فضالة بن أيوب : عثمان بن عيى وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمان ، وصفوان بن يحيى »(1) .

و قد نظم السيد بحر العلوم هذا الاجماع الذي نقله الكشي ، ولم يختلف معه إلا في ابي بصير ، حيث نقل الكشي انه الاسدي ، ثمّ نسب القول الى بعضهم : بأنه المرادي. اما السيد فقد ذكر أنه المرادي بقوله : « وليث يافتى ». واليك ما نظمه ، فقال.

قد أجمع الكل على تصحيح ما

يصح عن جماعة فليعلما

____________

1 ـ رجال الكشي ص 155 ـ 239 ـ 344.

٣٦

وهم أولو نجابة ورفعة

أربعة وخمسة وتسعة

فالستة الأولى من الأمجاد

أربعة منهم من الاوتاد

زرارة كذا بريد قد أتى

ثمّ محمد وليث يافتى

كذا الفضيل بعده معروف

وهو الذي ما بيننا معروف

والستة الوسطى أولو الفضائل

رتبتهم أدنى من الأوائل

جميل الجميل مع أبان

والعبدلان ثمّ حّمادان

والستة الأخرى هم صفوان

ويونس عليهم الرضوان

ثمّ ابن محبوب كذا محمد

كذاك عبد الله ثم‏ّ أحمد

وما ذكرناه الأصح عندنا

وشذ قول من به خالفنا(1)

و لم يزد الكشي في كتابه الذي بأيدينا على اولئك الثمانية عشر ، إلا أن ابن داود في ( رجاله ) عندما ترجم حمدان بن احمد ، نقل عن الكشي انه قال : « هو من خاصة الخاصة اجمعت ( الصحابة )(2) على تصحيح ما يصح عنه ، والاقرار له بالفقه »(3) .

واحتمل الشيخ النوري : ان يكون ابن داود قد اعتمد في نقله على أصل ( رجال الكشي ). لان الكتاب الشائع الواصل الينا بهذا الاسم مختصره(4) . وسيأتي التنبيه على ذلك عند البحث عن ( الأصول الرجالية ).

وعد الشيخ النوري اصحاب الاجماع اثنين وعشرين رجلاً ، جمعاً بين ما اختاره الكشي ، وما نقله عن بعضهم. وبالاضافة لمن ذكره ابن دواد يبلغ عددهم ثلاثة وعشرين. مستدلاً عليه بأنه : « لا مناقاة بين

____________

1 ـ ملحق خلاصة الرجال للعلامة ص 185.

2 ـ هكذا ورد في النسخة المطبوعة. لكن الصحيح ( العصابة ) ، فانه اللفظ المعروف في هذا الاجماع ، والذي نقله الشيخ النوري عن ( رجال ) ابن داود.

3 ـ رجال ابن داود ص 133.

4 ـ مستدرك الوسائل ج 3 ص 757.

٣٧

الاجماعين في الانفراد ، لعدم نفي أحد الناقلين ما أثبته الآخر. وعدم وجوب كون العدد في كل طبقة ستة ، وإنما اطلع كل واحد على ما لم يطلع عليه الآخر والجمع بينهما ممكن ، فيكون الجميع مورداً للاجماع »(1) .

ويورد عليه بأن الكشي انما نقل عن بعضهم كون الاربعة الآخرين من أصحاب الاجماع ، وهم ليث بن البختري ، والحسن بن علي بن فضال وفضالة بن أيوب ، وعثمان بن عيسى. ولم يرتضه هو ، ولم يعلم وثاقة ذلك البعض المنقول عنه ، فكيف يصح الاعتماد على قوله.

وصرح الشيخ الطوسي : بأن هناك جماعة من الرواة عرفوا بأنهم لا يروون ، ولا يرسلون إلا عن ثقة ، ولذا عمل بمراسيلهم. ونص على ثلاثة منهم ، فقال : « وإذا كان احد الراويين مسنداً ، والآخر مرسلا ، نظر في حال في المرسل ، فان كان ممن يعلم أنه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره. ولأجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن ابي عمير ، وصفوان بن يحيى ، وأحمد بن محمد بن ابي نصر ، وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ، ولا يرسلون إلا عمن يوثق به ، وبين ما أسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمراسيلهم اذا انفردوا عن رواية غيرهم الخ »(2) .

الناقل لهذا الاجماع

والأصل في دعوى هذا الاجماع هو الشيخ ابو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي صاحب كتاب ( الرجال ) المعروف ، فهو أول من ادعاه ، ونقله الجماعة عنه. ولذا كان من التسامح نسبة دعواه الى جميع

__________________

1 ـ مستدرك الوسائل ج 3 ص 757.

2 ـ عدة الاصول ص 63.

٣٨

من ذكره ، وتعرض له ، كما فعله الشيخ المامقاني قائلا : « وأول من ادعاه فيما نعلم الشيخ الجليل ابو عمرو الكشي في ( رجاله ) ، ثمّ الشيخ ، والنجاشي ثمّ من بعدهما من المتقدمين والمتأخرين ، كابن طاووس ، والعلامة وابن داود ، وصاحب المعالم ، والشهيدين ، والشيخ سليمان ، والسيد الداماد ، وغيرهم. حتى أنه لو صح وصف الاجماع المنقول بالتواتر ، لصح أن يقال : ان هذا الاجماع قد تواتر نقله ، وصار أصل انعقاده في الجملة من ضروريات الفقهاء والمحدثين ، واهل الدراية والرجال الخ »(1) .

فان بعض هؤلاء الجماعة المذكورين وغيرهم كان ناقلا لدعواه ، لا مدعياً له. وفرق واضح بين دعوى الاجماع ، ونقل دعواه. ولذا صرح الشيخ ابو علي في ( رجاله ) : بأن هذا الاجماع ربما ذكر في كلام النجاشي ، لكن بعنوان النقل عن الكشي ، لا انه ادعاه بنفسه(2) . بل ناقش بعضهم في قبوله صريحاً.

و أما الشيخ الطوسي فانه لم يدع الاجماع بالشكل الذي ادعاه الكشي في ثمانية عشر شخصاً ، وانما صرح بقبول مراسيل الثقات « الذين عرفوا بأنهم لا يروون ، ولا يرسلون إلا عمن يوثق به » ، ونص على ثلاثة منهم كما سبق. لكن الشيخ النوري ذكر ان الشيخ الطوسي ناظر الى أصحاب الاجماع الذين ذكرهم الكشي. وهذا لم يثبت ، وسيأتي بحثنا معه حول ذلك.

نعم ان الشهيد الثاني نقل عن الشيخ الطوسي : دعوى اجماع العصابة على تصحيح ما يصح عن عبد الله بن بكير ، والاقرار له بالفقه والثقة(3) وهو على حد تعبير الكشي. لكنه لم نعثر على مصدر الشهيد لنرى أن الشيخ نقله عن الكشي ، او ادعاه بنفسه. على أنه ينافي ما فعله الشيخ في كتاب

____________

1 ـ مقباس الهداية ص 70.

2 ـ منتهى المقال ص 10.

3 ـ شرح اللمعة ج 2 ص 131.

٣٩

 ( العدة )(1) ، حيث ذكر عبد الله بن بكير في صف الفطحية ، ولم يميزه عنهم واشترط في جواز العمل بروايتهم أمرين : عدم وجود المعارض لخبرهم ، وعدم إعراض الطائفة عن مضمونه بالافتاء بخلافه. فلو تم هذا الاجماع عند الشيخ لم يبق وجه للتسوية بين ابن بكير ، وسائر الفطحية.

بل إن الشهيد نفسه نقل عن الشيخ الطوسي : الجرح الصريح لابن بكير ، وأنه قال ـ عند ذكر حديث له أسنده الى زرارة ـ : « ان اسناده الى زرارة وقع نصرة لمذهبه الذي أفتى به لما رأى أن أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه ». وقال : « وقد وقع منه من العدول عن اعتقاد مذهب الحق الى الفطحية ما هو معروف. والغلط في ذلك أعظم من الغلط في اسناد فتياً يعتقد صحته لشبهة دخلت عليه الى بعض أصحاب الأئمةعليهم‌السلام »(2) ومقتضى هذا التصريح من الشيخ صدور الكذب الصريح من عبد الله بن بكير في اسناد الحديث الى ثقات المعصوم (ع).

و أما السيد بحر العلوم فانه وإن نظم هذا الاجماع في ابياته السابقة من غير حكاية له عن احد ، إلا أنه قال ـ في كتاب ( رجاله ) في ابن ابي عمير وروايته لاصل زيد النرسي ـ : « وحكى الكشي في ( رجاله ) : اجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، والاقرار له بالفقه والعلم. ومقتضى ذلك صحة الاصل المذكور ، لكونه مما قد صح عنه الخ »(3) .

وكلامه هذا صريح في إسناد حكاية الاجماع الى الكشي ، لكنه سبق اختلافه معه في ابي بصير في أبياته السابقة ، وقوله في ذيلها : « وشذ قول من به خالفنا ».

وأما الشهيد الثاني فانه بعد ما نقل عن الشيخ الطوسي : دعوى الاجماع

____________

1 ـ أنظر ص 61.

2 ـ شرح اللمعة ج 2 ص 132.

3 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 2 ص 366 ـ 367.

٤٠