مستدرك الوسائل خاتمة 4 الجزء ٢٢

مستدرك الوسائل خاتمة 411%

مستدرك الوسائل خاتمة 4 مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 501

  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 2276 / تحميل: 4646
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل خاتمة 4

مستدرك الوسائل خاتمة ٤ الجزء ٢٢

مؤلف:
العربية

١

٢

٣

٤

الفائدة الخامسة

في شرح مشيخة كتاب من لا يحضره الفقيه

الّذي بعد الكافي أصحّ الكتب وأتقنها

على ما صرّح به أئمّة الفنّ.

قال العلامة الطباطبائي في ترجمة الصدوق في كلام له في توثيقه: مضافا إلى ما ذكر، إجماع الأصحاب على نقل أقواله، واعتبار مذاهبه في الإجماع والنزاع، وقبول قوله في التوثيق والتعديل، والتعويل على كتبه خصوصا كتاب من لا يحضره الفقيه، فإنه أحد الكتب الأربعة التي هي في الاشتهار والاعتبار كالشمس في رابعة النهار، وأحاديثه معدودة في الصحاح من غير خلاف ولا توقّف من أحد، حتى أنّ الفاضل المحقق الشيخ حسن بن الشهيد الثاني مع ما علم من طريقته في تصحيح الأحاديث يعد حديثه من الصحيح عنده وعند الكلّ(١) .

__________________

(١) رجال السيد بحر العلوم ٣: ٢٩٩.

٥

وحكى تلميذه الشيخ الجليل الشيخ عبد اللطيف(١) بن أبي جامع في رجاله: أنه سمع منه مشافهة يقول: ان كلّ رجل يذكره في الصحيح فهو شاهد أصل بعدالته لا ناقل، ومن الأصحاب من يذهب إلى ترجيح أحاديث الفقيه على غيره(٢) من الكتب الأربعة نظرا إلى زيادة حفظ الصدوق، وحسن ضبطه، وتثّبته في الرواية، وتأخّر كتابه عن الكافي(٣) وضمانه فيه لصحة ما يورده، وأنه لم يقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه، وإنّما يورد فيه ما يفتي به، ويحكم بصحّته، ويعتقد أنه حجّة بينه وبين ربّه(٤) .

وبهذا الاعتبار قيل: إنّ مراسيل الصدوق في الفقيه كمراسيل ابن أبي عمير في الحجيّة والاعتبار، وإنّ هذه المزيّة من خواصّ هذا الكتاب لا توجد في غيره من كتب الأصحاب، وقد ذكرنا كلام الأستاد الأكبر في التعليقة والفوائد، وكلام الشيخ الأعظم في رسالة التعادل في الفائدة السابقة(٥) .

وقد أطال بعضهم الكلام في الفقيه، وذكروا قرائن ظنّوا أنّها تفيد رجوع الصدوق عمّا ذكره في أوّله، وعدم وفائه بما جعله على عهدته، ولكنّ المتأمّل

__________________

(١) هو الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ نور الدين علي بن شهاب الدين احمد بن أبي جامع الحارثي الهمداني الشامي العاملي، تلميذ البهائي وصاحب المعالم والمدارك وغيرهم، والمجاز هو واخوه عن صاحب المعالم، اقتصر في كتابه على رجال الكتب الأربعة، أنظر: الذريعة ١٠: ١٢٨ / ٢٥٣.

(٢) أي: على احاديث غيره.

(٣) تأخر الفقيه عن الكافي لا يعد سببا في ترجيح أحاديثه على احاديث غيره، والاّ لكانت احاديث التهذيبين اولى بالترجيح لتأخرها، ولكن قد يقال ان من مزايا تأخر الفقيه عن الكافي هو وقوف الصدوق على مروياته وتحاشي رواية بعضها والتنبيه على ما انفرد به ثقة الإسلام.

وهذا هو المراد من معنى العبارة، فلاحظ.

(٤) انظر: الفقيه ١: ٣ من المقدمة، فإن بعض فقرات هذا الكلام مأخوذ من هناك.

(٥) انظر: ماله علاقة بالمقام في الفائدة الرابعة.

٦

المنصف لعلّه لا يستفيد منها إلاّ إبطال ما زعم من قطعيّة آحاد أخباره، للشهادة المذكورة في خطبته وغيرها على منوال ما مرّ في حال أخيه الأكبر الكافي.

وأمّا صيرورتها سببا للوهن في الوثوق بها والظن بصدورها فهي أوهى حالا وأضعف بإلا من نيل هذا المقام، ورأينا نقلها وذكر ما قيل أو يقال فيها خروجا عن الغرض من هذه الفائدة، وهي شرح حال المشيخة على الطريقة المشهورة، مع أن في التأمّل في الفائدة السابقة ما يكتفي به الطالب، لاشتراك الكتابين في جملة من المطالب.

فنقول: قد سلك كلّ من مشايخنا الثلاثة أصحاب الكتب الأربعة (رضوان الله تعالى عليهم) في أسانيد كتابه مسلكا ما سلكه الآخر.

فالشيخ ثقة الإسلام جرى في الكافي على طريقة السلف الصالحين من ذكر جميع السند غالبا، وترك أوائل الاسناد ندرة اعتمادا على ذكره في الأخبار المتقدمة عليه في هذا، وقد يتفق له الترك بدون ذلك أيضا، فإن كان للمبتدء بذكره في السند طريق معهود متكرّر في الكتاب كأحمد بن محمّد بن عيسى، وأحمد بن محمّد بن خالد، وسهل بن زياد، فالظاهر البناء عليه، وإلاّ كان الحديث مرسلا، ويسمّى مثله في الاصطلاح: معلّقا.

وأمّا رئيس المحدّثين الصدوق فإنّه بنى في الفقيه من أوّل الأمر على اختصار الأسانيد، وحذف أوائل السند، ثم وضع في آخره مشيخة يعرف بها طريقه إلى من روى عنه، فهي المرجع في اتّصال سنده في أخبار هذا الكتاب، وربّما أخلّ منها بذكر الطريق إلى بعض فيكون السند باعتباره معلّقا، وسنذكر طريقة شيخ الطائفة في الفائدة الآتية إن شاء الله تعالى.

٧

ثم إنّهم أطالوا البحث والفحص عن أحوال المذكورين في المشيخة، ومدحهم وقدحهم، وصحّة الطريق من جهتهم، ولقرائن أخرى.

وأوّل من دخل في هذا الباب العلاّمة في الخلاصة، وتبعه ابن داود، ثم أرباب المجاميع الرجالية.

وشرّاح الفقيه: كالعالم الفاضل المولى مراد التفريشي، والعالم الجليل المجلسي الأول وغيرهم، ونحن نذكر خلاصة ما ذكروه مع الإشارة إلى ما عندي فيها، ثم نتبعه تنبيهات نافعة تتعلّق بالفقيه، ولتكن هذه الفائدة بمنزلة الشرح للفائدة الأولى من خاتمة الوسائل فإنّا نذكر الطرق على ترتيبه.

فنقول وبالله المستعان:

[١] أ - أمّا طريق الصدوق إلى أبان بن تغلب: فأبوه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن صفوان بن يحيى، عن أبي أيوب، عن أبي علي - صاحب الكلل - عنه (١) .

والطريق ضعيف على المشهور لمكان أبي عليّ، فإنه مجهول.

وأمّا الباقون فمن أجلاء الثقات، ويمكن تصحيح الطريق من وجوه:

أ - رواية ابن أبي عمير عن أبي علي - صاحب الكلل - كما في الكافي في باب حقّ المؤمن على أخيه(٢) ، وهي من أمارات الوثاقة كما صرّح به الشيخ(٣) ، وعليه المحققون.

__________________

(١) الفقيه: ٤: ٢٣، من المشيخة.

(٢) أصول الكافي ٢: ١٣٧ / ٨.

(٣) عدة الأصول ١: ٣٨٧.

٨

ب - إنّ في السند صفوان الذي هو من أصحاب الإجماع الذين يحكم بصحّة رواياتهم على المشهور، وسنوضحه ان شاء الله تعالى.

ج - ما أشار إليه المحقق الكاظمي في عدّته: من أنّ ما روي في الفقيه إنّما كان من أصل أبان لا من كتاب التفسير، ولا من كتاب الفضائل(١) لعدم المناسبة، والأصول - ولا سيّما أصل مثله في أيام الصدوق - كانت مشهورة، فلا يضرّ توسط ما جهل(٢) .

د - ما أشار فيها أيضا من أنّ بعض المحققين قال: أظنّ أنّ أبا علي هذا هو عبد الرحمن بن الحجّاج لكثرة روايته عن أبان، لكن عبد الرحمن يدعى: بياع السابري(٣) ، انتهى، وفيه بعد.

هـ - ما في جامع الرواة: من أنّ الظاهر أنّ أبا علي هذا هو بعينه أبو علي صاحب الأنماط الكوفي المذكور في أصحاب الصادقعليه‌السلام من رجال الشيخ(٤) ، الذي يروي عنه ابن أبي عمير كما في التهذيب في آخر باب الأذان والإقامة من أبواب الزيارات(٥) ، وفي الكافي في باب ورود تبّع في كتاب الحج(٦) (٧) .

وهذا وإن كان يرجع إلى أوّل الوجوه إلاّ أنّ في ذكره الشيخ في رجال الصادقعليه‌السلام تأكيد للوثاقة لما سنبيّنه ان شاء الله من أنّه من أمارات

__________________

(١) في الأصل: كتاب الفاضل، والذي أثبتناه هو الصحيح لكونه من كتب أبان كما في النجاشي: ١٠ / ٧.

(٢) عدة الكاظمي: ٢ / ٨٠.

(٣) عدة الكاظمي: ٢ / ٨٠.

(٤) رجال الطوسي: ٣٣٩ / ٢٠.

(٥) تهذيب الأحكام ٢: ٢٨٦ / ١١٤٤.

(٦) الكافي ٤: ٢٢٢ / ٨.

(٧) جامع الرواة ٢: ٤٠٥.

٩

الوثاقة.

[٢] ب - وإلى أبان بن عثمان: محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد وأيوب بن نوح وإبراهيم بن هاشم ومحمّد بن عبد الجبار كلّهم، عن محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى، عن أبان بن عثمان الأحمر (١) .

والسند في أعلى درجة الصحة.

وأمّا أبان فهو من أصحاب الإجماع، ويأتي بعض الكلام فيه وفي إبراهيم(٢) .

[٣] ج - وإلى إبراهيم بن أبي البلاد: أبوه علي بن بابويه، عن عبد الله ابن جعفر الحميري، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عنه، ويكنّى أبا إسماعيل (٣) .

وهذا السند أيضا صحيح بالاتفاق.

[٤] د - وإلى إبراهيم بن أبي زياد الكرخي (٤) : أبوه، عن سعد بن عبد الله، عن أيوب بن نوح، عن محمّد بن أبي عمير، عنه (٥) .

والسند إليه صحيح بالاتفاق.

__________________

(١) الفقيه ٤: ٨٣، من المشيخة.

(٢) يأتي في صحيفة: ٣٣.

(٣) الفقيه ٤: ٦٨، من المشيخة.

(٤) ذكره النجاشي في ترجمة محمد بن أحمد بن عبد الله بن مهران بعنوان: إبراهيم بن زياد الكرخي: ٣٤٦ / ٩٣٥، ومثله في الفقيه ٣: ١٤٥ / ٦٤١. إلاّ ان ما في الأصل موافق لما في المشيخة، وروضة الكافي ٨: ٣٧٠ / ٥٦٠، وتهذيب الأحكام ٧: ٨٠ / ٣٤٥ وموارد كثيرة أخرى.

والظاهر سقوط كلمة (أبي) قبل كلمة (زياد) من النجاشي والفقيه كما نبّه عليه في معجم رجال الحديث ١: ٢٢٥، فلاحظ.

(٥) الفقيه ٤: ٦١، من المشيخة.

١٠

وأمّا إبراهيم فيروي عنه ابن أبي عمير الذي لا يروي إلاّ عن ثقة.

والحسن بن محبوب، كما في الفقيه في باب المضاربة(١) ، وباب الهدية(٢) ، وفي التهذيب في باب الأحداث الموجبة للطهارة(٣) ، وفي الكافي في باب أصول الكفر وأركانه(٤) ، وهو من أصحاب الإجماع، وهم أيضا لا يروون إلاّ عن الثقة كما هو الحقّ عندنا وفاقا للعلامة الطباطبائي في ترجمة زيد النرسي(٥) ، وقد مرّ - في شرح حال أصل زيد(٦) - كلامه، وسنوضحه إن شاء الله تعالى في مقام ذكر هؤلاء العصابة.

ويروي عنه أبان بن عثمان، كما في التهذيب في باب الصلاة في السفر من أبواب الزيادات(٧) ، وهو أيضا من أصحاب الإجماع.

ويروي عنه صفوان بن يحيى، كما في الكافي في باب القول على العقيقة(٨) ، وهو شريك الجماعة، وممّن نصّ عليهم أنّهم لا يروون إلاّ عن ثقة.

ويروي عنه إبراهيم بن مهزم في الكافي في كتاب العقيقة(٩) ، وهو من أجلاّء الثقات.

وأبو أيّوب في الكافي في باب دعوات موجزات(١٠) ، وهو كسابقه، وبعد رواية هؤلاء عنه لا مجال للتأمّل فيه.

__________________

(١) الفقيه ٣: ١٤٥ / ١١ و ١٤٦ / ١٢.

(٢) الفقيه ٣: ١٩١ / ١٣.

(٣) تهذيب الأحكام ١: ٢٠ / ٤٩.

(٤) أصول الكافي ٢: ٢٢١ / ١٢.

(٥) رجال السيد بحر العلوم ٢: ٣٦٦.

(٦) تقدم في المجلد الأول صحيفة: ٦٢.

(٧) تهذيب الأحكام ٣: ٢٢٩ / ٥٨٦.

(٨) الكافي ٦: ٣٠ / ١.

(٩) الكافي ٦: ٤ / ١.

(١٠) أصول الكافي ٢: ٤٢٢ / ١٢.

١١

 [٥] ه‍ - وإلى إبراهيم بن أبي محمود: محمّد بن علي ماجيلويه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إبراهيم بن أبي محمود.

وأبوه علي، عن الحسن بن أحمد المالكي، عن أبيه، عنه.

ومحمّد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله ومحمّد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عنه(١) .

والطريق الأول: حسن بإبراهيم على المشهور، صحيح عند المحققين كما سيأتي(٢) في الطريق إليه.

وأمّا الثاني: فضعيف على المشهور، لمكان الحسن بن أحمد المجهولين(٣) ، والظاهر كما قيل: انه نسب الى جدّه مالك بن الأحوص الأشعري القميّ، وقد ذكره الشيخ في أصحاب العسكريعليه‌السلام (٤) وفيه مدح، مضافا إلى رواية مثل علي بن بابويه الجليل عنه، فالسند قوي وفاقا للتقي المجلسي(٥) .

والثالث: صحيح بالاتفاق.

[٦] و - وإلى إبراهيم بن أبي يحيى المدائني: محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصفار، عن محمّد بن عبد الجبار، عن الحسن بن علي بن فضال، عن ظريف بن ناصح، عنه (٦) .

وكلّهم ثقات وأجلاّء من الإماميّة سوى ابن فضال، ولذا عدّ السند في المشهور من الموثق، ولكنّه من أصحاب الإجماع، وممن أمر العسكري (عليه

__________________

(١) الفقيه ٤: ١٤، من المشيخة.

(٢) يأتي في صحيفة: ٣٣.

(٣) أي: الحسن وأبوه أحمد.

(٤) رجال الشيخ: ٤٣٠ / ٣.

(٥) روضة المتقين ١٤: ٢٧.

(٦) الفقيه ٤: ٩٧، من المشيخة.

١٢

السلام) بأخذ رواياتهم(١) ، وقد أخبر محمّد بن عبد الله بن زرارة برجوعه عن الفطحية(٢) ، فدرج السند في سلك الصحاح أولى كما صرّح به في العدّة(٣) .

وأمّا إبراهيم فهو بعينه إبراهيم بن محمّد بن أبي يحيى أبو إسحاق المدني مولى الأسلميين، من أصحاب الباقر والصادقعليهما‌السلام له كتاب مبوّب في الحلال والحرام عن الصادقعليه‌السلام وكان خاصّا به خصيصا بحديثنا(٤)

يروي عنه: حماد كما في التهذيب في كتاب المكاسب(٥) ، وصرّح به في التعليقة(٦) ، وهو من أصحاب الإجماع، ومن الثقات الأجلاّء.

وعاصم بن حميد كما في الكافي في باب صدقات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٧) وباب ما أحل لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من النساء(٨) .

والجليل: عبد الرحمن بن محمّد بن أبي هاشم كما فيه في باب آلات الدواب(٩) ، وفي التهذيب في باب ارتباط الخيل(١٠) .

وظريف بن ناصح كما في الفقيه(١١) .

__________________

(١) بقولهعليه‌السلام : خذوا بما رووا، وذروا ما رأوا.

أنظر: كتاب الغيبة للطوسي: ٣٩٠.

(٢) رجال النجاشي: ٣٥ / ٧٢.

(٣) العدة للكاظمي: ١ / ١١١.

(٤) رجال النجاشي: ١٤ / ١٢.

(٥) تهذيب الأحكام ٦: ٣٢٨ / ٢٨.

(٦) تعليقة الوحيد على منهج المقال: ٢٠.

(٧) الكافي ٧: ٤٨ / ٣.

(٨) الكافي ٥: ٣٩١ / ٧.

(٩) الكافي ٦: ٥٤١ / ٥.

(١٠) تهذيب الأحكام ٦: ١٦٥ / ١١.

(١١) الفقيه ٤: ٩٧، من المشيخة.

١٣

وذكره الشيخ في رجال الصادقعليه‌السلام (١) ومرّ ويأتي أنّه من الشواهد على كونه ممّن وثقهم ابن عقدة في رجاله.

وقال أيضا في حقّه: أسند عنه(٢) ، وجميع ذلك يورث الظنّ القويّ بكونه من ثقاتنا.

[٧] ز - وإلى إبراهيم بن سفيان: محمّد بن عليّ ماجيلويه، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن علي الكوفي، عن محمّد بن سنان، عنه (٣) .

والظاهر أنّ المراد بمحمّد بن علي هو الصيرفي الذي يكنّى أبا سمينة، وقالوا فيه: إنّه من الغلاة الكذّابين، وبعد أن اشتهر بالكذب في الكوفة انتقل إلى قم، ونزل على أحمد بن محمّد بن عيسى، ثم اشتهر بالغلوّ فأخرجه أحمد من قم(٤) ، وله كتب مثل كتب الحسين بن سعيد(٥) .

فالسند ضعيف وإن بنينا على وثاقة محمّد بن سنان كما هو الحقّ، الاّ أنّ في شرح المشيخة: وروى الأصحاب كتبه، إلاّ ما كان فيه غلوّ، أو كان منفردا به، وكتبه كثيرة، والظاهر أنّ مساهلتهم في النقل عن أمثاله لكونهم من مشايخ الإجازة، والأمر فيه سهل، لأن الكتاب إذا كان مشتهرا متواترا عن صاحبه يكفي في النقل عنه، وكان ذكر السند لمجرّد التيمن والتبرك، مع أن الغلوّ الذي

__________________

(١) رجال الشيخ: ١٤٤ / ٢٤.

(٢) انظر: رجال الشيخ: ١٤٤ / ٢٤.

(٣) الفقيه ٤: ١٠٢، من المشيخة.

(٤) انظر: رجال النجاشي: ٣٣٢ / ٨٩٤، وقد ذكره بعنوان: محمد بن علي بن إبراهيم بن موسى أبو جعفر القرشي، مولاهم، صيرفي، وكان لقب محمد بن علي: أبا سمينة، وقال: ضعيف جدا فاسد الاعتقاد، لا يعتمد في شيء.

أقول: سيأتي في الهامش رقم ٨ من الصفحة: ١٥ ماله علاقة بالمقام، فلاحظ.

(٥) فهرست الشيخ الطوسي: ١٤٦ / ٦١٤.

١٤

ينسبونه إليهم لا نعرف أنّه كان الاخبار عاليا دقيقا أو كان موافقا للواقع، لأنا نراهم يذكرون: أنّ أوّل درجة في الغلوّ نفي السهو عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أن أكثر الأصحاب رووا أحاديثهم، وما رأينا من أخبار أمثاله خبرا دالا على الغلو، والله تعالى يعلم(١) ، انتهى.

ويؤيد ما ذكره أنّ الصدوق مع قرب عهده به ووقوفه على حاله، وما صنع به شيخ الأشعريّين أحمد اعتمد عليه في جملة من طرقه سوى إبراهيم المذكور.

فمنها: طريقه إلى الحسن بن علي بن أبي حمزة(٢) ، وطريقه إلى محمّد بن سنان(٣) ، وإلى علي بن محمّد الحضيني(٤) ، وإلى وهيب بن حفص(٥) ، وكذا طريقه إلى أبي الجارود(٦) ، وطريقه إلى عبد الحميد الأزدي(٧) - بناء على كون محمّد بن علي القرشي الكوفي هو بعينه الصيرفي الهمداني(٨) ، كما استظهره في

__________________

(١) روضة المتقين ١٤: ٢٨.

(٢) الفقيه ٤: ١٣٠، من المشيخة.

(٣) الفقيه ٤: ١٥ و ١٠٥، من المشيخة.

(٤) الفقيه ٤: ١٢٠، من المشيخة.

(٥) الفقيه ٤: ٦٣، من المشيخة.

(٦) الفقيه ٤: ٤٠، من المشيخة.

(٧) الفقيه ٤: ١٥، من المشيخة.

(٨) الظاهر اشتباه المصنفرحمه‌الله تعالى في القول بالاتحاد بين محمد بن علي القرشي الكوفي وبين محمد بن علي الصيرفي الهمداني فيما نقله عن منتهى المقال وتبناه أيضا. وفي المقام جملة أمور نوردها اختصارا.

١ - ان محمد بن علي القرشي ليس هو أبا سمينة، وان كان قريشا واسمه محمد بن علي، فهذا لا يلزم انحصار المسمى بهذا الاسم، وبالإمكان ان يكون غيره، كما لا تدل رواية ابن ماجيلويه على الاتحاد لإمكان روايته عن الاثنين لا سيما بعد ثبوت كونهما من طبقة مشايخه.

٢ - وقوع محمد بن علي القرشي في ثمان طرق للشيخ الصدوق كما بينها المصنف، ولو كان المقصود منه هو الملقب بأبي سمينة، لما صح التزام الصدوق في أول الفقيه بان لا يذكر فيه الا ما يعتمد عليه، ويحكم بصحته، ويكون حجة بينه وبين ربه، ولا يمكن الجمع بين قوله

١٥

منتهى المقال(١) - وطريقه إلى هارون بن خارجة.

هذا وأما إبراهيم بن سفيان فغير مذكور في الرجال، ولا يوجد له رواية في الكتب الأربعة إلاّ ما في الفقيه في باب ما يجوز للمحرم إتيانه: عنه، عن أبي الحسنعليه‌السلام (٢) وروى عن الحسين بن سعيد، عنه، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام في باب ما يجب على من اختصر شوطا في الحجر(٣) ، والأمر سهل.

[٨] ح - وإلى إبراهيم بن عبد الحميد: محمّد بن الحسن، عن محمّد ابن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن سعدان بن مسلم، عنه.

وأبوه أيضا، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عنه(٤) .

والسندان حسنان في المشهور.

__________________

هذا والرواية عمن هو معروف لدى الصدوق وغيره بالغلو والكذب والتدليس والوضع، وعليه فلا بد وأن يكون المراد منه غير أبي سمينة.

٣ - استثناء محمد بن الحسن بن الوليد من رواية محمد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن محمد ابن علي أبي سمينة، وما رواه عن محمد بن علي الهمداني، كما في النجاشي: ٣٤٨ / ٩٣٩، وهذا يدل على أن أبا سمينة هو غير الهمداني.

٤ - ذكر النجاشي كلا الرجلين وقال عن أبي سمينة (٣٣٢ / ٨٩٤): انه ضعيف جدا فاسد الاعتقاد لا يعتمد في شيء، وذكر عن الهمداني بأنه وأباه وجده من وكلاء الأئمة عليهم‌السلام ولم يطعن عليه في أي شيء (٣٤٤ / ٩٢٨).

٥ - جد الهمداني اسمه محمد وجد أبي سمينة اسمه إبراهيم والأول من أهل همدان والثاني من الكوفة ثم انتقل الى قم واخرج منها كما يظهر من ترجمة الاثنين لدى النجاشي.

معجم رجال الحديث: ١٦ / ٢٩٩ - بتصرف.

(١) منتهى المقال: ٢٨٤.

(٢) الفقيه ٢: ٢٢٤ / ١٠٤٨.

(٣) الفقيه ٢: ٢٤٩ / ١١٩٩.

(٤) الفقيه ٤: ٥٥، من المشيخة.

١٦

أمّا الأول: فبسعدان، وأمّا الثاني فبابن هاشم، والحقّ وثاقتهما.

أمّا الثاني فيأتي(١) عن قريب.

وأمّا الأول فلرواية من لا يروي إلاّ عن ثقة عنه، مؤيّدة برواية الأجلاّء الكاشفة عادة عنها.

فروى عنه ابن أبي عمير، في الكافي في باب أن الأرض لا تخلو من حجه(٢) ، وصفوان بن يحيى، كما صرح به الشيخ في الفهرست(٣) ، ويونس ابن عبد الرحمن في الكافي، في باب البيان والتعريف(٤) ، وفضالة بن أيوب، في باب النوادر من كتاب الجنائز(٥) ، والحسن بن محبوب، في الفقيه، في باب أحكام المماليك والإماء من كتاب النكاح(٦) ، والحسن بن علي بن فضال، في التهذيب، في زيارة الأربعين(٧) .

وهؤلاء الستة من أصحاب الإجماع، وفيهم ابن أبي عمير، وصفوان.

ويروي عنه العباس بن معروف كما في مشيخة الفقيه(٨) في طريقه إليه، وأحمد بن إسحاق كذلك(٩) ، وعبد الله بن الصلت القمّي(١٠) .

وشيخ القميين محمّد بن علي بن محبوب كما في التهذيب في باب

__________________

(١) يأتي في هذه الفائدة، صحيفة: ٣٣.

(٢) أصول الكافي ١: ١٣٦ / ٢.

(٣) فهرست الشيخ الطوسي: ٧ / ١٢.

(٤) أصول الكافي ١: ١٢٥ / ٦.

(٥) الكافي ٣: ٢٥٨ / ٢٩.

(٦) الفقيه ٣: ٢٨٨ / ١٤.

(٧) تهذيب الأحكام ٦: ١١٣ / ٢٠١.

(٨) الفقيه ٤: ٥٥، من المشيخة.

(٩) الكافي ٥: ٥٢٦ / ١.

(١٠) فهرست الشيخ: ٧٩ / ٣٢٦.

١٧

الأحداث الموجبة للطهارة من أبواب الزيادات(١) .

والحسن بن علي بن يوسف - المعروف بابن بقاح - فيه في باب اختيار الأزواج(٢) .

وأحمد بن محمّد [عن محمّد](٣) بن خالد فيه في باب الزيادات من الزكاة.

والحسين بن هاشم في الكافي في باب إلطاف المؤمن(٤) ، وهو من الثقات، وإن رمي بالوقف.

وعلي بن الحكم فيه في باب فضل فقراء المسلمين(٥) ، ومحمّد بن خالد(٦) ، ومحمّد بن عيسى بن عبيد(٧) ، وعلي بن أسباط(٨) وغيرهم.

وصرّح الشيخ في الفهرست أنّ له أصلا(٩) ، وقد قال المفيد في رسالة العدد: وأمّا رواة الحديث بأن شهر رمضان شهر من شهور السنة يكون تسعة

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١: ٣٥٣ / ١٠٥١.

(٢) تهذيب الأحكام ٧: ٣٩٩ / ١٥٩٢.

(٣) في الأصل: وأحمد بن محمد بن خالد، والذي أثبتناه هو الموافق لما في المصدر، والكافي ٤: ٨ / ٣، وثواب الأعمال: ١٧٣ / ٢، ووسائل الشيعة ٦: ٢٧٨ / ٢، ومعجم رجال الحديث ٨: ١٠١، ولم تعهد رواية أحمد بن محمد بن خالد عن سعدان بن مسلم، والصحيح رواية محمد بن خالد عنه.

(٤) أصول الكافي ٢: ١٦٤ / ١.

(٥) أصول الكافي ٢: ٢٠٢ / ٩.

(٦) انظر الهامش المتعلق بما أثبتناه بين معقوفتين آنفا.

(٧) الاستبصار ١: ٣٠٩ / ١١٥١.

(٨) الكافي ٨: ٣٠٧ / ٤٧٨، من الروضة.

(٩) فهرست الطوسي: ٧٩ / ٣٢٦.

١٨

وعشرين يوما ويكون ثلاثين يوما فهم فقهاء أصحاب أبي جعفر - وعدّ إلى العسكريعليهم‌السلام - والأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، الذين لا يطعن عليهم، ولا طريق إلى ذمّ واحد منهم، وهم أصحاب الأصول المدوّنة والمصنفات المشهورة(١) ، انتهى.

وأمّا إبراهيم بن عبد الحميد، فهو الأسدي الكوفي الأنماطي، أخو محمّد ابن عبد الله بن زرارة(٢) لأمّه، الثقة، لتصريح الشيخ في الفهرست(٣) ، ورواية الأجلاء عنه مثل: النضر بن سويد(٤) ، والحسين بن سعيد(٥) ، ويعقوب بن يزيد(٦) ، وجعفر بن محمّد بن سماعة(٧) ، وعبد الله بن محمّد النهيكي(٨) ، وإبراهيم بن هاشم(٩) ، وعلي بن أسباط(١٠) . وغيرهم، ورميه بالوقف غير مضرّ، مع أنه ضعيف من أصله، مضافا إلى كونه من أرباب الأصول الذين عرفت مقامهم.

[٩] ط - وإلى إبراهيم بن عمر: أبوه، عن سعد بن عبد الله، عن

__________________

(١) الرسالة العددية: ١٤.

(٢) رجال النجاشي: ٢٠ / ٢٧.

(٣) فهرست الطوسي: ٧ / ١٢.

(٤) تهذيب الأحكام ٧: ٩٨ / ٤٢١.

(٥) أصول الكافي ٢: ٢٤٩ / ٤.

(٦) تهذيب الأحكام ٣: ٢٣ / ٨٠.

(٧) تهذيب الأحكام ٢: ٢٥٨ / ١٠٢٧.

(٨) الكافي ٦: ٥٠٥ / ٥.

(٩) روى عنه بواسطة واحدة في التهذيب ٤: ١٨٩ / ٥٣٣ وهو واقع أيضا في طريق الفهرست إليه ولكن بتوسط ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى.

(١٠) أصول الكافي ١: ٣٥٠ / ٥٦.

١٩

يعقوب بن يزيد، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني (١) .

وكلّهم من أجلاّء الثقات، وفيهم حمّاد، وهو من أصحاب الإجماع، ومنه يظهر حال إبراهيم.

ويروي عنه أيضا ابن أبي عمير كما في الكافي في باب يوم الفطر(٢) .

ومن الأجلاّء: شيخ القميّين محمّد بن علي بن محبوب(٣) ، وسيف بن عميرة(٤) ، وعلي بن الحكم(٥) ، وأبان(٦) ، والظاهر أنه ابن عثمان، وهو من أصحاب الإجماع.

وقال النجاشي: شيخ من أصحابنا، ثقة، روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام ذكر ذلك أبو العباس وغيره(٧) .

وقال الشيخ في [أصحاب الباقرعليه‌السلام ]: له أصول رواها عنه حماد ابن عيسى(٨) .

وقد عرفت مقام أرباب الأصول عندهم، فقول ابن الغضائري: - إنّه يكنّى أبا إسحاق، ضعيف جدا - لا يصغى اليه، ولذا قال العلاّمة في الخلاصة بعد نقل كلام النجاشي وابن الغضائري: والأرجح عندي قبول روايته وإن حصل بعض الشك في الطعن فيه(٩) .

__________________

(١) الفقيه ٤: ٩٥، من المشيخة.

(٢) الكافي ٤: ١٦٨ / ٣.

(٣) تهذيب الأحكام ٤: ٣١٧ / ٩٦٣.

(٤) أصول الكافي ١: ٦٨ / ٣.

(٥) لم نعثر على روايته عنه.

(٦) تهذيب الأحكام ٦: ٣٧٩ / ١١١٣.

(٧) رجال النجاشي: ٢٠ / ٢٦.

(٨) رجال الطوسي: ١٠٣ / ٧.

(٩) رجال العلامة: ٦ / ١٥.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ايها السادة المحترمون !

مثل هذهِ الامور كثيرة جداً في التاريخ القضائي لبلادنا. وان ذكرها بأجمعها يحتاج الىٰ سنوات من الوقت.

والحقيقة هي ان القيود التي وضعها العالم المتحضر علىٰ القوانيين القضائية سلبتها السرعة اللازمة وجعلها كما هي الآن مضحكة ، مما ادىٰ الىٰ يأس الفئات المستضعفة من احقاق حقها بواسطة الاجهزة القضائية ، للحدّ الذي يرضىٰ اكثر المظلومين المستضعفين بغض النظر عن حقوقهم المسلّمة والقانونية على أن يرجعوا الىٰ المحاكم.

لكن الاسلام العظيم لا يرضىٰ ان يكون هناك عمل مهما كان صغيراً بعنوان طي مراحل قانونية او عناوين اُخرىٰ في دائرته القضائية ، ومع ان المحكمة الاسلامية ليس فيها الّا عضوان هما القاضي والكاتب ( الذي يحرر الحكم ) ، الّا انه في الغالب يفضّ النزاع في اول جلسة قضائية ، ويأخذ كل واحد حقه.

المحكمة القضائية الاسلامية برأي غوستاف لوبون

يقول الدكتور غوستاف لوبون حول القضاء في الاسلام :

« القضاء الاسلامي وترتيب المحاكمات وجيز وبسيط ، فهناك شخص منصب من قبل الحاكم لأمر القضاء ، يتابع جميع القضايا شخصياً ويحكم فيها ،

١٨١

وحكمه هذا قطعي ، ففي المحكمة الاسلامية ، يدعىٰ طرفي النزاع الىٰ الحضور شخصياً الىٰ المحكمة ويقومان بشرح القضية ويقدم كل طرف منهم دليله ، ثم يصدر القاضي حكمه في ذلك المجلس.

لقد حضرت مرّة في احدىٰ هذهِ المحاكم في المغرب ورأيت كيف يقوم القاضي بعمله ، كان القاضي يجلس علىٰ كرسيه في بناية متصلة بدار الحكومة ، كما ان كلّ واحد من المتداعيين أيضاً يجلس في مكانه ومعه شهوده ، وكانوا يتحدثون بألفاظ مختصرة وكلام بسيط ، فإذا كان احدهم يحكم عليه بعدّة سياط ، كان الحكم ينفذ فيه في ختام الجلسة ، واكبر فوائد هذا النوع من القضاء هو عدم ضياع وقت المتداعيين ، وعدم وجود خسائر مالية للمتداعيين بسبب المراجعات الادارية التي نراها اليوم ، ومع البساطة والايجاز الذي ذكرته فأن الاحكام الصادرة كانت عادلة ومنصفة ».

ليس في الاسلام استئناف ولا تميز

الدكتور : الشروط التي ذكرتها والالتفاتات العلمية الموجودة في القضاء الاسلامي ليس لها مثيل في قوانين القضاء الوضعية في جميع العالم ، حسب معلوماتي الشخصية ، ورغم الضجيج الاعلامي الذي تقوم به اوروبا دعاية لمؤساستها القضائية ، فليست هناك مؤسسة متطورة كما هو الحال في المؤسسات القضائية الاسلامية. لكن هناك امر في قوانين القضاء الوضعية المعاصرة لا نجدها في القوانين القضائية الاسلامية ، وتلك مرحلة الاستئناف والتميز ، اي ان القوانين القضائية المعاصرة تكون علىٰ مرحلتين ، فلو اخطأ

١٨٢

القضاة في المرحلة الاولىٰ او ارتكبوا خيانة ، تذهب القضية مباشرة الىٰ محكمة الاستئناف ومن ثم الىٰ التميز وهناك تدرس وتتابع من جديد ، في حين ان الاسلام فاقد لهذهِ الميزة القضائية ( الاستئناف والتميز ).

الشيخ : ان وجود مرحلتان قضائيتان في عالم اليوم وعدم وجود ذلك في القانون القضائي الاسلامي هو دليل هام علىٰ استحكام مباني القوانين القضائية الاسلامية ، وهشاشتها في القوانين القضائية الوضعية المعاصرة ، ولان الاسلام يأخذ الحدّ الاقصىٰ من الاحتياط والدقة في المرحلة الاولىٰ وضمن الشروط الواجب توفرها في القاضي. لان تلك الشروط التي ذكرناها مسبقاً تجعل من الصعب ان يخطيء القاضي او يخون وبذلك تنتفي الحاجة الىٰ مرحلة الاستئناف والتميز.

أمّا دنيا اليوم ترىٰ ان شرط القضاء الوحيد هو الشهادة الدراسية ، دون الاخذ بالجوانب الاُخرىٰ والتي تجعل من اي شخص قاضياً لمجرد انه خريج فرع القانون ، لابد وان لا تطمئن لقضاءهم وان تجعل احتمال الخطأ والخيانة مساوياً لاحتمال الصحة في الحكم !

سعادة الدكتور ! حتىٰ لو فرضنا ان جميع القضاة عدول واتقياء ، فان الاسلوب القضائي المتبع اليوم لا يبعث علىٰ الاطمئنان ، لان الاضبارة التي يجب ان يدرسها القضاة نظمت في محلّ آخر ، ومن اين للقضاة ان يطمئنوا اليها وانها لم تطلها يد التحريف والتزوير ، وهل تستطيع تلك الاضبارة أن تعكس واقع الناس المساكين والمظلومين ؟! وهل الاحكام التي تصدر من مثل هذه الاضبارات صحيحة ويمكن الاطمئنان إليها ؟

١٨٣

سعادة الدكتور ! يحاول عالمنا المعاصر حلّ مشاكله القضائية مثل احتمال الخيانة او الخطأ ( وهو احتمال قوي جداً وفي محله ) عن طريق محكمة الاستئناف والتميز ، في حين ان هذا الامر خطأ تماماً وتصور مغلوط ، لان القضاة الكبار في محكمة الاستئناف والتميز ليسوا ملائكة ، بل من اولئك المتعلمين الذين يعتبر شرط استخدامهم الوحيد هو شهادتهم الدراسية ، اي ان قضاة الاستيناف والتميز ايضا من نفس شاكلة القضاة العاديين ، فكيف لا يطمئن الىٰ حكم المحاكم العادية ويطمئن الىٰ حكم محكمة الاستئناف والتميز ؟! فهل ان قضاة المحاكم العادية غير عدول وغير متقين ، لكن قضاة محاكم الاستيناف والتميز عدول ومتقون ؟!

أليسوا جميعاً من صنف وهيئة واحدة ، والشرط الوحيد لعملهم هو الورقة التي في ايديهم ( الشهادة الدراسية ) ؟!

أمّا الاسلام وعلىٰ الرغم من عدم وجود محكمة استئناف وتميز في تشكيلاته القضائية ، يمكن الاطمئنان الىٰ قضائه سبب الشروط التي يضعها للقضاء ، وللحد الذي يعترف بصراحة الدكتور غوستاف لوبون :

« علىٰ الرغم من بساطة عملية القضاء الاسلامي والايجاز الذي فيها ، إلّا ان جميع الاحكام الصادرة عادلة ومنصفة. على العكس من القضاء في دول اوروبا وامريكا رغم تشكيلاته العريضة والطويلة والمعقدة ».

سعادة الدكتور ! لقد اراد العالم الاوروبي والامريكي من خلال محاكم الاستئناف والتميز ، الدقّة والحيطة التي اتبعها الاسلام قبل تعيين القاضي من

١٨٤

حيث شروط القضاة والشهُود ، ولقد اثبتنا ان اجراءات الاسلام لها دور مهم وبارز في القضاء لا يمكن لمحاكم الاستئناف والتميز القيام به ، ويجب ان نعترف بأن محكمة الاستئناف والتميز ايضاً تتبع نفس الاجراءات الروتينية التي تتبعها المحاكم العادية ، وليس لها تأثير سوىٰ في المبالغ الطائلة التي تصرف سنوياً من اموال هذا الشعب المسكين !

جواب سؤال

الطالب الجامعي ، حسن : أيّها العمّ العزيز كيف لا يوجد في الاسلام محكمة استئناف وتميز ، مع ان الاسلام يرىٰ احتمال نقض حكم القاضي الأوّل من قبل قاض ثان ، او ان المحكوم يطلب اعادة محاكمته عند قاضٍ آخر ؟

الشيخ : الموارد التي يمكن فيها نقض حكم القاضي ، ان المحكوم يمكنه طلب اعادة المحاكمة عند قاص آخر ، لا تشبه ما عليه في محاكم الاستئناف والتميز في عالم اليوم. لانه هناك ثلاثة مراحل قضائية في مؤسسات القضاء المعاصرة ، هي : المرحلة الاولية والاستئنافية والتميزية ، فمرحلة الاستئناف فوق مستوى المرحلة الاولىٰ والتميز فوق مرحلة الاستئناف ، من شروط عقد محكمة الاستئناف هو ان لا يمضىٰ اكثر من عشرة ايام علىٰ تاريخ صدور الحكم من قبل المحكمة الاولىٰ ، كما ان محكمة التميز تنعقد بشروط خاصة ، كما لا يوجد في انعقاد محكمة التميز ، امتيازاً بين الدعاوىٰ الجزائية او الحقوقية.

١٨٥

وتنعقد محكمة الاستئناف في حال طب المحكوم ضده ، سواءً كان يحتمل الخطأ في الحكم الصادر بحقه او متيقن من خطأه ، فالقانون يقرّ انعقاد محكمة الاستئناف لمجرد طلب الشخص الذي صدر الحكم ضده ، وسواءً قطع قضاة محكمة الاستئناف بخطأ قضاة المحكمة الاوليّة اوقطعوا بعدهم خطأهم ، واحتملوا الخطأ أو الخيانة في حكمهم ، واذا ما انعقدت محكمة الاستئناف وبعد دراستهم لأضبارة طرفي النزاع ، استنبطوا حكماً مخالفاً لأستنباط المحكمة الاولىٰ ، عند ذاك يقومون بنقض حكم المحكمة الاولىٰ ويصدرون هم حكماً محله.

موارد نقض الحكم في قوانين الاسلام القضائية

في الاسلام لا يحق لقاضٍ نقص حكم قاض قبله الّا في ثلاث موارد ، هي :

1 ـ اذا لم يرَ القاضي الثاني صلاحية وجدارة في القاضي الأول لمقام القضاء.

2 ـ فيما لو كان حكم القاضي الأول مخالفاً للأدلة القاطعة والقواعد المسلّمة في القضاء الاسلامي ، مثل : مخالفة للاجماع المحقق والثابت والخبر المتواتر وامثالها.

أمّا إذا استنبط القاضي الاول حكماً علىٰ اساس القوانين القضائية الاسلامية ، لم يستنبطه القاضي الثاني منها ، بل فهم منها شيئاً آخراً ، ففي هذه الحالة لا يحق للقاضي الثاني نقض حكم القاضي الاول.

١٨٦

3 ـ عندما يثبت تقصير القاضي الاول في دراسته للقوانين والادلة القضائية ، ولم يدقق فيها بشكل جيد.

حول طلب اعادة المحاكمة في الاسلام

أمّا الموارد التي يمكن فيها للمحكوم ضده طلب اعادة المحاكمة ، هي الادعاء بقطع خطأ القاضي في حكمه ، او انه لم يكن يمتلك صلاحية علمية للقضاء ، او انه كان فاسقاً ، او ان الشهود لم يكونوا عدول وانهم فساق ومثل هذهِ الادعاءات.

كما انه لا تعاد المحاكمة لمجرد تلك الادعاءات ، بل على المحكوم في البداية اثبات دعواه ، فلو ادعىٰ المحكوم ان القاضي قد اخطأ ، عليه اولاً ان يثبت خطأ القاضي ومن ثم طلب اعادة المحاكمة.

أمّا اذا لم يثبت المحكوم خطأ القاضي او عدم صلاحيته او عنوان آخر مما ذكرناه ، فليس له طلب اعادة المحاكمة لمجرد احتماله الخطأ وحتىٰ لو طلب ذلك من قاض آخر ، فلا يحق لذلك القاضي ان يبحث ويدرس حكم القاضي الأول.

خصوصيات المسألتين في القضائين الاسلامي والوضعي

اصدقائي الاعزاء !

أتصوّر انه ومن خلال ما ذكرته اعلاه ، يتضح الفارق بين محكمة

١٨٧

الاستئناف والتميز عن الموارد التي يمكن فيها للقاضي المسلم نقض حكم قاض آخر او التي يحق للمحكوم فيها طلب اعادة محاكمته ، وثبت عدم تشابه ما يطرحه الاسلام عما موجود في الانظمة الوضعية ( محكمة الاستئناف والتميز ) ، وبشكل عام فأن الفوارق القضائية بين الاسلام والوضعية ، هي كالتالي :

1 ـ لا توجد في المؤسسة القضائية الاسلامية ثلاثة مراحل قضائية ، خلافاً للمؤسسة القضائية الوضعية المعاصرة التي لها ثلاث مراحل قضائية ، هي : المرحلة الاولية والاستئناف والتميز.

2 ـ من منظار القوانين القضائية الاسلامية ، اذا كان استنباط احد القضاة مخالفاً لأستنباط وحكم القاضي الاول ، فليس له اي حق في نقض ذلك الحكم الاولي ، في حين ان القوانين القضائية الوضعية المعاصرة ترىٰ ان استنباط قضاة محكمة الاستئناف إذا كان مخالفاً للحكم الاولي ، ينقضه ويصدر مباشرة حكم آخر في القضية.

3 ـ لا يقبل من المحكوم طلب اعادة المحاكمة ما دام لم يدعي خطأ القاضي الاول بشكل قطعي او عدم صلاحيته اوفسقه او الخ ، وحتىٰ لو طلب المتهم ذلك من قاض آخر ، فلا يحق لذلك القاضي اعادة المحاكمة او النظر في حكم القاضي الاول ، اما لو اتهم المحكوم القاضي الاول بما ذكرناه مسبقاً ، فلا تنعقد محكمة جديدة مباشرة أيضاً ، لانه عليه ان يثبت ما ادعاه اولاً ، في حين ان قوانين القضاء الوضعية تقرّ بتشكيل محكمة استئناف بمجرد طلب المحكوم لذلك ، كما ان لقضاة محكمة الاستئناف النظر في حكم المحكمة الاولىٰ ونقصه ،

١٨٨

وعلىٰ هذا لا يوجد في الاسلام محكمة استئناف وتميز بالمعنىٰ الوارد في القوانين الوضعية المعاصرة ، وان عدم وجود مرحلتي الاستئناف والتميز في القانون القضائي الاسلامي لهو خير دليل علىٰ استحكام مبنىٰ القضاء في الاسلام ، ونزلزله في القضاء الوضعي.

كانت تلك جوانب من خصوصيات قوانين القضاء الاسلامي مقارنة بالقضاء الوضعي المعاصر ، وهناك الكثير من نماذج تفوق القوانين الاسلامية علىٰ غيرها مما يعمل به في عصرنا الحاضر.

ملاحظة بعض قوانين الاسلام الجزائية

الدكتور : كما اشرتم ، ان قوانين الاسلام تتفوّق علىٰ قوانين العصر الوضعية في العديد من المجالات ، وهو امر لابد من الاعتراف به ، ولكن هناك بعض القوانين الجزائية في الاسلام ، ادت الىٰ الطعن في صميم الدين وتلك هي العقوبات الشديدة التي فرضت علىٰ بعض الذنوب في الاسلام ، مثل قطع يد السارق ، او السوط بالنسبة للزاني او شارب الخمر ، فالعالم الغربي يرىٰ ان هذهِ العقوبات اعمال وحشية ، يجب ان لا تنفذ علىٰ البشر.

الشيخ : ان معرفة حقيقة معينة تحتاج الىٰ معرفة سائر القضايا التي ترتبط بها بنحوٍ ما.

أمّا إذا أردنا دراسة موضوع ما دون الاخذ بالمواضيع الاخرىٰ المتصلة به ، فلن نصل الىٰ معرفة حقيقة وصحيحة فيما يتعلق به. ومن النماذج التامة لذلك هي القوانين الجزائية الاسلامية التي سألتم عنها. والاشكالات التي

١٨٩

يواجهها البعض مع القوانين والاحكام الجزائية في الاسلام ، مصدرها ذلك الخطأ ، وهو انهم ينظرون فقط الىٰ احكام الاسلام فيما يتعلق ببعض العقوبات ، دون الاخذ بنظر الاعتبار للقوانين التي يطرحها الاسلام في مجال تطهير المجتمع من الاثم والذنب ، والتي تعد القوانين الجزائية الشديدة ، آخر علاج لها.

أمّا الخطوات والأحكام التي يطرحها الاسلام في مجال تطهير المجتع وجعله فاضلاً ، فهي كالآتي :

أ ـ العوامل التربوية :

يستند الاسلام غالباً في صيانة المجتمع وابعاده عن العصيان والذنوب الىٰ العوامل التربوية التي يطرحها ، وهذهِ العوامل واسعة وشاملة بحيث لو أنّها طبقت بشكل جيد تضمن سلامة المجتمع ونظافته وتقيه من 90% من المعاصي.

والعوامل التربوية كثيرة في الاسلام ، لكن اهمها :

1 ـ الايمان بالله.

2 ـ الالتزام والمسؤولية.

3 ـ الالتفات الىٰ الآخرة والحساب والاجر والعقاب.

4 ـ دعوة الانسان الىٰ الفضيلة ومحاربة الخصال الذميمة.

5 ـ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

١٩٠

6 ـ الصلاة بمعاينها السامية ومفاهيمها التربوية الخاصة.

7 ـ الصوم.

وعشرات العوامل الاُخرىٰ التي لها أدوار أساسية في تربية الانسان بتمام معنى الكلمة.

ب ـ العلاج من الاساس :

المسألة الاخرىٰ التي التفت اليها الاسلام من اجل تطهير المجتمع من الذنوب والمعاصي ، هي معالجة الظواهر من الاساس ، ومهاجمة العوامل الاساسية التي تؤدي الىٰ الذنب والمعصية ، وهذهِ بحد ذاتها مرحلة مهمة يجب الالتفات اليها قبل دراسة القوانين الجزائية الاسلامية الشديدة.

فالاسلام عندما حرّم الزنا ـ علىٰ سبيل المثال ـ لم يتجاهل الغريزة الجنسية للانسان او يقمعها ، بل وضع لها طرق شرعية متعددة لو طبقت سدت حاجة الانسان الجنسية.

ولو كان الاسلام شديداً في تعامله مع السارق فلأنه طرح نظاماً اقتصادياً ليست فيه فوارق طبقية وتمايزات بين البشر ، وهو يدعو الىٰ توزيع الثروات الطبيعية والدخل علىٰ اساس العدل ، وعلىٰ ضوء النظام الاقتصادي الاسلامي ، لن يكون هناك محتاجاً في المجتمع حتىٰ يقال : لماذا يقطع الاسلام يد السارق الجائع ، الذي ما سرق إلّا ليشبع بطنه ؟! لانه سيقال في جواب ذلك اولاً ، لن يكون هناك جائع على ضوء النظام الاقتصادي الاسلامي ، بل هو سيملك حق

١٩١

الاستفادة من جميع المصادر الطبيعية في العالم بقدر حاجته وعلىٰ اساس اصالة العمل. وثانياً متىٰ قال الاسلام بقطع يد السارق في النظام الذي يبيت فيه الاشخاص جياعاً ؟!

أجل ، ان علاج الحالات المرضية من الأساس هو الأصل الثاني المهم الذي وضعه الاسلام لتطهير المجتمع من الجريمة والمعصية ، وذلك من خلال قلع جذور الاسباب الرئيسية للجريمة.

ج ـ الاحام الجزائية في الاسلام :

وفي نهاية المطاف ، وكآخر حلّ يضع الاسلام مجموعة من العقوبات لردع الانسان العاصي والوقوف دون وقوع الجريمة ، والآن إذا أراد شخص ان ينظر الىٰ احكام العقوبات فقط وتجاهل الموردين الاوليين المهمين في الاسلام ، فأن هذا الشخص مخطئ تماماً ، لانه وكما شرحنا من قبل وضع الاسلام من جهة عوامل تربوية واسعة وشاملة تقوم ببناء شخصية الانسان من خلالها ، ويسيطر بها على الصفات الرذيلة ، لكي يرتدع الانسان من خلال امتناعه عن الذنب والمعصية.

ومن جهة اخرىٰ ، قام بقطع دابر العوامل المؤدية للذنب من الجذور ، ووضع حلولاً علمية مناسبة لجميع المشاكل وفي كل المجالات ، وفيما لو طبقت تضمن جميع متطلبات الانسان وحاجياته الطبيعية والمشروعة.

وصدقوني ان نسبة عالية من الناس لو اجتازوا هاتين المرحلتين سيكونون بكل تأكيد اشخاصاً متقين واصحاب فضائل.

١٩٢

أمّا لو بقي رغم ذلك كله شخصاً مصرّاً في اختيار الطرق الشيطانية والخصال الرديئة ، فهنا وكآخر وسيلة للعلاج ، يتعامل الاسلام معه بشدّة ويقف من خلال قوانينه واحكامه سدّاً مقابل هذه الاعمال التي تريد هدم كيان المجتمع.

وهنا لكم ان تحكموا ، أليس من غير الانصاف ان يأتي شخص ويحكم في قوانين الاسلام الجزائية ويدينها دون الاخذ بنظر الاعتبار للمسائل الاُخرىٰ المرتبطة بها ، اي تلكما المرحلتان التي ذكرتهما من قبل ؟!

الثقافة

من الضروري الالتفات الىٰ ان الاسلام يرىٰ ان العوامل التربوية والمرحلة الثانية التي هي علاج الحالات المرضية من الاساس لها دور مؤثر وقوي جداً في تطهير المجتمع وردع الاشخاص عن الذنب والعصيان ، كما ان القوانين الجزائية لو طبقت بشكل جيد يمكن ان تقف امام المعاصي وتحول دون انتشار الفساد.

أمّا الايديولوجيات الوضعية ـ وللأسف الشديد ـ لا هي تستخدم العوامل التربوية المؤثرة ولا هي تقدم حلولاً اصولية من اجل تأمين حاجات الانسان ومتطلباته المختلفة ، ولا تقدم للأسف ايضاً قوانين جزائية صارمة يمكنها مكافحة الجريمة والفساد بشكل واسع ومؤثر.

١٩٣

الذين قطعت ايديهم !!!

هنا قد يقال : لو ان السارقين تقطع اياديهم ، لفقد الكثير من الناس في المجتمع اياديهم ؟! وفي جواب ذلك ، نقول :

بل العكس فلو طبقت تلك القوانين ( خاصة مع الاخذ بالمرحلتين الاوليتين المذكورتين ) لن يكون في المجتمع مقطوعي ايدي ولا سارقين ، ومثال ذلك في عصرنا دولة السعودية ، فعلىٰ الرغم من عدم وجود عوامل تربوية صحيحة في ذلك المجتمع ونظام اقتصادي اسلامي عادل ، وعلىٰ الرغم من الفوارق العميقة الموجودة وترف ولهو وثروات الامراء والحواشي والمقربين من اموال النفط وعائداتة الطائلة ، فليس هناك سرقة ( طبعاً السرقة العادية وليست السرقات الكبيرة التي يقوم بها المسؤولون والامراء من اموال الشعب ) ولا ايدٍ مقطوعة ، لانه علىٰ الاقل تطبق الحكومة السعودية قانون قطع يد السارق ، وهذا ما يمكن التأكد منه بواسطة آلاف الحجيج الذين يذهبون سنوياً الىٰ هناك للحج ، فكم من يدٍ وجدوها مقطوعة ؟! وكم رؤوا من السرقات ؟! وحتىٰ لو شاهدوا السرقات فيه أقل بكثير مما يحدث في أي دولة اُخرىٰ.

فهذا نموذج عملي واحد عن دور القوانين الجزائية الاسلامية فيما يتعلق بالسرقة في عالمنا المعاصر ، علىٰ الرغم من ان السعودية دولة لا تطبق النظام الاقتصادية الاسلامي وليس هناك توزيع عادل للثروة ، كما انها من البلدان المتخلفة ثقافياً وحضارياً.

١٩٤

قاطعية الاسلام في مكافحة الفساد

لا يُنكر ان الاسلام واجه المذنبين والعصاة المفسدين بعقوبات شديدة ، لكن يجب ان لا ننسىٰ ان ذلك كله من أجل مصلحة المجتمع وبسبب خطورة المعصية اجتماعياً ، ولا يهدف الاسلام في قوانينه الجزائية إلّا المكافحة الحقيقية للمعصية.

والاسلام ليس كالعالم المعاصر وقوانينه ، الذي يسوّي المسألة مع العاصي أو المذنب ، وبهذا الشكل يتلاعب بسعادة المجتمع ومصلحته.

فالاسلام يرجح أن يضرب شارب الخمر ثمانين سوطاً من أجل ان يقطع دابر شرب الخمر من المجتمع ويخلصه من امراضه.

والاسلام يرجح ان يضرب شارب الخمر ثمانين سوطاً ولكن في المقابل يكون له ولجميع يجله رادعاً عن فعل ذلك للأبد.

والغريب ان عالمنا المعاصر وعلىٰ الرغم من اعترافاته بأضرار شرب الخمر ، فهو يقول ان المشروبات الكحولية سموم مهلكة وخطرة وانها تؤثر سلباً علىٰ المخ والدم والقلب والاعصاب والجلد والجهاز الهضمي و الخ ، لكنه لا يتعامل بجدية مع القضية ويتساهل مع شارب الخمر بشكل يعتبر عمله ترغيباً واشاعة للمعصية !

ولو كان العالم المعاصر يريد قلع جذور السرقة والاعتداء علىٰ اموال وممتلكات الناس ، فلماذا يتساهل مع السارق ويبدي معه تسامحاً ؟! ولو كان

١٩٥

العالم المعاصر يعتبر الاعتداء علىٰ اعراض الناس خيانة وجريمة فلماذا كل هذا التساهل مع من يفعلها ؟!

هنا لا بدّ أن نعترف وللأسف الشديد ، ان القوانين الوضعية الحالية لن تستطيع ان تلعب دوراً مهماً في قلع الفساد والمعاصي من الجذور في المجتمع فقط ، بل اجازت تلك الاعمال وأدت إلىٰ انتشارها من خلال التسامح والتساهل الذي تبديه مع مرتكبيها ، والنهج الذي تتبعه تلك القوانين الجزائية الوضعية في مكافحة الفساد والاثم ، يشبه عمل الدكتور الذي يكتفي ببعض الجرعات المسكنة مقابل مرض خطر ومسري ، علىٰ الرغم من امتلاكه جميع الوسائل والامكانيات لمكافحة المرض. وفي مثل هذه الحالة الا يقال ان هدف الدكتور هو ليس علاج الحالة المرضية بل الهاء المريض المسكين وتخديره !

أمّا الاسلام

لكن الاسلام ( وخلافاً لعالمنا المعاصر ) يسعىٰ بجدية لمكافحة جذرية للفساد والمعصية في المجتمع ، وهدف الاسلام من ذلك هو قلع الفساد والمعصية من الجذور ، علىٰ قدر المستطاع ، ولهذا نراه شديداً في وضعه للقوانين الجزائية وقوانين العقوبات وفي تنفيذها.

ولان الاسلام يريد مكافحة السرقة بشكل حقيقي ويضمن امن المجتمع من هذه الناحية ، لذلك يأمر بقطع يد السارق(1) .

________________

(1) طبعاً من الأخذ بالشروط التي وضعها الاسلام.

١٩٦

والاسلام يريد مكافحة الاعتداء علىٰ اعراض ونواميس الآخرين بشكل حقيقي ، لذلك أمر بجلد الزاني مئة سوط أمام أعين الناس ، لكي لا يعود الىٰ ذلك ويكون عبرة للآخرين وسدّاً امام اتساع دائرة المعصية في المجتمع.

والاسلام يرىٰ ان المشروبات الكحولية سموم مهلكة وانها تهدد أساس المجتمع وسلامته ، لذلك يأمر بضرب ذلك الشخص الذي يخاطر بسعادة نفسه وسلامتها وسعادة وسلامة جيلة ، ويشرب من هذا الشراب المهلك ، ثمانين سوطاً ، لكي يقف امام تكرار مثل هذا العمل في المجتمع.

ألا يمكن تطبيق هذه القوانين في عصرنا.

هنا يمكن القول ، علىٰ الرغم من تأثير القوانين الجزائية والعقوبات الشديدة التي وضعها الاسلام لمكافحة المعاصي والفساد من الجذور الا ان هذه القوانين غير قابلة للتطبيق في عصرنا الحاضر ، لانه يعتبرها اساليب وحشية !

فنقول : ليس لنا إلّا أن نتعجب لهذا القول ونأسف له.

أليس عجيباً ان الدنيا تصمت وتصم آذانها وهي تشاهد مئات عمليات القتل والاعتداء وقطع الاعضاء وعشرات الجرائم الاُخرىٰ ، والتي تقع بسبب السرقة او التطاول علىٰ أموال الآخرين ، ولكنها تعتبر قطع أربعة أصابع من يد خائن او معتدي وذلك أيضاً من أجل محو ظاهرة السرقة ، والوقوف أمام مئات الجرائم التي تأتي من هذه الاعتداءات والتجاوزات غير قابلة للتطبيق والاجراء ؟!

وكيف يستصعب عالم اليوم ثمانين سوطاً علىٰ جسد شارب الخمر

١٩٧

في حين انه لا يستصعب القتل والجرائم وسلب راحة المجتمع الذي ينتج عن تأثير الخمر في سلوكيات الاشخاص والمجتمع ، ويرىٰ ذلك صعب النتفيذ !

دنيا التناقضات

اليست دنيا الي نعيش فيها ، دنيا تناقضات وعصرنا عصر غريب ! فدنيانا من جهة رؤوفة وعطوفة للحد الذي لا ترضىٰ بقطع اربعة اصابع لمجرم ( من اجل الامن العام ومحو السرقة من المجتمع ) ، ومن جهة اخرىٰ ، هذه الدنيا الرؤوفة ، تستثمر وعلىٰ مدىٰ سنوات عديدة ملايين البشر الضعفاء وعشرات الشعوب الصغيرة والمحرومة ، وتعطي للاقوياء الحق في نهب ثروات المستضعفين. في حين ان اولئك المساكين يعيشون حفاة وجياعاً ويعانون من اسوء الظروف !

وكيف تبرر هذه الدنيا العطوفة التي لا ترضىٰ ان يضرب شارب الخمر أو الزاني ثمانين أو مائة سوط ، قتل مليون جزائري مسلم ليس لهم ذنب سوىٰ انهم يريدون الاستقلال والخلاص من الهيمنة الاستعمارية ؟!

وكيف قبلت هذه الدنيا بالقنبلتين الذريتين اللآتي دمرتا هيروشيما وناكازاكي في اليابان فقتل اكثر من سبعين الف شخص وتحولت الابنية والمصانع والمرافق العامة الىٰ انقاض خلال لحظات ؟ اليس من حق الانسان صاحب الضمير الحي ان يعجب امام تصرفات هذه الدنيا المتناقضة ؟!!

١٩٨

سرد موجز للجريمة في الدول المتقدمة

عالمنا الذي يرىٰ خطأ ان قوانين الاسلام الجزائية وحشية ، اراد ان يقف امام اعتدالات الانسان عن طريق وضع قوانين اقل صرامة وبعبارة اخرىٰ لينة ، وبذلك يقتلع جذور السرقة او اية جريمة اخرىٰ ، لكنه وللأسف لم يوفق في ذلك فقط ، بل اضطر الىٰ تشديد عقوباته وقوانينه الجزائية ويزيد من عدد سجونه يوماً بعد يوم.

وعلىٰ الرغم من ذلك كله ، ولسوء الحظ ، يزداد عدد السارقين والمجرمين في كل يوم للحد الذي اصبحت احصائيات الجريمة تقلق وتخيف مسؤولي اكبر الدول المتحضرة.

وهذه بعض تلك الاحصائيات المنشورة ، والتي سببها ترك قوانين الاسلام الجزائية وعدم العمل بها :

أ ـ تقرير وزير العدل :

في تقرير قدمه وزير العدل الايراني بتاريخ 2 / 1 / 1960 الىٰ البرلمان ( المجلس الوطني ) يقول :

« نحن نواجه هذه الحقيقة المرّة ، وهي التزايد المستمر لدعاوى الناس الحقوقية والجزائية ، ولابد من التفكير بحلّ لذلك ، وعلىٰ سبيل المثال : طبقاً للاحصائيات الموجودة عندي ، فان مجموع الاضبارات التي دخلت الىٰ جهاز

١٩٩

القضاء في الأشهر الستّة الاُولىٰ من سنة 1959 ، هو 362665 في حين ان المجموع للاشهر الستة الاولىٰ من هذا العام بلغ 444391 ، اي ان ما يقرب ثمانين الف اضبارة زادت عما كان عليه في العام الماضي ، وبالتأكيد فان العملية تصاعدية في السنوات السابقة أيضاً.

ونقلت الصحف آنذاك نصّ التقرير ، وهو نماذج صغير للجرائم الموجودة لبلد في طريقه الىٰ الرقيّ ، يرىٰ ان القوانين الجزائية الاسلامية وحشية ، ويريد ان يقف امام الجريمة بالقوانين التي تضعها عقول رجاله ورجال اوروبا المخمورين !!

ولا بدّ من كلمة لوزير العدل الذي يعجب للنتائج التي تعطيها قوانينهم الوضعية : ما ستراه في المستقبل اعظم بكثير ، فأنّك لا زلت في أول الطريق.

ب ـ سجن واشنطن :

طبقاً لاحد التقارير الذي نشرته صحيفة معروفة ، كانت في واشنطن سابقاً 3600 سجينة فقط ، اما هذه السنين فقد وصل عدد السجينات الىٰ ثمانية آلاف.

وفي مدينة فلادلفيا(1) يطلق سراح النساء اللواتي يصدر الحكم بسجنهن ، لان سجون النساء مكتضة ، وليس هناك مكان للسجينات الجُدد.

________________

(1) هذه الاحصائيات تعود لثمان سنوات قبل ، أمّا الآن فالله العالم.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501