مدخل إلى دراسة نص الغدير

مدخل إلى دراسة نص الغدير0%

مدخل إلى دراسة نص الغدير مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 145

مدخل إلى دراسة نص الغدير

مؤلف: الشيخ محمد مهدي الآصفي
تصنيف:

الصفحات: 145
المشاهدات: 32373
تحميل: 4865

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 145 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32373 / تحميل: 4865
الحجم الحجم الحجم
مدخل إلى دراسة نص الغدير

مدخل إلى دراسة نص الغدير

مؤلف:
العربية

ورضوه، فإنّ كلّ من خلفهم وأمامهم من المسلمين في الآفاق يلزمهم الدخول في طاعة ذلك الإمام، إذا لم يكن الإمام معلناً بالفسق والفساد، لأنها دعوة محيطة بهم تجب إجابتها، ولا يسع أحد التخلف عنها، لما في إقامة إمامين من اختلاف الكلمة وفساد ذات البين. قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن، إخلاص العمل للّه، ولزوم الجماعة، ومناصحة ولاة الأمر، فإنّ دعوة المسلمين من ورائهم محيطة»(١) .

٤ - رأي ابن تيمية:

ويقول ابن تيمية المتوفّى (٧٢٨ هجري) في كتابه منهاج السنّة: الإمامة عندهم - أهل السنّة - تثبت بموافقة أهل الشوكة عليها، ولا يصير الرجل إماماً حتى يوافقه أهل الشوكة الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة. فإنّ المقصود من الإمامة إنما يحصل بالقدرة والسلطان، فإذا بويع بيعة حصلت بها القدرة والسلطان صار إماماً. ولهذا قال أئمة السنّة: من صار له قدرة وسلطان أن يفعل بهما مقصود الولاية فهو من اُولي الأمر الذين أمر اللّه بطاعتهم، ما لم يأمروا بمعصية اللّه، فالإمامة ملك وسلطان، والملك لا يصير ملكاً بموافقة واحد ولا اثنين ولا أربعة، إلاّ أن تكون موافقة هؤلاء تقتضي موافقة غيرهم بحيث يصير ملكاً بذلك(٢) .

ويرى (القلانسي) ومن تبعه أنّ الإمامة تنعقد بعلماء الأمّة الذين يحضرون موضع الإمام، وليس لذلك عدد مخصوص(٣) .

____________________

(١) تفسير القرطبي: ١ / ١٨٥ - ١٨٦ في تفسير الآية ٣٠ من سورة البقرة.

(٢) منهاج السنّة النبوية: ١ / ١٤١.

(٣) رئاسة الدولة للدكتور محمد رأفت عثمان: ص ٢٦٥ نقلاً عن أصول الدين للبغدادي: ص ٢٨١.

٢١

أقل عدد تنعقد به البيعة:

ويتسامح الكثير من فقهاء السنّة ومتكلميهم في العدد الذي تنعقد ببيعتهم الإمامة، فمنهم من يحدد الحد الأدنى منه بالأربعين، ومنهم بالخمسة، ومنهم من يكتفي بالثلاثة، ومنهم من يكتفي بالاثنين، ومنهم من يكتفي ببيعة رجل واحد في انعقاد الإمامة، وإليك طرفاً من كلماتهم:

٥ - رأي صاحب المواقف (الإيجي):

يقول القاضي عبد الرحمن الإيجي الشافعي المتوفّى (٧٥٦ هجري) في المواقف: وتثبت الإمامة ببيعة أهل الحل والعقد، خلافاً للشيعة. ثم قال: إذا ثبت حصول الإمامة بالاختيار والبيعة فاعلم أنّ ذلك لا يفتقر إلى الإجماع، إذ لم يقم دليل من العقل أو السمع، بل الواحد والاثنان من أهل الحل والعقد كاف(١) .

٦ - رأي الماوردي أيضاً:

وقال أبو الحسن علي بن محمد الماوردي المتوفّى (٤٥٠ هجري) في الأحكام السلطانية: اختلف العلماء في عدد من تنعقد به الإمامة منهم على مذاهب شتى. فقالت طائفة لا تنعقد إلاّ بجمهور أهل العقد والحل من كلّ بلد، ليكون الرضاء به عاماً والتسليم لإمامته إجماعاً... وقالت طائفة أخرى أقل من تنعقد به منهم الإمامة خمسة يجتمعون على عقدها أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة، استدلالاً بأمرين:

أحدهما: إنّ بيعة أبي بكررضي‌الله‌عنه انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها، ثم تابعهم الناس فيها...

____________________

(١) المواقف: ص ٣٩٩ - ٤٠٠ المقصد الثالث فيما يثبت به الإمامة.

٢٢

والثاني : إنّ عمررضي‌الله‌عنه جعل الشورى في ستة ليعقد لأحدهم برضا الخمسة وهذا قول أكثر الفقهاء والمتكلمين.

وقال آخرون من علماء الكوفة تنعقد بثلاثة يتولاها أحدهم برضا الاثنين... وقالت طائفة أخرى تنعقد بواحد، لأنّ العباس قال لعلي رضوان اللّه عليهما امدد يدك أبايعك فيقول الناس عم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان(١) .

٧ - رأي الجبائي والمحلّي وسليمان بن جرير:

وذهب الجبائي من المعتزلة إلى: أنّ الإمامة تنعقد بخمسة يجتمعون على عقدها(٢) .

وذكر جلال الدين المحلّي في شرحه على منهاج الطالبين للنووي: إنّ الإمامة تنعقد بالبيعة من قبل أربعة(٣) .

ونقل: أنها تنعقد بمبايعة ثلاثة، لأنها جماعة لا يجوز مخالفتهم(٤) .

وقيل: إنّ الإمامة تنعقد ببيعة رجلين من أهل الورع والاجتهاد. وهو رأي منسوب إلى سليمان بن جرير الزيدي، وطائفة من المعتزلة(٥) .

ويذهب إلى انعقاد الإمامة ببيعة عدد محدود وقليل، طائفة من أعلام السنّة

____________________

(١) الأحكام السلطانية للماوردي: ص ٦ - ٧.

(٢) الفِصل في الملل والنحل لابن حزم: ٤ / ١٦٧.

(٣)و(٤) شرح جلال الدين المحلّي على منهاج الطالبين للنووي: ٤ / ١٧٣، طبعة محمد علي صبيح.

(٥) أُصول الدين للبغدادي: ص ٢٨١ برواية د. محمد رأفت عثمان في كتاب رئاسة الدولة: ص ٢٦٥.

٢٣

وفقهائهم، لا نريد أن نطيل الوقوف بذكر كلماتهم في هذه المقالة(١) .

ويذهب عدد من الفقهاء إلى انعقاد الإمامية ببيعة شخص واحد فقط كما ذكرنا.

٨ - رأي إمام الحرم الجويني:

يقول إمام الحرمين الجويني المتوفّى ( ٤٧٨ هجري) في الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد:

اعلموا أنه لا يشترط في عقد الإمامة الإجماع، بل تنعقد الإمامة وإن لم تُجمع الاُمّة على عقدها... فإذا لم يشترط الإجماع في عقد الإمامة لم يثبت عدد معدود ولا حدّ محدود، فالوجه الحكم بأنّ الإمامة تنعقد بعقد واحد من أهل الحل والعقد(٢) .

٩ - رأي للقرطبي أيضاً:

ويقول القرطبي المتوفى (٦٧١ هجري) في تفسيره الجامع لأحكام القرآن: فإن عقدها واحد من أهل الحل والعقد، فذلك ثابت ويلزم الغير فعله، خلافاً لبعض الناس، حيث قال: لا تنعقد إلا بجماعة من أهل الحل والعقد... قال الإمام أبو المعالي: من انعقدت له الإمامة بعقد واحد فقد لزمت، ولا يجوز خلعه من غير حدث وتغيّر أمر. قال: وهذا مجمع عليه(٣) .

١٠ - رأي الأشعري:

ويروي عبد القاهر البغدادي عن أبي الحسن الأشعري المتوفّى (٣٣٠ هجري): إنّ

____________________

(١) من هذه المصادر النووي والرملي في منهاج الطالبين وشرحه: ٧ / ٣٩٠.

(٢) الإرشاد الى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد: ص ٤٢٤، طبعة مطبعة السعادة بمصر.

(٣) الجامع لأحكام القرآن: ١ / ١٨٦.

٢٤

الإمامة تنعقد لمن يصلح لها بعقد رجل واحد من أهل الاجتهاد والورع، إذا عقدها لمن يصلح لها، فإذا فعل ذلك وجب على الباقين طاعته(١) .

يقول البزدوي: وحُكي عن الأشعري أنّه قال: إذا عقد واحد من أهل الرأي والتدبير وهو مشهور، لواحد هو أفضل الناس عقد الخلافة يصير خليفة(٢) .

وهذا رأي معروف لدى فقهاء أهل السنّة ومتكلميهم.

وقد اشترط بعضهم في صحة انعقاد الإمامة بواحد الإشهاد على البيعة. يقول النووي في الروضة: الأصح لا يشترط الإشهاد ان كان العاقدون جمعاً، وإن كان واحداً اشترط الإشهاد(٣) .

____________________

(١) أصول الدين لعبد القاهر البغدادي: ص ٢٨٠ - ٢٨١ بحكاية د. محمد رأفت عثمان في رئاسة الدولة: ص ٢٦٦.

(٢) أصول الدين للبزدوي: ص ١٨٩ بحكاية د. محمد رأفت عثمان في رئاسة الدولة ٢٦٦.

(٣) الروضة للإمام النووي برواية د. محمد رأفت عثمان: ص ٢٦٧.

أضواء على نظرية الاختيار

نقد نظرية الاختيار

هذا مذهب جمهور (أهل السنّة) في الإمامة.

وحيث إنّ نظرية (الاختيار) هي الأساس في شرعية الإمامة والولاية عند طائفة واسعة من المسلمين وهم أهل السنّة، في مقابل نظرية (النص) التي يتبنّاها الشيعة الإمامية. فسوف نقف عند هذه النظرية وقفة طويلة للمناقشة والنقد والبحث.

إجمال النقد:

لا يعتمد شيء من هذه الكلمات التي نقلناها عن أعلام أهل السنّة في نظرية الاختيار نصّاً صريحاً من كتاب اللّه وسنة رسوله. فلا نجد نصاً في الكتاب وما صَحّ من سنة رسول اللّه في الإذن بولاية من اختاره المسلمون إماماً لهم باتفاق أهل الحل والعقد، أو بأكثريتهم، أو بمبايعة خمسة أو ثلاثة أو واحد من أهل الحل والعقد، أو بمبايعة جمع غفير من الناس. ولا نجد إذناً من اللّه تعالى بولاية من تغلّب على الأمر بالعنف والقوة. ولا يصح إسناد شيء من هذه الولايات إلى اللّه تعالى، ولا نجد في النصوص الإسلامية إثباتاً لشرعية شيء من هذه الولايات على الإطلاق.

وبناء على ذلك فإنّ إسناد شيء من هذه الولايات إلى اللّه تعالى يُعد من

٢٥

٢٦

الافتراء على اللّه الذي تستنكره الآية الكريمة من سورة يونس:( قُل أآللّهُ أذِنَ لَكُم أم عَلَى اللّهِ تَفتَرُونَ ) يونس: ٥٩. والولاية والحاكمية والسيادة على الناس للّه تعالى فقط: في محكم كتاب اللّه:( إن الحكم إلا للهِ ) يوسف: ٤٠، ٦٧ الانعام: ٥٧.

وعليه فإن الولاية من دون إذن الله ولاية محرّمة يحظرها الله تعالى على عباده، يقول تعالى:( ولا تَتَبِعوا مِن دُونِهِ أولياءَ ) الاعراف: ٣.

( وَمَا كانَ لَهمُ من دون الله مِن أوليَاء ) هود: ٢٠.

فإذا كانت الولاية من دون إذن اللّه محظورة ومحرّمة على المؤمنين، وهو صريح القرآن، ولم تكن الولاية بالاختيار يعتمد إذناً صريحاً من اللّه ورسوله في نص من كتاب اللّه أو ما صحّ من سنّة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا محالة لا يبقى دليل على شرعية مثل هذه الولايات مهما يكن حجم أهل الحل والعقد ومساحة البيعة، فإذا سقطت نظرية (الاختيار) عن الاعتبار فلا محالة تكون نظرية (النص) هي الأساس في مسألة الولاية والإمامة. وهذا إجمال للنقد.

ولا بدّ لهذا الإجمال من تفصيل وشرح في ضوء كتاب اللّه، وإليك هذا التفصيل.

تفصيل النقد

مناقشة أدلة أصل (الاختيار):

أصل (الإختيار) في الإمامة لا بدّ أن يعتمد إحدى الفرضيتين الآتيتين:

١ - فرضية حق تقرير المصير.

٢ - فرضية التفويض.

٢٧

وفيما يلي توضيح إجمالي لكلٍّ من هاتين الفرضيتين:

أولاً - فرضية حقّ تقرير المصير السياسي:

إنّ أصل (الاختيار) في نصب الحاكم مذهب سباسي شائع في الأنطمة الحديثة، وبموجب هذا المذهب يختار الناس بالوسائل الديمقراطية الميسّرة الحاكم الذي يلي أمر الناس.

وهذا الأصل يعتمد في الأنظمة السياسية الحديثة مبدأ حقّ تقرير المصير، وهو مذهب فكري وسياسي معروف في المجتمعات الحديثة.

نظرية العقد الاجتماعي:

وهذا المذهب يعتمد نظرية (العقد الاجتماعي) المعروفة، وهي أفضل الصيغ العلمية التي تعالج مسألة (شرعية الدولة) في الأنظمة السياسية العلمانية منذ القرن الثامن عشر الميلادي إلى اليوم.

وظهرت النواة الأولى لهذه النظرية على يد الفيلسوف الإنجليزي توماس هابس (١٥٨٨ - ١٦٧٩) في القرن السابع عشر الميلادي.

وتطورت على يد الطبيب والفيلسوف الإنجليزي جان لاك (١٦٣٢ - ١٧٠٧) وتكاملت وبلغت صيغتها العلمية الكاملة على يد جان جاك روسو الفرنسي في ظروف الثورة الفرنسية. وتعتمد هذا النظرية أصولاً ثلاثة رئيسية وهي:

١ - نفي ولاية وقيمومة إنسان على إنسان آخر.

٢ - تقرير مبدأ ولاية الإنسان على نفسه، وحقّه في تقرير مصيره، ويعتقد أصحاب هذه النظرية أنّ هذا الحقّ حقّ ذاتي للإنسان.

٢٨

٣ - بحقّ للإنسان أن ينقل حقّه في تقرير مصيره إلى غيره بموجب العقد الاجتماعي الذي يتمّ به نقل هذه السلطة من الأفراد إلى الهيئة الحاكمية، وتتولّى الهيئة الحاكمة بموجبه الإرادة والقيمومة على المجتمع.

وهذه الولاية التي يمارسها الحكام على الناس في نظرية العقد الاجتماعي هي بالذات ولاية الناس على أنفسهم، فإن الناس بالفطرة وبالذات، بموجب هذه النظرية، قيّمون على أنفسهم، ويملكون أمر أنفسهم إلاّ أنهم يخوّلون الهيئة الحاكمة التي يختارونها للحكم أمر هذه القيمومة والولاية. فتنتقل هذه الولاية من الناس إلى الحكام بموجب الاتفاق والعقد الذي يتعاقد عليه الناس والهيئة الحاكمة.

وإذا صحّت هذه النظرية، فإن أصل الاختيار يمكن أن يعتمد مبدأ حقّ الإنسان في تقرير مصيره السياسي، ويكون اختيار الحاكم للولاية والإمامة من قبل الناس بناءً على هذا الحقّ الذاتي الذي يملكه كلّ إنسان على نفسه وبذلك يكون أصل الاختيار أصلاً شرعياً، كما تكون ولاية الشخص الذي يختاره الناس للإمامة والولاية على أنفسهم مشروعة.

ثانياً - فرضية التفويض

وإذا كان لا يصحّ في الإسلام مبدأ حقّ الانسان في تقرير مصيره السياسي، ولا يمكن اعتماد هذا المبدأ في شرعية (الاختيار)، فإنّ من الممكن افتراض مبدأ آخر أساساً لشرعية (الاختيار) وهو فرضية (التفويض). وفي هذه الفرضية نفترض وجود تخويل من ناحية اللّه تعالى للناس في انتخاب الإمام والحاكم الذي يلي أمورهم. فإنّ الإنسان في النظرية الإسلامية إذا كان لا يملك من أمره شيئاً، كما سوف نتحدّث عن ذلك، ويكون أمره كلّه إلى اللّه تعالى، فلا يملك الإنسان أن يقرّر أمر

٢٩

نفسه بنفسه بمعزل عن إرادة اللّه تعالى وأمره وإذنه بالضرورة، فيسقط هذا الافتراض من الأساس، إلا أنّ من الممكن افتراض وجود إذن وتخويل من اللّه تعالى للنّاس أن يختاروا لأنفسهم إماماً يلي أمرهم، ويتولّى الحكم فيهم. وهذا افتراض ممكن على حدّ الثبوت، إذا وجدنا له إثباتاً في الشريعة.

وهذا الافتراض يصحّح أصل (الاختيار) ويمنحه الشرعية، كما يصحّح شرعية ولاية الحاكم الذي يتمّ نصبه بموجب أصل الاختيار.

ونحن فيما يلي سوف نحاول إن شاء اللّه أن نُلقي بعض الأضواء على كلٍ من هذين الافتراضين، ونبحث عن إمكان كلّ منهما في مرحلة الثبوت وعن أدلّة إثباته. فإذا انتهينا إلى صحّة وثبوت أيّ منهما فإن أصل (الاختيار) يكون أصلاً مشروعاً لا محالة.وإن لم تقاوم هاتان الفرضيتان النقود والمؤاخذات العلمية الموجهة إليهما، ولم نجد لهما دليلاً على الإثبات فلا محالة ينبغي أن نعتمد أصل (التنصيص) في مسألة الإمامة، ونتوقف عن قبول أصل (الاختيار)، أساساً شرعياً للإمامة في الإسلام. وهذا بحث دقيق وعسير.

نسأل اللّه تعالى أن يأخذ فيه بأيدينا إلى الصراط المستقيم، ويجنبنا المزالق التي تعترض هذا الطريق.

٣٠

أوّلاً - مناقشة فرضية (حق تقرير المصير) ودراسة ومناقشة فرضية (العقد الاجتماعي)

إن أفضل الصيغ العلمية التي تعبّر عن هذه الفرضية بصورة علمية دقيقة هي نظرية (العقد الاجتماعي)، كما ذكرنا قبل قليل، وهي فرضية يفترضها علماء الفلسفة السياسية للإجابة عن السؤال عن مصدر شرعية الدولة، ورغم أن هذه النظرية هي أفضل صيغة وصلت إليها الفلسفة السياسية حتى اليوم لشرعية الدولة العلمانية الحديثة إلا أنها واجهت نقوداً علمية من قبل علماء الفلسفة السياسية لم تتمكن من الإجابة عنها بصورة كافية.ومن هذه النقود: الملاحظات التي ذكرها العالم الإنكليزي هارولد. ج. لاسكي في كتابه (المدخل الى السياسة)، ونحن لا نريد أن ندخل في تفاصيل النظرية ولا في تفاصيل النقود. وإنما الذي يهمنا أن نقول إنّ هذه الفرضية تتولى الإجابة عن السؤال عن شرعية الدولة العلمانية الحديثة، القائمة على الأسس المادية والنظرية المادية في الكون والحياة. ولذلك فهذه النظرية - أو الفرضية - لا تصلح للإجابة عن هذا السؤال في الدولة الشرعية التي تنطلق من قاعدة الإيمان بأنّ اللّه تعالى هو مصدر كل السلطات والصلاحيات في حياة الإنسان.

ومن هذا المنطلق نستطيع أن نشخص بدقة موقف الإسلام من فرضية (العقد الاجتماعي)، والنظام السياسي القائم على هذه الفرضية وهي (الديمقراطية).

٣١

نقد الديمقراطية

تبتني (الديمقراطية) بمعناها العلمي على أساسين اثنين:

أولهما : سيادة الشعب، في مقابل الدكتاتورية السياسية التي تمنح السيادة للحاكم، ويحقّ للشعب بموجب هذه السيادة الذاتية أن يقرر مصيره بنفسه، ويحقّ له أن يحوّل هذه السيادة إلى الهيئة الحاكمة بموجب نظرية العقد الاجتماعي.

وثانيهما : حقّ الشعب في التشريع، وهو حقّ ثابت في النظرية الديمقراطية، يحقّ له فيها أن يشرّع ما يراه صالحاً، ويحقّ له أن يحوّل هذا الحقّ بموجب العقد الاجتماعي إلى الهيئات التشريعية التي تنوب عن الشعب في التشريع. والإسلام يردّ كلاً من هذين الفرضين بالصراحة.

فليس للإنسان في الإسلام سيادة على نفسه وعلى الآخرين ولا يحقّ للإنسان في الإسلام أن يشرع لنفسه أو لغيره.

إنّ نظرية (العقد الاجتماعي) تنفي فقط سيادة الإنسان على غيره من حيث الأصل، إلا ما يكون من ولاية إنسان على آخر بموجب التفاهم والتعاقد (بالعقد الاجتماعي). أمّا الإسلام فينفي سيادة الإنسان على نفسه وعلى غيره، ويحصر حقّ السيادة والولاية في اللّه تعالى.

يقول تعالى:( إن الحُكمُ إلا للّهِ ) يوسف: ٤٠،٦٧، الأنعام: ٥٧. وليس لأحد من دون اللّه تعالى سيادة وولاية على غيره، وعلى نفسه.( أمِ اتّخَذُوا مِن دُونهِ أولياءَ فاللّهُ هُوَ الوَليُّ ) الشورى: ٩،( أفَحَسبَ الّذينَ كَفَرُوا أن يَتّخذوا عِبادي مِن دُوني أولياءَ) الكهف: ١٠٢، (وَمَا كانِ لَهُم مِن دُونِ اللّهِ مِن أولياءَ ) هود: ٢٠،( قُل أغَيرَ اللّهِ أتّخذُ وِلياً فاطِرِ السَّمواتِ والأرض ) الأنعام: ١٤، وليس من حقّ الإنسان في

٣٢

الإسلام أن يشرّع ديناً ونظاماً لنفسه في الحياة الدنيا. (أفَغَيرَ دِنِ اللّهَ يبغُونَ وَلَهُ أسلَمَ مَن في السَّمواتِ والأرض طَوعاً وَكَرهاً وإليهِ يُرجعونَ ) آل عمران: ٨٣،( اتّبعوا مَا أُنزلَ إليكُم مِن رَبّكُم ولا تَتّبعُوا مِن دُونهِ أولياءَ ) الأعراف: ٣، وهذا وذاك - حق السيادة وحق التشريع للإنسان - أصلان في الإسلام يرتبطان مباشرة ب‍‌(التوحيد).

والديمقراطية تنفي كلاً من هذين الأصلين(١) ، وتعتمد الشعب مصدراً شرعياً للسيادة وللتشريع، وهو أمر يتقاطع تقاطعاً صريحاً مع أصل التوحيد. ولهذا السبب فإنّ الديمقراطية، وإن كانت متبناة سياسياً من قبل أنظمة ومجتمعات غير إلحادية، إلا أنّ الفلسفة الحاكمة عليها هي (الإلحاد). وهذا إجمال لا بدّ من تفصيل وشرح.

فإنّ (الولاية) و(الامامة) في الإسلام ترتبط بمسألة (التوحيد) ارتباطاً مباشراً. فهي أشبه (بالأصول) منها إلى (الفروع). وينبغي أن نتناول هذه المسألة، ونتعامل معها بطريقة منطقية وعقلية على هدي كتاب اللّه وسنّة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ونتجاوز الأساليب والوسائل غير العلمية التي لا تنتهي بنا إلى حجّة ويقين.

وسوف نتحدث إن شاء اللّه عن قضية (الولاية) في الإسلام، وعلاقتها المباشرة بالتوحيد، وعن التوحيد في الولاء، والشرك في الولاء.

الولاية والإمامة وعلاقتها بالتوحيد:

الولاية تعتبر أساساً من أهم أسس فهم المجتمع الإسلامي، والنسيج الذي يتألف منه هذا المجتمع الذي يعبّر عنه القرآن بالأمّة الوسط:( وكذلك جعلناكُم أُمّةَ وسطاً لِتكُونُوا شُهَداءَ عَلى النَّاس وَيَكونَ الرَّسُولُ عَليكُم شَهِيداً ) البقرة: ١٤٣.

____________________

(١) وهذان الأصلان هما اختصاص حق (السيادة) وحق (التشريع) باللّه تعالى.

٣٣

ونحن لا نريد أن ندخل في تفاصيل هذا البحث العميق في الإسلام، وإنما نريد فقط أن نقتصر في هذا البحث على العلاقة القائمة ما بين الإمام والرعية، وأنّ هذه العلاقة قائمة على أساس فكري واضح ومحدد، توضحه الآية السادسة من سورة الأحزاب المباركة، بصورة دقيقة، يقول تعالى:(النَّبِيُّ أَولى بِالمُؤمنين مِن أَنفُسهِم) .

وهذا المعنى من (الأولوية) الثابتة لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في محكم القرآن، هو الثابت لأئمة المسلمين من بعده.

ونحن نبحث عن معنى الولاية الثابتة لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الآية المباركة، ثم نبحث عن انتقال هذه الولاية إلى أئمة المسلمين وولاة الأمر من بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

نظرة في آية الأحزاب

الآية الكريمة السادسة من سورة الأحزاب واضحة في تشخيص وتحديد العلاقة التي تربط رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الأمّة: وهي علاقة الأولوية:(النَّبيُّ أَولى بِالمُؤمنين مِن أَنفُسهِم) .

ومعنى (الأولوية) تقديم إرادة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمؤمنين على إرادة المؤمنين بأنفسهم. وهذا التقديم نستفيده بشكل واضح من صيغة أفعل التفضيل الواردة في الآية المباركة:(أَوْلى).

وإنما يصح هذا التقديم عندما تتزاحم الإرادتان إرادة الحاكم وإرادة المحكوم، فتتقدم حينئذٍ إرادة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على إرادة المؤمنين.

وهذه (الأولوية) هي (الولاية) الثابتة لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الناس من جانب اللّه. ولم يذكر أحد لهذه الأولوية إسماً غير (الولاية)، ولم ينفِ أحد هذه (الأولوية) عن ولاية رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أمّته.

٣٤

وهذه (الأولوية) هي جوهر الحاكمية وحقيقتها وليس لحاكمية أحد على آخر معنى غير تقديم وتحكيم إرادة الحاكم على المحكومين، عند تزاحم الإرادات.

وهذه الولاية ثابتة لأئمة المسلمين وولاة الأمور من بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو ما نفهمه من نص (الغدير) المعروف عندما سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جماهير المسلمين في (غدير خم) عند عودته من حجة الوداع: «ألست أولى بكم من أنفسكم؟» قالوا: بلى. قال: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه».

وواضح أنّ هذه الولاية التي يقرّرها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليٍّ من بعده هي نفسها الولاية التي منحها اللّه تعالى له في قوله عَزّ شأنه: (النَّبيُّ أَولى بِالمُؤمنين مِن أَنفُسهِم ).

وهذه الولاية، وحق الطاعة، هي التي تذكرها الآية الكريمة للّه ولرسوله ولأُولي الأمر في سياق واحد في آية النساء:( أطِيعُوا اللّهَ وَأطِيعُوا الرّسُولَ وأُولِي الأمرِ مِنكُم ) النساء: ٥٩.

فلا معنى للولاية والحاكمية، كما ذكرنا، غير هذه الأولوية، وأولوية إرادة الحاكم على إرادة المحكوم ليست من المقولات التي تقبل التشكيك. فإنّ حقيقة كل (ولاية) هي تقديم إرادة الحاكم على المحكوم، وتحكيم إرادة الأول على الثاني.

مبدأ الاستناد إلى الحجّة

وإذا ثبتت هذه الحقائق، فلا بدّ في إثبات ولاية إنسان على الآخر من الاستناد إلى حجّة قطعية لإسناد الولاية والحاكمية إلى شخص من جانب اللّه تعالى أو رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نص عام أو خاص. ومن دون استناد هذه الولاية إلى اللّه تكون هذه الولاية من الولاية من دون اللّه تعالى وقد حرّمها اللّه وحظرها على عباده يقول تعالى:

٣٥

( وَلا تَتّبعُوا مِن دُونهِ أولياءَ ) الأعراف: ٣ ويقول تعالى:( وَمَا كانَ لَهُم مِن دُون اللّهَ مِن أولياءَ ) هود: ٢٠.

ومن دون إثبات قطعي لاستناد الولاية إلى اللّه تعالى تكون دعوى الولاية من الافتراء على اللّه، وهو حرام وظلم، ومن أقبح أنواع الظلم.

يقول تعالى:( قُل أآللّه أذِنَ لَكُم أم عَلَى اللّهِ تَفتَرُون ) يونس: ٥٩.

فلا يجوز الولاية من غير الاستناد إلى اللّه، ولا تصح الولاية من غير إثبات قطعي لهذا الاستناد.

وإذا اتخذنا هاتين النقطتين أصلاً، فلا يجوز التمسك بحق تقرير المصير أساساً للاختيار. وقد تحدثنا عنه بما فيه الكفاية إن شاء اللّه.

ثانياً - مناقشة فرضية التفويض الالهي

وإذا سقط علميّاً مبدأ (حقّ تقرير المصير)، وثبت لدينا أنّ هذا الحقّ للّه تعالى فقط، وليس لأحد من دون اللّه تعالى مثل هذا الحق... ننتقل إلى السؤال التالي:

هل هناك تفويض من جانب اللّه تعالى للناس في اختيار الإمام (بموجب الشروط والصفات العامة) التي تقررها الشريعة أم لا؟

فإذا وجدنا مثل هذا التفويض في النصوص الإسلامية الصريحة والصحيحة فإنّ مبدأ (الاختيار) عندئذٍ يستند إلى نص شرعي صريح وصحيح، وهو (نص التفويض)، ولا يبقى مجال للمناقشة والتشكيك في شرعية مبدأ ( الاختيار) أساساً لانتخاب الإمام والحاكم في المجتمع الأسلامي.

ومبدأ (التفويض) ليس بمعنى حقّ الناس في تقرير أمر السيادة والولاية، وليس بمعنى نفي الولاية الإلهية المطلقة على الناس، كما تقرره الديمقراطيّة.

ونحن على يقين أنّه ليس هناك من أهل العلم من الفقهاء والمتكلمين من يذهب إلى أنّ مبدأ (الاختيار) يعتمد أصل (حق تقرير المصير) على الطريقة الديمقراطيّة.

إذن لا يبقى أساس شرعي لمبدأ الاختيار غير (التفويض) من جانب اللّه، وهو الأساس الوحيد لمبدأ الاختيار.

٣٦

٣٧

وليس بين مبدأ (التفويض) و(التوحيد) تقاطع مطلقاً، كما كان ذلك في العلاقة بين (التوحيد) و(حقّ تقرير المصير) على الطريقة الديمقراطيّة.

إلاّ أنّ الشأن كل الشأن في وجود نص يدل على التفويض، بما يتطلبه من الصراحة ووثاقة السند. ولم نعثر نحن على مثل هذا النص، ولو كان لبان، كما يقول أهل العلم، ولم يطل الاختلاف في أمر الإمامة والولاية بين المسلمين إلى هذا الحدّ.

ومن عجب أنّ أمر شرعية الولاية السياسية في تاريخ الإسلام تعتمد مبدأ (الاختيار)، ومبدأ الاختيار قائم على أساس (التفويض).

وليس بين أيدينا نص صريح وصحيح يثبت هذا التخويل والتفويض من جانب اللّه تعالى.

عدم الدليل دليل العدم

وإذا علمنا أنّ حق الولاية والسيادة والحكم للّه تعالى فقط، ولا يشاركه فيه غيره، فلا يجوز أن ينتقل هذا الحق إلى أحد من الناس بغير إذن اللّه، وبدون تفويض صريح منه.

وما لم يثبت التفويض بدليل واضح من اللّه لا يحق لأحد من الناس أن يمارس سيادة وولاية على غيره.

ولما كانت فرضية التفويض أساساً لمبدأ الاختيار، فلا يمكن عادة أن يكون هناك نص في تفويض هذا الحق من اللّه تعالى إلى الناس، ويكون هذا النص هو أساس شرعية مبدأ الاختيار، ثم يضيع هذا النص فيما ضاع من تراثنا التشريعي.

فإنّ مثل هذا النص يكتسب أهمية كبرى، نظراً لأنّه هو الأساس الوحيد

٣٨

لشرعية الاختيار، فلا يمكن أن يضيع مثل هذا النص، الذي اعتمده المسلمون منذ وفاة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى نهاية عصر الخلافة في شرعية أمر الاختيار، والشرعيّة السياسيّة لولاية الخلفاء الذين تولوا أمور الناس بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولذلك نقول: إنّ عدم وجود دليل على التفويض في مثل هذه الحالة دليل على عدم التفويض.

قراءة في أدلّة التفويض

نقصد بالتفويض: أن يفوّض اللّه تعالى أمر اختيار الإمام إلى الناس بشروط وأوصاف عامة تحدّدها النصوص الشرعية.

ولما كان أمر اختيار الإمام من شؤون اللّه تعالى وحده، وليس لأحد من دون اللّه أن يختار لنفسه أو لغيره إماماً، ولم يثبت للناس ولاية وسيادة على أنفسهم كما في (الديمقراطيّة)... فلا بدّ أن يكون تفويض هذا الحق من اللّه تعالى إلى عباده بنص صريح من اللّه تعالى أو رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وليس من دون ذلك سبيل إلى إثبات مثل هذا التفويض.

وقد استعرضتُ المناهج الفقهية والأصولية والكلامية التي يذكرها الفقهاء والمتكلمون لإثبات التفويض، كما استعرضتُ نصوص باب الإمارة والولاية في كتب الحديث، والأبواب المقاربة لها، فلم أجد دليلاً مقنعاً، ولا نصاً في التفويض، بالمعنى الدقيق لكلمة النص.

وبين يدي طائفة من الأدلة والنصوص التي قد يُتمسّك بها على التفويض، وهي أهم ما في هذا الباب، وأكثر ما يمكن التمسّك به، أُوردها فيما يلي لنتأمل فيها.

وسوف اتحدث عن أدلة التفويض في مرحلتين:

٣٩

في المرحلة الأولى استعرض الأدلة التي يتمسّك بها القائلون بمبدأ الاختيار على شرعية الجانب (الكبروي) من التفويض، وأقصد بالجانب الكبروي من هذه المسألة: الأدلة على شرعية مبدأ التفويض بصورة كليّة، بغض النظرعن تطبيقات هذه المسألة.

وفي المرحلة الثانية أتحدث عن الأدلة التي يتمسّك بها القائلون بمبدأ الاختيار على الجانب (الصغروي) من التفويض، وأقصد بالجانب الصغروي من هذه المسألة: الجانب التطبيقي من مسألة التفويض، في مقابل الجانب المبدئي والكلي من شرعية التفويض.

فإنّ شرعية (التفويض) على فرض الصحة لا تتم لواحد أو اثنين من الناس، فلا يمكن أن يفوّض اللّه تعالى واحداً او اثنين في أمر الإمامة، فيخولهم اختيار الإمام لعامة الأمّة، ويُلزم الناس جميعاً بطاعتهم، ولا يمكن أن تجتمع الأمّة عادةً على إمام ليكون تفويض الأمّة كلها هو المصداق الوحيد للتفويض الشرعي، لأنّ مثل هذا التفويض لا يحل مشكلة شرعية اختيار الإمام، لامتناع اجتماع الناس على إمام واحد عادة.

إذن نتساءل، بماذا تتحقق شرعية التفويض إذا كان من غير الممكن أن يجتمع الناس عادة على إمام واحد؟ وما هو التطبيق والمصداق للتفويض الشرعي؟ وما هو مصداق الاختيار المشروع للإمام؟ وهذا هو الجانب (الصغروي) التطبيقي لمسألة التفويض.

وفيما يلي نستعرض إن شاء اللّه أدلة التفويض في كلٍ من هاتين المرحلتين ونناقشها:

٤٠