مدخل إلى دراسة نص الغدير

مدخل إلى دراسة نص الغدير0%

مدخل إلى دراسة نص الغدير مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 145

مدخل إلى دراسة نص الغدير

مؤلف: الشيخ محمد مهدي الآصفي
تصنيف:

الصفحات: 145
المشاهدات: 32374
تحميل: 4865

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 145 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32374 / تحميل: 4865
الحجم الحجم الحجم
مدخل إلى دراسة نص الغدير

مدخل إلى دراسة نص الغدير

مؤلف:
العربية

يخلق الرضي بمائتي سنة، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها وأعرف خطوط من هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضي(١) .

والنتيجة التي نستخلصها من ضم هاتين النقطتين أنّ هذا الكتاب كتبه الإمامعليه‌السلام إلى معاوية على سبيل الجدل والإفحام له بما يعلن لأهل الشام أنه يلتزم به ويتبناه، ولا يمثل هذا الكلام رأي الإمام في شرعية مبدأ (الاختيار)، لما عرفنا بالضرورة من رأي الإمام في مسألة الاختيار، وفي خلافة الخلفاء الثلاثة من قبله، فيما رواه الشريف من كلامه في نهج البلاغة، وفيما رواه المؤرخون من موقفه من خلافة الخليفة الأول بالاتفاق، ومن دون خلاف.

فهذا الكلام إذن لا يكون حجة في شرعية مبدأ (الاختيار) على كل حال.

حكم العقل بالتفويض:

نعم، لا نعترض على حكم العقل بحسن التفويض من جانب اللّه تعالى إن لم نظفر بنص شرعي صريح في تفويض الأكثرية لأمر اختيار الإمام، فإنّ العقل يحكم بالضرورة في هذه الحالة بحسن التفويض من جانب اللّه تعالى للأكثرية في اختيار الإمام، وهذا هو حكم (العقل العملي) كما يقول علماء الأُصول، ويحكم (العقل النظري) بالملازمة بين حكم العقل العملي وحكم الشارع وهو سيد العقلاء، وواهب العقل للعقلاء.

وبضم هذين الحكمين إلى بعض يكتشف العقل حكم التفويض من الشارع للأكثرية في أمر انتخاب الإمام.

____________________

(١) شرح النهج لابن أبي الحديد: ١ / ٢٠٥ خطبة ٣.

٦١

أقول: لا اعترض لي على هذا الحكم العقلي، وهو صحيح ومتين. ولكن هذا الحكم العقلي يكشف إلى جنب هذه الحقيقة عن مسألة أُخرى، لا أعتقد أنّ عالماً من علماء المسلمين يقرّها ويرتضيها، وهي: أنّ اللّه تعالى قد ترك أمر الإمامة في أُمة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي خير الأُمم، وأفضلها، وآخرها، فلم ينصب لهم إماماً، ولم يفوّض إليهم أمر اختيار الإمام في بيان صريح من اللّه ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، علماً بأنّه قد خصّ سبحانه وتعالى أمر الحكم والولاية والإمامة لنفسه تعالى فقال:( إن الحُكمُ إلا للّهِ ) ،( وَمَا كَانَ رَبُّك نَسِيّاً ) مريم: ٦٤.

ولا يمكن الدفاع عن وجهة النظر هذه في اللجوء إلى حكم العقل بادّعاء ضياع النصوص المتعلقة بالتفويض فيما ضاع من حديث رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ خطورة هذه النصوص، وأهميتها السياسية، وارتباطها بأخطر قضية وأهمها في حياة المسلمين بعد مسألة التوحيد تمنع من هذا الاحتمال. فلا يمكن أن يضيع نص بهذه الأهمية تتعلق به شرعية خلافة الخلفاء بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولم يرو لنا المؤرخون وأصحاب السير فيما رووا لنا من أحداث اجتماع المسلمين يوم وفاة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سقيفة بني ساعدة وانتخاب الخليفة نصاً يتضمن هذا التفويض الذي نبحث عنه في هذا المدخل.

ثانياً - الجانب الصغروي (التطبيقي) من التفويض

في العنوان الأول تحدّثنا عن أصل شرعية التفويض والأدلّة التي يمكن أن يتمسك بها القائلون بالاختيار على إثبات شرعية التفويض، وإثبات أن اللّه تعالى قد فوّض عباده أمر اختيار الإمام من الناحية الكبرويّة الكليّة.

والآن نتحدث عن الجانب الصغروي والتطبيقي لمسألة التفويض والأدلّة التي

٦٢

يذكرها العلماء على ذلك.

فقد ذكر العلماء طائفة من المفردات والمصاديق التي يتم بها الاختيار، وادّعوا حجية هذه المصاديق، وشرعيّة الاختيار بالتفويض من جانب اللّه تعالى في حدود هذه المصاديق، بأدلة تدل على حجية هذه المصاديق.

وهذه المفردات هي الوسائل الشرعيّة للاختيار، وحجية هذه الوسائل تدل على شرعيّة الاختيار بالتفويض الإلهي في حدود هذه الوسائل، كما ذكرنا.

فما هي هذه المفردات والمصاديق؟ وما هي الأدلة على حجيتها؟

ذلك هو الجانب التطبيقي والصغروي من هذا البحث.

وقد ذكر الفقهاء والمتكلمون ثلاثة مصاديق للاختيار والتفويض الشرعي، واستدلوا على حجيتها بطائفة من الأدلة، واستدلوا على شرعيّة الاختيار بالتفويض من جانب اللّه تعالى بهذه الأدلة في حدود هذه الوسائل والمصاديق.

وهذه الثلاثة هي:

١ - الإجماع.

٢ - البيعة.

٣ - الشورى.

وفيما يلي نبحث إن شاء اللّه عن هذه المصاديق الثلاثة للاختيار وأدلة حجيتها وما يرد عليها من مناقشات، ومؤاخذات:

٦٣

١ ـ الإجماع

القيمة التشريعية للإجماع:

لعلّ من أوجه ما ذكروا لحجية الإجماع من دليل هو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تجتمع أمتي على خطأ» و«لا تجتمع أمتي على ضلالة».

وبغض النظر عن المناقشة في سند هاتين الروايتين، فإنّ دلالتهما على حجّية الإجماع واضحة، وتسلم من كثير من المناقشات التي ترد على الأدلّة الأُخرى، التي يذكرونها سنداً لحجيّة الإجماع، إلا أنّ الحجية لا تثبت للإجماع في هاتين الروايتين، وما بمضمونها من روايات أُخرى، إلا عندما يكون الإجماع اتفاقاً من قبل الأُمة جميعاً، فإنّ صريح الروايتين هو إعطاء صفة العصمة للأُمة، وتأويل الأُمة بالفقهاء وأهل العلم والرأي منها توجيه وتكلف في تفسير الرواية.

وليس أقل من أن نشك في حجية إجماع آخر، غير إجماع الأُمة، والشك في الحجية مساوق لعدمها. فإنّ قوام حجية الدليل هو الجزم واليقين بدلالته، ولا يكون دليلاً وحجة في غير هذا الحال، فمتى طرأ الشك في حجيته ودلالته تنتقض حجيته، ولم يعد بعد حجة ودليلاً، فتختص حجية الإجماع إذن بما إذا اتفقت الأُمة جميعاً على رأي خاص أو وجهة خاصة من الرأي، فيعصمها اللّه تعالى عند ذلك عن الخطأ. وهذا هو معنى عصمة الأُمة.

ومن المستحيل أن يكون الإجماع بهذا المعنى سنداً لشرعية الخلافة والإمامة في حال من الأحوال، فإنّ مسألة الإمامة والخلافة من المسائل التي تثير عادة كثيراً من الاختلاف، فترضي قوماً وتسخط آخرين، ولا يمكن أن يكون الإجماع سنداً

٦٤

لمسألة من هذ ا القبيل. ولم نعهد في تاريخ الإسلام، ولا مرة واحدة على الأقل، أنّ الخلافة استقرّت لأحد من المسلمين بإجماع من الأُمة، ورضيها الجميع من دون استثناء.

فلا يمكن إذن أن يسند الشارع شرعية الخلافة والإمامة إلى إجماع الأُمة، ما دام الإجماع بهذا المعنى، أمراً يمتنع تحققه في مسألة من هذا القبيل.

الدليل الاستنادي:

وحتى لو تساهلنا في الأمر، واعتبرنا إجماع أهل الحل والعقد، وأهل العلم والرأي كافياً في انعقاد الإمامة، فإنّ الإجماع مع ذلك لا يمكن أن يحل محل النص في شرعية البيعة، فإنّ دليل الإجماع يختلف عن الكتاب والسُّنّة، في أنه ليس دليلاً قائماً بالذات، ولا وجود له على نحو الاستقلال في قبال الكتاب والسُّنّة، وإنّما يستند في الكشف عن الحكم الشرعي دائماً على دليل آخر من كتاب أو سُنّة، وتفصيل هذا الإجمال:

إننا حينما نفحض الإجماع من حيث المحتوى، نجد أنه تراكم من الآراء والفتاوى، متفقة من حيث الشكل والمضمون، واتفاق من الفقهاء وأهل العلم والرأي في إسناد حكم إلى اللّه تعالى.

ونقف هنا عند كلمة (إسناد حكم إلى اللّه)، فإنّ حقيقة الإجماع، أن يتفق المجمعون على رأي واحد في إسناد الحكم إلى اللّه.

ومن الواضح أنّ إسناد حكم إلي اللّه تعالى، لا يجوز من دون مستند شرعي بالنسبة إلى المجمعين أنفسهم، وفي مرحلة سابقة على تحقق الإجماع.

فإذا تحقّق الإجماع، كان سنداً شرعياً للفقهاء بعد ذلك في الحكم. غير أن

٦٥

الأمر ليس كذلك في مرحلة تحقق الإجماع، وقبل أن يتم انعقاد الإجماع، وبالنسبة إلى المجمعين أنفسهم، فإنّ عليهم أن يستندوا في رأيهم على سند شرعي من كتاب أو سُنّة. وليس من الجائز قطعاً، أن يجتمع الفقهاء في عصر من العصور اعتباطاً، ومن دون مستند شرعي على حكم من الأحكام، فيكون حكماً شرعياً.

وبتعبير آخر: إذا سألنا الفقهاء في مسألة إجماعية، عن المستند الذي يعتمدونه في الحكم الشرعي، فإنّ موقفهم في الجواب لا محالة ينشعب إلى موقفين اثنين: أمّا الفقهاء الذين لحقوا انعقاد الإجماع، فإنهم يعتمدون على الإجماع السابق عليهم، وهو موقف صحيح من دون ريب، بناءً على حجية إجماع الفقهاء.

وأمّا بالنسبة إلى المجمعين أنفسهم، فليس من الجائز أن يعتمدوا على الإجماع، لأنّ الإجماع ينعقد باتفاقهم في الرأي(١) .

والسؤال هنا عن مستند كل واحد من المجمعين، في رأيه الذي يكون مقدمة لانعقاد الإجماع، فلا يجوز أن يكون رأياً اعتباطياً غير قائم على مستند شرعي، كما لا يجوز أن يكون مستنداً على الإجماع.

فلا بدّ إذن أن يعتمد المجمعون على مستند في الرأي.

وليس للفقهاء أن يفتوا بحكم شرعي، أو يروا رأياً في حكم من أحكام اللّه، من دون وجود دليل أو مستند شرعي على ذلك.

فلا يكون الإجماع إذن سنداً لحكم شرعي، إلا إذا كان يقوم عند المجمعين أنفسهم فرداً فرداً على مستند شرعي يصحّ الاستناد إليه.

____________________

(١) / وبصياغة منطقية نقول: لا يجوز أن يستند المجمعون أنفسهم على الإجماع، فإن هذا من الدور الصريح الذي لا يجوز عقلاً.

٦٦

ولذلك قالوا: إنّ دليل الإجماع دليل طريقي كاشف ولا موضوعية له في الحكم. بمعنى أنّه دائماً طريق ومرآة للكشف عن المستند الشرعي للحكم، وليس هو في حد ذاته مستنداً للحكم الشرعي. قال في كشف الأسرار:

واعلم أنّ عند عامة الفقهاء والمتكلمين لا ينعقد الإجماع إلا عن مأخذ ومستند، لأنّ اختلاف الآراء والهمم يمنع عادةً من الاتفاق على شيء إلا عن سبب يوجبه، ولأنّ القول في الدين بغير دليل خطأ. إذن الدليل هو الموصل إلى الحق، فإذا فقد لا يتحقّق الإجماع، إنّما يتقوم بآرائهم. ومن المستحيل مع ذلك أن تتقوم آراؤهم بالإجماع. فإن ذلك هو الدور الذي لا يشك أحد في استحالته بأن يكون الرأي عند الفقهاء، ويقع في رتبة سابقة على الاتفاق والاختلاف، فإذا تحقّق الرأي من ناحية الفقهاء، يتحقّق بعد ذلك الاتفاق أو الاختلاف. فكيف يجوز أن يعتمد الفقيه في رأيه على الاتفاق الذي يتحقّق في رتبة لاحقة وفيما بعد الوصول إليه؟! فلو اتفقوا على شيء من غير دليل، لكانوا مجمعين على الخطأ، وذلك قادح في الإجماع(١) .

ويقول العلامة الحلي: لا يجوز الإجماع إلا عن دليل، وإلا لزم الخطأ على كل الأُمة(٢) .

ضياع المستند:

وقد يثار هذا السؤال: فما هي فائدة الإجماع إذن ما دامت حجية الإجماع متوقفة على وجود مستند شرعي؟ فإنّ المستند الشرعي في هذا الحال إن وجد،

____________________

(١) كشف الأسرار لعبد العزيز بن أحمد بن محمد البخاري: ٢ / ٢٦٢ طبعة شركة الصحافة العثمانية - تركيا.

(٢) مبادئ الأُصول: ص ١٩٥.

٦٧

فهو الدليل الذي يعتمده الفقيه في الفتوى، وليس الإجماع، وهو سؤال وجيه.

والجواب: إنّ المستند الشرعي الذي يستند إليه الإجماع - عند تحقّق الإجماع - قد يضيع بعد ذلك ويختفي فيما يضيع ويختفي من الأدلّة والمستندات الشرعية، فيكشف الإجماع عن وجود مستند شرعي يصح الاعتماد عليه.

فإذا ما واجه الفقيه حكماً مجمعاً عليه من الكتب الفقهية، ولم يعثر على دليله، اكتفى بالإجماع دليلاً عليه وحكم به، باعتبار أنّ الإجماع لا بدّ أن يقوم - عند تحقّقه - على مستند شرعي صحيح استند إليه المجمعون، فإذا ضاع ذلك المستند، فإنّ الإجماع يكشف عنه.

ولهذا السبب فإنّ الاعتماد على الإجماع، يؤول في واقع الأمر إلى الاعتماد على الدليل الذي يستند إليه المجمعون. وإذا كان هذا الدليل قد اختفى، فإن الإجماع يكشف عنه على نحو الإجمال.

وهذا هو ما يعنيه الفقهاء، من أنّ الإجماع ليس أصلاً قائماً بذاته، وإنّما هو حكاية عن أصل شرعي، وطريق إليه يكشف عنه ويستند إليه.

مستند الإجماع:

ومن الواضح أنّ مستند الإجماع في مثل هذا الحال في أمر الخلافة بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الصدر الأول، لا يمكن أن يكون من الكتاب الكريم. فإنّ القرآن محفوظ بأجمعه لم يمسه تحريف أو تغيير أو ضياع.

ولا يمكن أن يكون المستند حكماً عقلياً عند من يرى العقل حجة، فإنّ الناس سواء في أحكام العقل، ولا معنى لضياع المستند واختفائه في مثل هذا الحال.

ولم يبق في البين احتمال آخر، غير أن يكون مستند الإجماع من السُّنّة، بعد

٦٨

أن عرفنا عدم إمكان تجرد الإجماع من مستند ودليل شرعي.

ومن الممكن في مثل هذا الحال، أن يضيع هذا المستند، فيكون الإجماع حاكياً عنه ودليلاً عليه.

فالإجماع إذن ليس دليلاً شرعياً قائماً بالذات، وأصلاً برأسه، كما كان الأمر كذلك في الكتاب والسنة، وإنما هو أصل حاكٍ يكشف عن وجود نص مفقود من السنة دائماً.

والآن، بعد هذه الجولة في حجيّة الإجماع نقول: إنّ الإجماع على انتخاب شخص للإمامة لا يكون حجّة بذاته، وإنّما يكون حجّة بما يستند إليه من النص بناءً على ما تقدّم من ضرورة وجود مستند للإجماع من السنة. وعندئذٍ يكون النص هو الحجّة، والإجماع كاشف عنه فقط، وليس للإجماع حيثية ذاتية في الحجيّة.

ولا ريب في أنّ النص حجية في تعيين الإمام، وهو ما نريد إثباته من (نظرية النص) في الإمامة والولاية. ولا يمكن أن يخفى هذا النص عن المجمعين أنفسهم (وهو جيل الإجماع)، لأنّ المفروض أنّ إجماعهم يستند إلى هذا النص(١) ، كما لا يمكن أن يضيع هذا النص عن الجيل الذي يلي جيل الإجماع في مسألة خطيرة، شديدة الحساسية والأهمية، مثل مسألة خلافة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فلو كانت خلافة

____________________

(١) إنّما يقول العلماء بعدم تمامية (الإجماع المستند) فيما إذا كان الإجماع يستند اجتهاداً معيناً لإمكان التشكيك في الاجتهاد الذي كان أساساً للإجماع، وعليه فإذا شككنا في سلامة الاجتهاد وصحته يسقط الإجماع عن الحجيّة رأساً. وليس كذلك الإجماع الذي يستند نصاً شرعياً ضاع بمرور الزمن، وبقي الإجماع كاشفاً عنه، فإنّ هذا هو القدر المتيقن من حجيّة الإجماع، ولا يكون الإجماع حجّة من دونه.

٦٩

الخليفة الأول قد تمّت بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإجماع المسلمين، فلا بدّ أن يستند هذا الإجماع إلى نصّ صريح من رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عرفه جميع المسلمين من المهاجرين والأنصار يومذاك.

ومن دون ذلك لا يكون هذا الإجماع حجة، لما تقدم من البحث عن طبيعة حجيّة الإجماع.

ولو صح مثل هذا النص عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خلافة الخليفة الأول لما أمكن أن يضيع ويختفي من كتب الحديث والسيرة.

وكيف يمكن أن يضيع مثل هذا النص من كتب الحديث والسيرة، وعليه تتعلق أهم قضية في تاريخ المسلمين السياسي؟ وكيف يمكن أن نتصوّر، أنّ نصاً خاصاً ورد في الخليفة عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان الصحابة يومئذٍ على علم به، وأجمعوا على نصب الخليفة للخلافة - كما يقول هؤلاء - إستناداً إليه، ثم لا يبقى أثر أو خبر عن هذا النص؟

فالإجماع إذن لم يستند إلى نص شرعي خاص، ومثل هذا الإجماع لا يكون حجّة لعدم وجود مستند شرعي للمجمعين أنفسهم على اختيار الإمام من نص من كتاب أو سُنّة، فلا يكون هذا الإجماع حجة قطعاً لا لجيل المجمعين، ولا للجيل الذي يلي جيل الإجماع.

الاستناد إلى القياس:

نعم، قيل: إنّ الإجماع على اختيار الخليفة الأول كان يستند إلى القياس.

وهذا أمر يقتضي منا أن نقف عنده قليلاً. فقد روي أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلف

٧٠

أبا بكر للصلاة بالمسلمين في مكانه، في اليوم الأخير من حياته، وقاس المسلمون عليه أمر الخلافة فقالوا: رضيه رسول اللّه لأمر ديننا، ونرضاه نحن لأمر دنيانا.

قال في فتح الغفار في معرض الحديث عن القياس والتمثيل له: كالإجماع على خلافة أبي بكر قياساً على إمامته في الصلاة، حتى قيل: رضيه رسول اللّه لأمر ديننا، أفلا نرضاه لأمر دنيانا؟ كذا في التلويح(١) .

وهو قياس مع الفارق.

أوّلاً : فإنّ الإمامة في الصلاة، تختلف عن إمامة المسلمين خلافة عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فالإمامة في الصلاة تجوز لأي شخص عدل من المسلمين، بينما لا تجوز الإمامة، كما سبق أن ذكرنا، إلا بتعيين من جانب اللّه تعالى. وقد خلف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخرين من الصحابة مكانه للصلاة عندما كان يخرج إلى الغزو خارج المدينة، ولم يستند أحد من المسلمين إلى مثل هذه التعيينات التي صدرت منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته، ليقيس عليه أمر الإمامة بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلافة عنه.

وثانياً : ليست حجيّة القياس أمراً مجمعاً عليه بين المسلمين، ولا يمكن اعتماده أساساً للاستنباط.

وثالثاً : إنّ صلاة أبي بكر بالمسلمين بأمر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم موضع كلام، والروايات فيها مضطربة قلقة، والأقوال فيها مختلفة. ولا نريد أن نخوض هذا البحث، إلا أننا على ثقة أن القارئ لو قُدِّر له أن يجمع الروايات الواردة في صلاة أبي بكر، ويقارن بعضها إلى بعض لم يخرج عنها بمحصّل.

____________________

(١) فتح الغفار في شرح المنار: ٢ / ٦.

٧١

٢ ـ البيعة

القيمة التشريعية للبيعة

في البيعة ثلاثة آراء فقهية معروفة:

الرأي الأول

أن ليس للبيعة قيمة تشريعية في أمر الولاية والطاعة أو الجهاد، وتقتصر بناءً على هذا الرأي قيمة (البيعة) في تأكيد التزام المكلّف بالطاعة لولي الأمر الذي ثبتت ولايته على المسلمين، والالتزام بالقتال والجهاد الذي فرضه اللّه تعالى على عباده بقيادة وإمرة ولي الأمر.

وبناءً على هذا الرأي فلا تُنشئ ولا تُثبت البيعة ولاية لأحد. وهذا هو أرجح الآراء الفقهية، كما اعتقد، فقد طلب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المسلمين البيعة في أربعة مواقع. في (العقبة الأُولى) وفي (العقبة الثانية) وعند الشجرة في (بيعة الرضوان) ويوم (غدير خم).

والبيعة الأُولى (بيعة الدعوة).

والثانية والأخيرة (بيعة الإمرة) له وللوصي من بعده.

والثالثة (بيعة الجهاد).

فهذه ثلاثة أنواع من البيعة في (الدعوة) و(الولاية) و(الجهاد)، وفي كل هذه البيعات لم تكن البيعة سبباً فقهياً لإحداث وجوب الطاعة في الدعوة والولاية والجهاد.

فإن الاستجابة للدعوة واجبة بحكم العقل، والدفاع عن الدعوة واجب بحكم

٧٢

العقل والشرع، وطاعة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والالتزام بإمرته وقيادته في السلم والحرب واجب بحكم الشرع. وكان على المسلمين الاستجابة للدعوة والدفاع عنها وتبنّيها، وطاعة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والقتال دون الدعوة من دون هذه البيعات جميعاً.

إذن ليست للبيعة قيمة فقهيّة في أمر الولاية والإمامة، وإنما هي أداة وأسلوب لتعميق وتأكيد ارتباط الأُمة بالولاية.

علاقة البيعة بالطاعة:

والرأي الثاني

في البيعة وعلاقتها ب(الإمرة) وطاعة ولي الأمر: أنّ البيعة شرط في صحة الطاعة، ولا علاقة للبيعة بتعيين (ولي الأمر)، كما لا علاقة للبيعة بوجوب الطاعة لولي الأمر، فإنّ وجوب الطاعة لولي الأمر، وتعيين ولي الأمر ثابت ومنجز قبل البيعة فلا تكون البيعة، سبباً لوجوب الطاعة، ولا لتعيين ولي الأمر، كما في علاقة الوضوء بالصلاة، فإنّ الوضوء لا يحدث وجوباً للصلاة، ووجوب الصلاة ثابت قبل الوضوء وبعد الوضوء بكل خصوصياتها، وإنما الوضوء شرط في صحة الصلاة، ويسمّي علماء الأُصول هذه العلاقة عادةً ب(مقدمة الواجب).

وبناءً على هذا الرأي لا يكون للبيعة تأثير في تعيين ولي الأمر، ولا في وجوب طاعته.

والرأي الثالث

أنّ علاقة البيعة بطاعة ولي الأمر من الناحية الفقهية هي التسبيب لوجوب طاعة ولي الأمر الذي بايعه المسلمون، فلا تجب طاعة ولي الأمر قبل البيعة، وبالبيعة يثبت وجوب الطاعة، فتكون البيعة سبباً لوجوب طاعة ولي الأمر، كما في علاقة

٧٣

الاستطاعة بوجوب الحج، حيث لا يجب الحج قبل الاستطاعة، غير أنّ اللّه تعالى لا يطلب من المكلّف تحقيق الاستطاعة، إلا أنّ البيعة واجبة على المكلّف لإقامة الدولة الإسلامية وإقرار الأمن وتطبيق حدود اللّه، فإذا تحقّقت البيعة وجبت الطاعة بمقتضى البيعة، وليس وجوب البيعة ناشئاً من وجوب الطاعة، كما كان الأمر كذلك في (مقدمة الواجب) في الرأي الثاني، ويصطلح علماء الأُصول على هذه العلاقة عادة ب(مقدمة الوجوب) مقابل (مقدمة الواجب).

وبناءً على هذا الرأي تكون البيعة سبباً في إحداث وجوب الطاعة، ومن دون البيعة لا تجب الطاعة.

وهذا رأي في علاقة البيعة بالطاعة، ولا نستبعد هذا الرأي، في عصر الغيبة، غير أنّ وجوب البيعة وتسبيبها لوجوب الطاعة ليس بمعنى أنّ البيعة تعيّن ولي الأمر. فلا علاقة للبيعة ووجوبها وإيجابهاً للطاعة بمسألة تعيين الإمام. فلو أنّ الناس بايعوا من لم يأذن اللّه تعالى ببيعته لم تصح بيعتهم ولا تحدث هذه البيعة وجوباً للطاعة لمن بايعه الناس، وإنما توجب البيعة الطاعة إذا كانت البيعة لمن أذن اللّه تعالى بطاعته وأمر ببيعته. فالشأن إذن فيمن يأذن اللّه تعالى ويأمر بطاعته وبيعته.

فإن كان دليل قطعي بتفويض أمر الإختيار إلى المسلمين ضمن الشروط والأوصاف التي يحددها الشارع فهو المرجع، وإن لم يكن لنا مثل هذه الحجّية على عموم التفويض فليس في شرعية البيعة ووجوبها وتسبيبها لطاعة ولي الأمر دلالة على أن اللّه تعالى فوّض الأُمة أمر انتخاب الإمام ضمن الشروط والمواصفات العامة التي يذكرها الفقهاء. وليس بوسع الناس أن يمنحوا بالبيعة شخصاً من بينهم الولاية على أنفسهم، حتى ضمن المواصفات والشروط العامة ما لم ترد حجّة شرعية قطعية على ذلك. ولا تكون (البيعة) مصدراً لشرعية (الاختيار).

٧٤

٣ ـ الشورى

ويتمسك بعض الفقهاء بأدلّة (الشورى) في إثبات فرضية الاختيار استناداً إلى قوله تعالى:( وأمرُهُم شُورَى بَينَهُم ) الشورى: ٣٨، وإلى قوله تعالى:( وَشَاوِرهُم في الأمرِ ) آل عمران: ١٥٩.

فإنّ الآية الأولى إقرار للشورى كمصدر للقرار، وتثبيت لشرعية القرار الذي يقرّه أهل الشورى. وفي الآية الثانية أمر بالشورى، ولا معنى للأمر بالشورى إن لم تكن الشورى مصدراً شرعياً للقرار.

واختيار شخص لولاية الأمر ونصبه للحكم والولاية من جملة هذه القرارات التي يوكل القران أمرها إلى الشورى، ويشملها إطلاق الأمر في كلٍّ من الآيتين الكريمتين... هكذا يقول بعض الفقهاء.

القيمة التشريعية للشورى:

وللمناقشة في دلالة هاتين الآيتين على إعطاء الشورى صفة القرار مجال واسع. فليس في أيّ من هاتين الآيتين دلالة على أنّ الشورى مصدر للقرار، وملزمة لعموم الناس.

ولا تزيد هذه الآية وتلك عن إقرار أصل الشورى والأمر بها، وليس في أيّ منهما دلالة أو إشارة على الإلزام بما يراه أهل الشورى من الرأي، سواء كانت الشورى فيما بين الناس في شؤونهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية أو فيما بين الحاكم وأهل الشورى من الرعية.

وبين إقرار الشورى والأمر بها، كمبدأ سياسي واجتماعي وبين الإلزام بها بون

٧٥

بعيد، وليس معنى الإقرار بالشورى هو الإلزام والالتزام بنتيجة الشورى.

فإنّ الأمر بالنصيحة والتناصح فيما بين المسلمين شيء ولزوم الأخذ بالنصيحة أمر آخر لا علاقة له بالأمر الأول، ويحتاج إلى دليل آخر غير الدليل على الأمر الأول.

والقرآن الكريم نفسه يصرح بهذا التفكيك بين الأمرين في الآية الثانية، فيأمر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشورى:( وَشَاوِرهُم في الأمرِ ) ، ثم يأمره أن يتوكل على اللّه فيما يعزم عليه هو.

يقول القرطبي(١) في تفسير هذه الآية: وقربها الشورى مبنيّة على اختلاف الآراء، والمستشير ينظر في ذلك الخلاف، وينظر أقربها قولاً إلى الكتاب والسنة إن أمكنه، فإذا أرشده اللّه تعالى إلى ما شاء منه عزم عليه وأنفذه متوكلاً عليه.

ويقول البلاغي في (آلاء الرحمن )(٢) :( وَشَاوِرهُم في الأمرِ ) الذي يعرض، أي واستصلحهم واستمل قلوبهم بالمشاورة، لا لأنهم يفيدونه سداداً وعلماً بالصالح. كيف وأنّ اللّه مسدّده( وَمَا يَنطقُ عَنِ الهَوَى* إن هُو إلا وَحي يُوحَى ) النجم: ٣ - ٤،( فَإذَا عَزَمتَ ) على ما أراك اللّه بنور النبوة، وسدّدك فيه( فَتَوكّل عَلى اللّهِ ) آل عمران: ١٥٩.

ويقول السيد عبد اللّه شبّر(٣) في تفسير هذه الآية: فإذا عزمت على شيء بعد الشورى، فتوكّل على اللّه في إمضائه.

____________________

(١) تفسير القرطبي: ٤ / ١٦٢.

(٢) آلاء الرحمن: ١ / ٣٦٢.

(٣) / تفسير شبر: ص ١٠٢.

٧٦

يقول الفيض الكاشاني(١) في تفسير هذه الآية( فَإذَا عَزَمتَ ) : فإذا وطّنت نفسك على شيء بعد الشورى فتوكّل على اللّه في إمضاء أمرك على ما هو أصلح لك، فإنّه لا يعلمه سواه.

فالقرآن إذن يصرّح بهذا التفكيك بين الأمر بالشورى وإقرارها، وبين الإلزام والالتزام بها، وليس معنى الأمر بالشورى وإقرارها الإلزام والالتزام.

وروى الشريف الرضي في (نهج البلاغة) عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام أنّه قال لعبد اللّه بن عباس، وقد أشار عليه في شيء لم يوافق رأيه: «عليك أن تشير عليّ فإذا خالفتك فأطعني»(٢) .

القيمة التوجيهية للشورى:

ويبقى أنّ نتساءل: فما فائدة الشورى إذاً، لو كانت غير ملزمة.

والجواب: إنّ في الشورى قيمة توجيهية كبيرة في تنضيج الرأي وتسديده، وفي استمالة قلوب الناس وإشراكهم في صناعة القرار. ولا تقتصر فائدة الشورى على الإلزام والالتزام لتفقد الشورى فائدتها إذا سلبنا عنها صفة الإلزام والالتزام.

وإذا اتضحت هذه النقطة في التفكيك بين الأمرين نقول: إنّ الآيتين الكريمتين لا تدلان على أكثر من إقرار الشورى والأمر بها، ولا تدلان بوجه على إعطاء الشورى قيمة القرار والإلزام.

____________________

(١) تفسير الصافي: ١ / ٣٩٥.

(٢) الوسائل: ٨ / ٤٢٨ ج ٤ كتاب الحج باب ٢٤ من أبواب أحكام العشرة، وفي نهج البلاغة: ص ٥٣١ رقم ٣٢١ من قصار الحكم «لك أن تشير عليّ وأرى، فإن عصيتك فأطعني».

٧٧

وبناءً على ذلك فلا تكون الشورى من مصادر القرار - في الفقه -، ولا يكون لأهل الشورى قرار ملزم على عامة الناس، ولا على أولياء الأمور.

ومن أوضح البديهيات أنّ مسألة اختيار ولي الأمر، ونصب الحاكم لا يتم من دون قرار ملزم لعامة الناس، ومن دون وجود قرار ملزم بالنصب لا يكون النصب ملزماً للناس، ولا شرعياً، ولا يكون بوسع الحاكم من الناحية الشرعية أن يلزم الناس بقرار إذا كان نصبه للأمر قد تم من دون قرار ملزم لعامة الناس.

الخلاصة والنتيجة

وبعد هذه الجولة في ما يمكن أن يُستند إليه من أدلة (التفويض) من الناحية المبدئية والتطبيقية (الكبروية والصغروية) ننتهي إلى رأي محدد نتخذه أساساً في مسألة الإمامة العامة وهو:

١ - إنّ اللّه تعالى اختص لنفسه أمر الولاية والحكم (إن الحُكمُ إلا للّه ).

٢ - وليس للإنسان حقّ بتقرير المصير في أمر السيادة والتشريع، كما في الديمقراطية.

٣ - ولم يفوّض اللّه تعالى أمر اختيار الإمام الى الناس، لا على نحو الإطلاق، ولا ضمن شروط ومواصفات شرعية فيما قرأنا من كتاب اللّه، وما صح من سُنّة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٤ - ولا يمكن أن تهمل الشريعة بيان أمر خطير مثل مسألة التفويض في أمر الإمامة، إذا كان التفويض أمراً مشروعاً عند الشارع وسبباً شرعياً لانعقاد الإمامة... فليس من الممكن أن يهمل الشارع أمراً خطيراً مثل هذه المسألة، ولا يمكن أن يكون للشارع في ذلك تصريح تلقّاه المسلمون، وضاع هذا التصريح فيما بعد. وذلك لأنّ

٧٨

من غير الممكن عادة أن يضيع نصّ هام وخطير ترتبط به حياة الأُمة السياسية. فإنّ الضرورة حاكمة باهتمام المسلمين بمثل هذا النص وتداوله جيلاً بعد جيل.

٥ - إذن لا يكاد أن يثبت مبدأ (الاختيار) أمام هذه المناقشات والمؤاخذات، ولم يذكر أصحاب هذا المذهب دليلاً قوياً على رأيهم في (الاختيار) لا يمكن التشكيك فيه ولا يناله النقد.

ويفقد هذا المبدأ قيمته العلمية بناءً على ذلك على كلٍّ من الافتراضين المعروفين:

أ - فرضية الحق الذاتي للناس في تقرير المصير واختيار الحاكم.

ب - وفرضية التفويض الإلهي للناس في أمر اختيار الإمام في (الإمامة العامة).

٦ - إذن لا يبقى أمامنا في مسألة الإمامة غير خيار واحد، وهو مبدأ (النص) من اللّه تعالى ورسوله في تعيين الإمام، إماماً بعد إمام.

ومن الطبيعي أنّ هذه النظرية تختص ب(الإمامة العامة) ولا علاقة لها بالولاة والعمال الذين يعينهم إمام المسلمين لأعماله وولاياته.

وفيما يلي نلقي إن شاء اللّه نظرة على نظرية النص، وإليك ذلك.

٧٩

ثالثاً - نظرية النص

ذكرنا فيما سبق من هذا البحث أنّ (الاختيار) لا بدّ أن يقوم على أحد افتراضين:

إما فرضية الحق الذاتي لتقرير المصير.

وإما فرضية التفويض من اللّه تعالى.

ونفينا احتمال الفرض الأول من وجهة نظر القرآن الكريم نفياً مطلقاً، وأمّا صحة الفرض الثاني فيتوقّف على إثبات (التفويض) بدليل قطعي من كتاب اللّه أو سنة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن لم يثبت ذلك، كان لا بدّ لنا من اعتماد نظرية (النص) لعدم وجود طريق ثالث معقول يمكن اعتماده.

وفيما يلي نبحث نحن إن شاء اللّه عن نظرية النص من حيث الجذور والأُصول، وسوف ننطلق في دراسة هذه النظرية من جذورها التوحيدية، ونواصل حلقات الموضوع بشكل متسلسل ومترابط إن شاء اللّه.

١ - توحيد الخلق:

يقول تعالى:( يا أيُّها النّاسُ اذكُرِوا نِعمَةَ اللّهِ علَيكُم هل مِن خَالقٍ غَيرُ اللّهِ يَرزُقُكُم مِن السّمَاءِ والأرض لا إلهَ إلا هُو فَأنّى تُؤفِكُونَ ) فاطر: ٣.

٨٠