مستدرك الوسائل خاتمة 7 الجزء ٢٥

مستدرك الوسائل خاتمة 713%

مستدرك الوسائل خاتمة 7 مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 265119 / تحميل: 5164
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل خاتمة 7

مستدرك الوسائل خاتمة ٧ الجزء ٢٥

مؤلف:
العربية

١

٢

٣

٤

الفائدة السابعة

٥

٦

في ذكر أصحاب الإجماع، وعِدَّتهم.

والمراد من هذه الكلمة الشائعة، فإنه من مهمات هذا الفن، إذْ على بعض التقادير تدخل آلاف من الأحاديث الخارجة عن حريم الصحة إلى حدودها، أو يجري عليها حكمها وتوضيح الحال يتم برسم أُمور:

الأول: في نقل أصل العبارة فنقول:

قال الشيخ أبو عمرو الكشي في رجاله - [في] تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر، وأبي عبد اللهعليهما‌السلام -:

أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين، من أصحاب أبي جعفر، وأبي عبد اللهعليهما‌السلام وانقادوا لهم بالفقه.

فقالوا: أفقه الأولين ستّة:

زرارة.

ومعروف بن خربوذ.

وبريد.

وأبو بصير الأسدي.

والفضيل بن يسار.

ومحمّد بن مسلم الطائفي.

قالوا: وأفقه الستة زرارة.

وقال بعضهم: مكان أبي بصير الأسدي: أبو بصير المرادي، وهو ليث

٧

ابن البختري(١) .

تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام .

أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء(٢) ، وتصديقهم لما يقولون، وأقرّوا لهم بالفقه من دون أُولئك الستة الذين عددناهم وسمّيناهم.

وهم ستّة نفر:

جميل بن دراج.

وعبد الله بن مسكان.

وعبد الله بن بكير.

وحماد بن عيسى.

وحماد بن عثمان.

وأبان بن عثمان.

قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه وهو ثعلبة بن ميمون أنّ أفقه هؤلاء: جميل بن درّاج. وهم أحداث أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام (٣) .

تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم، وأبي الحسنعليهما‌السلام .

أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء، وتصديقهم، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم.

وهم ستّة نفر آخر، دون الستة النفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام منهم:

يونس بن عبد الرحمن.

__________________

(١) رجال الكشي ٢: ٥٠٧ / ٤٣١.

(٢) اختلفوا في مفاد هذه العبارة، ودلالتها على أربعة أقوال، وسيأتي توضيح هذه الأقوال من قبل المصنفقدس‌سره في الأمر الخامس من الأمور التي رسمها آنفاً، فلاحظ.

(٣) رجال الكشي ٢: ٦٧٣ / ٧٠٥.

٨

وصفوان بن يحيى بياع السابري.

ومحمّد بن أبي عمير.

وعبد الله بن المغيرة.

والحسن بن محبوب.

وأحمد بن محمّد بن أبي نصر.

وقال بعضهم: مكان الحسن بن محبوب: الحسن بن علي بن فضّال، وفضالة بن أيوب.

وقال بعضهم: مكان فضالة: عثمان بن عيسى.

وأفقه هؤلاء: يونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى(١) .

وقال ابن داود في رجاله في ترجمة حمدان بن أحمد، نقلاً عن الكشي -: أنّه من خاصّة الخاصة، أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، والإقرار له بالفقه في آخرين(٢) ، انتهى.

والموجود من نسخ الكشي خال عنه، ولعلّه أخرجه من الأصل، إذ الشائع الدائر مختصره، كما مرّ شرحه في ترجمته(٣) .

الثاني: في عددهم، وهم غير الأخير اثنان وعشرون:

ثمانية عشر منهم هم الذين نقل الكشي الإجماع عليهم، على الظاهر من عدم كون فضالة عطفاً على ابن أبي(٤) نصر كما توهمه التقي المجلسي

__________________

(١) رجال الكشي ٢: ٨٣٠ / ١٠٥٠، وفيه: « وقال بعضهم: مكان ابن فضال. الى آخره » ومثله في الطبعة القديمة: ٥٦٦ / ١٠٥٠، مع الإشارة في الهامش إلى وجود فضالة مكان ابن فضال في نسخة اخرى، فلاحظ.

(٢) رجال ابن داود: ٨٤ / ٥٢٤.

(٣) انظر الجزء الثالث، صحيفة: ٢٨٥.

(٤) على أساس أنّ الحسن بن علي بن فضال، وفضالة بن أيوب كلاهما مكان الحسن ابن محبوب.

٩

في شرح الفقيه(١) إذ يصير عددهم حينئذ سبعة، وقد صرّح بأنهم ستّة، مع أنه ذكر في الطبقة الأُولى معتقده، ثم ذكر الخلاف في أبي بصير الرابع منهم فلا بُدّ وإن يكون هنا كذلك(٢) .

والأربعة ممّن نقل عن بعض الأصحاب الإجماع عليهم، فالستّة عشر منهم محلّ اتفاق إجماعه وإجماع الآخر عليهم(٣) .

وانفرد الأول بنقل الإجماع على اثنين، وهما: أبو بصير الأسدي، وابن محبوب.

والآخر بنقله على أربعة، وهم: أبو بصير المرادي، وابن فضّال، وابن أيوب، وعثمان.

هذا إن كان المراد بالبعض في المواضع الثلاثة واحداً، وإلاّ فيكثر نقل الإجماع على جماعة، ثم إنّه لا منافاة بين الإجماعين في محل الانفراد، لعدم نفي أحد الناقلين ما أثبته الآخر، وعدم وجوب كون العدد في كلّ طبقة ستّة، وإنّما اطلع كلّ واحد على ما لم يطلع عليه الآخر، والجمع بينهما ممكن، فيكون الجميع مورداً للإجماع. وإنّما فسّرنا قوله: « بعضهم »: ببعض الأصحاب، لعدم جواز نقل الكشي في أمثال المقام عن غير العلماء الأعلام والفقهاء العظام.

قال السيّد المحقق في تلخيص الرجال في ترجمة فضالة -: قال بعض أصحابنا: أنّه ممّن أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عنهم،

__________________

(١) روضة المتقين ١٤: ٩٨ في شرح طريق الصدوق إلى الحسن بن محبوب.

(٢) أي: لا بُدّ وأنْ يكون عددهم هنا ستة، ولا يضر ذكر الخلاف بالحسن بن محبوب لعطف فضالة على ابن فضال لا على البزنطي.

(٣) على اعتبار كون المجموع الكلي ثمانية عشر فقيهاً، مع أفراد أبي بصير والحسن ابن محبوب؛ للاختلاف المتقدم فيهما.

١٠

وتصديقهم، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم، الكشي(١) .

وقال في منهج المقال في ترجمته: وفي الكشي قال بعض أصحابنا. إلى آخره، والعبارة تقدمت في أحمد بن محمّد بن أبي نصر(٢) ، ونقل في أحمد عين عبارة الكشي في الطبقة الثالثة(٣) .

وتوهم بعض أفاضل المعاصرين في رسالة توضيح المقال، أنّ قوله: قال بعض أصحابنا، عين عبارة الكشي(٤) ، قال: وأمّا ناقل الإجماع المزبور فهو الكشي على ما هو المعروف، وربّما ينقل عن غيره كما في فضالة بن أيوب، حيث قال: قال: بعض أصحابنا: أنه ممّن أجمع أصحابنا. إلى آخره(٥) .

وهو توهم عجيب، مع أنّه لم يترجم فضالة في كتابه أصلاً، وقد سبقه إلى هذا التوهم المحقق الداماد في الرواشح فقال بعد نقل تمام عبارة الكشي، وكلام لابن داود ما لفظه: ثم إنّ أبا عمرو الكشي قال في ترجمة فضالة بن أيوب: قال بعض أصحابنا: إنّه ممّن أجمع أصحابنا على تصديق ما يصحّ عنهم، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم، انتهى(٦) .

وأنت خبير بأنّه ليس في رجال الكشي ترجمة فضالة أصلاً.

وكيف كان فلا إشكال في ذلك، وإذا ضمّ إلى الجماعة ما في رجال ابن داود يصير العدد ثلاثة وعشرين.

__________________

(١) تلخيص الرجال (كتاب الرجال الوسيط للاسترآبادي): مخطوط، ورقة: ١٨٦ / ب، أي: نقالاً عن الكشي.

(٢) منهج المقال: ٢٥٩.

(٣) منهج المقال: ٤١.

(٤) رجال الكشي ٢: ٨٣٠ / ١٠٥٠.

(٥) توضيح المقال: ٤٠.

(٦) الرواشح السماوية: ٤٦.

١١

الثالث: في بيان تلقي الأصحاب هذا الإجماع بالقبول وعدم طعنهم عليه وإنْ اختلفوا في المراد من العبارة المذكورة، وطعن بعضهم في مذهب بعض المجمعين.

فنقول: أمّا شيخ الطائفة فيظهر منه ذلك.

(أوّلاً:) بما ذكره في أوّل اختياره لكتاب الكشي، على ما نقله عن خطّه السيد الأجل علي بن طاوس في كتاب فرج المهموم، قال: ونحن نذكر ما روى عنه يعني الشيخ من أول اختياره من خطّه، فهذا لفظ ما وجدناه: أملى علينا الشيخ الجليل الموفق أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي (أدام الله علوّه) وكان ابتداء إملائه يوم الثلاثاء السادس والعشرين من صفر سنة ست وخمسين وأربعمائة، بالمشهد الشريف المقدس الغروي، على ساكنه السلام، قال: هذه الأخبار اختصرتها من كتاب الرجال، لأبي عمرو محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشي، واخترنا ما فيها(١) ، انتهى.

وظاهر كلامه، بل صريح مدلوله كما نصّ عليه السيّد المتقدم أن كلّ ما في الموجود مرضيّة ومختاره، واستدل بذلك على مطلوبه من صحّة علم النجوم في كلام لا يقتضي المقام نقله، ومن الواضح أنّ الإجماع لو لم يكن مختاره ومرضيه، ومقبولاً عنده، لما أبقاه على حاله.

(وثانياً:) بما في العدّة، حيث قالرحمه‌الله : وإذا كان أحد الراويَيْن مُسنداً والآخر مُرسِلاً نظر في حال المرسِل، فإنْ كان ممّن يعلم أنه لا يرسل إلاّ عن ثقة موثوق به، فلا ترجيح لخبر غيره على خبره، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما رواه محمّد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر، وغيرهم من الثقات، الذين عرفوا بأنّهم لا يروون ولا

__________________

(١) فرج المهموم: ٣٠.

١٢

يرسلون إلاّ عَمَّن يوثق به، وبين ما يسنده غيرهم؛ ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفرد(١) عن رواية غيرهم(٢) ، انتهى.

وليس فيه ذكر للإجماع المذكور، إلاّ أنّ المنصف المتأمل في هذا الكلام لا يرتاب أنّ المراد من قوله: من الثقات الذين. إلى آخره: أصحاب الإجماع المعهودين، إذ ليس في جميع ثقات الرواة جماعة معروفون بصفة خاصّة، مشتركون فيها، ممتازون بها عن غيرهم غير هؤلاء. فإن صريح كلامه: أنّ فيهم جماعة معروفين عند الأصحاب بهذه الفضيلة، ولا تجد في كتب هذا الفن من طبقة الثقات عصابة مشتركين في فضيلة غير هؤلاء.

ومنه يظهر أيضاً سبب هذا الإجماع، ومستند الإجماع الذي طال التشاجر فيه، وسننبه عليه (ان شاء الله تعالى) ويظهر أيضاً أنّ ما اشتهر أنّ الشيخ ادّعى الإجماع على أنّ ابن أبي عمير، وصفوان، والبزنطي خاصّة لا يروون ولا يرسلون إلاّ عن ثقة، وشاع في الكتب حتى صار من مناقب الثلاثة، وعدّ من فضائلهم خطأً محض، منشأه عدم المراجعة إلى العدة الصريحة في أنّ هذا من فضائل جماعة، وذكر الثلاثة من باب المثال.

فمن الغريب ما في رسالة السيّد الجليل، البحر الزاخر، السيّد محمّد

__________________

(١) إذا انفرد) كذا في الأصل والمصدر، والصحيح: (إذا انفردت) لمكان الجميع، ويصح الأول فيما لو قال: « عملوا بمرسلهم. » كما مرّ في نقل النص بعينه في الفائدة الرابعة انظر الجزء الثالث، صحيفة: ٤٧٥.

(٢) عدة الأصول ١: ٥٨، في آخر مبحث الخبر الواحد.

على أن هذه الدعوى من الشيخ قدس‌سره لم يعمل بها الشيخ نفسه فقد أورد في التهذيب ٨: ٢٥٧ / ٩٣٢، والاستبصار ٤: ٢٧ / ٨٧، رواية محمد بن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وردّها في هذين الكتابين لكونهما مرسلة، والمرسل على حدّ تعبيره قدس‌سره لا يعارض به الاخبار المسندة.

١٣

باقر الجيلاني (طاب ثراه) في ترجمة أبان بن عثمان، حيث قال في ردّ من ذهب إلى أنّ المراد من العبارة: توثيق رجال السند بعد أصحاب الإجماع ما لفظه: ويؤيّده ما ذكره شيخ الطائفة في حقّ صفوان بن يحيى، وابن أبي عمير، من أنّهما لا يرويان إلاّ عن ثقة(١) ، إذ لو كان الأمر كما ذكر لما كان وجه لاختصاص ذلك بهما(٢) ، انتهى.

وهذا منه مع تبحره، وطول باعه، في غاية الغرابة؛ لما عرفت.

(وثالثاً:) بما في الروضة، عند شرح قول المصنف في كتاب الطلاق، وقد قال بعض الأصحاب وهو عبد الله بن بكير -: إنّ هذا الطلاق لا يحتاج إلى محلّل بعد الثلاث؛ قالرحمه‌الله : وإنّما كان ذلك قول عبد الله، لأنه قال حين سئل عنه: هذا ممّا رزق الله من الرأي، ومع ذلك رواه بسند صحيح، وقد قال الشيخرحمه‌الله : إنّ العصابة أجمعت على تصحيح ما يصح عن عبد الله ابن بكير، وأقرّوا له بالفقه والثقة. وفيه نظر، لأنه فطحي المذهب. إلى أن قال: والعجب من الشيخ مع دعواه الإجماع المذكور أنّه قال: إنّ إسناده إلى زرارة وقع نصرة لمذهبه(٣) . إلى آخره.

وهذا الكلام صريح في أنّ الشيخ بنفسه نقل الإجماع، إمّا لِمَا ذكره في أوّل اختياره، أو لِمَا في العدّة، أو وقفرحمه‌الله على كلام له في غير كتبه الدائرة، واحتمال مثل هذا السهو في موضعين من كلامه لا يليق بمقامه، خصوصاً في هذا الكتاب المبني على المتانة والإتقان، كما عليه كلّ من تأخر عنه.

وقال رشيد الدين محمّد بن علي بن شهرآشوب في مناقبه، في

__________________

(١) في حاشية (الأصل): « يعني قولهم: تصحيح ما يصح عنه ».

(٢) رسائل حجة الإسلام الشفتي: ٦.

(٣) الروضة البهية ٦: ٣٨، وانظر: حديث ابن بكير في الاستبصار ٣: ٢٧٦ / ٩٨٢.

١٤

أحوال الباقرعليه‌السلام : واجتمعت العصابة على أنّ أفقه الأولين ستة، وهم أصحاب أبي جعفر، وأبي عبد اللهعليهما‌السلام ، وهم:

زرارة بن أعين.

ومعروف بن خربوذ المكي.

وأبو بصير الأسدي.

والفضيل بن يسار.

ومحمّد بن مسلم الطائفي.

وبريد بن معاوية العجلي(١) .

وقال في أحوال الصادقعليه‌السلام : واجتمعت العصابة على تصديق ستّة من فقهائهعليه‌السلام وهم:

جميل بن درّاج.

وعبد الله بن مسكان.

وعبد الله بن بكير.

وحمّاد بن عيسى.

وحمّاد بن عثمان.

وأبان بن عثمان(٢) .

والظاهر لكلّ ناظر أنّ نظره إلى الإجماع المعهود، ولكثرة اعتماده عليه ادعاه بنفسه، وغرضه الإشارة إلى العلماء من أصحابهعليه‌السلام لا تحقيق المطالب الرجالية، فلا يضرّ إسقاطه بعض الكلمات.

وقال العلاّمة في الخلاصة بعد نقل فطحيّة عبد الله بن بكير عن

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٤: ٢١١.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٤: ٢٨٠.

١٥

الشيخ والكشي في موضع قال: وقال في موضع آخر: إنّ عبد الله بن بكير ممّن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، وأقرّوا له بالفقه، وأنا أعتمد على روايته، وإن كان مذهبه فاسداً(١) .

وقال في ترجمة صفوان: قال أبو عمرو الكشي: أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن صفوان بن يحيى بياع السابري، والإقرار له بالفقه في آخرين يأتي ذكرهم في مواضعهم إن شاء الله تعالى(٢) .

ولكثرة اعتماده على الإجماع المذكور ادّعاه بنفسه، فقال في ترجمة البزنطي: أحمد بن محمّد بن أبي نصر. الى أن قال: لقي الرضاعليه‌السلام وكان عظيم المنزلة عنده، وهو ثقة جليل القدر، وكان له اختصاص بأبي الحسن الرضا، وأبي جعفرعليهما‌السلام ، أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عنه، وأقرّوا له بالفقه(٣) . ولم ينسبه إلى أحد، وقد سبقه في الاعتماد عليه وتوزيعه على تراجم أصحابه: شيخه الأجل أحمد بن طاوس في رجاله كما يظهر من التحرير الطاووسي(٤) من غير طعن عليه، كما هو دأبه في الطعن على أكثر أحاديث الكشي في مدح الرواة أو ذمّهم.

وقال في الفائدة الثامنة من الخلاصة في ذكر مشيخة الفقيه -: وعن أبي مريم الأنصاري صحيح، وإن كان في طريقه أبان بن عثمان، وهو فطحي، لكن الكشي قال: إنّ العصابة أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه(٥) .

وقال في المختلف في مسألة تبيّن فسق الإمام -: لا يقال عبد الله بن

__________________

(١) رجال العلاّمة: ١٠٧ / ٢٤.

(٢) رجال العلاّمة: ٨٩ / ١.

(٣) رجال العلاّمة: ١٣ / ١.

(٤) التحرير الطاووسي: ١٦٨ / ٢٢٣.

(٥) رجال العلاّمة: ٢٧٧.

١٦

بكير فطحي. إلى آخره؛ لأنّا نقول: عبد الله بن بكير وإنْ كان فطحياً إلاّ أنّ المشايخ وثّقوه، ونقل توثيق الكشي. قال: وقال في موضع آخر: عبد الله بن بكير ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، وأقرّوا له بالفقه(١) .

وقال في كتاب المختلف في أول فصل الكفارة من كتاب الصوم -: لا يقال لا يصح التمسك بهذا الحديث من حيث السند، فان في طريقه أبان ابن عثمان الأحمر، وكان ناووسيّاً، لأنّا نقول: إنّ أبان وإنْ كان ناووسياً إلاّ أنّه كان ثقة، وقال الكشي: إنّه ممّا أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، والإجماع حجّة قاطعة، ونقله بخبر الواحد حجّة(٢) ، انتهى.

وأمّا ابن داود، فهو لغاية اعتماده ذكره في موضع واحد، وادّعاه من غير نسبة إلى الكشي، فقال: فصل: أجمعت العصابة(٣) على ثمانية عشر رجلاً، فلم يختلفوا في تعظيمهم، غير أنّهم يتفاوتون، وهم ثلاث دَرَجٍ.

الدرجة العليا: ستة(٤) ، منهم من أصحاب أبي جعفرعليه‌السلام أجمعوا على تصديقهم، وإنفاذ قولهم، والانقياد لهم، وهم:

زرارة بن أعين.

معروف بن خربوذ.

بريد بن معاوية.

أبو بصير ليث بن البختري.

الفضيل بن يسار.

__________________

(١) مختلف الشيعة: ١٥٦.

(٢) مختلف الشيعة: ٢٢٥.

(٣) في حاشية (الأصل): « الصحابة، نسخة بدل »، « منهقدس‌سره ».

(٤) في (الأصل): (الستة) بالألف واللام، مع اشارة المصنف في الحاشية إلى ورودها في نسخة بدل: (ستة)، وهو الصحيح.

١٧

محمّد بن مسلم الطائفي.

الدرجة الوسطى: فيها ستّة، أجمعوا على تصحيح ما يصح عنهم، وأقرّوا لهم بالفقه، وهم أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام (١) :

يونس بن عبد الرحمن.

صفوان بن يحيى بياع السابري.

محمّد بن أبي عمير.

عبد الله بن المغيرة.

الحسن بن محبوب.

أحمد بن محمّد بن أبي نصر.

الدرجة الثالثة: فيها ستّة، أجمعوا على تصديقهم، وفضلهم، وثقتهم، وهم:

جميل بن دراج.

عبد الله بن مسكان.

عبد الله بن بكير.

حماد بن عيسى.

حماد بن عثمان.

أبان بن عثمان.

وأفقههم جميل(٢) .

وبين ما ذكره وبين ما تقدم عن الكشي اختلاف من وجوه، ينبئ عن

__________________

(١) في حاشية (الأصل) و (الحجرية): « كذا في أكثر النسخ، وفي نسخة: من أصحاب أبي الحسنعليه‌السلام ، وهو الأظهر كما لا يخفى »، « منهقدس‌سره ».

(٢) رجال ابن داود: ٢٠٩.

١٨

عدم كون اختيار الكشي الدائر مأخذاً له، وبذلك يزيد اعتباره، وفيه أيضاً الإجماع على توثيق أبان فلا تغفل.

وقال الشهيد في مسألة بيع الثمرة من كتابه غاية المراد، بعد ذكر حديث في سنده الحسن بن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الربيع الشامي ما لفظه: وقد قال الكشي: أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن الحسن بن محبوب.

قلت: في هذا توثيق ما(١) لأبي الربيع الشامي(٢) . إلى آخره.

وقال الشهيد الثاني في شرح الدراية بعد تعريف الصحيح -: وقد يطلق الصحيح عندنا على سليم الطريق من الطعن بما ينافي الأمرين، وهما كون الراوي باتصال عدلاً إماميّاً، وإن اعتراه مع ذلك الطريق السالم إرسالٌ، أو قَطْعٌ.

وبهذا الاعتبار يقولون كثيراً: روى ابن أبي عمير في الصحيح كذا، وفي صحيحة كذا(٣) ، مع كون روايته المنقولة كذلك مرسلة.

قال: وبالجملة فيطلقون الصحيح على ما كان رجال طريقه المذكورون فيه عدولاً إماميةً، وإنْ اشتمل على أمر آخر بعد ذلك، حتى أطلقوا الصحيح على بعض الأحاديث المروية عن غير إماميّ بسبب صحّة السند إليه. إلى أن قال: وكذلك نقلوا الإجماع على تصحيح ما يصح عن أبان بن عثمان مع كونه فطحياً(٤) ،

__________________

(١) في حاشية (الأصل) و (الحجرية): « ليس في نسختي كلمة (ما)، ولكن نقله جماعة » « منهقدس‌سره ».

(٢) غاية المراد: ٨٧.

(٣) انظر: إيضاح الفوائد لفخر المحققين ١: ٢٥ في أحكام المياه، حيث صحح رواية ابن أبي عمير في بيع العجين النجس بخبزه على مستحل الميتة، أو دفنه، مع كونها مرسلة، وقد تكرر منه ذلك في المورد المذكور أكثر من مرة.

(٤) في حاشية (الأصل) و (الحجرية): « نسبة الفطحية إلى أبان هنا وفي كلام العلاّمة

١٩

وهذا كلّه خارج عن تعريف الصحيح الذي ذكروه.

قال: ثم في هذا الصحيح ما يفيد فائدة الصحيح المشهور، كصحيح أبان، ومنه ما يراد منه وصف الصحة دون فائدتها، ثم ذكر القسم الأول(١) ، انتهى.

وظاهره الإجماع على صحّة هذا الإجماع، ثم في قوله: ثم في هذا. إلى آخره، فائدة جليلة تأتي إليها الإشارة إن شاء الله تعالى.

وهذا المقدار كاف لأهل النظر والتحقيق في تلقيهم هذا الإجماع بالقبول، ولا يحتاج إلى نقل كلمات من بعدهم، كالشيخ البهائي، والمحقق الداماد، والمجلسيين، وصاحب الذخيرة، والمولى الكاظمي، والطريحي، وغيرهم فإنه يوجب الإطناب.

الرابع: في وجه حجيّة هذا الإجماع بعد وضوح عدم كون المراد منه الإجماع المصطلح المعروف الكاشف عن قول المعصوم، أو رأيه بأحد الوجوه المذكورة في محله.

فنقول: قال السيد الجليل الماهر السيد محمّد باقر الجيلاني (طاب ثراه) في رسالته، في تحقيق حال أبان: إنّ مدلول الإجماع المذكور بالدلالة الالتزامية كونهم في أعلى درجات الوثاقة، فكما يُكتفى بنقل عدل عن النجاشي توثيق راوٍ في توثيقه، فليكتف في ذلك بنقل الكشّي، بل هذا أولى، لنقله عن كلّ الأصحاب، بل يحتمل القبول هنا، ولو على القول بعدم جواز الاجتزاء في التزكية بقول المزكي الواحد، كما يظهر وجهه

__________________

فيما سبق من سهو القلم، فإنه مرمي بالناووسية في كتب الفن، مع تأمل مذكور في محله » « منهقدس‌سره ».

(١) الدراية: ٢٠.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الفصل الثاني

ضوابط الحوار وآدابه

١ ـ شروط الحوار

٢ ـ آداب الحوار

١٦١
١٦٢

لما كان الحوار في الواقع الإنساني من الوسائل التي تستخدم لنشر الأفكار والإقتناع بها ؛ كان الهدف منه تعاون أطراف الحوار على معرفة الحقيقة والتوصل إليها ، تبصير كل منهما صاحبه بالأمور التي خفيت عنه حينما أخذ بنظر باحثاً عن الحقيقة ، وذلك باستخدام الحوار البريء من التعصب ؛ الخالي من العنف والإنفصال ، المتمشي وفق الأصول العامة للحوار الهادف البنّاء.

ولا يتحقق هذا الحوار إلا بعد تطبيق ما ذكره العلماء من الضوابط والآداب كما يلي :

١ ـ شروط الحوار :

ذكر العلماء والباحثون أنّ للحوار المّذون به شروطاً ينبغي إتباعها ، خشية أن يتحول إلى مماراة بعيدة عن الوصول إلى الحقيقة ، أو إلى مشاحنات أنانية ، ونحو ذلك مما يفسد القلوب ، ويهيج النفوس ، ويورث التعصب ولا يوصل إلى الحق ، نذكر منها التالي :

١ ـ أن يكون أطراف الحوار على معرفة بقوانين وقواعد الحوار ، متبعين المعايير العقلية والمنطقية ، باسلوب علمي رصين.

٢ ـ أن يكونوا على معرفة بالموضوع الذي يراد التحاور فيه ، بحيث يمكن التكلم بما يتناسب مع طبية المضوع المتحاور فيه ، بحيث لو تكلم أحد الأطراف لم يخبط خبط عشواء ، ولم يناقش في البديهيات بغير علم ، وإذا لُزم بالحق إلتزم به دون مكابرة.

٣ ـ أن يكون الموضوع مهماً ، أو مما يجوز أن تجري فيه المحاورة ضمن قواعد هذا الفن وضوابطه ، فالمفردات والبديهيات الجلية مثلاً ، لا تجري فيها المحاورة أصلا.

١٦٣

٤ ـ أن يكون المحاور متمكناً من الحوار ، بحيث يتمتع بوجهة علمية ومقدرة بيانية ، ومطلعاً على أفكار وآراء خصمه ، مستخدماً الألفاظ المناسبة الجزلة الفخمة ، متجنباً العبارات والألفاظ الركيكة.

وإلى هذا يشير إمامنا الصادق عليه السلام في الحديث التالي :

عن أبي خالد الكابلي ، قال : (رأيت أبا جعفر ـ صاحب الطاق ـ وهو قاعد في الروضة قد قطع أهل المدينة أزراره ، وهو دائب يجيبهم ويسألونه ، فدنوت منه فقلت : إنّ أبا عبد الله نهانا عن الكلام فقال : أمرك أن تقول لي؟ فقلت : لا ، ولكنه أمرني ألا أكَلِّم أحداً.

قال : فاذهب فأطعه فيما أمرك. فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرته بقصة صاحب الطاق ، وما قلت له ، وقوله لي : إذهب وأطعه فيما أمرك ، فتبسم أبو عبد الله عليه السلام وقال : يا أبا خالد ، إّ صاحب الطاق يكلّم الناس فيطير وينقض ، وأنت إو قصوك لن تطير)(٢١٢) .

٢ ـ آداب الحوار :

وضع العلماء لفَن آداب البحث والمحاورة جملة من الآداب ، وألزموا المتحاورين بها ، محافظة على سلامة المحاورة ، وتحقيقاً للغرض منها ، نذكر فيما يلي أهمها :

١ ـ أن يجتنب المحاور محاورة ذي هيبة يخشاه ، لئلا يؤثر ذلك عليه ، فيضعفه عن القيام بحجته كما ينبغي.

٢ ـ ألا يظن خصمه أقوى منه بكثير ، حتى لا يتخاذل ويضعف عن تقديم حجته على الوجه المطلوب.

__________________

(٢١٢) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : رجال الكشي ، ج ٢ / ٤٢٤.

١٦٤

٣ ـ ألا يظن خصمه حقيراً ضعيفاً قليل الشأن ، فذلك يقلل من إهتمامه ، فيمكن خصمه الضعيف منه.

٤ ـ ألا يكون في حالة قلق نفسي وإضطراب ؛ أو في حالة نفسد عليه مزاجه الفكري والنفسي ، كأن يكون جائعاً ، أو ظامئاً ، أو نحو ذلك.

٥ ـ أن يتقابل المتحاوران في المجلس ، ويبصر أحدهما الآخر إن أمكن ، ويكونا متماثلين أو متقاربين علماً ومقداراً.

٦ ـ أن يجتنب كلا المتحاورين الهزء والسخرية ، وكل ما يشعر بإحتقار وإزدراء لصاحبه ، أو وسمه بالجهل أو قلة الفهم ، كالتبسم والضحك والغمز واللمز ونحو ذلك ، مما يثير عواطف الغير ، ويؤدي إلى إفساد المحاورة التي ينبغي أن تكون بالتي أحسن.

٧ ـ ألا يرفع صوته فوق المتعارف المألوف ، فإنّ هذا يدل على الشعور بالضعف والشعور بالمغلوبية ، بل ينبغي إلقاء الكلام قوي الأداء ، وإن كان بصوت منخفض هادئ ، فإنّ تأثيره أقوى بكثير من اسلوب الصياح والصراخ.

٨ ـ أن يتجنب ـ حد الإمكان ـ مجادلة طلب الرياء والسمعة ومُؤثر الغلبة والعناد ، فإنّ هذا من جهة يُعديه بمرضه فينساق بالأخير مقهوراً إلى أن يكون شبيهاً به في هذا المرض ، ومن جهة أخرى لا يستطيع الوصول مع مثل هذا الشخص إلى نتيجة مرْضِيّة.

٩ ـ ألا يكون المحاور متسرعاً يقصد إسكات خصمه في زمن يسير ؛ لأنّ ذلك يفسد عليه رويته الفكرية ، ويبعده عن منهج المنطق السديد ، والتفكير في الوصول إلى الحق.

١٦٥

١٠ ـ أن يحترز المحاور عن الإختصار المخل في الكلام ، وعن إطالة الكلام بلا فائدة ترجى من ذلك.

١١ ـ أن يأتي كل من المتحاورين بالكلام الملائم للموضوع ؛ فلا يخرج عما هما بصدده.

١٢ ـ ألا يتعرض أحدهما لكلام خصمه قبل أن يفهم مراده تماماً.

١٣ ـ أن ينتظر كل واحد منهما صاحبه حتى يفرغ من كلامه ، ولا يقطع عليه كلامه قبل أن يتمه.

١٤ ـ الإستعانة بالله عَزّ وجَلّ ، للتوفيق والوصول إلى الحقيقة ، فقد ورد عن إمامنا زين العابدين عليه السلام في الصحيفة السجادية ، من دعائه في مكارم الأخلاق : (اللهُمّ صل على محمد وآله ، واجعل لي يداً على من ظلمني ، ولساناً على من خاصمني ، وظفراً بمن عاندني)(٢١٣) .

وعنه عليه السلام ـ كما في المناجاة (المعروفة بالإنجيلية الطويلة) ـ : وأعوذ بك من دعاءٍ محجوبٍ ، ورجاء مكذوب ، وحياء مسلوب ، وإخاء مَعْبُوب ، وإحتجاج مغلوب ، ورأي غير مصيب)(٢١٤) .

__________________

(٢١٣) ـ زين العابدين ، الإمام علي بن الحسين : الصحيفة السجادية / ١١١ (جمع السيد محمد باقر الأبطحي).

(٢١٤) ـ نفس المصدر / ٤٣٩ ـ ٤٤٠.

١٦٦

الفصل الثالث

الحوار المتعلق بتربة الحسين (عليه السلام)

بحوث تمهيدية :

١ ـ الوحدة الإسلامية.

٢ ـ التقريب بين المذاهب الإسلامية.

٣ ـ دعوة إلى الحوار.

١٦٧
١٦٨

تلعب الشائعات وحجب الحقائق دوراً كبيراً في محاربة الأفكار والمعتقدات ، ولعل مرجع هذه الشائعات ، هي عوامل سياسية ومصلحة نفعية ، ومن بين تلك المعتقدات التي حوربت بهذه الطريقة عقيدة الشيعة الإمامية ، الذين يمثلون فئة كبيرة من المسلمين ، فقد بالغ المغرضون والوضاعون النفعيون ، في تصوير معتقداتهم ، وتحريفها عن واقعها ومدلولها الصحيح. وقد أشار إلى هذه الحقيقة الناصعة ، الدكتور حامد حنفي داود(٢١٥) بقوله : «يخطئ كثيراً من يدّعي أنّه يستطيع أن يقف على عقائد الشيعة الإمامية وعلومهم وآدابهم مما كتبه عنهم الخصوم من العلم والإحاطة ، ومهما أحرزوا من الأمانة العلمية في نقل النصوص والتعليق عليها بأسلوب نزيه بعيد عن التعصب الأعمى. أقول ذلك جازماً بصحة ما أدعي بعد أن قضيت ردحاً طويلاً من الزمن ، أدرس فيه عقائد الأئمة الإثني عشرة بخاصة وعقائد الشيعة بعامة. فما خرجت من هذه الدراسة الطويلة التي قضيتها متصفحاً في كتب المؤرخين والنقاد من علماء أهل السنة بشيء ذي بال. وما زادني إشتياقي إلى هذه الدراسة وميلي الشديد في الوقوف على دقائقها إلا بعداً عنها وخروجاً عما أردت من الوصول إلى حقائقها ذلك لأنّها كانت دراسة بتراء أحلت نفسي فيها على كتب الخصوم لهذا المذهب وهو المذهب الذي يمثل شطر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، ومن ثم اضطررت بحكم ميلي الشديد إلى طلب الحقيقة حيث كانت ، والحكمة حيث وجدت ، والحكمة ضالة المؤمن ، أن أدير دفة دراستي العلمية لمذهب الأئمة الإثني عشر إلى الناحية الأخرى ، تلك هي دراسة المذهب

__________________

(٢١٥) ـ أستاذ الأدب العربي بكلية الألسن العليا ، ورئيس قسم الأدب العربي بجامعة عين شمس ، من رواد الإصلاح ، ودعاة التقريب بين المذاهب الإسلامية.

١٦٩

في كتب أربابه ، وأن أتعرف عقائد القوم مما كتبه شيوخهم والباحثون المحققون من علمائهم وجهابذتهم. ومن البديهي أنّ رجال ال مذهب أشدّ معرفة لمذهبهم من معرفة الخصوم به ، مهما بلغ أولئك الخصوم من الفصاحة والبلاغة ، أو أوتوا حظاً من اللسن والإبانة عما في الشمس»(٢١٦) .

وقال الدكتور مصطفى الرافعي(٢١٧) : «... أجل ، عن مثل هؤلاء المستشرقين أو أولئك الجهلة والمغرضين أخذ خصوم الشيعة معلوماتهم عن الشيعة ، وأثاروا الكثير من الشبهات حول بعض المعتقدات التي يدينون بها ؛ أو الأحكام الفرعية التي يمارسونها ، فشوهوها وألبسوها لباس العداوة للإسلام حتى ظن معها قصار النظر ومن ليس لديه معلومات واسعة عن فقه الشيعة أنّ أتباع هذا المذهب بسبب إيمانهم بتلك المعتقدات أو ممارستهم لهذه الأحكام ، قد نؤوا عن الحق وجانبوا الصواب وربما بالغوا في التشنيع عليهم فقالوا : أنهم فرقة مرقت من الدين وخرججت من ربقة الإسلام»(٢١٨) .

هذه بعض كلمات الكتاب والباحثين من السنة ، الذين أنصفوا الشيعة الإمامية ، فيما حصل لهم من مظلومية وتشويه لسمعتهم أمام المسلم وغيره؟! والسؤال الذي ينبغي طرحه : ما هو الحل لعلاج هذه المشكلة الخطيرة؟

__________________

(٢١٦) ـ المظفر ، الشيخ محمد رضا : عقائد الإمامية / ٤١ ـ ٤٢ (تقديم).

(٢١٧) ـ كاتب وباحث لبناني ، ولد في طرابلس عام ١٩٢٣ م ، جمع بين الدراسة في الأزهر ـ حيث نال إجازة تخصص في القضاء عام ١٩٤٧ م ـ ، والدراسة في جامعة السوربون بفرنسا ، حيث نال شهادة الدكتوراه في الحقوق عام ١٩٤٨ م ، مثّل لبنان في كثير من المؤتمرات الإسلامية والثقافية ، وله مجموعة من المؤلفات.

(٢١٨) ـ الرافعي ، الدكتور مصطفى : إسلامنا / ١٣١.

١٧٠

لعلّ أهم الحلول التي طرحت لحلّ هذه المشكلة ، هي كالتالي :

١ ـ الوحدة الإسلامية :

والمراد بها إدماج مذهب في مذهب ، أو تغليب مذهب على مذهب ، وممن يرى هذه الفكرة الأستاذ أمين خولي(٢١٩) ، حيث قال : «أنا في العام الماضي تكلمت مع الشيخ محمد تقي الحكيم(٢٢٠) ، وقلت : فلنتنازل نحن السنة وأنتم الشيعة عن بعض الأشياء ، ونتفق على أشياء ونكون يداً واحدة»(٢٢١) .

وهذه الفكرة يصعب تطبيقها ، وقد أجاب عنها السيد مرتضى الرضوي بقوله ـ مخاطباً الأستاذ أمين الخولي ـ : «يا أستاذ ؛ لا يمكن التفاهم والإتفاق على شيء قبل أن نضع رجال الصدر الأول في ميزان الحساب ؛ لأنّهم خَلّفُوا أموراً خلافية كثيرة لا يمكن التغاضي عنها ، وتركها من دون علاج ، وبعد ذلك ، فمن السهل أن نتحد ونتفق على كل شيء. فسكت الأستاذ الخولي»(٢٢٢) .

٢ ـ التقريب بين المذاهب الإسلامية :

قامت مجموعة من أعلام المسلمين ـ ويأتي في طليعتهم الشيخ عبد المجيد سليم ، والشيخ محمود شلتوت ، والشيخ محمد تقي القمي ، والشيخ محمد محمد المدني ـ ، بتأسيس (دار التقريب بين المذاهب الإسلامية) وذلك سنة (١٣٦٦ هـ

__________________

(٢١٩) ـ من كبار الأساتذة وعمالقة الفكر في مصر ، ولد عام ١٩٠٤ م ، من أوائل أساتذة كلية الآداب بجامعة القاهرة ، وصل إلى منصب كرسي الأدب العربي بكلية الآداب بجامعة القاهرة ، كان من أبرز أعضاء المجلس الأعلى لدار الكتب المصرية ، الذي يضم جهابذة رجال الفكر والقلم في مصر.

(٢٢٠) ـ المراد به ، هو سماحة السيد محمد تقي الحكيم ، أحد علماء النجف ، عميد كلية الفقه في النجف الأشرف ، وأستاذ الفقه المقارن في جامعة بغداد ، وعضو المجمع العلمي في العراق ، وعضو مراسل المجمع اللغوي بمصر ، له بعض المؤلفات القيمة. ولد عام ١٣٤١ هـ ، وتوفي عام ١٤٢٣ هـ.

(٢٢١) ـ الرضوي ، السيد مرتضى : مع رجال الفكر في القاهرة / ٥١.

(٢٢٢) ـ نفس المصدر.

١٧١

ـ ١٩٤٧ م) ، في القاهرة ، وكان هدف هذه المجموعة ، عدم إستغلال الفوارق المذهبية ، وما يترتب على ذلك من شق صف المسلمين ، وإضعاف وحدتهم. كما كانت دعوتهم إلى تقريب وجهات النظر ، من خلال إلقاء الضوء على المشتركات بينهم ، وعدم السعي إلى إلغاء بعضها على حساب بعض ، وبعبارة أخرى ، تسعى إلى بقاء المسلمين كل على مذهبه ، وعدم دمجهم في مذهب واحد. وكان من ثمارها ، إصدار مجلة (رسالة الإسلام) صدر العدد الأول منها سنة ١٣٦٨ هـ ، وتوقفت في شهر رمضان سنة ١٣٩٢ هـ ، بعد ما صدر منها ستون عدداً ، إهتمت بأدب التقريب بين المذاهب. وإدخال الفقه الشيعي إلى مواد التدريس في الأزهر الشريف ، كما أصدر شيخ الأزهر محمود شلتوت فتواه بجواز التعبد بالمذهب الجعفري ، ونشرتها مجلة (رسالة الإسلام ـ في العدد الثالث ، من السنة الحادية عشر ، ص ٢٢٨ ـ عام ١٩٥٩).

يقول الشيخ الشعراوي ـ بعد هذه الفتوى : «الشيعة الإمامية الإثني عشرية ، وإمامهم جعفر الصادق ؛ بن محمد ، بن علي زين العابدين ، بن الحسين ، بن علي بن أبي طالب ، وهو أحد أساتذة الإمام ابي حنيفة ، رضي الله عنهم جميعاً ، وهؤلاء الإمامية الجعفرية ؛ الذين نوضح أنهم من أرباب ال مذاهب النقيّة ؛ هم الذين أصدر شيخنا المرحوم شيخ الأزهر محمود شلتوت ، فتواه المشهورة في صحة التعبد على مذهبهم ؛ معلّلاً ذلك بأنّه من المذاهب الإسلامية ، الثابتة الأصول المعروفة المصادر ، المتبعة لسبيل المؤمنين. نعم : لقد أخذنا في مصر طائفة من الأحكام في قوانين الأحوال الشخصية عن الشيعة الإمامية الإثني عشريّة ، ومنها بعض أحكام الطلاق ، والقول بالوصيّة الواجبة

١٧٢

في الميراث»(٢٢٣) . وخلاصة هذه الفكرة ـ على حد تعبير الشيخ كاشف الغطاء (قده)(٢٢٤) . «وليس معنى الوحدة في الأمة أن يهضم أحد الفريقين حقوق الآخر فيصمت ، ويتغلب عليه فيسكت ، ولا من العدل أن يقال للمهضوم إذا طالب بحق ، أو دعا إلى عدل إنك مفرق أو مشاغب ، بل ينظر الآخرون إلى طلبه ، فإن كان حقاً نصروه ، وإذا كان حيفاً أرشدوه وأقنعوه ، وإلا جادلوه بالتي هي أحسن مجادلة الحميم لحميه ، والشقيق لشقيقه ، لا بالشتائم والسباب ، والمنابزة بالألقاب ، فتحتدم نار البغضاء بينهما حتى يكونا لها معغاً حطباً ، ويصبحا معاً للأجنبي لقمة سائغة ، وغنيمة باردة»(٢٢٥) .

وبعد هذا البيان المستفاد من كلمات العلماء والباحثين ، نقول : أنّ الهدف من التقريب بين المذاهب الإسلامية هو الحد من تضييق شقة الخلاف ، وبعض الظروف في عهود غابرة ، ولو قدر لها أن تبحث بحثاً موضوعياً ؛ لوصل الفريقان إلى الوحدة والتعاون المشترك ، في المنافع والفوائد في النهاية.

٣ ـ الدعوة إلى الحوار :

إذا أراد المسلمون تشكيل قوة متحدة متماسكة ، تستطيع أن تفرض إرادتها وإحترامها ، وترفع راية الإسلام فوق ربوع الأرض ؛ فعليهم أن ينبذوا الخلاف بالحوار الهادف المخلص ، وهذه المهمة يتحمل عِبْأَها العلماء ورواد الفكر السلامي ، فقد قام جماعة منهم بالدعوة إلى الحوار ونبذ الخلاف ،

__________________

(٢٢٣) ـ الأهرام ـ السنة ١٠٣ ـ العدد ٣٢٩٣٢.

(٢٢٤) ـ الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (١٢٩٤ هـ ـ ١٣٧٣ هـ) ، من أعلام الشيعة الإمامية ، ومنابع العلم والأدب ودعاة الاصلاح والتقريب بين المذاهب الاسلامية ، من فقهاء العراق.

(٢٢٥) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : أصل الشيعة وأصولها / ٦٦.

١٧٣

وعلى رأسهم العلمان البارزان : السيد عبد الحسين شرف الدين(٢٢٦) ، والشيخ سليم البشري(٢٢٧) .

وقد طَبّق هذا الحوار العلمان المذكوران بروح إتصفت بالنزاهة والطهر ، عَبّر عنها السيد شرف الدين (قده) بقوله : «وما أحسن ما يتعارف به العلماء من الورح النقي ، والقول الرضي ، والخلق النبوي ، ومتى كان العالم بهذا اللباس الأنيق المترف ، كان على خير ونعمة ، وكان ال ناس منه في أمان ورحمة ، لا يأبى أحد أن يفضي إليه بدخيلة رأيه ، أو يبثه ذات نفسه ، ذلك كان علم مصر وإمامها ، وهكذا كانت مجالسنا التي شكرناها شكراً لا إنقضاء له ولا حد»(٢٢٨) .

وقد إستغرق هذا الحوار مائة وإثنتي عشر حلقة ، وكان ذلك في الفترة ما بين ذي القعدة عام ١٣٢٩ هـ ، وجمادي الأولى عام ١٣٣٣ هـ ، وكانت حصيلة هذا الحوار كتب (المراجعات) ، الذي دَوّنه العالم الشيعي السيد عبد الحسين شرف الدين (قده) ، مما جعل لهذا الحوار أثره في العصر الذي جرى فيه والعصور المتأخرة ، بل يعتبر نموذجاً لكل من أراد الحوار الهادف ، وصرخة مدوية في أذن كل سني وشيعي ، أراد الوصول إلى الحقيقة ، أو على الأقل يعرف المذهب الجعفري بحقيقته الناصعة ، ولا يأخذها من كتب وأفواه خصومهم ، الذين لَفّقَوا فيهم التهم والأكاذيب. ومن بين تلك الأكاذيب ، عبادة التربة الحسينية الشريفة ، التي هي موضوع بحثنا.

__________________

(٢٢٦) ـ الشيخ عبد الحسين شرف الدين (١٢٩٠ هـ ـ ١٣٧٧ هـ) من أعلام الشيعة الإمامية ، ومنابع العلم والأدب ودعاة الإصلاح ، والتقريب بين المذاهب الإسلامية ، من فقهاء جبل عامل في لبنان.

(٢٢٧) ـ الشيخ سليم البشري (المالكي) ، ولد في محلة بشر ، بمحافظة البحيرة عام (١٢٤٨ هـ وتوفي عام ١٣٣٥ هـ) تولى مشيخة الأزهر مرتين : الأولى ـ من عام ١٣١٧ هـ إلى عام ١٣٢٠ هـ ، والثانية ـ من عام ١٣٢٧ هـ إلى عام ١٣٣٥ هـ. وفي عهده طبق نظام إمتحان الراغبين في التدريس بالأزهر.

(٢٢٨) ـ شرف الدين ، السيد عبد السحين : المراجعات / ٣٢.

١٧٤

نماذج للحوار في التربة الحسينية

١ ـ السيد الشيرازي مع رجل دين مصري.

٢ ـ السيد سلطان الواعظين مع الشيخ عبد السلام الأفغاني.

٣ ـ الشيخ الأنطاكي مع بعض أعلام السنة.

٤ ـ الدكتور التيجاني مع الشهيد الصدر.

٥ ـ المستر رايلي مع سكرتير وزارة المعارف العراقية.

٦ ـ الأستاذ محمد خير مع خصوم الشيعة.

١٧٥
١٧٦

١ ـ السيد الشيرازي(٢٢٩) مع رجل علم مصري :

قال السيد عبد الله الشيرازي (قده) : «كنت يوماً جالساً في الروضة النبوية المطهرة بعد الفراغ من فريضة الصبح ، قرب المنبر مشغولاً بقراءة القرآن وكان المصحف بيدي ، فجاء رجل شيعي ووقف على يساري وكَبّر للصلاة ، وكان على يميني رجلان من أهل العلم مصريان ـ على الظاهر ـ متكئان على الإسطوانة ، فأدخل المصلي يده في جيبه بعد تكبير الإحرام لإخراج التربة أو الحجر للسجود عليه ، فقال أحدهما للآخر : إنظر إلى هذا العجمي يريد أن يسجد على الحجر. فلما هوى المصلي للسجود بعد ركوعه ، حمل عليه أحدها ليختطف ما في يده ، لكني أمسكت على يده قبل وصولها إلى المصلي ، وقلت : لماذا تبطل صلاة الرجل المسلم ، وهو يصلي مقابل قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟

قال : يريد أن يسجد على الحجر. قلت : وأيّ بأس في ذلك؟ وأنا أيضاً أسجد على الحجر.

قال : كيف؟ قلت : هو جعفري ، وهذا هو الصحيح على مذهبنا ، ثم قلت : هل تعرف جعفر بن محمد عليهما السلام؟

قال : نعم. قلت : هو من أهل البيت؟ قال : نعم. قلت : هو رئيس مذهبنا ، ويقول لا يجوز السجود على الفراش أو السجاد ، ويقول : لابد أن يكون السجود على أجزاء الأرض. فسكت قليلاً ، ثم قال : الدين واحد ، والصلاة واحدة. قلت : إذا كان واحداً ، والصلاة واحدة ، فكيف تُصلون

__________________

(٢٢٩) ـ أحد الفقهاء الكبار ، والمراجع العظام ، ولد في شيراز عام ١٣٠٩ هـ ، وهاجر الى النجف الأشرف عام ١٣٣٣ هـ ، حتى أصبح أحد أعلامها ، وفي عام ١٣٩٥ هـ إستقر في مشهد المقدسة ، قائماً بأعباء المرجعية وإدارة حوزتها العلمية ، وتوفي بها عام ١٤٥ هـ ، ودفن بجوار الإمام الرضا (ع).

١٧٧

أنتم السنة في حال القيام على أربعة أشكال من جهة التكتف : فالمالكية يصلون مرسلين الأيدي ، والحنفية يتكتفون ، والشافعية نحو ثالثاً ، والحنبلية نحواً رابعاً ، مع أنّ الدين واحد ، والصلاة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت نحواً واحداً؟!

ولقنته الجواب ، وقلت : غير أنكم تقولون إنّ أبا حنفية هكذا قال : والشافعي هكذا ، والمالكي هكذا ، والحنبلي هكذا ، وصوّرت له بيدي صور الحالات الأربع. قال : نعم.

قلت : جعفر بن محمد الصادق عليه السلام رئيس مذهبنا الذي إعترفت بأنّه من أهل البيت أدرى بما في البيت ، لم يكن أقل من أبي حنفية ، ومن هؤلاء علمنا أنّه لابدّ أن يكون السجود على أجزاء الأرض ، ولا يجوز السجود على الصوف والقطن ، وهذا الإختلاف بيننا وبينكم لا يكون إلا مثل الإختلاف بين أنفسكم في كيفية الصلاة من جهة التكتف وغيرها من سائر الإختلاف بينكم في الفروع ولا يرتبط بالأصول ، ولا يكون مربوطاً بالشرك أصلاً. فصدقني الجالسون من أهل السنة ، حتى صاحب هذا الشخص الذي كان جالساً إلى جانبه ، ولما وجدت الجو مناسباً بعد تصديقه كلامي حملت عليه بالكلام الحاد ، وقلت : أما تستحي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تبطل صلاة رجل مسلم يصلي عند قبره ـ صلوات الله عليه وآله ـ بمقتضى مذهبه ، وهو مذهب أهل البيت صاحب هذا القبر ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تهيراً ، ولا يكون قولهم ومذهبهم إلا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومذهبه.

فحمل الجالسون عليه أيضاً بالكلام الخشن ، واعتذروا مني من إعتقادهم بأنّ السجود على التربة أو الحجر شرك من الشيعة. أقول : لا يكاد ينقضي تعجبي من أنّ علماءهم كيف أشربوا في قلوب عوامهم أنّ الجسود على التربة

١٧٨

الحسنية ، أو الحجر ، أو الخشب من سائر أجزاء الأرض شرك بالله ، مع أنّه في حال السجود يذكرون الله تعالى بالتحميد والعلو ، وكثيراً في حال السجود عليها ، يقولون : لا إله إلا الله ، أليس السجود على الحجر الذي هو جزء ـ من ـ الأرض مثل السجدة على نفس الأرض ، أو السجدة على الفراش ، أو الحصير أو السجاد؟ فإذا سجد على الأرض أو الحصير أو السجاد ، هل يكون ذلك بمعنى أنّه عبدها؟ فليكن السجود على الحجر مثل السجود عليها!

وأعجب من أصل الموضوع أنّ لسان أكثرهم عربي ، وهم أعرف بمعاني اللغة وخصوصيات معاني الألفاظ ، فكيف غفلوا أو تجاهلوا عن الفرق بين السجود عليه ، والسجود له؟ والسجدة على شيء سواء كان أرضاً أو حجراً أو فراشاً يحتاج تحقق العبادة معه إلى شيء آخر يكون هو المعبود ، ولا يكون نفس السجود عليه معبوداً وهل رأى أحد وثنياً أو صنمياً في مقام العبادة يضع الصنم على الأرض ويسجد عليه؟

لا والله ، بل يجعلون الأصنام في مقابلهم ويسجدون على الأرض ويخرّون عليها تخضعاً وتخشعاً لها ، فحينئذ المعبود هل الصنم أو ما سجد عليه من الأرض أو الحجر أو الشيء الذي سجد عليه ووقع تحت جبهته بلا إختيار ولا إلتفات أو معهما؟

فيا ليت كان في البين ثالث عارف باللغة يحكم بين الفريقين ، هل السجود لله على أجزاء الأرض عبادة لها وشرك بالله ، أو يكون مثل السجدة على نفس الأرض والمعبود في كليهما هو الله الواحد؟

وإن كان بحمد الله الحاكم موجوداً وهو اللغة. فنرجو ـ من الله ـ أن يتنبّه العلماء والفضلاء منهم إلى هذه النقطة ، وإن لم يكن تجااهلاً ، وينبّهوا عوامهم

١٧٩

إلى عدم نسبة الشرك إلى الشيعة ، لسجودهم على أجزاء الأرض من التربة الحسينية أو الحجر أو الخشب»(٢٣٠) .

٢ ـ السيد سلطان الواعظين(٢١٣) ، مع الشيخ عبد السلام الأفغاني :

قال السيد سلطان الواعظين (طاب ثراه) : «ولكنا إذا خالفنا العامة في صلاتنا ، بأن سجدنا على طينة يابسة فبدل أن يسألونا عن الدليل والسبب ، يتهمونا بعبادة الأصنام ويسمون تلك الطينة التي نسجد عليها بالصنم ، فلماذا هذا الجهل والجفاء؟! ولماذا هذا التفريق بين المسلمين؟!

قال الشيخ عبد السلام : كما قلتم بأنّ مجلسنا هذا إنما إنعقد للتعارف والتفاهم ، وأنا أشهد الله سبحانه بأنّي لم أقصد الإساءة إليكم والتجاسر عليكم ، فإذا صدر مني ما يسوء فسببه عدم إطلاعنا على مذهبكم وعدم مطالعتنا لكتبكم ، فما كنا نعرفكم حق المعرفة ، لأنّا ما عاشرناكم ولا جالسناكم ، وانما سمعنا وصفكم من لسان غيركم وتلقيناها بالقبول من دون تحقيق ، فإلتبست علينا كثير من الحقائق ، ومع تكرار الإعتذار أرجوكم أن تُبينوا لنا سبب سجودكم على الطينة اليابسة؟

قلت : أشكر شعوركم الطيب ، وبيانكم الحلو العذب ، وأشكركم على هذا الإستفهام ؛ لأنّ السؤال والإستفهام أجمل طريقة وأعقل وسيلة لإزاحة أي شبهة وابهام.

__________________

(٢٣٠) ـ الشيرازي ، السيد عبد الله : الإحتجاجات العشرة / ٥٥ ـ ٥٩.

(٢٣١) ـ السيد محمد الموسوي الشيرازي ، المعروف بسلطان الواعظين ، كان من العلماء العاملين ، والخطباء البارعين ، ولد في طهران عام ١٣١٤ هـ. وأخذ المقدمات والأوليات على أساتذتها ، وفي عام ١٣٢٦ هـ. هاجر إلى كربلاء مع والده وحضر على أعلام حوزتها ، حتى برع وكمل في كربلاء ، ثم إتصل بالزعيم الشيخ عبد الكريم الحائري في قم وحضر دروسه ، وتوفي يوم الإثنين ٢٠ شعبان عام ١٣٩١ هـ.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460