مستدرك الوسائل خاتمة 7 الجزء ٢٥

مستدرك الوسائل خاتمة 713%

مستدرك الوسائل خاتمة 7 مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 270589 / تحميل: 5405
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل خاتمة 7

مستدرك الوسائل خاتمة ٧ الجزء ٢٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الوثاقة على المعنى الواقعي، أو ما في اعتقادهم لا على معتقده.

(وثانياً:) إنّ في الفهرست في ترجمة ابن عقدة: وإنّما ذكرناه في جملة أصحابنا لكثرة روايته عنهم، وخلطته بهم، وتصنيفه لهم(١) .

وفي المعالم: وكان زيدياً جارودياً، إلاّ إنّه روى جميع كتب أصحابنا، وصنّف لهم(٢) .

وهذا صريح في أنّه وثّق الجماعة على طريقة الإمامية؛ لأن الكتاب إنّما صُنّف لهم، فإنه لا حاجة للزيدي إلى الصادقعليه‌السلام فضلاً عن أصحابه، وحيث كان ثقة عارفاً أميناً يكون توثيقه كتوثيق الإمامي في المقام.

قال الشيخ النعماني في كتاب الغيبة: وهذا الرجل ممّن لا يطعن عليه في الثقة، ولا بالعلم بالحديث والرجال الناقلين له(٣) ، انتهى.

ونظير ذلك ما قاله الأُستاذ الأكبر، بعد الإشكال في تعديل غير الإمامي، مثل علي بن الحسن بن فضال، بعدم ظهور إرادة العدل الإمامي، أو في مذهبه، أو الأعمّ، أو مجرد الوثوق بقوله، ولم يظهر اشتراط العدالة في قبول الرواية.

قالرحمه‌الله : إلاّ أنْ يقال: إذا كان الإماميّ المعروف مثل العياشي الجليل، يسأله يعني ابن فضال عن حال رأو، فيجيب: بأنّه ثقة على الإطلاق، مضافاً إلى ما يظهر من رويّته من التعرض للوقف والناووسيّة وغيرهما في مقام جوابه وإفادته له. إلى أن قال: فإنه ربّما يظهر من ذلك إرادة العدل الإمامي، مضافاً إلى أنه لعلّ الظاهر مشاركة أمثاله مع الإمامية في اشتراط العدالة(٤) . إلى آخره.

__________________

(١) فهرست الشيخ الطوسي: ٢٨ / ٧٦.

(٢) معالم العلماء: ١٦ / ٧٧. بتصرف.

(٣) الغيبة للنعماني: ٢٥.

(٤) تعليقة الوحيد على منهج المقال: ٥.

٨١

ومثل العياشي في السؤال عن ابن فضال، النجاشي بالنسبة إلى كتاب ابن عقدة كما يظهر من بعض المواضع، منها قوله: الحسين بن عثمان الأحمسي البجلي، كوفي، ثقة، ذكره أبو العباس في رجال أبي عبد اللهعليه‌السلام (١) .

الحسين بن ثوير بن أبي فاختة. إلى أن قال: ثقة، ذكره أبو العباس في الرجال وغيره(٢) .

الحسين بن محمّد بن الفضل، ثقة، روى أبوه عن أبي عبد الله، وأبي الحسنعليهما‌السلام ، ذكره أبو العباس(٣) .

إسحاق بن جرير بن يزيد. إلى أن قال: ثقة، روى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، ذكر ذلك أبو العباس(٤) .

بسطام بن سابور الزيّات أبو الحسين الواسطي، مولى، ثقة، واخوته: زكريّا، وزياد، وحفص ثقات كلّهم، رووا عن أبي عبد الله [وأبي الحسن]عليهما‌السلام ، ذكرهم أبو العباس وغيره في الرجال(٥) . إلى غير ذلك من التراجم.

ولا يخفى ظهوره في توثيقه اعتماداً على توثيق أبي العباس، ولو لا اتحاد المعنى بأحد الوجهين لم يكن للاستشهاد بكلامه محلّ، والله العالم.

وقال السيّد المحقق الكاظمي في العدّة: وأمّا توقّفهم في توثيق ابن فضال، وابن عقدة، وأضرابهما من الثقات المنحرفين من أئمة هذا الشأن، وأهل القدم الراسخ فيه والباع الطويل، فالذي يستفاد من تتبع سيرة قدماء الأصحاب

__________________

(١) رجال النجاشي: ٥٤ / ١٢٢.

(٢) رجال النجاشي: ٥٥ / ١٢٥.

(٣) رجال النجاشي: ٥٦ / ١٣١.

(٤) رجال النجاشي: ٧١ / ١٧٠.

(٥) رجال النجاشي: ١١٠ / ٢٨٠، وما بين المعقوفتين منه.

٨٢

هو الاعتماد على أمثال هؤلاء، كما يُعرِب عنه تَصفُّحُ كتب الرجال(١) . إلى آخره.

(وثالثاً:) بعد التسليم والغضّ عمّا ذكرنا فنقول: لا شبهة في كون توثيق مثل ابن عقدة الذي وصفوه بالعلم والوثاقة، والأمانة والجلالة، والمعرفة بحال الرواة من أسباب الوثوق بصدور الخبر من جهة من ذكره، فإن أقلّ ما لا بُدّ من حمل الوثاقة عليه رعاية للمعنى اللغوي، والعرفي، الجامع بين جميع المذاهب التحرّز عن الكذب، والتثبت والضبط، ولا يتخلّف إخبار الحاوي لهذه الأوصاف عن حصول الوثوق والاطمئنان بخبره عند كلّ من أنصف من نفسه، وفيه الكفاية لمن اقتصر في الحجة من الإخبار بالموثوق بصدوره من جهة السند، وهذا منه.

الثالث: إنّه ربّما يُتَوهّمُ التنافي بين هذه الأمارة الكاشفة عن وثاقة كلّ من في رجال الشيخ من أصحاب الصادقعليه‌السلام وبين ما صنعه الشيخ بهم، فإنه قال في الباب المختص بهم:

إبراهيم بن أبي حبّة، واسم أبي حبّة: اليسع بن سعد المكي، ضعيف(٢) .

الحارث بن عمر البصري، أبو عمر، ضعيف الحديث(٣) .

عبد الرحمن بن الهلقام، أبو محمّد العجلي، ضعيف(٤) .

عمرو بن جميع أبو عثمان البصري الأزدي، ضعيف الحديث(٥) .

محمّد بن حجّاج المدني، منكر الحديث(٦)

__________________

(١) العدة: ٢٥ / ألف.

(٢) رجال الشيخ الطوسي: ١٤٦ / ٦٧.

(٣) رجال الشيخ الطوسي: ١٨٧ / ٢٣٠.

(٤) رجال الشيخ الطوسي: ٢٣٢ / ١٤٣.

(٥) رجال الشيخ الطوسي: ٢٤٩ / ٤٢٦.

(٦) رجال الشيخ الطوسي: ٢٨٥ / ٨٢.

٨٣

محمّد بن عبد الملك الأنصاري، كوفي نزل بغداد، أُسنِدَ عنه، ضعيف(١) .

محمّد بن مقلاص الأسدي الكوفي، أبو الخطاب، ملعون غال(٢) .

وبعض آخر وإن لم يصرح فيه بضعفه إلاّ أنّه معلوم صرّح هو به في الفهرست أو غيره، وهذا يكشف عن عدم موافقة الشيخ لابن عقدة، وعدم تصديقه إياه في توثيقاته، ويوجب الشك في الباقي، إلاّ ما صرّح هو أو غيره بوثاقته، ويدفع هذا التوهم بوجوه:

(الأول:) إنّ المقدمات التي استخرجنا منها هذه القاعدة كلّها نصوص من المشايخ الأجلّة، لا مسرح لتطرق النظر والإشكال فيها، وخروج بعض الأفراد عن تحتها لا يضرّ بها، وإلاّ لأضرّ بأكثر القواعد، وهو باطل بالضرورة، وقد مرّ الجواب بهذا عن بعض الأعلام في قاعدة الإجماع(٣) ، فلاحظ.

(الثاني:) إنّ القدماء يطلقون الضعيف في كثير من الموارد على من هو ثقة، ويريدون من الضعف ما لا ينافي الوثاقة، كالرواية عن الضعفاء، أو رواية الضعفاء عنه، أو الاعتماد على المراسيل، أو الوجادة، أو رواية ما ظاهره الغلوّ والجبر والتشبيه وأمثالها، بل لكونه غير أمامي، كما اشتهر أنّ السكوني ضعيف، والمراد أنه عامي، وإلاّ فوثاقته مما لا خلاف فيه، بل صرّح بعضهم بأن من [الضعف(٤) ] الرواية بالمعنى.

وإذاً فلا منافاة بين كون أحدٍ ثقة عند الجماعة المذكورين وابن عقدة،

__________________

(١) رجال الشيخ الطوسي: ٢٩٤ / ٢٢٣.

(٢) رجال الشيخ الطوسي: ٣٠٢ / ٣٤٥.

(٣) يلاحظ.

(٤) أثبتنا ما بين المعقوفتين لحاجة معنى العبارة إليه.

٨٤

وبين ضَعْفِه من بعض هذه الجهات عند الشيخ، وكون السبب الكَذِبَ والوضع، وغيرهما غير معلوم، فلا يوجب خللاً في القاعدة، نعم هذا لا يتمّ في أبي الخطاب ومثله، فيجاب عنه بما نذكره في:

(الثالث:) من أنّ المـُوَثِقَ ذَكر [هُ] أيام استقامته وأشار إلى زمان روايته، والجارح نظر إلى أيام انحرافه، وكان الأصحاب يتحرزون حينئذ منه، ويتحرجون من الرواية عنه، ولكن لا يرفعون اليد عمّا تلقوه منه قبله، إلاّ أنهم كثيراً ما يشيرون إلى ذلك فيقولون: حدثني فلان أيام استقامته.

وفي الكشي، في الصحيح عن عيسى شلقان قال: قلت لأبي الحسنعليه‌السلام وهو يومئذ غلام قبل أوان بلوغه -: جُعلت فداك ما هذا الذي نسمع من أبيك أنه أمرنا بولاية أبي الخطاب، ثم أمرنا بالبراءة منه؟ قال: فقال أبو الحسنعليه‌السلام من تلقاء نفسه -: إنّ اللهَ خَلَقَ الأنبياءَ على النبوّة، فلا يكونون إلاّ أنبياء، وخَلَقَ المؤمنين على الإيمان، فلا يكونون إلاّ مؤمنينَ، واستودع قوماً إيماناً فإن شاء أتمّه لهم، وإن شاء سلبهم إياه، وإنّ أبا الخطاب كان ممّن أعاره الله الإيمان، فلما كذب على أبي سلبه الله الإيمان.

قال: فعرضت هذا الكلام على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال: لو سألتنا عن ذلك ما كان ليكون عندنا غير ما قال(١) .

وآل أمر الأصحاب في شدّة الاجتناب عنه حتى قال الغضائري كما في الخلاصة وأرى ترك ما يقول أصحابنا: حدّثنا أبو الخطاب أيام استقامته(٢) ، انتهى.

__________________

(١) رجال الكشي ٢: ٥٨٤ / ٥٢٣، وفي هذا دليل على انهمعليهم‌السلام « شجرة بعضها من بعض ».

(٢) خلاصة الأقوال: ٢٥٠ / ٧.

٨٥

ولكن هذا خروج عن الاستقامة، وترك للأخذ بالحجة من السنة من غير عذر مسوّغ، سوى شدة العداوة مع هذا(١) الرجس، وهي ممدوحة إلى حدّ لا يوجب إبطال الحقّ، قال الله تعالى:( وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا ) (٢) وخلاف ما عليه عمل الأصحاب في أمثال هذا المقام.

قال الشيخ في العدة: فأمّا ما ترويه الغلاة والمتهمون والمضعفون وغير هؤلاء، فإن كانوا ممّن عرف لهم حال استقامة وحال غلو عُمِلَ بما رووه في حال الاستقامة، وتُرِكَ ما رووه في حال خطئهم؛ ولأجل ذلك عملت الطائفة بما رواه أبو الخطاب في حال استقامته، وتركوا ما رواه في حال الخليطة، وكذلك القول في أحمد بن هلال العبرتائي، وابن أبي المذاقر(٣) . إلى آخره، انتهى.

وكفى شاهداً لهم ما في ترجمة الشلمغاني في النجاشي، والخلاصة: وكان مستقيم الطريقة، متقدماً في أصحابنا، فحمله الحسد لأبي القاسم بن روح على ترك المذهب، والدخول في المذاهب الرديّة، حتى خرجت فيه توقيعات، فأخذه السلطان وقتله وصلبه، وتغيّر وظهرت عنه مقالات مُنكرة، وله من الكتب التي عملها حال الاستقامة كتاب التكليف(٤) ، رواها المفيد إلاّ حديثاً منه في باب الشهادات: أنه يجوز للرجل أن يشهد لأخيه إذا كان له شاهد واحد من غير علم(٥) .

__________________

(١) مع هذا: كذا، والصحيح: لهذا، والتعدي باللام في مثل هذا الموضع مطّرد في القرآن الكريم.

(٢) المائدة: ٨.

(٣) العدة للشيخ الطوسي ١: ٣٨١ ٣٨٢.

(٤) رجال النجاشي: ٣٧٨ / ١٠٢٩.

(٥) الخلاصة: ٢٥٣ / ٣٠.

٨٦

الفائدة التاسعة

٨٧

٨٨

في بيان دخول كثر من الأخبار الحسان في عداد الصحاح ولو على طريقة أكثر المتأخرين من اشتراط العدالة في الراوي، وعدم حجيّة الحسن، أو تقديم الصحيح عليه عند التعارض، وإن قلنا بحجيّته. وفيه ذكر بعض الألفاظ التي أخرجوها ممّا تدل على التوثيق، وعدّوها في عداد ما يدلّ على المدح، وبعض الأمارات الشائعة الدالة على الوثاقة ويتمّ المقصود ببيان أمرين:

الأول: إن الأصحاب على اختلاف آرائهم في معنى العدالة الشرعية، التي هي موضوع لكثير من الأحكام اتفقوا على وجوب ترتيب آثار العدالة على شخص ثبت بالطريق المعتبر حسنُ ظاهره الذي هو طريق نوعاً ما إلى وجود ملكة الاجتناب عن الكبائر والإصرار على الصغائر، خصوصاً إذا كان سبباً فعلاً لحصول الظن به، سواء قلنا: بأنه هو عين العدالة، وفسرناها به، أو قلنا: بأنّها الملكة، وحسن الظاهر من طرق معرفتها تعبّداً أو عقلاً، كسائر الملكات النفسانية التي لها آثار خارجية، وعلائم ظاهريّة، تعرف بها غالباً، كالشجاعة والسخاوة والجبن والبخل وغيرها.

فمن ثبت عنده حسن الظاهر ولو بالشهادة به على الأصح من جواز استناد الشاهد لذي الطريق بالطريق، سواء شهد بذي الطريق مستنداً إلى الطريق أو شهد به فيثبت عند المشهود له فيرتب آثار ذي الطريق عليها لثبوت طريقها تثبت عنده العدالة على ما هو المتيقن من هذه الأقوال.

وأمّا لو قلنا بأنّ حسن الظاهر هو العدالة شرعاً، أو طريق تعبّدي إلى وجود الملكة، فعدم الحاجة إلى حصول الظن أو الوثوق به واضح، فظهر أنه لا فرق في المقام بين أن يقول أحد المزكين كالشيخ والنجاشي

٨٩

وأمثالهما: فلاناً ثقة، أو عدلاً، أو من العدول، أو يذكر من كواشف العدالة وما يلازم حسن الظاهر شيئاً يكشف عنها نوعاً في ثبوت وثاقة من قيل في حقّه ذلك، ووجوب ترتيب آثارها عليها، وهذا ممّا لا سترة عليه بحمد الله تعالى.

الثاني: أنّهم بسطوا الكلام في كتب الدراية وغيرها في بيان الألفاظ الدَّالّة على التعديل والمدح، واقتصروا في الأوّل بقولهم: ثقة، أو عدل مطلقاً أو مع انضمام ضابط أو ثبت، أو حافظ، أو متقن، أو حجّة(١) . وإلاّ فلا يكفي « عدل » فيه على ما صرّح به والد البهائي(٢) ، أو « حجّة » على ما صرّح به الشهيد(٣) ، وأنكره بعضهم(٤) ، أو صحيح الحديث عنده(٥) ، وأنكره أكثر من تأخر عنه(٦) ، وباقي الألفاظ عدّوها ممّا يدل على المدح وإن اختلفت في القرب من الأول والبعد عنه، إلاّ أن الحاصل عدّ الحديث من جهة من قيل في حقه بعض من ذلك حسناً.

نعم صرّحوا بأنّ مثل شيخ هذه الطائفة، وعميدها، ورئيسها، ووجهها، ونحو ذلك إنّما يستعملونه فيمن يستغني عن التوثيق لشهرته، إيماءً إلى أنّ التوثيق دون مرتبته(٧) .

__________________

(١) الظاهر من كتب الدراية، والفوائد المذكورة في مقدمات كتب الرجال عدّ أكثر العلماء لفظ (حجة) من ألفاظ التعديل من غير انضمامه إلى لفظ أو انضمام لفظ إليه.

(٢) وصول الأخيار: ١٩٢.

(٣) الدراية: ٧٦، وقوله: أو « حجة » معطوف على قوله المتقدم: أو « عدل مطلقاً ».

(٤) يمكن اعتبار عدم ذكر الوحيد البهبهاني (طاب ثراه) للفظ (حجة) بين ألفاظ التعديل في تعليقته إنكاراً لدلالة اللفظ المذكور على الوثاقة.

(٥) أي: عند الشهيد الثانيقدس‌سره كما في درايته: ٧٦.

(٦) كالوحيد في التعليقة: ٦، والبهائي في مشرق الشمسين: ٣، والكاظمي في تكملة الرجال ١: ٥٠، والكني النجفي المعاصر للمصنف في توضيح المقال: ٤١، وغيرهم من العلماء الذين تقدمت أسماؤهم في أوائل الفائدة السابعة، وهم الذين ذهبوا إلى القول: بأن صحيح القدماء هو ما احتف بالقرائن لا المروي عن الثقة، فلاحظ جيداً.

(٧) وصول الأخيار: ١٩٢.

٩٠

وادعى بعضهم دلالة بعض الألفاظ أيضاً عليه(١) ، من غير موافقة الأكثرين معه، حتى آل أمر الجماعة إلى أن عدّوا أحاديث إبراهيم بن هاشم ونظرائه من الأعاظم في عداد الحسان(٢) ، معتذرين بعدم التنصيص عليهم بالوثاقة من أئمة التعديل والجرح، مع أنّ كثيراً من ألفاظ المدح يدل على حسن الظاهر، أو يلازمه بدلالة واضحة لا مجال لإنكارها.

هذا إبراهيم بن هاشم، قالوا في حقه: إنّه أول من نشر حديث الكوفيين بقم(٣) ، وهذا النشر متوقف على علمه واحتوائه أحاديثهم، وتلقي رواة القميين عنه، وقبولهم ما رواه لهم، وهو في طبقة أحمد بن محمّد بن عيسى الرئيس ديناً ودنيا، وروى عنه بمحضر من أحمد(٤) جُلّ من في هذه الطبقة من الأجلاء: كالصفار(٥) ، والحميري(٦) ، وسعد(٧) ، وولده علي ابن إبراهيم(٨) ،

__________________

(١) أي: على من يكون التوثيق دون مرتبته، ولا يمكن إرجاع الضمير في (عليه) إلى المدح الذي يصير به حديث الممدوح حسن، لما سيأتي من كلام المصنف بعده، فلاحظ.

(٢) كعدّ أحاديث الحسن بن موسى الخشاب، وعلي بن محمّد بن قتيبة، وعلي بن نباتة، والحسين بن الحسن الهاشمي زيادة على أحاديث إبراهيم بن هاشم وغيره من الحسان كما مر في الفائدة السادسة من فوائد خاتمة المستدرك في الطرق [٢] و [٣٣٧] و [٣٣٥] و [٣٦٢] و [٥٤٠] وكثير غيرها، وهو محكي المقدس الأردبيلي عن لسان المشهور كما في أوائل الفائدة المذكورة، فراجع.

(٣) رجال النجاشي: ١٦ / ١٨.

(٤) أي: أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري، رئيس قم وشريفها في عصره. كان متشدداً جدّاً إزاء رواة الحديث، حتى عرف عنه انه لا يطرد من لا يوثق به عن مجلسه فحسب، بل عن أرض قم كلها، وبهذا اتضح المراد من إدخال هذه الجملة المعترضة في كلامه عن إبراهيم بن هاشم.

(٥) تهذيب الأحكام ٧: ٣٢٠ / ١٢٨٥.

(٦) الفقيه ٤: ١٣٣، من المشيخة.

(٧) الفقيه ٤: ١٣٣، من المشيخة.

(٨) الفقيه ٤: ٣٩ ٤٠، من المشيخة.

٩١

ومحمد بن الحسن بن الوليد(١) ، وابن متيل(٢) ، ومحمّد بن علي بن محبوب(٣) ، ومحمّد بن يحيى العطار(٤) ، وأحمد بن إسحاق(٥) ، وعلي بن بابويه والد الصدوق(٦) ، وغيرهم من الذين رووا عنه، وقبلوا منه، وحفظوا وكتبوا وحدّثوا بكلّ ما أخذوا عنه، وحينئذ صدق النشر المذكور.

وهذا يلازم عرفاً بعد التأمل في حال الجماعة كون ظاهر إبراهيم ظاهراً مأموناً، وكونه معروفاً عندهم بستر المعاصي، والعفّة في البطن والفرج، واجتناب الكبائر، وأداء الفرائض، إذ لو كان فيه خلاف بعض ذلك لما خفي عليهم، لاحتياج النشر إلى كثرة المخالطة المنافية لستره عليهم، ولو علموا فيه شرّاً لم يجتمعوا وهم بمكان من العظمة والجلالة والتثبت على التلقي عنه، والتحديث عنه، فظهر أنّ النشر لا يتخلف عن حسن الظاهر، الكاشف عن الملكة.

وإذا تأمّلت في قولهم: صالح، أو زاهد، أو خيّر، أو دين، أو فقيه أصحابنا، أو شيخ جليل، أو مقدم أصحابنا، أو مشكور، وما يقرب من ذلك، عرفت عدم صلاحية إطلاق هذه الألفاظ في كلمات مثل هذه الأعاظم على غير من حَسُنَ ظاهره، وفقدت أو سترت معايبه.

وكيف يكون الرجل صالحاً ويُعدّ من الصلحاء وهو بعد متجاهر بترك بعض الفرائض، أو بارتكاب بعض الجرائم، واحتمال جهلهم بظاهر حاله

__________________

(١) وردت رواية محمد بن الحسن بن الوليد عنه بالواسطة، انظر: الفقيه ٤: ١٠٨، من المشيخة.

(٢) فهرست الشيخ: ١٢١ / ٥٣٦.

(٣) تهذيب الأحكام ٤: ٣٢٢ / ٩٨٧.

(٤) الفقيه ٤: ١٥، من المشيخة.

(٥) انظر هداية المحدثين: ١٢.

(٦) وردت رواية علي بن بابويه عنه بالواسطة، انظر الفقيه ٤: ١١٨، من المشيخة.

٩٢

ينافيه ذكرهم له، وتوصيفهم إيّاه، وأخذهم عنه بلا واسطة، أو معها، وسوء فعاله سرّا لا ينافي حسن ظاهره، الذي يكشف عنه صلاحه الثابت بالنص منهم.

ومن تأمّل في موارد استعمال الصلاح، والصالح، والصالحين، والصلحاء، في الكتاب والسنة لا يكاد يشك في دلالتها على ما فوق العدالة، ولذا قال الشهيد في شرح الدراية بعد عدّ الوصف بالزهد، والعلم، والصلاح، من أسباب المدح ما لفظه: مع احتمال دلالة الصلاح على العدالة وزيادة(١) ، انتهى.

وكيف يجتمع الزهد الحقيقي الواقعي الذي لا بُدّ من حمل اللفظ عليه مع الفسق في الظاهر، بل في الباطن أيضاً، وكذا الكلام في الباقي، أليس من المستنكر أن يقال: فلان شيخ جليل إلاّ أنه لا يصلي صلاة الصبح، أو يفعل كذا من المعاصي، وهكذا في قولهم: فقيه أصحابنا، أو وجههم، أو عينهم، وكيف يكون وجهاً لهم وهو مجدور، وعيناً لهم وهو أعور؟!! وبالجملة فدلالة هذه الألفاظ مطابقة أو التزاماً على حسن الظاهر ظاهرة.

وإذا ضمّ إليها عدم طعن أحد فيه بشيء، وذكره الأعلام مع حَمَلَة الشريعة، ورواة الشيعة، زاد في حسنه وبهائه، ولو كان صاحب أصل أو كتاب لم يطعنوا عليه، وذكروا طرقهم إليه، يكون أخذاً بمجاميع الحسن في الظاهر، الكاشف عند من أنصف من نفسه عن حسن السرائر. وما وراء عبادان قرية! ويؤيد جميع ما ذكرنا أنّا لم نجد القدماء فرّقوا في مقام العمل، وفي موارد الترجيح عند التعارض، بين من قيل في حقّه بعض تلك المدائح، وبين من وثقوه صريحاً، ولم نَرَ مورداً قدّموا الصحيح باصطلاح المتأخرين على حسنهم عند التعارض، مع تقديمهم الموثق والضعيف عليه.

هذا الشيخ في الكتابين كثيراً ما يطعن في السند عند التعارض بأنّ فيه

__________________

(١) الدراية: ٧٨.

٩٣

فلاناً، وهو عاميّ، أو فطحي، أو واقفي، أو ضعيف، ولم نجده طعن فيه بأنّ فيه فلاناً الممدوح ببعض ما مرّ، فيطرح مع تصريحه في العدّة في صورة التعارض إذا كان بين خبري الإماميّين بقوله: فما كان راويه عدلاً وجب العمل به، وترك العمل بما لم يروه العدل(١) ، ومع ذلك لم نجده ترك العمل بما رواه الممدوح ببعض ما ذكر في مورده، بل دأبه الجمع في هذه الموارد بالدلالة من غير طعن في السند أصلاً، ومن أراد الوثوق فعليه بمراجعة الكتابين.

ومنه يظهر أنّهم من صنف واحد، وأن توصيفهم بعضهم بالوثاقة، وآخر بالصلاح، أو الزهد، أو الديانة، أو غيرها إنّما هو تفنن في العبارة، ولذا قنعوا ببعض ذلك في الذين عدالتهم كالضروري عند الأصحاب.

ففي النجاشي: زرارة بن أعين. إلى أن قال: شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدمهم، وكان قارئاً فقيهاً متكلّماً شاعراً أديباً، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين، صادقاً فيما يرويه(٢) .

وفي أبان بن تغلب: عظيم المنزلة(٣) في أصحابنا، لقي علي بن الحسين، وأبا جعفر، وأبا عبد اللهعليهم‌السلام روى عنهم، وكانت له عندهم منزلة وقدم(٤) .

ويقرب منه ما ذكره في ترجمة بريد بن معاوية(٥) .

وفي ترجمة البزنطي: لقي الرضا، وأبا جعفرعليهما‌السلام وكان عظيم المنزلة عندهما(٦) .

__________________

(١) عدة الأصول ١: ٣٧٦.

(٢) رجال النجاشي: ١٧٥ / ٤٦٣.

(٣) في حاشية (الأصل): « كلمة عظيم المنزلة مذكورة في ترجمة مسمع بن كردين، وفي المدارك ٧: ٤٢٤، ٨: ٩٦، انه غير موثق!! منهقدس‌سره

(٤) رجال النجاشي: ١٠ / ٧.

(٥) رجال النجاشي: ١١٢ / ٢٨٧.

(٦) رجال النجاشي: ٧٥ / ١٨٠.

٩٤

وفي ترجمة ثعلبة أبي إسحاق النحوي: كان وجهاً في أصحابنا، قارئاً فقيهاً نحويّاً لغويّاً راوية، وكان حسن العمل، كثير العبادة والزهد(١) .

واكتفى في ترجمة أحمد بن محمّد بن عيسى بقوله: شيخ القميين ووجههم وفقيههم(٢)

وفي ترجمة شيخه الحسين الغضائري بقوله: شيخنارحمه‌الله (٣) .

وفي ترجمة أبي يعلى الجعفري: خليفة الشيخ المفيد، متكلم فقيه(٤) . إلى غير ذلك.

وفي الفهرست في ترجمة الصفواني: كان حفظة كثير العلم، جيّد اللسان(٥) . وليس فيهما توثيق الصدوق.

__________________

(١) رجال النجاشي: ١١٧ / ٣٠٢.

(٢) رجال النجاشي: ٨٢ / ١٩٨.

(٣) رجال النجاشي: ٦٩ / ١٦٦.

وفي حاشية (الأصل) إشارة إلى هذا الموضع ما نصه: « قال المحقق الخوانساري في شرح الدروس - [مشارق الشموس في شرح الدروس:]: للشيخ إلى علي بن جعفر ثلاثة طرق على ما نقل. أحدها ما ذكره في التهذيب [١٠: ٨٦ من المشيخة] وهذا الطريق ليس بصحيح وإن وصفه العلاّمة بالصحة [رجال العلاّمة: ٢٧٦ الفائدة الثامنة]؛ لأن فيه الحسين بن عبيد الله الغضائري ولم ينص الأصحاب على توثيقه. وهو من الغرابة بمكان، ولذا قال السيّد في المنهج [١١٤ / ٣٠٩]: ويستفاد من تصحيح العلاّمة طريق الشيخ إلى محمّد بن علي بن محبوب [التهذيب ١٠: ٧٢ من المشيخة]، توثيقه. ولم أجد إلى يومنا من خالفه » منه قدس‌سره .

والطريقان الباقيان للشيخ إلى علي بن جعفر بن محمّد بن علي زين العابدين عليهم‌السلام ، تجدهما في الفهرست: ٨٧ / ٣٧٧، وتتفرع منهما طرق كثيرة، راجع تعليقتنا على هامش الطريق رقم [ ] المار في الفائدة السادسة من فوائد خاتمة المستدرك.

(٤) رجال النجاشي: ٤٠٤ / ١٠٧٠.

(٥) فهرست الشيخ: ١٣٣ / ٥٨٨.

٩٥

وقنع في ترجمة الحسين بن سعيد بذكر كتبه(١) . إلى غير ذلك ممّا يقف عليه الناظر في التراجم.

وقالوا في أبي الحسن موسى بن الحسن بن محمّد المعروف بابن كبرياء: كان مفوّهاً عالماً، متديّناً حسن الاعتقاد، ومع حسن معرفته بعلم النجوم حسن العبادة والدين(٢) ؛ ومع ذلك عدّه المجلسي في الوجيزة(٣) ، والمحقق البحراني في البلغة(٤) ، من الممدوحين. فان كان لعدم دلالة هذه الألفاظ على حسن ظاهره فهو شبيه بإنكار البديهي، ومع الدلالة والوثوق بتوسطه بحسن السريرة فعدّه منهم في غير محلّه.

وقد أشار إلى ما حققنا السيّد المحقق الكاظمي في العدة، فقال بعد ذكر جملة من تلك الألفاظ -: وكذلك قولهم: من خواص الشيعة، كما قال أبو جعفرعليه‌السلام لأخي محمّد بن إبراهيم الحضيني: رحم الله أخاك يعني محمّد فإنه من خصيص شيعتي. ومن اكتفى في العدالة بحسن الظاهر ولو في تعريفها كما هو الظاهر هان عليه الخطب(٥) .

وأصرح من ذلك ما ذكره السيد الأجل بحر العلوم في ترجمة إبراهيم ابن هاشم بعد نقل كلمات الأصحاب واختلافها في الحكم بصحة السند من جهته تارة وبحسنه تارة أُخرى ما لفظه: والجمع بين كلماتهم في ذلك مشكل، فإنّ الحَسَنَ في اصطلاحهم مباين للصحيح.

وقد يُتَكَلَّفُ للجمع بحمل الصحيح على مطلق الحجّة أو نحوه على

__________________

(١) فهرست الشيخ: ٥٨ / ٢٢٠.

(٢) رجال النجاشي: ٤٠٧ / ١٠٨٠.

(٣) الوجيزة: ٥٦، وفيه: (مخّ) اي: مختلف فيه.

(٤) بلغة المحدثين: ٤٢٣.

(٥) عدة الرجال ١: ١٢١.

٩٦

خلاف الاصطلاح مجازاً، أو بحمل الحَسَنِ على مطلق الممدوح رجال سنده بالتوثيق أو غيره، أو حمل الوصف بالحَسَنِ على ما يقتضيه ظاهر الحال في إبراهيم بن هاشم، لفقد النصّ على توثيقه، والصحة على التحقيق المستفاد مما له من النعوت.

وهذه الوجوه متقاربة في البعد عن الظاهر، وعلى الأخيرين تنعكس الشهرة، وهما كالأول أولى من حمل الحكم بالصحة على الغلط والاشتباه، وأولى من الكلّ: إبقاء كلّ من اللفظين على معناه، على أن يكون السبب اختلاف النظر، ومثله غير عزيز في كلامهم. وبذلك تنكسر سورة الشهرة المشتهرة.

وقد يفهم من قول العلاّمة (طاب ثراه): « والأرجح قبول روايته »(١) وكذا من مناقشة صاحب المدارك وغيره في بعض رواياته، كروايته في تسجية الميت تجاه القبلة(٢) ، وغيرها، احتمال عدم القبول، إمّا لأنّ اشتراط عدالة الراوي ينفي حجيّة الحَسَن مطلقاً، أو لأن ما قيل في مدحه لا يبلغ حدّ الحَسَن المعتبر في قبول الرواية.

وهذا الاحتمال ساقط بكلا وجهيه:

(أمّا الأول:) فلأن التحقيق أنّ الحَسَن يشارك الصحيح في أصل العدالة، وإنّما يخالفه في الكاشف عنها، فإنه في الصحيح هو التوثيق أو ما يستلزمه(٣) ، بخلاف الحَسَن فان الكاشف فيه هو حُسْن الظاهر المـُكتفى به في ثبوت العدالة على أصحّ الأقوال. وبهذا يزول الإشكال في القول بحجيّة

__________________

(١) رجال العلاّمة: ٤ / ٩.

(٢) مدارك الأحكام ٢: ٥٣ بدايات الفصل الخامس.

(٣) في حاشية (الأصل) إشارة إلى هذا الموضع -: (أو ما في معناه عن نسخة اخرى).

ومثله في هامش المطبوع من المصدر ايضاً.

٩٧

الحَسَن مع القول باشتراط عدالة الراوي كما هو المعروف بين الأصحاب(١) .

انتهى ما أردنا نقله من كلامه الذي هو القول الفصل، والكلام الجزل في هذا المقام، الذي زلّت فيه أقدام الأعلام، وليشهد بصحته الوجدان، ويساعد عليه البرهان، وعليه يمكن دعوى اتحاد اصطلاح القدماء والمتأخرين في الصحيح، أو أعميّة الأول من جهة دخول الموثق فيه أيضاً.

ومن جميع ذلك ظهر أنّه لا يجوز للمستنبط الاتّكال على تصحيح الغير وتحسينه وتضعيفه، بل الواجب عليه النظر إلى أُصول هذا الفن، والتأمل في ألفاظ المدح المذكورة في التراجم، والنظر في مداليلها، وما تَكَنَّفَهَا من القرائن حتى يستكشف منها حُسْنَ الظاهر الكاشف عن الملكة، فيصير الممدوح المصطلح ثقة، والخبر الحسن صحيحاً، وكيف يجوز الاعتماد على الغير في هذا المقام مع هذا الاختلاف العظيم الذي فيهم، من جهة فهم المداليل، حتى آل أمرهم في بعضها إلى الحكم بطرفي الضدّ، كقول بعضهم في قولهم « لا بأس به »: انّه توثيق، وآخر: أنه لا يفيد المدح أيضاً.

وقال بعضهم: إنّ في نفي البأس بأساً، وغير ذلك، هذا كلّه في الشهادة القولية، والألفاظ المعهودة المذكورة في التراجم.

وأمّا الشهادة الفعلية واستظهار حُسن الظاهر منها، بل الوثاقة ابتداءً منها نظير الوثوق بعدالة الإمام من جهة صلاة العدول معه فأحسنها وأتقنها وأجلّها فائدة في المقام رواية الأجلاء عن أحدٍ، فإنّ التتبع والاستقراء في حال المشايخ الأجلّة يشهد بأن روايتهم عن أحد واجتماعهم في الأخذ عنه قرينة واضحة على وثاقته، وما كانوا ليجتمعوا على الرواية إلاّ عمن كان مثلهم، وإن روى

__________________

(١) رجال السيّد بحر العلوم ١: ٤٦٠.

٩٨

أحدهم عن ضعيف في مقامٍ شَهروه، ونوّهوا [باسمه(١) ]، ورموه بنبال الضعف، وربّما يوثّقوه ثم يقولون: إلاّ أنّه يروي عن الضعفاء، بحيث يستفاد منه أن الطريقة على خلافه، فيحتاج النادر إلى التنبيه، فاذا كثرت الرواة من الأجلّة الثقات عن أحد فدلالتها على الوثاقة واضحة. ولنذكر بعض الشواهد من كلماتهم:

قال النجاشي في ترجمة عبد الله بن سنان بعد ذكر كتبه -: روى هذه الكتب عنه جماعات من أصحابنا، لِعِظَمِهِ في الطائفة وثقته وجلالته(٢) .

قال الشيخ المحقق الأُستاذ (طاب ثراه): يستفاد من هذه العبارة أنّ إكثار الرواية، وكثرة الرواة عن شخص ممّا يدل على الوثاقة، وهو كذلك بعد الفحص التام(٣) .

وقال الكشي في ترجمة محمّد بن سنان، بعد ما نقل عن الفضل بن شاذان قدحه، وأنّه قال: رُدّوا أحاديث محمّد بن سنان، وقال: لا أُحلّ لكم أن ترووا أحاديث محمّد بن سنان عني ما دمت حيّاً، وأذن في الرواية بعد موته، قال أبو عمرو: قد روى عنه الفضل بن شاذان(٤) ، وأبوه(٥) ، ويونس(٦) ، ومحمّد بن عيسى العبيدي(٧) ، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطاب(٨) ، والحسن(٩) والحسين ابنا سعيد الأهوازيان(١٠) ، وابنا دندان، وأيوب بن

__________________

(١) في (الأصل) و (الحجرية): به اسمه، وما بين المعقوفتين هو الأنسب.

(٢) رجال النجاشي: ٢١٤ / ٥٥٨.

(٣) تعليقة الوحيد البهبهاني: ١٠ الفائدة الثالثة.

(٤) رجال الكشي ١: ١٢٦ / ٥٦.

(٥) التهذيب ١٠: ٥٤ / ٢٠٠:

(٦) تهذيب الأحكام ٩: ١٣٥ / ٥٦٨.

(٧) تهذيب الأحكام ١٠: ٨٣ / ٣٢٩.

(٨) فهرست الشيخ: ١٤٣ / ٦٠٩.

(٩) الكافي ١: ٣٨٤ / ٢.

(١٠) تهذيب الأحكام ٣: ١٣٠ / ٢٨١.

٩٩

نوح(١) ، وغيرهم من العدول والثقات من أهل العلم(٢) ، انتهى.

وهذا نصّ في أنّ رواية الأجلاء عن أحد تنافي القدح فيه، فإنّ ما ذكره دفاع عن محمّد بن سنان برواية العدول من أهل العلم عنه، فيعلم أنّهم لا يجتمعون على الرواية عن أحد إلاّ عن الثقة السالم عن الطعن والقدح.

ولذا تعجب النجاشي في ترجمة جعفر بن محمّد بن مالك بعد تضعيفه فقال: ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو علي بن همام، وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزراري (رحمهما الله)(٣) .

وقال صاحب المعالم في المنتقى: ولو لا وقوع الرواية من بعض الأجلاء عمّن هو مشهور بالضعف، لكان الاعتبار يقتضي عدّ رواية من هو مشهور معروف بالثقة والفضل وجلالة القدر عمّن هو مجهول الحال ظاهراً من جملة القرائن القويّة على انتفاء الفسق عنه(٤) ، ثم استشهد لذلك بما نقلنا عن الكشي والنجاشي في ابن سنان، وابن مالك(٥) .

(قلت:) رواية الجليل المشهور عن المشهور بالضعف المقدوح بالكذب، والوضع والتدليس، وغيرها ممّا ينافي الوثاقة في أيام ضعفه نادرة جدّاً، وهي لا توجب الوهنَ في الأمارة المستخرجة من سيرتهم وعملهم، وقد مرّ في ترجمة النجاشي(٦) جملة من الشواهد لما ادّعيناه.

وممّا يدل على ذلك أنّ البرقي في رجاله مع عدم بنائه على التزكية

__________________

(١) التهذيب ١: ٣١٣ / ٩٠٩.

(٢) رجال الكشي ٢: ٧٩٦ / ٩٧٩.

(٣) رجال النجاشي: ١٢٢ / ٣١٣.

(٤) منتقى الجمان ١: ٤٠.

(٥) كما مرّ آنفاً.

(٦) راجع الفائدة الثالثة صحيفة.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

ولقد جئت ابن عباس فعزيته ، فعرفت أن ذلك يثقل عليه مني ، ولو اني تركت تعزيته قال : مثلي يترك لا يعزيني بحسين ، فما اصنع؟ اخوالي وغرت صدورهم علي ، وما ادري على أي شيء؟»

فاسدى له مسور النصيحة وقال له :

«ما حاجتك الى ذكر ما مضى دع الأمور تمضي ، وبر أخوالك فأبوك أحمد عندهم منك»(1) .

رأس الامام في يثرب :

وذهب اكثر المؤرخين إلى ان الطاغية بعث برأس ريحانة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى يثرب لاشاعة الرعب والخوف ، والقضاء على كل حركة ضده ، وجيء بالرأس الشريف الى حاكم المدينة عمرو بن سعيد الأشدق فأنكر ذلك وقال :

«وددت واللّه إن امير المؤمنين لم يبعث إلينا برأسه»

وكان في مجلسه الوزغ ابن الوزغ مروان بن الحكم فصاح به :

«بئس ما قلت : هاته»

وأخذ الوزغ الرأس الشريف وجعل يهز اعطافه بشرا وسرورا وهو يقول بشماتة :

يا حبذا بردك في اليدين ولونك الأحمر في الخدين

وجيء بالرأس العظيم فنصب في جامع الرسول (ص) وصرخت نساء آل أبي طالب ، وهر عن الى القبر الشريف ببكاء وعويل فقال مروان :

__________________

(1) تاريخ ابن عساكر 13 / 86 :

٤٢١

عجت نساء بني زبيد عجة

كعجيج نسوتنا غداة الأرنب(1)

وراح مروان يبدي أفراحه حينما سمع عوبل الهاشميات قائلا :

«واللّه لكأني أنظر إلى أيام عثمان»(2)

والتفت الى قبر النبي (ص) فقال له :

«يا محمد يوم بيوم بدر»(3)

لقد ظهرت الأحقاد الأموية ، وظهر أنها لا تؤمن بالاسلام وانها محتفظة بجاهليتها الأولى وقد استوفت ثأرها من النبي (ص) بابادتها لعترته.

عودة السبايا الى كربلا :

وصرحت بعض المصادر أن سبايا آل البيت طلبوا من الوفد الموكل بحراستهم أن يعرج بهم إلى كربلا ليجددوا عهدا بقبر سيد الشهداء فلبى الوفد طلبهم فانعطفوا الى كربلا ، ولما انتهوا إليها استقبلن العلويات مرقد أبي عبد اللّه (ع) بالصراخ والعويل وسالت الدموع كل مسيل وقضين أياما ثلاثة كن من أثقل الليالي وأوجعها على اهل البيت فلم تهدأ لهم عبرة حتى بحت الأصوات وتفتت القلوب.

وتصرح بعض المصادر ان الصحابي الجليل جابر بن عبد اللّه الأنصاري

__________________

(1) غداة الأرنب : اراد ان نساء أهل البيت عججن بالبكاء كعجيج نساء قريش بمصاب من قتل في بدر.

(2) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان 5 / 101

(3) شرح النهج 4 / 72 ، وممن ذكر وصول الرأس الى يثرب البلاذري في انساب الأشراف ق 1 ج 1 ، والقاضي نعمان المصري في المثالب والمناقب.

٤٢٢

قد وفد الى التشرف بزيارة قبر أبي عبد اللّه فالتقى به الامام زين العابدين وأخذ يحدثه عما جرى عليهم من صنوف الرزايا والنكبات ، ثم غادروا كربلا متوجهين الى يثرب(1) .

الى يثرب :

واتجه موكب اسارى أهل البيت الى يثرب فاخذ يجذ في السير لا يلوي على شيء وقد جللته الاحزان والآلام ، وقد غامت عيون بنات رسول اللّه (ص) بالدموع وهن ينحن على فقد الأحبة ويذكرن بمزيد اللوعة ما جرى عليهن من أسر الذل والهوان.

وكانت يثرب قبل قدوم السبايا إليها ترفل في ثياب الحزن على أم المؤمنين السيدة أم سلمة زوج النبي (ص) فقد ماتت بعد مقتل الحسين عليه السلام ، بشهر حزنا وكمدا عليه(2) وهي التي انبأت الناس عن مقتله.

نعي بشر للامام :

ولما وصل الامام زين العابدين بالقرب من يثرب نزل فضرب فسطاطه وأنزل عمامته واخواته ، والتفت إلى بشر بن حذلم فقال له :

__________________

(1) تفسير المطالب في أمالي أبي طالب (ص 93) الحدائق الوردية 1 / 133 ، الامام زين العابدين لأحمد فهمي (ص 59) مقتل الحسين لعبد اللّه ، مقتل المقرم.

(2) مرآة الزمان (ص 103)

٤٢٣

«يا بشر رحم اللّه أباك لقد كان شاعرا ، فهل تقدر على شيء منه؟»

«بلى يا بن رسول اللّه اني لشاعر»

«ادخل المدينة وانع ابا عبد اللّه»

وانطلق بشر الى المدينة فلما انتهى الى الجامع النبوي رفع صوته مشفوعا بالبكاء وهو يقول :

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها

قتل الحسين فادمعي مدرار

الجسم منه بكربلاء مضرج

والرأس منه على القناة يدار

وهرعت الجماهير نحو الجامع النبوي وهي ما بين نائح وصائح تنتظر من بشر المزيد من الأنباء فالتفت إليهم وهو غارق في البكاء قائلا :

«هذا علي بن الحسين مع عماته واخواته قد حلوا بساحتكم ، وأنا رسوله إليكم اعرفكم مكانه».

وعج الناس بالبكاء وانطلقوا مسرعين يستقبلون آل الرسول (ص) الذي برّ بدينهم ودنياهم ، وانتشر الحزن وعمت الكابة جميع الأوساط ، فكان ذلك اليوم ، كما وصفه المؤرخون كاليوم الذي مات فيه رسول اللّه (ص)(1) وازدحم الناس على الامام زين العابدين وهم يعزونه بمصابه الأليم ، ويشاركونه الأسى واللوعة.

خطاب الامام زين العابدين :

ورأى الامام أن يحدث الناس بما جرى عليهم من عظيم الرزايا والنكبات ، وما عانوه من اسر الذل والهوان ولم يكن باستطاعته أن يقوم

__________________

(1) اللهوف (ص 116)

٤٢٤

خطيبا فقد ألمت به الأمراض ، وانهكته الآلام فجيء له بكرسي فجلس عليه ، فقال (ع) :

«اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ ، اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ ، مٰالِكِ يَوْمِ اَلدِّينِ » بارئ الخلق أجمعين ، الذي بعد فارتفع في السماوات العلى ، وقرب فشهد النجوى ، نحمده على عظائم الأمور وفجائع الدهور ، والم الفجائع ومضاضة اللواذع ، وجليل الرزء ، وعظيم المصائب الفاظعة الكاظة ، الفادحة الجائحة.

أيها القوم : إن اللّه تعالى ابتلانا بمصائب جليلة ، وثلمة في الاسلام عظيمة ، قتل أبو عبد اللّه الحسين وعترته ، وسببت نساؤه وصبيته ، وداروا برأسه في البلدان ، من فوق عامل السنان ، وهذه الرزية التي لا مثلها رزية.

أيها الناس ، فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله أم أي فؤاد لا يحزن من أجله ، أم أية عين منكم تحبس دمعها ، وتضن عن انهما لها فلقد بكت السبع الشداد لقتله وبكت البحار بأمواجها ، والسماوات باركانها والأرض بارجائها ، والاشجار بأغصانها ، والحيتان في لجج البحار ، والملائكة المقربون ، وأهل السماوات أجمعون ،

أيها الناس : أي قلب لا ينصدع لقتله ، أم أي فؤاد لا يحن إليه ، أم أي سمع يسمع بهذه الثلمة التي ثلمت في الاسلام ولا يصم.

أيها الناس : أصبحنا مشردين مطرودين مذودين شاسعين عن الامصار كأننا أولاد ترك وكابل من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، ولا ثلمة في الاسلام ثلمناها ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ، ان هذا الا اختلاق ، واللّه لو ان النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصية بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا ، فانا للّه وانا إليه راجعون من مصيبة

٤٢٥

ما أعظمها وأ فجعها واكظها وافظعها وامرها وأفدحها فعند اللّه نحتسب ما اصابنا وما بلغ فانه عزيز ذو انتقام».

وعرض الامام في خطابه إلى الخطوب السود التي عانتها الأسرة النبوية وما جرى عليها من الظلم الهائل وانبرى إليه صعصعة فألقى إليه معاذيره لأنه كان زمنا ، فقيل الامام عذره وترحم على أبيه ، ثم زخف الامام مع عماته واخواته إلى يثرب وقد احتفت به الجماهير وقد علا منها البكاء والصراخ ، ولما انتهوا إلى الجامع النبوي اخذت عقيلة آل أبي طالب بعضادتي باب المسجد ، وجعلت تخاطب جدها الرسول (ص) قائلة :

«يا جداه إني ناعية إليك أخي الحسين»(1) .

وخلدن بنات رسول اللّه الى الحزن فأقمن الماتم على سيد الشهداء وليسن السواد وأخذن يندبنه بأقسى واشجى ما تكون الندبة.

مكافأة الحرس :

وشكرن العلويات رئيس الحرس الذي قام برعايتهن من دمشق الى يثرب فقد قام لهن بخدمات جليلة تقضي مكافأته فقالت فاطمة بنت الامام امير المؤمنين لأختها زينب.

«لقد أحسن هذا الرجل إلينا فهل لك أن نصله بشيء؟»

«واللّه ما معنا شيء نصله به إلا حلينا»

«نعم هو ما تقولين»

وأخرجتا سوارين ودملجين لهما ، وبعثنا بهما إليه ، واعتذرتا في أدب ، وتأثر الرجل من هذا الكرم الغامر وهو يعلم ما هن فيه من ضيق

__________________

(1) مقتل المقرم (ص 472)

٤٢٦

شديد ، فرده إليهما وقال باحترام :

«لو كان الذي صنعت للدنيا لكان في هذا ما يرضيني ، ولكن واللّه ما فعلته الا للّه ولقرابتكم من رسول اللّه (ص)»(1)

حزن الامام زين العابدين :

وخلد الامام زين العابدين الى البكاء على أبيه ليلا ونهارا يقول الامام الصادق (ع) : ان جدي علي بن الحسين بكى على أبيه عشرين سنة ، وما وضع بين يديه طعام إلا بكى(2) وعذله بعض مواليه فقال له :

«إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين»

فقال له الامام برفق :

«يا هذا انما أشكو بثّي وحزني إلى اللّه ، واعلم من اللّه ما لا تعلمون ان يعقوب كان نبيا فغيب اللّه عنه واحدا من أولاده وعنده اثنا عشر ولدا وهو يعلم أنه حي فبكى عليه حتى ابيضت عيناه من الحزن ، واني نظرت الى أبى واخوتي وعمومتي وصحبي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني؟ واني لا أذكر مصرع بني فاطمة الا خنقتني العبرة ، وإذا نظرت إلى عماتي واخواتي ذكرت فرارهن من خيمة الى خيمه»(3) .

ويزداد وجيب الامام ، وتتضاعف آلامه حينما كان ينظر إلى ديار أهله ، وهي خالية موحشة تنعى أهلها ، فقد رحلت عنها تلك الكواكب التي كانت تضيء للناس حياتهم الفكرية والاجتماعية ، وفيها يقول الشاعر :

__________________

(1) تاريخ الطبري 6 / 266 ، ابن الأثير 3 / 300

(2) الامام زين العابدين لأحمد فهمي (ص 31)

(3) مقتل المقرم (ص 47) وقريب منه جاء في حلية الأولياء 3 / 138

٤٢٧

مررت على أبيات آل محمد

فلم أر مثلها يوم حلت

فلا يبعد اللّه الديار وأهلها

وإن اصبحت منهم برغم تخلت

وفيها يقول دعبل الخزاعي :

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

لوعة الهاشميين :

وحزن الهاشميون على سيد الشهداء كأشد ما يكون الحزن واللوعة فاستمروا في النياحة عليه ثلاث سنين وكان مسور بن مخرمة وابو هريرة والمشيخة من أصحاب رسول اللّه يأتون متسترين فيستمعون ندبتهم ، ويبكون بكاء مرا(1) .

حزن العقيلة :

وخلدت عقيلة آل أبي طالب الى البكاء والنياحة على انقراض أهلها(2) وكانت لا تجف لها عبرة ، ولا تفتر عن البكاء ، وكلما نظرت الى ابن اخيها زين العابدين يزداد وجيبها وحزنها(3) وقد نخبت المصائب قلبها حتى صارت كأنها جثة هامدة ، ولم تبق بعد الكارثة الا سنتين حتى سمت روحها الى الرفيق الأعلى.

__________________

(1) دعائم الاسلام 1 / 230

(2) الوافي في المسألة الشرقية 1 / 43

(3) مقتل الحسين لعبد اللّه

٤٢٨

لوعة الرباب :

ووجدت عليه زوجته الرباب وجدا شديدا ، وحزنت عليه حزنا عميقا ، وقد ابدت من الوفاء ما لم ير مثله ، وقد خطبها الاشراف من قريش فأبت وقالت : ما كنت لاتخذ حموا بعد رسول اللّه (ص) وبقيت بعده سنة لم يظلها سقف حتى ماتت كمدا(1) ويقول المؤرخون انها رثته رثاء حزينا فقالت فيه.

ان الذي كان نورا يستضاء به

بكربلاء قتيل غير مدفون

سبط النبي جزاك اللّه صالحة

عنا وحبيت خير الموازين

قد كنت جبلا صعبا الوذ به

وكنت تصحبنا بالرحم والدين

من لليتامى ومن للسائلين ومن

يغني ويأوي إليه كل مسكين

واللّه لا ابتغي صهرا بصهركم

حتى اغيب بين الرمل والطين(2)

ويقول بعض المؤرخين إنها اقامت على قبره الشريف سنة ثم انصرفت وهي تقول :

الى الحول ثم السلام عليكما

ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

وهذا القول بعيد فان العائلة الحسينية بعد اليوم العاشر كلها رحلت من كربلا ، ولم يتخلف احد منها حسب ما اجمع عليه المؤرخون.

وبلغ من وفاء ازواجه ان زوجته السيدة عاتكة بنت زيد بن عمرو ابن نفيل كانت تنوح عليه ، وقد رئته بذوب روحها قائلة :

__________________

(1) تاريخ ابن الأثير 3 / 300 ، جواهر المطالب (ص 141)

(2) الاغاني 14 / 158

٤٢٩

وا حسينا فلا نسيت حسينا

اقصدته اسنة الأعداء

غادروه بكربلاء صريعا

لا سقى الغيث بعده كربلاء(1)

احزان أم البنين :

وخلدت أمّ البنين الى البكاء والنياحة على ابنائها البررة الذين استشهدوا مع اخيهم الحسين فقد نخب الحزن قلبها ، وراحت تبكيهم بذوب روحها ويقول بعض المؤرخين : انها كانت تخرج الى البقيع فتندبهم بأشجى وأوجع ما تكون الندبة ، وكان الناس يجتمعون حولها فيسمعون رثاءها الحزين لابنائها فيبكون ، وكان ممن يجيء لذلك مروان بن الحكم فيتأثر على قساوة قلبه وشدة عداوته لأهل البيت(2) وقد نفى المحقق العلامة المغفور له السيد عبد الرزاق المقرم أن تكون أم البنين حية بعد كارثة كربلا ، وانها توفيت قبل ذلك(3) وقد صرح ابو الفرج وغيره من المعنيين بهذه البحوث بأنها كانت حية.

مصير الرأس العظيم :

وانطوت السنون والاجيال والناس يتساءلون بلهفة أين دفن رأس الحسين؟ بعد ما أصبح جسده الطاهر مزارا في كربلا يطيف به الناس

__________________

(1) معجم البلدان 4 / 244

(2) مقاتل الطالبيين

(3) مقتل الحسين (ص 420 ـ 224)

٤٣٠

متفقين ومختلفين ، وقد كثرت أقوال المؤرخين في المكان الذي حظي به وهذه بعضها :

1 ـ في كربلا :

والمشهور عند الشيعة الامامية ان الرأس العظيم اعيد الى كربلا ، ودفن مع الجسد الطاهر ، وقد ذكر السيد رضي الدين علي بن طاوس ان عمل الطائفة على ذلك(1) وممن نص على ذلك المجلسي(2) وابن نما(3) كما اشتهر ذلك عند فريق كبير من علماء السنة منهم الشبراوي(4) وابن الجوزي(5) والبيروني(6) والقزويني(7) وغيرهم ومما لا شبهة فيه ان علماء الشيعة الامامية معنيون بالاهتمام والبحث عن هذه الجهة اكثر من غيرهم ، فهم ادرى بواقع الحال واكثر وقوفا عليه من أي باحث آخر.

أما كيفية نقل الرءوس الشريفة الى كربلا ودفنها مع الاجساد الطاهرة ففيما نحسب انه يحتمل أحد أمرين :

الأول ـ ان الامام زين العابدين التمس من يزيد أن يسمح له

__________________

(1) اللهوف (ص 112)

(2) البحار ، اعلام الورى

(3) مثير الاحزان (ص 58)

(4) الاتحاف بحب الأشراف (ص 12)

(5) تذكرة الخواص (ص 150)

(6) الآثار الباقية 1 / 331

(7) عجائب المخلوقات (ص 67)

٤٣١

بذلك فاجابه إليه ، وقد اخذ يزيد يتطلب مرضاة الامام بعد ان نقم عليه عليه المسلمون وكرهوا خلافته ، وعلى هذا فيطرح ما روي ان الامام (ع) لما طلب منه ان يريه وجه أبيه فلم يجبه إلى ذلك ، ويحتمل انه أجابه إليه بعد رفضه.

الثاني ـ ان الامام زين العابدين طلب من حاكم المدينة حينما حملت إليه الرءوس أن يواريها مع الأجسام فأجابه الى ذلك ، فأخذها ورجع الى كربلا وواراها مع الاجساد الطاهرة.

2 ـ في البقيع :

وذهب فريق من المؤرخين الى ان الرأس الشريف دفنه حاكم المدينة في البقيع الى جانب أمه (ع)(1) .

3 ـ في النجف :

واثرت مجموعة من الاخبار عن الامام الصادق (ع) تنص على أن الرأس الشريف دفن في الغري ، وهذه بعضها :

1 ـ روى عمرو بن طلحة قال : قال لي أبو عبد اللّه (ع) :

وهو بالحيرة أما تريد ما وعدتك قلت : بلى ـ يعني الذهاب الى قبر امير المؤمنين (ع) قال فركب وركب اسماعيل وركبت معهما حتى اذا جاز الثوية وكان بين الحيرة والنجف عند ذكوات بيض نزل ونزل اسماعيل

__________________

(1) شذرات الذهب 1 / 67 ، مرآة الجنان 1 / 146 ـ 136 ، البداية والنهاية 8 / 204 ، وسيلة المال (ص 194) المنتظم.

٤٣٢

ونزلت معهما فصلى وصلى اسماعيل وصليت فقال لإسماعيل : قم فسلم على جدك الحسين ، فقلت ، جعلت فداك أليس الحسين بكربلاء؟ فقال : نعم ، ولكن لما حمل رأسه سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين(1) .

2 ـ روى ابان بن تغلب قال : كنت مع أبي عبد اللّه (ع) فمر بظهر الكوفة فصلى ركعتين ثم تقدم قليلا فصلى ركعتين ، ثم سار قليلا فنزل فصلى ركعتين ، ثم قال هذا موضع قبر امير المؤمنين ، قلت : والموضعين اللذين صليت فيهما قال : موضع رأس الحسين وموضع منزل القائم(2) .

3 ـ روى علي بن اسباط بسنده قال : قال ابو عبد اللّه (ع) : إنك اذا أتيت الغري رأيت قبرين قبرا كبيرا وقبرا صغيرا ، اما الكبير فقبر امير المؤمنين (ع) وأما الصغير فرأس الحسين (ع)(3) .

هذه بعض الأخبار التي تصرح بأن الرأس الشريف قد دفن في الغري ولكن التعبير في بعضها بأنه موضع الرأس لا يدل على أنه قد دفن فيه.

4 ـ في دمشق :

وذهب جمهور من المؤرخين الى أن الرأس الشريف قد دفن في دمشق ، وقد اختلفوا في المكان الذي حظي به وهذه بعض الأقوال :

__________________

(1) وسائل الشيعة 10 / 310

(2) فروع الكافي 4 / 572

(3) وسائل الشيعة 10 / 311

٤٣٣

أ ـ ذفن في حائط بدمشق

ب ـ في دار الامارة

ج ـ في المقبرة(1)

د ـ في داخل باب الفراديس ، ويعرف بمسجد الرأس(2)

ه‍ ـ في جامع دمشق(3)

وهناك أقوال أخر غير هذه

5 ـ في فارس :

ذكر ذلك احمد عطية(4) وهو قول شاذ لم يذكره أحد من المؤرخين.

6 ـ في مصر :

وذهب بعض المؤرخين إلى أن الرأس الشريف قد حظيت به القاهرة أما كيفية نقله لها ففيها قولان :

1 ـ ما ذكره الشعراني أن العقيلة زينب (ع) نقلته الى مصر ودفنته فيه(5) وهذا القول شاذ لا يعول عليه.

__________________

(1) انساب الأشراف ق 1 ج 1

(2) البداية والنهاية 8 / 204

(3) تأريخ الصحابة (ص 14) لابن حيان احمد التميمى مخطوط

(4) دائرة المعارف الحديثة (ص 152)

(5) الطبقات 1 / 23

٤٣٤

2 ـ ما أفاده المقريزي انه نقل من عسقلان إلى مصر سنة (548 هـ) في اليوم العاشر من شهر جمادى الآخرة ، وقد نقله سيف المملكة مع القاضي المؤتمن بن مسكين ، وجرى له استقبال ضخم(1) .

هذه بعض الأقوال التي ذكرت في مواراة الرأس العظيم ، وقد شيد في اغلبها مزار يطوف به المسلمون ، وهو من مواضع الاعتزاز والفخر لكل بلد حظي بهذه النسبة.

وعلى أي حال فالحسين قائم في عواطف الناس وقلوبهم ففي اعماق النفوس قبره وذكره فهو اسمى صورة قدسها الناس في جميع الأحقاب والآباد.

وقد سئل أبو بكر الآلوسي عن موضع رأس الحسين فقال :

لا تطلبوا رأس الحسين

بشرق أرض أو بغرب

ودعوا الجميع وعرجوا

نحوي فمشهده بقلبي(2)

وقال الحاج مهدي الفلوجي :

لا تطلبوا رأس الحسين فانه

لا في حمى ثاو ولا في واد

لكنما صفو الولاء يدلكم

في أنه المقبور وسط فؤادي(3)

لقد احتل الامام الحسين عليه السلام مشاعر الناس وثوى في أفئدتهم فهاموا في حبه وتقديسه ، وقد فجعوا بما جرى عليه من عظيم الرزايا والخطوب ، وظلت رزيته تنخر في القلوب ، وتذوب النفوس من هولها

__________________

(1) نور الابصار (ص 121).

(2) البابليات 3 / 128

(3) شعراء الحلة 5 / 371

٤٣٥

أسى وحزنا ، وهم يحجون لكل مرقد يحمل شرف الانتساب بأنه مرقد رأس الامام عليه السلام ، وقد ازدحم المرقد العظيم بالقاهرة بالزائرين وهم يتبركون به ، ويعدون زيارته من أفضل الطاعات والقربات إلى اللّه تعالى.

٤٣٦

معطيات الثّورة

٤٣٧
٤٣٨

وليس في تاريخ هذه الدنيا ثورة هزت العالم ، ومجدت الحق ، وسجلت فخرا للانسان مثل ثورة الامام الحسين ، فجميع فصولها نور ، وكل آفاقها شرف ومجد ، وقد حفلت بالدروس الخالدة عن العقيدة التي لا تضعف ، والايمان الذي لا يقهر ، والإباء الذي لا يذل. وقد فتحت لأمم العالم وشعوب الأرض عصرا جديدا اتسم بروح الثورة والتمرد على الظلم والطغيان ، ومقاومة الاضطهاد ومناهضة الفساد :

لقد كانت ثورة ابي الأحرار هي الثورة الاولى في التاريخ البشري وذلك بما حققته من المكاسب على الصعيد الفكري والاجتماعي والسياسي والتي كان من بينها.

انتصار القضية الاسلامية :

واحرز الامام العظيم بشهادته النصر الهائل الذي لم يحرزه أي ثائر في الأرض فقد انتصرت أهدافه ومبادئه التي ناضل من اجلها ، وكان من أهمها انتصار القضية الاسلامية في صراعها السافر مع الأموية التي عبثت بمقدرات الاسلام ، وراحت تستأصل جميع جذوره حتى لا يعد له أي ظل على واقع الحياة ، وقد اخذ الحسين على عاتقه مصير الدين الاسلامي فاستشهد في سبيله ، وقد اعاد سلام اللّه عليه للاسلام نضارته ، وأزال عنه الخطر الجاثم عليه ، يقول الفيلسوف الألماني ماريين : «لا يشك صاحب الوجدان اذا دقق النظر في أوضاع ذلك العصر وكيفية نجاح بني أمية في مقاصدهم ، واستيلائهم على جميع طبقات الناس وتزلزل المسلمين ان الحسين قد أحيا بقتله دين جده وقوانين الاسلام ، ولو لم تقع تلك الواقعة ، ولم تظهر تلك الحسيات الصادقة بين المسلمين ولو لا قتل الحسين لم يكن الاسلام على ما هو عليه قطعا ، بل كان من الممكن ضياع

٤٣٩

رسومه وقوانينه حيث كان يومئذ حديث العهد» :

ويكفي الحسين ربحا في شهادته انه احيا الاسلام وفداه بدمه ، وقد المع الى ذلك الامام زين العابدين حينما سأله ابراهيم بن طلحة بن عبد اللّه فقال له :

«من الغالب؟»

(اذا دخل وقت الصلاة فاذن واقم تعرف الغالب»(1)

لقد كان الحسين هو المنتصر والغالب لأنه اعاد للاسلام حياته ونضارته فكان هو المجدد ولعل الرسول الأعظم (ص) عنى هذه الجهة بقوله :

«حسين مني وأنا من حسين»

انه لو لا تضحية الحسين (ع) أضاعت جميع جهود الرسول (ص) وما جاء به من خير وبركة ورحمة للناس فان بني أمية حملوا معول الهدم على جميع المبادئ التي جاء بها هذا الدين فاعلنوا الكفر والالحاد وساسوا الناس بسياسة لا ظل فيها لحكم القرآن.

هزيمة الأمويين :

وكان من أوليات ما احرزه الامام من الانتصارات الرائعة هزيمته للامويين ، فقد نسفت تضحيته جميع الأسس والقواعد التي اقامها معاوية لتوطيد الملك في آل أبي سفيان ، يقول بعض الكتاب : «ان ما بناه معاوية لابنه يزيد في اعوام هدمه الحسين في أيام ، ونظر الناس الى الخليفة نظرة الافن والاستهتار فنفر المسلمون من سياسته ، ولصوق هذا بدولتهم ووسمه الواسمون بسمات الخديعة والمكر والظلم والجور ، وذلك كله

__________________

(1) أمالي الشيخ الطوسي

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460