شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار الجزء ١

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار11%

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 502

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 502 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187613 / تحميل: 9844
الحجم الحجم الحجم
شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار الجزء ١

مؤلف:
العربية

شرح الأخبار

 في

 فضائل الائمة الاطهار

للقاضي أبي حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي

١
٢

بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على القائل « النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لامّتي » وعلى عترته الطيّبين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.

من الواضح المعلوم أنّ الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين أمناء الله على عباده وخلفاؤه في أرضه وهم السبل الواضحة التي تهتدي بها البشريّة وسفن النجاة التي لا يغرق من ركبها وهم معادن علم الله ومحطّ بركاته لا يعرف فضلهم ولا تدرك منزلتهم ولا يوصف ثناؤهم ، ولا يسع لأحد التعرّف عليهم بما هم إلاّ الله ورسوله. ولذالك نرى القرآن الكريم أبان فضلهم وعرّف قدرهم وبيّن مقامهم وأظهر شأنهم ومن جهة أخرى قام الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببيان مقامهم في ضمن أحاديث كثيرة جمعها أرباب الحديث في تصانيفهم وأخذ كلّ بقدر وسعة منها وسردها في كتابه ، منهم القاضى النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيّون الإماميّ المذهب في كتاب سمّاه بـ « شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار » وهو لم يطبع بعد بهذا الكيفية ، وقد قام العلاّمة السيّد محمّد الجلالي بتحقيق هذا الكتاب وتصحيحه ومقابلته مع نسخ خطّية متعدّدة فجزاه الله خير الجزاء وجعله من أحسن موالي البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام.

وقد قامت المؤسّسة ـ بحمد الله ومنّه ـ بطبع ونشر هذا السفر الشريف كي تتعرّف الأمّة الإسلاميّة أكثر على فضائل ومناقب آل الرسولعليهم‌السلام ، سائله المولى عزّ وجلّ لها وللسيّد المحقّق التوفيق لخدمة الإسلام ونشر علوم أهل البيت إنّه سميع مجيب.

مؤسّسة النشر الإسلامي

التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة

٣

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أفضل رسله وأشرف بريّته أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين واللعنة الدائمة على أعدائهم ومخالفيهم ومنكري فضائلهم من الآن إلى قيام يوم الدين. آمين يا ربّ العالمين.

٤

مقدّمة المحقّق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحقائق التاريخية هي منتهى آمال الباحثين ومطمح انظار المحققين ، فمن خلال الدراسة والتحقيق يتمّ التعرف على مدى ثقافة وعظمة الامم السالفة لمعرفة وتثمين وتقصّي النقاط الإيجابية منها. بيد أن الدوافع المادية والنزعات القبلية لذوي النفوس الشريرة فرضت بأساليب مختلفة وطرق متباينة من ترغيب وترهيب وتطميع وتعذيب لتدوين التاريخ المتداول ملائما لميولها ومنسجما مع أغراضها ومجانسا لمآربها ومشبعا لرغباتها ، فلو كان التاريخ على حقيقته لكشف لنا الكثير من نتائج المعادلات المجهولة التي لو كانت لدينا لحصلنا واكتسبنا مزيدا مما نروم إليه في حياتنا العملية وتعاملنا وتفاعلنا مع الحوادث والافراد والامم بالشكل الموضوعي الموصل بالمجتمع الى الخير والسعادة والتقدم والازدهار وتجنبنا المزيد من عوامل التخلف والشقاء والتفرق ، ومن البديهي ـ الغير القابل للجدل ـ أن يحاول المستبدون والجبابرة والمستعمرون بالإضافة الى طمس المعالم الخلقية والظواهر الطيبة والبوادر الخيرة لأجل تمرير أحقادهم وتسييب شعوبهم وتحكيم موقعهم منطلقين من مبادئهم وآرائهم التي تمخّضت عن تلكم النتائج البغيضة ، فرغم توليد الأحقاد وتباعد الشعوب والأفراد حرمان الأجيال القادمة من الارتواء من معرفة أسلافهم إلا النزر القليل الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ، وأوضح مصداق واكبر برهان لما

٥

ذكرنا ما عاناه أهل البيتعليهم‌السلام الذين جعلهم الله نبراسا ومنارا وملاذ لنا لنقتدي بهم ونتمسك بحبلهم ونلجأ إليهم ونستلهم من سيرتهم ، وهم الذين ارتضاهم الله وخصّهم بقوله : «إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً »(١) .

من ذوي النفوس الخبيثة والمآرب الشريرة ـ كذوي الأعين المصابة بالرمد ـ آلوا على أنفسهم وشدوا العزم على إطفاء هذا النور الساطع والضياء المنتشر ، ليدوم سلطانهم ودولتهم بل لم يكتفوا بالقتل والتشريد والتعذيب والتنكيل حتى شمّروا عن سواعدهم وبذلوا أقصى الجهود وصرفوا اكثر ما في وسعهم لقلب الحقائق وتشويه الصور وتعكير الأجواء ، ففي أربعين عاما من أيام التاريخ الإسلامي كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يسبّ على منابر المسلمين في خطب الجمعة وغيرها وتلصق به أنواع التهم والإفترءات ، وقتل حتى من يحتمل موالاته ومحبته لعليعليه‌السلام ، حتى أن الحجاج أمر باحراق محلة بما فيها لأجل اختفاء موال فيها. و و ولكن ما أسرع أن تبدد الظلام ولاح نور الصباح في الافق وبانت الحقيقة وظهر الحق رغم قسره على الاختفاء. مصداقا لوعده وهو أصدق القائلين «وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ». والكتاب الذي بين يديك من تلك المظاهر مما حدى بي الى اختياره للتحقيق. وقد كانت منذ أمد بعيد تساورني هواجس وخلجات تحفزني فكرة تأليف سفر في هذا المعنى ، ولما وجدت هذا الكتاب موفيا لرغبتي زاد شوقي إليه ، وبادرت الى تحقيقه واخراجه الى عالم الطباعة.

__________________

(١) الاحزاب ٣٣.

٦

نسخ الكتاب :

إنه من الكتب العزيزة النزيرة النسخ ، ولعل السبب في ذلك إضافة الى تعدد أجزائه ، وتفرقة في البلاد هو قلة الناسخين له ، فلم يتعدّ ناسخوه المعدودين بالاصابع المنتمين الى الفرقة الإسماعيلية التي تحرص أشدّ الحرص للحفاظ على كتبها لئلا يطّلع عليها من هو خارج عن هذه الفرقة. ورغم ذلك فقد حاولت حثيثا وجهدت مليا حتى حصلت على جميع أجزاء الكتاب من بلدان عديدة في العالم. فهناك أجزاء وجدت في المكتبات الاوربية صوّرها وأرسلها لي مشكورا الأخ العلاّمة الحاج السيد محمد حسين الحسيني الجلالي دام توفيقه من امريكا وهناك أجزاء عثرت عليها في مكتبة جامعة طهران ، وهناك أجزاء خطية ومصوّرة وقفت عليها في مكتبة السيد المرعشي بقم ـ ولعل اكمل مجموعة من أجزاء الكتاب هي ما وقفت على مصوّرتها أخيرا في مكتبة السيد المرعشي دام ظله ـ.

وأمّا النسخ التي اعتمدنا عليها في تحقيق الكتاب فهي :

١ ـ نسخة جامعة طهران :

تحتوي على الأجزاء ١ ـ ٧ في ٢١٦ صفحة بمقياس ٢١ * ١٥ سم. وفي كل صفحة ٢١ سطرا.

وهذه النسخة كانت لدى الميرزا النوري ـ صاحب مستدرك الوسائل ـ ثم انتقلت الى السيد محمّد مشكاة الذي أهداها بدوره الى مكتبة جامعة طهران في سنة ١٣٢٨ هجرية.

وقد ذكرها الميرزا النوري في مستدرك الوسائل ٣ / ٣٢١ بقوله : عثرنا بحمد الله تعالى على نسخة عتيقة منه إلا أنه ناقص من أوله وآخره ، أظنه أوراق

٧

يسيرة.

وفي الحقيقة أن الساقط من الكتاب ـ نسخة الجامعة ـ ما يقارب النصف الأول من الجزء الأول ، ومن آخره هو اكثر من نصف الكتاب ـ أي تسعة أجزاء ـ ، ولعل السبب في توهم العلاّمة النوري ـ ره ـ بأن الساقط أوراق يسيرة هو الكتابة الموجودة على صفحة الغلاف ، من أن الساقط من الكتاب هو ثلاثة أوراق.

وهذه النسخة محفوظة في مكتبة جامعة طهران برقم ٩١٦. وقد رمزنا لها بالحرف الألف.

٢ ـ نسخ مكتبة السيد المرعشي :

أ ـ نسخة خطية تحتوى على الأجزاء ١ ، ٢ ، ٤ ، ٦ بخط محمّد بن يوسف علي وهو برقم ٤٢٠٢ ، وعدد صفحات هذه النسخة ٢٧٨ صفحة بمقياس ١٤ * ٥ / ٨ سم ، وفي كل صفحة ١٧ سطرا.

وقد رمزنا لها بالحرف ـ ب ـ.

ب ـ نسخة خطية في مجلّدين برقم ٣٧٣١ و ٣٧٥١ تحتوى على الأجزاء ٥ ، ٦ ، ٧ ، ٨ بخط حسين بن عبد العلي المباركفوري الأعظمي.

والمجلّد الأول المرقم ٣٧٣١ يحتوي على الجزءين ٥ و ٦ وهو مؤرخ بتاريخ ١٣١٦ هجرية والمجلّد الثاني المرقم ٣٧٥١ يحتوي على الجزءين ٧ و ٨ مؤرخ بتاريخ ١٣٥٠ هجرية.

وتقع هذه النسخة في ٣٠٦ صفحة بمقياس ٨ * ١٥ سم وفي كل صفحة ١٢ سطرا.

وقد رمزنا لهذه النسخة بالحرف ـ ج ـ.

٣ ـ نسخة مصورة محتوية على الأجزاء ١ ، ٢ ، ٤ ، ٦ ، ٧ وتقع في ٢٢٧

٨

صفحة بمقياس ٥ / ٢١ * ١١ سم وفي كل صفحة ٢٣ سطرا تقريبا.

وهذه النسخة مجهولة التاريخ والناسخ إلا أنها تمتاز بكونها مشكولة ، وعليها عدة بلاغات مما يدل على مقابلتها وتصحيحها.

وقد رمزنا لهذه النسخة بالحرف ـ د ـ.

٤ ـ نسخة مصورة اخرى تحتوى على الأجزاء ٩ ـ ١٢ في ٢٦٧ صفحة بمقياس ٥ / ١٣ * ٥ / ٧ سم وفي كل صفحة ١٦ سطرا.

وهذه النسخة مجهولة الناسخ والتاريخ إلا أن عليها تملكا نصّه : مما منّ الله به على عبدوليه ( كلمة لا تقرأ ) بن الشيخ الفاضل الحاج حبيب الله.

وقد رمزنا لهذه النسخة بالحرف ـ هـ ـ.

٥ ـ نسخة مصورة ـ ثالثة ـ تحتوى على الأجزاء ٦ ـ ١٠ في ٢١٧ صفحة بمقياس ١٣ * ٨ سم ، وفي كل صفحة ١٣ سطرا مؤرخة ١١١٦ هجري وعليها تملّك محمد علي بن فتح بهائي بن سليمان حي بهائي ساكن سكندرپور في محلة كوثر. كما ورد على ظهر النسخة. وهي من كتب الجمعية الاسماعيلية بلندن تحت الرقم ٥٨٤٥.

وقد رمزنا لهذه النسخة بالحرف ـ و ـ.

٦ ـ نسخة مصورة ـ رابعة ـ تحتوى على الأجزاء ١٣ ـ ١٦ في ٢٨٥ صفحة بمقياس ١٤ * ٥ / ٨ سم وفي كل صفحة ١٥ سطرا.

والنسخة الخطية مؤرخة سنة ١٢٩٥ هجرية محفوظة في الجمعية الاسماعيلية في بمبئي برقم ١٦٧ الف و ١٢٩ ـ ن ـ.

وقد رمزنا لهذه النسخة بالحرف ـ ز ـ.

٧ ـ نسخة مصورة ـ خامسة ـ تحتوي على الجزءين : ١٣ و ١٤ في ١٥٥ صفحة ١٥ * ٥ / ٩ سم وفي كل صفحة ١٥ سطرا. أرسلها سماحة العلاّمة الأخ السيد محمّد حسين الجلالي وهي نسخة جامعة لندن غير مؤرخة برقم ٢٥٤٣٢. وعلى

٩

النسخة تملّك نصّه : ملك طيب علي ملاجيوا بهائي. وقد ضبط فيضي كلمة : ( ملاچى ) ، وقال : إنها اسرة معروفة لدى طائفة البهرة الداودية لما لها من مكانة علمية متوارثة. ( كما جاء في مقدمة الدعائم ١ / ١٨ / ط / القاهرة ١٢٨٩ هـ ) وعلى النسخة أبيات تدعو الى محبة نجم الدين الداعي وهو نجم الدين بن زكي الدين المتوفى سنة ١٢٣٢ هجرية.

وقد رمزنا لهذه النسخة بالحرف ـ ح ـ.

ولدينا نسخة مطبوعة من الجزء الخامس عشر ـ طبعة إيفانوف ـ غير أن هذه الطبعة منتخب من الجزء الخامس عشر طبعت عام ١٩٤٢ م بمطبعة اوكسفورد ضمن سلسلة البحوث الإسماعيلية وتقع في ٣٤ صفحة.

عملنا في الكتاب :

إن هذا الكتاب من الكتب النادرة ، وقد انفرد القاضي بإيراد روايات عزيزة لم نقف عليها في مصادر اخرى. أضف الى ذلك وجود روايات اخرى لم تكن من السهل العثور عليها في المصادر الحديثية الموجودة بأيدينا لأجل تقطيعها أو ذكر محل الحاجة منها ، ومع ذلك استقصينا الجهد في تخريج الروايات وشرح الغريب من ألفاظها بالاعتماد على المصادر الكثيرة والمراجع اللغوية. وألحقنا بكل جزء من أجزاء الكتاب ملحقا بعنوان ـ تخريج الأحاديث ـ وذكرنا فيه شواهد الروايات التي أوردها المؤلف ومتابعاتها كما حاولنا ذكر المزيد من المؤيدات لتلك الروايات اعتمادا على امّهات المراجع من كتب العامة والخاصة مع تقديم كل نصّ أقرب لما ذكره المؤلف. وذكرنا أسانيدها بايراد أسماء الرواة دون التعرض الى ما لا يلزم ذكره من قبيل الالقاب والكنى ، ومراعات عدم الإطالة والتكرار.

وقد قمنا أساسا في التحقيق بعد ضبط النصّ ومقابلته مع النسخ المتوفّرة

١٠

والمصادر الاخرى بما يلي :

أ ـ ترقيم الأحاديث بالتسلسل وفق ما وجدناه في النسخ المستحضرة لتحقيق الكتاب.

ب ـ جعل ما سقط من نسخة الأصل ووجدناه في النسخ الاخرى بين قوسين ، وما وجدناه في المصادر الاخرى ضمن معقوفتين هكذا [ ].

ج ـ الإشارة الى اختلاف الكلمات أو الجمل الموجودة بين النسخ في الهامش.

د ـ تبديل الكلمات التي وردت في تضاعيف الكتاب الى الرسم المتداول كالزكاة والصلاة الى الزكاة والصلاة.

هـ ـ تبديل ما رمز إليه في بعض النسخ من عبارات الإجلال والتعظيم للفظ الجلالة والصلاة على النبيّ والائمة والترضية على الصحابة الكرام بالعبارات الصريحة.

وختاما أسأل المولى القدير أن يوفقنا لما يحبّ ويرضى إنه سميع مجيب.

محمّد الحسينيّ الجلالي

شهر رمضان المبارك ١٤٠٧ هـ

١١

١٢

١٣

١٤

١٥

١٦

المؤلّف والكتاب

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

شارك المؤلّف أبو حنيفة النعمان الشيعي ـ المتوفّى سنة ٣٦٣ هـ ـ في الدعوة الفاطمية في مهدها بالمغرب ، وقام بتأصيل اصولها حتى أصبحت الدعوة تعتمد على النشاط الفكري للمؤلّف بقدر اعتمادها على النشاط السياسي للخلفاء الفاطميين.

ولدوره البارز في الدفاع عن حريم التشيّع اعتبرته بعض المصادر الشيعية إماميا اثنا عشريا ، بالرغم من كثرة مؤلّفاته التي تعتبر مصدر عطاء للمذهب الاسماعيلي ، ولا يزال أتباع المذهب الاسماعيلي يعبّرون عنه بألفاظ التجليل التي لا يصفون غيره بها ، كألفاظ « سيّدنا الأوحد » و « القاضي الأجل » و « سيّدنا القاضي ».

وبالرغم من انغلاق أبواب المكتبة الاسماعيلية في وجه الباحثين لعوامل التقيّة التي أصبحت متأصّلة في نفوسهم وحرمت العلم من أصحابه فقد تمكّن الأخ السيّد محمد الحسينيّ الجلالي ـ حفظ الله ـ بسعيه الحثيث أن يجمع أفراط هذا الكتاب « شرح الأخبار في فضائل الائمة الأطهار » من مختلف المكتبات ويقدمها سلسلة منضودة كاملة.

ترجمة المؤلّف :

هو أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيّون ، واتفقت

١٧

المصادر على وصفه بالفضل والعلم والنبل ، وصرّحت بتولّيه القضاء ، وانفرد ابن العماد الحنبلي ( ت / ١٠٨٩ هـ ) على نسبته الى التشيّع ظاهرا والزندقة باطنا ، وهو نابع من الخلاف المذهبي.

وقال معاصره المعز لدين الله ( ت / ٣٦٥ هـ ) رابع خلفاء الفاطميين : « من يؤدّي جزء ممّا أدّاه النعمان أضمن له الجنّة بجوار ربّه »(١) .

ووصفه ابن زولاق الحسن بن إبراهيم الليثي ( ت / ٣٨٧ هـ ) بقوله : « في غاية الفضل من أهل القرآن والعلم بمعانيه ، وعالما بوجوه الفقه وعلم اختلاف الفقهاء واللغة والشعر والعقل والمعرفة بأيام الناس مع عقل وانصاف »(٢) .

أمّا الأمير المختار عزّ الملك محمد الكاتب المسيحي فوصفه بقوله : « كان من أهل العلم والفقه والرأي والنبل على ما لا مزيد عليه وله عدّة تصانيف »(٣) .

وقال عنه محمد بن علي بن شهرآشوب ( ت / ٥٨٨ هـ ) : « ابن فياض القاضي النعمان بن محمد ليس بإمامي وكتبه حسان »(٤) .

وابن خلكان ( ت / ٦٨١ هـ ) قال : « أحد الائمة الفضلاء المشار إليهم وكان مالكيّ المذهب ثم انتقل الى مذهب الامامية »(٥) .

واليافعي ( ت / ٧٦٨ هـ ) قال : « كان من أوعية العلم والفقه والدين »(٦) .

وابن حجر أحمد بن علي العسقلاني ( ت / ٨٥٢ هـ ) قال : « كان مالكيا ثم

__________________

(١) عن عيون الأخبار : للداعي إدريس ، راجع أعلام الاسماعيلية : ص ٥٩.

(٢) ابن خلكان : ٥ / ٤١٦ ، ويراجع البداية والنهاية.

(٣) وفيات الأعيان : ٥ / ٤١٥.

(٤) معالم العلماء : ص ١٢٦.

(٥) وفيات الأعيان : ٥ / ٤١٥.

(٦) مرآة الجنان : ٢ / ٢٧٨.

١٨

تحوّل إماميا وولّي القضاء للمعزّ العبيدي صاحب مصر وصنّف لهم التصانيف على مذهبهم ، وفي تصانيفه ما يدل على انحلاله »(١) .

والداعي إدريس عماد الدين القرشي ( ت / ٨٧٢ هـ ) يقول : « إن النعمان كان في مكانة رفيعة جدا قريبة من الأئمة ، وأنه كان دعامة من دعائم الدعوة »(٢) .

وابن تغرى بردى يوسف ( ت / ٨٧٤ هـ ) يقول : « قاضي مملكة المعز ، وكان حنفيّ المذهب ، لأن المغرب كان يومذاك غالبه حنفية الى أن حمل الناس على مذهب مالك فقط المعر بن باديس »(٣) .

وابن العماد الحنبلي ( ت / ١٠٨٩ ) يقول : « القاضي أبو حنيفة الشيعي ظاهرا الزنديق باطنا قاضي قضاة الدولة العبيدية »(٤) .

هذا ولم يذكر المتأخّرون شيئا جديدا في وصف المؤلّف ، راجع الحرّ العاملي ( ت / ١١٠٤ هـ )(٥) ، وبحر المعلوم ( ت / ١٢١٢ )(٦) وشيخنا العلاّمة ( ت / ١٣٨٩ )(٧) ، ويعتبر ابن شهرآشوب ( ت / ٥٨٨ ) الوحيد الذي وصفه بابن الفيّاض ، ولم اهتد للوجه الصحيح لهذه النسبة سوى أن والد المؤلّف أبو عبد الله محمد القيرواني كان كما يقول ابن خلكان ( ت / ٦٨١ هـ ) : « قد عمّر ، ويحكي أخبارا كثيرة نفيسة » فاذا صحّ تلقّبه بالفيّاض ، والمؤلّف بابن الفيّاض ، وربّما

__________________

(١) لسان الميزان : ٦ / ١٦٧.

(٢) عن عيون الأخبار له ، راجع مقدّمة اختلاف اصول المذاهب ص ١٣ لمصطفى غالب.

(٣) النجوم الزاهرة : ٤ / ١٠٦.

(٤) شذرات الذهب : ٣ / ٤٧.

(٥) أمل الآمل : ٢ / ٣٣٢.

(٦) رجال بحر العلوم « الفوائد الرجالية » : ٤ / ٥.

(٧) نوابغ الرواة : ٤ / ٣٢.

١٩

عثر ابن شهرآشوب على مصدر لذلك ، فإن كتبه تشهد بأنه كان على اطّلاع واسع للمصادر التي لم تصل يد التتبّع إليها.

هذا واتفق المؤرخون على وفاة المؤلّف في سنة ٣٦٣ هـ ، ولكن لم ينصّ أحد منهم على تاريخ ولادته ، ممّا أدّى الى أعمال مجرّد الظنّ والحدس في نصّ ذكره المؤلّف في كتابه « المجالس » الذي يعتبر حافلا بالتواريخ الهامّة في الدعوة الإسماعيلية ، فقد قال : « وخدمت المهدي بالله [ ت ـ ٣٣٢ هـ ] من أواخر عمره تسع سنين وشهورا وأياما »(١) .

وحيث إن المهدي هو أول الخلفاء الفاطميين توفى في ١٤ ربيع الأول ٣٢٢ هـ فيكون تاريخ خدمة المؤلّف إيّاه في أواخر عام ٣١٢ هـ في عمر تؤهّله للخدمة ، ويصعب تحديد ذلك ، واذا قدرنا عمره آنذاك انه كان في العشرين من العمر فتكون ولادته حدود منه ٢٩٢ ه‍.

والمؤلّف يذكر في « المجالس » بعض الأعمال والوظائف التي قام بها والتي تعدّ قمّة المسئولية في عهد الخليفة المعز ، وإليك بعض التواريخ الهامّة في حياته.

٢٩٢ (؟ ) هـ حدود تاريخ ميلاده ٣١٣ ـ ٣٢٢ (؟ ) هـ تسع سنين وشهورا وأياما من أواخر عمر المهدي المتوفّى سنة ٣٢٢ هـ وبعده القائم.

وكان المؤلف ينقل « أخبار الحضرة إليهما في كلّ يوم طول تلك المدة إلا أقل الأيام »(٢) ولا أعرف بالضبط طبيعة هذه الوظيفة ، وربما تكون مجرد الخدمة أو المراقبة.

٣٢٢ ـ ٣٣٤ (؟ ) هـ في عهد الخليفة الثاني الفاطمي « القائم بأمر الله أبي القاسم محمد ( ت / ٣٣٤ هـ ) » كان المؤلّف يقوم بنفس دور

__________________

(١) المجالس : ص ٦٩.

(٢) المجالس : ص ٧٩.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

فمع قرب ابن حنبل من المتوكل وبعده عن أهل البيت (ع) لكن موجة الغضب العامة على المتوكل لهدمه قبر الحسين (ع) تجعله يشك في أقرب الناس اليه!

3. أبوهاشم الجعفري هو: داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم. وهو من كبار أصحاب الأئمة المعصومين (ع)، ولم يكن من خطهم الثورة كالزيديين، لكنهم كانوا يتضامنون مع الثائرين منهم إذا نُكبوا، ويدافعون عنهم. قال السيد الخوئي « 8 / 122 » : « أبوهاشم الجعفري (رحمه الله): كان عظيم المنزلة عند الأئمة (ع)، شريف القدر، ثقة، روى أبوه عن أبي عبد الله (ع). وقال الشيخ: داود بن القاسم الجعفري، يكنى أبا هاشم، من أهل بغداد، جليل القدر عظيم المنزلة عند الأئمة (ع)، وقد شاهد جماعة منهم: الرضا والجواد والهادي والعسكري وصاحب الأمر، وقد روى عنهم كلهم (ع). وله أخبار ومسائل، وله شعر جيد فيهم، وكان مقدماً عند السلطان وله كتاب، أخبرنا به عدة من أصحابنا ».

4. بنوطاهر وآل طاهر: هم أولاد طاهر بن الحسين وأقاربه، وهوقائد جيش المأمون في حربه مع أخيه الأمين، وهوالذي احتل بغداد وقتل الأمين. وقد أطلق المأمون يده في خراسان حتى عرفت بالدولة الطاهرية، كما أطلق يد آل طاهر في العراق، فكانت بغداد بيد إسحاق بن إبراهيم.

قال ابن الأثير في الكامل « 7 / 236 »: « وفيها « 235 » توفي إسحاق بن إبراهيم بن الحسين بن مصعب المصعبي وهوابن أخي طاهر بن الحسين، وكان صاحب

١٨١

الشرطة ببغداد أيام المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل. ولما مرض أرسل إليه المتوكل ابنه المعتز مع جماعة من القواد يعودونه، وجزع المتوكل لموته ».

وقال اليعقوبي « 2 / 488 »: « وقدم محمد بن عبد الله بن طاهر إلى بغداد من خراسان سنة 237، فصيَّر إليه ما كان إلى إسحاق بن إبراهيم ».

وبنوطاهر ليسوا خزاعيين، بل من موالي خزاعة، وأصلهم من أمراء فارس. قال العمري في أنساب الطالبين / 383: « وأما ابن طاهر فهومحمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب بن رزيق بن ماهان، أسلم جده رزيق على يد عبيد الله بن طلحة الطلحات الخزاعي، والي سجستان فنسب إليه ولقب بالخزاعي لهذا السبب، لا لانتمائه الى قبيلة خزاعة من جهة النسب.

وآل طاهر أسرة قديمة تنتسب الى أمراء الفرس الأولين، ويذكر منها في عالم الحرب والأدب والنجدة أفرادٌ كثيرون، وكان مصعب يتولى أعمال مَرْو مع أعمال هراة. وأول من نبغ من هذه الأسرة واشتهر في عهد بني العباس، طاهر بن الحسين بن مصعب، أبلى في خدمة المأمون أحسن بلاء وأخلص له ونصح في ولائه وتوطيد ملكه، فولاه خراسان وأطلق يده فيها، فأصبحت دولة طاهرية مستقلة في حكومتها، لا تربطها ببغداد الا خطبة المنبر.

وكان محمد بن عبد الله بن طاهر عظيم النفوذ في الدولة، تميل الخلافة حيث يميل ومات محمد في ذي الحجة من سنة 253 ، وهوالذي أنفذ جيشاً الى يحيى ».

ويظهر أن بني طاهر كانوا كأسيادهم العباسيين يعتقدون بصدق النبي (ص)، وبأنهم غصبوا سلطانه من أهل بيته (ع) وظلموهم وقتلوهم بغير حق.

١٨٢

فقد روى أبوالفرج أن محمد بن طاهر والي بغداد تشاءم من قتله يحيى بن عمر العلوي، فأرسل عائلته الى خراسان، لأنه كان يعتقد أن قتله لبني علي (ع) سيسبب زوال ملكه! « وأمر محمد بن عبد الله حينئذ أخته ونسوة من حرمه بالشخوص إلى خراسان، وقال: إن هذه الرؤس من قتلى أهل هذا البيت لم تدخل بيت قوم قط إلا خرجت منه النعمة، وزالت عنه الدولة، فتجهزن للخروج »! « مقاتل الطالبيين / 423 ».

وبالفعل جاءهم الشؤم في الصراعات الداخلية بين خلفاء بني عباس، ومات محمد بن عبد الله بن طاهر في حرب المعتز في أواخر سنة 253 : فـ « اشتد وجد المعتز عليه، وكان يرى أن الأتراك يهابونه من أجله ». « الأعلام: 6 / 222 ».

وانتهت دولة آل طاهر بعد قتلهم يحيى فما انتعشوا بعد ذلك! « نثر الدرر: 1 / 265 ».

ويؤكد ما ذكرنا من اعتقاد بني طاهر بأهل البيت (ع) ما رواه الصدوق في الخصال / 53: « عن محمد بن عبد الله بن طاهر قال: كنت واقفاً على أبي وعنده أبوالصلت الهروي وإسحاق بن راهويه وأحمد بن محمد بن حنبل، فقال أبي: ليحدثني كل رجل منكم بحديث، فقال أبوالصلت الهروي: حدثني علي بن موسى الرضا، وكان والله رضاً كما سمي، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي (ع) قال: قال رسول الله (ص): الايمان قولٌ وعملٌ فلما خرجنا قال أحمد بن محمد بن حنبل: ما هذا الإسناد؟ فقال له أبي: هذا سُعُوطُ المجانين، إذا سُعِطَ به المجنون أفاق ».

١٨٣

5. تدل قصيدة ابن الرومي على أنه كان شيعياً (رحمه الله). وشعره ملئ بالصنعة وفيه تكلف، وهو لايرقى الى شعر الطبقة الأولى من شعراء العصر العباسي.

كما تدل قصيدته على أن الأبنة والشذوذ كان منتشراً في شخصيات العباسيين، وأن العلويين كانوا طاهرين من هذا الرجس، لاحظ قوله:

أروني امرأ منهم يُزَنُّ بأُبنة

ولا تنطقوا البهتان والحق أبلج

وقوله: يُزَنُّ بأبنةٍ: فعل زَنَّ بتشديد النون بمعنى: اتَّهم.

قال ابن فارس «3/5»: « يقال أزننت فلاناً بكذا، إذا اتهمته به. وهو يُزَنُّ به ».

دور قم المميز في زمن الإمام الهادي (ع)

1. تميزت قم بموقعها الجغرافي ، في طريق خراسان، فكل قاصد من العراق أوالحجاز الى خراسان وما وراء النهر، يمر بها.

2. وتميزت ثانياً بمركزها التجاري ، فقد كانت ضريبتها السنوية مليوني درهم!

قال الطبري « 7 / 183 »: « وفي هذه السنة « 210 » خلع أهل قم السلطان ومنعوا الخراج. ذُكر أن سبب خلعهم إياه كان أنهم كانوا استكثروا ما عليهم من الخراج وكان خراجهم ألفي ألف درهم ». وتقدم ذلك في سيرة الإمام الجواد (ع).

3. وتميزت ثالثاً بشجاعة أهلها وثوراتهم، فقد احتاج المأمون في مهاجمتها الى ثلاث فرق، وكان عمدة أهلها الأشعريون.

قال البلاذري في فتوحه « 2 / 386 »: « وقد نقضوا في خلافة أبي عبد الله المعتز بالله بن المتوكل على الله، فوجه إليهم موسى بن بغا عامله على الجبل، لمحاربة الطالبيين الذين ظهروا بطبرستان، ففتحت عنوةً وقتل من أهلها خلق كثير ».

١٨٤

وقال البلاذري في فتوحه « 2 / 398 »: « ولما كانت سنة 253 ، وجه أمير المؤمنين المعتز بالله، موسى بن بغا الكبير مولاه إلى الطالبيين الذين ظهروا بالديلم وناحية طبرستان. وكانت الديالمة قد اشتملت على رجل منهم يعرف بالكوكبي فغزا الديلم وأوغل في بلادهم وحاربوه فأوقع بهم، وثقلت وطأته عليهم واشتدت نكايته ».

وفي رجال الطوسي / 443: « إبراهيم بن عبد الله بن سعيد، قال: لما توجه موسى بن بغا إلى قم فوطأها وطأة خشنة، وعظم بها ما كان فعل بأهلها، فكتبوا بذلك إلى أبي محمد صاحب العسكر (ع) يسألونه الدعاء لهم، فكتب إليهم أن ادعوا بهذا الدعاء في وتركم، وهو وذكر الدعاء ». « محمد بن الحسين بن سعيد بن عبد الله بن سعيد الطبري، يكنى أبا جعفر، خاصي، روى عنه التلعكبري وقال: سمعت منه سنة ثلاثين وثلاث مائة وفيما بعدها، وله منه إجازة. وسمع منه الدعاء الذي كتب به إلى أهل قم، وروى حديث ابن بغا لما توجه إلى قم ».

وكانت حملة موسى بن بغا على الثوار العلويين في آذربيجان وطبرستان سنة 253 قبل وفاة الهادي (ع) بسنة، وقبل قتل المعتز بسنتين. « ثقات ابن حبان: 2 / 331 ». وسيأتي ذكرها إن شاء الله في سيرة الإمام العسكري (ع).

وتميزت قم بأنها مصدر نصرة للأئمة (ع) « وكان قد سعيَ بأبي الحسن إلى المتوكل، وأن في منزله سلاحاً وكتباً من أهل قم ». « تاريخ الذهبي: 18 / 199 ».

١٨٥

وكان القميون يحملون أخماسهم وهداياهم الى الإمام (ع) في سامراء، وكانت الدولة تحاول كشف ذلك ومعاقبة القميين.

وتميزت قم خامساً، بأنها العاصمة الدينية لأهل البيت (ع) في إيران، فقد كانت مركزاً علمياً فيها فقهاء كبار ووكلاء للأئمة (ع)، وكان الشيعة يأخذون منهم فتاواهم ومعالم دينهم، ويدفعون اليهم أخماسهم ليوصلوها الى الإمام (ع).

« وعن الصادق (ع): إن لله حرماً وهو مكة، وإن للرسول حرماً وهو المدينة، وإن لأمير المؤمنين حرماً وهوالكوفة، وإن لنا حرماً وهو بلدة قم ». « البحار: 57 / 216 ».

هذا، وكان لقم صلة بمصر لأن المأمون نفى عدداً من زعمائها الى مصر، ونبغ منهم قادة عسكريون كالقائد المعروف: محمد بن عبد الله القمي الذي ولاه المتوكل أمر قبائل البجة في السودان الذين منعوا المسلمين مناجم الذهب، فوضع لهم خطة وانتصر عليهم، وأسر ملكهم علي بابا، وجاء به أسيراً الى سامراء سنة 241.

وقد روى الطبري تفصيل ذلك في تاريخه « 7 / 379 ».

١٨٦

الفصل التاسع:

مرسوم إمامة ابن حنبل بعد هدم قبر الحسين (ع)

كان ابن حنبل غير مرضي عند المأمون والمعتصم والواثق

قال الخليل في العين « 3 / 338 »: « الحنبل: الضخم البطن في قصر. ويقال: هوالخُف أوالفرو الخلق. والحِنبال والحِنبالة: القصير الكثيرالكلام ».

وأضاف ابن منظور « 11 / 182 »: « الحَنْبَل والحِنْبَال والحِنْبَالة: القصيرالكثير اللحم. والحُنْبُل: طَلْعُ أُمّ غَيْلان ». وهي شجرة العُضَاه، وثمرها كاللوبياء لايؤكل .

وكان أحمد بن محمد بن حنبل من العلماء العاديين في بغداد، ولم يشتهرحتى أحضره المأمون ليمتحنه في خلق القرآن في سنة 212، فقد كان المأمون يُحضرالعلماء ويحذرهم من القول بأن القرآن غير مخلوق، لأنها تعني أنه قديمٌ مع الله تعالى، وأن الله مركبٌ وكلامه جزءٌ منه، وهذا شرك!

فإذا أصرَّ أحدٌ منهم على أن القرآن قديم، كان يُعَزَّره ويحرمه من تولي القضاء. وفي سنة 218، أرسلوا الى المأمون أربعة علماء الى طرطوس ليمتحنهم وكان منهم أحمد بن حنبل، وقبل أن يصلوا جاءهم خبر موت المأمون، فأرجعوهم الى السجن ببغداد، وواصل المعتصم سياسة أخيه المأمون في امتحانهم.

قال السبكي في طبقات الشافعية « 2 / 53 »: « سمعت أبا العباس بن سعد يقول: لم يصبر في المحنة إلا أربعة كلهم من أهل مَرْوٍ: أحمد بن حنبل أبوعبد الله، وأحمد

١٨٧

بن نصر بن مالك الخزاعي، ومحمد بن نوح بن ميمون، المضروب، ونعيم بن حماد، وقد مات في السجن مقيداً. فأما أحمد بن نصر فضربت عنقه، وهذه نسخة الرقعة المعلقة في أذن أحمد بن نصر بن مالك: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا رأس أحمد بن نصر بن مالك، دعاه عبد الله الإمام هارون وهوالواثق بالله أمير المؤمنين إلى القول بخلق القرآن ونفي التشبيه فأبى إلا المعاندة، فجعله الله إلى ناره. وكتب محمد بن عبد الملك.

ومات محمد بن نوح في فتنة المأمون. والمعتصم ضرب أحمد بن حنبل. والواثق قتل أحمد بن نصر بن مالك. وكذلك نعيم بن حماد ».

اتهموا ابن حنبل بالخيانة وفتشوا بيته!

اتهموه بأنه آوى ثائراً علوياً، وهي تهمة عقوبتها القتل! قال الذهبي في تاريخه « 18 / 84 »: « رفع إلى المتوكل أن أحمد بن حنبل ربَّصَ « خبأ » علوياً في منزله، وأنه يريد أن يُخرجه ويُبايع عليه ولم يكن عندنا علم. فبينا نحن ذات ليلة نيام في الصيف سمعنا الجلَبة، ورأينا النيران في دار أبي عبد الله، فأسرعنا وإذا أبوعبد الله قاعد في إزار، ومظفر بن الكلبي صاحب الخبر وجماعة معهم، فقرأ صاحب الخبر كتاب المتوكل: وَرَدَ على أمير المؤمنين أن عندكم علوياً ربصته لتبايع عليه وتُظهره. في كلام طويل. ثم قال له مظفر: ما تقول؟

١٨٨

قال: ما أعرف من هذا شيئاً، وإني لأرى له السمع والطاعة في عسري ومنشطي ومكرهي، وآثره لأدعوالله له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار. في كلام كثير غير هذا. وقال ابن الكلبي: قد أمرني أمير المؤمنين أن أحُلِّفَكَ.

قال: فأحْلَفَهُ بالطلاق ثلاثاً أن ما عنده طَلِبَةُ أمير المؤمنين.

قال: وفتشوا منزل أبي عبد الله والسِّرْب والغرف والسطوح، وفتشوا تابوت الكتب، وفتشوا النساء والمنازل، فلم يروا شيئاً ولم يحسوا بشئ »!

أقول: يدل اتهامهم على الشعبية الواسعة للعلويين ورُعب السلطة منهم! وكان المتوكل يعرف أن أحمد ليس في خط العلويين، لكنه من خوفه احتمل أن يكونوا أغروه! كما تفاجأ ابن حنبل فسارع بالقول: « إني لأرى له السمع والطاعة في عسري ومنشطي ومكرهي، وأوثره عليَّ، وأدعو الله له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار ». فقبل منه المتوكل وسُرَّ به واستقدمه الى سامراء وأكرمه، واتفق معه .

أحضر المتوكل أحمد الى سامراء عدة مرات

قال الآلوسي في جلاء العينين « 1 / 242 »: « بعث المتوكل بعد مضي خمس سنين من ولايته لتسيير أحمد بن حنبل، فقد نقل غير واحد أنه وجه المتوكل إلى إسحق بن إبراهيم يأمره بحمله إليه، فوجه إسحق إليه وقال له: إن أمير المؤمنين قد كتب إلي يأمرني بإشخاصك إليه فتأهب لذلك ».

وأحضره المتوكل في أواخر عمره، وكان أحمد يومها في الثالثة والسبعين، وعاش بعدها ثلاث سنوات ونصفاً.

١٨٩

ففي تاريخ الذهبي « 18 / 119 »: « ولي بغداد عبد الله بن إسحاق، فجاء رسوله إلى أبي عبد الله فذهب إليه فقرأ عليه كتاب المتوكل فقال له: يأمرك بالخروج. فقال: أنا شيخ ضعيف عليل. فكتب عبد الله بما رد عليه، فورد جواب الكتاب بأن أمير المؤمنين يأمره بالخروج. فوجه عبد الله جنوده، فباتوا على بابنا أياماً حتى تهيأ أبوعبد الله للخروج، فخرج، وخرج صالح، وعبد الله، وأبو رميلة.

قال صالح: كان حَمْلُ أبي إلى المتوكل سنة سبع وثلاثين ومائتين، ثم عاش إلى سنة إحدى وأربعين، فكان قَلَّ يومٌ يمضي إلا ورسول المتوكل يأتيه ...

لما دخلنا إلى العسكر إذا نحن بموكب عظيم مقبل، فلما حاذى بنا قالوا: هذا وصيف، وإذا فارس قد أقبل فقال لأحمد: الأمير وصيف يقرؤك السلام، ويقول لك: إن الله قد أمكنك من عدوك، يعني ابن أبي دؤاد، وأمير المؤمنين يقبل منك فلا تدع شيئاً إلا تكلمت به، فما رد عليه أبوعبد الله شيئاً، وجعلت أنا أدعولأمير المؤمنين، ودعوت لوصيف. ومضينا فأنزلنا في دار إيتاخ ولم يعلم أبوعبد الله، فسأل بعد ذلك: لمن هذه الدار قالوا: هذه دار إيتاخ. فقال: حولوني، إكتروا لي. فلم نزل حتى اكترينا له داراً.

وكانت تأتينا في كل يوم مائدة فيها ألوان يأمر بها المتوكل والفاكهة والثلج وغير ذلك. فما نظر إليها أبوعبد الله، ولا ذاق منها شيئاً.

وكانت نفقة المائدة كل يوم مائة وعشرين درهماً. وكان يحيى بن خاقان وابنه عبيد الله وعلي بن الجهم، يأتون أبا عبد الله ويختلفون إليه برسالة المتوكل.

١٩٠

ودامت العلة بأبي عبد الله وضعف ضعفاً شديداً، وكان يواصل، فمكث ثمانية أيام لا يأكل ولا يشرب، فلما كان في اليوم الثامن دخلت عليه وقد كاد أن يطفأ فقلت: يا أبا عبد الله، ابن الزبير كان يواصل سبعة أيام، وهذا لك اليوم ثمانية أيام. قال: إني مطيق. قلت: بحقي عليك. قال: فإني أفعل، فأتيته بسويق فشرب. ووجه إليه المتوكل بمال عظيم فرده، فقال له عبيد الله بن يحيى: فإن أمير المؤمنين يأمرك أن تدفعها إلى ولدك وأهلك. قال: هم مستعفون فردها عليه، فأخذها عبيد الله فقسمها على ولده وأهله.

ثم أجرى المتوكل على أهله وولده أربعة آلاف في كل شهر، فبعث إليه أبوعبد الله: إنهم في كفاية وليست بهم حاجة. فبعث إليه المتوكل: إنما هذا لولدك، ما لك ولهذا؟ فأمسك أبوعبد الله. فلم يزل يجري علينا حتى مات المتوكل.

قال حنبل: فلما طالت علة أبي عبد الله كان المتوكل يبعث بابن ماسويه المتطبب فيصف له الأدوية فلا يتعالج، ودخل المطبب على المتوكل فقال: يا أمير المؤمنين أحمد ليست به علة في بدنه، إنما هومن قلة الطعام والصيام والعبادة.

وبلغ أم المتوكل خبر أبي عبد الله فقالت لابنها: أشتهي أن أرى هذا الرجل. فوجه المتوكل إلى أبي عبد الله يسأله أن يدخل على ابنه المعتز ويسلم عليه ويدعوله ويجعله في حجره. فامتنع أبوعبد الله من ذلك، ثم أجاب رجاء أن يطلق وينحدر إلى بغداد، فوجه إليه المتوكل خلعة، وأتوه بدابة يركبها إلى المعتز فامتنع، وكانت عليها مَيْثَرَةُ نُمُور، فقدم إليه بغل لرجل من التجار فركبه.

١٩١

وجلس المتوكل مع أمه في مجلس من المكان، وعلى المجلس ستر رقيق، فدخل أبوعبد الله على المعتز، ونظر إليه المتوكل وأمه، فلما رأته قالت: يا بني، الله الله في هذا الرجل فليس هذا ممن يريد ما عندكم، ولا المصلحة أن تحبسه عن منزله فَأْذَنْ له فليذهب. فدخل أبوعبد الله على المعتز فقال: السلام عليكم وجلس، ولم يسلم عليه بالإمرة. قال: فسمعت أبا عبد الله بعد ذلك ببغداد يقول: لما دخلت عليه وجلست قال مؤدب الصبي: أصلح الله الأمير، هذا الذي أمره أمير المؤمنين يؤدبك ويعلمك. فرد عليه الغلام وقال: إن علمني شيئاً تعلمته. قال أبوعبد الله: فعجبت من ذكائه وجوابه على صغره. وكان صغيراً.

فأذن له بالإنصراف، فجاء عبيد الله بن يحيى وقت العصر فقال: إن أمير المؤمنين قد أذن لك، وأمر أن تفرش لك حَرَّاقَة تنحدر فيها. فقال أبوعبد الله: أطلبوا لي زورقاً فأنحدر فيه الساعة، فطلبوا له زورقاً فانحدر فيه من ساعته ..

وجاء عن لسان ولده الآخر صالح: فلما كان من الغد جاء يعقوب فقال: البشرى يا أبا عبد الله، أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول: قد أعفيتك عن لبس السواد والركوب إلى ولاة العهود وإلى الدار. فإن شئت فالبس القطن، وإن شئت فالبس الصوف. فجعل يحمد الله على ذلك ».

أقول: توجد عدة روايات عن إحضار أحمد الى سامراء. وقد حاول أحمد ومحبوه أن يقولوا إنه كان زاهداً في الدنيا، ولم يكن راغباً في تكريم المتوكل، ولا بالمناصب والأموال، لأن المتوكل عند المسلمين ظالم لا يجوز الركون اليه!

١٩٢

وفي كلام أحمد وأبنائه نقاط ضعف، ومنها كلام أحمد عن صغر سن المعتز، بينما كان عمره لما زاره أحمد نحوسبع عشرة سنة. فقد خلع نفسه سنة 255 ، وعمره أربع وعشرون سنة. « مروج الذهب: 4 / 81 ».

اتفق المتوكل مع أحمد وجعله مرجعاً للدولة!

في النهاية لابن كثير « 10 / 373 »: « وكان مسير أحمد إلى المتوكل في سنة سبع وثلاثين ومائتين، ثم مكث إلى سنة وفاته، وما من يوم إلا ويسأل عنه المتوكل ويوفد إليه في أمور يشاوره فيها، ويستشيره في أشياء تقع له. ولما قدم المتوكل بغداد بعث إليه ابن خاقان ومعه ألف دينار ليفرقها على من يرى فامتنع من قبولها وتفرقتها، وقال: إن أمير المؤمنين قد أعفاني مما أكره، فردها ».

وفي تاريخ الذهبي « 20 / 203 »: « قال عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان: أمر المتوكل بمساءلة أحمد بن حنبل عمن يتقلد القضاء ».

أي أمر أن يأخذوا برأيه في تعيين القضاة في الدولة، فلايعينوا إلا من وافق عليه. وفي المقابل تبنى أحمد طاعة المتوكل، ونشر أحاديث التشبيه والتجسيم!

قال المَلَطي العسقلاني في: التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع / 7: « وقال أمير المؤمنين المتوكل لأحمد بن حنبل: يا أحمد إني أريد أن أجعلك بيني وبين الله حجة فأظهرني على السنة والجماعة. وما كتبته عن أصحابك عما كتبوه عن التابعين، مما كتبوه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحدثه ».

١٩٣

وقال تلميذه أبو بكر المروذي: « سألت أحمد بن حنبل عن الأحاديث التي تردُّها الجهمية في الصفات والرؤية والإسراء وقصة العرش، فصححها وقال: قد تلقتها الأمة بالقبول، وتُمَرُّ الأخبار كما جاءت ». « طبقات الحنابلة لأبي يعلى: 1 / 56 ».

وهذه هي أحاديث صفات الله تعالى ورؤيته بالعين، التي رفضها الأئمة من أهل البيت (ع) ومالك بن أنس صاحب المذهب، ويريدها المتوكل!

مرجعية ابن حنبل لمواجهة مرجعية الإمام الهادي (ع)

بدأ حكم المتوكل أواخر سنة 232 . وفي سنة 233 ، أحضرالإمام الهادي (ع) الى سامراء وفرض عليه الإقامة الجبرية، وحاول قتله بتهمة أنه ينوي الخروج عليه فظهرت للإمام (ع) كرامات ومعجزات، فهابه وزراء المتوكل والقادة وأحبوه، وكانت أم المتوكل تعتقد أنه ولي الله تعالى وتنذر له النذور في المهمات!

وفي السنة التالية استقدم المتوكل المحدثين المجسمين، الذين يقولون إن الله يُرى بالعين، والقرآن غير مخلوق، وقرَّبهم وأعطاهم جوائز ومناصب.

وكان المتوكل يريد تغيير خط الخلافة فيتبنى المجسمة، لكن نفوذ ابن دؤاد كان قوياً، فهوالذي دبَّر خلافة أبيه المعتصم ورتَّبَ قتل العباس بن المأمون. وهوالذي رتب بيعة أخيه الواثق. وهو الذي خلع ابن الواثق ودبَّر بيعة المتوكل وأخرجه من السجن وجاء به الى كرسي الخلافة.

قال في تاريخ بغداد « 1 / 314 »: « كان المتوكل يوجب لأحمد بن أبي دؤاد، ويستحي أن ينكبه، وإن كان يكره مذهبه، لما كان يقوم به من أمره أيام الواثق، وعقد

١٩٤

الأمر له والقيام به من بين الناس. فلما فلج أحمد بن أبي دؤاد في جمادي الآخرة سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، أول ما وليَ المتوكل الخلافة، ولَّى المتوكل ابنه محمد بن أحمد أبا الوليد القضاء ومظالم العسكر مكان أبيه، ثم عزله عنها يوم الأربعاء لعشر بقين من صفر سنة أربعين ومائتين، ووكل بضياعه وضياع أبيه.

ثم صولح على ألف ألف دينار، وأشهد على ابن أبي دؤاد وابنه بشراء ضياعهم وَحَدَّرَهُم إلى بغداد، وولي يحيى بن أكثم ما كان إلى ابن أبي دؤاد ».

فكان المتوكل يمهد تمهيدات لضرب ابن دؤاد، الى أن تم عزله في سنة 237، وجاء بابن حنبل الى سامراء، واتخذه مرجعاً.

قال ابن أحمد بن حنبل: « لما دخلنا إلى العسكر إذا نحن بموكب عظيم مقبل، فلما حاذى بنا قالوا: هذا وصيف، وإذا فارس قد أقبل فقال لأحمد: الأمير وصيف يقرؤك السلام ويقول لك: إن الله قد أمكنك من عدوك، يعني ابن أبي دؤاد، وأمير المؤمنين يقبل منك فلا تدع شيئاً إلا تكلمت به ». « تاريخ الذهبي: 18 / 119 ».

وهذا يدل على أن وصيفاً اتفق مع المتوكل، وكان مهتماً بأن تكثر الشكاية من ابن أبي دؤاد لتبرير عزله، وإعلان مرجعية أعدائه القائلين بقدم القرآن والتشبيه.

احتفل المتوكل بمرجعية أحمد وإنزال رأس ابن نصر!

وكان عزل ابن دؤاد وتولية خصمه ابن أكثم، وإنزال جثة ابن نصر، ودعوة أحمد الى سامراء وإعلان مرجعيته. كل ذلك حول شهر رمضان سنة 237.

١٩٥

قال ابن كثير في النهاية « 10 / 306 »: « ولم يزل رأسه منصوباً من يوم الخميس الثامن والعشرين من شعبان من هذه السنة، أعني سنة إحدى وثلاثين ومائتين إلى بعد عيد الفطر بيوم أويومين من سنة سبع وثلاثين ومائتين، فجمع بين رأسه وجثته ودفن بالجانب الشرقي من بغداد بالمقبرة المعروفة بالمالكية (رحمه الله). وذلك بأمر المتوكل على الله الذي ولي الخلافة بعد أخيه الواثق ».

وقال في النهاية « 10 / 348 »: « وفي عيد الفطر منها « سنة 237 » أمر المتوكل بإنزال جثة أحمد بن نصر الخزاعي، والجمع بين رأسه وجسده وأن يسلم إلى أوليائه، ففرح الناس بذلك فرحاً شديداً، واجتمع في جنازته خلق كثير جداً، وجعلوا يتمسحون بها وبأعواد نعشه، وكان يوماً مشهوداً. ثم أتوا إلى الجذع الذي صلب عليه فجعلوا يتمسحون به، وأرهج العامة بذلك فرحاً وسروراً، فكتب المتوكل إلى نائبه يأمره بردعهم عن تعاطي مثل هذا، وعن المغالاة في البشر.

ثم كتب المتوكل إلى الآفاق بالمنع من الكلام في مسألة الكلام، والكف عن القول بخلق القرآن، وأن من تعلم علم الكلام لوتكلم فيه فالمطبق مأواه إلى أن يموت. وأمر الناس أن لا يشتغل أحد إلا بالكتاب والسنة لا غير.

ثم أظهر إكرام الإمام أحمد بن حنبل واستدعاه من بغداد إليه، فاجتمع به فأكرمه وأمر له بجائزة سنية فلم يقبلها، وخلع عليه خلعة سنية من ملابسه فاستحيا منه أحمد كثيراً، فلبسها إلى الموضع الذي كان نازلاً فيه، ثم نزعها نزعاً عنيفاً وهويبكي رحمه الله تعالى.

١٩٦

وارتفعت السُّنَّة جداً في أيام المتوكل عفا الله عنه، وكان لايولي أحداً إلا بعد مشورة الإمام أحمد، وكان ولاية يحيى بن أكثم قضاء القضاة موضع ابن أبي دؤاد عن مشورته، وقد كان يحيى بن أكثم هذا من أئمة السنة وعلماء الناس، ومن المعظمين للفقه والحديث واتباع الأثر ».

أهم إنجازات مرجعية أحمد بن حنبل

كانت مدة مرجعية أحمد للدولة ثلاث سنوات ونصفاً، لأن مجيئه الى سامراء في شهر رمضان سنة 337، ووفاته في ربيع الثاني سنة 341.

لكنها كانت مرجعية مؤثرة، حيث حققت إنجازين كبيرين عند أصحابهما:

الأول: ترسيخ حزب المجسمة النواصب، الذين كان يقودهم ابن صاعد، وعرفوا بإسم الصاعدية. وكانوا في زمن المتوكل وبعده تياراً متطرفاً.

ويظهر أنهم صاروا بعد ذلك مذهباً لهم آراؤهم التي تخالف المسلمين!

قال المقدسي في البدء والتاريخ « 5 / 149 »: « وأما الصاعدية فهم أصحاب ابن صاعد يجيزون خروج أنبياء بعد نبينا « ص » لأنه رويَ: لا نبيَّ بعدي إلا ما شاء الله »!

وهم مجسمة الحنابلة الذين يشكو منهم أهل بغداد وأئمة الحنابلة المعتدلون كابن الجوزي. وهم الأجداد الحقيقيون لابن تيمية وأتباعه الوهابية.

والإنجاز الثاني: تأليف صحيح البخاري، فقد كان البريد يصل من المتوكل في سامراء الى أحمد بن حنبل في بغداد كل يوم، وكان البخاري مشغولاً بتأليف

١٩٧

كتابه، وقد زار أحمد بن حنبل ثمان مرات، وكان يسانده ويمدحه، وكان تعيين جميع القضاة ومساعدات جميع المحدثين عن طريق أحمد بن حنبل.

وعندما أكمل البخاري صحيحه عرضه على أحمد فارتضاه، وطلب منه أن يسكن بغداد، فكان البخاري يتأسف لأنه لم يسمع كلامه، ولم يأت الى بغداد.

قال الخطيب في تاريخ بغداد « 2 / 22 »: « محمد بن يوسف يقول: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: دخلت بغداد آخر ثمان مرات، كل ذلك أجالس أحمد بن حنبل. فقال لي في آخر ماودعته: يا أبا عبد الله، تترك العلم والناس وتصير إلى خراسان؟ قال أبوعبد الله: فأنا الآن أذكر قوله ».

وفي تغليق التعليق لابن حجر « 5 / 423 »: « قال العقيلي: لما ألف البخاري كتاب الصحيح عرضه على علي بن المديني، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهم، فاستحسنوه، وشهدوا له بالصحة ».

محنة أحمد بن حنبل كذبة حنبلية!

1. لن تستطيع أن تفهم نظرية عمر بن الخطاب بأن الله تعالى أنزل القرآن على سبعة أحرف، فقد قال بعض محبيه إنه حاول فهمها ثلاثين سنة وتوصل الى بضعة ثلاثين وجهاً، لكن ليس منها وجهٌ معقول!

ولن تستطيع حتى لوكنت حنبلياً أن تفهم محنة ابن حنبل التي أحيت الدين! وهي أنه سجن سنتين، وضربوه ثمانية وثلاثين سوطاً، فأحيا بذلك الدين!

١٩٨

قالوا: حبس هو وثلاثة، فمات أحدهم في الطريق، ومات الثاني في السجن بعد عشر سنين، وقتل الثالث بعد سجنه بأكثر من عشر سنين، وعفوا عن أحمد، فأحيا الله الدين بمن أطلقوه، وليس بمن قتلوه، ولا بمن مات في السجن!

ولن تستطيع معرفة كيف صار ابن حنبل أعظم شخص في الأمة بعد النبي (ص)!

قال أبو يعلى في طبقات الحنابلة « 1 / 13 و 227 »: « قال علي بن المديني: أيد الله هذا الدين برجلين لا ثالث لهما: أبوبكر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل في يوم المحنة! ما قام أحد بأمر الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قام أحمد بن حنبل. قال قلت له: يا أبا الحسن ولا أبوبكر الصديق؟ قال: ولا أبوبكر الصديق، لأن أبا بكر الصديق كان له أعوان وأصحاب، وأحمد بن حنبل لم يكن له أعوان ولا أصحاب »!

وقال ابن كثير في النهاية « 10 / 369 »: « قال البخاري: لما ضُرب أحمد بن حنبل كنا بالبصرة، فسمعت أبا الوليد الطيالسي يقول: لوكان أحمد في بني إسرائيل لكان أحدوثة. وقال إسماعيل بن الخليل: لوكان أحمد في بني إسرائيل لكان نبياً ».

وصادروا لأحمد صفات أئمة الشيعة فقال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: « أحمد بن حنبل حجة بين الله وبين عبيده في أرضه »! « تاريخ بغداد: 5 / 183 ».

2. قصة المحنة كما يسمونها: أن المأمون أمر بإرسال المحدثين الذين لم يقبلوا أن القرآن مخلوق، اليه الى طرسوس، فأرسلوا اليه من بغداد أربعة: أحمد بن حنبل،

١٩٩

وأحمد بن نصر، ومحمد بن نوح بن ميمون، ونُعَيْم بن حماد. فمات المأمون وهم في الطريق فأرجعوهم الى بغداد. ومات محمد بن ميمون في الطريق.

وأحضر المعتصم أحمد بن حنبل وناظره وأطلق سراحه، لأنه قال لهم: أنا أقول بقول أمير المؤمنين! كما شهد بذلك المؤرخ الثبت ابن واضح اليعقوبي.

وبقي نُعيم بن حماد في السجن عشر سنوات حتى مات. وبقي أحمد بن نصر في السجن ثلاث عشرة سنة، فأحضره الواثق ابن المعتصم وقتله.

3. ولكل واحد من هؤلاء الأربعة، قصةٌ ومحاكمةٌ ومناظرةٌ، وأعظمهم بلاءً أحمد بن نصر، حيث أصر على رأيه بأن القرآن غير مخلوق حتى قتله الواثق بيده! لكنهم أهملوه وبالغوا في محنة ابن حنبل، وبالغَ هو في الحديث عن « بطولته » في السجن وصموده تحت سياط الخليفة، وتفوقه في مناظرته لقاضي قضاة المعتصم والواثق. وروى لنفسه ورووا له الكرامات والمعجزات في المحنة!

قال المروزي في مسائل الإمام أحمد / 109، وابن كثير في النهاية، ملخصاً « 10 / 365 »: « وفي عام مائتين واثني عشر أعلن المأمون القول بخلق القرآن، وفي عام ثماني عشرة ومائتين رأى المأمون حمل الناس والعلماء والقضاة والمفتين على القول بخلق القرآن الكريم، وكان آنذاك منشغلاً بغزوالروم، فكتب إلى نائبه إسحاق بن إبراهيم بن مصعب يأمره أن يدعوالناس إلى القول بخلق القرآن، فلما وصل الكتاب استدعى جماعة من أئمة الحديث فدعاهم إلى ذلك فامتنعوا، فهددهم بالضرب وقطع الأرزاق، فأجاب أكثرهم مكرهين، واستمر على الإمتناع من

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502