شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار الجزء ١

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار0%

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 502

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار

مؤلف: للقاضي أبي حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي
تصنيف:

الصفحات: 502
المشاهدات: 180258
تحميل: 9059


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 502 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 180258 / تحميل: 9059
الحجم الحجم الحجم
شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار الجزء 1

مؤلف:
العربية

طالبعليه‌السلام ؟ قال : نعم إياه أعني!. قال : يا نافع ، أتقول إن الله عز وجل أعلم نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما هو كائن في هذه الامة الى يوم القيامة ولم يعلمه بأمر عليعليه‌السلام ؟ لقد قلت إذا قولا عظيما ، أم تقول لغاسل جسد نبينا ومواري جثته ، ومن قضى مواعيده هذه؟؟ لقد قلت إذا قولا عظيما ، ما كان الله عز وجل أن يفعل هذا بوليّه وصفيّه ونبيّه ، فيغسل جسده ويواري جثته ويقتضي مواعيده من يضل بعده.

ويحك يا نافع : إني شهدت ولم تشهد ، وسمعت ولم تسمع ، شهدت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الغدير ، فأمر بشجرات هنالك فكسح ما تحتهن ، وسمعته يقول : أيها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فأجبناه كلنا : بلى يا رسول الله ، فأخذ يده فوضعها على يد علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ثم رفعها حتى رأينا بياض إبطيهما ، ثم قال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. قال : فقاموا بعضهم يبصر في وجوه بعض ، وافترقوا من يومئذ.

[٢٥] أبو الجارود ـ زياد بن المنذر ـ ، قال : كنت عند أبي جعفر محمد بن عليعليه‌السلام وعنده جماعة ، فقال أحدهم : يا ابن رسول الله ، حدّثنا حسن البصري حديثا ابتدأه ثم قطعه ، فسألناه تمامه ، فجعل يروع لنا عن ذلك. قال : وما حدّثك به؟ ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله حمّلني رسالة ، فضاق بها صدري وخفت أن يكذبني الناس ، فتواعدني إن لم ابلغها أن يعذبني ، ثم قطع الحديث ـ يعني الحسن البصري ـ. فسألناه تمامه ، فجعل يروغ لنا عن ذلك ولم يخبرنا به.

فقال أبو جعفرعليه‌السلام : ما لحسن؟ قاتل الله حسنا ، أما والله لو

١٠١

شاء أن يخبركم لأخبركم ، لكني أنا أخبركم ، إن الله عز وجل بعث محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى الناس بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمّدا رسول الله وإقامة الصلاة فيها بالناس ، فأقلّوا وكثّروا. فأتاه جبرائيلعليه‌السلام ، قال : يا محمّد ، علّم الناس صلاتهم وحدودها ومواقيتها وعددها ، فجمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس ، ثم قال : أيها الناس ، إن الله قد فرض عليكم صلاة الظهر كذا وكذا ، وحدودها ووقتها وعددها ، والعصر كذا وكذا ، وحدودها ووقتها وعددها ، والمغرب كذا وكذا ، وحدودها ووقتها وعددها ، والعشاء كذا وكذا ، وحدودها ووقتها وعددها ، والفجر كذا وكذا ، وحدودها ووقتها وعددها.

ثم قال أبو جعفرعليه‌السلام : فهل تجدون هذا في كتاب الله؟ قالوا : لا.

قال : ثم انزل الله فرض الزكاة ، فأعطى هذا من دنانيره وهذا من دراهمه وهذا من تمره وهذا من زرعه(١) ، فأتاه جبرائيل فقال : يا محمد علّم الناس من زكاتهم كما علّمتهم من صلاتهم ، فجمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس ، ثم قال أيها الناس إن الله عز وجل قد فرض عليكم الزكاة ، فمن عشرين دينارا نصف دينار ، ومن مائتي درهم خمسة دراهم ، ومن الابل كذا وكذا ، ومن البقر كذا ، ومن الغنم كذا ، ومن الزرع كذا.

ثم قال أبو جعفرعليه‌السلام : فهل تعلمون هذا من كتاب الله تعالى؟ قالوا : لا.

قال : ثم أنزل الله عز وجل فرض الصيام ، وانما كانوا يصومون يوم

__________________

(١) أي الحنطة والشعير.

١٠٢

عاشوراء(١) ، فأتى جبرائيلعليه‌السلام فقال : يا محمد علّم الناس من صومهم كما علّمتهم من صلاتهم وزكاتهم ، فجمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس ، ثم قال : أيها الناس إن الله عز وجل قد فرض عليكم صيام شهر رمضان تمسكون في نهاره عن الطعام والشراب والجماع ، وتفعلون كذا وكذا حتى أتى على فرائض الصوم.

ثم قال أبو جعفرعليه‌السلام : فهل تجدون هذا في كتاب الله؟ قالوا : لا.

قال : ثم أنزل الله عز وجل فريضة الحج فلم يعرفوا كيف يحجّون ، فأتاه جبرائيل ، فقال : يا محمد ، علّم الناس من حجهم كما علّمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم ، فجمع رسول الله صلوات الله عليه وآله الناس ، ثم قال : أيها الناس إن الله عز وجل قد فرض عليكم الحج ، فطواف بالبيت وسعي بين الصفا والمروة ووقوف بعرفات ورمي الجمار كذا وكذا حتى أتى على مناسك الحج.

ثم قال أبو جعفرعليه‌السلام : فهل تجدون هذا في كتاب الله؟ قالوا : لا.

قال : ثم أنزل الله عز وجل فريضة الجهاد فلم يعلموا كيف يجاهدون ، فأتاه جبرائيلعليه‌السلام ، فقال : يا محمد علّم الناس من جهادهم كما علّمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجّهم ، فجمع رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله الناس ، ثم قال : أيها الناس إن الله عز وجل قد فرض عليكم الجهاد في سبيله بأموالكم وأنفسكم ، وبيّن لهم حدوده ، وأوضح لهم شروطه.

__________________

(١) وهو يوم العاشر من شهر محرم الحرام.

١٠٣

ثم افترض الله عز وجل الولاية ، فقال : «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ » (١) .

فقال المسلمون : هذا بعضنا أولياء بعض ، فجاءه جبرائيلعليه‌السلام ، فقال : يا محمد ، علّم الناس من ولايتهم كما علّمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجّهم وجهادهم. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا جبرائيل أمتى حديثة عهد بجاهلية ، وأخاف عليهم أن يرتدوا فأنزل الله عز وجل : «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ » (٢) في علي «وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ».

فلم يجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدا من أن جمع الناس بغدير خم ، فقال : أيها الناس إن الله عز وجل بعثني برسالة ، فضقت بها ذرعا ، فتواعدني إن لم ابلّغها أن يعذبني ، أفلستم تعلمون إن الله عز وجل مولاي وأني مولى المسلمين ووليهم وأولى بهم من أنفسهم ، قالوا : بلى ، فأخذ بيد عليعليه‌السلام فأقامه ورفع يده بيده ، وقال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه ومن كنت وليه فهذا علي وليه ، اللهمّ وال من والاه [ وعاد من ] عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار.

ثم قال أبو جعفرعليه‌السلام : فوجبت ولاية عليعليه‌السلام على كل مسلم ومسلمة.

[٢٦] قال جعفر بن محمدعليه‌السلام عن أبيه عن آبائه صلوات الله عليهم أجمعين : إن آخر ما أنزل الله عز وجل من الفرائض ولاية عليعليه‌السلام فخاف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن بلّغها الناس أن يكذبوه ويرتد أكثرهم حسدا له لما علمه في صدور كثير منهم له ، فلما حجّ حجة الوداع

__________________

(١) المائدة : ٥٥.

(٢) المائدة : ٦٧.

١٠٤

وخطب بالناس بعرفة ، وقد اجتمعوا من كل افق لشهود الحج معه ، علمهم في خطبته معالم دينهم وأوصاهم وقال في خطبته : أني خشيت ألا أراكم ولا تروني بعد يومي هذا في مقامي هذا وقد خلفت فيكم ما إن تمسّكتم به بعدي لن تضلّوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتى فانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، حبل ممدود من السماء إليكم ، طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ، وأجملصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر الولاية في أهل بيته إذ علم أن ليس فيهم أحد ينازع فيها علياعليه‌السلام وأن الناس إن سلّموها لهم سلمو(١) بما هم لعليعليه‌السلام ، واتقى عليه وعليهم أن يقيمه هو بنفسه ، فلما قضى حجّه ، وانصرف وصار الى غدير خم ، أنزل الله عز وجل عليه : «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ » (٢) فقام بولاية عليعليه‌السلام ونصّ عليه كما أمر الله تعالى فأنزل الله عز وجل : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً » (٣) .

فالخبر عن قيام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير خم بولاية علي صلوات الله عليه وعلى الائمة من ولده. وما قال في ذلك مما ذكره من ولايته أيضا من مشهور الأخبار ، ومما رواه الخاصّ والعام ، وفي ذلك أبين البيان على إمامته واستخلافه إياه على امته من بعده أن جعله أولى بهم منهم بأنفسهم كمثل ما كان الله عز وجل جعله هو فيهم بقوله : «النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ » (٤) .

__________________

(١) هكذا في الاصل

(٢) المائدة : ٦٧.

(٣) المائدة : ٣.

(٤) الأحزاب : ٦.

١٠٥

ومن كان أولى بهم من أنفسهم وكان مولاهم كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو أحقّ الناس بمقامه فيهم من بعده ، والمولى هاهنا : الولي كذلك هو في لغة العرب يسمّون الولي مولى.

فقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كنت مولاه فعلي مولاه » أي : من كنت وليه في دينه فعلي وليه في دينه ، أي الذي يلي عليه فيه وفي جميع اموره وتلك منزلة أنبياء الله في الامم ومنزلة الائمة من بعدهم كل إمام في أهل عصره.

وقد قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بولاية علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وعلى الائمة من ولده ، وأوقف الامة على أنه وليهم وإمامهم من بعده في غير مقام ومشهد بقول مجمل ومفسّر وعلى قدر طبقاتهم ومنازلهم وما يعلمه من قبولهم له وإقبالهم عليه وانحرافهم عنه وكان أول ذلك فيما رواه الخاصّ والعام.

[٢٧] وذكره أصحاب التفسير من العوام وأصحاب السير. إن الله عز وجل لما أنزل على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ » (١) أمر علياعليه‌السلام أن يدعو إليه بني عبد المطلب وقد صنع لهم طعاما برجل شاة ( أي بربعها ) وصاع من بر(٢) وأتاهم بعس(٣) من لبن ، وأتاه عليعليه‌السلام بهم وهم أربعون رجلا ، إن كان الواحد منهم ليأكل ذلك الطعام وحده ، وأدخل رسول الله صلوات الله عليه وآله يده فيه ، ثم قال لهم : كلوا بسم الله ، فأكلوا حتى صدروا عنه(٤)

__________________

(١) الشعراء : ٣١٤.

(٢) أي : الحنطة.

(٣) العس : القدح الكبير وجمعه : عساس وأعساس ( النهاية لابن الاثير ٢ / ٢٣٦ ).

(٤) أي امتلئوا وشبعوا.

١٠٦

ثم قال لعليعليه‌السلام : اسقهم ، فجاءهم بعس اللبن ، فشربوا منه عن آخرهم حتى ارتووا ، ثم أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكلام ، فبدره(١) أبو لهب ، فقال القوم : لو لم تستدلّوا على سحر صاحبكم إلا بما رأيتموه صنع في هذا الطعام واللبن لكفاكم!. ثم قام وقاموا ، فافترقوا من قبل أن يذكر لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أراد ذكره ، فصنع لهم من غد مثل ذلك وجمعهم عليه ، فلما أكلوا وشربوا ، قال لهم : يا بني عبد المطّلب إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بمثل ما جئتكم به ، لقد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ولقد أمرني الله عز وجل أن أدعوكم إليه فأطيعوني تنجوا من النار وتكونوا ملوك الأرض ، فأيّكم يؤازرني على أمرى أن يكون أخي ووصيي ووليي وخليفتي فيكم ، فأحجم(٢) القوم عن جوابه.

فلما رأى ذلك عليعليه‌السلام ـ وهو يومئذ أحدثهم سنا ـ ، قال : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا أكون وزيرك على أمرك ، فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده ، وقال : هذا أخي ووصيي ووليي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا. فانصرفوا يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك ابن أخيك أن تسمع وتطيع لابنك.

وهذا أول عهد أخذه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام وكان ذلك بمكة قبل هجرته في حياة أبي طالب عمّه.

وروى هذا الحديث بهذا النص محمد بن إسحاق صاحب المغازي وغيره من علماء العامة وجاء كذلك عن أهل البيت صلوات الله عليهم ورحمته وبركاته ، وأخذ له بعد ذلك في مواطن كثيرة على المهاجرين

__________________

(١) أي منعه من الكلام.

(٢) أي امتنعوا عن الجواب.

١٠٧

والأنصار الى أن قبضصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان كثير من المهاجرين والأنصار يعرفون ذلك له ويقولونه ويدعونه مولاهم كما نحله(١) رسول الله صلوات الله عليه وآله.

[ من كنت مولاه فعلي مولاه ]

ذكر من مكان يدعو عليا مولاه ممن والاه من المهاجرين والأنصار ، وقد كان لعليعليه‌السلام شيعة معروفون باعتقاد ولايته مشهورون بذلك في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد وفاته منهم سلمان وعمّار ومقداد وأبو ذر وغيرهم وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذكرهم بالفضل في ذلك ويدعوهم شيعة علي ويذكّرهم ما أعدّه الله لهم من ثوابه على ولايتهم إياه ، وروى ذلك الخاصّ والعام عنه ، وسيأتي في هذا الكتاب ما يجب أن نذكره فيه من ذلك ، ومنه قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : شيعة علي هم الفائزون ، وهو سمّاهم : الشيعة.

ومما قدّمنا ذكره مما كان يؤثر عن غيرهم ما ذكره.

[٢٨] رياح بن الحارث [ النخعي ] ، قال : كنا جلوسا عند عليعليه‌السلام إذ أقبل ركب وهم متلثمون(٢) بعمائهم حتى نزلوا وواجهوا علياعليه‌السلام ، فقالوا : السلام عليك يا مولانا. فقال لهم : وعليكم السّلام ، ألستم من العرب؟ قالوا : نعم ، نحن من الأنصار ، وهذا أبو أيوب فينا ، فحسر(٣) أبو أيوب عمامته عن وجهه ، وقال : سمعت وهؤلاء الرهط معي يوم غدير خم ، ما سمعناه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن عليه ، فقال : وما سمعتم منه؟

__________________

(١) نحله اي أعطاه وسمّاه.

(٢) اللثام : ما كان على الفم من النقاب. ( مختار الصحاح ص ٥٩٢ ).

(٣) حسر : كشف ، والانحسار : الانكشاف ( المختار ص ١٣٥ ).

١٠٨

قالوا : سمعناه يقول :

ما قد علمت إذ أخذ بيدك وأقامك ، فقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحق معه حيث دار ، فأنت مولانا ونحن أنصارك فأمرنا ما شئت. فأثنى عليهم خيرا(١) ، وتحدثوا عنده ، وانصرفوا.

[٢٩] حبيب بن يسار(٢) ، عن أبي رملة ، قال : كنت جالسا عند عليعليه‌السلام في الرحبة إذ أقبل إلينا أربعة على نجائب(٣) ، فأناخوها عن بعد ثم تقدموا حتى وقفوا على عليعليه‌السلام ، فقالوا : السلام عليك يا مولانا. قال : وعليكم السّلام ، من أين أقبلتم ، قالوا : أقبلنا من أرض كذا وكذا. قال : ولم دعوتمونى مولاكم؟ قالوا : سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه. فقال ـ عند ذلك ـ : اناشد الله رجلا سمع من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ما يقوله هؤلاء الرهط إلا قام ، فتكلم ، فقام اثنا عشر رجلا ، فشهدوا بذلك.

[٣٠] أبو نعيم الفضل بن [ دكين ](٤) قال : قلت لعطية بن خليفة : كم كان بين قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كنت مولاه ، إلى يوم وفاته؟ قال : مائة يوم(٥) .

__________________

(١) اي : دعا لهم بالخير.

(٢) وفي الأصل جبيب بن بشار.

(٣) والنجائب : جمع نجيبة ، تأنيث النجيب وهو الفاضل من كل حيوان. والمراد في الرواية الإبل.

(٤) وفي الأصل : الفضل بن زكي.

(٥) والظاهر أن عطية غير ناظر الى خطبة الرسول في غدير خم حيث إن بين واقعة الغدير ( ١٨ ذي الحجة ) وبين وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يقارب ٧٠ يوما.

١٠٩

[٣١] إبراهيم بن خيار ، عن أبي جعفر محمّد بن عليعليه‌السلام قال : تقدم الى عمر بن الخطاب رجلان يختصمان وعليعليه‌السلام جالس الى جانبه ، فقال له : اقض بينهما يا أبا الحسن ، فقال أحد الخصمين : يا أمير المؤمنين يقضي هذا بيننا وأنت قاعد. قال : ويحك أتدري من هذا؟ هذا مولاي ومولى كل مسلم ، فمن لم يكن هذا مولاه فليس بمسلم.

ومن قال ذلك ويقوله الى يوم القيامة فيما بعده ، من لا يحصى عددهم من المسلمين إلا الله ، فمن قال ذلك عارفا بحق عليعليه‌السلام وحقوق الائمة من ولده مسلّما لأمرهم ومتّبعا لما جعله الله ورسوله لهم ، فقد أخذ بحظه ، ومن أنكر ذلك وجحده فهو ممن قال الله عز وجل [ فيهم ] : «وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا » (١) .

أعاذنا الله من جميع ذلك وجميع المؤمنين وجمع على معرفتهم والتسليم لأمرهم جميع الخلق أجمعين.

__________________

(١) النمل : ١٤.

١١٠

[ عليّ كنفس رسول الله صلى الله عليه وآله ]

قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن علياعليه‌السلام كنفسه :

[٣٢] عبد الله بن شداد قال : وفد على رسول الله وفد من اليمن ، فقال لهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لتقيمن الصلاة وتؤتون الزكاة أو لأبعثن عليكم رجلا كنفسي [ يقاتل مقاتلتكم ويسبي ](١) ذراريكم و[ يأخذ ] أموالكم وهو هذا ، ثم أخذ بعضد عليعليه‌السلام .

[٣٣] صفية بنت شيبة عن ابن أنس ، قالت : توعّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل الطائف. فقال : يا أهل الطائف لتقيمن الصلاة وتؤتون الزكاة أو لأبعثن [ إليكم ] رجلا كنفسي يعصاكم بالسيف ، ثم أخذ بيد عليعليه‌السلام فرفعها. فقال عمر : بخ بخ ـ إن هذه للفضيلة ـ.

[ ضبط الغريب ]

قوله يعصاكم بالسيف ، يقال منه عصى بسيفه ، فهو يعصي ، إذا أخذه أخذ العصى ، وذلك إذا ضرب به ضرب العصى ، قال الشاعر :

__________________

(١) وفي الأصل : ( نسخة ب ) رجلا كنفسي يخمس ذراريكم واموالكم. راجع تخريج الحديث لمعرفة مصدر التصحيح.

١١١

وان المشرفية ما علمتم

إذا تعصى بها نفس الكرام

[٣٤] محمد بن حميد ، يرفعه ، قال : انقطعت نعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخذها عليعليه‌السلام ليصلحها وتخلّف ، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لئن لم ينته بنو وليعة لأبعثن عليهم رجلا كنفسي يقتل المقاتلة ويسبي الذرية ، فقال عمر لأبي ذر : يا أبا ذر من تراه يعني؟ قاله له أبو ذر ـ ورسول الله صلوات الله عليه وآله يسمعه ـ : ليس يعنيك يا عمر ولا صاحبك ، إنما يعني بذلك صاحب النعل.

وهذا خبر أيضا مأثور مشهور دلّ به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على فضل عليعليه‌السلام وإمامته إذ مثّله بنفسه وعدله به ولم يكن ينبغي لمن سمع ذلك من رسول الله صلوات الله عليه وآله وبلغه عنه أن يتقدم على عليعليه‌السلام لأن رسول الله صلوات الله عليه وآله قد جعله كنفسه وأقامه مقامه وتوعّد به من توعّده لما قد علمه الخاصّ والعام من شجاعته وشدته في أمر الله(١) وأمر رسوله ، وإنه لم يقصد أحدا فقام له ولا بارز أحدا إلا قتله ولا انهزم ولا ولّى دبره ، وكانعليه‌السلام يلبس درعا صدرا بلا ظهر ، فقيل [ له ] في ذلك؟ فقال : إذا ولّيت عدوي ظهري فليصنع فيه ما شاء(٢) .

__________________

(١) أي حريص على امتثال أوامر الله ورسوله مهما كلف الثمن.

(٢) وهذا اروع وابدع مثال للشجاعة والتضحية في سبيل الله.

١١٢

[ قول رسول الله صلى الله عليه وآله : علي مني يؤدي ديني ويقضي عداتي ]

[٣٥] جابر بن عبد الله أبي إسحاق عن بصيرة بن مريم قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام : يا علي أنت أخي ووصيي وخليفتى من بعدي وأبو ولدي تقاتل على سنتي وتقضي ديني وينجز عداتي من أحبّك في حياتك فهو كنز الله له ، ومن أحبّك بعد موتك ختم الله(١) له بالأمن والأمان ، ومن مات وهو يحبك فقد قضى نحبه بريا من الآثام ومن مات وهو يبغضك مات ميتة جاهلية وحوسب بما عمل في الإسلام.

[٣٦] [ حبشي بن جنادة السلولي ](٢) ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي مني وأنا منه ولا يقضي عني ديني إلا أنا أو علي.

وهذا أيضا خبر مأثور مشهور ، وقد قضى عليعليه‌السلام دين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنجز عداته بعد وفاته كما أمره بذلك بعد أن أمر بأن ينادى في الناس ألا من كان له على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دين أو وعده بشيء فليأت علياعليه‌السلام . فقضى ذلك من أتاه فيه وهذا لا يفعله إلا مستخلف. وكذلك لما هاجر رسول الله صلّى الله

__________________

(١) ختم الله له : أي صانه ومنحه الأمن والأمان.

(٢) وفي الاصل حبيب بن جيادة السكوني.

١١٣

عليه وآله الى المدينة استخلف علياعليه‌السلام في أهله ، وأمر بأن يقضى عنه دينه ويؤدي ما كان عنده من وديعة وأمانة الى من كان له ذلك وكان بذلك خليفته في حياته وبعد وفاته ووصيّه كما ذكر ذلكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمن ادعى الخلافة غيره أبطل هذا دعواه.

ومما قضى عنه من الدين دين الله عز وجل الذي هو أعظم الديون وذلك ما كان افترضه عليه ، فقبض صلوات الله عليه وآله قبل أن يقضيه وأوصى علياعليه‌السلام بقضائه عنه وذلك قول الله عز وجل : «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ »(١) ، فجاهد الكفار في حياته. وأمر علياعليه‌السلام أن يجاهد المنافقين بعد وفاته ، فجاهدهم وقضى بذلك دين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو أعظم [ ما ] كان عليه لربه تعالى.

[٣٧] ومن ذلك ما روي عنهعليه‌السلام إنه قال : أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بجهاد الناكثين ، فجاهدتهم ( وهم أصحاب طلحة والزبير ) بايعوني راغبين طائعين ، ثم نكثوا بيعتهم بغير سبب أوجب ذلك ، وأمرني بقتال القاسطين فقاتلتهم ( وهم أصحاب الشام معاوية وأصحابه ) ، وقالعليه‌السلام : وأمرني أن اقاتل المارقين فقاتلتهم ( وهم الخوارج ، أهل النهروان ).

[ ضبط الغريب ]

القسوط في اللغة : الميل عن الحق. قال الله عز وجل : «وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً » (٢) ، ومنه اشتق القسط : وهو اعوجاج القدمين وانضمام الساقين ، والقسط خلاف الفجج ، والإقساط خلاف القسوط ، الاقساط العدل

__________________

(١) التوبة : ٧٣.

(٢) الجن : ١٥.

١١٤

في القسمة ، يقال من القسوط ، رجل قاسط : أي مائل عن الحق ، ومن الاقساط ، رجل مقسط : أي عدل ، وإذا حكم بالعدل قيل : أقسط ، والقسط : التعديل بالحق ، يقال : أخذ كل إنسان قسطه : أي حصته بالعدل ، ومن القسوط قول غزالة للحجاج :(١) إنك عادل قاسط : أي تعدل عن الحق ، فتشرك به. وتقسط عن الحق : أي تميل عنه. فقيل لأصحاب معاوية قاسطون : لميلهم عن الحق الذي مع عليعليه‌السلام الى الباطل الذي عليه معاوية.

وقالعليه‌السلام : وأمرني أن اقاتل المارقين ( وهم الخوارج ). والمروق : الخروج من الشيء ، وهذا اسم نحله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للخوارج ، وقد ذكرهم ، فقال : يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.

__________________

(١) وقد نقل المؤرخون هذا القول للشهيد البطل سعيد بن جبير في محادثة جرت بينه وبين الحجاج بن يوسف الثقفي في مجلسه. ( راجع أعيان الشيعة مجلد ٧ / ٢٣٥ ).

١١٥

[ علي عليه السلام أمير المؤمنين والوصي والخليفة ]

نصّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على علي بالوصية والخلافة وامرة المؤمنين ، وقد ذكرت في الباب الذي قبل هذا الباب : قول النبيّ صلوات الله عليه وآله لعليعليه‌السلام : أنت أخي ووصيي. وفيما قبله من قوله له يوم جمع بني عبد المطّلب يعرض عليهم أيّهم يوازره على أمره على أن يجعله أخاه ووصيه ووليه وخليفته من بعده ، وإنهم أحجموا(١) عن ذلك. وسارع عليعليه‌السلام النبيّ. فقال لهم : هذا أخي ووصيي وخليفتي ووليي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا.

فهو كما ذكر خبر مشهور. ورواه أكثر أصحاب الحديث ، وممن رواه وأدخله في كتاب ذكر فيه فضائل عليعليه‌السلام غير من تقدمت ذكره : محمد بن جرير الطبري وهو أحد أهل بغداد من العامة عن قرب عهد في العلم والحديث والفقه عندهم ، أورده فيه ، انه قال : حدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عبد الغفار بن القاسم ، عن المنهال بن عمر ، عن عبد بن الحارث بن نوفل ، عن العباد بن الحارث بن عبد المطّلب ، عن ابن عباس ، عن عليعليه‌السلام وذكر الحديث ...

__________________

(١) أي : امتنعوا.

١١٦

وحكاه من طرق شتى غير هذا الطريق. ولو ذكرت من رواه لاحتاج ذلك الى كتاب مفرد ، وهو من أشهر الأخبار وأوضحها وأثبتها في إمامة عليعليه‌السلام من رواية العامة بذلك وإقرارهم له بأن رسول الله صلوات الله عليه وآله جعله أخاه ووصيه ووليه وخليفته من بعده وأمر الناس بالسمع والطاعة له.

[٣٨] وعن الطبري بإسناده له من عباد ، عن عليعليه‌السلام إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من يؤدي ديني ويقضي عداتي ويكون معي في الجنة؟ فقلت : أنا يا رسول الله.

[٣٩] وبإسناد له آخر ، عن أبي طفيل ، قال : قال عليعليه‌السلام لعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن وعبد الله بن عمر : اناشدكم الله هل تعلمون أن لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصيا غيري ، قالوا : اللهمّ لا.

[٤٠] وبإسناد له عن سلمان الفارسي ، قال : قلت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رسول الله إنه لم يكن نبيّ إلا وله وصي ، فمن وصيك؟؟ قال : وصيي وخليلي وخليفتي في أهلي وخير من أترك بعدي ومؤدي ديني ومنجز عداتي علي بن أبي طالب.

[٤١] وبإسناد له آخر برفعه الى علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، إنه قال : أوصاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند وفاته وأنا مسنده الى صدري ، فقال لي : يا علي ، اوصيك بالعرب خيرا ـ يقولها ثلاث مرات ـ ثم سالت نفسه في يديّ.

أقول : وإيصاؤه إياه بالعرب قاطبة مما يبين استخلافه إياه على الامة لأن ذلك لا يوصي به إلا من يملك أمرها من بعده.

[٤٢] وبآخر عن محمد بن القاسم الهمداني ، قال : شهدت مع عليعليه‌السلام

١١٧

على قتال الحرورية(١) ، فنزل بقرب دير دون النهر بأرض فلاة ، فلم يجد الناس الماء فأتوه وذكروا له ذلك فقام ودعى ببغل فركبه ثم أتى موضعا بقرب الدير ، فأدار البغل حوله سبع مرات وهو ينظر إليه ، ثم قال : احفروا هاهنا ، فحفروا ، فخرجت عين من ماء ، فشرب الناس وسقوا واستقوا ، فنزل الديراني ، فقال للناس من أنتم ، فقالوا : نحن من ترى وأخبروه بخبرهم ، فقال : إن لي في هذا الدير كذا وكذا من السنين ولحقت به من له أكثر من ذلك وما علمنا أن هاهنا ماء وكنا نخبر بأن هاهنا عينا لا يخرجها إلا نبي أو وصيّ نبي ، قالوا : فهذا وصيّ نبينا هو الذي أخرجها.

[٤٣] وبآخر رفعه الى أبي أيوب الأنصاري ، قال : مرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأتته فاطمةعليها‌السلام تعود [ هـ ] ، فلما رأت ما به من المرض ، بكت ، فقال لها : يا فاطمة ، إن الله عز وجل لكرامته إياك زوّجك أقدمهم سلما ، واكثرهم علما وأعظمهم حلما. وإن الله تبارك وتعالى اطّلع على الأرض اطلاعة ، فاختارني منها فبعثني نبيا ، ثم اطلع إليها الثانية فاختار منها بعلك(٢) فجعله لي وصيا ، وإنّا أهل بيت قد اعطينا سبعا لم يعطها أحد قبلنا : نبينا أفضل الأنبياء وهو أبوك ، ووصينا أفضل الأوصياء وهو بعلك ، وشهيدنا أفضل الشهداء وهو عمّ أبيك حمزة ، ومنّا من جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة مع الملائكة حيث يشاء وهو ابن عمّ أبيك جعفر ، ومنّا سبطا هذه الامة وهما ابناك الحسن والحسين ،

__________________

(١) الحرورية : طائفة من الخوارج نسبوا الى الحروراء موضع قريب من الكوفة وكان أول مجتمعهم وتحكيمهم فيها ، وهم أحد الخوارج الذين قاتلهم عليعليه‌السلام ( النهاية ١ / ٣٦٧ ).

(٢) البعل : الزوج.

١١٨

ومنّا والذي نفسي بيده مهديّ هذه الأمة وهو من ولد ولدك هذا ـ وضرب بيده على الحسينعليه‌السلام ـ.

[٤٤] وبآخر رفعه الى ابن عباس إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نظر الى عليعليه‌السلام وأشار بيده إليه وقال ( لمن حضره من الناس ) : هذا الوصي على الأموات من أهل بيتي والخليفة على الأحياء من أمتى.

[٤٥] وبآخر رفعه إلى أنس بن مالك. قال : كنت خادم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدعاني بوضوء ، فأتيته به فتوضأ ، ثم صلّى ركعتين ، ثم دعاني ، فقال : يا أنس يدخل عليك الآن أمير المؤمنين وسيد المسلمين وخير الوصيّين وأولى الناس بالناس أجمعين.

قال أنس : فقلت في نفسي : اللهمّ اجعله من الأنصار ، فضرب الباب ، ففتحته فاذا علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

فقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليه فجعل يمسح من وجهه ويمسحه بوجه عليعليه‌السلام ويمسح من وجه عليعليه‌السلام فيمسح وجهه ، فدمعت عينا عليعليه‌السلام ، فقال : يا نبيّ الله هل نزل فيّ شيء فما رأيتك فعلت بي مثل هذا قط؟ فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وما لي لا أفعل بك وأنت تسمع صوتي وتبرء مني وتبيّن للناس ما اختلفوا فيه من بعدي.

وهذا من قول الله عز وجل : «وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ » (١) فأقام علياعليه‌السلام لبيان ذلك من بعده.

[٤٦] وبآخر يرفعه الى حذيفة اليماني ، قال : خرج إلينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما وهو حامل الحسن والحسين على عاتقه فقال : هذان خير الناس أبا واما ، أبوهما علي بن أبي طالب أخو رسول الله صلّى الله

__________________

(١) النحل : ٦٤.

١١٩

عليه وآله ووزيره ووصيه وابن عمّه وخليفته من بعده وسابق رجال العالمين الى الإيمان بالله ورسوله وامهما فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل نساء العالمين.

وهذان خير الناس جدا وجدة ، جدهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجدّتهما خديجة أول من آمن بالله. وهذان خير الناس عمّا وعمّة ، عمّهما جعفر الطيار في الجنة وعمّتهما أم هاني بنت أبي طالب ما أشركت بالله طرفة عين(١) .

هذان خير الناس خالا وخالة ، خالهما القاسم بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخالتهما زينب بنت رسول الله.

إن الله عز وجل اختارنا ( أنا وعليا وحمزة وجعفر ) يوم بعثني برسالته وكنت نائما بالأبطح(٢) وعلي نائم عن يميني وحمزة عن يساري وجعفر عند رجلي فما انتبهت إلا بحفيف(٣) أجنحة الملائكة ، فنظرت فاذا أربعة من الملائكة ، واحدهم يقول لصاحبه : يا جبرائيل ، الى أيّ الأربعة ارسلت ، فرفسني برجله ، وقال : الى هذا.

قال : ومن هذا؟!

قال : محمد سيد المرسلين.

قال : ومن هذا عن يمينه؟؟

قال : علي سيد الوصيّين.

قال : ومن هذا عن يساره؟؟

__________________

(١) أي : لحظة.

(٢) قال ابن الأثير في النهاية ١ / ١٣٤ : الأبطح : يعني أبطح مكة وهو مسيل واديها وتجمع على البطاح والأباطح. ومنه قيل قريش البطاح وهم الذين ينزلون أباطح مكة وبطحاءها.

(٣) أي : محدقة به.

١٢٠