شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار الجزء ١

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار11%

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 502

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 502 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187749 / تحميل: 9852
الحجم الحجم الحجم
شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ماذا سميتموه ؟ فقلنا : سمّيناه حرباً ، فقال : لا ولكن اسمه محسن ، ثم قال : إنّي سميتهم ببني هارون : شبّر ، وشبيراً ، يقول : حسن وحسين.

الثاني من المصادر هو مسند أبي داود الطيالسي(1) ( ت 204 ه‍ ) ، فقد ورد فيه الحديث مرّة واحدة كما يلي :

حدّثنا أبو داود قال : حدّثنا قيس عن أبي إسحاق قال : سمعت هانئ بن هانئ يحدّث عن عليّ قال : لما ولد الحسن بن عليّ قلت : سمّوه حرباً ـ وقد كنت أحب أن أكتني بأبي حرب ـ فأتى رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فدعا به ، قلنا : سمّيناه حرباً ، قال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : بل هو الحسن ، فلمّا ولد الحسين سمّيناه حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : هو حسين.

وراجع منحة المعبود في ترتيب مسند أبي داود للساعاتي(2) تجد الحديث أيضاً.

الثالث من المصادر : الطبقات الكبرى لابن سعد(3) ( ت 231 ه‍ ) الطبقة الخامسة ، جاء فيه الحديث بصورتين :

1 ـ قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى ، قال : حدّثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لمّا ولد الحسن سمّيته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ، ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ، ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو محسّن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّرا.

__________________

(1) مسند أبي داود الطيالسي 1 : 19 ، ح 129.

(2) منحة المعبود في ترتيب مسند أبي داود للساعاتي 2 : 129 ـ 130.

(3) الطبقات الكبرى لابن سعد 1 : 240.

٢١

2 ـ قال : أخبرنا الحسن بن موسى ، قال : حدّثنا زهير بن معاوية ، عن أبي إسحاق قال : لما ولد الحسن سمّاه عليّ حرباً ، قال : وكان يُعجبه أن يكنّى أبا حرب ، فقال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : وما سميتم ابني ؟ قالوا : حرباً ، قال : ما شأن حرب وهو حسن.

فلمّا ولد حسين سماه عليّ حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميتم ابني ؟ قالوا : حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما شأن حرب ؟ بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث سمّاه حرباً ، فقال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميتم ابني ؟ قالوا : حرباً ، فقال : ما شأن حرب هو محسِن أو محسّن.

الرابع من المصادر هو مسند أحمد بن حنبل(1) ( ت241 ه‍ ) ، فقد ورد فيه الحديث كما يلي :

حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، حدّثنا يحيى بن آدم ، حدّثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميته ؟ قال : قلت : حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميته ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلما ولد الثالث سميته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميته ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّر.

وأورده مرّة ثانية وثالثة(2) بسند آخر ، وتفاوت في اللفظ وإليك نصّه :

حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، حدّثنا حجاج ، حدّثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين قال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلمّا ولد

__________________

(1) مسند أحمد بن حنبل 1 : 98.

(2) المصدر نفسه 1 : 118.

٢٢

الثالث جاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّر.

وأخرجه عن أحمد الديار بكري في تاريخ الخميس ، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب(1) ، وأخرجه أحمد أيضاً في كتاب الفضائل كما في ( الحسين والسنة )(2) .

والغريب أنّ من الشيعة من أخرج ذلك دون التنبيه إلى ما فيه من خفايا البلايا ، كما مرّ في ذكر المصادر الشيعية التي تسرّب إليها الحديث.

الخامس من المصادر هو الأدب المفرد للبخاري(3) ( ت 256 ه‍ ) ، جاء فيه الحديث بصورة واحدة :

حدّثنا أبو نعيم ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسنرضي‌الله‌عنه سميته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو حسن.

فلما ولد الحسينرضي‌الله‌عنه سميته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلما ولد الثالث سميته حرباًَ ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : إنّي سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّر.

وعقّب المحقق على ذلك فقال : ليس في شيء من الكتب الستة ، وجاء في كتاب فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد(4) ، تأليف فضل الله الجيلاني استاذ في الجامعة العثمانية ما يلي : أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب من طريقين

__________________

(1) تاريخ الخميس 1 : 418 , كفايه الطالب : 352.

(2) الحسين والسنة : 15.

(3) الأدب المفرد للبخاري : 213.

(4) فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد تأليف فضل الله الجيلاني 2 : 288.

٢٣

كلاهما عن إسرائيل إلى آخره ، والحاكم وقال : صحيح الاسناد ، وأحمد ، وقال الحافظ في الإصابة : إسناده صحيح.

السادس من المصادر هو أنساب الأشراف للبلاذري(1) ( ت 279 ه‍ ) ، فقد جاء فيه :

حدّثني أبو عمرو الزيادي ، حدّثنا عبد الله بن رجاء ، حدّثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق أنّ علياً قال : لمّا ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، فقال : هو الحسن ، فلمّا ولد الحسين سميناه حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، فقال : هو الحسين ، فلما ولد الثالث جاء فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً قال : هو محسن ، إنّما سميتهم بأسماء ولد هارون شبر شبير ومشبر.

حدّثنا عبد الله بن صالح ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق بنحوه ، ورواه أيضاً بسندٍ آخر عن ابن سعد ، ذكره في ترجمة الحسينعليه‌السلام (2) .

السابع من المصادر هو المعجم الكبير للطبراني(3) ( ت 360 ه‍ ) ، جاء فيه الحديث بخمسة أسانيد :

1 ـ حدّثنا عثمان بن عمر الضبّي ، حدّثنا عبد الله بن رجاء ، أخبرنا إسرائيل ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين سميناه حرباً ، فأتى رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : ائتوني بابني ما سميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو حسين ، فلما ولد الثالث سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بولد هارون شبر وشبير ومشبّر.

__________________

(1) أنساب الأشراف للبلاذري 1 : 404.

(2) ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام 3 : 144.

(3) المعجم الكبير للطبراني 3 : 100 ـ 101.

٢٤

2 ـ حدّثنا محمّد بن يحيى بن سهل بن محمّد العسكري ، ثنا سهل بن عثمان ، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن ابن عليّرضي‌الله‌عنه جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سمّيتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين بن عليّرضي‌الله‌عنه جاء فقال مثل قوله ، فقلت : سميته حرباً ، فقال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث جاء فقال مثل قوله ، فقلت : سميته حرباً ، فقال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بولد هارون شبر وشبير ومشبر.

3 ـ حدّثنا محمّد بن أبان الأصبهاني ، حدّثنا إسماعيل بن عمرو البجلي ، ثنا قيس بن الربيع ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : كنت أحبّ أن أكتني بأبي حرب ، فلمّا ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : ما سميتم ؟ فقلت : سميته حرباً ، فقال : هو الحسن.

4 ـ حدّثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا أبو كريب ، ثنا إبراهيم بن يوسف ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فقال لي : لا ولكن سمّه حسناً ، ثم ولد الحسين فسميته حرباً ، فقال لي رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميته ؟ فقلت : حرباً ، قال : بل سمّه حسيناً ، ثم ولد آخر فسميته حرباً ، فقال( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميته ؟ قلت : حرباً ، قال : سمّه محسناً.

5 ـ حدّثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا عبد الله بن عمر بن أبان ، ثنا يحيى بن عيسى الرملي التميمي ، ثنا الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد قال : قال عليّرضي‌الله‌عنه : كنت رجلاً أحب الحرب ، فلمّا ولد الحسن هممت أن أسميه حرباً ، فسمّاه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) الحسن ، فلما ولد الحسين هممت أن أسميه حرباً فسمّاه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) الحسين ، وقال( صلّى الله عليه وسلّم ) : إنّي سميت إبنيّ هذين باسم إبني هارون شبراً وشبيراً.

الثامن من المصادر هو المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري(1) ( ت 405 ه‍ ) ، جاء فيه بصورتين :

__________________

(1) المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري 3 : 165.

٢٥

1 ـ أخبرنا أبو العباس محمّد بن أحمد المحبوبي بمرو ، ثنا سعيد بن مسعود ، ثنا عبيد الله بن يونس ، أنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولدت فاطمة الحسن جاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قال : قلت : حرباً ، قال : بل هو حسن.

فلمّا ولدت الحسين جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : أروني ابني ما سمّيتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسين ، ثم ولدت الثالث جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : أروني ابني ما سمّيتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : إنّما سميتهم باسم ولد هارون شبر وشبير ومشبر.

وعقّب الحاكم على الحديث بقوله : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ، وتبعه الذهبي في التلخيص ، فذكر الحديث مبتدءاً بالسند من هانئ بن هانئ ثم قال في آخره : صحيح ، رواه إسرائيل عن جدّه.

ثم إنّ الحاكم أخرج الحديث مرّة ثانية(1) كما يلي :

2 ـ حدّثنا أبو الحسن عليّ بن محمّد الشيباني بالكوفة ، حدّثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري ، ثنا جعفر بن عون ، ثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لما أن ولد الحسن سميته حرباً ، فقال لي النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو الحسن ، فلمّا ولد الحسين سميته حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : هو الحسين ، فلما ولد محسن قال : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال هو محسن ، ثم قال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : إنّي سمّيت بَنيّ هؤلاء بتسمية هارون بنيه شبّراً وشبيراً ومشبّراً.

وعقّب الحاكم على الحديث بقوله : هذا الحديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ، وذكره الذهبي في التلخيص مختصراً وعقب بقوله : قلت مرّ من حديث إسرائيل.

__________________

(1) المصدر نفسه 3 : 168.

٢٦

التاسع من المصادر هو السنن الكبرى للبيهقي(1) ( ت 458 ه‍ ) ، جاء فيه :

أخبرنا أبو عليّ الروذباريّ ، أنبأ عبد الله بن عمر بن أحمد بن شوذب المقري بواسط ، أنبأ شعيب بن أيوب ، ثنا عبيد بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لمّا ولد الحسن سمّيته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو حسن.

ثم ولد الحسين فسميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ماسميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّر.

ثم قال البيهقي : رواه يونس بن أبي إسحاق عن أبيه ، وقال في الحديث : إنّي سميت بَنيّ هؤلاء بتسمية هارون بنيه ، وروي في هذا المعنى أخبار كثيرة.

وجاء فيه أيضاً(2) : أخبرنا عليّ بن أحمد بن عبدان ، أنبأ أحمد بن عبيد ، ثنا عثمان بن عمر ، ثنا ابن رجا ، ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، ح ( حيلولة ) وحدّثنا أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو الحسن عليّ بن محمّد الشيباني بالكوفة ، ثم ساق الحديث سنداً ومتناً كما مرّ في الحديث الثاني عند الحاكم في المستدرك حرفاً بحرف ، ثم عقّب البيهقي بقوله : لفظ حديث يونس ، وفي رواية إسرائيل : أروني ابني ما سميتموه ؟ والباقي بمعناه.

العاشر من المصادر هوتاريخ دمشق لابن عساكر ( ت 571 ه‍ ) ، ( ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام بتحقيق المحمودي )(3) جاء الحديث فيه بثلاث صور :

__________________

(1) السنن الكبرى للبيهقي 6 : 163.

(2) المصدر نفسه 7 : 63.

(3) ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من تاريخ دمشق : 17 ـ 18.

٢٧

1 ـ أخبرنا أبو العز بن كادش ، أخبرنا أبو محمّد الجوهري ، أخبرنا عليّ بن محمّد بن أحمد ابن نصير ، أخبرنا جعفر بن محمّد بن عتيب ، أخبرنا محمّد بن خالد بن خداش ، أخبرنا سالم بن قتيبة ، أخبرنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : هو الحسن.

فلما ولد الحسين سميته حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : هو الحسين ، فلما ولد محسن سميته حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : فهو محسن ، ثم قال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : إنّي سميت بَنيّ هؤلاء تسمية هارون بنيه شبراً وشبيراً ومشبراً.

2 ـ أخبرنا أبو غالب ابن البناء ، أخبرنا أبو الحسين ابن الآبنوس ، أخبرنا أبو الحسن الدارقطني ، أخبرنا محمّد بن القاسم بن زكريا ، أخبرنا أبو كريب ، أخبرنا إبراهيم بن يوسف ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، أنّه حدّثه عن عليّ قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فقال لي رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميته ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : لا ولكن اسمه حسن ، ثم ولد لي الحسين سميته حرباً ، فقال لي رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميته ؟ قلت : سميته حرباً ، فقال : لا اسمه حسين ، ثم ولد لي فقال : ما سميته ؟ قلت : سميته حرباً ، فقال : لا اسمه محسن.

قال الدارقطني : تفرد به إبراهيم بن يوسف عن أبيه.

3 ـ أخبرنا أبو عليّ بن السبط ، أخبرنا أبو محمّد الجوهري ، وأخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، أخبرنا أبو عليّ ابن المذهب ، قالا : أخبرنا أحمد بن جعفر ، أخبرنا عبد الله ، حدّثني أبي ، أخبرنا يحيى بن آدم ، أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قال : قلت : حرباً ، قال : بل هو حسن.

٢٨

فلما ولد الحسين سمّاه حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قال : قلت : حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث سمّيته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر شبير مشبر.

الحادي عشر من المصادر هو أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير(1) ( ت 630 ه‍ ) ، جاء فيه في ترجمة الحسن :

قال عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه : لما ولد الحسن جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلما ولد الحسين سمّيناه حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث جاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبر.

وجاء أيضاً ثانياً(2) ذكر الحديث الآنف الذكر في ترجمة الحسين مع ذكر اسناده المنتهي إلى أحمد بن حنبل ، وحيث تقدّم في المصدر الثالث فلا حاجة إلى إعادته.

وجاء فيه أيضاً(3) في ترجمة المحسن اعادة الحديث بنفس السند السابق.

الثاني عشر من المصادر هو ( مجمع الزوائد )(4) للهيثمي ( ت 807 ه‍ ) ، جاء فيه ذكر الحديث المروي عن هانئ بن هانئ ، ثم قال الهيثمي : رواه أحمد والبزار إلاّ أنّه قال : سميتهم بأسماء ولد هارون جبر وجبير ومجبّر. والطبراني ، ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح غير هانئ بن هانئ ، وهو ثقة.

__________________

(1) اُسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير 2 : 10 ـ 18.

(2) المصدر نفسه 2 : 18.

(3) المصدر نفسه 4 : 308.

(4) مجمع الزوائد للهيثمي 8 : 52.

٢٩

ثم ورد في المصدر المذكور الحديث الآخر : وعنه ـ عن عليّ ـ قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، وكنت أحب أن أكتني بأبي حرب ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فحنكه ، فقال : ما سميتم ابني ؟ فقلنا : حرباً ، فقال : هو الحسن ، ثم ولد الحسين فسميته حرباً ، فأتى النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فحنكه فقال : ما سميتم ابني ؟ فقلنا : حرباً ، فقال : هو الحسين.

ثم قال الهيثمي : رواه البزار والطبراني بنحوه بأسانيد ، ورجال أحدهما رجال الصحيح.

الثالث عشر من المصادر هو عيون الأخبار وفنون الآثار(1) للداعي المطلق إدريس عماد الدين القرشي ( ت 872 ه‍ ) ، جاء فيه ما لفظه :

وروي عن أبي غسان بإسناده عن عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : لما ولد الحسن بن عليّ سمته أمّه حرباً ، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : لا بل هو حسن.

فلما ولد الحسين سمته أمّه أيضاً حرباً ، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : لا بل هو حسين ، فلمّا ولد محسن سمّته أمه حرباً ، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : لا ، بل هو محسن ، ثم قال : إنّي سميتهم بأسماء أولاد هارون شبر وشبير ومشبر.

وعقّب المؤلف على ذلك بقوله : ومن هذه الرواية دليل على أنّ محسن ولد على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأشهر الذي عليه الإجماع أيضاً أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سمّاه وهو في بطن فاطمة ، وأنّها أسقطته حين راعها عمر بن الخطاب ودفع على بطنها الباب ، والله أعلم بالصواب.

تعقيب على صور الحديث :

هذه نماذج من صور الحديث في مختلف المصادر ، وهي من الأمهات التي يرجع إليها المتأخرون وعنها يأخذون ، وحسب القارئ هذه المصادر الإثنى عشر

__________________

(1) عيون الأخبار وفنون الآثار 4 : 6.

٣٠

فهي تُغني عن غيرها ، ولنعد الآن إلى صور الحديث فنُلقي عليها نظرة فاحصة ، لنعرف مدى التفاوت الذي حصل بين ما جاء في أقدم مصدر ، وبين ما جاء بعده ، مع العلم بأنّ الحديث واحد ، وراويه الأول واحد ، ثم الذي رواه عنه أيضاً هو واحد ، فلماذا نجدُ التفاوت ؟

ومهما كان ذلك لفظياً أو بسيطاً ، فهو بالتالي يكشف عن عدم الدقة في النقل ، ويورث ذلك عدم الثقة بالناقل ، وبالتالي إلى عدم اعتبار الحديث ، فخذ أمثلة على ذلك :

1 ـ جاء في ثاني المصادر وهو كتاب ( مسند الطيالسي ) فقد روى حديث أبي إسحاق بن يحيى ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ ، وقد ورد فيه أنّ علياً كان يحب أن يكتنى بأبي حرب فسمّى ولده حرباً ، فغيّره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسمّاه حسناً ، ثم ولد الحسين سماه عليّ حرباً وغيّره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسمّاه حسيناً.

وإلى هنا انتهى الحديث ولم يأت عن ولادة الثالث شيئاً ، ولا عن تسمية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لهما باسم ابني هارون ، بينما نجد نفس الحديث بنفس السند في المصادر التالية فيه نقص وفيه زيادة ، ففي بعضها ليس فيه ذكر لمحبة عليّ أن يكتني بأبي حرب ، بينما فيه زيادة ذكر ولادة المحسن وأنّ علياً سمّاه حرباً ، فغيّره النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) وسمّاه المحسن ، مضافاً إلى زيادة قوله( صلّى الله عليه وسلّم ) : سميتهم بأسماء ولد هارون الخ. فمن أين جاءت تلك الزيادة ؟ ولماذا طرأ ذلك النقصان ، فاختفت محبة عليّ أن يكتنى بأبي حرب !!

2 ـ وخذ مثالاً ثانياً ما جاء في الحديث الثاني الذي رواه ابن سعد في الطبقات ، وهو الثالث في سُلّم المصادر ، تجد الحديث يرويه أبو إسحاق مرسلاً ليس فيه ذكر عمّن أخذه ، وفيه تجد حبّ عليّ أن يكتني بأبي حرب ، وفيه زيادة أخرى هي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كل ولادة : ( ما شأن حرب وهو حسن ) ( ما شأن حرب وهو حسين ) ( ما شأن حرب وهو محسن أو محسّن ) [ بالتشديد ] وهذه الزيادة

٣١

الأخيرة لم ترد إلاّ في حديث أبي إسحاق المرسل الذي أخرجه ابن سعد في الطبقات ، ولم ترد في بقية المصادر التي أوردت الحديث.

3 ـ وخذ مثالاً ثالثاً حديث هانئ بن هانئ عن عليّ ، وقارن بين ألفاظه في مختلف مصادره تقف على التفاوت فيها ، ولابدّ لنا من الإشارة إلى أنّ هانئ بن هانئ الذي حدّث عن عليّعليه‌السلام لم يروِ عنه غير أبي إسحاق ، كما سيأتي بيان ذلك.

فهذا التفاوت والاختلاف إما أن يكون منه أو من أبي إسحاق ، وفي كلتا الحالتين يتطرق الريب إلى صدقهما في النقل ، أما الحمل على رجال السند من بعد أبي إسحاق حتى أصحاب المصادر ربّما كان فيه تجنٍ عليهم ، لأنّهم رووا ما سمعوا ، وإن كانت المؤاخذة قد ترد عليهم حين رووا ذلك على ما فيه من تفاوتٍ وتهافت.

4 ـ وخذ مثالاً رابعاً ما جاء في المصدر الثاني عشر ، ففيه مضافاً إلى إرساله أنّ الذي سمّى الأبناء بحرب هي أمهم فاطمةعليها‌السلام ، وهذا بخلاف ما مرّ أنّ علياًعليه‌السلام هو الذي سمى أو أحبّ أن يسمّي ، فجميع هذه الملاحظات تسقط الحديث المذكور عن الاعتبار.

والآن لنقرأ شيئاً عن الرواة لنعرف وزنهم في ميزان الجرح والتعديل.

٣٢
٣٣

الفصل الثاني

البحث عن رجال الاسناد

ولنبدأ بهم حسب ذكرهم في المصادر ، فرجال الحديث فيالمصدر الأول ـ وهو سيرة ابن إسحاق ـ قال : أنا ( أخبرنا ) يونس ، عن يونس بن عمرو ، عن أبيه ، عن هانئ بن هانئ.

فيونس الأول هو : ابن بكير ، قال الآجري عن أبي داود : ليس هو عندي بحجة ، كان يأخذ ابن إسحاق فيوصله بالأحاديث ، ومع ذلك قالوا عنه : كان صدوقاً إلاّ أنّه كان يتبع السلطان ، وكان مرجّئاً ، ومع ذلك روى له مسلم متابعة !!

ويونس الثاني هو : ابن عمرو ـ أبي إسحاق ـ السبيعي روى عن أبيه ، وقد أثنوا عليه في كتب الرجال ، ومن الثناء عليه : كان يقدم عثمان على عليّ ، ولعل ذلك هو سبب قول أبي حاتم : صدوق لا يحتج به ( خلاصة تهذيب الكمال ).

وفي المصدر الثاني : وهو ( مسند أبي داود الطيالسي ) : حدّثنا قيس ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّعليه‌السلام .

فأما قيس ـ شيخ أبي داود ـ فقد قال هو نفسه عنه : ما أخرجت له إلاّ ثلاثة أحاديث ، حدّث بأحاديث عن منصور هي عن عبيدة ، وأحاديث عن مغيرة هي

٣٤

عن فراس ، وقال أحمد : روى أحاديث منكرة ، وكان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عن قيس ، وكان ابن معين يقول عنه : ليس بشيء ، وقال : ضعيف الحديث لا يساوي شيئاً(1) .

أما باقي رجال السند فستأتي حالهم عند ذكر المصادر التالية حسب تسلسلها.

وفي المصدر الثالث : وهو الطبقات الكبرى فقد روى ابن سعد عن عبيد الله بن موسى ، قالوا عنه : ثقة يتشيع ، عن إسرائيل بن يونس : ثقة تكلّم فيه بلا حجة ، عن أبي إسحاق السبيعي ثقة عابد اختلط بآخره ، عن هانئ بن هانئ الهمداني الكوفي ، قال ابن المديني : مجهول ، وقال الشافعي : لا يُعرف ، وأهل العلم لا ينسبون حديثه لجهالة حاله(2) .

وقال ابن سعد في الطبقات(3) : كان يتشيع وهو منكر الحديث.

وقال الذهبي(4) : ليس بالمعروف ، وقد ورد ذكره في كتب الرجال الشيعية ، ولم يذكر فيه مدح ، نعم روي أنّه كان من آخر رسل أهل الكوفة إلى الحسينعليه‌السلام ، هو وسعيد بن عبد الله الحنفي يطلبون منه القدوم عليهم ، وأنّهم ينتظرونه ولا رأي لهم في غيره ، فأجابهمعليه‌السلام وأرسل الجواب مع الرسولين المذكورين ، كما ذكر ذلك الشيخ المفيد في الإرشاد(5) ، والطبري(6) وغيره ذكروا مثل ذلك.

__________________

(1) تهذيب التهذيب 8 : 393.

(2) المصدر نفسه 11 : 12.

(3) طبقات ابن سعد 6 : 155.

(4) المغني في الضعفاء 2 : 707.

(5) الارشاد : 203.

(6) تاريخ الطبري 6 : 198.

٣٥

ولدى التحقيق في أسماء شهداء الطف لم أقف على ذكر لهانئ بن هانئ المذكور بينهم ، بينما ورد اسم سعيد بن عبد الله الحنفي في عداد الشهداء ، وكان من المفترض فيه أن يكون كزميله الحنفي ولم يذكر أنه كذلك ، ونكتفي بهذا عنه ، ويتضح أنّ الرجل مجهول الحال أو مجروح ، ومَن وثقه لا يقوم بحجة ترفع أقوال الجارحين من أئمة الفن.

وقد قال ابن عبد البر في الاستقصاء ( ترجمة رقم 2182 ) : كل مَن لم يرو عنه إلاّ رجل واحد لا يعرف إلاّ بذلك ، فهو مجهول عندهم لا تقوم به حجة.

فتبيّن أنّ الحديث بهذا السند الضعيف لا يصح أن يحتج به.

أما الحديث الثاني في الطبقات فهو عن الحسن بن موسى ، وهو الأشيب أبو عليّ البغدادي ثقة ، عن زهير بن معاوية أبو خيثمة ثقة ثبت وسماعه عن أبي إسحاق بآخرة ، وقد تقدم أن أبا إسحاق اختلط بآخرة فلاحظ ذلك ، فالحديث مضاف إلى إرساله إذ لم يدرك أبو إسحاق الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ليروي عنه ، فأبو إسحاق في هذا إما مرسِل أو مدلِّس ، لأنّه روى الحديث كما مرّ بالسند الأول عن هانئ بن هانئ وهو هنا لم يذكره.

أما أسانيد المصادر الباقية فحيث أنّها تنتهي إلى إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ ، وقد عرفنا حال هؤلاء ، فلا حاجة إلى بسط القول في الرجال الّذين رووا الحديث عن إسرائيل ، يبقى لنا و قفة عابرة مع أولئك الّذين اهتموا بتصحيح الاسناد كالبزار والحاكم والهيثمي وغيرهم ممّن سبقت الإشارة إلى أقوالهم ، فإنّ حجتهم ـ الواهية ـ أنّ رجال بعض أسانيده هم رجال الصحيح ، كما مرّ عن رجال أحمد والبزار وحكاه الهيثمي. وكأنّ الصحيح عندهم هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وأسفي على تلك الجهود المضاعة لإثبات أنّ صحيح البخاري هو أصح كتاب بعد كتاب الله ، مع كثرة ما فيه من هنات وهفوات ، وما أخذ عليه وفيه من مؤاخذات ، يعرفها أولئك المخرفون قبل غيرهم.

٣٦

ومهما يكن حالهم فلسنا بصددهم ، وإنّما الذي يهمنا أن نقوله : إنّ جميع الأسانيد في الحديث في جميع المصادر تنتهي إلى أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ ، ومرّت بنا كلمة الشافعي وغيره ، فلا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يحتج بالحديث المذكور ، وكذلك بالنسبة إلى الحديث الثاني الذي رواه أبو إسحاق مرسلاً.

بقى هنا شيء يجب أن ننبه عليه ، هو ما جاء مرسلاً عن سالم بن أبي الجعد ، قال عليّ : كنت رجلاً أحبّ الحرب ، فلما ولد الحسن هممت أن أسميه حرباً ، فسمّاه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) الحسن ، قال : فلما ولد الحسين فهممت أن أسميه حرباً لأنّي كنت أحبّ الحرب ، وسماه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) الحسين ، وقال : إنّي سميت ابنيّ هذين باسمي ابني هارون شبراً وشبيراً.

وهذا الحديث أخرجه ابن سعد في الطبقات(1) ، والهيثمي في مجمع الزوائد(2) ، والطبراني في المعجم الكبير(3) ، ولمّا كان مرسلاً فلا حاجة إلى عطف النظر إلى رجال السند فيه.

كما لا حاجة إلى البحث عن أبي غسان الراوي للحديث مرسلاً عن عليّعليه‌السلام كما في المصدر الثاني عشر ، فلا تغني معرفة حاله ، مع جهالة الراوي عنهم من رجاله ، وهذا هو المصدر الوحيد الذي ذكرته وصاحبه من غير أهل السنة ، كما أنّه ليس من الشيعة الإمامية ، بل هو من الإسماعيلية ، وإنّما ذكرته للتنبيه على تسرّب حديث الاكتناء بأبي حرب في التراث الإسلامي ، دون الالتفات إلى ما فيه من هناة.

__________________

(1) طبقات ابن سعد : 239.

(2) مجمع الزوائد 8 : 52.

(3) المعجم الكبير 3 : 97.

٣٧

الفصل الثالث

البحث عن متن الحديث

والبحث في هذا المجال يكون من خلال ست نقاط على النحو التالي :

النقطة الأولى : وفيها تحقيق المراد من اسم حرب ، فهل هو اسم المعنى الوصفي ؟ أم اسم العلم الشخصي ؟ وما المراد منهما في الحديث.

النقطة الثانية : هل كان اسم حرب من الأسماء المبغوضة أم المحبوبة ؟

النقطة الثالثة : ماذا كان يعني إصرار الإمام ـ إن صدقت الأحلام ـ في تسمية أبنائه بحرب اسم المعنى الوصفي ، أم اسم العلم الشخصي ؟

النقطة الرابعة : ما هي الدوافع المغرية في شخصية حرب اسم العلم الشخصي ؟ بدءاً من آبائه ، ومروراً به ، وانتهاءاً بأبنائه ؟

النقطة الخامسة : في كنى الإمام وما هي أحبّ كناه إليه ؟

النقطة السادسة : وأخيراً ماذا وراء الأكمة من تعتيم وظلمة لتضليل الأمة ؟

٣٨
٣٩

النقطة الأولى

في تحقيق المراد من اسم حرب

النقطة الأولى : في تحقيق المراد من اسم حرب وهل هو اسم المعنى ؟ أم اسم العلم ؟ ومن المراد منهما في الحديث ؟

إذا رجعنا إلى المصدر الأول والحديث الثالث من المصدر الخامس ، وجدنا قول الإمام ـ فيما نسب إليه ـ : « وقد كنت أحبّ أن أكتني بأبي حرب » وفي مرسل أبي إسحاق كما في المصدر الثاني نقرأ قول أبي إسحاق : « وكان يعجبه أن يكنّى أبا حرب » ، أما في مرسل سالم بن أبي جعد نقرأ قول الإمام : « كنت رجلاً أحبّ الحرب ».

ومهما أغضينا النظر عن الاختلاف في معاني الكلمات الثلاث ، فإنّ هذا إن دل على شيء فيدلّ على أنّ المراد بحرب هو اسم المعنى الوصفي ، ولعله إستناداً إلى ذلك ذهب العقّاد ـ وربما غيره أيضاً ـ إلى أنّ المراد من حب الإمام أن يكتني بأبي حرب ؛ لأنّه رجل شجاع يحب الحرب ، فلنقرأ ما يقوله العقّاد ، وهو يتحدث عن سيرة الإمام مع بنيه ، بعد أن حكى قول الإمام في حق الوالد على الولد ، وحق الولد على الوالد وهو : ( أن يحسّن اسمه ، ويحسّن أدبه ، ويعلّمه القرآن ).

قال العقّاد : ومن إحسان التسمية أنّه همّ بتسمية ابنه حرباً ، لأنّه يرشحه للجهاد وهو أشرف صناعاته ، لولا أنّ رسول الله سمّاه الحسن وهو أحسن ، فجرى على

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

طالبعليه‌السلام ؟ قال : نعم إياه أعني!. قال : يا نافع ، أتقول إن الله عز وجل أعلم نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما هو كائن في هذه الامة الى يوم القيامة ولم يعلمه بأمر عليعليه‌السلام ؟ لقد قلت إذا قولا عظيما ، أم تقول لغاسل جسد نبينا ومواري جثته ، ومن قضى مواعيده هذه؟؟ لقد قلت إذا قولا عظيما ، ما كان الله عز وجل أن يفعل هذا بوليّه وصفيّه ونبيّه ، فيغسل جسده ويواري جثته ويقتضي مواعيده من يضل بعده.

ويحك يا نافع : إني شهدت ولم تشهد ، وسمعت ولم تسمع ، شهدت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الغدير ، فأمر بشجرات هنالك فكسح ما تحتهن ، وسمعته يقول : أيها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فأجبناه كلنا : بلى يا رسول الله ، فأخذ يده فوضعها على يد علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ثم رفعها حتى رأينا بياض إبطيهما ، ثم قال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. قال : فقاموا بعضهم يبصر في وجوه بعض ، وافترقوا من يومئذ.

[٢٥] أبو الجارود ـ زياد بن المنذر ـ ، قال : كنت عند أبي جعفر محمد بن عليعليه‌السلام وعنده جماعة ، فقال أحدهم : يا ابن رسول الله ، حدّثنا حسن البصري حديثا ابتدأه ثم قطعه ، فسألناه تمامه ، فجعل يروع لنا عن ذلك. قال : وما حدّثك به؟ ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله حمّلني رسالة ، فضاق بها صدري وخفت أن يكذبني الناس ، فتواعدني إن لم ابلغها أن يعذبني ، ثم قطع الحديث ـ يعني الحسن البصري ـ. فسألناه تمامه ، فجعل يروغ لنا عن ذلك ولم يخبرنا به.

فقال أبو جعفرعليه‌السلام : ما لحسن؟ قاتل الله حسنا ، أما والله لو

١٠١

شاء أن يخبركم لأخبركم ، لكني أنا أخبركم ، إن الله عز وجل بعث محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى الناس بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمّدا رسول الله وإقامة الصلاة فيها بالناس ، فأقلّوا وكثّروا. فأتاه جبرائيلعليه‌السلام ، قال : يا محمّد ، علّم الناس صلاتهم وحدودها ومواقيتها وعددها ، فجمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس ، ثم قال : أيها الناس ، إن الله قد فرض عليكم صلاة الظهر كذا وكذا ، وحدودها ووقتها وعددها ، والعصر كذا وكذا ، وحدودها ووقتها وعددها ، والمغرب كذا وكذا ، وحدودها ووقتها وعددها ، والعشاء كذا وكذا ، وحدودها ووقتها وعددها ، والفجر كذا وكذا ، وحدودها ووقتها وعددها.

ثم قال أبو جعفرعليه‌السلام : فهل تجدون هذا في كتاب الله؟ قالوا : لا.

قال : ثم انزل الله فرض الزكاة ، فأعطى هذا من دنانيره وهذا من دراهمه وهذا من تمره وهذا من زرعه(١) ، فأتاه جبرائيل فقال : يا محمد علّم الناس من زكاتهم كما علّمتهم من صلاتهم ، فجمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس ، ثم قال أيها الناس إن الله عز وجل قد فرض عليكم الزكاة ، فمن عشرين دينارا نصف دينار ، ومن مائتي درهم خمسة دراهم ، ومن الابل كذا وكذا ، ومن البقر كذا ، ومن الغنم كذا ، ومن الزرع كذا.

ثم قال أبو جعفرعليه‌السلام : فهل تعلمون هذا من كتاب الله تعالى؟ قالوا : لا.

قال : ثم أنزل الله عز وجل فرض الصيام ، وانما كانوا يصومون يوم

__________________

(١) أي الحنطة والشعير.

١٠٢

عاشوراء(١) ، فأتى جبرائيلعليه‌السلام فقال : يا محمد علّم الناس من صومهم كما علّمتهم من صلاتهم وزكاتهم ، فجمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس ، ثم قال : أيها الناس إن الله عز وجل قد فرض عليكم صيام شهر رمضان تمسكون في نهاره عن الطعام والشراب والجماع ، وتفعلون كذا وكذا حتى أتى على فرائض الصوم.

ثم قال أبو جعفرعليه‌السلام : فهل تجدون هذا في كتاب الله؟ قالوا : لا.

قال : ثم أنزل الله عز وجل فريضة الحج فلم يعرفوا كيف يحجّون ، فأتاه جبرائيل ، فقال : يا محمد ، علّم الناس من حجهم كما علّمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم ، فجمع رسول الله صلوات الله عليه وآله الناس ، ثم قال : أيها الناس إن الله عز وجل قد فرض عليكم الحج ، فطواف بالبيت وسعي بين الصفا والمروة ووقوف بعرفات ورمي الجمار كذا وكذا حتى أتى على مناسك الحج.

ثم قال أبو جعفرعليه‌السلام : فهل تجدون هذا في كتاب الله؟ قالوا : لا.

قال : ثم أنزل الله عز وجل فريضة الجهاد فلم يعلموا كيف يجاهدون ، فأتاه جبرائيلعليه‌السلام ، فقال : يا محمد علّم الناس من جهادهم كما علّمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجّهم ، فجمع رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله الناس ، ثم قال : أيها الناس إن الله عز وجل قد فرض عليكم الجهاد في سبيله بأموالكم وأنفسكم ، وبيّن لهم حدوده ، وأوضح لهم شروطه.

__________________

(١) وهو يوم العاشر من شهر محرم الحرام.

١٠٣

ثم افترض الله عز وجل الولاية ، فقال : «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ » (١) .

فقال المسلمون : هذا بعضنا أولياء بعض ، فجاءه جبرائيلعليه‌السلام ، فقال : يا محمد ، علّم الناس من ولايتهم كما علّمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجّهم وجهادهم. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا جبرائيل أمتى حديثة عهد بجاهلية ، وأخاف عليهم أن يرتدوا فأنزل الله عز وجل : «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ » (٢) في علي «وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ».

فلم يجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدا من أن جمع الناس بغدير خم ، فقال : أيها الناس إن الله عز وجل بعثني برسالة ، فضقت بها ذرعا ، فتواعدني إن لم ابلّغها أن يعذبني ، أفلستم تعلمون إن الله عز وجل مولاي وأني مولى المسلمين ووليهم وأولى بهم من أنفسهم ، قالوا : بلى ، فأخذ بيد عليعليه‌السلام فأقامه ورفع يده بيده ، وقال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه ومن كنت وليه فهذا علي وليه ، اللهمّ وال من والاه [ وعاد من ] عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار.

ثم قال أبو جعفرعليه‌السلام : فوجبت ولاية عليعليه‌السلام على كل مسلم ومسلمة.

[٢٦] قال جعفر بن محمدعليه‌السلام عن أبيه عن آبائه صلوات الله عليهم أجمعين : إن آخر ما أنزل الله عز وجل من الفرائض ولاية عليعليه‌السلام فخاف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن بلّغها الناس أن يكذبوه ويرتد أكثرهم حسدا له لما علمه في صدور كثير منهم له ، فلما حجّ حجة الوداع

__________________

(١) المائدة : ٥٥.

(٢) المائدة : ٦٧.

١٠٤

وخطب بالناس بعرفة ، وقد اجتمعوا من كل افق لشهود الحج معه ، علمهم في خطبته معالم دينهم وأوصاهم وقال في خطبته : أني خشيت ألا أراكم ولا تروني بعد يومي هذا في مقامي هذا وقد خلفت فيكم ما إن تمسّكتم به بعدي لن تضلّوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتى فانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، حبل ممدود من السماء إليكم ، طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ، وأجملصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر الولاية في أهل بيته إذ علم أن ليس فيهم أحد ينازع فيها علياعليه‌السلام وأن الناس إن سلّموها لهم سلمو(١) بما هم لعليعليه‌السلام ، واتقى عليه وعليهم أن يقيمه هو بنفسه ، فلما قضى حجّه ، وانصرف وصار الى غدير خم ، أنزل الله عز وجل عليه : «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ » (٢) فقام بولاية عليعليه‌السلام ونصّ عليه كما أمر الله تعالى فأنزل الله عز وجل : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً » (٣) .

فالخبر عن قيام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير خم بولاية علي صلوات الله عليه وعلى الائمة من ولده. وما قال في ذلك مما ذكره من ولايته أيضا من مشهور الأخبار ، ومما رواه الخاصّ والعام ، وفي ذلك أبين البيان على إمامته واستخلافه إياه على امته من بعده أن جعله أولى بهم منهم بأنفسهم كمثل ما كان الله عز وجل جعله هو فيهم بقوله : «النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ » (٤) .

__________________

(١) هكذا في الاصل

(٢) المائدة : ٦٧.

(٣) المائدة : ٣.

(٤) الأحزاب : ٦.

١٠٥

ومن كان أولى بهم من أنفسهم وكان مولاهم كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو أحقّ الناس بمقامه فيهم من بعده ، والمولى هاهنا : الولي كذلك هو في لغة العرب يسمّون الولي مولى.

فقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كنت مولاه فعلي مولاه » أي : من كنت وليه في دينه فعلي وليه في دينه ، أي الذي يلي عليه فيه وفي جميع اموره وتلك منزلة أنبياء الله في الامم ومنزلة الائمة من بعدهم كل إمام في أهل عصره.

وقد قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بولاية علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وعلى الائمة من ولده ، وأوقف الامة على أنه وليهم وإمامهم من بعده في غير مقام ومشهد بقول مجمل ومفسّر وعلى قدر طبقاتهم ومنازلهم وما يعلمه من قبولهم له وإقبالهم عليه وانحرافهم عنه وكان أول ذلك فيما رواه الخاصّ والعام.

[٢٧] وذكره أصحاب التفسير من العوام وأصحاب السير. إن الله عز وجل لما أنزل على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ » (١) أمر علياعليه‌السلام أن يدعو إليه بني عبد المطلب وقد صنع لهم طعاما برجل شاة ( أي بربعها ) وصاع من بر(٢) وأتاهم بعس(٣) من لبن ، وأتاه عليعليه‌السلام بهم وهم أربعون رجلا ، إن كان الواحد منهم ليأكل ذلك الطعام وحده ، وأدخل رسول الله صلوات الله عليه وآله يده فيه ، ثم قال لهم : كلوا بسم الله ، فأكلوا حتى صدروا عنه(٤)

__________________

(١) الشعراء : ٣١٤.

(٢) أي : الحنطة.

(٣) العس : القدح الكبير وجمعه : عساس وأعساس ( النهاية لابن الاثير ٢ / ٢٣٦ ).

(٤) أي امتلئوا وشبعوا.

١٠٦

ثم قال لعليعليه‌السلام : اسقهم ، فجاءهم بعس اللبن ، فشربوا منه عن آخرهم حتى ارتووا ، ثم أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكلام ، فبدره(١) أبو لهب ، فقال القوم : لو لم تستدلّوا على سحر صاحبكم إلا بما رأيتموه صنع في هذا الطعام واللبن لكفاكم!. ثم قام وقاموا ، فافترقوا من قبل أن يذكر لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أراد ذكره ، فصنع لهم من غد مثل ذلك وجمعهم عليه ، فلما أكلوا وشربوا ، قال لهم : يا بني عبد المطّلب إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بمثل ما جئتكم به ، لقد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ولقد أمرني الله عز وجل أن أدعوكم إليه فأطيعوني تنجوا من النار وتكونوا ملوك الأرض ، فأيّكم يؤازرني على أمرى أن يكون أخي ووصيي ووليي وخليفتي فيكم ، فأحجم(٢) القوم عن جوابه.

فلما رأى ذلك عليعليه‌السلام ـ وهو يومئذ أحدثهم سنا ـ ، قال : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا أكون وزيرك على أمرك ، فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده ، وقال : هذا أخي ووصيي ووليي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا. فانصرفوا يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك ابن أخيك أن تسمع وتطيع لابنك.

وهذا أول عهد أخذه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام وكان ذلك بمكة قبل هجرته في حياة أبي طالب عمّه.

وروى هذا الحديث بهذا النص محمد بن إسحاق صاحب المغازي وغيره من علماء العامة وجاء كذلك عن أهل البيت صلوات الله عليهم ورحمته وبركاته ، وأخذ له بعد ذلك في مواطن كثيرة على المهاجرين

__________________

(١) أي منعه من الكلام.

(٢) أي امتنعوا عن الجواب.

١٠٧

والأنصار الى أن قبضصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان كثير من المهاجرين والأنصار يعرفون ذلك له ويقولونه ويدعونه مولاهم كما نحله(١) رسول الله صلوات الله عليه وآله.

[ من كنت مولاه فعلي مولاه ]

ذكر من مكان يدعو عليا مولاه ممن والاه من المهاجرين والأنصار ، وقد كان لعليعليه‌السلام شيعة معروفون باعتقاد ولايته مشهورون بذلك في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد وفاته منهم سلمان وعمّار ومقداد وأبو ذر وغيرهم وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذكرهم بالفضل في ذلك ويدعوهم شيعة علي ويذكّرهم ما أعدّه الله لهم من ثوابه على ولايتهم إياه ، وروى ذلك الخاصّ والعام عنه ، وسيأتي في هذا الكتاب ما يجب أن نذكره فيه من ذلك ، ومنه قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : شيعة علي هم الفائزون ، وهو سمّاهم : الشيعة.

ومما قدّمنا ذكره مما كان يؤثر عن غيرهم ما ذكره.

[٢٨] رياح بن الحارث [ النخعي ] ، قال : كنا جلوسا عند عليعليه‌السلام إذ أقبل ركب وهم متلثمون(٢) بعمائهم حتى نزلوا وواجهوا علياعليه‌السلام ، فقالوا : السلام عليك يا مولانا. فقال لهم : وعليكم السّلام ، ألستم من العرب؟ قالوا : نعم ، نحن من الأنصار ، وهذا أبو أيوب فينا ، فحسر(٣) أبو أيوب عمامته عن وجهه ، وقال : سمعت وهؤلاء الرهط معي يوم غدير خم ، ما سمعناه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن عليه ، فقال : وما سمعتم منه؟

__________________

(١) نحله اي أعطاه وسمّاه.

(٢) اللثام : ما كان على الفم من النقاب. ( مختار الصحاح ص ٥٩٢ ).

(٣) حسر : كشف ، والانحسار : الانكشاف ( المختار ص ١٣٥ ).

١٠٨

قالوا : سمعناه يقول :

ما قد علمت إذ أخذ بيدك وأقامك ، فقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحق معه حيث دار ، فأنت مولانا ونحن أنصارك فأمرنا ما شئت. فأثنى عليهم خيرا(١) ، وتحدثوا عنده ، وانصرفوا.

[٢٩] حبيب بن يسار(٢) ، عن أبي رملة ، قال : كنت جالسا عند عليعليه‌السلام في الرحبة إذ أقبل إلينا أربعة على نجائب(٣) ، فأناخوها عن بعد ثم تقدموا حتى وقفوا على عليعليه‌السلام ، فقالوا : السلام عليك يا مولانا. قال : وعليكم السّلام ، من أين أقبلتم ، قالوا : أقبلنا من أرض كذا وكذا. قال : ولم دعوتمونى مولاكم؟ قالوا : سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه. فقال ـ عند ذلك ـ : اناشد الله رجلا سمع من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ما يقوله هؤلاء الرهط إلا قام ، فتكلم ، فقام اثنا عشر رجلا ، فشهدوا بذلك.

[٣٠] أبو نعيم الفضل بن [ دكين ](٤) قال : قلت لعطية بن خليفة : كم كان بين قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كنت مولاه ، إلى يوم وفاته؟ قال : مائة يوم(٥) .

__________________

(١) اي : دعا لهم بالخير.

(٢) وفي الأصل جبيب بن بشار.

(٣) والنجائب : جمع نجيبة ، تأنيث النجيب وهو الفاضل من كل حيوان. والمراد في الرواية الإبل.

(٤) وفي الأصل : الفضل بن زكي.

(٥) والظاهر أن عطية غير ناظر الى خطبة الرسول في غدير خم حيث إن بين واقعة الغدير ( ١٨ ذي الحجة ) وبين وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يقارب ٧٠ يوما.

١٠٩

[٣١] إبراهيم بن خيار ، عن أبي جعفر محمّد بن عليعليه‌السلام قال : تقدم الى عمر بن الخطاب رجلان يختصمان وعليعليه‌السلام جالس الى جانبه ، فقال له : اقض بينهما يا أبا الحسن ، فقال أحد الخصمين : يا أمير المؤمنين يقضي هذا بيننا وأنت قاعد. قال : ويحك أتدري من هذا؟ هذا مولاي ومولى كل مسلم ، فمن لم يكن هذا مولاه فليس بمسلم.

ومن قال ذلك ويقوله الى يوم القيامة فيما بعده ، من لا يحصى عددهم من المسلمين إلا الله ، فمن قال ذلك عارفا بحق عليعليه‌السلام وحقوق الائمة من ولده مسلّما لأمرهم ومتّبعا لما جعله الله ورسوله لهم ، فقد أخذ بحظه ، ومن أنكر ذلك وجحده فهو ممن قال الله عز وجل [ فيهم ] : «وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا » (١) .

أعاذنا الله من جميع ذلك وجميع المؤمنين وجمع على معرفتهم والتسليم لأمرهم جميع الخلق أجمعين.

__________________

(١) النمل : ١٤.

١١٠

[ عليّ كنفس رسول الله صلى الله عليه وآله ]

قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن علياعليه‌السلام كنفسه :

[٣٢] عبد الله بن شداد قال : وفد على رسول الله وفد من اليمن ، فقال لهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لتقيمن الصلاة وتؤتون الزكاة أو لأبعثن عليكم رجلا كنفسي [ يقاتل مقاتلتكم ويسبي ](١) ذراريكم و[ يأخذ ] أموالكم وهو هذا ، ثم أخذ بعضد عليعليه‌السلام .

[٣٣] صفية بنت شيبة عن ابن أنس ، قالت : توعّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل الطائف. فقال : يا أهل الطائف لتقيمن الصلاة وتؤتون الزكاة أو لأبعثن [ إليكم ] رجلا كنفسي يعصاكم بالسيف ، ثم أخذ بيد عليعليه‌السلام فرفعها. فقال عمر : بخ بخ ـ إن هذه للفضيلة ـ.

[ ضبط الغريب ]

قوله يعصاكم بالسيف ، يقال منه عصى بسيفه ، فهو يعصي ، إذا أخذه أخذ العصى ، وذلك إذا ضرب به ضرب العصى ، قال الشاعر :

__________________

(١) وفي الأصل : ( نسخة ب ) رجلا كنفسي يخمس ذراريكم واموالكم. راجع تخريج الحديث لمعرفة مصدر التصحيح.

١١١

وان المشرفية ما علمتم

إذا تعصى بها نفس الكرام

[٣٤] محمد بن حميد ، يرفعه ، قال : انقطعت نعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخذها عليعليه‌السلام ليصلحها وتخلّف ، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لئن لم ينته بنو وليعة لأبعثن عليهم رجلا كنفسي يقتل المقاتلة ويسبي الذرية ، فقال عمر لأبي ذر : يا أبا ذر من تراه يعني؟ قاله له أبو ذر ـ ورسول الله صلوات الله عليه وآله يسمعه ـ : ليس يعنيك يا عمر ولا صاحبك ، إنما يعني بذلك صاحب النعل.

وهذا خبر أيضا مأثور مشهور دلّ به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على فضل عليعليه‌السلام وإمامته إذ مثّله بنفسه وعدله به ولم يكن ينبغي لمن سمع ذلك من رسول الله صلوات الله عليه وآله وبلغه عنه أن يتقدم على عليعليه‌السلام لأن رسول الله صلوات الله عليه وآله قد جعله كنفسه وأقامه مقامه وتوعّد به من توعّده لما قد علمه الخاصّ والعام من شجاعته وشدته في أمر الله(١) وأمر رسوله ، وإنه لم يقصد أحدا فقام له ولا بارز أحدا إلا قتله ولا انهزم ولا ولّى دبره ، وكانعليه‌السلام يلبس درعا صدرا بلا ظهر ، فقيل [ له ] في ذلك؟ فقال : إذا ولّيت عدوي ظهري فليصنع فيه ما شاء(٢) .

__________________

(١) أي حريص على امتثال أوامر الله ورسوله مهما كلف الثمن.

(٢) وهذا اروع وابدع مثال للشجاعة والتضحية في سبيل الله.

١١٢

[ قول رسول الله صلى الله عليه وآله : علي مني يؤدي ديني ويقضي عداتي ]

[٣٥] جابر بن عبد الله أبي إسحاق عن بصيرة بن مريم قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام : يا علي أنت أخي ووصيي وخليفتى من بعدي وأبو ولدي تقاتل على سنتي وتقضي ديني وينجز عداتي من أحبّك في حياتك فهو كنز الله له ، ومن أحبّك بعد موتك ختم الله(١) له بالأمن والأمان ، ومن مات وهو يحبك فقد قضى نحبه بريا من الآثام ومن مات وهو يبغضك مات ميتة جاهلية وحوسب بما عمل في الإسلام.

[٣٦] [ حبشي بن جنادة السلولي ](٢) ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي مني وأنا منه ولا يقضي عني ديني إلا أنا أو علي.

وهذا أيضا خبر مأثور مشهور ، وقد قضى عليعليه‌السلام دين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنجز عداته بعد وفاته كما أمره بذلك بعد أن أمر بأن ينادى في الناس ألا من كان له على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دين أو وعده بشيء فليأت علياعليه‌السلام . فقضى ذلك من أتاه فيه وهذا لا يفعله إلا مستخلف. وكذلك لما هاجر رسول الله صلّى الله

__________________

(١) ختم الله له : أي صانه ومنحه الأمن والأمان.

(٢) وفي الاصل حبيب بن جيادة السكوني.

١١٣

عليه وآله الى المدينة استخلف علياعليه‌السلام في أهله ، وأمر بأن يقضى عنه دينه ويؤدي ما كان عنده من وديعة وأمانة الى من كان له ذلك وكان بذلك خليفته في حياته وبعد وفاته ووصيّه كما ذكر ذلكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمن ادعى الخلافة غيره أبطل هذا دعواه.

ومما قضى عنه من الدين دين الله عز وجل الذي هو أعظم الديون وذلك ما كان افترضه عليه ، فقبض صلوات الله عليه وآله قبل أن يقضيه وأوصى علياعليه‌السلام بقضائه عنه وذلك قول الله عز وجل : «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ »(١) ، فجاهد الكفار في حياته. وأمر علياعليه‌السلام أن يجاهد المنافقين بعد وفاته ، فجاهدهم وقضى بذلك دين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو أعظم [ ما ] كان عليه لربه تعالى.

[٣٧] ومن ذلك ما روي عنهعليه‌السلام إنه قال : أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بجهاد الناكثين ، فجاهدتهم ( وهم أصحاب طلحة والزبير ) بايعوني راغبين طائعين ، ثم نكثوا بيعتهم بغير سبب أوجب ذلك ، وأمرني بقتال القاسطين فقاتلتهم ( وهم أصحاب الشام معاوية وأصحابه ) ، وقالعليه‌السلام : وأمرني أن اقاتل المارقين فقاتلتهم ( وهم الخوارج ، أهل النهروان ).

[ ضبط الغريب ]

القسوط في اللغة : الميل عن الحق. قال الله عز وجل : «وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً » (٢) ، ومنه اشتق القسط : وهو اعوجاج القدمين وانضمام الساقين ، والقسط خلاف الفجج ، والإقساط خلاف القسوط ، الاقساط العدل

__________________

(١) التوبة : ٧٣.

(٢) الجن : ١٥.

١١٤

في القسمة ، يقال من القسوط ، رجل قاسط : أي مائل عن الحق ، ومن الاقساط ، رجل مقسط : أي عدل ، وإذا حكم بالعدل قيل : أقسط ، والقسط : التعديل بالحق ، يقال : أخذ كل إنسان قسطه : أي حصته بالعدل ، ومن القسوط قول غزالة للحجاج :(١) إنك عادل قاسط : أي تعدل عن الحق ، فتشرك به. وتقسط عن الحق : أي تميل عنه. فقيل لأصحاب معاوية قاسطون : لميلهم عن الحق الذي مع عليعليه‌السلام الى الباطل الذي عليه معاوية.

وقالعليه‌السلام : وأمرني أن اقاتل المارقين ( وهم الخوارج ). والمروق : الخروج من الشيء ، وهذا اسم نحله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للخوارج ، وقد ذكرهم ، فقال : يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.

__________________

(١) وقد نقل المؤرخون هذا القول للشهيد البطل سعيد بن جبير في محادثة جرت بينه وبين الحجاج بن يوسف الثقفي في مجلسه. ( راجع أعيان الشيعة مجلد ٧ / ٢٣٥ ).

١١٥

[ علي عليه السلام أمير المؤمنين والوصي والخليفة ]

نصّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على علي بالوصية والخلافة وامرة المؤمنين ، وقد ذكرت في الباب الذي قبل هذا الباب : قول النبيّ صلوات الله عليه وآله لعليعليه‌السلام : أنت أخي ووصيي. وفيما قبله من قوله له يوم جمع بني عبد المطّلب يعرض عليهم أيّهم يوازره على أمره على أن يجعله أخاه ووصيه ووليه وخليفته من بعده ، وإنهم أحجموا(١) عن ذلك. وسارع عليعليه‌السلام النبيّ. فقال لهم : هذا أخي ووصيي وخليفتي ووليي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا.

فهو كما ذكر خبر مشهور. ورواه أكثر أصحاب الحديث ، وممن رواه وأدخله في كتاب ذكر فيه فضائل عليعليه‌السلام غير من تقدمت ذكره : محمد بن جرير الطبري وهو أحد أهل بغداد من العامة عن قرب عهد في العلم والحديث والفقه عندهم ، أورده فيه ، انه قال : حدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عبد الغفار بن القاسم ، عن المنهال بن عمر ، عن عبد بن الحارث بن نوفل ، عن العباد بن الحارث بن عبد المطّلب ، عن ابن عباس ، عن عليعليه‌السلام وذكر الحديث ...

__________________

(١) أي : امتنعوا.

١١٦

وحكاه من طرق شتى غير هذا الطريق. ولو ذكرت من رواه لاحتاج ذلك الى كتاب مفرد ، وهو من أشهر الأخبار وأوضحها وأثبتها في إمامة عليعليه‌السلام من رواية العامة بذلك وإقرارهم له بأن رسول الله صلوات الله عليه وآله جعله أخاه ووصيه ووليه وخليفته من بعده وأمر الناس بالسمع والطاعة له.

[٣٨] وعن الطبري بإسناده له من عباد ، عن عليعليه‌السلام إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من يؤدي ديني ويقضي عداتي ويكون معي في الجنة؟ فقلت : أنا يا رسول الله.

[٣٩] وبإسناد له آخر ، عن أبي طفيل ، قال : قال عليعليه‌السلام لعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن وعبد الله بن عمر : اناشدكم الله هل تعلمون أن لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصيا غيري ، قالوا : اللهمّ لا.

[٤٠] وبإسناد له عن سلمان الفارسي ، قال : قلت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رسول الله إنه لم يكن نبيّ إلا وله وصي ، فمن وصيك؟؟ قال : وصيي وخليلي وخليفتي في أهلي وخير من أترك بعدي ومؤدي ديني ومنجز عداتي علي بن أبي طالب.

[٤١] وبإسناد له آخر برفعه الى علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، إنه قال : أوصاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند وفاته وأنا مسنده الى صدري ، فقال لي : يا علي ، اوصيك بالعرب خيرا ـ يقولها ثلاث مرات ـ ثم سالت نفسه في يديّ.

أقول : وإيصاؤه إياه بالعرب قاطبة مما يبين استخلافه إياه على الامة لأن ذلك لا يوصي به إلا من يملك أمرها من بعده.

[٤٢] وبآخر عن محمد بن القاسم الهمداني ، قال : شهدت مع عليعليه‌السلام

١١٧

على قتال الحرورية(١) ، فنزل بقرب دير دون النهر بأرض فلاة ، فلم يجد الناس الماء فأتوه وذكروا له ذلك فقام ودعى ببغل فركبه ثم أتى موضعا بقرب الدير ، فأدار البغل حوله سبع مرات وهو ينظر إليه ، ثم قال : احفروا هاهنا ، فحفروا ، فخرجت عين من ماء ، فشرب الناس وسقوا واستقوا ، فنزل الديراني ، فقال للناس من أنتم ، فقالوا : نحن من ترى وأخبروه بخبرهم ، فقال : إن لي في هذا الدير كذا وكذا من السنين ولحقت به من له أكثر من ذلك وما علمنا أن هاهنا ماء وكنا نخبر بأن هاهنا عينا لا يخرجها إلا نبي أو وصيّ نبي ، قالوا : فهذا وصيّ نبينا هو الذي أخرجها.

[٤٣] وبآخر رفعه الى أبي أيوب الأنصاري ، قال : مرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأتته فاطمةعليها‌السلام تعود [ هـ ] ، فلما رأت ما به من المرض ، بكت ، فقال لها : يا فاطمة ، إن الله عز وجل لكرامته إياك زوّجك أقدمهم سلما ، واكثرهم علما وأعظمهم حلما. وإن الله تبارك وتعالى اطّلع على الأرض اطلاعة ، فاختارني منها فبعثني نبيا ، ثم اطلع إليها الثانية فاختار منها بعلك(٢) فجعله لي وصيا ، وإنّا أهل بيت قد اعطينا سبعا لم يعطها أحد قبلنا : نبينا أفضل الأنبياء وهو أبوك ، ووصينا أفضل الأوصياء وهو بعلك ، وشهيدنا أفضل الشهداء وهو عمّ أبيك حمزة ، ومنّا من جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة مع الملائكة حيث يشاء وهو ابن عمّ أبيك جعفر ، ومنّا سبطا هذه الامة وهما ابناك الحسن والحسين ،

__________________

(١) الحرورية : طائفة من الخوارج نسبوا الى الحروراء موضع قريب من الكوفة وكان أول مجتمعهم وتحكيمهم فيها ، وهم أحد الخوارج الذين قاتلهم عليعليه‌السلام ( النهاية ١ / ٣٦٧ ).

(٢) البعل : الزوج.

١١٨

ومنّا والذي نفسي بيده مهديّ هذه الأمة وهو من ولد ولدك هذا ـ وضرب بيده على الحسينعليه‌السلام ـ.

[٤٤] وبآخر رفعه الى ابن عباس إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نظر الى عليعليه‌السلام وأشار بيده إليه وقال ( لمن حضره من الناس ) : هذا الوصي على الأموات من أهل بيتي والخليفة على الأحياء من أمتى.

[٤٥] وبآخر رفعه إلى أنس بن مالك. قال : كنت خادم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدعاني بوضوء ، فأتيته به فتوضأ ، ثم صلّى ركعتين ، ثم دعاني ، فقال : يا أنس يدخل عليك الآن أمير المؤمنين وسيد المسلمين وخير الوصيّين وأولى الناس بالناس أجمعين.

قال أنس : فقلت في نفسي : اللهمّ اجعله من الأنصار ، فضرب الباب ، ففتحته فاذا علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

فقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليه فجعل يمسح من وجهه ويمسحه بوجه عليعليه‌السلام ويمسح من وجه عليعليه‌السلام فيمسح وجهه ، فدمعت عينا عليعليه‌السلام ، فقال : يا نبيّ الله هل نزل فيّ شيء فما رأيتك فعلت بي مثل هذا قط؟ فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وما لي لا أفعل بك وأنت تسمع صوتي وتبرء مني وتبيّن للناس ما اختلفوا فيه من بعدي.

وهذا من قول الله عز وجل : «وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ » (١) فأقام علياعليه‌السلام لبيان ذلك من بعده.

[٤٦] وبآخر يرفعه الى حذيفة اليماني ، قال : خرج إلينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما وهو حامل الحسن والحسين على عاتقه فقال : هذان خير الناس أبا واما ، أبوهما علي بن أبي طالب أخو رسول الله صلّى الله

__________________

(١) النحل : ٦٤.

١١٩

عليه وآله ووزيره ووصيه وابن عمّه وخليفته من بعده وسابق رجال العالمين الى الإيمان بالله ورسوله وامهما فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل نساء العالمين.

وهذان خير الناس جدا وجدة ، جدهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجدّتهما خديجة أول من آمن بالله. وهذان خير الناس عمّا وعمّة ، عمّهما جعفر الطيار في الجنة وعمّتهما أم هاني بنت أبي طالب ما أشركت بالله طرفة عين(١) .

هذان خير الناس خالا وخالة ، خالهما القاسم بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخالتهما زينب بنت رسول الله.

إن الله عز وجل اختارنا ( أنا وعليا وحمزة وجعفر ) يوم بعثني برسالته وكنت نائما بالأبطح(٢) وعلي نائم عن يميني وحمزة عن يساري وجعفر عند رجلي فما انتبهت إلا بحفيف(٣) أجنحة الملائكة ، فنظرت فاذا أربعة من الملائكة ، واحدهم يقول لصاحبه : يا جبرائيل ، الى أيّ الأربعة ارسلت ، فرفسني برجله ، وقال : الى هذا.

قال : ومن هذا؟!

قال : محمد سيد المرسلين.

قال : ومن هذا عن يمينه؟؟

قال : علي سيد الوصيّين.

قال : ومن هذا عن يساره؟؟

__________________

(١) أي : لحظة.

(٢) قال ابن الأثير في النهاية ١ / ١٣٤ : الأبطح : يعني أبطح مكة وهو مسيل واديها وتجمع على البطاح والأباطح. ومنه قيل قريش البطاح وهم الذين ينزلون أباطح مكة وبطحاءها.

(٣) أي : محدقة به.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502