شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار الجزء ١

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار11%

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 502

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 502 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187781 / تحميل: 9852
الحجم الحجم الحجم
شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

(٥)

بعثته ونزول الوحي إليه

«بَعَثَ اللهُ سُبْحانَهُ نَبِيَّهُ الأَكْرَم عَلَى حِينِ فَتَرةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَطُولِ هَجعَةٍ مِنَ الاُمَمِ، وَاعْتِزَام مِنَ الفِتَنِ وَانتِشَارٍ مِنَ الأُمُورِ، وَتَلَظٍّ مِنَ الحُروبِ، والدُّنْيَا كَاسِفَةُ النُّورِ، ظَاهِرةُ الغُرورِ، عَلى حِينِ اصْفِرَارٍ مِنْ وَرَقِهَا، وإياسٍ مِن ثَمرِهَا، وَاغوِرَار مِنْ مَائِهَا، قَدْ دَرَسَتْ مَنَار الهُدى، وَظَهَرتْ اَعلامُ الرَّدى، فَهِيَ مُتَجَهِّمَةٌ لأَهْلِهَا، عَابِسَةٌ فِي وَجْهِ طَالِبَها، ثَمَرُهَا الفِتْنَةُ، وَطَعَامُهَا الجِيفَةُ، وَشِعارُهَا الخَوْفُ، وَدِثَارُهَا السَّيْفُ » (١) .

بعث على رأس الأربعين من عمره، وبُشّر بالنبوّة والرسالة، وأمّا الشهر الذي بعث فيه، ففيه أقوال وآراء، فالشيعة الإمامية تبعاً لأئمّة أهل البيت: على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث في سبع وعشرين من رجب.

روى الكليني عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: لا تدع صيام يوم سبع وعشرين من رجب فإنّه اليوم الذي نزلت فيه النبوّة على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

وروى أيضاً عن الإمام الكاظمعليه‌السلام أنّه قال: بعث الله عزّ وجلّ محمّداً رحمة للعالمين في سبع وعشرين من رجب(٣) .

روى المفيد عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال: في اليوم السابع والعشرين من رحب نزلت النبوّة على رسول الله، إلى غير ذلك من الروايات(٤) .

وأمّا غيرهم فمن قائل بأنّه بعث في سبعة عشر من شهر رمضان أو ثمانية عشر أو أربع وعشرين من هذا الشهر أو في الثاني عشر من ربيع الأوّل.

__________________

(١) إقتباس من كلام الإمام أمير المؤمنين في نهج البلاغة الخطبة ٨٥، طبعة عبده.

(٢) و (٣) البحار: ج ١٨ ص ١٨٩ ـ نقلاً عن الكافي وأمالي ابن الشيخ.

(٤) البحار: ج ١٨ ص ١٨٩ ـ نقلاً عن الكافي وأمالي ابن الشيخ.

١٠١

وبما أنّ أهل البيت أدرى بما في البيت، كيف وهم نجوم الهدى ومصابيح الدجى وأحد الثقلين الذين تركهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعده، فيجب علينا الوقوف دون نظرهم ولا نجتازه، نعم دلّ الذكر الحكيم على أنّ القرآن نزل في شهر رمضان قال سبحانه:( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) ( البقرة / ١٨٥ ).

وقال سبحانه:( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ( القدر / ١ ).

وقال سبحانه:( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ) ( الدخان / ٣ ).

إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على نزوله في شهر رمضان.

والإستدلال بهذه الآيات على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث في شهر رمضان مبني على إقتران البشارة بالنبوّة، بنزول القرآن وهو بعد غير ثابت، فلو قلنا بالتفكيك وأنّه بعث في شهر رجب، وبشّر بالنبوّة فيه، ونزل القرآن في شهر رمضان، لما كان هناك منافاة بين بعثته في رجب، ونزول القرآن في شهر رمضان.

ويؤيّد ذلك أي عدم اقتران النبوّة بنزول القرآن ما نقله غير واحد عن عائشة: إنّ أوّل ما بدء به رسول الله من النبوّة حين أراد الله كرامته، الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رؤيا في نومه إلّا جاءت كفلق الصبح، قالت: وحبّب الله تعالى إليه الخلوة، فلم يكن شيء أحبّ إليه من أن يخلو وحده(١) .

لكن الظاهر من ذيل ما روته عائشة أنّ النبوّة كانت مقترنة بنزول الوحي والقرآن الكريم، ولنذكر نص الحديث بتمامه ثمّ نذيّله ببيان بعض الملاحظات حوله.روى البخاري: « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يخلو بغار حراء، فيتحنّث فيه وهو التعبّد في الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزوّد لذلك ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها حتى جاء الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد ثمّ أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطّني الثانية حتى بلغ منّي الجهد ثمّ أرسلني

__________________

(١) صحيح البخاري: ج ١ ص ٣، السيرة النبوية: ج ١ ص ٣٣٤.

١٠٢

فقال: إقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطّني الثالثة ثمّ أرسلني، فقال:( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ *اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ) (١) .

وفي هذه الرواية تأمّلات واضحة:

١ ـ ما هو المبرّر لجبرئيل أن يروّع النبي الأعظم، وأن يؤذيه بالعصر إلى حدٍّ أنّه يظن انّه الموت ؟ يفعل به ذلك وهو يراه عاجزاً عن القيام بما يأمره به، ولا يرحمه ولا يلين معه ؟

٢ ـ لماذا يفعل ذلك ثلاث مرات لا أكثر ولا أقل ؟

٣ ـ لماذا صدّقه في الثالثة، لا في المرّة الاُولى ولا الثانية مع أنّه يعلم أنّ النبي لا يكذب ؟

٤ ـ هل السند الذي روى به البخاري قابل للإحتجاج مع أنّ فيه الزهري وعروة.

أمّا الزهري فهو الذي عرف بعمالته للحكام، وإرتزاقه من موائدهم، وكان كاتباً لهشام بن عبد الملك ومعلّماً لأولاده، وجلس هو وعروة في مسجد المدينة فنالا من عليٍّ، فبلغ ذلك السجادعليه‌السلام حتى وقف عليهما فقال: أمّا أنت يا عروة فإنّ أبي حاكم أباك، فحُكِم لأبي على أبيك، وأمّا أنت يا زهري فلو كنت أنا وأنت بمكّة لأريتك كن أبيك(٢) .

أمّا عروة بن الزبير الذي حكم عليه ابن عمر بالنفاق وعدّه الاسكافي من التابعيين الذين يضعون أخباراً قبيحة في عليّعليه‌السلام (٣) .

نعم رواه ابن هشام والطبري في تفسيره وتاريخه(٤) بسند آخر ينتهي إلى

__________________

(١) صحيح البخاري: ج ١ ص ٣.

(٢) أي بيت أبيك.

(٣) الصحيح من سيرة النبي الأعظم: ص ٢٢٣.

(٤) السيرة النبوية: ج ١ ص ٢٣٥، تفسير الطبري: ج ٣٠ ص ١٦٢، وتاريخه: ج ٣ ص ٣٥٣.

١٠٣

أشخاص يستبعد سماعهم الحديث عن نفس الرسول الأكرم ودونك أسماؤهم:

١ ـ عبيد بن عمير، ترجمه ابن الاثير، قال: ذكر البخاري أنّه رأى النبي وذكر مسلم أنّه ولد على عهد النبي وهو معدود من كبار التابعين يروي عن عمر وغيره(١) .

٢ ـ عبد الله بن شداد، ترجمه ابن الأثير وقال: ولد على عهد النبي، روى عن أبيه وعن عمر وعليّ(٢) .

٣ ـ عائشة، زوجة النبي، حيث تفرّدت بنقل هذا الحديث ومن المستبعد جداً أن لا يحدّث النبي هذا الحديث غيرها مع تلهف غيرها إلى سماع أمثال هذا الحديث.

نعم ورد مضمون الحديث في تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام ونقله من أعلام الطائفة ابن شهر آشوب في مناقبه(٣) أو المجلسي في بحاره(٤) .

لكن الكلام في صحّة نسبة التفسير الموجود إلى الإمام العسكريعليه‌السلام وأمّا المناقب فإنّه يورد الأحاديث والتواريخ مرسلة لا مسندة، والمجلسي اعتمد على هذه المصادر التي عرفت حالها.

وبذلك يظهر أنّه لا دليل على أنّ البشارة بالنبوّة كانت مقترنة بنزول القرآن، وبذلك ينسجم نزول القرآن في شهر رمضان مع كون البعثة في شهر رجب، نعم أورد العلّامة الطباطبائي على هذه النظرية بقوله: إذا بعث النبي في اليوم الثاني والعشرين من شهر رجب وبينه وبين شهر رمضان أكثر من ثلاثين يوماً فكيف تخلو البعثة في هذه المدّة من نزول القرآن ؟ على أنّ سورة العلق أوّل سورة نزلت على رسول الله وأنّها

__________________

(١) اُسد الغابة: ج ٣ ص ٣٥٣.

(٢) نفس المصدر: ج ٤ ص ١٨٣.

(٣) مناقب آل أبي طالب: ج ١ ص ٤٠ ـ ٤٤.

(٤) بحار الأنوار: ج ١٨ ص ١٩٦.

١٠٤

نزلت بمصاحبة البعثة(١) .

يلاحظ على ما ذكر:

١ ـ انّ الوجه الأوّل من كلامه مجرّد استبعاد، فأيّ إشكال في أن يكون النبي قد بشّر بالنبوّة ونزِّل القرآن بعد شهر وبضعة أيام.

٢ ـ وأمّا الوجه الثاني فلأنّ الروايات نطقت بأنّها أوّل سورة نزلت وليس فيها ما يدلّ على اقتران نزولها بأوّل عهد البعثة.

سؤال وإجابة:

إذا كان القرآن نازلاً في شهر رمضان فإنّ معناه أنّ مجموعه نزل في هذا الشهر مع أنّه نزل قرابة مدّة ثلاثة وعشرين سنة فكيف التوفيق بين هذين الأمرين ؟

وأمّا الإجابة فقد اُجيب عنه بأجوبة نذكرها واحداً تلو الآخر.

الأوّل: إنّ للقرآن نزولين: نزول دفعي وقد عبّر عنه بلفظ الإنزال الدال على الدفعة، ونزول تدريجي وهو الذي يعبّر عنه بالتنزيل. قال سبحانه:( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) ( هود / ١ ) فإنّ هذا الإحكام في مقابل التفصيل، والتفصيل هو جعله فصلاً فصلاً، وقطعة قطعة، والإحكام كونه على وجه لا يتفصّل فيه جزء من جزء ولا يتميّز بعض من بعض، لرجوعه إلى معنى واحد، لا أجزاء ولا فصول فيه، فعلى ذلك فالقرآن نزل دفعة واحدة على قلب النبي الأعظم، ثمّ صار ينزل تدريجياً حسب المناسبات والوقائع والأحداث(٢) .

وعلى ذلك فلا مانع من نزول جميع القرآن في شهر رمضان نزولاً دفعياً، ثمّ نزوله نحو ما في بضعة وعشرين سنة.

__________________

(١) تفسير الميزان: ج ٢ ص ١٣.

(٢) الميزان: ج ٢ ص ١٤ ـ ١٦.

١٠٥

ويلاحظ عليه: أنّ ما ذكره مبني على الفرق بين « الإنزال » و « التنزيل »، وأنّ الأوّل عبارة عن النزول الدفعي، والثاني عن النزول التدريجي مع أنّه لا دليل عليه، فإنّ الثاني أيضاً استعمل في النزول الدفعي. قال تعالى حاكياً عن المشركين:( وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ) ( الاسراء / ٩٣ ).

وقال تعالى:( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ) ( الفرقان / ٣٢ ) فلو كان التنزيل هو النزول التدريجي فلماذا وصفه بقوله: « جملة واحدة ».

الثاني: إنّ القرآن نزل دفعة واحدة إلى البيت المعمور حسب ما نطقت به الروايات الكثيرة ثمّ صار ينزل تدريجياً على الرسول الأعظم.

روى حفص بن غياث عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال سألته عن قول الله عزّ وجلّ:( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) وإنّما اُنزل في عشرين بين أوّله وآخره، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام « نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور ثمّ نزل في طول عشرين سنة »(١) .

ولو صحّت الرواية يجب التعبّد بها، وإلّا فما معنى نزول القرآن الذي هو هدى للناس إلى البيت المعمور، وأيّ صلة بهذا النزول بهداية الناس الذي يتكلّم عنه القرآن ويقول:( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ) ؟

قال الشيخ المفيد:

« الذي ذهب إليه أبو جعفر(٢) حديث واحد لا يوجب علماً ولا عملاً ونزول

__________________

(١) البرهان في تفسير القرآن: ج ١ ص ١٨٢، والدر المنثور: ج ٦ ص ٣٧٠.

(٢) مراده الصدوق، وقد ذهب إلى أنّ القرآن قد نزل في شهر رمضان في ليلة القدر جملة واحدة إلى البيت المعمور، ثمّ انزل من البيت المعمور في مدة عشرين سنة.

١٠٦

القرآن على الأسباب الحادثة حالاً لا يدلّ على خلاف ما تضمّنه الحديث، وذلك أنّه قد تضمّن حكم ما حدث، وذكر ما جرى على وجهه، وذلك لا يكون على الحقيقة إلّا لحدوثه عند السبب، الخ.

ثمّ استعرض آيات كثيرة نزلت لحوادث متجددة(١) .

الثالث: إنّ القرآن يطلق على الكلّ والجزء، فمن الممكن أن يكون المراد بنزول القرآن في شهر رمضان هو شروع نزوله في ليلة مباركة وهي ليلة القدر، فكما يصحّ نسبة النزول إليه في شهر رمضان إذا نزل جملة واحدة، تصحّ نسبتة إليه إذا نزل أوّل جزء منه في شهر رمضان واستمرّ نزوله في الأشهر القادمة طيلة حياة النبي.

فيقال: نزل القرآن في شهر رمضان أي بدأ نزوله في هذا الشهر، وله نظائر في العرف، فلو بدأ فيضان الماء في المسيل يقال جرى السيل في يوم كذا وإن استمرّ جريانه وفيضانه عدّة أيام.

وهذا هو الظاهر من صاحب « المنار » حيث يقول: وأمّا معنى إنزال القرآن في رمضان مع أنّ المعروف باليقين أنّ القرآن نزل منجّماً في مدّة البعثة كلّها، فهو أنّ إبتداء نزوله كان في رمضان، ذلك في ليلة منه سمّيت ليلة القدر أي الشرف، والليلة المباركة كما في آيات اُخرى. وهذا المعنى ظاهر لا إشكال فيه، على أنّ لفظ القرآن يطلق على هذا الكتاب كلّه ويطلق على بعضه.

الرابع: إنّ جملة القرآن وإن لم تنزل في تلك الليلة، لكن لـمّا نزلت سورة الحمد بها وهي تشتمل على جلِّ معارف القرآن، فكأنّ القرآن اُنزل فيه جميعاً فصحّ أن يقال: إنّا اَنزلناه في ليلة القدر.

يلاحظ عليه: أنّه لو كانت سورة الحمد أوّل سورة نزلت على رسول الله لكان حق الكلام أن يقال: قل بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، أو يقال:

__________________

(١) تصحيح الإعتقاد: ص ٥٨.

١٠٧

بسم الله الرحمن الرحيم، قل: الحمد لله ربّ العالمين(١) .

وهذا يعرب عن أنّ سورة الحمد ليست أوّل سورة نزلت على النبي.

هذه هي الوجوه التي ذكرها المفسّرون المحقّقون والثالث هو الأقوى.

أوّل ما نزل على رسول الله:

ذكر أكثر المفسّرين أنّ أوّل سورة نزلت على رسول الله هي سورة العلق، وتدل عليه روايات أئمّة أهل البيت. روى الكليني عن الصادقعليه‌السلام قال: أوّل ما نزل على رسول الله( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) وآخر سورة هو قوله:( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ) ومثله عن الإمام الرضاعليه‌السلام (٢) .

ولعلّ المراد نزول آيات خمس من أوّلها لا جميع السورة.

لأنّ قوله سبحانه في نفس تلك السورة:( أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ *عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ ) لا يناسب أن تكون أوّل ما نزل، بل هو حاك عن وجود تشريع للصلاة، ووجود من يقيمها حتّى واجه نهي بعض المشركين، وهذا لا يتّفق مع كونه أوّل ما نزل.

أساطير وخرافات

دلّت الأدلة العقلية والآيات القرآنية على أنّ الأنبياء مصونون عن الخطأ والإشتباه في تلقّي الوحي أوّلاً، وضبطه ثانياً، وإبلاغه ثالثاً وأنّهم لا يشكّون فيما يلقى في روعهم من أنّه ربّ العالمين وأنّ ما يعاينونه رسول إله العالمين، والكلام كلامه، لا يشكّون في ذلك طرفة عين ولا يتردّدون بل يتلقّونه بنفس مطمئنة.

__________________

(١) الميزان: ج ٢ ص ٢١ ـ ٢٢.

(٢) البرهان في تفسير القرآن: ج ١ المقدّمة الباب الخامس عشر ص ٢٩، وتاريخ القرآن للزنجاني: ص ٣٠.

١٠٨

هذا هو القرآن الكريم يذكر كيفيّة بدء نزول الوحي إلى موسى وأنّه تلقّاه بلا تردّد ولا تريّث. بذكره في سور مختلفة:

يقول:( فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ *إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى *وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ *إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلَٰهَ إلّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي *إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ *اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ *قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي *وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي *وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي *يَفْقَهُوا قَوْلِي *وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي *هَارُونَ أَخِي *اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي *وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي *كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا *وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا *إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا ) ( طه / ١١ ـ ٣٥ ).

ترى أنّ الكليم عندما فُوجئ بنزول الوحي، تلقّاه بصدر رحب، ولم يتردّد في أنّه وحيه سبحانه وأمره، ولذلك سأل سبحانه أن يشرح له صدره، وييسر له أمره، ويحلّ العقدة التي في لسانه، ويجعل له وزيراً من أهله، يشدّ به أزره ويشركه في أمره.

يقول سبحانه:( فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ ) ( النحل / ٨ ـ ٩ ).

وجاءت هذه القصة في سورة القصص على وفق ما وردت في السورتين(١) .

ومن لاحظ هذه الآيات يقف على أنّ موقف الأنبياء من الوحي هو موقف الإنسان المتيقّن المطمئنّ إليه، وهذه خاصّة تعمّ جميع الأنبياء:

نرى أنّه سبحانه يذكر رؤية النبي الأكرم، ومواجهته لمعلّمه الذي وصفه القرآن بـ « شديد القوى ».

يقول:( إِنْ هُوَ إلّا وَحْيٌ يُوحَىٰ *عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ *ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ *وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَىٰ *ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ *فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ *فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ

__________________

(١) القصص: ٢٩ ـ ٣٥.

١٠٩

مَا أَوْحَىٰ *مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ *أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ ) ( النجم / ٤ ـ ١٢ ).

فأي كلمة أصرح في توصيف إيمان النبي واذعانه في مجال الوحي ومواجهة أمينه من قوله سبحانه:( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ) أي صدق القلب عمل العين. ويحتمل أن يكون المراد، ما رآه الفؤاد.

قال العلّامة الطباطبائي:

فالمراد بالفؤاد، فؤاد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وضمير الفاعل في « ما رأى » راجع إلى الفؤاد، والرؤيا رؤيته ولابدع في نسبة الرؤية وهي مشاهدة العيان إلى الفؤاد، فإنّ للإنسان نوعاً من الإدراك الشهودي وراء الإدراك بإحدى الحواسّ الظاهرة، والتخيّل والتفكّر بالقوى الباطنة كما أنّنا نشاهد من أنفسنا أنّنا نرى وليست هذه المشاهدة العيانية رؤية بالبصر ولا معلوماً بالفكر، وكذا نرى من أنفسنا أنّنا نسمع ونشمّ ونذوق ونلمس، ونشاهد أنّنا نتخيّل ونتفكّر، وليست هذه الرؤية ببصر أو بشيء من الحواسّ الظاهرة أو الباطنة(١) .

فالله سبحانه يؤيّد صدق النبي فيما يدّعيه من الوحي ورؤية آيات الله الكبرى، سواء كانت بالعين أو بالفؤاد.

وعلى كل تقدير فهذه الآيات وغيرها تدلّ على أنّ الأنبياء وغيرهم لا يشكّون ولا يتردّدون فيما يواجهون من الاُمور الغيبيّة.

وعلى ضوء ذلك تقف على أنّ ما ملأ كتب السيرة وبعض التفاسير في مجال بدء الوحي وأنّه تردّد النبي وشكّ عندما بشّر بالنبوّة وشاهد ملك الوحي وامتلأ روعاً وخوفاً إلى حدّ حاول أن يلقي نفسه من شاهق، وعاد إلى البيت فكلّم زوجته فيما واجهه، وعادت زوجته تسلّيه وتقنعه بأنّه رسول ربّ العالمين، وأنّ ما رآه ليس إلّا أمراً حقّاً.

إذ كل ذلك أساطير وخرافات، تناقض البراهين العقليّة وما يتلقّاه الإنسان

__________________

(١) الميزان: ج ١٩ ص ٣٠.

١١٠

من قصص الأنبياء الواردة في القرآن الكريم، وقد دسّها الأحبار والرهبان وسماسرة الحديث والقصّاصون في كتب القصص والسير والحديث، ونحن نكتفي في المقام بما ذكره البخاري في صحيحه وابن هشام في سيرته، فإنّ استقصاء كل ما ورد حول هذا الموضوع من الروايات المدسوسة يدفع بنا إلى تأليف رسالة مفردة، ولكن فيما ذكرنا غنىً وكفاية. قال البخاري:

( بعد ذكر نزول أمين الوحي عليه في جبل حراء ) « فرجع بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد ( رضي الله عنها ) فقال: زمّلوني زمّلوني، فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة ـ واخبرها الخبر ـ لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلاّ والله ما يخزيك الله أبداً إنّك لتصل الرحم، وتحمل الكل وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحقّ، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى ابن عمّ خديجة، وكان أمرئً تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة يا ابن عمّ اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى ؟ فأخبره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى يا ليتني فيها جذعاً ليتني أكون حيّاً إذ يخرجك قومك، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمخرجي هم ؟ قال: نعم، لم يأتِ رجل قطّ بمثل ما جئت به إلّا عودي، وان يدركني يومك، أنصرك نصراً مؤزّراً ثمّ لم ينشب(١) ورقة أن توفّي وفتر الوحي »(٢) .

هذا ما لدى البخاري، وأمّا صاحب السيرة النبوية فبعدما ذكر مسألة الغتّ ينقل عن النبي أنّه قال:

« فخرجت حتى إذا كنت في وسط الجبل سمعت صوتاً من السماء يقول:

__________________

(١) أي لم يلبث.

(٢) صحيح البخاري: ج ١ ص ٣.

١١١

يا محمّد، أنت رسول الله وأنا جبرئيل، قال: فوقفت أنظر إليه، فما أتقدّم وما أتأخّر، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء، قال: فلا أنظر في ناحية منها إلّا رأيته كذلك، فما زلت واقفاً، ما أتقدّم أمامي، وما أرجع ورائي، حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي فبلغوا على مكّة ورجعوا إليها، وأنا واقف في مكاني ذلك، ثمّ انصرف عنّي وانصرفت راجعاً إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفاً إليها، فقالت: يا أبا القاسم، أين كنت ؟ فو الله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكّة ورجعوا إليّ، ثمّ حدّثتها بالذي رأيت، فقالت: أبشر يا ابن عمّ واثبت، فو الذي نفس خديجة بيده إنّي لأرجو أن تكون نبيّ هذه الاُمّة ».

ثمّ يذكر انطلاق خديجة إلى ورقة بن نوفل، وما أجابها به ورقة بنفس النص الذي ذكره البخاري ثمّ يذكر لقاء النبي ورقة بن نوفل، وهو يطوف بالكعبة، فسأله ورقة بما رأى وسمع، فأخبره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له ورقة: والذي نفسي بيده إنّك لنبيّ هذه الاُمّة.

ثمّ عقبه بذكر ما قامت به خديجة من إمتحان صدق نبوّته فذكر أنّها قالت لرسول الله: أي ابن عمّ، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا إذا جاءك ؟ قال: نعم. قالت: فإذا جاءك فاخبرني به، فجاءه جبرئيل، فقال رسول الله لخديجة: هذا جبرئيل قد جائني، قالت: قم يا بن عمّ فاجلس على فخذي اليسرى، قال: فقام رسول الله فجلس عليها، قالت: هل ترى ؟ قال: نعم، قالت: فتحوّل فاجلس على فخذي اليمنى، فجلس على فخذها اليمنى، فقالت: هل تراه ؟ قال: نعم، قالت: فتحوّل واجلس في حجري، فتحوّل فجلس في حجرها، قالت هل تراه، قال: نعم، فتحسّرت وألقت خمارها ورسول الله جالس في حجرها، ثم قالت له: هل تراه ؟ قال: لا.

قالت: يا ابن عم أثبت وابشر، فو الله هذا ملك وما هذا بشيطان(١) .

وقال الطبري ـ بعد ما ذكر نزول جبرئيل إليه وتعليم آيات من سورة العلق ـ

__________________

(١) السيرة النبوية: ج ١ ص ٢٣٧ ـ ٢٣٩، وتاريخ الطبري: ج ٢ ص ٤٩ ـ ٥٠.

١١٢

ثمّ دخلت على خديجة وقلت: زمّلوني زمّلوني حتى ذهب عنّي الروع، ثمّ أتاني وقال: يا محمّد، أنت رسول الله.

قال: لقد هممت أن أطرح نفسي من حالق من جبل فتبدّى لي حين هممت بذلك، فقال: يا محمّد، أنا جبرئيل وأنت رسول الله، ثمّ قال: إقرأ، قلت: ما اقرأ ؟ قال: فأخذني فغتني ثلاث مرات حتّى بلغ منّي الجهد ثمّ قال: اقرأ باسم ربّك الذي خلق، فقرأت فأتيت خديجة، فقلت: لقد أشفقت على نفسي، فأخبرتها خبري فقالت: أبشر فو الله لا يخزيك الله أبداً، ووالله إنّك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتؤدّي الأمانة، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحقّ، ثمّ انطلقت بي إلى ورقة بن نوفل بن أسد، فقالت: اسمع من ابن أخيك، فسألني فأخبرته خبري، فقال: هذا الناموس الذي اُنزل على موسى بن عمران .

نظرة تحليلية حول هذه النصوص:

إنّ هذه النصوص التاريخية التي نقلها المشايخ كالبخاري وابن هشام والطبري، وتلقّاها الآخرون من بعدهم على أنّها حادثة متسالم عليها تضاد ما يستشفه الإنسان من التدبّر في حالات الأنبياء في القرآن الكريم وتناقض البديهة العقلية، وإليك بيان ما فيها من نقاط الضعف وعلائم الجعل والتهافت:

١ ـ إنّ النبوّة كما عرفت منصب إلهي لا يفيضه الله إلّا على من امتلك زخماً هائلاً من القدرات الروحية والقوى النفسية العالية حتّى يقوى على معاينة الوحي، ومشاهدة الملائكة، فعندئذٍ فلا معنى لما ذكره البخاري: « لقد خشيت على نفسي » أفيمكن أن ينزل الوحي الإلهي على من لا يفرّق بين لقاء الملك، ولقاء الجنّ ومكالمتهما حتى يخشى على نفسه الجنون أو الموت ؟

٢ ـ وأسوأ منه ما ذكره الطبري من أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله همّ أن يرمي بنفسه من شاهق من جبل، فندم عليه ورجع عنه حين سمع كلام جبرئيل يا محمّد أنا جبرئيل.

١١٣

إنّ هذا الكلام يعرب من أنّ نفسهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم تكن نفساً مستعدّة لتحمّل الوحي على حدٍّ، همّ أن يقتل نفسه بالإلقاء من حالق، وهل هذا هو إلّا نفس الجنون الذي كان المشركون يصفونه به طيلة بعثته، فوا عجباً نسمعه من أعوانه وأنصاره ومن لسان زوجته.

٣ ـ إنّ قول خديجة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كلّا والله ما يخزيك الله أبداً، تعرب من أنّها كانت أوثق إيماناً بنبوّته من نفس الرسول. فهل يمكن التفوّه بذلك، وما حاجة النبي الأعظم الذي قال تعالى في حقّه:( وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) ( النساء / ١١٣ ) إلى هذا التسلّي ؟

وهل يصحّ ويتعقّل للنبيّ أنّ يشكّ في رسالة نفسه حتى يستفتي زوجته فيزول شكّه بتصديقها ؟

٤ ـ ذكر البخاري: أنّ خديجة انطلقت مع رسول الله إلى ورقة، فأخبره رسول الله بما وقع، فأجاب ورقة بما ذكره، وأنّ ما نزل عليه هو الناموس الذي نزّله الله على موسى.

ومعنى هذا أن يكون ورقة أعلم بالسرّ المودع في قلب رسول الله من نفسه، كما أنّ معنى ذلك أنّ كلاًّ من الزوجين كانا شاكّين في صحّة الرسالة، فانطلقا إلى متنصّر وقرأ وريقات من العهدين حتى يستفتياه ليزيل عنهما حجاب الشكّ وغشاوة الريب.

٥ ـ إنّ معنى ما ذكره البخاري من أنّ ورقة أخبر النبي بأنّه: يسخر منك قومك، وتعجّب الرسول من هذا الكلام وقال: أوَ مخرجي هم ؟ كون المرسل إليه أعلم من الرسول وأفضل منه.

٦ ـ إنّ ما ذكره ابن هشام من « أنّ الرسول كلّما رفع رأسه إلى السماء لينظر ما رأى إلّا رجلاً صافّاً قدميه في اُفق السماء، فلا ينظر في ناحية من السماء إلّا رآه فيها » يشبه كلام المصابين في عقولهم وشعورهم، والمختلّين في أفكارهم، فلا يرون في

١١٤

كل جهة إلّا الصورة المتخيّلة، لطغيانها على مخيّلتهم وشعورهم، أعاذنا الله من إكالة الشنائع بمقام النبوّة، بنحو لا يليق بساحة العاديين من الناس فضلاً عن النبي الأكرم خاتم النبّيين.

٧ ـ انظر إلى امتحان خديجة لبرهان النبوّة فإنّ ظاهرها أنّها كانت شاكّة في نبوّة زوجها، ولكنّها استحصلت اليقين على الوجه الذي سمعته في كلام ابن هشام والطبري، ولكن أيّ صلة بين رفع الخمار وإلقائه وعدم رؤية جبرئيل، وهل لرفع الخمار وتعرية شعر الرأس تأثير في غياب أمين الوحي عن البيت ؟

نرى أنّه سبحانه ينقل في غير سورة من سور القرآن الكريم مكالمة الملائكة زوجة الخليل وتبشيرها بالولد. فهل يمكن لنا أن نقول بعد ذلك: إنّ زوجة الخليل لو كانت مكشوفة الرأس لامتنعت الملائكة من دخول بيت الخليلعليه‌السلام (١) .

٨ ـ إنّ ورقة بن نوفل على حدّ تصريح نصّ الرواية كان بادي بدئه نصرانيّاً بعد ما كان مشركاً، فمقتضى الحال أن يشبّه الرسول الأعظم بالمسيح الذي كان يعتقد بنبوّته، لا بالكليم. أو ليس هذا يعرب عن لعب يد الأحبار في الخفاء في اصطناع هذه الأحاديث ودورهم في تشويش صفاء رسالة الرسول الأعظم بأمثال هذه الأساطير والمهاترات والخرافات ؟

٩ ـ نحن على ثقة ويقين بأنّ النبوّة منصب إلهي لا يتحمّله إلّا الأمثل والأكمل فالأكمل من الناس، ولا يقوم بأعباء مهامّها إلّا من امتلك قدرة روحيّة خاصّة تبعث في نفسه الإذعان والتسليم، والإنقياد حينما يتمثّل له رسول ربّه وأمين وحيه، فلا تأخذه المسكنة ولا يستولي عليه الخوف عند سماع كلامه ووحيه، وقد درسنا وضع الكليم عندما فوجئ بالوحي فما حاق به الروع ولا أحاط به الخوف، ولا همّ بإلقاء نفسه إلى غير ذلك ممّا ورد في هذه الروايات، وبما أنّ القرآن هو المرجع الفصل في تمييز الصحيح من الزائف في جملة هذه الروايات، يحتّم علينا إعراض

__________________

(١) لاحظ هود / ٧١ ـ ٧٣، الذاريات / ٢٩.

١١٥

الصفح عنها، وضربها عرض الجدار، مضافاً إلى ما فيها من التناقض والإختلاف في حكاية القصّة كما هو معلوم لمن تدبّر فيها وتأمّل نصّها.

فرية إنقطاع الوحي وفتوره

وقفت على ما في الروايات السابقة من الوضع والدسّ بهدف تشويه صفاء صورة رسالة النبي الأكرم فهلمّ معي نتناول فريّة اُخرىٰ حيكت على المنوال السابق، وللغاية نفسها، وهي مسألة إنقطاع الوحي بعد نزول آيات من سورة العلق، أو سورة المدّثّر، أو سورة الحمد على إختلاف في أوّل سورة نزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد حازت هذه الفريّة على نصيب من الإهتمام والتقدير في كتب السيرة والتفسير حتى أنّ الدكتور محمد حسنين هيكل، أرسلها إرسال المسلّمات في كتابه بقوله: « انتظر هداية الوحي إيّاه في أمره، وإنارة سبيله، فإذا الوحي يفتر، واذا جبرئيل لا ينزل عليه، إلى أن قال: وقد روي أنّ خديجة قالت له: ما أرىٰ ربّك إلّا قد قلاك، وتولّاه الخوف والوجل، فهما يبعثانه من جديد، يطوي الجبال وينقطع في حراء يرتفع بكل نفسه ابتغاء وجه ربّه، يسأله: لم قلاه بعد أن اصطفاه، ولم تكن خديجة بأقلّ منه إشفاقاً ووجلاً ويتمنّى الموت صادقاً لولا أنّه كان يشعر بما اُمر به، فيرجع إلى نفسه، ثمّ إلى ربّه، ولقد قيل: إنّه فكّر في أن يلقي بنفسه من أعلى حراء أو أبي قبيس وأيّ خير في الحياة، وهذا أكبر عمله فيها يدوي وينقضي، وأنّه لذلك تساور هذه المخاوف، إذ جاءه الوحي بعد طول فتوره إذ نزل عليه بقوله تعالى:( وَالضُّحَىٰ *وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ *مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ *وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأُولَىٰ *وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ *أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ *وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَىٰ *وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَىٰ *فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ *وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ *وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) ( سورة الضحى )(١) .

هذا ما يذكره رجل مثقّف في القرن العشرين في حقّ النبي الأكرم، فما ظنّك

__________________

(١) حياة محمد:صلى‌الله‌عليه‌وآله ص ١٣٨.

١١٦

بغيره ممّن سبقه من الذين يتعبّدون بالروايات ولا يحيدون عن شاذّها وسقيمها قيد أنملة وقدر شعرة، وأصل هذه الفرية يرجع إلى كتب السيرة والتفسير، وإليك ما يذكره واحد من اُولئك من أمثال الطبري حيث يصرّح في تفسيره بما نصّه:

١ ـ عن ابن زيد: إنّ هذه السورة نزلت على رسول الله تكذيباً من الله قريشاً في قيلهم لرسول الله لـمّا أبطأ عليه الوحي: « قد ودّع محمّداً ربّه وقلاه ».

٢ ـ عن ابن عبد الله: لـمّا أبطأ جبرئيل على رسول الله، فقالت امرأة من أهله أو من قومه: ودّع الشيطان محمّداً، فأنزل الله عليه:( وَالضُّحَىٰ ـ إلى قوله ـمَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ ) .

٣ ـ عن جندب البجلي: أبطأ جبرئيل على النبي حتّى قال المشركون ودّع محمّداً ربّه، فأنزل الله:( وَالضُّحَىٰ ) ، وعنه قالت امرأة لرسول الله: ما أرى صاحبك إلّا قد أبطأ عنك، فنزلت هذه الآية.

وفي رواية اُخرى عنه: ما أرى شيطانك إلّا قد تركك.

٤ ـ عن عبد الله بن شدّاد: إنّ خديجة قالت للنبي: ما أرىٰ ربّك إلّا قد قَلاك، فأنزل الله( وَالضُّحَىٰ ) .

٥ ـ وعن قتادة: إنّ جبرئيل أبطأ عليه بالوحي، فقال ناس من الناس: ما نرى صاحبك إلّا قد قلاك فودّعك، فأنزل الله:( مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ ) .

٦ ـ عن ضحّاك: مكث جبرئيل عن محمّد، فقال المشركون: قد ودّعه ربّه.

٧ ـ عن ابن عروة، عن أبيه قال: أبطأ جبرئيل على النبي، فجزع جزعاً شديداً، وقالت خديجة: أرىٰ ربّك قد قلاك، ممّا نرى من جزعك، قالت: فنزلت( وَالضُّحَىٰ ) (١) .

يلاحظ على هذه الروايات وعلى فرية فترة إنقطاع الوحي عدّة اُمور:

١ ـ إنّ هذه الروايات التي ملأت التفاسير وكتب السير، رويت عن اُناس

__________________

(١) تفسير الطبري: ج ٣٠ ص ١٤٨.

١١٧

لا يركن إليهم كقتادة والضحّاك فإنّهما كانا يأخذان تفسير القرآن عن أهل الكتاب(١) . وجلّها بل كلّها مرسلة غير مسندة إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢ ـ إنّها اختلفت في القائل الذي شَمِت برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله: « ودّعك ربّك » فربّما يسند إلى امرأة من أهله أو قومه وأخرى إلى المشركين، وثالثة إلى طائفة من الناس، ورابعة إلى زوجته خديجة.

إنّ نسبة هذا القول إلى زوجته الطاهرة التي آمنت به يوم بعثته، وقد عرفت فضائله وملكاته النفسيّة عن كثب، بعيداً جداً.

٣ ـ إنّها إختلفت في مدة الفترة. قال ابن جريج: احتبس عنه الوحي إثنى عشر يوماً، وقال ابن عباس: خمسة عشر يوماً، وقيل: خمسة وعشرين يوماً، وقال مقاتل: أربعين يوماً(٢) ، وفي فتح الباري: أنّه كان ثلاث سنين(٣) كما في السيرة الحلبية وفيها أيضاً: إنّها كانت سنتين ونصفاً، وعلى قول: سنتين، إلى غير ذلك من الأقوال المختلفة التي تحكي عن اضطراب في الرواية والنقل.

٤ ـ إختلفت الرواية في سبب الفترة وانقطاع الوحي.فتارة زعموا أنّ سببها هو أنّ اليهود سألوا رسول الله عن مسائل ثلاث: عن أصحاب الكهف وعن الروح وعن قصّة ذي القرنين، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : سأخبركم غداً ولم يستثنِ، فاحتبس عنه الوحي، فقال المشركون ما قالوا، فنزلت(٤) .

واُخرى قالوا: إنّ عثمان أهدى إليه عنقود عنب، وقيل: عذق تمر، فجاء سائل فأعطاه، ثمّ اشتراه عثمان بدرهم، فقدّمه إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) لاحظ آلاء الرحمن في تفسير القرآن: ج ١، ص ٤٦، يقول: إنّ الضحّاك بن مزاحم فقد ضعّفه يحيى بن سعيد، وكان يروي عن ابن عباس، وأنكر ملاقاته له حتى قيل: إنّه ما رآه قط، وأمّا قتادة فقد ذكروا: أنّه مدلّس.

(٢) تفسير القرطبي: ج ٢٠ ص ٩٢.

(٣) السيرة الحلبية: ج ١ ص ٢٦٢.

(٤) روح المعاني: ج ١٠ ص ١٥٧، نقله عن جمع من المفسّرين.

١١٨

ثانياً، ثمّ عاد السائل فأعطى وهكذا ثلاث مرّات، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله ملاطفاً لا غضبان: أسائل أنت يا فلان أم تاجر ؟ فتأخّر الوحي أيّاماً فاستوحش فنزلت.

وثالثة: رووا عن ابن أبي شيبة في مسنده والطبراني وابن مردويه من حديث خولة، وكانت تخدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ جرواً دخل تحت سرير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمات ولم تشعر به، فمكث رسول الله أربعة أيّام لا ينزل عليه الوحي، فقال: يا خولة ! ما حدث في بيت رسول الله ؟ جبرئيل لا يأتيني ! فقلت يا نبي الله ما أتى علينا يوم خير من هذا اليوم، فأخذ برده فلبسها وخرج، فقلت في نفسي لو هيّأت البيت وكنسته، فأهويت بالمكنسة تحت السرير فإذا بشيء ثقيل فلم أزل به حتى بدا لي الجرو ميّتاً، فأخذته بيدي فألقيته خلف الدار، فجاء النبي ترعد لحيته، وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته الرعدة، فقال يا خولة دثّريني، فأنزل الله تعالى:( وَالضُّحَىٰ *وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ) (١) .

ورابعة: انّ المسلمين قالوا: يا رسول الله مالك لا ينزل عليك الوحي ؟ فقال: وكيف ينزل عليّ وأنتم لا تنقّون رواجبكم، وفي رواية: براجمكم، ولا تقصّون أظفاركم، ولا تأخذون من شواربكم، فنزل جبرئيل بهذه السورة، فقال النبي: ما جئت حتى اشتقت إليك، فقال جبرئيل: وأنا كنت أشدّ إليك شوقاً، ولكنّي عبد مأمور، ثمّ أنزل عليه:( وَمَا نَتَنَزَّلُ إلّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) ( مريم / ٦٤ )(٢) .

إنّ الإضطراب في أسباب فتور الوحي يعرب عن عدم صحّة الرواية.

أمّا الأوّل: فلو صحّ فيلزم كون زمان إنقطاع الوحي في العام السابع من البعثة لأنّ قريشاً أرسلت النضر بن الحارث وابن أبي معيط إلى أحبار اليهود يسألانهم عن النبي الأكرم، وقالا لهم: إنّكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، فقالت لهم أحبار اليهود: سلوهُ عن ثلاث نأمركم بهنّ، فجاؤوا إلى رسول الله، وقالوا: يا محمّد أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأوّل، قد كانت لهم قصّة عجب ،

__________________

(١) روح المعاني: ج ١٠ ص ١٥٧.

(٢) تفسير القرطبي: ج ٢٠ ص ٩٣، ومجمع البيان: ج ١٠ ص ٥٥ ( طبع صيدا ).

١١٩

وعن رجل كان طوّافاً قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وأخبرنا عن الروح ما هي ؟ فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أخبركم بما سألتم عنه غداً ولم يستثن، فانصرفوا عنه(١) .

نحن ننزّه ساحة النبي الأكرم الذي نشأ نشأة الأنبياء في عالم مليء بالطهر والقداسة، أن يخبرهم على وجه قاطع بأنّه سيجيبهم غداً على أسئلتهم تلك فمن أين علم أنّه سبحانه ينزل الوحي عليه غداً ؟ أو أنّه سبحانه يجيب عن أسئلتهم عن طريق الوحي ؟

وأمّا الثاني: فهو أشبه بالقصص الموضوعة، فهل من المعتاد أن يباع عنقود عنب ثلاث مرّات في السوق، ومثله عذق تمر ؟ ولعلّ الجاعل كان يهدف إلى إختلاق الفضائل لعثمان فحسب أنّ هذا الموضع مناسب له.

وأمّا الثالث: فبعيد جدّاً، إذ كيف يمكن أن يموت الجرو تحت سرير النبي أو في زاوية من البيت ولا يلتفت إليه ؟ على أنّ ظاهر الرواية أنّ إنقطاع الوحي كان بعد تلقّي النبي لنزول الوحي مدّة مديدة حيث إنّ خولة قالت: « وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته الرعدة » فإنّ ذلك يعرب عن أنّ الحادثة كانت في أزمنة متأخّرة من بدء البعثة، مع أنّ المشهور أنّها كانت في بدء البعثة ـ أي بعد نزول سورة العلق أو آيات منها ـ.

وأمّا الرابع: فهو أشبه بحمل النبي وزر الغير، فإنّ عدم قصّ المسلمين شواربهم، أو عدم تنظيف رواجبهم لا يكون سبباً لإنقطاع الوحي، قال سبحانه:( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ) ( الأنعام / ١٦٤ ).

هذه الوجوه كلّها تدفع بنا إلى القول: بأنّ مسألة انقطاع الوحي فرية تاريخيّة صنعتها يد الجعل والوضع لغاية أو غايات خاصّة، ولم يكن هناك أيّة فترة، وإنّما المسألة كانت بصورة اُخرى:

__________________

(١) السيرة النبويّة لإبن هشام: ج ١، ص ٣٠١.

١٢٠

قال : حمزة سيد الشهداء.

قال : ومن هذا عند رجليه؟؟

قال : جعفر الطيّار في الجنة.

[ ضبط الغريب ]

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فرفسني برجله : الرفسة : الصدمة بالرجل في الصدر.

[٤٧] وبآخر يرفعه الى أبي رافع ، قال : لما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان من أمر الناس ما كان ، قام عليعليه‌السلام خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر ما منح الله بهم أهل البيت إذ بعث فيهم رسول منهم وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا(١) ، ثم قال : أنا ابن عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو بنيه والصديق الأكبر وأخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يقولها أحد غيري إلا كاذب ، أسلمت وصلّيت معه قبل الناس ، وأنا وصيه وخليفته من بعده وزوج ابنته سيدة نساء العالمين ، ونحن أهل بيت الرحمة ، بنا هداكم الله من الضلالة وبصّركم من العمى ، ونحن نعم الله فاتقوا الله يبقي عليكم نعمه.

[٤٨] وبه عنه ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلىعليه‌السلام أما ترضى يا علي [ أن تكون ] أخي ووصيّي ووزيري ووليّي وخليفتي من بعدي.

[٤٩] وبآخر ، صفية(٢) قالت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنه ليس من

__________________

(١) كما ورد في سورة الأحزاب الآية ٣٣.

(٢) صفية بنت حيي بن اخطب ( الإصابة ٤ / ٣٤٦ ).

١٢١

نسائك الامن لها ان كان كون من تلجأ إليه ، فان كان كون فإلى من تلجأ صفية؟ قالت : فقال لي [صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] : إلى عليعليه‌السلام .

[٥٠] وبآخر يرفعه الى أبي رافع ، قال : كنت جالسا عند أبي بكر بعد أن بايعه الناس ، إذ أتاه عليعليه‌السلام والعباس يختصمان في تراث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فافتتح العباس الكلام ، فقال له أبو بكر : لا تعجل ، فاني اسألك أمرا ، اناشدك الله هل تعلم إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجمع بني عبد المطّلب وأولادهم وأنت فيهم ، فقال : يا بني عبد المطّلب إن الله لم يبعث نبيا إلا جعل له أخا ووزيرا ووارثا ووصيا وخليفة في أهله ، فمن يقوم منكم فيبايعنى على أن يكون أخي ووزيري ووارثي ووصيّي وخليفتي في أهلي ، فأمسكتم ، ثم أعاد الثانية ، فأمسكتم ، ثم أعاد الثالثة فأمسكتم ، فقال : لئن لم يقم قائمكم ليكونن في غيركم ، ثم لتندمن ، فقام هذا ( يعني علياعليه‌السلام ) من بينكم ، فبايعه الى ما دعاكم إليه وشرط له عليكم ما شرط ، أتعلم ذلك يا عباس؟

قال : نعم ، هذا قول أبي بكر.

[٥١] وبآخر رفعه الى أبي سعيد الخدري [ إنه ] قال : اعتلّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكنت عنده إذ دخلت فاطمةعليها‌السلام ، فلما رأته لما به ، بكت. فقال : ما يبكيك يا فاطمة. قالت : أخشى الضيعة بعدك يا رسول الله؟؟! قال : يا فاطمة ، أما علمت أن الله عز وجل اطّلع الى أهل الارض اطلاعة واختار منهم أباك ، فبعثه نبيا ثم اطلع الثانية فاختار منهم بعلك ، فأوحى إليّ أن ازوجك به ، فاختاره لي وصيا يا فاطمة ، أما علمت أن لكرامة الله إياك زوّجك أعظم الناس حلما واكثرهم علما وأوفرهم فهما وأقدمهم سلما. فاستبشرت وسرّت. فأراد النبيّ

١٢٢

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يزيدها من الفضل الذي أعطاه الله إياه. فقال : يا فاطمة إن لعلي سبعة أضراس قطع(١) ليست لأحد غيره : إيمانه بالله ورسله ، وحكمته ، وعلمه بكتاب الله وفهمه ، وزوجته فاطمة بنت محمد ، وابناه الحسن والحسين سبطا هذه الامة ، وأمره بالمعروف ، ونهيه عن المنكر.

يا فاطمة ، إن الله عز وجل أعطانا خصالا لم يعطها أحد من الأولين ولا يدركها أحد من الآخرين ، نبينا خير الأنبياء وهو أبوك ، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك ، وشهيدنا خير الشهداء وهو عمّ أبيك(٢) ، ومنا من جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة مع الملائكة حيث يشاء وهو ابن عمّ أبيك ، ومنّا سبطا هذه الامة وهما ابناك ومنّا المهدي ـ وضرب بيده على ظهر الحسين ، وقال : ـ وهو من ولد ولدك هذا ( يقولها ثلاث مرات )(٣) .

[٥٢] وبآخر رفعه الى ابن عباس ، قال : قال عليعليه‌السلام في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله عز وجل يقول : «أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (٤) والله لا ننقلبن على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ولئن مات أو قتل لاقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت والله لإني لأخو

__________________

(١) أضراس قطع : فقد شبّه الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضائلهعليه‌السلام بالأضراس لأجل قوتها ورصانتها وعظمتها بحيث يتحدى من يجابهه بها. وفي كتاب سليم بن قيس : أن لعلي بن أبي طالب ثمانية أضراس تواقب.

(٢) وهو حمزة بن عبد المطّلب سيد الشهداء.

(٣) وفي بحار الانوار ٢٨ / ٥٣ الحديث ٣١ أضاف : مهديّ هذه الامة الذي يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.

(٤) آل عمران : ١٤٤.

١٢٣

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووليه وابن عمّه ووصيه ووارثه وخليفته من بعده ، فمن أحقّ به مني.

[٥٣] وبآخر يرفعه أيضا الى ابن عباس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمّ سلمة : يا أمّ سلمة اشهدي هذا علي أمير المؤمنين وسيد الوصيّين وعيبة العلم ومنار الدين وهو الوصي على الأموات من أهلي والخليفة على الأحياء من امتي.

[٥٤] وبآخر يرفعه الى الأصبغ بن نباتة ، قال : كنا مع عليعليه‌السلام بالبصرة وهو راكب على بغلة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال لنا : ألا اخبركم بأفضل الخلق عند الله يوم يجمع الله الخلق. فقال أبو أيوب الأنصاري : أخبرنا يا أمير المؤمنين. فقال : أفضل الخلق عند الله يوم يجمع الله الخلق الرسلعليهم‌السلام ، وأفضل الرسل نبينا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأفضل الخلق بعد الرسل الأوصياء ، وأفضل الأوصياء وصيّ نبيناعليهم‌السلام ، وأفضل الخلق بعد الأوصياء الأسباط وأفضل الأسباط سبطا نبيكم ـ يعني الحسن والحسينعليهم‌السلام ـ وأفضل الخلق بعد الأسباط الشهداء ، وأفضل الشهداء حمزة بن عبد المطّلب وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين المخضبين ، [ هذه ] تكرمة خصّ الله بها محمّدا نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمهديّ المنتظر في آخر الزمان لم يكن في امة من الامم مهدي ينتظر غيره.

[٥٥] وبآخر عن سلمان (ره) ، قال : قلتم : كان الف نبي والف وصي فاهتدت الأنبياء والأوصياء وضلّ وصيّ نبينا من بينهم؟ كذبتم والله ما ضلّ ولكنه كان هاديا مهديا.

[٥٦] وبآخر عن عليعليه‌السلام إنه قال كان الف وصي والف نبي ، والله ما بقى منهم غيري.

١٢٤

[٥٧] وبآخر عن كريم ، قال : شهدت الجمل مع عائشة وأنا مملوك لواء عائشة مع مولاي ، فكنت بين يدي هودجها وهو مجلّل بالدروع ، فبينا نحن كذلك إذ جاء أحنف ابن قيس ، فوقف الى مولاي فوعظه ونهاه عما ارتكبه وأمره بالرجوع ، فسكت مولاي عنه ، ولم يجبه بشيء ، وانصرف الأحنف ، ثم تحرك الناس حركة ، فقيل : ما هذا ، فقالوا : مستأمن جاء إلينا ، فنظرنا ، فإذا هو عمّار بن ياسر ، فجاء حتى وقف بين يدي الهودج ، فقال : يا أمّ المؤمنين ، اتقي الله ولا تسفكي هذه الدماء بين يديك وأنت امرأة ، ولست من هذا في شيء ، فانصرفي الى بيتك.

فسكتت عنه عائشة ولم تجبه بشيء.

فقال : اذكر الله والقرآن الذي أنزله الله في بيتك على رسوله ، أما علمت أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل علياعليه‌السلام وصيه على أهله ، فبإذن من خرجت؟؟ فاتقي الله وارجعي. فسكتت ولم تجبه بشيء ، فانصرف.

ثم تحرك الناس حركة ، فقلنا ما هذا؟؟. فقيل مستأمن جاءنا ، فنحن على ذلك ، إذ نظرنا الى عليعليه‌السلام قد أقبل وعليه بردان وعمامته سوداء متقلّدا بسيفه حتى وقف بين يدي الهودج ، فقال : يا عائشة ، اتقي الله ولا تسفكي هذه الدماء اليوم علي يديك وبسببك ، فلست مما هنالك في شيء ، أنت امرأة ، فانصرفي ، فلم تجبه بشيء. فقال : اذكرك الله والقرآن الذي أنزله على رسوله في بيتك ، أما علمت أن رسول الله صلوات الله عليه وآله جعلني وصيا على أهله ، فبإذن من خرجت؟؟ فارجعي ، فسكتت ، ولم تجبه بكلمة ، فناشدها الله [ العودة ] وكلّهما ووعظها فلم تكلّمه ، فانصرف ، ودارت الحرب.

[٥٨] وبآخر عن سلمان الفارسي ، قال : قلت لرسول الله صلوات الله عليه

١٢٥

وآله : يا رسول الله ، إنه لم يكن نبي إلا وله وصي! ، فمن وصيك؟؟ قال : يا سلمان لم يبيّن لي بعد(١) ؟ قال : فمكثت بعد ذلك ما شاء الله ، ثم دخلت المسجد ، فناداني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا سلمان ، فأتيته.فقال : يا سلمان كنت قد سألتني من وصيّي في امتى ، فمن كان وصيّ موسى؟؟ فقلت : يوشع(٢) وقال : لم كان وصيه؟؟ قلت : الله ورسوله أعلم. قال : لأنه كان أعلم امته من بعده ، وأعلم امتى من بعدي علي بن أبي طالب وهو وصيّي.

[٥٩] وبآخر عن أبي رافع ، قال : لما كان اليوم الذي قبض فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اغمي عليه ، ثم أفاق وأنا أبكي وأقول : من لنا بعدك يا رسول الله؟؟ فقال : لكم بعدي الله تعالى ذكره ووصيّي علي صالح المؤمنين.

[٦٠] وبآخر عن حسن الصنعاني ، قال : سمعت علياعليه‌السلام يقول : نحن النجباء ، وإفراطنا إفراط الأنبياء وأنا وصيّ الأوصياء.

فهذه الأخبار ثابتة ، وكلها وما تقدم قبلها وما نذكره في هذا الكتاب بعدها مما قد رواه الثقات عند العامة من أصحاب الحديث والفقهاء منهم عندهم وأهل الفضل فيهم ، بعد أن اختصرت ـ كما شرطت في أول هذا الكتاب ـ أكثر مما جاء في ذلك ، واقتصرت على حديث واحد من كل فن ، وحذفت التكرار الذي يدخله أصحاب الحديث وغيرهم باختلاف الأسانيد وغير ذلك فيما يريدون به التأكيد ، وفيما ذكرته من ذلك وجئت به في هذا الباب أبين البيان على إمامة عليعليه‌السلام ، وأنه أولى الناس بها بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبأنه وصيه من بعده وكل وصي كان لنبي تقدم

__________________

(١) هكذا في الأصل وفي مجمع الزوائد ٩ / ١١٣ : فسكت عني فلما كان بعد رآني. قال : يا سلمان ...

(٢) يوشع بن نون.

١٢٦

قبله فهو وليّ امته من بعده ، والذي يقوم لها مقامه ، فلا اختلاف بين الامة في ذلك وبأنه نصّ عليه بأنه أمير المؤمنين ، فكيف ينبغي لغيره أن [ يتسمى ](١) معه بهذا الاسم بعد رسول الله صلوات الله عليه وآله أو يتأمّر عليه وقد جعله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمير المؤمنين وأمّره بذلك عليهم أجمعين ونصّ ـ أيضا ـ عليه فيما ذكرناه بأنه خليفته على امته ، فمن أين يجوز لأحد أن يدعى أنه خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعده معه؟ بل أي نصّ ، وأي تأكيد ، وأي بيان يكون أبلغ من هذا ، وأيّ شبهة فيه؟؟ إلا على من أعمى الله قلبه واتبع هواه وصرح بالخلاف على الله عز وجل وعلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . نعوذ بالله من الحيرة والضلال والكون في جملة الجهال.

وأعجب ما جاء من هذا الباب احتجاج أبي بكر على العباس بما كان من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم جمع بني عبد المطلب من اقامته عليا وأخذه البيعة له بالاخوة والوصاية والوراثة والوزارة والخلافة ، وأمّره إياهم بالسمع والطاعة له.

وقد ذكرت الحديث قبل هذا بتمامه وهو من مشهور الأخبار عن الخاص والعام ، فاذا كان ذلك كذلك وهو الأخ والوزير والوصي والوارث والخليفة ومستحقّ تراث رسول الله فمن أين وجب لأبي بكر وغيره أن يدّعوا أنهم خلفاء رسول الله وأن يقوموا مقامه من بعده ، وليس أحد منهم يدعي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له مثل ذلك ولا شيئا مما قدمنا ذكره ويأتي بعد في هذا الكتاب مما يوجب إمامة عليعليه‌السلام وما هذا إلا كما قال الله تعالى : «فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ » (٢) وقوله تعالى «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها » (٣) .

__________________

(١) وفي الأصل : أن يتمسّى.

(٢) الحج : ٤٦.

(٣) محمّد : ٢٤.

١٢٧

وأكثر مما سمعناه وتأدى إلينا عن المتعلّقين بهؤلاء من ضعفاء الامة إن أحدهم إذا خوطب بمثل هذا وقامت الحجة عليه فيه ولم يجد مدفعا لها أن يقول : أفتكفّر أبا بكر وعمر وجميع الصحابة الذين بايعوا لهما؟؟ فيقال له : فأي لكع ، فلا تكفرهم أنت ـ إن شئت ـ وتخالف أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتكذبه ، فتكون أنت الكافر. ولقد صدق من قال : إن مجيء عليعليه‌السلام مع العباس إلى أبي بكر يختصمان إليه إنه انما كان لما أراده من إقامة الحجة عليه بمثل ما أقرّ به ، وبأنه لو لم يقرّ بذلك لاحتج به وبغيره عليه علي صلوات الله عليه وكبته فيه وقرره على تعديه ، فلما كفاه ذلك باقراره ، سكت عنه ، وكان اختصامهما في ذلك إليه كاختصام الملكين الى داودعليه‌السلام قرّراه عليه من أمر [ ال ] خطيئة(١) ـ والله أعلم ـ.

ولو أنا ذهبنا الى استقصاء الحجج في هذا المعنى لقطعنا عمّا أردنا من تأليف هذا الكتاب ولاحتاج ذلك الى كتاب مثله ، وفيما ذكرناه من ذلك ونذكره وأقل قليل منه بيان لذوي الألباب والله الموفق برحمته للصواب.

قد شرطت في أول هذا الكتاب وذكرت في آخر الباب الذي قبل هذا الباب اختصار ذكر الاحتجاج على المقتصرين بعلي أمير المؤمنينعليه‌السلام كما أبانه الله عز وجل به على لسان محمّد رسوله صلّى الله من الفضل والكرامة واستحقاق الوصية من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والامامة من بعده وان ذلك إن ذكرته طال ذكره وقطع الكتاب عمّا عليه بسطته ، ثم لم أجد بدّا من ذكر هذا الفصل فيه لما قيل إنه لا بدّ للصدور من أن ينفث ، وذكري فيه ، محمد بن جرير الطبري وما رواه وبسطه من فضائل عليعليه‌السلام لما أردته من

__________________

(١) وقد يذكر المؤلف هذا الموضوع مفصلا في الجزء ١٣ من هذا الكتاب وهذا قول هشام بن الحكم مع أحد متكلمي العباسيين.

١٢٨

الاخبار بذلك عن إقرار العوام وروايتهم ما قد بسطته في هذا الكتاب من ذلك ، ولأن لا يرى من سمعه إنه شاذ أو مما انفردت به الشيعة دون العامة ، فيكون ذلك مما يضعف عند عقل الضعفاء ممن لا علم له بالحديث ، ولا معرفة له بالأخبار ، ورأيت في هذا الكتاب :

١٢٩

[ نقد للطبري ]

حجة(١) احتج بها الطبري على بعض من خالفه في تفضيل عليعليه‌السلام وما عليه من الحجة مع إقراره بفضله.

ومما رواه في اثبات خلافته وامامته مما قد حكيت ذلك عنه في الباب الذي قبل هذا الباب مع تصحيحه ذلك وانه كبعض من قدمت ذكره ممن يتعاظم أن يكفر غيره ولا يتعاظم التكفير لنفسه ، فمن ذلك أن كتابه الذي ذكرناه وهو كتاب لطيف بسيط ذكر فيه فضائل عليعليه‌السلام وذكر إن سبب بسطه إياه ، إنما كان لأن سائلا سأله عن ذلك لأمر بلغه عن قائل زعم أن علياعليه‌السلام لم يكن شهد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجة الوداع التي قيل أنه قام فيها بولاية علي بغدير خم(٢) ليدفع بذلك بزعمه عنه الحديث.

__________________

(١) هذا اول ما في النسخة « الف » واما ما تقدم من الكتاب فقد كان ساقطا من هذه النسخة إلا أنا اكملناه بالنسخة « ب ».

(٢) « الطبري وكتابه » ( وهو ابو جعفر محمد بن جرير المتولد سنة ٢٢٤ هـ والمتوفى ٣١٠ كتابه : الولاية في طرق حديث الغدير.

وقد روى فيه من نيف وسبعين طريقا. قال الحموي في معجم الادباء ١٨ / ٨٠ في ترجمة الطبري : له كتاب فضائل علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه تكلم في أوله بصحة الأخبار الواردة في غدير خم ، ثم تلاه

١٣٠

[٦١] لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فهذا علي مولاه. فاكثر

__________________

بالفضائل ولم يتم. وقال في ص ٧٤ : وكان إذا عرف من إنسان بدعة أبعده وأطرحه ، وكان قد قال بعض الشيوخ ببغداد بتكذيب غدير خم ، وقال : إن علي بن أبي طالب كان باليمن في الوقت الذي كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير خم وقال هذا الانسان في قصيدة مزدوجة يصف فيها بلدا بلدا ومنزلا منزلا أبياتا يلوح فيها الى معنى ( حديث غدير خم ) فقال :

ثم مررنا بعد بغدير خم

كم قائل فيه بزور رجم

على علي والنبي الامي

وبلغ أبا جعفر ذلك فابتدأ بالكلام في فضائل علي بن أبي طالب عليه‌السلام وذكر طريق حديث خم فكثر الناس لاستماع ذلك واستمع قوم من الروافض من بسط لسانه بما لا يصلح في الصحابة ره. فابتدأ بفضائل أبي بكر وعمر.

وقال الذهبي في طبقاته ( ٢ / ٢٥٤ ) : لما بلغ ( محمد بن جرير الطبري ) ان ابن داود تكلم في حديث غدير خم عمد كتابة الفضائل وتكلم في تصحيح الحديث.

وقال السيد ابن طاوس في الاقبال : ومن ذلك ما رواه محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ الكبير صنفه وسماه كتاب الرد على الحرقوصية. روى حديث يوم الغدير وروى ذلك من خمس وسبعين طريقا ). الغدير ١ / ١٥٣.

وقال الشيخ آغا بزرگ الطهراني في الذريعة الى تصانيف الشيعة ١٦ / ٣٥ حول شخصية الطبري وكتابه ما نصه :

( كتاب غدير خم وشرح أمره كما عبر عنه كذلك في الفهرست وفي تهذيب التهذيب وفي معالم العلماء وقال هذا بعد ذلك وسماه كتاب الولاية. وقال النجاشي : ذكر طرق خبر يوم الغدير ، وصرح الجميع بأنه لأبي جعفر محمد بن جرير العامي صاحب التاريخ والتفسير الذي توفي سنة ٣١٠ هـ ومرّ رده على الحرقوصية.

أقول : ظاهر توصيف هذا الكتاب وتسميته بـ ( كتاب الولاية ) وكذا ردّ الحرقوصية لا يلائم مذهب أبي جعفر الطبري العامي بشهادة كلماته في تاريخه وتفسيره بل المظنون أنها لأبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الامامي المعاصر لصاحب الترجمة وهو مصنف كتاب المسترشد في الامامة وانما وقع الخلط من اتحاد الاسم والكنية واسم الاب والنسبة ، ويدل عليه عدم ذكر ابن النديم هذين الكتابين للطبري العامي مع بسطه القول في ترجمته وتصانيفه ، وترجمة تلاميذه وناصريه في مذهبه المعروف بمذهب أبي جعفر الطبري في قبال سائر المذاهب كما وقع لابن النديم خلط في نسبة المسترشد الى هذا العامي مع أن في كل صفحة منه ردود على العامة. مع أن الذي نسب كتاب الغدير الى العامي في طريق الفهرست ، هو أبو بكر

١٣١

الطبري التعجب من جهل هذا القائل ، واحتجّ على ذلك بالروايات الثابتة(١) على :

[٦٢] قدوم علي ( صلوات الله عليه ) من اليمن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند وصوله الى مكة ، وبأنه أتاه بهدي ساقه معه وأصابه ، [ و ] قد انزل عليه ما انزل في أمر المتعة بالعمرة الى الحج ، وأنه أمر من لم يسق الهدي أن يتمتع بها وأقام هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على إحرامه لمكان الهدي الذي كان قد ساقه معه لقول الله تعالى : «وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ

__________________

بن أحمد بن كامل الذي هو على مذهب استاذه أبي جعفر العامي ، ونصر مذهبه ، ومخلد والد أبي إسحاق ابراهيم بن مخلد الغير المذكور في رجالنا ، ولعله أيضا عامي.

ومن تأليفات الطبري ـ الاخرى ـ الآداب الحميدة ، الايضاح ، دلائل الائمة ، المسترشد ، غريب القرآن. فضائل أمير المؤمنين ).

والذي يؤيد كلام الشيخ آغا بزرك ما نقله الامين العاملي في أعيان الشيعة المجلد ٩ / ١٩٩ بعد ذكر الكلمات التي أوردها ابن أبي الحديد جوبا عن كلام المرتضى في الشافي ما لفظه : وأما الأخبار التي رواها عن عمر فأخبار غريبة ما رأيناها في الكتاب المدونة. وما وقفنا عليها إلا من كتاب المرتضى ، وكتاب آخر يعرف بكتاب المستبشر لمحمد بن جرير الطبري وليس ابن جرير صاحب التاريخ بل هو من رجال الشيعة. والعجب من الشيخ آغابزرگ رحمه‌الله أنه عاد ( في نفس الجزء ١٦ / ٢٥٦ ) ونسب تأليف فضائل أمير المؤمنين الى الطبري العامي واستدل بقول الحموي في معجم الادباء.

وقد ذكر كارل بروكلمان في كتابه : ( تاريخ الأدب العربي ٣ / ٤٥ ) ترجمة محمد بن جرير الطبري ، وادعى أنه كان صاحب مذهب فقهي وسرد مؤلفاته ولم يتعرض الى هذا الكتاب.

والخلاصة : أن أبا جعفر محمد بن جرير الطبري الآملي ، المعروف بهذا الاسم رجلان من كبار العلماء :

أحدهما محمد بن جرير بن يزيد المولود في آمل طبرستان والساكن في بغداد المفسر والمحدث والمؤرخ والفقيه من أئمة أهل السنّة.

والثاني محمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي من اكابر علماء الامامية في المائة الرابعة ومن أجلاّء الأصحاب ـ وهو ثقة ـ.

(١) ذكر أحمد بن حنبل في مسنده عدة طرق للحديث راجع ج ١ / ٧٩ / ١٢٣ / ١٤٣ / ١٥٤.

١٣٢

الْهَدْيُ مَحِلَّهُ » (١) وأنه قال لعلي صلوات الله عليه لما وصل إليه : بما ذا أهللت يا علي؟ قال : قلت : اللهمّ إني أهلّ بما أهلّ به رسولك. قال : فلا تحلل(٢) . فاني قد سقت الهدي ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرته لم اسقه ولجعلتها متعة.

__________________

(١) وتمام الآية :( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ، وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) . البقرة : ١٩٦.

(٢) وفي المناقب لابن شهرآشوب ٢ / ١٣٠ : كن على إحرامك مثلي وأنت شريكي في هديي.

١٣٣

[ إشراكه في الهدي ]

[٦٣] وإنه أشركه في هديه ، ونحر هو بعضه ونحر علي بعضه واكّد ذلك الطبري بالروايات الثابتة عن حجة الوداع وكون عليعليه‌السلام فيها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واجماع أصحاب الحديث والعلماء(١) عنده على ذلك ، ليدفع به قول من نفى ذلك.

[ الرسول في حجة الوداع ]

ثم جاء أيضا في هذا الكتاب بباب أفرد فيه الروايات الثابتة التي جاءت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

[٦٤] بأنه قال ـ قبل حجة الوداع وبعدها ـ : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله.

[ فضائل اخرى لأمير المؤمنينعليه‌السلام ]

[٦٥] وقوله : عليّ أمير المؤمنين ، وعليّ أخي ، وعليّ وزيري ، وعليّ وصيي ،

__________________

(١) وقد صنّف العلاّمة الاميني موسوعة قيّمة حول حديث الغدير وطرق اسناده ورواته في ١١ جزء لا يستغني عنه الباحث.

١٣٤

وعليّ خليفتي على امتى من بعدي ، وعليّ أولى الناس بالناس من بعدي.

[٦٦] وغير ذلك ممّا يوجب له مقامه من بعده ، وتسليم الامة له ذلك ، وأن لا يتقدّم عليه أحد منها ، ولا يتأمّر عليه ، في كلام طويل(١) ذكر ذلك فيه ، واحتجاج أكيد أطاله ، على ( القائل )(٢) حكى قوله.

[ شذوذ القول بانكار حضور عليعليه‌السلام يوم الغدير ]

ولا نعلم أحد قال بمثله ، وما حكاه عنه من دفع ما اجتمعت الامة عليه ونفيه أن يكون عليعليه‌السلام مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع ، وعامة أهل العلم ، وأصحاب الحديث مجمعون(٣) على أنه كان معه.

ومن نفى ما أثبته غيره من الثقات لم يلتفت الى نفيه ، ولم يعدّ خلافه خلافا عند أحد من أهل العلم علمته ، وهذا من اصول ما عليه العمل عند أهل العلم في قبول الشهادات والأخبار ، ودفع ما يجب دفعه منها عن الثقة العدل في قوله وشهاداته ونقله اذا قال : رأيت ، أو سمعت كذا ، وقال من هو في مثل حاله أو فوقه في الثقة والعدالة وجواز الشهادات ، لم يكن ذلك [ و ] لم يقله أحد لما لم يلتفت الى قوله لأنه غير شاهد فيه(٤) وكان القول قول من شهد بما عاين أو سمع.

فأشغل الطبري اكثر كتابه بالاحتجاج على هذا القائل الجاحد الشاذ قوله

__________________

(١) راجع الغدير ١ / ١٦٥.

(٢) وفي الاصل : قائم.

(٣) وفي نسخة ـ ب ـ : يأثرون.

(٤) وخلاصة قول المؤلف للذين انكر الحادث أو الرواية : لم نقبل شهادته من جهة انه منكر وليس بشاهد ( المنكر هنا في الحقيقة مدع فعليه البينة ).

١٣٥

الذي لم يثبت عند أحد من أهل العلم. إذ قد جاء عنهم ، وصح لديهم إثبات ما نفي عنه. وأغفل الطبري أو جهلها أو تعمد أو تجاهل خلافه ، لما أثبته ورواه وصححه مما قدمنا ذكره. وحكايته عنه في عليعليه‌السلام وذهب فيه الى ما ذهب أصحابه من العامة إليه. من تقديم أبي بكر وعمر وعثمان عليه.

فهذا مما قدمت ذكره من عماء القوم ، وتعاميهم وجهلهم وضلالهم ، وإقرارهم بذلك على أنفسهم تقية من أن ينسبوه الى غيرهم. فلو قالوا في مثل ذلك ما قاله الله سبحانه في كتابه : «تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ »(١) . وتوقفوا عن القول في القوم وقدّموا من قدّمه الله ورسوله واعتقدوا ذلك له لكان أولى بهم من الدخول في جملة من قال الله عز وجل فيهم : «وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا » (٢) أعاذنا الله وجميع المؤمنين من ذلك ومما يدعون إليه(٣) بفضله ورحمته.

__________________

(١) البقرة : ١٣٤ و ١٤٠.

(٢) النمل : ١٤.

(٣) هكذا في الأصل.

١٣٦

[ مناقب أمير المؤمنين عليه السلام ]

ونحن بعد هذا نحكي مما رواه الطبري هذا من مناقب علي صلوات الله عليه وفضائله الموجبة لما خالفه هو لنؤكد بذلك ما ذكرناه عنه من اغفاله أو جهله أو تعمده أو تجاهله خلاف ما رواه ، وتقديمه أبا بكر وعمر وعثمان على عليعليه‌السلام .

الأخبار عن كون علي صلوات الله عليه وصيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنه أحب الخلق الى الله والى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخير الخلق والبشر.

[ حديث الطير ]

[٦٧] الطبري باسناد له رفعه الى أبي أيوب الأنصاري. قال : اهدي الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طير يقال له : الحجل ، فوضع بين يديه.

قال : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام.

وكان أنس بن مالك وعائشة وحفصة قريب منه فقالت عائشة :

اللهمّ اجعله أبا بكر. وقالت حفصة : اللهمّ اجعله عمر. وقال أنس :

اللهمّ اجعله سعد بن عبادة ـ أو رجلا من الأنصار ـ.

وقال : وحرّك الباب. فقال : يا أنس انظر من بالباب. قال أنس :

فخرجت ، فإذا هو علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

١٣٧

فقلت له : النبي على حاجة. فرجع عليعليه‌السلام ومكث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما شاء الله ، ثم رفع رأسه. وقال : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك ليأكل معي من هذا الطعام. ثم قال : وحرّك الباب ثانية ، ثم قال رسول الله : يا أنس انظر من بالباب فخرجت فاذا هو علي بن أبي طالبعليه‌السلام . فقلت له : النبي على حاجة. فانصرف. فمكث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما شاء الله ، ثم رفع يديه ، وقال : اللهمّ ائتني به الساعة. قال : وحرّك الباب. ثم قال يا أنس انظر من الباب. قال أنس : فخرجت فاذا هو علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقلت له : النبيّ على حاجة. قال : فوضع يده على صدري ثم دفعني فألصقني بالحائط ، ثم دخل ، قال : فلما رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عانقه ، ثم قال : اللهمّ وإليّ اللهمّ وإليّ ( يعنى إنه أحب خلقك إليك وإليّ ) ثم قال له : يا علي ما حبسك. قال : جئت ثلاث مرات كل ذلك يردني أنس. فنظر إليّ النبي ، وقال : ما حملك على هذا يا أنس. فقلت : يا رسول الله أردت أن تكون الدعوة لرجل من قومي الأنصار. فقال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لست بأول من أحبّ قومه.

وجاء الطبري بهذا الحديث بروايات كثيرة وطرق شتى. ورواه غيره كثير [ ون ] وهو من مشهور الأخبار(١) .

__________________

(١) وقد ذكر العلاّمة البحراني في غاية المرام ص ٤٧١ : ٣٥ حديثا من طرق العامة و ٨ أحاديث من الخاصة ونقل أيضا ابن عساكر في تاريخ دمشق ( ترجمة الامام علي ٢ / ١٠٥ ) أكثر من ٩٠ حديثا من طرق شتى. وكذلك الكنجي في كفاية الطالب ص ١٥٢ يرويه عن ٨٦ رجلا كلهم يروونه عن أنس بن مالك. وابن المغازلي في مناقبه ص ١٥٧ من ٣٤ طريقا.

١٣٨

[ حديث اللحم المشوي ]

[٦٨] وروى أيضا حديثا بإسناد له يرفعه الى أبي رافع ، قال : أصبت لحما ، فصنعته للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يكن قريب عهد بلحم ، فأتيته به على خلوة ليصيب منه. فقال لي : كأنك أتيتني به خاليا لأصيبه وحدي. قلت : نعم ، يا رسول الله. قال : أما والله على ذلك ليأكله معي رجل يحبّ الله ورسوله. ويحبّه الله ورسوله ، ووضعته بين يديه ، وقمت الى باب الحجرة ، فرددته ، فأتى عليعليه‌السلام يستأذن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقلت له : هو على حاجة. فناداني رسول الله : افتح له ، ففتحت له ، فدخل عليعليه‌السلام ، فأكل معه ، ما أكل معه أحد غيره. فقلت : صدق الله ورسوله.

[٦٩] وبآخر عن أبي رافع أيضا. قال : صنع زيد بن حارثة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طعاما ، فأتاه به. وعنده نفر من أصحابه ، وفيهم أبو بكر وعمر ، فوضعه بين أيديهم. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليدخلن عليكم الآن رجل يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. فقال أبو بكر : اللهمّ اجعله عبد الرحمن يعني ابنه. وقال عمر : [ اللهمّ ] اجعله عبد الله يعني ابنه.

ثم نظروا الى شخص مقبل بين النخيل. فقالوا : هذا رجل قد أقبل. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كن عليا. فإذا هو علي. فجاء حتى دخل عليهم.

١٣٩

[ عائشة تعترف بفضله ]

[٧٠] وبآخر يرفعه الى جميع بن عمير ، قال : دخلت مع عمتي [ على ](١) عائشة ، فسألتها : أيّ النساء كانت أحب الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

فقالت : فاطمة رضوان الله عليها. فقالت لها : فمن كان أحب إليه من الرجال؟ قالت : بعلها علي بن أبي طالب ، ولقد كان كما علمت [ صوّاما ] قوّاما.

[٧١] قال : وسألتها امرأة في مقام آخر : من كان أحب أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليه؟ قالت : علي بن أبي طالب. ما ظنكم برجل سالت نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يده ، فمسح بها وجهه.

[٧٢] وبآخر عن جميع بن عمير أيضا ، إنه قال : قالت عمتى لعائشة : ما حملك على الخروج على عليعليه‌السلام ؟ فقالت : دعينى عن هذا ، والله ، ما كان أحد من الرجال أحب الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عليعليه‌السلام ، ولا في النساء من فاطمة.

[٧٣] وبآخر ، إنه قيل لعائشة : كيف كانت منزلة علي فيكم؟ قالت : سبحان الله! أتسألوني عن رجل لما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال

__________________

(١) وفي الأصل : الى.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502