شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار الجزء ١

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار11%

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 502

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 502 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 187695 / تحميل: 9849
الحجم الحجم الحجم
شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

الناس : أين يدفن؟(١) فقال عليعليه‌السلام : إنه ليس بأرضكم هذه بقعة أحب الى الله من البقعة التي قبض فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فادفنوه بها.

وكيف تسألوني عن رجل فاضت(٢) نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يده فمسح بها وجهه؟.

وكيف تسألوني عن رجل وضع يده من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم موضعا لم يضع أحد يده عليه غيره(٣) ( يعني على سوئه عند غسله ). وكان أحب الناس الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقيل لها : فكيف خرجت عليه مع علمك هذا فيه؟ قالت : دعوني من هذا. فلو قدرت أن أفتدي منه بما على الأرض لفعلت(٤) .

[٧٤] عن مسروق ، قال : دخلت على عائشة فقالت لي : يا مسروق : إنك من أبرّ ولدي بي ، وإني أسألك عن شيء فأخبرني به. فقلت : سلي يا امّاه عمّا شئت. قالت : [ المخدج ](٥) من قتله؟ قلت : علي بن أبي طالبعليه‌السلام . قالت : وأين قتله؟ قلت : على نهر يقال لأعلاه تامرا ، ولأسفله(٦) النهروان بين [ اخافيق وطرقا ](٧) . فقالت : لعن الله فلانا

__________________

(١) وفي بحار الانوار ٩ / ٣٣٦ ط ١ : فقيل : أين تدفنوه؟

(٢) وفي تاريخ دمشق ٣ / ١٥ حديث ١٠٣٧ : سالت.

(٣) وفي بحار الانوار ٩ / ٣٣٦ ط ١ : موضعا لم يضعها احد.

(٤) وفي المناقب لابن شهر اشوب ٣ / ٦٧ : عن الدارى باسناده عن الاصبغ بن نباتة وعن جميع التميمي كليهما عن عائشة : انها لما روت هذا الخبر ، قيل لها : فلم حاربتيه؟ قالت : ما حاربته من ذات نفسي إلا حملني طلحة والزبير. وفي رواية : أمر قدر وقضاء غلب.

(٥) وفي الاصل : المخدع في نسخة ـ أ ـ.

(٦) وفي كشف الغمة ١ / ١٥٩ لأسفله تامرا ولأعلاه النهروان.

(٧) وفي الاصل : احافيف وطرق. الاخافيق : شقوق في الأرض. وفي الحديث : فوقصت به ناقته في

١٤١

( تعني عمرو بن العاص ) فإنه أخبرني إنه قتله على نيل مصر(١) . قال مسروق : يا امّاه! فأني أسألك بحقّ الله [ وبحقّ رسوله وبحقي ](٢) ، فأني ابنك(٣) لما أخبرتيني بما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم. قالت : سمعته يقول فيهم [ أهل النهروان ] : هم شرّ الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة ، وأقربهم الى الله وسيلة(٤) . قال مسروق : وكان الناس يومئذ اخماسا ، فأتيتها بخمسين رجلا ـ عشرة من كل خمس(٥) ـ فشهدوا لها أن علياعليه‌السلام قتله(٦) .

__________________

اخافيق جردان. وقال الاصمعى : انما هى لخافيق واحدها لخفوق. وقال الازهري صحيحه كما جاءت في الحديث اخافيق.

(١) ذكر فضل بن شاذان المتوفى ٢٦٠ هـ في الإيضاح ص ٨٦ : عن ابي خالد الاحمر عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت : لعن الله عمرو بن العاص ما أكذبه لقوله : انه قتل ذا الثدية بمصر.

وروى البحراني في غاية المرام ص ٤٥١ الباب الاول الحديث ٢١ نقلا من كتاب صفين للمدائني عن مسروق : ان عائشة قالت له ـ لما عرفت ـ : من قتل ذي الثدية؟ لعن الله عمرو بن العاص فانه كتب إليّ يخبرني انه قتله بالاسكندرية إلا انه ليس يمنعني ما في نفسي ان أقول ما سمعته من رسول الله ، سمعته يقول : يقتله خير امتي من بعدي.

(٢) وفي الاصل : حقّ رسوله وحقى.

(٣) وفي مناقب ابن المغازلي ص ٥٥ : فاني من ولدك.

(٤) واضاف في كشف الغمة ١ / ١٥٩ : يوم القيامة.

(٥) وفي كشف الغمة : ١ / ١٥٩ : فأتيتها بسبعين رجلا من كل سبع عشرة وكان الناس إذ ذاك اسباعا.

(٦) وفي مناقب ابن المغازلي ( ص ٥٦ ) اضاف : قتله على نهر يقال لأعلاه تأمر ولأسفله النهروان بين [ احقافيق ] وطرفاء.

١٤٢

[ حبّ الرسول له ]

[٧٥] وبآخر عن ابن بريدة : إن نفرا دخلوا على أبيه بريدة ، فقالوا له : أخل لنا ، فأمر من حوله بالقيام ، قال : فبقيت معه. فنظروا إليّ. وقالوا : تنحّ. فقال أبي : أما ابني فلا. فقالوا : أما إذا رضيت به فقد رضينا. حدثنا أيّ الناس كان أحب الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال [ أبي ] : كان أحب الناس إليه علي بن أبي طالب.

[٧٦] وبآخر عن أبي رافع ، إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام : أما ترضى أن تكون أخي في الدنيا والآخرة ، وإنك خير امتي في الدنيا والآخرة.

[ عليّ خير البشر ]

[٧٧] وبآخر عن الحويرث. قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحسن والحسين سيد اشباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما.

[٧٨] وبآخر عن عطاء ، قال : سألت عائشة عن عليعليه‌السلام . فقالت : ذلك خير البشر لا يشكّ فيه إلا من كفر.

[٧٩] وبآخر عن جابر إنه سأل عن عليعليه‌السلام ، فقال رسول الله صلّى الله

١٤٣

عليه وآله : ذلك خير البشر.

[٨٠] وفي رواية اخرى عنه. انه قال : ذلك خير البرية.

[٨١] عن حذيفة بن اليمان ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي خير البشر ومن أبي فقد كفر.

[٨٢] وبآخر عن حذيفة أيضا ، انه سئل عن عليعليه‌السلام فقال : ذلك خير هذه الامة بعد نبيها لا يشك فيه إلا منافق.

[٨٣] عن ابن مسعود ، إنه قال : قرأت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعين سورة وختمت القرآن على خير الناس بعده. فقيل من هو؟ فقال : علي بن أبي طالب. صلوات الله عليه.

١٤٤

[ الحسين وعبد الله بن عمرو بن العاص ]

[٨٤] وبآخر عن اسماعيل بن [ رجاء ](١) عن أبيه ، قال كنت جالسا مع عبد الله بن عمرو بن العاص و[ أبي ](٢) سعيد الخدري بالمدينة في حلقة بمسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمرّ بنا الحسين بن عليعليه‌السلام [ فسلّم ، ورد عليه القوم ](٣) ، وسكت عبد الله بن عمرو بن العاص ، ثم اتبعه وعليك السّلام ورحمة الله بعد ما فرغ القوم ، ثم قال : ألا اخبركم بأحب أهل الارض الى أهل السماء. قلنا : بلى. قال : هو هذا المقفى(٤) . وما كلّمنى كلاما منذ ليالي صفين ، ولأن رضي عني أحب إليّ من أن يكون لي حمر النعم.

فقال أبو سعيد : فإن شئت انطلقنا إليه ، فاعتذرت إليه ، قال : نعم. فتواعدا أن يغدوا إليه ، فغدوت معهما ، فدخل أبو سعيد ودخلت معه. فجلس أبو سعيد الى جانب الحسينعليه‌السلام ، واستأذنه لعبد الله بن عمرو. فقال له : يا بن رسول الله مررت بنا أمس. فقال لنا [ عبد الله ] :

__________________

(١) وفي الاصل : رحا.

(٢) وفي الاصل : ابن.

(٣) هذه الزيادة موجودة في النصائح الكافية ص ٢٩.

(٤) وفي المناقب لابن شهر اشوب ٤ / ٧٣ : هذا المجتاز. وفي نسخة المرعشي : هذا الفتى.

١٤٥

كيت وكيت. فقلت له : ألا تمضي تعتذر إليه. فقال : نعم. وقد جاء يعتذر إليك ، فأذن له يا بن رسول الله. فأذن له ، فدخل عبد الله بن عمرو بن العاص. وأبو سعيد جالس الى جانب الحسينعليه‌السلام ، فسلّم ، ثم وقف ، فانزجل(١) له أبو سعيد. فجذب الحسينعليه‌السلام أبا سعيد إليه ثم تركه ، فانزجل له ، فجلس بينهما. فقال له أبو سعيد : حديثك يا عبد الله. قال [ عبد الله ] : نعم ، قلت ذلك وأشهد أنه أحب أهل الارض إلى أهل السماء. قال له الحسينعليه‌السلام : [ أ ] فتعلم إني أحب أهل الارض الى أهل السماء وتقاتلني أنا وأبي يوم صفين ، والله إن أبي لخير مني. قال [ عبد الله ] : أجل والله ما أكثرت لهم سوادا ، ولا اخترطت سيفا معهم ، ولا رميت معهم بسهم ، ولا طعنت معهم برمح ، ولكن كان أبي قد شكاني الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال : هو يصوم النهار ويقوم الليل ، وقد أمرته أن يرفق بنفسه ، فقد عصاني ، فقال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أطع أباك. فلما دعاني الى الخروج معه ، فذكرت قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أطع أباك ، فخرجت معه.

فقال له الحسينعليه‌السلام : أما سمعت قول الله [ عز وجل ](٢) «وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما » (٣) وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنما الطاعة في المعروف ، وقوله : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؟

قال : بلى ، قد سمعت ذلك يا ابن رسول الله ، وكأني لم أسمعه إلا اليوم. وكان جلّ ذلك مما كان بالحسينعليه‌السلام .

__________________

(١) اي وسع له المكان ليجلس.

(٢) موجودة في المناقب لابن شهرآشوب ٤ / ٧٣.

(٣) لقمان : ١٥.

١٤٦

[ عليّ حبيب الرسول ]

[٨٥] وبآخر عن عائشة [ انها قالت ] : لما احتضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ادعوا لي حبيبي ، فدعوت [ له ] أبا بكر ، فلما دخل ونظر إليه ، ثم أعرض عنه ، وقال : ادعوا لي حبيبي. فدعت حفصة له عمر ، فكان منه مثل ذلك. فقلت : ويحكم ، ادعوا له علي بن أبي طالب ، فو الله لا يريد غيره ، فدعوه. فلما رآه فرج الثوب الذي كان عليه ثم أدخله معه فيه ، فلم يزل يحتضنه(١) إلى أن قبض ويده عليه.

[ حديث الراية ]

[٨٦] وبآخر عن بريدة ، انه قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرض له وجع الشقيقة(٢) ، فلما كان يوم خيبر أصابه ذلك ولم يخرج الى الناس.

وإن أبا بكر أخذ الراية وخرج بالناس. فقاتل وقاتلوا(٣) ولم يكن شيء

__________________

(١) الحضن ما دون الابط الى الكشح ، والكشح ما بين الخاصرة الى الضلع الخلف.

(٢) وفي كفاية الطالب ص ١٠١ نقل الكنجي زيادة : وربما اخذته الشقيقة فيمكث يوما أو يومين لا يخرج.

(٣) وفي الكفاية أيضا : ثم نهض وقاتل قتالا شديدا.

١٤٧

ثم انصرف وانصرفوا. فأخذها عمر وخرج ، وقاتل ومن معه ، وانصرف وانصرفوا ولم يصنعوا شيئا(١) . فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لأعطينها غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار ، يفتح خيبر عنوة ، وكان عليعليه‌السلام قد رمد ، فتخلّف ، فتطاول لها جماعة [ من ] الناس(٢) . فلما أصبح أتاه عليعليه‌السلام وهو أرمد قد عصب على عينيه(٣) . فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مالك يا علي. فقال قد رمدت يا رسول الله. قال : ادن مني ، فدنا منه ، فتفل في عينيه(٤) ، ففتحهما في الوقت ما بهما علّة ، وما رمد بعدها ، فأعطاه الراية فأخذها ، وعليه جبة ارجوان حمراء ، وقصد إلى خيبر ، فخرج إليه مرحب صاحب الحصن ، وعليه درع وبيضة ومغفرة وهو يرتجز ويقول :

قد علمت خيبر أني مرحب

[ شاكي ] السلاح بطل مجرب

أطعن أحيانا وحينا أضرب(٥)

فأجابه علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

__________________

(١) وفيه أيضا : ثم رجع فأخبر رسول الله.

(٢) وفي رواية الحسين بن واقد أضاف : وقال بريدة : وأنا ممن تطاول لها. الفضائل لابن حنبل ص ١٣٠.

(٣) وفي كفاية الطالب : قد عصب عينه بشقة برد له قطري.

(٤) روى ابن المغازلي في مناقبه ص ١٨٠ باسناده عن المغيرة عن أمّ موسى ، قالت : سمعت علياعليه‌السلام يقول : ما رمدت ولا صدعت منذ مسح رسول الله وجهي وتفل في عيني يوم خيبر.

(٥) ورواه الكنجي في كفاية الطالب ص ١٠٢ :

قد علمت خيبر أني مرحب

شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الليوث أقبلت تلهب

وأحجمت عن صولة المغلب

أطعن أحيانا وحينا أضرب

١٤٨

أنا الذي سمّتني أمّي حيدرة(١)

أكيلكم بالسيف كيل السندرة

كليث غابات شديد القصرة(٢)

[ ضبط الغريب ]

كيل السندرة : ضرب من الكيل غراف جزاف. كذا قال الخليل.

والقصرة : أصل العنق.

واختلفا بينهما ضربتين ، بدره عليعليه‌السلام فضربه على أمّ رأسه فقدّ المغفرة والبيضة ، وشقّ رأسه حتى وصل السيف الى أضراسه وافتتح خيبر عنوة.

فجاء الطبري بهذا الخبر وما قبله من الأخبار من طرق كثيرة وهو وما قبله من الأخبار المشهورة المأثورة وإذا ثبت أن علياعليه‌السلام خير الخلق وأحبهم الى الله ورسوله ، فمن أين يجوز لأحد أن يتقدم عليه؟

وهل يجوز أن يتقدم الخلق الى الله عز وجل وافدهم عليه إلا خيرهم عنده وأحبهم إليه؟. وقد قال عز وجل لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ

__________________

(١) قال ابو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين ص ١٤ : ان فاطمة بنت اسد ( أمه ره ) لما ولدته سمّته حيدرة فغيّر أبو طالب اسمه وسمّاه عليا.

وروى ابن المغازلي في مناقبه ص ٧٩ عن أبي محمد عبد الله بن مسلم : سألت بعضا عن قوله : انا الذي سمّتنى أمي حيدرة ، فذكر ان أمّ علي كانت فاطمة بنت أسد فلما ولدت عليا عليه‌السلام ـ وأبو طالب غائب ـ سمّته أسدا باسم أبيها ، فلما قدم أبو طالب كره هذا الاسم ، وسمّاه عليا ، وقال : وحيدرة اسم من أسماء الأسد.

(٢) قال الرازي في مختار الصحاح ص ٥٣٧ : والقصرة بفتحتين اصل لعنق والجمع قصر ومنه قرأ ابن عباس « انها ترمي بشرر كالقصر » وفسّره بقصر النخل يعني أعناقها. وقال الزمخشري : هذه القراءة بأعناق الابل.

١٤٩

تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ » (١) . ولا يجوز أن يتقدم من أحبه الله وكان خير الخلق عنده من هو دونه في ذلك ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( يؤم القوم أفضلهم ) ولم يجعل المفضول أن يؤم من هو أفضل منه.

__________________

(١) وتمامه :( وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) آل عمران : ٣١.

١٥٠

[ فصل ]

جاء فيمن ذمّ عليا صلوات الله عليه أو أبغضه أو قصر به عن حقه.

[ الله زيّن عليا ]

[٨٧] عن الطبري باسناد له يرفعه الى عمار بن ياسر ( رحمة الله عليه ) إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام : يا علي إن الله عز وجل قد زينك بزينة لم يزين أحدا من العباد ، بزينة أحب إليه منها وهي زينة الأبرار عند الله ، الزهد في الدنيا ، فجعلك لا تزرأ من الدنيا [ شيئا ] ولا تزرأ(١) منك الدنيا [ شيئا ، ووهب لك حب المساكين فجعلك ترضى بهم ](٢) أتباعا [ ويرضون ] بك إماما. فطوبى لمن أحبك وصدق فيك وويل لمن أبغضك وكذب عليك ، فأما من أحبك وصدق فيك فاولئك جيرانك في دارك وشركاؤك في جنتك ، وأما من أبغضك وكذب عليك [ فحقّ ](٣) على الله أن يوقفه موقف الكذابين(٤) .

__________________

(١) الزرأ : الإصابة من الخبر.

(٢) والعبارة بين المعقوفتين لم تكن في الأصل ( نسخة ـ أ ـ ) ولكن في جميع الكتب التي روت الحديث موجودة ومنها غاية المرام راجع الحديث في قسم السند. أما في نسخة ـ ب ـ فموجودة أيضا.

(٣) وفي الاصل : فيحق.

(٤) كفاية الطالب ص ٦٦ مستدرك الصحيحين ٣ / ١٣٥.

١٥١

[ الايمان في حبّه ]

[٨٨] وبآخر عن [ زر بن حبيش ](١) انه قال : سمعت عليا يقول : عهد إليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا يحبّني إلا مؤمن ، ولا يبغضني إلا كافر [ أو ] منافق.

[٨٩] وبآخر عن [ زر ] أيضا إنه قال : سمعت عليا يقول : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد [ عهده ] إليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق.

[٩٠] وبآخر عن [ حيان الاسدي ](٢) قال : سمعت علياعليه‌السلام يقول : قال فيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عهد معهود إن الامة ستغدر بك من بعدي. وإنك تعيش على ملّتي ، وتقتل على سنّتي ، من أحبك أحبني ، ومن أبغضك أبغضني ، وأن هذه ستخضب من هذه ( يعني لحيته من رأسهعليه‌السلام ).

[ مبغضو علي ]

[٩١] وبآخر عن الأصبغ بن نباتة ، قال : قال علي صلوات الله عليه : لا يحبني ثلاثة : ولد زنا ، ومنافق ، ورجل حملت به أمه في بعض حيضها.

[٩٢] وبآخر عن بريدة(٣) عن أبيه ، قال : قال علي صلوات الله عليه : لا يحبني

__________________

(١) وفي الاصل : برير بن جبير. وبعد مراجعة عدة مصادر لم اعثر على هذا الاسم بل كان زر هو الراوي واظنه تصحيفا علما بان في نسخة ـ ب ـ زر بن حبيش.

(٢) وفي الاصل : حسان.

(٣) في الاصل : بريرة ، واظنها بريرة بنت خضيب الاسلمي شقيق بريدة مع اني لم ار اسمها في أي مصدر. ونقلت الرواية المضاهية عن طريق آخر راجع آخر الكتاب. وفي نسخة ـ ب ـ بريدة عن أبيه.

١٥٢

كافر ولا منافق ولا ولد زنا.

[ المبغض لعلي لا يؤمن ]

[٩٣] وبآخر عن أمّ سلمة رضي الله عنها ، إنها قالت : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في عليعليه‌السلام : لا يحبه منافق ولا يبغضه مؤمن.

[٩٤] وبآخر عن عبد الله بن مسعود قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من زعم أنه آمن بي وما انزل عليّ وهو يبغض عليا فهو كاذب ليس بمؤمن.

[٩٥] وبآخر عن جابر بن عبد الله ، إنه قال : والله ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا ببغضهم علياعليه‌السلام .

وعن أبي سعيد الخدري مثله.

[٩٦] وبآخر عن أبي سعيد الخدري أيضا انه قال في قوله عز وجل : «وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ » (١) ، قال : ببغضهم لعليعليه‌السلام .

[٩٧] وبآخر عن أنس بن مالك ، إنه قال : قال فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : أيها الناس إني احدثكم حديثا فاعرفوا وعرّفوا به الناس بعدي ، إنه لا يحب عليا إلا من أحبني ولا يبغض عليا إلا من أبغضني ، فمن حدثكم إنه يحبني ويبغض عليا فهو كاذب ، وانه لشيء كتبه الله عز وجل عليه لا يملك غيره(٢) .

[٩٨] وبآخر عن أبي رافع ، قال : بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا الى اليمن اميرا ، وأخرج معه [ رجل من أسلم يقال له ](٣) عمرو بن شاس فرجع

__________________

(١) محمّد (ص) : ٣٠.

(٢) هكذا في الاصل.

(٣) الزيادة موجودة في المجمع للهيثمي ٩ / ١٢٩.

١٥٣

وهو يلوم علياعليه‌السلام ويشكوه ، فبلغ ذلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبعث إليه ، فأتاه فقال له : أخبرني عن علي! هل رأيت منه جورا في حكم ، أو حيفا في قسم(١) . قال : اللهمّ لا. قال [ ص ] : فبم تنقمن عليه ، وتقول ما بلغني إنك تقول فيه؟ قال : لبغض له في قلبي لا أملكه. فغضب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى التمع لونه ، وعرفنا الغضب في وجهه ، ثم قال : كذب من زعم إنه يحبني ويبغض عليا ، من أبغض عليا فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله ، ومن أحب عليا فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله [ تعالى ].

[ من آذى عليا فقد آذى الرسول ]

[٩٩] وبآخر [ عن ] عمرو بن شاس هذا : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من آذى عليا فقد آذاني. قال : وكان ذلك إني خرجت مع عليعليه‌السلام الى اليمن [ فرأيت ] منه جفوة ، فانصرفت الى المدينة ، فجعلت أشكوه الى من أجلس إليه في المسجد. واني دخلت يوما الى المسجد ، فرأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينظر إليّ حتى [ جلست ](٢) ، فلما اطمأننت. قال : أما والله يا عمرو بن شاس لقد آذيتني. فقلت : أعوذ بالله وبالاسلام أن أوذي رسول الله. قال : بلى من آذى عليا فقد آذاني. قلت : والله لا أوذيه ابدا.

[ عليّ سيد في الدنيا والآخرة ]

[١٠٠] وبآخر عن ابن عباس ، قال : نظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى علي

__________________

(١) أي الجور والظلم في التقسيم.

(٢) وفي الاصل : جلسنا.

١٥٤

عليه‌السلام ، فقال [ له ] : إنك(١) سيد في الدنيا [ و ] سيد في الآخرة ، يا علي من أحبك فقد أحبني ومحبي(٢) حبيب الله ، ومن أبغضك أبغضني ومبغضي عدوّ الله والويل لمن أبغضك.

[ من سبّ عليا فقد سبّ الله ]

[١٠١] وبآخر عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، قال : سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلا يسبّ عليا. فقال : إنه من سبّ عليا فقد سبني ، ومن سبني سبّ الله ، ألا والله لا يخلص الإيمان في قلب عبد ابدا حتى تخلص مودتي الى قلبه ، ولا تخلص مودتي الى قلب عبد أبدا حتى تخلص إليه مودة علي ، وكذب من زعم إنه يحبني ويبغض عليا.

[ ابن عباس والسابّ لعلي ]

[١٠٢] وبآخر عن ابن عباس انه مرّ ( بعد ما كفّ بصره ) بمجلس من مجالس قريش ، وهم يسبون علياعليه‌السلام ، فقال لقائده : ما سمعت هؤلاء يقولون؟ قال سمعتهم يسبون عليا. قال : فردني إليهم ، فرده. فوقف عليهم. فقال : أيكم السابّ لله تبارك وتعالى. قالوا : سبحان الله من سبّ الله فقد أشرك. فقال : أيكم السابّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قالوا : سبحان الله من سبّ رسول الله فقد كفر. قال : فأيكم السابّ علي بن أبي طالب. قالوا : أمّا هذا ، فقد كان.

__________________

(١) لم تكن في نسخة ـ أ ـ ولكن في الرواية التي ذكرها ابن المغازلي في مناقبه ص ١٠٣ : أنت. وفي نسخة ـ ب ـ إنك.

(٢) ونقله ابن المغازلي في مناقبه : حبيبي.

١٥٥

قال ابن عباس : فأنا أشهد بالله لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من سبّ عليا فقد سبني ، ومن سبني فقد سبّ الله عز وجل(١) . ثم تولّى عنهم. وقال لقائده(٢) : ما سمعتهم بقولون. قال : ما سمعتهم قالوا شيئا. قال : كيف رأيت نظرهم إليّ حين قلت ما قلت لهم؟ فقال شعرا :

نظروا إليك بأعين مزورة

نظر التيوس إلى شعار الجازر(٣) .

فقال : زدني لله ابوك. فقال :

خزر الحواجب ناكسو أذقانهم

نظر الذليل الى العزيز القاهر

فقال : زدني لله ابوك. فقال : ما عندي ما أزيدك.

قال : لكن عندي. ثم قال :

أحياهم خزيا على أمواتهم

والميّتون فضيحة للغابر(٤)

[ أبو سعيد الخدري وسبّ علي ]

[١٠٣] وبآخر عن فطر بن خليفة. قال : قال لي سعد بن مالك(٥) : إنه بلغني

__________________

(١) وفي المناقب لابن شهر اشوب ٣ / ٢٢١ زاد : ومن سبّ الله فقد كفر.

(٢) وهو سعيد بن جبير.

(٣) وقد نقله ابن شهر اشوب في المناقب هكذا :

نظروا إليه بأعين محمرة

نظر التيوس الى شعار الجازر

خزر الحواجب خاضعي أعناقهم

نظر الذليل الى العزيز القاهر

(٤) وذكر في المناقب ٣ / ٢٢١ أيضا هكذا :

سبّوا الإله وكذبوا بمحمّد

والمرتضى ذلك الوصيّ الطاهر

أحياؤهم خزي على أمواتهم

والميّتون فضيحة للغابر

أقول : التيس وهو المعز الحبشي الجازر أولاد البقر الوحشيّة.

(٥) وهو ابو سعيد الخدري راجع آخر الكتاب ـ التراجم ـ.

١٥٦

إنكم تعرضون على سبّ عليعليه‌السلام ، فهل سببته؟ [ ثم ] قال : معاذ الله والذي نفس سعد بيده لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقول في عليعليه‌السلام شيئا لو وضع المنشار على مفرقي على أن أسبه ما سببته أبدا(١) .

[ أربعة يسأل العبد عنها ]

[١٠٤] وبآخر عن أبي برزة [ إنه ] قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : [ والذي نفسي بيده ] لا تزول قدم [ عبد ](٢) يوم القيامة حتى يسأله الله عز وجل عن اربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه وعن ماله مما اكتسبه وفيما أنفقه وعن حبنا أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين.

فقال عمر بن الخطاب : وما علامة حبكم يا رسول الله؟ قال [صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] : هذا ( ووضع يده على رأس علي بن أبي طالبعليه‌السلام ) [ علامة حبي من بعدي ].

[ حبّ عليّ أمان ]

[١٠٥] وبآخر عن علي صلوات الله عليه ، إنه قال : قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله أمرني أن ادنيك فلا اقصيك ، وأن اعلمك فلا أجفوك(٣) ، وحق عليّ أن اطيع ربي عز وجل وحق عليك أن تعي. يا علي من مات وهو يحبك كتب الله له بالأمن والأمان ما طلعت شمس

__________________

(١) وفي الخصائص للنسائي ص ١٧٣ زاد : بعد ما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما سمعت الترغيب في موالاته والترهيب من معاداته.

(٢) وفي الاصل : العبد.

(٣) هكذا في الاصل.

١٥٧

وما غربت(١) ، ومن مات وهو يبغضك مات ميتة الجاهلية وحوسب بعمله في الاسلام(٢) .

[١٠٦] وبآخر عن أبي عبد الله الجدلي قال : قال لي عليعليه‌السلام : يا أبا عبد الله ألا اخبرك بالحسنة التي من جاء أمن من فزع يوم القيامة ، والسيّئة التي من جاء بها [ أ ] كبّه الله لوجهه في النار؟ قلت : بلى يا أمير المؤمنين. قالعليه‌السلام : الحسنة حبّنا والسيّئة بغضنا.

[١٠٧] عن أبي جعفرعليه‌السلام : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال لعليعليه‌السلام : يا علي قل : اللهمّ [ اجعل لي عندك عهدا ] واقذف لي الودّ في صدور المؤمنين. فقالها ، فأنزل الله عز وجل : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا » (٣) .

__________________

(١) وذكر المتقي في كنز العمال هكذا : بالأمن والأمان وآمنه يوم الفزع.

(٢) وذكر أيضا : مات ميتة الجاهلية ويحاسبه الله بما عمل في الاسلام.

(٣) مريم : ٩٦.

١٥٨

[ خطبة عليّ على منبر الكوفة ]

[١٠٨] عن الشعبي أنه كان يقول : سمعت رشيد الهجري والحارث الأعور [ الهمداني ](١) وصعصعة بن صوحان [ العبدي ] ، وسالم بن دينار الازدي ، كلهم(٢) يذكرون إنهم سمعوا علي بن أبي طالبعليه‌السلام على منبر الكوفة يقول في خطبته :

يا معشر أهل الكوفة ، والله لتصبرن على قتال عدوكم أو ليسلطن الله [ عليكم ] أقواما أنتم أولى بالحق منهم ، فيعذبكم الله بهم ثم يعذبهم بما شاء من عنده ، أو من قتلة بالسيف تفرون الى الموت على الفراش. فأني أشهد إني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إن معالجة ملك الموت لأشد من ضربة الف سيف [ اخبرني جبرئيل ] : يا علي إنه يصيبكم بعدي أثرة وزلزال ، فعليكم بالصبر الجميل.

وقال لي أيضا : قضاء مقضي على لسان النبي الامي : إنه لا يبغضك يا علي مؤمن ولا يحبك كافر ، وقد خاب من حمل ظلما

__________________

(١) وفي الاصل : الحمداني. والعمدي مكان العبدي.

(٢) وفي الاصل : وكلهم.

١٥٩

واقترى(١) .

ثم جعل يقول لنفسه : يا علي إنك ميّت أو مقتول ، بل مقتول إن شاء الله. فما ينتظر(٢) أشقاها أن يخضب هذه من هذا ( ثم أمرّ يده اليمنى على لحيته ثم وضعها على رأسه ) ثم قال : أما لقد رأيت في منامي ، إنه يهلك فيّ اثنان ( ولا ذنب لي ) محب غال ، ومبغض قال.

ثم قال : ألا إنكم ستعرضون على البراءة مني ، فلا تتبرءوا مني ، فإن صاحبكم والله على فطرة الله التي فطر الناس عليها(٣) .

ثم نزل عن المنبر.

__________________

(١) وفي الارشاد للمفيد ص ٢٥ بسنده عن الحارث الهمداني : قضاء قضاه الله تعالى على لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يحبني الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق وقد خاب من افترى.

واما المحمودي في نهج السعادة ٢ / ٥٨٩ فقد نقل : وذلك إنه قضى ما قضى على لسان النبي الامي :

انه لا يبغضك مؤمن ولا بحبك كافر وقد خاب من حمل ظلما وافترى.

(٢) ذكر القزويني في مقتل أمير المؤمنين ص ٦٩ عن علي عن النبيّ : فانتظر اشقاها يخضب هذه من هذه.

(٣) وفي المناقب لابن شهرآشوب ٢ / ٣٧٢ أضاف : وسبقت الى الإسلام والهجرة.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

اشتمال مراتب القرآن على المقدّرات الحادثة في كلّ عام:

وقال: (المسألة الثامنة) في تفسير مفردات هذه الألفاظ، أمّا قوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) (1) فقد قيل فيه: إنّه تعالى أنزل كلّية القرآن، يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة، ويقع الفراغ في ليلة القدر، فتُدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل ونسخة الحروب إلى جبرائيل، وكذلك الزلازل والصواعق والخسف، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا، وهو ملك عظيم، ونسخة المصائب إلى ملك الموت، انتهى كلامه.

وقال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن: (في تفسير قوله تعالى: ( إنّا أَنْزَلْناهُ ) يعني القرآن، وإن لم يجرِ له ذكر في هذه السورة؛ لأنّ المعنى معلوم، والقرآن كلّه كالسورة الواحدة، وقد قال: ( شَهْرُ رَمَضانُ الَّذي اُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ ) ، وقال: ( حم وَالْكِتابِ الْمُبينِ إنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) (2) يريد: في ليلة القدر.

وقال الشعبي: المعنى إنّا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر. وقيل: بل نزل به جبريل عليه‌السلام جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، إلى بيت العزّة، وأملاه جبريل على السَفَرة، ثمّ كان جبريل ينزّله على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نُجوماً نُجوماً، وكان بين أوّله وآخره ثلاث وعشرون سنة. قاله ابن عبّاس، وقد تقدّم في سورة البقرة.

وحكى الماوردي عن ابن عبّاس، قال: نزل القرآن في شهر رمضان وفي ليلة القدر، في ليلة مباركة جملة واحدة من عند اللَّه، من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجّمته السفرة الكرام الكاتبون على جبريل عشرين سنة، ونجّمه جبريل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عشرين سنة.

قال ابن العربي: وهذا باطل؛ ليس بين جبريل وبين اللَّه واسطة، ولا بين جبريل

____________________

1) سورة الدخان: 3.

2) سورة الدخان: 1 - 3.

٢٨١

ومحمّد عليهما‌السلام واسطة.

قوله تعالى: ( في لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، قال مجاهد: في ليلة الحكم، ( وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) ، قال ليلة الحكم. والمعنى ليلة التقدير، سمّيت بذلك لأنّ اللَّه تعالى يقدّر فيها ما يشاء من أمره، إلى مثلها من السنة القابلة، من أمر الموت والأجل والرزق وغيره، ويسلّمه إلى مدبّرات الأُمور، وهم أربعة من الملائكة: إسرافيل، وميكائيل، وعزرائيل، وجبريل عليهم‌السلام .

أُمّ الكتاب في القرآن متضمّنة لتقدير كلّ شي‏ء:

وقال: وعن ابن عبّاس، قال: يكتب من أمّ الكتاب ما يكون في السنة من رزق ومطر، وحياة وموت، حتّى الحاجّ. قال عكرمة: يكتب حجّاج بيت اللَّه تعالى في ليلة القدر بأسمائهم وأسماء آبائهم، ما يغادر منهم أحد ولا يزاد فيهم.

وقاله سعيد بن جُبير، وقد مضى في أوّل سورة الدخان هذا المعنى. وعن ابن عبّاس أيضاً: إنّ اللَّه تعالى يقضي الأقضية في ليلة نصف شعبان، ويسلّمها إلى أربابها في ليلة القدر. وقيل: إنّما سمّيت بذلك لعظمها وقدرها وشرفها، من قولهم: لفلان قدر، أي شرف ومنزلة) (1) .

ليلة القدر عوض للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وآلهعليهم‌السلام عن غصب الخلافة:

وقال: (وفي الترمذي عن الحسن بن علي رضي اللَّه عنهما: أنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى بني أُمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت ( إنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) ، يعني نهراً في الجنّة، ونزلت ( إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ

____________________

1) تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن، ج20، ص129 - 130، طبعة القاهرة.

٢٨٢

أَلْفِ شَهْرٍ ) ، يملكها بعدك بنو أُمية. قال القاسم بن الفضل الحدّاني: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص يوماً. قال: حديث غريب.

قوله تعالى: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ ) أي تهبط من كلّ سماء، ومن سدرة المنتهى، ومسكن جبريل على وسطها، فينزلون إلى الأرض ويؤمّنون على دعاء الناس إلى وقت طلوع الفجر، فذاك قوله تعالى ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ ) .

حقيقة الروح النازل ليلة القدر:

وقال: ( وَالرُّوحُ فِيها بِإذْنِ رَبِّهِمْ ) (1) ، أي جبرئيل عليه‌السلام ، وحكى القُشيري: أنّ الروح صنف من الملائكة جُعلوا حفظة على سائرهم، وأنّ الملائكة لا يرونهم كما لا نرى نحن الملائكة. وقال مقاتل: هم أشرف الملائكة وأقربهم من اللَّه تعالى.

وقيل: إنّهم جند من جند اللَّه عزّ وجلّ من غير الملائكة، رواه مجاهد عن ابن عبّاس مرفوعاً، ذكره الماوردي، وحكى القُشيري: قيل هم صنف من خلق اللَّه، يأكلون الطعام، ولهم أيدٍ وأرجل وليسوا ملائكة.

وقيل: (الروح) خلق عظيم يقوم صفّاً، والملائكة كلّهم صفّاً. وقيل: (الروح) الرحمة ينزل بها جبريل عليه‌السلام مع الملائكة في هذه الليلة على أهلها، دليله: ( يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) (2) ، أي بالرحمة، (فِيها) أي في ليلة القدر، ( بِإذْنِ رَبِّهِمْ ) أي بأمره، ( مِن كُلِّ أَمْرٍ ) (3) أمر بكلّ أمر قدّره اللَّه وقضاه في تلك السنة إلى قابل.

وقيل عنه: إنّها رُفعت - يعني ليلة القدر - وإنّها إنّما كانت مرّة واحدة.

____________________

1) سورة القدر: 4.

2) سورة النحل: 2.

3) سورة القدر: 5.

٢٨٣

بقاء ليلة القدر في كلّ عام:

وقال: (والصحيح أنّها باقية... والجمهور على أنّها من كلّ عام من رمضان... وقال الفرّاء: لا يقدّر اللَّه في ليلة القدر إلاّ السعادة والنعم، ويقدّر في غيرها البلايا والنقم) (1) .

وقال الطبري في تفسيره، في ذيل سورة البروج: ( فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ) ، بسنده إلى مجاهد: في لوح، قال: ( فِي أُمِّ الْكِتَابِ ) (2) .

وقال ابن كثير في تفسيره، بعد ما نقل جملة ممّا ذكره عنه الرازي والقرطبي، والذي مرّ نقله، قال: (اختلف العلماء هل كانت ليلة القدر في الأُمم السالفة، أم هي من خصائص هذه الأُمّة؟

فقال الزهري:... وهذا الذي قاله مالك يقتضي تخصيص هذه الأُمّة بليلة القدر. وقيل: إنّها كانت في الأُمم الماضين كما هي في أُمّتنا، ثمّ هي باقية إلى يوم القيامة وفي رمضان خاصّة) (3) .

وقال الزمخشري في الكشّاف، بعد ما ذكره جملة ممّا ذكره عنه الرازي والقرطبي، في ذيل قوله تعالى: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) (4) قال: (وسبب ارتقاء فضلها إلى هذه الغاية ما يوجد فيها من المصالح الدينية التي ذكرها، من تنزّل الملائكة والروح، وفصل كلّ أمر حكيم).

وقال في ذيل قوله تعالى ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (5) : أي تتنزّل من أجل كلّ أمر قضاه اللَّه لتلك السنة إلى قابل... وروي عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من قرأ سورة القدر أُعطي من الأجر كمن صام رمضان وأحيى ليلة القدر)، وذكر في هامش المطبوع: أنّ الحديث أخرجه الثعلبي، والواحدي، وابن مردويه، بسندهم إلى أُبَيّ ابن كعب.

____________________

1) تفسير القرطبي، ج20، ص133 - 137، في تفسير الجامع لأحكام القرآن طبعة القاهرة.

2) جامع البيان، ج30، ص176.

3) تفسير ابن كثير، ج4، ص 568.

4) سورة القدر: 2.

5) سورة القدر: 5.

٢٨٤

ليلة القدر عوض له صلى‌الله‌عليه‌وآله عن غصب بني أُمية خلافته، وتعدد مصادر الحديث لديهم:

وقال الآلوسي في روح المعاني: (ويستدلّ لكونها مدنية بما أخرجه الترمذي، والحاكم، عن الحسن ابن عليّ (رضي اللَّه تعالى عنهما): (أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أُري بني أُمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) (1) ، ونزلت: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (2) .. الحديث). وهو كما قال المزني: حديث منكر، انتهى.

وقد أخرج الجلال هذا الحديث في الدرّ المنثور عن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل أيضاً، من رواية يوسف ابن سعد، وذكر فيه: أنّ الترمذي (3) أخرجه وضعّفه، وأنّ الخطيب أخرج عن ابن عبّاس نحوه، وكذا عن ابن نسيب، بلفظٍ: قال نبي اللَّه: (أُريتُ بني أُمية يصعدون منبري، فشقّ ذلك عليّ فأُنزِلت ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، ففي قول المزني هو منكر تردّد عندي.

وقد ورد في روايات أهل البيت عليهم‌السلام ما رواه الكافي بسنده إلى أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (أُري رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامه بني أُمية يصعدون على منبره من بعده ويضلّون الناس عن الصراط القهقري، فأصبح كئيباً حزيناً، قال: فهبط عليه جبرئيل فقال: يا رسول اللَّه مالي أراك كئيباً حزيناً؟ قال: يا جبرئيل إنّي رأيت بني أُمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي، يضلّون الناس عن الصراط القهقري. فقال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً إنّي ما اطّلعت عليه. فعرّج إلى السماء فلم يلبث أن نزل بآي من القرآن يُؤنسه بها، قال: ( أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) (4) ، وأُنزل عليه: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) ، جعل اللَّه ليلة القدر لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

1) سورة الكوثر: 1.

2) سورة القدر: 1.

3) سنن الترمذي، ج5، ص444، ح 3350.

4) سورة الشعراء: 205 - 207.

٢٨٥

خيراً من ألف شهر ملك بني أُمية) (1) .

وروى الكُليني، عن علي بن عيسى القمّاط عن عمّه، قال: (سمعت أبا عبد اللَّه يقول: هبط جبرئيل عليه‌السلام على رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ورسول اللَّه كئيب حزين، فقال: رأيت بني أُمية يصعدون المنابر وينزلون منها. قال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً، ما علمت بشي‏ء من هذا. وصعد جبرئيل إلى السماء، ثمّ أهبطه اللَّه جلّ ذكره بآي من القرآن يعزّيه بها قوله: ( أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) (2) .

وأنزل اللَّه جلّ ذكره: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) للقوم، فجعل اللَّه ليلة القدر (لرسوله) خير، من ألف شهر) (3) .

وفي سند الصحيفة السجّادية، عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (إنّ أبي حدّثني عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليه‌السلام : إنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذته نَعسةٌ وهو على منبره، فرأى في منامه رجالاً ينزون على منبره نزو القردة، يردّون الناس على أعقابهم القهقري، فاستوى رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله جالساً والحزن يعرف في وجهه، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام بهذه الآية ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إلاّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إلاّ طُغْيَانًا كَبِيرًا ) ، يعني بني أُمية. قال: يا جبرئيل على عهدي يكونون وفي زمني؟

قال: لا، ولكن تدور رحى الإسلام من مُهاجرك فتلبث بذلك عشراً، ثمّ تدور رحى الإسلام على رأس خمسة وثلاثين من مهاجِرَك فتلبث بذلك خمساً، ثمّ لابدّ من رحى

____________________

1) الكافي، ج4، ص159.

2) سورة الشعراء:205 - 206.

3) الكافي، ج8، ص223.

٢٨٦

ضلاله هي قائمة على قطبها ثمّ ملك الفراعنة. قال: وأنزل اللَّه تعالى في ذلك: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) يملكها بنو أُمية. فيها ليلة القدر.

قال: فأَطلع اللَّه عزّ وجلّ نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ بني أُمية تملك سلطان هذه الأُمّة وملكها طول هذه المدّة، فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها، حتّى يأذن اللَّه تعالى بزوال ملكهم، وهم في ذلك يستشعرون عداوتنا أهل البيت وبغضنا. أخبر اللَّه نبيّه بما يلقي أهل بيت محمّد وأهل مودّتهم وشيعتهم منهم في أيامهم وملكهم) (1) .

وفي تأويل الآيات: (روي عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: قوله عزّ وجلّ: ( خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ ) هو سلطان بني أُمية.

وقال: ليلة من إمام عادل خير من ألف شهر ملك بني أُمية.

وقال: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ) أيّ من عند ربّهم على محمّد وآل محمّد، بكلّ أمر سلام) (2) .

وفي تفسير القمّي: بسنده، في معنى سورة: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) فهو القرآن... قوله: ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) .

أقول: تكثر الروايات في غصب الخلافة من بني أُمية، وتأذّي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتعويضه بليلة القدر، وسيأتي معنى تعويضه بليلة القدر، وتسالم كثير من علماء الجمهور بهذه الروايات، هذا الأمر أحد الأدلّة على أنّ الخلافة في الشريعة الإلهية هي منصب أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فتدبّر تبصُر.

____________________

1) الصحيفة السجّادية الكاملة: 15 - 16.

2) تأويل الآيات، ج2، ص817، ح2.

٢٨٧

حقيقة النازل الذي نزل في ليلة القدر:

وقال في ذيل قوله تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) : الضمير عند الجمهور للقرآن، وادّعى الإمام فيه إجماع المفسّرين، وكأنّه لم يعتقد بقول من قال منهم برجوعه لجبرئيل عليه‌السلام أو غيره؛ لضعفه. قالوا: وفي التعبير عنه بضمير الغائب مع عدم تقدّم ذكره تعظيم له، أي تعظيم لِما أنّه يشعر بأنّه لعلوّ شأنه كأنّه حاضر عند كلّ أحد.

جهل الخلق بحقيقة ليلة القدر:

وقال في ذيل قوله تعالى ( وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) (1) : لِما فيه من الدلالة على أنّ علوّها خارج عن دائرة دراية الخلق، لا يُعلم ذلك، ولا يَعلم به إلاّ علاّم الغيوب.

حقيقة نزول القرآن جملة واحدة:

ثمّ ذكر جملة في تعدّد نزول القرآن جملةً واحدةً ونجوماً، وذكر في ضمنها هذه الرواية، عن ابن عبّاس: (أُنزل القرآن جملةً واحدة حتّى وضع في بيت العزّة في السماء الدنيا، ونزل به جبريل عليه‌السلام على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بجواب كلام العباد وأعمالهم)... ثمّ نقل الاختلاف بين المفسّرين عندهم في قوله تعالى: ( أَنْزَلْنَاهُ ) من جهة نزول القرآن جملةً واحدة، فهل تضمّن القرآن النازل جملةً واحدة هذه العبارة أم لا؟ فلابدّ من ارتكاب المجاز في الإسناد؛ لأنّه إخبار عمّا وقع فيما مضى، فكيف يكون هذا اللفظ في ضمنه؟

____________________

1) سورة القدر: 2.

٢٨٨

فذكر قولاً للرازي في حلّ الإشكال، وللقرطبي، وابن كثير، وضعّف قولهم. ونقل عن ابن حجر في شرح البخاري أنّه أُنزل جملةً واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزّة في السماء الدنيا، بل حكى بعضهم الإجماع عليه، ثمّ نقل جواباً لحلّ الإشكال عن السيد عيسى الصفوي، ثمّ الاختلاف بين الدَّواني وغيره، وأنّه ألّف رسالة في ذلك، في الجواب عن مسألة الحذر الأصمّ.

ثمّ نقل عن الإتقان قول أبي شامة: فإن قلت ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) إن لم يكن من جملة القرآن الذي نزل جملة، فما نزل جملة؟ وإن كان من الجملة فما وجه هذه العبارة؟

قلت: لها وجهان:

أحدهما: أن يكون المعنى إنّا حكمنا بإنزاله في ليلة القدر، وقضينا به وقدّرناه في الأزل.

والثاني: أنّ لفظ ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) ماضٍ ومعناه على الاستقبال، أي تنزّله جملة في ليلة القدر. ثمّ ذكر عدم ارتضائه لهذا القول وعدم حسنه.

ثمّ نقل أقوالاً أُخر، ثمّ قال: والمراد بالإنزال إظهار القرآن من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، أو إثباته لدى السَفَرة هناك، أو نحو ذلك ممّا لا يشكل نسبته إلى القرآن.

تقدير الأُمور في ليلة القدر على من تُنزّل؟

وقال في معنى ليلة القدر: إنّها ليلة التقدير، وسبب تسميتها بذلك لتقدير ما يكون في تلك السنة من أُمور. قال: المراد إظهار تقديره ذلك للملائكة عليهم‌السلام المأمورين بالحوادث الكونية. ثمّ نقل عن بعض تفسير ذلك: هاهنا ثلاثة أشياء:

الأوّل: نفس تقدير الأُمور، أي تعيين مقاديرها وأوقاتها، وذلك في الأزل.

٢٨٩

الثاني: إظهار تلك المقادير للملائكة عليهم‌السلام بأن تكتب في اللوح المحفوظ، وذاك في ليلة النصف من شعبان.

الثالث: إثبات تلك المقادير في نسخ وتسليمها إلى أربابها من المدبّرات، فتدفع نسخة الأرزاق، والنباتات، والأمطار، إلى ميكائيل عليه‌السلام ، ونسخة الحروب والرياح والجنود والزلازل والصواعق والخسف إلى جبرئيل عليه‌السلام ، ونسخة الأعمال إلى إسرافيل عليه‌السلام ، ونسخة المصائب إلى ملك الموت، وذلك في ليلة القدر.

وقيل: يقدّر في ليلة النصف الآجال والأرزاق، وفي ليلة القدر الأُمور التي فيها الخير والبركة والسلامة. وقيل: يقدّر في هذه ما يتعلّق به إعزاز الدين وما فيه النفع العظيم للمسلمين، وفي ليلة النصف يكتب أسماء من يموت ويسلّم إلى ملك الموت، واللَّه تعالى أعلم بحقيقة الحال.

أقول: إنّ المكتوب في ليلة القدر ويقدّر يُفترض أنّ كتابته وتقديره إنّما يُكتب ويقدّر لتسليمه إلى من يوكّل إليه تدبير الأُمور بإذن اللَّه، كالملائكة الموكّلين، فالتنزّل بكلّ هذه التقديرات والكتابة إلى الأرض إلى من يسلّم؟ ومن هو الذي يطّلع على ذلك من أهل الأرض؟ وما هو التناسب بين نزول ما فيه إعزاز الدين والأُمّة، والحديث النبويّ: (إنّ الإسلام لا يزال عزيزاً إلى اثني عشر خليفة... كلّهم من قريش) (1) ؟

أقوال علماء سنّة الجماعة في عِوَضية الليلة له عن غصب الخلافة:

قال في تفسير ( أَلْفِ شَهْرٍ ) : وقد سمعت إلى ما يدلّ أنّ الألف إشارة إلى مُلك بني أُميّة، وكان على ما قال القاسم بن الفضل: ألف شهر، لا يزيد يوماً ولا ينقص

____________________

1) المعجم الكبير للطبراني، ج2، ص232. ولاحظ: إحقاق الحق، ج13، 1 - 49.

٢٩٠

يوماً، على ما قيل: ثمانين سنة، وهي ألف شهر تقريباً؛ لأنّها ثلاثة وثمانون سنة وأربعة أشهر، ولا يعكّر على ذلك ملكُهم في جزيرة الأندلس بعد؛ لأنّه ملك يسير في بعض أطراف الأرض وآخر عمارة العرب، ولذا لا يعدّ من مَلَكَ منهم هناك من خلفائهم، وقالوا بانقراضهم بهلاك مروان الحمار.

وطعن القاضي عبد الجبّار في كون الآية إشارة لما ذُكر؛ بأنّ أيام بني أُمية كانت مذمومة أي باعتبار الغالب، فيبعد أن يقال في شأن تلك الليلة إنّها خير من ألف شهر مذمومة:

ألم ترَ أنّ السيف ينقص قدره

إذا قيل إنّ السيف خيرٌ من العصا

وأُجيب: إنّ تلك الأيام كانت عظيمة بحسب السعادات الدنيوية، فلا يبعد أن يقول اللَّه تعالى: أعطيتك ليلة في السعادات الدينية أفضل من تلك في السعادات الدنيوية، فلا تبقى فائدة.

ليلة القدر مع الأنبياء في ما مضى فهي مع من في ما بقي:

الروح النازل في ليلة القدر قناة غيبية كانت مع الأنبياء، فهي مع من بعد النبيّ الخاتم؟ قال: وما أشير إليه من خصائص هذه الأُمّة هو الذي يقتضيه أكثر الأخبار الواردة في سبب النزول، وصرّح به الهيثمي وغيره.

وقال القسطَلاني: إنّه معترض بحديث أبي ذر عند النسائي، حيث قال فيه: (يا رسول اللَّه، أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رُفعت. قال: بل هي باقية). ثمّ ذكر أنّ عمدة القائلين بذلك الخبر الذي قدّمناه في سبب النزول من رؤيته صلى‌الله‌عليه‌وآله تقاصر أعمار أُمّته عن أعمار الأُمم، وتعقّبه بقوله هذا محتمل للتأويل، فلا يدفع الصريح في حديث أبي ذر كما قاله الحافظان: ابن كثير في تفسيره، وابن حجر في فتح الباري.

٢٩١

وقد اختلف العلماء في ليلة القدر اختلافاً كثيراً، وتحصّل لنا من مذاهبهم في ذلك أكثر من أربعين قولاً، كما وقع لنا نظير ذلك في ساعة الجمعة، وقد اشتركتا في إخفاء كلّ منهما ليقع الجدّ في طلبهما:

القول الأوّل: إنّها رُفعت أصلاً ورأساً. حكاه المتولّي في التتمّة عن الروافض، والفاكهاني في شرح العمدة عن الحنفية، وكأنّه خطأ منه، والذي حكاه السروجي أنّه قول الشيعة.

أقول: بل الشيعة الإمامية هم المذهب الوحيد على وجه الأرض القائلون ببقاء الاتّصال بين الأرض والسماء، وأنّ هناك سبب متّصل هو الإمام من عِترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن لم يكن هذا الاتّصال وحياً نبويّاً، وهو الذي يتنزّل عليه الروح الأعظم والملائكة كلّ عام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بينما المذاهب الإسلامية كلّها حتّى الزيدية، وإن قالوا باستمرار الإمامة السياسية وعدم حصرها بالأئمّة المنصوص عليهم وأنّ الإمامة هي لكلّ من قام بالثورة على الظلم ولا يشترط فيها العصمة، إلاّ أنّهم قائلون بانقطاع الاتّصال أيضاً بين الغيب والشهادة.

وانقطاع الاتّصال ذهبت إليه اليهود بعد النبيّ موسى عليه‌السلام ، كما ذهبت إليه النصارى بعد النبيّ عيسى عليه‌السلام .

وقال: وقد روى عبد الرزّاق من طريق داود بن أبي عاصم، عن عبد اللَّه بن يخنس: قلت لأبي هريرة: زعموا أنّ ليلة القدر رُفعت، قال: كذّب من قال ذلك. ومن طريق عبد اللَّه بن شُريك قال: ذكر الحجاج ليلة القدر فكأنّه أنكرها، فأراد زر بن حُبيش أن يحصبه فمنعه قومه.

الثاني: إنّها خاصّة بسنة واحدة وقعت في زمن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حكاه الفاكهاني أيضاً.

الثالث: إنّها خاصّة بهذه الأُمّة، ولم تكن في الأُمم قبلهم، جزم به ابن حبيب وغيره من المالكية ونقله الجمهور، وحكاه صاحب العدّة من الشافعية ورجّحه،

٢٩٢

وهو معترض بحديث أبي ذر عند النسائي، حيث قال فيه: قلت: يا رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رفعت قال: لا، بل هي باقية.

وعمدتهم قول مالك في الموطأ: بلغني أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تقاصر أعمار أمّته عن أعمار الأُمم الماضية، فأعطاه اللَّه ليلة القدر، وهذا يحتمل التأويل، فلا يدفع التصريح في حديث أبي ذر (1) .

ليلة القدر يفصل فيها المقدّرات لأحداث كلّ السنة:

وقال الآلوسي في روح المعاني في تفسير قوله تعالى ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (2) : أي من أجل كلّ أمر تعلّق به التقدير في تلك السنة إلى قابل وأظهره سبحانه وتعالى لهم، قاله غير واحد. ف)من(بمعنى اللام التعليلية متعلّقة بتنزّل، وقال أبو حاتم: (من) بمعنى الباء، أي تنزّل بكلّ أمر، فقيل: أي من الخير والبركة، وقيل: من الخير والشرّ وجعلت الباء عليه للسببية.

والظاهر على ما قالوا إنّ المراد بالملائكة المدبّرات؛ إذ غيرهم لا تعلّق له بالأُمور التي تعلّق بها التقدير ليتنزّلوا لأجلها على المعنى السابق، وهو خلاف ما تدلّ عليه الآثار من عدم اختصاصهم بالمدبّرات (3) .

ليلة القدر يتحقّقها وتتنزّل على من شاء اللَّه تعالى من عباده:

جاء في شرح صحيح مسلم للنووي قوله: (اعلم أنّ ليلة القدر موجودة... وأنّها تُرى ويتحققّها من شاء اللَّه تعالى من بني آدم كلّ سنة في رمضان، كما تظاهرت عليه الأحاديث... وأخبار الصالحين بها، ورؤيتهم لها أكثر من أن تُحصر. وأمّا قول القاضي عيّاض عن المهلّب بن أبي صُفرة: لا يمكن رؤيتها حقيقةً. فغلط فاحش

____________________

1) فتح الباري، ص262 - 263، كتاب فضل ليلة القدر.

2) سورة القدر: 6.

3) روح المعاني، ج30، ص196.

٢٩٣

نبهتُ عليه لئلاّ يُغترّ به) (1) .

وقال في ذيل سورة الدخان، في قوله تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) (2) : أي الكتاب المبين الذي هو القرآن على القول المعوّل عليه في ( لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ) هي ليلة القدر، على ما روي عن ابن عبّاس وقتادة.

وفي تحفة المحتاج لابن حَجَر الهيتمي: (ليس لرائيها كَتْمها، ولا ينال فضلها - أي كمالها - إلاّ من أطلعه اللَّه عليها)، انتهى.

والظاهر أنّه عَنى برؤيتها: رؤية ما يحصل به العلم له بها، ممّا خُصّت به من الأنوار، وتنزّل الملائكة عليهم‌السلام ، أي: نحوٍ من الكشف ممّا لا يعرف حقيقته إلاّ أهله، وهو كالنصّ في أنّها يراها من شاء اللَّه تعالى من عباده. ثمّ حكى عن ابن شاهين: إنّه لا يراها أحد من الأوّلين والآخرين إلاّ نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ قال: وفي بعض الأخبار ما يدلّ على أنّ رؤيتها مناماً وقعت لغيره صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففي صحيح مسلم وغيره، عن ابن عمر: (إنّ رجالاً من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحرّياً فليتحرَّها في السبع الأواخر) (3) .

وحُكي نحو قول ابن شاهين عن غيره أيضاً، وغلّط، ففي شرح صحيح مسلم وابن جُبير ومجاهد وابن زيد والحسن، وعليه أكثر المفسّرين والظواهر معهم.. والمراد بإنزاله في تلك الليلة إنزاله فيها جملةً إلى السماء الدنيا من اللوح، فالإنزال المنجّم في ثلاث وعشرين سنة أو أقل كان من السماء الدنيا، وروي هذا عن ابن جرير وغيره، وذكر أنّ المحلّ الذي أُنزل فيه من تلك السماء البيت المعمور، وهو

____________________

1) شرح مسلم، ج8، ص66.

2) سورة الدخان: 3.

3) صحيح مسلم، ج3، ص170.

٢٩٤

مسامِت للكعبة، بحيث لو نزل لنزل عليها.

وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي أنّه قال: أُنزل القرآن جملةً على جبرئيل عليه‌السلام ، وكان جبرئيل عليه‌السلام يجي‏ء به بعدُ إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ليلة القدر في سورة الشورى والنزول الأول للقرآن:

وقال في ذيل قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ... ) (1) : وهو ما أُوحي إليه (عليه الصلاة والسلام)، أو القرآن الذي هو للقلوب بمنزلة الروح للأبدان حيث يحييها حياة أبدية. وقيل: أي ومثل الإيحاء المشهود لغيرك، أوحينا أبو القاسم إليك. وقيل: أي مثل ذلك الإيحاء المفصّل، أوحينا إليك، إذ كان عليه الصلاة والسلام اجتمعت له الطرق الثلاث، سواء فُسّر الوحي بالإلقاء، أم فُسّر بالكلام الشفاهي.

وقد ذُكر أنّه (عليه الصلاة والسلام) قد أُلقي إليه في المنام كما أُلقي إلى إبراهيم عليه‌السلام ، وأُلقي إليه عليه الصلاة والسلام في اليقظة على نحو إلقاء الزبور إلى داود عليه‌السلام . ففي (الكبريت الأحمر) للشعراني، نقلاً عن الباب الثاني من (الفتوحات المكّية): أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أُعطي القرآن مجملاً قبل جبرئيل عليه‌السلام ، من غير تفصيل الآيات والسور. وعن ابن عبّاس تفسير الروح بالنبوّة. وقال الربيع: هو جبرئيل عليه‌السلام .

وعليه، فأوحينا مضمّن معنى أرسلنا، والمعنى: أرسلناه بالوحي إليك؛ لأنّه لا يقال: أوحى الملك بل أرسله.

ونقل الطبرسي عن أبي جعفر، وأبي عبد اللَّه (رضي اللَّه تعالى عنهما): أنّ المراد بهذا الروح ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يصعد

____________________

1) سورة الشورى 52: 42.

٢٩٥

إلى السماء. وهذا القول في غاية الغرابة، ولعلّه لا يصحّ عن هذين الإمامين.

وتنوين (روحاً) للتعظيم، أي روحاً عظيماً (1) ... وقال في ذيل قوله تعالى ( وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ ) : أي الروح الذي أوحيناه إليك. وقال ابن عطية: الضمير للكتاب، وقيل للإيمان، ورجّح بالقرب، وقيل للكتاب والإيمان ووحّد؛ لأنّ مقصدهما واحد فهو نظير ( وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ) (2) .

____________________

1) روح المعاني، ج25، ص 80 - 81.

2) سورة التوبة: 62.

٢٩٦

ليلة القدر

في روايات أهل سنّة الخلافة

دوام ليلة القدر في كلّ عام إلى يوم القيامة:

1 - فقد روى عبد الرزّاق الصنعاني في (المصنّف) بسنده، عن مولى معاوية، قال: (قلت لأبي هريرة: زعموا أنّ ليلة القدر قد رُفعت، قال: كذّب من قال كذلك، قلت: فهي كلّ شهر رمضان استقبله؟ قال: نعم... الحديث) (1) ، ورواه عنه بطريق آخر (2) ، ورواه كنز العمّال أيضاً (3) .

2 - وروى عبد الرزّاق الصنعاني في المصنّف بسنده، عن ابن عبّاس، قال: (ليلةٌ في كلّ رمضان يأتي، قال: وحدّثني يزيد بن عبد اللَّه بن الهاد: أنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله سُئِل عن ليلة القدر، فقيل له: كانت مع النبيّين ثمّ رُفعت حين قُبضوا، أو هي في كلّ سنة؟ قال: بل هي في كلّ سنة، بل هي في كلّ سنة) (4) .

3 - وروي عن ابن جرير، قال: (حُدّثت: أنّ شيخاً من أهل المدينة سأل أبا ذر بمنى، فقال: رُفعت ليلة القدر أم هي في كلّ رمضان؟ فقال أبو ذر: سألت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت: يا رسول اللَّه رُفعت ليلة القدر؟ قال: بل هي كلّ رمضان) (5) .

4 - وروى ابن أبي شيبة الكوفي في المصنّف في باب ليلة القدر، بسنده إلى ابن

____________________

1) المصنّف، ج3، ص216، ح 5586.

2) المصنّف، ج3، ص255، ح 7707.

3) كنز العمّال، ج3، ص634، ح 24490.

4) المصنّف، ج4، ص255، ح 7708.

5) المصنّف، ج4، ص255، ح 7709، وأخرجه هق، ج4، ص307، والطحاوي، ج2، ص50.

٢٩٧

أبي مرثد عن أبيه، قال: (كنت مع أبي ذر عند الجمرة الوسطى، فسألته عن ليلة القدر، فقال: كان أسأل الناس عنها رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا: ليلة القدر كانت تكون على عهد الأنبياء فإذا ذهبوا رُفعت؟ قال: لا ولكن تكون إلى يوم القيامة) (1) .

5 - أخرج السيوطي في الدرّ المنثور: (عن محمّد بن نصر، عن سعيد بن المسيّب أنّه سُئل عن ليلة القدر، أهي شي‏ء كان فذهب، أم هي في كلّ عام؟ فقال: بل هي لأُمّة محمّد ما بقي منهم اثنان) (2) .

أقول: وفي هذه الرواية - وإن كانت مقطوعة - دلالةٌ على أن لو بقي في الأرض رجلٌ واحد لكان الثاني هو الحجّة وخليفة اللَّه في الأرض، الذي تنزّل عليه ليلة القدر بمقادير الأُمور، وأنّ ليلة القدر هي من حقائق وخصائص روح الحجّة في الأرض.

6 - وروى الطبري بسنده عن ربيعة بن كلثوم، قال: (قال رجل للحسن وأنا أسمع: أرأيت ليلة القدر في كلّ رمضان هي؟ قال: نعم، واللَّه الذي لا إله إلاّ هو إنّها لفي كلّ رمضان، وأنّها ليلة القدر، فيها يُفرق كلّ أمر حكيم، فيها يقضي اللَّه كلّ أجل وعمل ورزق إلى مثلها) (3) .

النزول في ليلة القدر وحي للأنبياء، واستمراره بعد الأنبياء:

قال ابن خزيمة في صحيحه (4) : باب ذكر أبواب ليلة القدر، والتأليف بين الأخبار المأثورة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيها ما يحسب كثيراً من حملة العلم، ممّن لا يفهم صناعة العلم، أنّها متهاتِرةٌ متنافية، وليس كذلك هي عندنا بحمد اللَّه ونعمته، بل هي

____________________

1) المصنّف لابن أبي شيبة، ج2، ص394، ح 5، باب 341.

2) الدرّ المنثور، ج6، ص371، في ذيل سورة القدر.

3) جامع البيان، ج25، ص139، ح24000.

4) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص320.

٢٩٨

مختلفة الألفاظ متّفقة المعنى، على ما سأبيّنه إن شاء اللَّه.

قال أيضاً: باب ذكر دوام ليلة القدر في كلّ رمضان إلى قيام الساعة، ونفي انقطاعها بنفي الأنبياء.

7 - وروى بسنده إلى أبي مرثد، قال: (قال: لقينا أبا ذر وهو عند الجمرة الوسطى، فسألته عن ليلة القدر، فقال: ما كان أحد بأَسأل لها منّي، قلت: يا رسول اللَّه ليلة القدر أُنزلت على الأنبياء بوحي إليهم فيها ثمّ ترجع؟ فقال: بل هي إلى يوم القيامة.. الحديث) (1) ، ورواه بطريق آخر أيضاً، في باب أنّ ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان (2) .

8 - وروى النسائي، والقسطلاني، والهيثمي، وابن حجر في فتح الباري، وابن كثير في تفسيره حديث أبي ذر - في ليلة القدر - قال: (يا رسول اللَّه أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رُفعت؟ قال: بل هي باقية).

9 - وروى أحمد بن محمّد بن سلمة في شرح معاني الآثار، في باب الرجل يقول لامرأته أنت طالق ليلة القدر، متى يقع الطلاق؟ بسنده، إلى مالك ابن مرثد عن أبيه، قال: (سألت أبا ذر فقلت: أسألت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ليلة القدر؟ قال: نعم، كنت أسأل الناس عنها، قال عكرمة: يعني أشبع سؤلاً، قلت: يا رسول اللَّه، ليلة القدر أفي رمضان هي أم في غيره؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : في رمضان. قلت: وتكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا رُفعوا رُفعت؟ قال: بل هي إلى يوم القيامة) (3) .

10 - وفي صحيح ابن حِبان، قال في باب ذكر البيان بأنّ ليلة القدر تكون في العشر الأواخر كلّ سنة إلى أن تقوم الساعة، ثمّ روى بسند متّصل رواية أبي ذر

____________________

1) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص320.

2) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص321.

3) شرح معاني الآثار، ج3، ص85.

٢٩٩

المتقدِّمة واللفظ فيها... (تكون في زمان الأنبياء ينزل عليهم الوحي، فإذا قُبضوا رُفعت؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : بل هي إلى يوم القيامة) (1) .

وروى البيهقي في فضائل الأوقات رواية أبي ذر المتقدّمة بإسناده (2) ، وقال - قبل تلك الرواية -: وليلة القدر التي ورد القرآن بفضيلتها إلى يوم القيامة وهي في كلّ رمضان... ثمّ نقل الخبر المزبور. وروى الهيثمي في موارد الظمآن رواية أبي ذر بسنده (3) .

11 - وروى أحمد بن محمّد بن سَلمة في معاني الآثار، في باب الرجل يقول لامرأته أنت طالق ليلة القدر، متى يقع الطلاق؟ بسنده إلى سعيد بن جبير عن ابن عمر، قال: (سُئل رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أسمع عن ليلة القدر؟ فقال: في كلّ رمضان). ففي هذا الحديث أنّها في كلّ رمضان، فقال قوم هذا دليل على أنّها تكون في أوّله وفي وسطه، كما قد تكون في آخره. وقد يحتمل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (في كلّ رمضان)، هذا المعنى، ويحتمل أنّها في كلّ رمضان إلى يوم القيامة (4) ، ورواه بطرق أخرى غير مرفوعة.

أقول: هذه الروايات عند العامّة مطابقة لما يأتي من الروايات عند أهل البيت عليهم‌السلام ، من عدّة وجوه، أهمّها:

أوّلاً: ليلة القدر كانت من لَدُن آدم عليه‌السلام ، واستمرّت إلى النبيّ الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي مستمرّة إلى يوم القيامة نزولاً على خلفاء النبيّ الاثني عشر.

وثانياً: إنّ هذا الروح النازل في ليلة القدر هو قناة ارتباط الأنبياء والأوصياء مع الغيب.

وثالثاً: ممّا يدلّل على عموم الخلافة الإلهية: ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ

____________________

1) صحيح ابن حِبّان، ج8، ص438.

2) البيهقي، ص 219.

3) موارد الظمآن، ص 231.

4) شرح معاني الحديث، ج3، ص84.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502